إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث السابع

المشهد والمكان والزمان

أولا: المشهد The Scene

يُعد المشهد، أكثر العناصر أهمية في السيناريو، المكان الذي يقع فيه حدث ما، حين يحدث أمر معين ما، كما أنه وحدة خاصة من الحدث الدرامي، والمكان الذي تسرد فيه أحداث القصة.

فالمشاهد الجيدة تصنع أفلاماً جيدة، فعندما تذكُر فيلماً جيداً، فإنك تتذكر مشاهد، ولا تتذكر الفيلم كله. إن الطريقة التي يعرض فيها الكاتب مشاهده على صفحات الورق، تترك أثرها البالغ على مجمل السيناريو، لأن السيناريو هو خبرة قراءة. إن غرض المشهد وغايته، أن يدفع بالقصة إلى الأمام.

والمشهد قد يطول أو يقصر، حسبما نراد به، فقد يطول بحيث يشتمل على ثلاث صفحات حوار، أو قد يكون قصيراً إلى حدٍ يتكون فيه من لقطة، كمشهد سيارة تنطلق مسرعة، في طريق عام. إذن، فالمشهد من صنع كاتب، من حيث الطول أو القصر. والقصة هي التي تلعب دوراً مهماً في تقرير طول أو قصر المشهد، فهي التي ستوضح كل شيء يراد معرفته.

ويشتمل كل مشهد على أمرين: المكان والزمان.

في أي "مكان" تدور أحداث المشهد؟ أفي مكتب ؟ أم في سيارة؟ أم على الشاطئ ؟ أم في الجبال؟ أم في شارع مزدحم داخل مدينة ؟ وأين هو الموقع location الخاص بالمشهد؟

أما العنصر الآخر فهو الزمان "Time "، ويعني الزمان الذي تدور فيه أحداث المشهد. وهل في النهار أم في الليل؟ هل في الصباح؟ أم بعد الظهر؟ أم في وقت متأخر من الليل؟

ويقع كل مشهد في نطاق "مكان" محدد، في "زمان" محدد، وهل هو نهاري أم ليلى؟، وأين هو المكان الذي تجرى فيه أحداث المشهد ؟ في الداخل أم في الخارج، أو كما يشار إليه بعبارة (داخلي Interior) أو خارجي (Exterior). وعلى ذلك فإن المشهد، من حيث الشكل، يصبح كالآتي: داخلي: "بغرفة جلوس ـ ليلى"، أو خارجي: "شارع ـ نهاري"، فعلى الكاتب أن يكون ملماً بمسألتي المكان والزمان، قبل أن يؤسس أو يبني أي مشهد، لأنه إذا تم تغيير أي منهما ـ أي الزمان أو المكان ـ نصبح أمام مشهد جديد.

إن تغييرات المشهد ضرورية حتماً في تطوير السيناريو. فالمشهد هو كل شيء يحدث، حيث تُروى فيه القصة بلغة الصور المتحركة.

والمشهد مبني على أساس البداية والوسط والنهاية، مثل السيناريو، كما يُمكن أن يُقدم جزء منه قسماً من المشهد، كأن تظهر فقط نهاية المشهد.

وكل مشهد يكشف النقاب عن جانب واحد على الأقل، من المعلومات الضرورية التي تتضمنها القصة،  ونادراً ما يقدم المشهد أكثر من ذلك. إن المعلومة، التي يتلقاها المشاهد، هي الغاية والقصد من المشهد.

وعموماً، هناك نوعان من المشاهد : الأول، حيث يقع حدث ما، ونشاهده "بصريا"، مثل مشهد الفعل والحركة، كمشهد المطاردة التي تدور في بداية فيلم حرب النجوم، أو مشاهد الملاكمة في فيلم روكي، والنوع الآخر هو مشهد حوار بين شخصين أو أكثر، ومعظم المشاهد تشمل الأمرين معاً.

لنفترض أن الكاتب بصدد كتابة مشهد حول وضع حد لعلاقة، تُرى كيف يُقدم مثل هذا المشهد؟

في البداية تُثبْت الغاية من المشهد وتحدّد، وفي هذه الحالة تكون العلاقة قد أنهيت، ثم نحدد بعد ذلك المكان الذي يقع فيه الحدث، وتوقيت وقوعه، نهاراً أو ليلاً، وقد يقع مكان الحدث في سيارة أو في الشارع أو في دار للسينما أو في مطعم. ويتوقف ذلك على الهدف من المشهد.

وينبغي على الكاتب أن يمارس حرية "الخيار Choice"، و"المسئولية Responsibility"، أثناء بناء وتقديم المشاهد التي يكتبها.

ثانياً: المكان:

يبرز الدور الأساسي، الذي يلعبه المكان في الفيلم، من جراء أن الكاميرا تستطيع الذهاب إلى أية بقعة في العالم، دون أي تأخير. فيمكن أن يكون المشهد في أفريقيا، ثم يتبعه مشهد في آسيا، ويمكن تقديم مشهد في طائرة، ويكون المشهد التالي في أعماق الأرض، في منجم فحم.

