إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




المبحث السادس والعشرون

المبحث السابع والعشرون

السيناريو والفيلم التسجيلي التليفزيوني

(التعريف والخواص ـ الإعداد ـ كتابة التعليق)

أولاً: التعريف والخواص:

يُطلق اصطلاح الفيلم التسجيلي على تلك الأفلام، التي تصور عناصر الطبيعة. وهذا هو أهم ما يميزها عن غيرها من أفلام. فكل مكان، وأي مكان، تصور فيه الكاميرا شيئاً في موقعه الحقيقي، كما هو في الواقع، يعد فيلماً تسجيلياً. ومن ثم يدخل في نطاق هذا المصطلح، تلك الأفلام الإخبارية، التي يُطلق عليها الجرائد أو المجلات السينمائية، والأفلام العلمية والتعليمية، والأفلام التي يُطلق عليها "أفلام المعرفة"، أو أفلام المعارف العامة والمحاضرات. وكل نوع من هذه الأفلام يخدم هدفاً معيناً، ويتناول موضوعه من وجهة نظر خاصة، وأسلوب مختلف. وعلى ذلك فالجرائد الأخبارية، ليست إلاّ مجموعة من اللقطات السريعة، التي تسجل أحداثاً أو مناسبات معينة. ومن ثم تعتمد على أسلوب الملاحظة السريعة، والمهارات الصحفية المعروفة، والمعالجة الخاطفة السطحية للموضوع. وكذلك فإن أفلام "المعرفة"، لا تقوم، عادة، على البناء الدرامي المؤثر، ولا تأبه بمعالجة موضوعاتها بهذه الطريقة، بل تكتفي بالوصف والعرض، من خلال تعليق يصاحب اللقطات، التي تم ترتيبها على نحو معين، يستهدف وصول النتائج، أو المعلومات المطلوبة، إلى المشاهدين. كما تتولى نقل التجارب وصنع التراث، والمحافظة على التاريخ وتوثيقه.

وفي كل الحالات، فإن المنطلقات الأساسية للأفلام التسجيلية، وأهم ما يفرق بينها وبين الأفلام الروائية ـ يتمثل في الحقائق الأساسية الآتية:

1.   تملك السينما القدرة على الانتقال إلى أنحاء كثيرة في العالم، ومن ثم يصبح في إمكانها مراقبة ما يجرى في الحياة ذاتها، وانتقاء ما يناسبها منه، وتقدمه في شكل فني جذاب ومؤثر. وبذلك تعرض عالماً حقيقياً على الشاشة، بدلاً من تصوير قصص مختلفة، تدور أحداثها وسط مناظر وأماكن شُيّدت صناعياً.

2.   إن استخدام "الشخص الفعلي"، أو "الشخص الحقيقي"، وليس الممثل، واستخدام المنظر الطبيعي وليس الصناعي، يساعد على تقديم أفلام تفسر العالم والحياة، وما يجرى فيهما. ومن ثم يتيح للسينما فيضاً زاخراً من الأفكار والقضايا والموضوعات والأحداث المدهشة، التي تفوق كل خيال بشري.

3.   إن ما تنقله الكاميرا من قصص الواقع ومشاهده، يكون ـ عادة ـ أكثر دقة وواقعية من الأحداث، التي يعاد تمثيلها. وعلى النحو نفسه يأتي التعبير العفوي التلقائي، للأشخاص في حياتهم العادية وأعمالهم، أكثر صدقاً لأنه ينبعث من القلب. ومن ثم يكون أشد تأثيراً من أداء الممثلين، مهما بلغ هذا الأداء حدود الإتقان والروعة.

 وعلى الرغم من أن هذه "المنطلقات" المتقدمة، تحدد "واقعية" الفيلم التسجيلي، كأبرز خاصية من خصائصه، إلاّ أن ذلك لا يعني أن يفتقر الفيلم التسجيلي إلى الإبداع الفني، والجمال الخلاق، والجاذبية المؤثرة.

وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأفلام، يستخدم المناظر الحقيقية، والقصص الحقيقية، والناس الحقيقيين، إلا أنه يملك مقومات هائلة للإبداع الفني تختلف كل الاختلاف عما هو سائد في مجال السينما الروائية. فالدراما في الفيلم التسجيلي هي الدراما الحية، الموجودة في الواقع، بكل ما يحفل به من صراعات وتناقضات ومواجهات وتكيف. وتبقى مهمة إبراز ذلك، أو إمكانية الوصول إليه والإحساس به، مرهونة بالفنان الذي يعمل في هذا المجال، ومدى ما يملك من إمكانات وملكات ثقافية وإبداعية. فهذا الفنان، الذي يتخذ مادته من المدن والشوارع والأزقة والمصانع والأسواق والقرى الصغيرة جداً والنائية، مطالب بأن يقدم ذلك في إطار من الجاذبية والإبداع الفني الخلاق والمؤثر، وليس فقط سرد متراكم للمعلومات، أو الحقائق.

وقد يسأل بعض الناس: أين يكمن الإبداع والجمال الخلاق، وسط الماكينات في المصانع، وبين الناس والحيوانات في الحقول، وفي وزحام الطرق ومحطات السكك الحديدية، والعالم المختنق داخل المناجم؟

ويرى "جريرسون" أنّ هناك الكثير من الأفلام، التي استطاع صانعوها أن يتوصلوا إلى أسلوب مكنهم من بناء مشاهد ممتعة، تتألف من مجموعة من اللقطات الواقعية العادية. وهم يجيدون استخدام الإيقاع المتغير، بين السرعة والبطيء. كما يلجئون إلى استخدام المؤثرات الخاصة، على نحوٍ متكامل طول الفيلم. وبذلك يجذبون اهتمام الأعين، ويؤثرون في الأذهان، بالطريقة نفسها، التي يؤثر فيها قرع الطبول، أو الاستعراض العسكري. فمع أنهم يركزون اهتمامهم في الجماعات والحركة، إلا أنهم يتخلون عن مهمة الخلق والإبداع الفني الأكثر عمقاً. إن مثل هؤلاء يستمتعون بذوق فني تصويري، ويستهويهم، إلى حد كبير، منظر العجلات والمكابس في حركتها الرتيبة، كلّما أرادوا وصف الآلات، إلا أنهم لا يذكرون إلاَّ القليل عن الرجال الذين يديرون هذه الآلات، أو المنتجات التي تقذف بها باستمرار.

ويُسمّي جريرسون هذا الأسلوب "الأسلوب السيمفوني"، ويقول إنه "أسلوب خطر"، وإن كان يقدم أشكالاً وأنواعاً جديدة من الجمال، إلا أنها لا تقدم أفكاراً جديدة مقنعة. فهو أسلوب يسعى إلى إحداث التأثير الدرامي، من خلال تجميع اللقطات المفردة في إيقاع منسق، وتتابع عاطفي خاص، وتكثيف الإحساس بالحركة. وذلك ليس كافياً - وحده - لأن يُقدم فيلماً مقنعاً، لأن أحداث الحياة اليومية البسيطة، مهما عُرضت بأسلوب سيمفوني جميل، لا تكفي وحدها لأن تقدم فيلماً مقنعاً. فلابد من أن يغوص الفيلم، خلف هذه الأحداث والمظاهر، ليقدم إبداعاً فنياً، يبلغ مراحل الفن العليا. ولا يعني الإبداع الفني تصوير أشياء بعينها، بل يُقصد به إبراز المغزى، الذي يكمن خلف هذه الأشياء. ولبلوغ هذا المستوى الرفيع من التأثير، لابد أن يتوافر للفنان السينمائي الطاقة الشعرية، أو القدرة على توقع المستقبل وأحداثه. وإذا لم تتح له إحدى هاتين القدرتين أو كلتيهما، فلابد من أن يتوافر له - على الأقل - الإحساس الاجتماعي، الذي ينبعث منه الشعر، ويُكسب المرء القدرة على توقع المستقبل.

