إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو غير الفني









مقدمة

مقدمة

      يُعد علم الدراسات المستقبلية، من أهم الإفرازات والخبرات، المكتسبة من الحرب العالمية الثانية، التي استقر رأي أطرافها الكبرى، على ضرورة تعرُّف مستقبل الأحداث؛ لتجنب التورط في حرب عالمية أخرى. وارتأت أن يكون نمط الدراسة نابعاً من واقع الحركة، السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، في خلال فترة سابقة؛ ليمكن الوقوف على الاتجاهات الأساسية، التي تحكم التطورات المستقبلية، من واقع ما تكشف عنه نتائج المقدرة، كماً؛ وكذلك التعمق في العلاقات المستقبلية، وقياسها بين مختلف الأنشطة والقطاعات؛ لتحسّب ما يمكن أن تصل إليه مستقبلاً؛ فضلاً عن تلافي الصراعات، أو الاستعداد للتصدي لأي أزمات مفاجئة أو غير متوقعة.

      ولقد بدأ علم المستقبليات بالتبلور، في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، حينما شرع علم "التفكير من خلال النظُم" Systems Thinking ، يأخذ طريقه إلى الدراسات، السياسية والإنسانية. ثم تطور فأمسى علم "ديناميكية النظُم" Dynamics System، الذي طبقته، أول مرة، الأمم المتحدة، في "نادي روما" Club of Rome لدراسة نمو المـوارد العالمية، في أوائل الستينيات؛ وظهرت أهميته، آنئذٍ، في التحديات التي يفرضها على نماذج التفكير المعتادة لدى الفرد أو المجموعة؛ وفي مواجهة القصور، الذي تعانيه السياسات، في كافة المجالات، بالمقارنة بالتقدم في المجالات العلمية الأخرى. وهذا العلم يُعَدّ، اليوم، النظام الخامس لِما يسمَّى "المؤسسات الذكية "Fifth Discipline of Learning Organizations.

      وربما كانت السنوات الأولى من عقد الستينيات، وعام 1962 بالتحديد، هي التي شهدت طفرة كبيرة في علم المستقبليات، ذلك أنه منذ ذلك العام، وفي أعقاب انتهاء أزمة "خليج الخنازير" (أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا)، أعلن روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي، وقتئذٍ، "أن هذه الأزمة، آذنت بنهاية عصر الاستعدادات العسكرية، وبداية عهد جديد، يسمى إدارة الأزمات"؛ ما حفز إلى التعمق في الدراسات الإستراتيجية، لخلق تصوّر كامل للأزمات المستقبلية، وكيفية مواجهتها بالإمكانيات المتاحة، أو بتوفير إمكانيات إضافية. وقد شكلت تلك الدراسات منظومة، أطلق عليها "سيناريوهات الأحداث"، أو "سيناريوهات التخطيط المستقبلي"، لمواجهة الأزمات والسيطرة عليها. وفى الوقت نفسه، ظهرت ضرورة الاعتماد على حسابات دقيقة، في مجال العمل المستقبلي، والوصول إلى معرفة أسلوب بناء المستقبليات البديلة المحتملة، وارتباطها بعمليات التخطيط الإستراتيجي طويل المدى، وتصوّر الأزمات من خلالها.

      ولقد تميز عقْدا الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بما يسمَّى بحوث "المستقبليات" Futurology، المبنية على توقعات لتطورات، علمية أو تكنولوجية، محددة. وتميزاً بإيجاد الحقائق الثابتة، مع الخيال العلمي. ورافقت هذه "المستقبليات" بحوث ودراسات علمية، مؤسسة على نماذج رياضية، يعالجها الحاسب الآلي.

      وخلال عقدَي الثمانينيات والتسعينيات، تطور علم "المستقبليات"، ليشمل دراسات مستقبلية المحتوى، ومحددة الموضوع والإطار والمدى الزمني والمنهج العلمي؛ تساير عالم اليوم، الذي يتصف بتسارع معدلات التغيير.