فالفيلم السينمائي حر في هذا المجال، ولكن سرعان ما يزول الفرح بهذه الإمكانات الهائلة، بالسؤال عن أي الأماكن التي يجب أن تذهب إليها الكاميرا؟. وبالنسبة للقرار الذي يتعلق باختيار اللقطات، يمكن أن القول، بأن في الإمكان الذهاب إلى تلك الأماكن، التي يقع فيها شيء مهم.

وبشكل مشابه، أيضاً، ينتج هذا المبدأ عن الحاجة الضرورية في الذهاب إلى كل الأماكن التي يقع فيها شيء مهم. ومن الخطأ أن يُشار إلى حادثة مهمة تقع في مكان آخر دون أن نرى الحادثة، فهذا هو الاختلاف الحيوي بين الفيلم والمسرح.

ويمكن أن تقع حادثة خلاف مثلاً، بين خصمين دون حاجته إلى مكان محدد. وفي هذه الحالة يواجه الكاتب بمشكلة اختيار المكان الصحيح لهذه الحادثة. وتأتي حرية الذهاب إلى مكان ما، من حاجتنا إلى الاختيار السليم للمكان.

ويجب أن ندرك أن كل مكان مرتبط بمعالم محددة، وتؤثر هذه المعالم في الأحداث، التي تقع فيه، ومن ثم يعني الاختيار السليم للمكان، أن تضيف هذه المعالم إلى الأحداث، ويعنى الاختيار الخاطئ للمكان حدوث التناقض. وبالفعل نجد أن الاختيار العبثي للمكان، في أغلب الأفلام المتواضعة، يؤدى إلى حدوث خلل في الفيلم، أما الفيلم الجيد فإن الاختيار السليم للمكان، يؤدي إلى إضافة جوهرية لقيم القصة.

وتتكون معالم المكان من:

1.   السمة المميزة (مكتب، أو مزرعة، أو مستشفي).

2.   النوع (مزدحم، أو جديد، أو رخيص ).

3.   الغرض ( متحف للفن، أو مصنع السلع، أو سجن).

4.   العلاقة بالنسبة للشخص، أو مع أكثر من شخص.

5.   الموقع (مطعم في أحد المصايف، أو كوخ في الصحراء، أو غرفة فندق في مدينة ما).

ويمكن لكل وحدة من هذه المعالم أن تؤثر في المشهد بقوة، كما يمكن أن يحدد نوع المكان الملامح الشخصية لأصحابه. وقد تكون للموقع أهمية ليس فقط لذاته، ولكن أيضاً لعلاقته بموقع في مكان آخر.

ثالثاً: الزمان:

عند مناقشة "المكان" كانت الظواهر ملموسة، والحقائق، مادية. ولكن في "الزمان" يبدو الأمر تجريدياً تماماً. فالزمن شيء خفي، حتى فكر كثير من كتاب السيناريو في تجاهله. ولكن على الرغم من كون الزمان خفياً ومجرداً، إلا أنه لديه طريقة ملموسة تساعد، أو تقضى على السرد القصصي في الفيلم.

ويكمن الاختلاف الأساسي بين المكان والزمان، في أنّ "المكان" يظل على ما هو عليه، بينما "الزمان" لا يدوم، حتى لمدة ثانية. فغرفة النوم هي نفسها بعد يوم أو بعد أسبوع، ولكن الزمان يتقدم من دقيقة لأخرى.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن توجد أماكن مختلفة، تفصلها مسافات، ولا يهم اتساع أو بُعد المسافات بينها. فالوقت هو الوقت نفسه بالنسبة إليها في ساعة معينة متفق عليها. ولمّا كان الوقت متماثلاً بالنسبة للمواقع المختلفة، فإن الزمن يُعد بمثابة وسيلة ممتازة للوصل بين الأماكن المتباعدة بعضها ببعض، وهذا يعنى أن الحدث الذي يقع في وقت معين في أحد الأماكن، يمكن أن يتواصل مع حادثة تقع في الوقت نفسه في مكان آخر، فوسيلة الربط هي التماثل.

والزمن دوماً متحرك، وهذه الحركة تكون، دائماً، للأمام. ويمكن للروائي أن يضفي بحرية أحداثاً وقعت في الماضي، وتلك التي سوف تحدث في المستقبل، ولكن مع الأخذ في الحسبان أن مشاهد الفيلم تتحرك للأمام. وبترتيب متتال يشير إلى التعاقب الزمني، ويمكن تبديل هذا الانسياب بالارتدادات، أو بالاختراع الجديد نسبياً من خلال التخيل أو الامتداد للأمام، على أن يتم تناولهما بلباقة، لتجنب بلبلة المتفرج.

