إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث الخامس عشر

بناء الشخصية

الشخصية "Character": هي الأساس الجوهري للسيناريو، وهي القلب والروح والجهاز العصبي للقصة. فقبل كتابة كلمة واحدة على الورق، فمن المهم أن نتعرف جيداً على الشخصية، ومن هي الشخصية الرئيسية في هذا العمل الدرامي، وعن أي شئ تتحدث القصة؟

وتوجد عدة طرق لبناء الشخصية، وكلها صالحة، ولكن لابد أن يُختار أفضلها. فمن المهم أن تكوّن الشخصية الرئيسية للعمل، ثم تُفصل إلى صنفين: داخلية وخارجية. (انظر شكل بناء وخلق الشخصية) فالحياة الداخلية للشخصية تبدأ منذ الميلاد، حتى لحظة البدء بالفيلم، وهذه هي العملية التي تكوّن الشخصية. أما الحياة الخارجية لها فتبدأ منذ لحظة بدء عرض الفيلم، حتى الوصول إلى نهايته، وهي العملية التي تكشف الشخصية. وعلى الكاتب أن يجد الوسيلة الكفيلة بكشف صراعات الشخصية بصرياً، وأن يُبيّن المعرفة بالشخصية وتطويرها على الورق.

ويُبدأ ـ عادة ـ بالحياة الداخلية للشخصية، وأين يعيش؟ وأين ولدت؟ وكيف كانت علاقاتها مع الآخرين؟ ثم تتتبع حياتها إذا كانت تدرس أو تعمل، وكذلك حياتها العاطفية، ويجري الإجابات عن هذه التساؤلات جميعها.

     وفي الوقت الذي يكتمل فيه تأسيس الصورة الداخلية للشخصية، أي السيرة الذاتية، يُنتقل إلى الجزء الخارجي من القصة، أي الصورة الخارجية للشخصية، حيث يُكشف عنها منذ لحظة بدء العرض، حتى لحظة الاختفاء التدريجي للصورة النهائية.

أولاً:  كيف تُوضّح الشخصيات على الورق؟

في البداية، لا بد من إيجاد أُناس لهم علاقة مع آخرين، ومع أشياء أخرى. وكل الشخصيات الدرامية تتفاعل بطرق ثلاثة:

1.   أن يختبروا الصراع لتحقيق حاجتهم الدرامية، فعلى سبيل المثال كيف سيحصلون على المال، هل بسرقة أحد البنوك؟

2.   أن يتفاعلوا مع شخصيات أخرى، إما بطريقة عدائية، أو ودية، أو بطريقة مختلفة؛ فالدراما هي الصراع.

3.   أن تتفاعل الشخصيات مع نفسها، فعلى الشخصية الرئيسية مثلاً، أن تتغلب على مخاوفها من دخول السجن، لتتمكن من إنجاز السرقة بنجاح. فالخوف عامل انفعالي لابد من مجابهته وحصره، من أجل التغلب عليه.

وتُقسّم الشخصية ـ عادة ـ إلى ثلاثة مكونات أساسية: "مهنية، وذاتية، وخاصة (اُنظر شكل مفهوم الشخصية)

1. المهنية:

ما المهنة التي تعيش منها الشخصية؟ وكيف تتعامل مع الآخرين؟ وهل هي على علاقة طيبة بهم أم لا؟ وعندما ينتهي الكاتب من حصر واستشكاف علاقاته الشخصية، تكون هذه الشخصية قد وجدت، من وجهة نظر كاتب السيناريو.

2. الذاتية:

هل هذه الشخصية لعازب أم متزوج أم منفصل أم مطلق؟ وإذا كان متزوجاً فما مشكلة العلاقة الزوجية؟ وهل هو اجتماعي، أم إنطوائي، وما هي علاقاته الغرامية؟

3. الخاصة:

ما الهوايات المحببة للشخصية؟ أي تغطية مساحة كبيرة من الحياة الشخصية لها، ثم تحدد ـ بعد ذلك ـ مطالب هذه الشخصية في السيناريو. وعندما يُصل إلى هذا التحديد، نستطيع أن نحدد العقبات لتلك الحاجة، فينشأ الصراع. فالدراما هي الصراع، والفعل الدرامي هو قوام الشخصية، فالشخصية هي الفعل، والفيلم السينمائي وسيلة بصرية، ومسؤولية كاتب السيناريو أن يختار الصورة، التي تجسد سينمائياً تلك الشخصية، بوضعها في قالب درامي.

