إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / أقاليم وظواهر جغرافية / قناة السويس




القناة عند الإسماعيلية
بنيامين دزرائيلي
رحيل القوات البريطانية
قناة السويس
قناة السويس بالقمر الصناعي
قاعدة تمثال دي لسبس


قناة السويس



الفصل الخامس

الفصل الخامس

تأميم قناة السويس والآثار المترتبة عليها

الأسباب والأزمات التي أدت إلي تأميم قناة السويس

محاولات إسرائيل الضغط للسماح لسفنها بالمرور في قناة السويس

          أثارت إسرائيل موضوع السماح لسفنها بالمرور في قناة السويس، حتى يمكن للمفاوض البريطاني النص على ذلك ضمن نصوص اتفاقية الجلاء، التي يجري إبرامها، بين مصر وإنجلترا. فافتعلت الحادثة التالية: اشترت إسرائيل إحدى السفن التابعة لكوستاريكا والتي ترفع علم كوستاريكا، وكانت هذه السفينة عبرت قناة السويس وغيرت اسمها إلى (بات جاليم) ورفعت عليها العلم الإسرائيلي ودفعتها للمرور في قناة السويس من جهة بورسعيد يوم 28 سبتمبر 1954م، وقبضت السلطات المصرية على طاقم السفينة بسبب قتله اثنين من الصيادين وتقدمت كل من مصر وإسرائيل بشكوى إلى مجلس الأمن، وتم التحقيق في هذا الموضوع بمعرفة لجنة الهدنة وانتهى التحقيق إلى أن السفينة لم تخرق شروط الهدنة، وسعت بريطانيا حتى أفرجت السلطات المصرية عن طاقم السفينة وتم مصادرة حمولتها بعد 3 شهور، ولم يتخذ قرار من مجلس الأمن بشأن قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1951م بشأن رفع القيود المصرية المفروضة على الملاحة الإسرائيلية بقناة السويس، وتم تطبيق اتفاقية الجلاء دون أن تحصل إسرائيل على مرادها، وقد حاولت بريطانيا بكل السبل والطرق الدبلوماسية الضغط على مصر لإنهاء تدخلها في حرية الملاحة الإسرائيلية عبر قناة السويس، كما تم مناقشة الموضوع في مجلس العموم البريطاني في 20 يوليو 1955م ولم تسمح مصر للسفن الإسرائيلية بالعبور في قناة السويس إلا بموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973م.

محاولات مد امتياز القناة والسيطرة عليها وضآلة العائد الذي تحصل عليه مصر

  • لم يغب عن الحكومة المصرية، عقب ثورة يوليو، الأهمية الاقتصادية لقناة السويس بالنسبة إلى مصر ودول العالم أجمع. وأدركت ضآلة ما تحصل عليه مصر من أرباح، إذ كانت نسبتها لا تزيد عن 5% من أرباح القناة.
  • كما أدركت الحكومة الأهمية العسكرية للقناة، إذ كان يعبرها، في ذاك الوقت، 60 ألف جندي بريطاني في طريقهم إلى دول الكومنولث، وكان لبريطانيا قواعد عسكرية في المدن الرئيسية للقناة وعلى امتدادها.
  • كانت بريطانيا تملك 44% من إجمالي أسهم القناة، وكان يديرها إدارة أجنبية. لذل، كان طبيعياً أن يعبر( مستر إيدن) وزير خارجية بريطانيا ورئيس وزرائها عن أهمية القناة في خطاباته بقوله: "القناة هي وريد الدورة الدموية للبترول في العالم". وقد كررها مرات عديدة في خطاباته.
  • أعلنت بريطانيا، في مايو 1956م عن أهمية اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان مستقبل القناة بعد انتهاء مدة امتيازها. وطلب مدير الشركة الفرنسي من شركات البترول مساندته في مد امتياز الشركة لمدة (20) سنة أخرى بعد انتهاء فترة الامتياز الأخرى في عام 1968م. وبحث مع مسؤولي شركات البترول صاحبة المصالح في الشرق الأوسط رغبة شركة القناة في تعميق وتوسيع القناة، وأن هذه العملية مكلفة وتتطلب تكاتف هذه الشركات.
  • كانت بريطانيا تخشى على القناة من الرئيس جمال عبد الناصر، وتنظر دائماً إلى القناة على إنها مؤسسة دولية، وضرورة إبعاد سيطرة عبدالناصر عليها باعتبارها ممراً ملاحياً دولياً.
  • استشعر جمال عبدالناصر تغلغل النفوذ الأجنبي الذي عانته مصر طويلاً، وأدرك أن الخطط تحاك لمد الامتياز وتدويل القناة، فعقد العزم على اتخاذ قرار التأميم عندما تحين اللحظة المناسبة[1].