وعلى ضوء ما تقدم، يمكن القول إنّ الأفلام التسجيلية، أو السينما التسجيلية، إنما ترتكز على ثلاث قواعد رئيسية:

أولها: أنها تستمد مادتها من واقع المكان، الذي يجرى تصويرها فيه، حيث يتناول مظاهر الحياة المختلفة في واقعها الفعلي الحقيقي، ومن ثم فإنه يتعامل مع عناصر واقعية حقيقية غير مؤلفة أو متخيلة، وتتكون لقطاته ومشاهده من الحدث الواقعي، وتكون القصة هي المكان، والمكان هو القصة.

ثانيها: يجري تنظيم المادة على ضوء فهم الواقع، فهماً ناضجاً ودقيقاً، عقب دراسة وافية ومتأنية. وبذلك يوظِّف الفيلم التسجيلي عناصر الواقع، لتفسير الموضوع أو الحدث.

ثالثها: تُقدم المادة في قالب جذاب، يعتمد البناء الدرامي كأساس فني، ولا يقف عند حدود الوصف السطحي للموضوع.

ثانياً: وظائف الفيلم التسجيلي، ومجالات استخدامه:

يُستخدم الفيلم التسجيلي في عدد من المجالات، ويؤدى عدداً من الوظائف المختلفة، التي من أهمها:

1.   الإعلام: حيث يقدم المعلومات الدقيقة، من خلال مراقبة الأحداث والتعليق عليها، وتوفير المعلومات اللازمة لإشاعة الفهم بين الناس، والتعريف بالبيئة المحيطة، والتنبيه إلى الأخطار التي تهدد المجتمع.

2.   الدعاية: في هذا المجال يقدم الفيلم التسجيلي، على المستوى الداخلي، دوراً مهماً في إظهار عمل الحكومة ومنجزاتها، وبيان خططها وأهدافها، ومن ثم تكوين رأي عام مؤيد ومتعاطف مع هذه الخطط والأهداف والمشروعات. أما على المستوى الخارجي، فتستخدم الأفلام التسجيلية استخداماً فعالاً، في الدعاية السّياحية والاقتصادية والسّياسية.

3.   التعليم: استخدمت الأفلام التسجيلية استخداماً فعالاً في هذا المجال، خاصة مع استثمار التقدم الكبير في حرفية التصوير السينمائي، الذي أمكن بموجبه إنتاج الحركة البطيئة أو السريعة على الشاشة، والتحكم في زمن الفيلم. وقد استخدمت الأفلام الوثائقية كوسائل إيضاح في فصول الدراسة، وفي تعليم المهارات الفنية في مجالات الصناعة. كما استخدمت في الأغراض التعليمية في الجامعات، فضلاً عن نقل المعارف بشكل عام، وأغراض التدريب المختلفة.

4.   التسجيل والتوثيق: ومن هذه المهمة، أو المسؤولية، استمد هذا النوع من الأفلام صفته، وهي تسجيل الأحداث والوقائع، كما حدثت، لتصبح وثيقة تاريخية؛ تسجل مولد الحدث، وتُسهم في نقل التجارب والخبرات، وتصنع التراث، وتحافظ على التاريخ وتوثقه.

ثالثاً: إعداد الفيلم وكتابة التعليق:

يمر إعداد الفيلم التسجيلي بعدد من الخطوات، أو المراحل الأساسية. تبدأ بتحديد الفكرة أو الموضوع، ثم جمع البيانات والمعلومات. وعلى ضوء ذلك يضع الكاتب أو "المعد" مشروع التصوير، محدداً الأماكن والمواقع والأشياء المطلوب تصويرها. ويُعد ذلك في شكل لقطات ومشاهد، يحدد فيها نوع اللقطة وحجمها، لتأتى بعد ذلك مرحلة ترتيب اللقطات، أو "توليف الفيلم"، ثم كتابة التعليق المصاحب للصورة، وتسجيله صوتياً مع المؤثرات الصوتية الأخرى.

