إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث الثامن عشر

علاقة كاتب السيناريو بعناصر الإبداع الأخرى في الفيلم

أولاً: علاقة كاتب السيناريو بالممثل:

من المعروف أن السيناريو هو بمنزلة العمود الفقري للعمل السينمائي، حيث تكمن فيه كافة مجالات الإبداع للفنانين العاملين في الفيلم.

والشخصية ـ كما أسلفنا ـ تُعد من أهم عناصر العمل الفني في السيناريو الروائي، كما تُعد محور إبداعات المخرج ومدير التصوير ومهندسي الديكور والمونتير، باعتبارها صاحبة الحدث الدرامي في هذا العمل الفني. وتتكون مادة الممثل الإبداعية من النسيج الذي تم بناؤه سلفاً خلال مرحلة كتابة السيناريو، وكلما كان البناء محكماً، كان التمثيل مقنعاً، كما يؤثر البناء الضعيف – سلباً – في أداء الممثل مهما كان موهوباً، كما تؤدي التفاصيل الدقيقة دوراً حيوياً في أداء الممثل ونجاحه في تنفيذ دوره.

والسيناريو الجيد لابد أن تتوفر فيه تفاصيل درامية وتفاصيل بناء الشخصية وتفاصيل بناء الحدث، فكل هذه التفاصيل، تُعد مفاتيح التوافق في العمل الدرامي المبدع.

وبعض الكتاب يلجأ إلى كتابة هذه التفاصيل بشكل عشوائي، متصوراً أن تدخله في أشكال التكوين ورقم العدسة وحركة الكاميرا، إنما هو جزء مهم من هذه التفاصيل، والواقع أن ذلك غير صحيح، فالتفاصيل الموحدة هي التي ترشد المبدع في مجال اختصاصه، وتُعد تفاصيل المكان من مهام كاتب السيناريو، حيث يتولى شرح بناء الديكور في مشهد ما، والأمر الذي يُعد مرشداً لمهندس الديكور والممثل أيضاً، كذلك هناك نوعية أخرى من التفاصيل، قد تكون مرشداً للمثل، حيث تساعده على ضبط إيقاع الحوار في مواجهة الشخصية المقابلة، وقد تساعده أيضاً خلال ردود الأفعال.

هذا وتعد تلك التفاصيل المرشدة، ركيزة أساسية للتوافق الفني، الذي يتحقق من خلاله التوحد الفني، الذي يعد الأساس في العمل الجماعي. وهناك عنصر آخر، يساعد في جودة الأداء التمثيلي ومصداقيته، وهو عنصر انتقاء شرائح الحدث المتسلسل، الذي يحدد شريحة زمنية معينة، وهذه الشريحة هي جزء من حياة الشخصية المراد تجسيدها.

وكما هو معروف فإن كاتب السيناريو يتولى مهمة انتقاء شرائح من حياة الشخصية من أجل تكوين الخط الدرامي للظهور في الشاشة، معبراً عن هذه الشخصية. ومن الواضح أن خبرة كاتب السيناريو البصرية والانفعالية الخاصة تؤدي دوراً مهماً لتحديد تلك الانتقادات التي تُعد دعامة الإبداع السينمائي، كما تعد إحدى دوائر التركيب العنقودي لبناء الكيان العام للسيناريو.

وعندما ننظر للفيلم فإننا نجد أنه يتركب من عدد من الوحدات الزمنية الكبرى، التي كونتها وحدات أخرى أصغر، الوحدة الزمنية الصغرى هي اللقطة، والوحدة الزمنية الأكبر هي المشهد، وتفاصيل حركة الممثلين خلال المشهد هي من أهم أدوار كاتب السيناريو، حيث يعمل على رسمها بالشكل الذي يجعلها تتفاعل مع البناء والتكوين في كل مشهد وفي كل لقطة، وهذا ما نسميه بأهمية دور كاتب السيناريو في اختيار تفاصيل حركية أو أدائية تنير الطريق أمام الممثل. والاختيار الجيد ـ بطبيعة الحال ـ لا يبرز إلا بعد أن يضع كاتب السيناريو مناهج الأداء التمثيلي، وكذلك الحيل الأدائية التي يلجأ إليها الممثل لتجسيد الشخصية، والتي تعرف باسم "تجسيد الذاكرة الانفعالية الخاصة بالممثل وبالعقل الجسماني".

