إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث العاشر

"الواقع والقضايا السياسية والأحداث التاريخية"

كمصادر للسيناريو

أولاً: الواقع:

اشتهرت السينما من خلال كُتّاب الدراما، بالنقل من الحياة الواقعية المحيطة بشكل كبير. فقد نهلت السينما منها، وشكلت هذا الواقع وطوعته لأدواتها، واختلفت طرق التناول، كما تنوعت الموضوعات.

ومن أهم نماذج هذا الواقع ما يلي:

1. الخبر:

نجح بعض الكتاب في النقل عن الأخبار العابرة، التي قد ترد في الصحف، وكتبوا وفقاً لها أفلاماً ناجحة، مستغلين قدرتهم على التحليل والتخيل لهذا الخبر، وما يمكن أن يترتب عليه بعد ذلك.

ومثال تناول الكاتب والمخرج السينمائي سعيد مرزوق، خبراً ورد في جريدة الجمهورية المصرية عن حادث آثار الرأي العام. جاء في الخبر أنّ سيدة في الأربعينيات قتلت زوجها الثاني، الذي تزوجته بعد وفاة زوجها الأول، واكتشفت أنه إنسان لا يمكن معاشرته. وبعد قتله قطعت جثته إلى أجزاء يمكن حملها في حقائب صغيرة، وإلقائها في صناديق القمامة لإخفاء الجريمة. فدرس سعيد مرزوق ملفات القضية، وعكف على تخيل الأحداث، التي أدت إلى هذه الجريمة البشعة، من خلال المعلومات التي توفرت له من ملفات التحقيق. وقد نجح، إلى حد بعيد، في تقديم عمل سينمائي جيد وقوى باسم "القاتلة"، آثار ردود أفعال عنيفة، وأحدث ضجة لدى عرضه الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1997، وحصل الممثل أبو بكر عزت على جائزة أفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم، الذي جسد فيه شخصية الضحية ووجهها الآخر، الذي تخيله سعيد مرزوق، وقد صوره فـي السيناريو ـ أي الضحية ـ على أنه الجاني الحقيقي.

ويتضح من هذا المثال براعة مؤلف السيناريو، في تناول الخبر بأسلوب درامي حديث، حيث اعتمد على أسلوب العودة للماضي Flash Back. وعلى الرغم من بداية الفيلم بذروة الأحداث، إلا أنه نجح في الحفاظ على أدواته الدرامية، خاصة ما يتعلق بعنصر "التشويق Suspense"، ومن ثم نجح الفيلم في معالجة إحدى القضايا المهمة وتجريدها عن طريق التركيز عليها، ومواصلة التأكيد عن أن الضحية الحقيقية هي "القاتلة"، وليس القاتل. وهناك العديد من الكتاب الذين استفادوا من مثل هذه الأخبار، وحوّلوها إلى قصص درامية تصلح للسينما، بل وكانت لها ردود أفعال عظيمة داخل مجتمعاتها.

2. قضية تهم الرأي:

أصبح من المتعارف عليه نقل بعض كتاب السيناريو، عن القضايا التي تهم الرأي العام، وتحقيق النجاح للعمل الذي هم بصدده. وكمثل هؤلاء الكتاب دورهم الكبير والمؤثر في تطوير الأحداث، من القضية الواقعية، التي أخذوا عنها موضوعهم، وكيفية تناولها.

ومن القضايا المهمة التي تناولتها السينما الجريمة المنظمة، التي أطلق عليها الرأي العام (الإرهاب). وتحت الاسم نفسه كتب المؤلف المسرحي (لينين الرملي) سيناريو سينمائي أخرجه المخرج (نادر جلال) للسينما عام 1994، تحت اسم (الإرهابي): وقد تناول الفيلم قضية حقيقية وقعت أحداثها في منطقة المعادى، من خلال اختفاء أحد الإرهابيين الخطرين داخل أحد المنازل، وسط عائلة مصرية استضافته ـ على جهل بشخصيته الحقيقية ـ لفترة زمنية. ثم اشتبك معه رجال الأمن، وهو يحاول الهرب مما أدى لمقتله. ولم تكن هذه الأحداث مطابقة تماماً للواقع، وهذا ما يحدث غالباً، فللدراما أسلوبها، أما الفكرة الأساسية فكانت موجودة فقط في السيناريو المنقول من الواقع، بينما باقي الأحداث ـ التي أوجدها الكاتب لينين الرملي ـ فكانت من محض خياله، وكان يعالج بها فكرة إعادة هؤلاء الخارجين عن القانون، إلى نسيج المجتمع من جديد.

وهكذا نرى أن الكاتب يستطيع نقل الفكرة الرئيسية، من قضية تهم الرأي العامْ، لينسج الأحداث، كيفما يرى، لخدمة ما هو بصدد معالجته.

3. أحداث اجتماعية نقل عنها كتاب السيناريو:

نتيجة لأحداث ثورة يوليه في مصر، حدثت تغييرات اجتماعية عديدة في المجتمع المصري، نتج عنها تغير في الهرم الطبقي، وفي سلم أولوياته، بما أدى إلى بروز طبقة اجتماعية جديدة، وحدوث نوع من تبديل المقاعد بين الطبقات.