وتكتمل هذه العملية، في عدد من الخطوات، أو المراحل، على النحو الآتي:

  • تحديد الموضوع وجمع المعلومات.
  • إعداد السيناريو أو مشروع التصوير، الذي يحدد الأشياء، التي ستُصور، ومواقعها، وأسلوب تصويرها.
  • التوليف، أو ترتيب اللقطات على نحو معين، لإحداث تأثيرات معينة، وتوصيل الحقائق والمعلومات، بأكبر قدر من السّهولة والفاعلية.
  • كتابة التعليق المصاحب للصورة، وتسجيله مع المؤثرات الصوتية الأخرى، والموسيقى التصويرية.

1.   تحديد الموضوع، وجمع المعلومات:

تبدأ هذه المرحلة، أو "العملية"، بتحديد فكرة الفيلم التسجيلي أو موضوعه، على ضوء الأهداف المنشودة. فقد يكون الهدف هو التوعية الصحية، أو تعديل سلوك معين، أو رفع الروح المعنوية، أو اكتشاف الواقع وتزويد الناس بالمعارف، عمّا يدور حولهم. أو قد يكون الهدف هو الدعاية السياسية، أو الدينية، أو التجارية .. الخ. فالمهم أن تحديد الفكرة، أو اختيار الموضوع، لابد أن يتم على ضوء الهدف المطلوب تحقيقه لجمهور معين. فقد يكون الجمهور المستهدف هو الشباب في مجتمع ما، أو طلاب الجامعة، أو العمال، أو النساء. كما قد يكون جمهوراً عاماً، في داخل البلاد أو خارجها.

وبعد الانتهاء من تحديد الفكرة، أو اختيار الموضوع، تبدأ عملية جمع المعلومات، أو البيانات الأساسية. وتُعد هذه الخطوة من أهم الخطوات والمراحل، لأن تلك البيانات والمعلومات، هي التي تشكل البناء الرئيسي للفيلم التسجيلي، شكلاً ومضموناً. فعلى ضوء هذه البيانات والمعلومات، تتحدد مواقع التصوير، وأنواع اللقطات، وأحجامها، وترتيبها، فضلاً عن إعداد مادة التعليق الصوتي، المصاحب لهذه اللقطات.

ولا شك أن مصادر هذه البيانات والمعلومات، تتعدد وتتنوع وتختلف، من موضوع إلى آخر. فقد يكون مصدرها ـ لموضوع ما ـ هو موقع الحدث أو المكان، الذي هو في الوقت نفسه موضوع الفيلم وقصته (الحقول ـ أو المصانع أو الغابات ـ أو شوارع المدينة ـ أو المعامل والمختبرات.. الخ). وفي هذه الحالة، ينبغي على معد الفيلم أن يعايش الواقع، في المكان الذي ولدت فيه الأحداث، أو الذي هو موضوع الفيلم وقصته. ففي ذلك المكان، له أن يرى ويسأل ويسمع ويّدون، ويضع اللّبنات الأساسية لبناء فيلمه. ولكن ذلك لا يعنى أن "المعايشة" أو الانتقال إلى موقع الحدث، هما المصدر الوحيد للمعلومات. فإلى جانب المشاركين في الحدث، أو أبطاله الحقيقيين وشهود العيان، توجد الوثائق المكتوبة والصوتية والصور. وعلى هذا النحو تتسع أوعية المعلومات لتشمل الكتب والمذكرات ودوائر المعارف والصحف والتسجيلات الصوتية والمرئية.. الخ.

2.   إعداد السيناريو"مشروع التصوير":

من خلال البيانات والمعلومات، يمكن للكاتب، أو "المعد"، أن يضع مشروع التصوير للفيلم، حيث يحدد مواقع التصوير وأماكنها والأشياء التي سيجرى تصويرها، محدداً أحجامها وأشكالها، في قالب فني تتحرك الكاميرا على أساسه.

وتستطيع الكاميرا أن تقدم عملاً، يتجاوز فقط إعادة تقديم حركة معدة أمامها. ذلك أنها أداة خلاقة، إذا أُحسن استخدامها. ومن ثم لم تعد الشاشة مسرحاً فقط لقصة تمثيلية، بل أصبحت نافذة تطل على الحقيقة. فمن خلال اللقطات الكبيرة، وبواسطة العدسات المتنوعة، وزوايا التصوير، أصبح في الإمكان السيطرة على التفاصيل والدقائق والأبعاد، وزيادة قوة التأثير الدرامي.