ثانيا: علاقة كاتب السيناريو بالتصوير والإضاءة:

يُعد تنظيم المجال وتوزيع الخطوط، وبناء مختلف اللقطات وعمق المجال، من شأن التقطيع والتصوير، طالما أنه لا يتم إلا في وقت تشكيل الصورة. أما عملية تقديم تحديدات تقنية حول العدسة ـ التي يتم استخدامها ـ ، والزاوية التي يجب اتخاذها، والحركة التي يجب القيام بها، فهذا كله يتجاوز مهمة كاتب السيناريو، إلا أنه ملزم بالإفصاح عن قصد مُحدد، يقوم التقطيع بتجسيده بشكل مرئي، ثم يقوم التصوير بتحقيقه عملياً، وإذا لم يقم كاتب السيناريو بهذا العمل، فإن التقطيع قد يتم بحكم العادة، وتبعاً للضرورة التقنية، وليس تبعاً للبحث عن معنى مُحدد والإفصاح عنه.

ومع بداية كل مشهد، يوضح كاتب السيناريو المكان والزمان، على سبيل المثال (نهار داخلي ـ أو ليل داخلي) وهذه التحديدات تملي على مسؤول الإضاءة شكلاً معيناً، بالإضافة إلى تحديدات أخرى، قد ترد في وصف الصورة، ومثال ذلك (إضاءة خافتة). بل وقد يحدد كاتب السيناريو مصدرها.

وليس المطلوب من كاتب السيناريو أن يكتب قائمة طويلة من التوصيات حول الإضاءة في كل مشهد، ولكن الأساس هو أن يبسط جزءاً منها يحتاجه لتوصيل شعور معين، أو للمساعدة في بناء الجو العام الذي يريده أن يصاحب الحدث أو الفعل، ومن هنا يحدد درجات الضوء ومادته وتحديد الألوان مثل أن تكون ناعمة، أو أن تكون جمالية دقيقة، حيث لا تتصادم فيها التنوعات والقيم، ومن ثَمّ فعلى كاتب السيناريو أن يحدد الضوء اللازم لكل مرحلة، وأن يهتم بالانسجام الجمالي خلال كل المراحل، وتتركز مهمة مسؤول التصوير في تحقيق هذا الضوء، بحيث يتمشى مع طبيعة الحدث، تحقيقاً لتناغمها التشكيلي.

ثالثاً: الإخراج وعلاقته بالسيناريو:

هناك بعض الأعمال التقنية مثل "تنظيم المجال ـ توزيع الخطوط ـ الكتل ـ بناء لقطات عميقة المجال" تدخل تحت التقطيع والتكوين وهما وظيفتان أساسيتان للمخرج، ولكن ما يهمنا هو توضيح الخط الواصل بين كاتب السيناريو والمخرج في هذه الأمور التقنية البحتة.

يرسم كاتب السيناريو الصورة أو خطوط الصورة، انطلاقاً من خطوط عمودية واقعية، وعلى هذه الخلفية الهندسية الثابتة، تمر الانفعالات الإنسانية ثم تتلاشى، ومثال ذلك: انفعالات الشخصيات الفوضوية، حيث الخطوط المائلة والمنحيات والخطوط الحلزونية، التي يُعبّر عنها برموز محددة، فالخطوط الحلزونية مثلاً يمكن أن يُعبر عنها بالسلالم، والساعة البندولية يمكن أن تدل على الأشكال الدائرية.

وعندما تتشكل الصورة في ذهن كاتب السيناريو عليه، أن يُحدد بوضوح التوازن العام من ناحية توزيع الكتل داخل الصورة والفضاء، وكيف يحرك هذه الكتل، هذا بالإضافة إلى اهتمامه بتشكيل الصورة من حيث الضوء والألوان والخطوط المنظورة؛ لأنه في الأصل يعمل من أجل توضيح الصورة وبنائها، كما أن كاتب السيناريو أيضاً لا يعمل من أجل الصورة الثابتة، بل من أجل الصورة المتحركة، وهذا يقود إلى سلسلة من الأفكار التي تتركز على الحركات، ومنها حركات المجال من أجل ترجمة قصد محدد.