مبادئ الدراسات المستقبلية

1. السعي إلى التعمق في التاريخ، واستخلاص دروسه؛ فضلاً عن دراسة أهم التطورات، الدولية والإقليمية، ذات التأثير الشامل في الدولة، وما تتيحه من فرص، وما تفرضه من قيود، وما ينجم عنها من تهديدات أو أخطار؛ استهدافاً للتحديد المشترك للصورة المستقبلية.

2. وضع تصوّر مستقبلي، لعقدَين أو ثلاثة عقود مقبلة، يتحدد خلالها الغايات والأهداف والمصالح؛ ويكون مُفصّلاً ما أمكن تفصيله، وتستخدم فيه النماذج الرياضية المتاحة.

3. البُعد عن أي هوى وتحيز فكري؛ والانطلاق من مسلمات وفرضيات، تلقى قبولاً من مختلف الاتجاهات العلمية والفكرية والعقائدية والتكنولوجية.

4. توضيح القدرات المطلوبة لإنجاز كلِّ مسار مستقبلي، وما يقتضيه من نفقات وأخطار. وتحديد ما يلزم من آليات، للتغيير والتطوير والارتقاء بالمسارات المستقبلية، التي لا بدّ أن تشمل أهدافاً معروفة علمياً، في مجال التنظير وتنمية القدرات والمنهج المستقبلي؛ إضافة إلى تنمية المهارات العلمية في التعامل مع المشكلات المعقدة.

5. الارتكاز على عوامل التطور في المجالات المختلفة، وبما يحقق الأهداف والغايات القومية تحقيقاً فاعلاً.

6. الاعتماد على سيناريوهات مختلفة، تُعَدّ مسبقاً، وتطاول كلَّ الاحتمالات الممكنة، في جوانب الأمن القومي بعامة؛ وتُخزن في حاسبات آلية، يستعين بها متخذ القرار، طبقاً للموقف/ الأزمة المستقبلية. وتسهم العوامل الآنفة في تحديد نمط الدراسات المستقبلية، من أنماطها الأربعة الرئيسية:

أ. النمط الحدسي Intuitive

يستند إلى الخبرة الذاتية. ويفتقر إلى القاعدة الموضوعية، من البيانات والمعلومات. وينبثق من رؤية حدسية، تعكس ذاتية المرء وخبراته الخاصة. ويقوم على محاولة تعرُّف التفاعلات، التي تسفر عن حالة معينة، يتوقعها الباحث، ولا يدعي تأكيدها، والحدس، في هذه الحالة، ليس إلهاماً؛ وإنما تقدير، يراه الباحث ملائماً لبعض الحالات المستقبلية.

ب. النمط الاستطلاعي Exploratory

يستشفّ المستقبل المحتمل، أو الممكن تحقيقه، من خلال نموذج واضح للعلاقات والتشابكات.

ج. النمط الاستهدافي أو المعياري Normative

يُعَدّ هذا النمط تطويراً للنمط الحدسي، إلا أنه يتجاوزه؛ مستفيداً من شتى الإضافات النهجية، التي استحدثتها العلوم، التطبيقية والرياضية.

د. نمط المعطيات العكسية للاتساقات الكلية Feedback Models

ويركز هذا النمط في مجمل المتغيرات، في إطار موحد، يجمع بين النمطَين السابقَين، في شكل تغذية عكسية Feedback، تعتمد على التفاعل المتبادل بينهما؛ فلا يهمل الماضي الظاهر، ولا يتجاهل الأسباب الموضوعية، التي سوف تفرض نفسها، لتغيير مسارات المستقبل. كما يجمع بين البحوث الاستطلاعية، التي تستند إلى البيانات والحقائق الموضوعية، والبحوث المعيارية، التي تُوْلي أهمية خاصة القدرات الإبداعية، والتخيل والاستبصار. ويمثل هذا النمط خطوة متقدمة، في المسار المنهجي للبحوث المستقبلية المعاصرة.