إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث الحادي والعشرون

التشكيل المرئي

أولاً: الضوء:

ينبغي على كاتب السيناريو أن يطرح قضية الضوء، واللون وما يتصل بهما، ليس فقط من أجل تناغمها التشكيلي، ولكن ليجعل منها عنصر دلالة يخدم الشكل العام. فالإضاءة تُخبر إِنّ كان الوقت فجراً، أو نهاراً، أو غروباً، أو ليلاً، كما يمكن لها أن تُبرز أشخاصاً ذوى أهمية، أو أشياء أو إكسسورات، أو تعرضهم بشكل معتم، أو تحت الضوء الساطع، أو في الظل. وقد يشير أي تغير في الإضاءة إلى فتح باب أو نافذة، أو أن مصباحاً قد أُضئ، أو إلى كشافات سيارة تقترب. فالإضاءة على درجة كبيرة من الأهمية، في نقل الحالة النفسية للفيلم، ولكنها قد تكشف فقط عن عملية محدودة، من المعلومات القصصية المباشرة.

ثانياً: الكتابة:

إن تنظيم المجال، وتوزيع الخطوط والكتل، وبناء مختلف لقطات عمق المجال، كل هذا يبدو من شأن التقطيع والتصوير، طالما أنه لا يتم إِلاّ في وقت تشكيل الصورة. والأمر لا يُعني أبداً بتقديم تحديدات تقنية حول العدسة، التي ينبغي استخدامها، والزاوية، التي يجب اتخاذها والحركة، التي يجب القيام بها، لأن هذا كله يتجاوز مهمة السيناريو. ولكن الأمر يَعني هنا التحضير والتوجيه والإشارة. والسيناريو ملزم بالإفصاح عن قصد محدد، سوف يجسّده التقطيع بشكل مرئي، ثم يتولى التصوير تحقيقه عملياً. وماذا لم يقم السيناريو بهذا، فإن التقطيع قد يتم بحكم العادة، وتبعاً للضرورات التقنية، وليس تبعاً للبحث عن معنى محدد والإفصاح عنه.

1. كتابة الخطوط:

من المهم لكاتب السيناريو أن يختار نمط الكتابة، واكتشاف الأشياء، التي تساعده في تسجيلها على الشاشة. كما تُبنى الصورة، التي رسمت الكتابة خطوطها، انطلاقا من خطوط عمودية وأفقية، وعلى هذه الخلفية الهندسية الثابتة تمر الانفعالات الإنسانية، وكذلك الانفعالات الفوضوية لدى الشخصيات، حيث الخطوط المائلة والمنحنيات والخطوط الحلزونية، التي سبق الإشارة إليها في فصل سابق.

2. عمق المجال:

وهو يعني هل الصورة مغلقة ؟ أم تنقسم الشخصية فوق عمق يُظهر المناظر البعيدة؟ وهل تسد السِّتارة النافذة ؟ وهل تطل النافذة على جدار، أم أن النّظر يسرح بعيداً نحو الأعماق؟

وبما أن كاتب السيناريو يعمل من أجل الصورة، فعليه أن يهتم بتشكيلها: ضوء، وألوان، وأشكال، خطوط منظورة. لكن هذا التشكيل ليس إلا تصويراً، لأنه لا يمس إلا شكل الصورة الثابت، وكاتب السيناريو لا يعمل من أجل الصورة الثابتة، بل من أجل الصورة المتحركة، وهذا يقود إلى سلسلة من الأفكار التي تتركز حول الحركات.

ثالثاً: الحركات:

1. حركات المجال:

من المُلاحظ أن اللقطة الثابتة، أو المتحركة، ولِدّت أعمالا سيئة، كما ولدت أعمالا عظيمة. وما يبدو مؤكداً أيضاً، هو أن اللقطة الثابتة أو المتحركة، لا ترتبطان بصيغة محددة.

وسواء ثُبّتت الكاميرا أو تحركت، فهي لا تفعل ذلك إلاّ إذا كانت تسعى، من وراء الثبات أو الحركة إلى ترجمة قصد محدد، ومعياره الثبات أو الحركة. كذلك لا ينبغي أن يكون ما يُراد سرده هو الذي يقرر التقطيع، بل الطريقة التي تُسرد من خلالها وجهة النظر، أو طريقة الاستماع التي تُراد عبر السرد، هي التي تقرر ذلك.

2. الحركات في المجال:

تدخل الشخصيات في المجال وتخرج منه، وتنتقل بين أطراف الإطار بشكل أفقي وعمودي ومائل. وترسم مساراتهم في داخل الصورة، خطوطاً وهمية، لكنها ذات دلالة عالية. كما أن الطريقة، التي تُصور بها الكاميرا حركة الممثل في داخل المجال، تشكل أحد الثوابت السينمائية الأساسية، التي تتمثل في الآتي:

أ.  الدخول في المجال والخروج منه: كيف يدخل الممثل إلى المجال؟ وكيف يتم الدخول أو الخروج من مجال يقع على حافة الإطار؟ وكيف يتم ذلك في الحواف العمودية؟ والأفقية؟ ومن الأسفل والأعلى؟.