3.   التوليف المبدئي (ترتيب اللقطات):

هو ما يعرف بـ "المونتاج"، ويعنى الترتيب الزمني، أو الواقعي، لمجموعة من اللقطات المتنوعة، بطريقة تجعلها تعبّر عن معان ودلالات معينة، وتُحدث تأثيراً وجدانياً وعاطفياً خاصاً. أو بمعنى آخر، "تجعلها تحكي موضوعاً، وتقول شيئاً".

ويشير "جريرسون" إلى الإمكانات الفنية الهائلة، التي حققها ويحققها المونتاج، ذلك أنه بواسطة هذه العملية الفنية  "أصبح في إمكاننا أن نتحكم في رتابة الأحداث ونموها، وذلك بالإيقاع السريع أو البطيء، حسب طبيعة الموضوع. وكذلك أصبح بوسعنا أن نجمع التفاصيل مع بعضها، في تشكيلات جماعية، أو نسجل اللقطات المتقاطعة المتداخلة، في شارع أو مصنع أو مدينة. كما نستطيع أن نُبدع صوراً لتهيئة الجو المناسب للحركة، أو الشاعرية في التعبيرية. ومن ناحية أخرى، نستطيع بوضع اللقطات المتناقضة، أن نفجّر الأفكار في أذهان النظارة، كما نستطيع ترتيب اللقطات المتناقضة، بصورة تحقق الأثر الدرامي المطلوب".

وفي غرفة التوليف، يجد الكاتب فرصته في أن يستعرض قدراته وموهبته، في ترتيب لقطات الفيلم، على نحو يحقق الأثر الدرامي المطلوب، وهنا تكمن القوة الحقيقية للصورة، عندما يتم اختيار اللقطات وترتيبها بعناية، في التوقيت المناسب. فإذا ضربنا مثلاً بلقطة لمنطقة سكنية تتسم بالفخامة والضخامة، فإنها تعكس هذا المعنى فقط، ولكننا إذا ألحقنا هذه اللقطة بلقطة أخرى لمنطقة سكنية تتسم بالفاقة والإهمال والقذارة، فإن تجاور اللقطتين، على هذا النحو، جدير بأن يوحي بمعنى جديد، لا تُشير إليه أي من اللقطتين إذا عرضت كل منهما وحدها. وعلى هذا يمكن القول، إِنّ معنى الفيلم إنما يتحدد تحديداً كاملاً، بمثل هذه المجاورة للقطات، كما أن ترتيبها وتركيبها على هذه الكيفية يُعد نوعاً من الصياغة، ولهذا فإن كلمة Cutting تشير إلى قص المناظر، أو قص اللقطات وإعادة ترتيبها على نحو معين، وهو ما يعرف "بالتوليف" أو "المونتاج".

ولمّا كان من الضروري أن يلم الكاتب بقواعد هذا العمل، باعتباره المسؤول عن عملية التوليف هذه، وهو الذي يصدر تعليماته للفني لينفّذها حرفياً، فإن هناك عدداً من القواعد والاعتبارات، التي ينبغي أن يلم بها إلماماً تاماً وهي:

أ.  الإلمام بأنواع اللقطات ووظائفها.

ب. الإلمام بقواعد الانتقال من لقطة إلى أخرى، وكيفية تنفيذها.

ج. عند توليف المشهد يجب أن يترك الفيلم، ليحكى من القصة ما يستطيع.

د.  يُفضّل أن يبدأ المشهد وينتهي، بلقطة موسعة.

هـ. تزداد درجة المشاركة العاطفية بزيادة نسبة لقطات رد الفعل، كلّما تتابعت المشاهد.

و. تؤدي اللقطات المقربة المتتابعة إلى استغراق المشاهد في الموضوع، وزيادة مشاركته. والعكس صحيح تماماً في حالة استخدام اللقطات الشاملة المتعاقبة، فهي تقود إلى التشتت والابتعاد عن الموضوع.