جلاء بريطانيا عن قاعدة قناة السويس والأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقات بين مصر وبريطانيا

          وقعت اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا في 19 أكتوبر 1954م، والتي بموجبها يتم جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس ومصر. وقد قبلت مصر بعض التنازلات، منها ما نصت عليه المادة الرابعة من الاتفاقية، أنه: "في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون عند توقيع هذا الاتفاق طرفاً في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية الموقع عليها في القاهرة في الثالث عشر من أبريل 1950 أو على تركيا، أن تقدم مصر للملكة المتحدة ـ بريطانيا ـ من التسهيلات ما قد يكون لازماً لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها إدارة فعالة، وتتضمن هذه التسهيلات استخدام المواني المصرية في حدود ما تقتضيه الضرورة القصوى للأغراض سالفة الذكر بالإضافة إلى بعض القيود الأخرى".

          بمعنى أنه يمكن لبريطانيا إعادة تشغيل قناة السويس كقاعدة إذا تعرضت تركيا لهجوم مباشر، وقد أكد ذلك مستر (إيدن)، وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت، عند زيارته مصر للمرة الأولى والخيرة في الوقت نفسه، ولقائه الرئيس جمال عبدالناصر، في 20 فبراير 1955م. لقد كانت الزيارة الأخيرة بسبب التعارض بين سياسة بريطانيا، التي تؤيد الأحلاف العسكرية خاصة حلف بغداد الذي دعا له مستر (إيدن)، بعد أن أصبح رئيساً لوزراء بريطانيا وسياسة الرئيس جمال عبدالناصر الذي يرفض سياسة الأحلاف، وأخذ يؤلب الدول العربية على رفض هذه السياسة. أدى ذلك إلى توتر العلاقات بين مصر وبريطانيا، وازداد هذا التوتر بعد مهاجمة مستر إيدن رئيس وزراء بريطانيا للرئيس جمال عبد الناصر في 15 مارس 1956م، في مجلس اللوردات البريطاني.

          بدأت بريطانيا تخطط لهزيمة جمال عبد الناصر، وأرسلت أحد المسئولين البريطانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية لشرح وجهة النظر البريطانية الخاصة بخطر وجود جمال عبدالناصر، مما دفع جمال عبد الناصر إلى إثارة الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار عامة وتحريضهم على الاستقلال.

          وقد جرت محاولة عابرة من بريطانيا للتدليل على حسن النية، وذلك بتقديم موعد الجلاء عن مصر خمسة أيام عن الموعد المقرر، إذ غادرت مصر آخر دفعة من القوات البريطانية يوم 13 يونيو 1956م، وسلّم قائد القوات مفاتيح آخر مبنى تحتله هذه القوات، ودعوة الجنرال (روبرتسون)، القائد العام السابق للقوات البريطانية في الشرق الأوسط، للرئيس عبدالناصر لحضور الاحتفال بمناسبة الجلاء عن قاعدة قناة السويس ومصر. وكل ذلك كان محاولة من جانب بريطانيا لتهدئة الأجواء بينها وبين مصر، ولقد لعب (تريفليان) السفير البريطاني لدى مصر، الذي كان له علاقات طيبة مع جمال عبدالناصر،دوراً بارزاً فيها.

لجوء مصر إلى تسليح قواتها المسلحة من الكتلة الشرقية[2]

          ساعد على زيادة التوتر بين مصر وبريطانيا، توجه عبدالناصر إلى المؤتمر الأسيوأفريقي في باندونج بإندونيسيا، الذي افتتح في 18 أبريل 1955م، وكذلك عقد صفقة الأسلحة التشيكية لمصر، بعد رفض الغرب تزويد مصر بالسلاح، وشن إسرائيل غارة على قطاع غزة في 28 فبراير 1955م، بدعوى الانتقام من الفدائيين، وأسفر الحادث عن عدد من القتلى والجرحى. وبعد هذه الحادثة، اقتنع الرئيس عبدالناصر بأنه لا سبيل أمامه إلاّ التوجه إلى الاتحاد السوفيتي خاصة أنه لم يكن لديه في ذلك الوقت غير 6 طائرات صالحه للاستعمال، وكميه من الذخيرة تكفي لمعركة مدتها ساعة واحدة. وتسجل الأحداث أن بريطانيا أرسلت لمصر في عام 1955م، عدد 40 دبابة من نوع (منتريون) من دون أن تكون معها طلقة واحدة من الذخيرة، وعندما احتجت مصر، شحنت لها 10 قذائف لكل دبابة، وهذا يعني أن هذه الذخيرة لا تكفي لمجرد التجارب الأولية فقط.