ب. الانتقالات التي تتم في المجال: كيف يُنظّم ثبات حركة الشخصية حينما تدخل في المجال؟ نظراً لعدم وجود أي قانون، ولأن الثبات مثله مثل الحركة، من شأنه الدّلالة على القوة، مثلما يدلان على العجز، بل وعلى القوة والعجز معاً. فهذه الحركات التلاعب بها، لا يجري ابتكارها أثناء التقطيع ولا التصوير، لذلك، فعلى كاتب السيناريو أن يتخيلها، أو على الأقل، أن يلمح إليها لكي يتم إنتاجها.

ج. حركة المجال والحركة بداخله: تقدم للسينمائي لوحة غنية جداً، إلى حدٍ قد يُؤدي معها إلى بعض مشاكل الكتابة، التي يتوجب على الكاتب أن يفكر في إيجاد الحلول لها أولاً، قبل أن يستخدمها. فبناء الإطار وإيجاد الزوايا، أي الكتابة التصويرية للصورة، تقدم إمكانيات كبيرة لترجمة هذا المُعطى الأساسي، والمرهق جداً للعلاقات الإنسانية. وخلال هذه الُلعبة القائمة، بين حركة الشخصية وحركة الكاميرا، تُقال أشياء كثيرة مُوحية، فهناك شخصيات لا تنفذ أبداً إلى المجال، وعلى الكاميرا أن تذهب للبحث عنهم، وقد يكون في ذلك تذكير بقوتهم أو ضعفهم. وهناك شخصيات لا تغادر المجال أبداً، فإما أن تكون الكاميرا خاضعة لإرادتهم، أو أنها تطاردهم. وهذه اللعبة بين حركة الكاميرا وحركة الشخصية، تكتسب معناها ـ بداهة ـ ، من المقارنة بالألعاب الأخرى، التي تقيمها الكاميرا مع الشخصيات الأخرى، كما أن هذه اللعبة يمكن أن تتنوع عبر الزمن خلال الرواية (الحكاية)، لتراقب تطور الشخصية نفسها.

 3. الحركات داخل الزمن (مدة اللقطات):

تعني الحركات داخل الزمن مدة اللقطات، وكذلك العلاقات الجمالية العامة، التي تقيمها هذه اللقطات مع الزمن. وبعض السينمائيين[1] يمدون لقطاتهم حتى حدود الإمكانيات التقنية للكاميرا. وفي المقابل، هناك أشكال Modes جديدة ترى أن اللقطة، التي تزيد مدتها عن ثلاث دقائق، هي لقطة ثقيلة.

بين هذين الطرفين، ينبغي أن يُحدد طول اللقطة. لكن ينبغي عدم الاعتقاد بأن ما يقرر طول اللقطة هو الفعل Action ، الذي عليها أن تسرده. وليس واجب سرد حدث معين، أو فعل معين، هو الذي يقرر الشكل السردي، بل على العكس، فإن الخيارات الجمالية السردية والشكل السردي، هي التي تقرر الطريقة التي سيُسرد الفعل بها، ومن بين هذه الخيارات، يوجد خيار واحد من أكثرها أهمية بالنسبة للإيقاع العام، وهو اختيار جمالية مدة اللقطات.

وكذلك ينبغي تجنب الاعتقاد بأن اللقطات الطويلة، تولّد بالضرورة إيقاعاً بطيئاً وأن القصيرة تولد إيقاعاً سريعاً. فمدة اللقطة هي التي تتواكب مـع الحركات التي تصيبها، والفعل الذي يجرى فيها.

4. الحركة الناتجة عن التقطيع ـ التوليف:

هذه المسألة تتركز على البناء الفيلمي، بين المراحل وفي داخلها. ويمكن صياغة المسألة ببساطة من خلال هذا التساؤل: هل يجب أن يكون التقطيع مرئياً ؟ أم يفضل إخفاؤه؟.

في الواقع، لا يوجد جواب موضوعي عن هذين السؤالين، لأنها قضية اختيار، وقضية أسلوب، حيث يُفضل الأسلوب المناسب والمرن مع تبدلات الزوايا، كما يُفضّل أيضاً الانسيابية، لأن اللقطة تقدم إمكانيات جميلة، فحينما يكون لابد من تغيير اللقطة، يحدث اجتهاد في إخفاء التوقف Cesure الفضائي، أو الزمني، عن طريق لقطات ترابطية في الحركة، وبناءات خطية Graphique متجاورة، أي متشابهة.

إن اللقطات، التي تربط بين مرحلتين بعلاقة متميزة (كتابه ـ ألوان ـ حركات ـ أصوات)، تصبح مواضع لاحتمالات دلالية عالية في البنية العامة للفيلم، وعلى كاتب السيناريو، الذي ينظّم المراحل، أن يتذكرها عند بداية كل مرحلة ونهايتها.



[1]  مثل جانسكو Jansco، وأنجيلو بولوس Angelos Poulos، وروش Rouch.