والزمن الكلي، الذي تمثله قصة الفيلم السينمائي، غير محدود، حيث يمكن أن يراوح بين ساعتين إلى عدد من السنوات، ولكن لابد أن يفهم أن الثانية من الزمن داخل كل مشهد، هي بمثابة ثانية من الزمن الحقيقي. فالمشهد الذي يستمر خمس دقائق، يمثل خمس دقائق من الزمن الفعلي، ليس أكثر وليس أقل. وبمعنى آخر، فالفيلم الذي يُغطي في ساعتين فترة قرنين من الزمان، نرى فقط من بين آلاف الساعات، ساعتين من داخل هذه المساحة الطويلة من الزمن، والباقي يحتويه الوقت المنقضي بين المَشَاهد.

ويعنى هذا أن المشهد الذي يستمر طويلاً، سوف يبدو بطيئاً، لأن التدفق المستمر للزمن سيبدو بطيئاً، بالمقارنة مع الفترات، التي نستطيع أن نميّزها في مرور الزمن. ويمكن لكاتب السيناريو أن يقطع مشهده بتداخل مشهد آخر، ويستطيع فيما بعد أن يعود إلى المشهد الأول، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يُدرك أن الزمن قد تقدم، فلا يستطيع العودة إلى المشهد الأول  الذي تركه؛ ولكن عليه العودة إليه عند لحظة لاحقة، تمثل على الأقل الزمن الذي انقضى في المشهد المتداخل. ومع ذلك يمكن أن يكون أكثر طولاً، لأن الزمن الذي انقضى بين المشهدين، لم يتحدد.

إِنّ مدة مرور الزمن لها تأثيرها على القصة، ومن أهم التأثيرات الجوهرية لمرور الزمن على عقولنا أنه يجعلنا ننسى. فهو يضّمد الجراح ويجعلنا نبتسم مما كان يُغضبنا في الماضي، وإذا فصل مرور يوم بين أحد المشاهد، فإن أحداث المشهد التالي تظل حادة، وتتمثل بحيوية في عقل المتفرج، كما في عقول الممثلين. أما إذا مّر عام خلال التغير من مشهد لآخر، فإن الأحداث تظل حاضرة بشكل حيوي في عقل المتفرج، لأنه عاش فترة ثانية واحدة بين المشهدين، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لعقول شخصيات في القصة. فبالنسبة لهم فإن مرور الزمن الطويل قد محا التأثير الوقتي للثورة، أو الغضب، أو الفرح، أو الحزن. وتستطيع فقط العواطف أو المواقف العميقة، البقاء لمدة طويلة من الزمن. والفيلم الذي يحتوى على فترات مرور للزمن طويلة بين المشاهد، يُصبح ملحمياً بدلاً من درامياً، حيث يكون درامياً في أجزاء متناثرة، أي في تلك المجموعة من المشاهد، التي لا تفصلها فترات زمنية طويلة.

عرض الزمان:

إن التعرف على مكان محدد مرة واحدة كافٍ، لأن المكان يظل كما هو. فإذا حدثت بعض المشاهد خلال سير القصة في المكان نفسه، فتكفي فقط المرة الأولى للتعرف على المكان، ومن ثم فسوف نتعرف بسهولة على موقع التصوير. وهذا يعنى عدم ضرورة عرض المكان حتى نهاية الفيلم، كلما عادت الأماكن نفسها إلى الظهور. وفائدة ذلك، أنه يعني على التركيز الكامل على الحدث، لأننا لسنا في حاجة إلى عرض المكان.

والحاجة إلى عرض دقيق للزمن، هي أقل ضرورة من الحاجة إلى عرض المكان. ولأن الزمن غير مرئي ومجرد، فيمكن عرضه فقط بالتعبير العملي. وكل حدث أو تطور يحتوى دائماً على مدى معين من الزمن، لذلك يمكن تمثيل مرور الوقت بالنتيجة أو التقدم لأي حدث، أو أي تطور، ويمكن بسهولة رؤية النتيجة، مثل تقدم الحدث أو التطور في الفيلم، وإذا تحقق ذلك، فهو يعني أننا نعرض الزّمن.

ويمكن أن يُعد التغير من النهار إلى الليل، ومن الليل إلى الصباح، بمثابة تطور. ومن الشائع أن مثل هذا التطور يتطلب حوالي اثنتي عشرة ساعة. ويسرى الشيء نفسه على تغير فصول السنة إذ يستغرق مشهد في الربيع، ومشهد في الخريف نصف عام على الأقل.

ومن المهم أن نتعرف على الصلة بين الزمن والحدث، كوسيلة مرغوبة للعرض تماماً بقدر ما هو إجراء مفروض، فعندما نعلم أن رجلاً يستغرق ساعة ليصل إلى مكتبه، فلا نستطيع أن ندعه يظهر هناك قبل ذلك، حتى ولو كان ظهوره مرغوباً فيه، من وجهة نظر القصة.

وإذا أردنا عرض زمن المشهد التالي، بدلاً من مرور الزمن بين المشاهد، بشكل معبّر وغير مباشر، فيُمكن ذلك بواسطة الحوار. وكذلك الأمر بالنسبة للمعلومات عن المكان، فيمكن إعداد زمن المشهد إما مسبقاً، أو عرضه عند بداية المشهد، أو إرجائه لما بعد المشهد.