والواقع أن السيناريو قصة تروى بصرياً، عن طريق الصور. فالصور أو المشاهد تكشف أوجه الشخصية، من خلال أفعالها وفصائلها وسماتها الجسدية المميزة.

والحوار وظيفة من وظائف الشخصية، فإذا عرفنا الشخصية انساب الحوار بيسر وبخط يتمشى مع سير الأحداث في الرواية. وكتابة الحوار هي عملية تَعَودُّ وتعّلم، تقوم بمهمة التنسيق. فضلاً عن أن الحوار مسألة مرتبطة بحاجة الشخصية، وأحلامها، وينقل المعلومات والحقائق الواردة في الرواية إلى المشاهد، ويدفع بالرواية إلى الأمام، بل وينم عن الشخصية.

ثانياً: بناء الشخصية:

يُبنى قالب Context الشخصية أولاً، ثم يملأ هذا القالب بالمحتوى Content. والقالب والمحتوى[1]. كلاهما بعدان مجردان يقدمان الأداة، التي لا تقدر بثمن في عملية الإبداع، ويشكلان المفهوم الذي نستفيد منه.

وتتم عملية بناء الشخصية بلغة القالب، من خلال:

1.   تحديد حاجة الشخصية، وما تريد أن تحققه، أو تحصل عليه من خلال السيناريو، حيث تُسجل سيرة حياتها، ومن ثم يمكن اكتشافها، وعند الفراغ من كتابة سيرة حياة الشخصية، يُنتقل إلى الجزء الخارجي للشخصيات.

2.   تحديد وجهة النظر في هذه الشخصية، وهل هي شخصية ليبرالية أم محافظة؟ وهل هي من أنصار البيئة من المدافعين عن حقوق الإنسان، هل هي عنصرية؟ هل هي من الأشخاص الذين يؤمنون بالقدر والحظ، هل هي من هؤلاء الذين يثقون بالأطباء والمحامين، وما وجهة نظر هذه الشخصية فيما يتعلق بعملها؟ ومن ثم تصبح العناصر أجزاء محددة، ومتكاملة للشخصية.

3.   التأكد من أن كافة الشخصيات لديها وجهات نظر فردية ومحددة، كما يُبحث عن الوسائل التي تستطيع بها الشخصية دعم وجهات نظرها، والتعبير عنها درامياً.

والتساؤل المهم هو: ماذا عن الشخصية؟:

الواقع أن الشخصية موقف Attitude أي قالب، أو طريقة فعل، أو شعور يؤدى إلى كشف رأي الشخص. وهل هي عظيمة في موقعها؟ أم وضيعة؟ هل هي لشخص إيجابي أم سلبي؟ متفائلة أم متشائمة؟ مندفعة نحو الحياة وفي عملها، أم تعيسة؟

والشخصية، كذلك، هي السيرة الذاتية المميزة للشخص. فكل شخصية تظهر ذاتية الشخص بصرياً، وهل هي شخصية مرحة؟ هل هي سعيدة ومبتهجة وذكية، أم منبسطة وغير متحفظة؟ هل هي جادة ؟ هل هي لبقة في تعاملها، أم فظة، أم كشره ودون حدٍ أدنى من الذكاء وروح الدعابة؟

والشخصية أيضاً سلوك Behavior، فجوهر الشخصية هو الحدث الدرامي، وما يفعله الشخص ينم عنه. فالسلوك هو الحدث الدرامي، حيث يقدم الكثير من تصرفات الشخصية، التي تجري معالجتها في السيناريو. أما إذا وصل الكاتب إلى لقطة لا يعرف من خلالها ما يجب أن تفعله هذه الشخصية في موقف معين، فعليه أن يدخل إلى أعماق حياته الشخصية لاكتشاف ما يمكنه أن يفعله ـ لو كان هو في الموقف نفسه ـ فالكاتب أفضل مصدر للمادة، وإيجاد الحلول للمشكلة.