ومن الأمور التي تهم كاتب السيناريو أيضاً موضوع حركات المجال وحركات الكادر، فالشخصيات تدخل في المجال وتخرج منه، وتنتقل بين أطراف الإطار بشكل أفقي وعمودي ومائل، ومساراتهم ترسم في داخل الصورة، خطوطاً وهمية، لكنها ذات دلالة عالية، وهناك شخصيات لا تدخل في المجال أبداً، ومن ثم على الكاميرا أن تذهب للبحث عنهم. وعلى العكس هناك شخصيات لا تغادر المجال، لكنها تلزم الكاميرا بحركاتها، وهذه الحركات جميعاً لا يتم ابتكارها، أثناء التقطيع أو التصوير، وعلى كاتب السيناريو أن يتخيلها، أو على الأقل يلمح إليها.

رابعا: علاقة كاتب السيناريو بالصوت:

يستحوذ الحوار، غالباً على معظم اهتمام كاتب السيناريو، ولكن من المهم أيضاً أن يهتم بالصوت في مجمله وبقدر اهتمامه بالصورة، ومعنى هذا أن يرجع إلى كل ما كتب عن الديكور والشخصيات والزمن، وأن يحدد الأصوات التي سترافق الصور، فليس هناك صورة لا يرافقها الصوت إلا في الوقفات فقط. والجزء المسموع من السيناريو، يقوم على عدة معايير متزامنة مثل: الجو العام ـ الموسيقى ـ المؤثرات ـ وفترات الصمت ـ ومن ثم فلا وجود للقطة مرئية في غياب الجو الصوتي العام.

1. الموسيقى:

هناك مسألة نظرية هيمنت على قضية الموسيقى في السينما، وهي هل يجب أن نبرر ظهور الموسيقى في الشريط الصوتي بسبب فني؟ أم يمكننا إدخال عناصر موسيقية لمجرد قيمتها الانفعالية، دون أن يكون لأصل هذه الموسيقى أي تفسير في السيناريو، المهم في الأمر هو المحافظة على ضرورة الانسجام الجمالي بين الموسيقى وما يوازيها في الصورة، ولكن ليس هذا كل شئ، فطبيعة الموسيقى ونمط العلاقة التي نريد إقامتها بين الموسيقى والصورة، هي جزء مهم من أعمال كاتب السيناريو.

2. المؤثرات:

هناك نوعان من المؤثرات: النوع الأول مؤثرات تنتمي إلى الجو العام، حيث تشكل فيه حالة خاصة، فمثلاً في الريف هناك نباح الكلب، وفي المدينة هناك ضجيج الشوارع وآلات التنبيه الخاصة بالسيارات، وفي هذه الحالة تشير المؤثرات إلى مظهر خاص، وتضفي تلويناً عاطفياً وإيقاعاً صوتياً، وهي ترافق سير الصورة وتحددها. ومن ثم على كاتب السيناريو أن يأخذ من هذه الصورة عدداً كبيراً من المؤثرات. والنوع الآخر مؤثرات لا تنتمي إلى الجو الصوتي العام، وفي هذه الفئة يجد كاتب السيناريو عدداً كبيراً من الذرائع ليوصل مقاصد يصعب أن يحس بها المتلقي لو اتبع كاتب السيناريو طريقة أخرى، ومن ثم فإن مثل هذه العناصر تسمح بوضع دلالة إيحائية في داخل المرحلة المرئية والصوتية للفضاءات والأزمنة المختلفة، أو أنها توحي بداخلية الشخصية.