وقد عالج المخرج "عاطف الطيب" هذه المتغيرات، في كتابته لسيناريو فيلم "سواق الأتوبيس" وتقديمه للسينما عن قصة حقيقية، لأحد أفراد الطبقة الكادحة، الذي قدّم كل ما لديه لبلده، ولكنه لم يجد من يساعده، من أهل بلده، عندما تعرض لأزمة. وقد استطاع عاطف الطيب أن يتتبع هذه الأزمة، وينقل عنها هذا السيناريو، مستخدماً الشخصية كنواة ينسج من خلالها خياله الشخصي للأحداث، مرتكزاً على الواقع الاجتماعي الموجود بالفعل، ومن خلال قضايا مماثلة من واقع المجتمع.

4. من ملفات المخابرات:

استطاع كتاب السيناريو، كذلك، أن ينقلوا عن ملفات حقيقية للمخابرات، ما يتعلق بقضايا الجاسوسية. وقد حققت هذه الأعمال نجاحاً كبيراً، واتسمت هذه السيناريوهات بالتفوق في استخدام عناصر عديدة، مثل " عنصري الزمان والمكان، والمؤثرات الدرامية للتشويق.

ومن أمثلة هذه الأفلام "إعدام ميت"، و"مهمة في تل أبيب". وقد اتسمت مثل هذه الأفلام بالبعد الجماهيري، بسبب عنصر التشويق، وبراعة كتاب السيناريو.

ثانياً: القضايا السياسية

أطلق عليها صانعوها "الأفلام السياسية"، ويكون دور الكاتب فيها، وهو يصيغ السيناريو، أشبه بدور المحلل السياسي، الذي يتناول قضية سياسية بالتحليل، وبداهة يكون النسيج الدرامي (البناء الدرامي) مختلفاً، حيث يعتمد على أساليب غير تقليدية.

ومن الأعمال العالمية الضخمة، التي تبنت قضية سياسية فيلم "من قتل كنيدى"، للمخرج العالمي "أوليفر استون ـOliver stone"، الذي أعد السيناريو بنفسه، من خلال أسلوب بنائي جديد لتناول الموضوع. وقد بدأ من ذروة الأحداث، من مقتل الرئيس جون كيندي، ومن خلال تحليل القضية، يقول أوليفر استون: "إنّ القاتل الذي قُدم للمحاكمة ليس هو القاتل الحقيقي، بل هناك أسباب أخرى وجناة آخرون وراء هذه الجريمة"، ويوضح "أوليفر" ذلك من خلال أحد مشاهد الفيلم الذي يقول فيه المحقق وهو ـ بطل الفيلم ـ إن من قتل كيندي هي آلاف الدبابات والطائرات والأسلحة، التي تباع كل عام من أجل حرب يريد كيندي أن يوقفها، ويقصد "حرب فيتنام". وهكذا نلحظ كيف طوّر أوليفر استون الأحداث من أصل جريمة اغتيال سياسي لأحد الشخصيات السياسية اللامعة عالمياً، وكيف حلل الموضوع وجرده وفككه وأعاد بناءه، من وجهة نظره الخاصة، كصانع دراما متمكن من أدواته، السرد ـ رسم الشخصيات... وغيرها.

ثالثاً: النقل من الأحداث التاريخية:

برع كُتّاب سيناريو معاصرون في نقل الأحداث التاريخية، والخروج منها بسيناريوهات رائعة، خاصة أن بعضهم نقلوا من التاريخ، ليسقطوا منه على الحاضر، أو على القضايا المعاصرة، وبذلك يُمثل هذا العمل الناقل من التاريخ، عملاً عصرياً ناجحاً.

ومثال على ذلك فيلم "الناصر صلاح الدين"، للمخرج "يوسف شاهين"، والذي كتب سيناريو الفيلم أيضاً، أما الحوار فقد اشترك معه فيه بعض الكتاب، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وغيرهم من عمالقة الأدب.

ناقش سيناريو فيلم "الناصر صلاح الدين"، موضوعاً معاصراً، مازلنا بصدد البحث عن حل له، وهو موضوع السّلام مع الاحتفاظ بكامل أراضينا العربية، والخلاف التاريخي على القدس، كما طرح موضوعاً مهماً للعالم أجمع، وهو من صاحب الحق في السيادة على القدس، والدفاع عن حق العرب في هذه السيادة، لأن أورشيلم "أرض عربية"، كما ورد نصاً على لسان (صلاح الدين) في السيناريو.

والواقع أن كتابة سيناريوهات منقولة عن أحداث تاريخية حقيقية، يُعد عملاً صعباً للغاية، ويتطلب الأمر البحث الطويل في مراجع تاريخية. وقد تختلف بعض هذه المراجع بينها، بشأن حقائق تاريخية جوهرية، مما يجعل الكاتب، الذي يبحث في ذلك، يقضى وقتاً طويلاً لتحرى الحقيقة. ثم يُشرع في إعادة صياغة الموضوع، بما يتوافق مع لغة السينما، ويختار ما يناسب الموضوع من حيث أسلوب السرد. وقد يتخيل بعض الوقائع لعمل الربط اللازم للسيناريو، ليصبح وحدة نسيجها مترابط. ووجهة نظر الكاتب لها دور كبير، إذ من الضروري أن ينتصر لرأى أو اتجاه، من اتجاهات الصراع. (كما في الناصر صلاح الدين، حيث ينُاصر يوسف شاهين، موقف العرب ضد اليهود، ويطوّع السيناريو لوجهة النظر تلك).