والشخصية أيضاً كشف "Revelation"، فمن خلال سرد أحداث القصة نتعرف على جوانب معينة للشخصية، فوظيفة كاتب السيناريو، كشف صور وجوانب الشخصية إلى القارئ والمشاهد، بمعنى أن يوضح شيئاً عن طبيعة عمل الشخصية، أثناء تعاقب الأحداث ووقائع السيناريو.

والاستغراق Indentification هو أيضاً مظهر من مظاهر الشخصية، إذ إنّ عامل التّعرف هو أعظم إطراء يتلقاه الكاتب. فالحدث الدرامي هو الشخصية، وما يفعله الشخص هو ما ينم عليه، وليس ما يقوله.

والواقع أن كافة السّمات السّابقة، ترتبط كلها ببعض، وتتداخل الواحدة في الأخرى أثناء عملية بناء الشخصية، ومن ثم يكون الخط واضحاً لاختيار ما يلائم فعلاً بناء هذه الشخصية. وستكون النتيجة النهائية لمجمل العمل والبحث والتحضير والتفكير هي بناء الشخصية الحقيقية والحية والمقنعة، أي بناء أشخاص حقيقيين، في مواقف حقيقية.

ثالثاً: إيجاد الشخصية أو اختراعها:

هناك طريقتان للاقتراب من كتابة السيناريو:

·    الطريقة الأولى: أن تتكون لدى الكاتب فكرة، ومن ثم يوجد الشخصيات، بحيث تتلاءم مع تلك الفكرة.

·    الطريقة الثانية: أن يوجد الكاتب الشخصية أو يخترعها، ومن داخلها ستنشأ حاجة وحدث درامي وقصة.

إيجاد الشخصية:

ويقوم على سلسلة من العمليات المتعاقبة، تبدأ بمحاولة كتابة مسودة، ووضع التساؤلات حول هذه الشخصية، ومن خلال الإجابات المختلفة، يمكن وضع هذه الشخصية في قالب مُحدد. ومن هذه الشخصية تنبثق القصة، وقد تسير الأمور، في بعض الأحيان، سيراً حسناً، ونخرج بشخصية مثيرة للاهتمام، لكي تصبح مشروع فيلم درامي جيد، وفي بعض الأحيان قد تكون هذه المحاولات غير مجدية.

رابعاً: أفضل طريقة لتقديم الشخصية:

1. تدبير أحداث تأسيسية، من أجل الشخصية:

الطريقة الوحيدة للتعبير عن سلوك الشخصية على الشاشة، هي من خلال الحركة والحوار، أي الأشياء التي تفعلها الشّخصية، أو تقولها. ويمكن تقديم الحركة والحوار بأفضل طريقة فعّالة، عن طريق الأحداث القابلة للتصوير؛ أحداث تكشف عن طبيعة هذه الشخصية وعن علاقاتها. وتُدار هذه الأحداث، بطبيعة الحال، من خلال بناء الحبكة الخاصة بهذا السيناريو، كما يلزم، إضافة إلى ذلك، أن تخطط بطريقة تخدم الكشف عن مهام هذه الشخصية. ولتنفيذ ذلك يتم الآتي:

أ.  تأسيس الشخصية مبكراً: حيث يجب أن تؤسس هذه الشخصية وسماتها منذ اللحظة الأولى، حتى يتعرف المشاهد عليها مع بداية العمل الدرامي.

ب. تأسس السمات في الشخصية: إنّ الفشل في تأسيس السمات في الشخصية، أي الفشل في تطوير الشخصية من البداية، كشخص من النوع المعين الذي سيؤديه الفيلم، قد يؤدى إلى كارثة حقيقية، لأن مثل هذا الفشل، قد يقود المتفرجين إلى انطباع زائف عن سمات الشخصية. وتتخذ ـ عادة ـ ما تتم إجراءات محددة، تتمثل في:

(1)  تأسيس انطباع سائد: فإذا كان البطل حسن التصرف، فلا نقدمه عند أول ظهوره، وهو يسقط على وجهه في الطين، وإذا كانت البطلة من النوع الخجول، فلا مبرر لتقديمها لأول مرة وهي تصرخ بأعلى صوتها لأمر تافه.