          ورداً على ذلك عقدت مصر صفقة مع موسكو، بموجبها تشتري مصر أسلحة سوفيتية، من بينها مقاتلات "ميج"، وقاذفات من نوع (اليوشن)، ودبابات من نوع (ستالين)، وغواصات، ومدافع، وزوارق طوربيد، وعربات ميدان، وأنظمة رادارية، علي أن تسدد ثمن هذه الأسلحة من عائدات تصدير القطن والأرز المصري، وحددت الفائدة بـ (2)، وفترة السداد 4 سنوات. واتفق على أن تُنسب صفقة الأسلحة إلى تشيكوسلوفاكيا، لعدة أسباب منها ألا تكون هناك مواجهه بين موسكو والغرب، ولا تشوه صورة عبدالناصر في نظر العالم الخارجي كونه أصبح يسارياً. وعلى أمل أن يعدل الغرب موقفه من رفض تسليح مصر، فقد أطلع عبدالناصر السفير الأمريكي على مسودة الاتفاقية.

          وقد ساءت الأمور بين مصر والغرب، وطالبت بريطانيا بحظر تصدير السلاح للشرق الأوسط، إلا أنه اتضح أن بعض المصفحات تجد طريقها إلى مصر عبر شركة بلجيكية، وأنها أعادت تركيب 180 دبابة بريطانية من طراز (فالنتين)، و 415 دبابة من طراز (شيرمان)، وشحنتها للشرق الأوسط، بالإضافة إلى 600 دبابة ومصفحة مرت بالمواني البلجيكية في طريقها للشرق الأوسط، واتضح أن معظمها أرسل لمصر.

          وازداد الوجود السوفيتي في مصر، من مدربين وفنيين وطيارين. فقد كانت موسكو تدرك أهمية مصر وموقعها الإستراتيجي، عربياً وإسلامياً وأفريقياً.

          أزعجت هذه التطورات إسرائيل، لأنها كانت تعتبر الوجود البريطاني في منطقة قناة السويس بمثابة حماية لها، وأمناً من أي هجوم مصري. وقد صرح بذلك (موشي شاريت) رئيس وزراء إسرائيل، في كلمة أمام الكنيست، في 30 أغسطس 1954م، بقوله" "إن نقل منطقة القناة بما فيها المطارات إلى السلطة العسكرية المصرية يزيد من قوتها وقدرتها على العدوان ضد إسرائيل.

مشروع السد العالي ومحادثات ووعود تمويله ووقفها

          ترجع فكرة إنشاء السد العالي إلي "أدريان دانينوس"، وهو يوناني الجنسية، ثقافته زراعية. وقد تقدم بمشروع إنشاء سد خلف خزان أسوان إلى وزارة الأشغال المصرية في 23 أكتوبر 1946م. وعقب الثورة، سُمِح لـ "دانينوس" بمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر بمقر مجلس قيادة الثورة، حيث عرض "دانينوس" مشروعه الذي يقضي بإقامة سد على بعد 6 كيلومترات جنوب خزان أسوان، ارتفاع 100 متر، يتسع لتخزين 165 مليار متر مكعب من الماء، على منسوب 180 متر، بهدف زيادة الرقعة الزراعية، وتوليد الكهرباء التي يمكن استغلالها في المصانع والإنارة، ويغني عن مشروعات التخزين الأخرى، فضلاً عن وقاية مصر من أخطار الفيضانات العالية. وقد اقتنع الرئيس جمال عبدالناصر بالمشروع، وكافأ "دانيوس" بمنحه وساماً، بعد افتتاح مشروع السد العالي، ومكافأة مالية، وخصص له معاشاً شهرياً.