ز. تؤدي العناية باختيار اللقطات الفيلمية إلى ضغط الوقت، عند إجراء عملية التوليف.

4.      كتابة التعليق:

على الرغم من أن "الصورة" هي الأساس في الفيلم التسجيلي، وتعد المصدر الأصلي للمعلومات، وعنصر الجاذبية وإثارة الاهتمام، وعاملاً أساسياً من عوامل المشاركة والتعاطف والاستغراق لدى المُشاهد، إلا أن "الكلمة" رغم ذلك ـ قد تكون ضرورية في كثير من الأحيان، لاستكمال المعلومات والمعاني، التي لا يمكن أن تتضمنها الصورة.

ومن هنا نشأت الحاجة إلى كتابة التعليق، أي المادة الكلامية، التي تصاحب الصورة في الفيلم التسجيلي، باعتبارها وسيلة، أو أداة، "لدعم المحتوى الإعلامي المصور"، أو لتقوية وشرح وتفسير ما تقدمه الصورة، وتأكيد معناها وإضافة ما قد يكون خافياً على المشاهد، من معلومات أو معانٍ.

وعلى هذا الأساس ينبغي التأكيد، على أن التعليق ليس مجرد وصف للصورة، بل هو شرح وتفسير وتوضيح لمغزاها وما يجرى فيها. فضلاً عن أنه إضافة، تجيب على ما قد يتبادر إلى ذهن المتلقي من تساؤلات.

وبصفة عامة، يمكن القول إِنّ التعليق الصوتي، باعتباره المادة الكلامية، التي تصاحب الصور في الفيلم، يؤدي عدداَ من الوظائف في هذا الصدد، هي:

أ. عرض الفكرة الرئيسية للفيلم، وتوضيح هدفه.

ب. تأكيد الصورة وتعميق مضمونها، وزيادة تأثيرها، وتوضيح معناها ومغزاها.

ج. الكشف عن المكان، الذي تجرى فيه الأحداث، التي تتضمنها لقطات والفيلم ومشاهده.

 د. الكشف عن الزمن، الذي تجرى فيه الأحداث والوقائع.

 هـ. الربط بين فقرات والفيلم مشاهده.

 ولكي تحقق كتابة التعليق على الأفلام، وظيفتها والهدف منها، فهناك العديد من القواعد والاعتبارات والأسس، التي توصل إليها الخبراء والباحثون والعاملون في هذا المجال، أهمها: الربط بين فقرات والفيلم مشاهده.

أ. إذا كانت الصورة معبرة عن المعنى المطلوب، فإنها لا تحتاج لأي تعليق صوتي مصاحب، ويمكن الاكتفاء، في هذه الحالة، باستخدام المؤثرات الصوتية، أو الموسيقى التصويرية، التي تساعد المشاهد على المزيد من التركيز والتفاعل، مع المادة التي يشاهدها.

ب. لابد أن يتطابق مضمون التعليق مع الصورة. ولا يُقصد بالتطابق تكرار المعنى، أو إعادة ترديد ما تقوله الصورة بكلمات منطوقة، بل المقصود بالتطابق التوافق، بين ما يُعرض من صور وما يقال من كلمات، بحيث ينصب الكلام على الصورة المعروضة، فيكمل كل منهما الآخر. وقد كشفت إحدى الدراسات، التي أجراها باحث ألماني في هذا الموضوع، عن نتيجة مهمة مؤداها أنه عندما يتفق مضمون النص مع مضمون الفيلم، فإن المشاهد يزداد فهماً واستيعاباً للمعلومات المقدمة، والعكس صحيح تمامـاً. فكلمـا اختلف مضمون النص عن مضمون الفيلم، انخفضت درجة الفهم والاستيعاب بشكل ملحوظ.

ويعود السبب في ذلك إلى أن المشاهد ـ في حالة اختلاف مضمون النص مع مضمون الفيلم ـ يضطر لأن يجهد نفسه كثيراً لكي يظل متنبهاً. فيبقى موزعاً بين ما يسمعه وما يراه، وهي مسألة لا يمكن أن تستمر طويلاً، مهما كانت قدرة المتلقي. كما كشفت دراسات أخرى عن أن التعليق الصوتي بالكلمات، إذا جاء مختلفاً، (ولو إلى حد ضئيل، أو بنسبة طفيفة) عن الصورة، فإن المشاهد يميل إلى تصديق الصورة، وعدم الوثوق بالكلمة. ولا يمكن الاستثناء، إلاّ إذا كانت الصورة غامضة إلى حد كبير.