3. الحوار:

إن وضع الحوار قبل فترات الصمت في السينما، يدل على أنه يجب دائماً اعتبار الكلام في السينما محكوماً بفترات الصمت، وأن نحذر من السينما التي تكثر من الكلام. فاستخدام الحوار كثيراً لتقديم المعلومات يدل على العجز عن توصيلها بطريقة أخرى، وهذا أمر يتعلق بالمسرح أكثر من تعلقه بالسينما. فاستخدام الحوار في حل قضية سردية، يعني ـ غالباً ـ وجود فقر في الإبداع السينمائي، ولا يُقصد بذلك الحكم على كل حوار بأنه غير سينمائي، ولكن يجب الحذر من لجوء الكاتب إلى وسيلة سهلة لحل القضايا السردية. وقد يكون ذلك ضرورياً أحياناً لزيادة سرعة السرد في جزء من العمل. وعموماً فإن الحوار الذي يأتي لسرد القصة، أو الإفصاح عن شعور الشخصية، أو لتفسير ما حدث، أو لإيضاح الغموض، فإنه، باختصار، يؤدي وظيفة سردية.

4. فترات الصمت:

يشكل الصمت حالة خاصة من حالات الجو العام، أو سلسلة من الحالات الصوتية الخاصة. فلو تكلمنا ـ مثلاً ـ عن صمت الظهيرة صيفاً في الريف، وعن صمت الليل في قلب مدينة عند الساعة الثانية صباحاً، فإنّ "الأنواع الصوتية" لا تكون نفسها، وهذا يعلّمنا أين نضع الصمت ؟ ومتى؟ ولذلك تُصبح القيمة الدرامية لفترات الصمت، من أهم اختصاصات كاتب السيناريو، الذي يجب أن يهتم بتشكيل معايير الصوت في فترات الصمت، لأن المعنى الذي ستكتسبه فترات الصمت من تلك المعايير، يتعلق بها في نهاية المطاف.

وعلى كاتب السيناريو أن يذكر تشكيلها، من أجل توجيه مهندس الصوت لهذا العمل، وأن يذكر أيضاً الأنواع الصوتية المناسبة في كل مرحلة، وكذلك التأكيد على نوع الوحدة الصوتية، التي ينبغي إقامتها بين المراحل. وكما يُتحدث عن اللقطات المقربة واللقطات البعيدة، علينا أن نتذكر أن الصوت يعالج أيضاً اللقطات الملموسة والمحكمة. وعلى كاتب السيناريو أيضاً تكوين تركيبات صوتية، تواكب الحركات في عمق الكادر، سواء الثابت أو المتحرك.

خامساً: علاقة السيناريو بالديكور:

تبدأ هذه العلاقة من أول تحديد للمكان، الذي سيتم فيه المشهد، وهل هو داخلي أم خارجي؟ وما علاقته بالشخصية، وهل من سمات الشخصية مثلاً لو كان يصور بيتها، الثراء، ومن أي وسط اجتماعي هي، وما أصولها الاجتماعية؟ فكل هذه الأشياء تحدد شكل الديكور في هذا البيت. ومن الواضح أن لكاتب السيناريو علاقة وثيقة بالمكان، فهو قد يحدد تكوين غرفة ما لتتناسب مع الشخصية، التي تعيش فيها، والزمن الذي تدور فيه الأحداث، ومن ثم فإن وصف الديكور يكون تكملة لوصف الصورة لدى كاتب السيناريو. فهو إضافة لكل عناصر التكوين والحركة داخل الكادر، فهي تشكل جميعها جواً عاماً يتعمد كاتب السيناريو أن يوجده، من أجل توصيل مقاصد درامية والإيماء بها للمتلقي. كما يتوافق مع ما في عقل كاتب السيناريو نفسه، ورغبته في الإيحاء به، بنعومة أو بفظاظة، يتوقف على مقصده الدرامي، الذي يملكه وحده، وربما يتدخل أيضاً في التوصية بملحقات الديكور.

ومن ثم ينبغي على كاتب السيناريو، القيام بعملية الإيحاء بالجو العام، بأن يرصد ما يخدم هذا الخلق من عناصر فنية، كإضاءة أو أحجام لقطات أو حركة الكادر. كما يرصد، أيضاً، ما يخدم هذا الإيحاء من خلال الديكور الداخلي أو الخارجي. ولا يوجد أي قانون يساعد على الانتقال من الديكور إلى دلالته، فكل مبدع يختار ديكوراته، ويجتهد مع بقية العناصر الإبداعية في الفيلم، من أجل إبرازه بشكل دقيق.