(2)  تأسيس الجدارة بالحب: إذا كانت الشخصية في الفيلم – خاصة إذا كانت الرئيسية – جديرة بأن تكون محبوبة، فيجب أن تؤسس هذه الجدارة بالحب بأسرع ما يمكنك، بأن تجعله يفعل شيئاً محبوباً، كما يمكن إعطاء الشخصية هدفاً يوضح أنها في جانب العدالة والصواب، أو أن تُعرض الشخصية كضحية للظلم والاضطهاد، ومع ذلك فهي لم تفقد روحها المرحة، أو أن يكشف عنها واقفة بصلابة في مواجهة كارثة ما، أو تقول آراء تتأكد أن المتفرجين يتفقون عليها، أو هي تحارب وتضحي من أجل الغير، ولكن أيا كان ما تفعله، فيجب أن يُجعل جديراً بأن يكون محبوبا.

(3)  تأسيس إثارة الاهتمام: وذلك بجعله يفعل شيئاً يثير الاهتمام، أو يتم وضعه في مكان مثير للاهتمام، أو في مكان متغير، بما يؤدى إلى إثارة الاهتمام.

(4)  تأسس الإمكانات: التي تتضمن إمكانات جسدية، وتعني إعطاء الشخصية الدور الذي يتناسب مع إمكانياتها الجسدية، أو إمكانات الذروة، وهي قدرة الشخصية على الإحساس بعاطفتين قويتين في وقت واحد. ويتطلب هذا من الناحية العملية أن تُعرض هاتين العاطفتين عند الذروة، وبصورة حقيقية خلال الأحداث في مراحل مبكرة، ولا يمكن في الواقع أن يُصنع ما هو أسوء من أن يبني مشهد الذروة قبل أن يبدأ، لكي يكون لدينا صورة واضحة من العواطف، التي تتسارع داخل ذهن البطل في ذلك الوقت، وبهذه الطريقة وحدها يمكن اعتراض طريق الأحداث، التي تسبق الذروة وتبطل مفعولها.

2. ضرورة المحافظة على سمات هذه الشخصية، طوال الوقت:

الواقع أن الشخصية لا تؤسس مرة واحدة، بل يجب أن يُراعي من آن لآخر كلاً من الانطباع السائد، والمواقف السائدة والهدف السائد، وما إلى ذلك، وأن يبرز في المشهد تلو الآخر، بحيث لا تترك فرصة للمشاهدين كي ينسوها.

والأمر الذي يجب مراعاته هو التماسك، بمعنى أن تحافظ الشخصية على سماتها متماسكة من أول صورة في أول لقطة، إلى آخر صورة في آخر لقطة. وحتى إن كان سلوك الشخصية قد يخرج عن المألوف، أو يكون متعارضاً، فيجب أن يتم هذا داخل إطار السمات التي يجري ابتكارها، ولا يعني هذا على الإطلاق أن يكون الكاتب قاطعاً في كل شئ، بل على العكس، يمكن للأشياء الصغيرة واللمحات واللمسات، أن تحافظ على الشكل الدرامي.

3. ضرورة التمسك بمبادئ نمو الشخصية وتطويرها:

نمو الشخصية هو أحد العناصر، التي يسخر منها النقاد، فهو يعنى أن تبدأ الشخصية في طريق، ثم تنتهي في طريق آخر. ويذكر هذا الأمر بحقيقة بسيطة هي: أن نمو الشخصية خلال مسار الفيلم، يعني أنها تعلمت من التّجربة.

وهناك أمران ـ لكتابة مادة الشخصية:

أ. الأول: أن التفكير المتصل في الشخصية، يُعد أمراً حيوياً وذا أهمية.

ب. الثاني: البراعة تكمن في، ألا ندع المواقف تحكم على العمل بالجمود، فمن الأفضل أن ندون الأفكار الأولى ثم نعود إليها بعد ذلك للمراجعة والتعديل، باعتبار أن الشخصية تتغير أثناء تقدم العمل، وأن مشاكل بناء السيناريو سوف تُجبر، غالبا، على ضرورة إعادة صياغة الأفكار. بل حتى عند كتابة معالجة القصة سنجد أن المفاهيم تتطور وتتعدل.



[1]  المصطلح المستخدم في الأدبيات الفنية هو "الشكل والمضمون".