ويُطرح هنا سؤال مهم، هو: هل معنى ذلك أن يقف التعليق عند حدود "المصادقة" على الصورة؟ والإجابة على ذلك هي النفي، بطبيعة الحال، لأن القصد من استخدام الكلمات أي التعليق في الأفلام - في جانب من جوانبه - هو تحويل الانتباه عن الصورة والقول: "إن القصة لم تكن هكذا فقط.. بل هناك أيضا كذا وكذا". وبذلك يُسهم التعليق في الانتقال من فكرة إلى فكرة، في إطار الموضوع الواحد.

ج. أن يتزامن التعليق مع الصورة، أي أن يتلاءم مع إيقاعها وسرعتها. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة أن يُكتب النص، مع تصور دقيق لمضمون المشهد وحركته، فإذا كانت هناك حركة مثيرة (من أي نوع) مثلاً، فإن التعليق، في هذه الحالة، يجب أن يسبق الحركة ويمهد لها، ويدخل إليها شارحاً دلالتها قبل حدوثها، أو أن يتبعها بالتعليق عليها، ويشرح مغزاها.

د. تجنب الإطناب لأنه من أخطر ما يهدد الأفلام القصيرة والتسجيلية بالفشل، إذ الفيلم شئ تراه العين أساساً، ومن ثم فإن المشاهد لا يعير اهتماماً كاملاً للتعليق الصوتي المصاحب، ولا يتذكر إلا بعضه، بينما ينصب اهتمامه وتركيزه كاملاً على المشاهَدة، حيث تنتقل الأفكار، وتزداد ترسيخاً عن طريق البصر. وينبغي وفي كل الحالات ألا يزيد التعليق على ثلثي الوقت المحدد للفيلم، أو الذي يستغرقه عرضه.

هـ. الالتزام بالزمن المحدد تماماً لكل لقطة من لقطات الفيلم، أو مجموعة لقطات مترابطة.

 و. الالتزام بقواعد التحرير الإذاعي، التي تسعى إلى إبراز المعنى بشكل مباشر، وذلك باستخدام الكلمات البسيطة السهلة، والجمل القصيرة، وتجنب الصيغ البيانية والبلاغية المقعرة، والكلمات المهجورة، والمصطلحات التي يستخدمها المتخصصون فقط. وفي هذا الصدد ينبغي التأكيد على ضرورة أن تتغير أطوال الجمل، بحيث لا تأتي على وتيرة واحدة فتصبح رتيبة، وتؤدى إلى الإحساس بالملل.

 ز. يُفضل استخدام الزمن الحاضر"الفعل المضارع" في كتابة التعليق بوجه عام، لأنه أكثر حيوية من الزمن الماضي، الذي يؤدى إلى الإحساس بفجوة بين التعليق والصورة. أما إذا كانت هناك ضرورة قوية، أو حاجة ماسة، لاستخدام الزمن الماضي، فلا بأس من استخدامه في حدود الضرورة.

 ح. ضرورة ترك مساحات زمنية صامته على الفيلم دون تعليق، وهي ما يراه بعض السينمائيين بمثابة "تهوية" أو "فراغ"، يُملأ بالمؤثرات الصوتية، أو الموسيقية بدلاً من الكلام. وذلك حتى يرتاح المشاهد، ويستعين على المزيد من التركيز والاستيعاب.

ويلعب الصمت دوراً آخر في التعليق على الأفلام، عندما يتضمن الفيلم ذروة إخبارية مثيرة، كانفجار قنبلة، أو انهيار منزل أو عمليات شغب عنيفة. ففي هذه الحالة لابد أن يمهد التعليق لهذه الذروة، ثم تحدث فترة صمت طوال مدة عرض الذروة الإخبارية، سواء كانت مصحوبة بأصوات الحدث، أو غير مصحوبة، ثم يتتابع التعليق بعد ذلك مُكملاً الحدث أو معلقاً عليه. وهناك من الكتاب من يفضل عدم التمهيد للذروة الإخبارية، فيتركها لتفاجئ جمهور المشاهدين، ثم يأتي التعليق بعد ذلك موضحاً وشارحاً.

ط.  يمكن استخدام الحوار ـ إلى جانب التعليق ـ في بعض مشاهد الفيلم ومواقفه، وذلك لإضفاء الإحساس بالواقعية.

ولابد من التأكيد، ثم التأكيد، على ضرورة أن يكون التعليق للتوضيح والشرح والتفسير، وتقديم المعلومات والمعاني التي لا تقولها الصورة، ولا يكون وصفاً للصورة بأي حال من الأحوال. فلا بد أن يعرض الفيلم الحدث الفعلي، وأن تروي الصور والمقابلات، الجانب الأكبر منه، بل أكثر ما يمكن روايته عن الحدث، وأن يظل التعليق الصوتي بمثابة استكمال للانطباع، الذي تحدثه الصورة، وسداً للثغرات، التي قد توجد في الحدث أو الموضوع نفسه. وبذلك يكون التعليق إضافة إلى الموضوع، وليس طغياناً عليه.

رابعاً: القالب الفني للنص:

لا توجد طريقة خاصة لكتابة النص للفيلم التسجيلي. فكما هو الحال في كتابة النصوص التليفزيونية عامة، يجري تقسيم الصفحة إلى قسمين، يخصص الجزء الأيمن منهما (ويشغل حوالي ثلث الصفحة تقريباً) لكل ما يتعلق بالمادة المصورة، ويتضمن وصفاً دقيقاً لمحتوى اللقطة وحجمها أو نوعها، بينما يخصص الجزء الأيسر من الصفحة للمادة المسموعة المصاحبة للمشهد، وهي كل ما يتعلق بالصوتيات (كلمات التعليق والمؤثرات الصوتية والموسيقى)، على نحو ما يوضحه الشكل التالي:

المادة المصورة

الصوتيات

·        موسيقى مناسبة

·        في هذه اللحظة، ومع بزوغ ضوء نهار جديد، تدب الحياة على سطح البحيرة الهادئة.

·        تبدأ حركة الصيادين، استعداداً للانطلاق

·        في قواربهم الصغيرة حيث تتصاعد أناشيد
الصباح، أناشيدهم التي هي تضرعات تحمل الرجاء والدعاء….

·        لقطة عامة للبحيرة، وتبدو قوارب الصيادين راسية على الشاطئ

·        تقترب الكاميرا تدريجياً من القوارب. حيث حركة الرجال استعداداً للانطلاق داخل البحيرة

·        لقطة استعراضية للقوارب الراسية.

·        لقطة طفل (صياد صغير) يصعد صاري أحد القوارب.

·        لقطة لصياد يرفع المرساة

وهناك من يرى تقسيم الصفحة إلى ثلاثة أقسام، يخصص الجزء الأيمن للمرئيات، والجزء الأوسط للتعليق الصوتي (الكلمات المنطوقة)، والجزء الثالث للمؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية، فيكون النص كما يوضحه الشكل أدناه:

الصورة

الصوت

المؤثرات الصوتية

·        أصوات الماكينات أثناء دورانها يبدو في خلفيات التعليق، بحيث يكون التعليق الصوتي مسموعاً بوضوح.

·        حركة دائبة دائمة .. وإنتاجا

·        ذاك هو العمل، وذلك هو العامل في بلادنا.

    وهذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والآلة.. تترجم في النهاية إلى عطاء وفير.

·        لقطة عامة لأحد عنابر المصنع، حيث تدور الماكينات . . وينهمك العمال في تشغيلها وإداراتها.

·        لقطة كبيرة لترس ماكينة يدور
بسرعة.

·        قطع إلى مكبس إحدى الماكينات يهبط.

·        لقطة لذراع + ماكينة يرتفع.