          بدأت محادثات تمويل السد العالي، في أواخر سنة 1955م، مع البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا، وأعلن التوصل إلى اتفاق من حيث المبدأ في 16 ديسمبر 1955م، يقضي أن يتولى البنك الدولي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، تمويل مشروع السد العالي بتكلفة تقديرية قدرها 1.3 مليار دولار، على مرحلتين. المرحلة الأولى تقدر نفقاتها بنحو 70 مليون دولار، تتحمل بريطانيا منها مبلغ 14 مليون دولار، وتتحمل الولايات المتحدة 56 مليون دولار. والمرحلة الثانية: اقتراض مبلغ 200 مليون دولار من البنك الدولي، و80 مليون دولار من بريطانيا، و130 مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكية، وتستحق فوائد عن هذه القروض بنسبة (5%) سنوياً وعلى فترة سداد 4 سنوات، أمّا باقي مبلغ تكلفة إنشاء السد فتتحمله مصر بالعملة المحلية، إضافة إلى منحتين، الأولى من الولايات المتحدة وقدرها 20 مليون جنيه، والثانية من بريطانيا بمبلغ خمسة ونصف مليون جنيه.

          وعندما علم الاتحاد السوفيتي بذلك، أعلن سفيره لدى مصر، في 18 ديسمبر 1956م، عن رغبة بلادة في المساهمة في المشروع.

          وفي 8 فبراير 1956م، تم الاتفاق بين مصر والبنك الدولي على تقديم القرض، لم تألو الصحف والإذاعة البريطانية جهداً، في مهاجمة عبدالناصر والدعوة إلى وقف أي تعاون مع مصر، وتأليب الشعب السوداني وحكومته ضد مشروع السد العالي. كما أبلغت وزارة الخارجية البريطانية سفيرها في القاهرة التمهل في المفاوضات مع مصر، في شأن المشروع مدعيةً أن لديها نقص في العملة الإسترلينية. اتفقت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على وأد المشروع، وذلك بسحب عرض تمويل مشروع السد العالي. فأعلن (جون فوستر دالاس) وزير الخارجية الأمريكي، في 19 يوليو 1956م، سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وتبعته بريطانيا وسحبت هي الأخرى عرضها، وتلا ذلك البنك الدولي لارتباطه في تقديم القرض بكل من الدولتين.

تأميم قناة السويس

قرار تأميم قناة السويس

  • اتخذ جمال عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس ظهر يوم السبت، 21 يوليو 1956م الموافق 13 ذي الحجة سنة 1375هـ، ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، رداً على قرار البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا بسحب تمويلهم لبناء السد العالي، والذي علم به جمال عبد الناصر يوم الخميس 19 يوليو 1956م.
  • كان قرار التأميم مبنياً على الآتي:
    1. إقناع الرئيس عبدالناصر أن الاتحاد السوفيتي سيؤيده في كل تصرف يطيح بالمصالح الغربية.
    2. إمكانية حدوث عدوان بريطاني على مصر نتيجة للتأميم.
    3. احتمال مشاركة فرنسا في العدوان، تضامناً مع بريطانيا، وانتقاماً من الرئيس عبدالناصر لمساعدته الثورة الجزائرية.
    4. انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات.
    5. عدم اقتناع وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر دالاس)، باستخدام القوة ضد مصر، وتفضيله الضغط الاقتصادي عليها.
    6. عدم اقتناع الرئيس عبدالناصر بأن تستخدم بريطانيا وفرنسا، إسرائيل ذريعة لاحتلال القناة بالقوة.
    7. اقتناع الرئيس عبدالناصر أن القوات البريطانية، منتشرة، وتحتاج إلى شهرين على الأقل، للتعبئة وتنظيم حملة عسكرية ضد مصر.
  • أعلن الرئيس عبدالناصر قرار التأميم، يوم الخميس 18 ذو الحجة 1375 هـ الموافق 26 يوليه 1956، في ميدان المنشية، ضمن الاحتفالات بعيد الثورة الرابع وذكرى مغادرة الملك فاروق، بعد تنازله عن العرش لأبنه "أحمد فؤاد".

وفي خلال خطاب الرئيس عبدالناصر، كرر اسم "دي ليسبس" عدة مرات، وكان الاسم هو الكلمة الرمزية "كلمة السر" المتفق عليها مع المجموعة التي نفذت قرار التأميم.

خطة تنفيذ قرار تأميم القناة والاستيلاء علي مرافقها:

  • كان عبدالناصر يحرص علي أن يحقق السرية التامة والمفاجأة، لذا لم يصرح بقرار تأميم قناة السويس إلاّ عندما استدعى المهندس محمود يونس، رئيس الهيئة العامة للبترول، في ذلك الوقت، في يوم 24 يوليو 1956م، إلى مقر مجلس الوزراء وأبلغه بعزمه على تأميم قناة السويس، وأنه سيصدر قرار بذلك مساء يوم 26 يوليو 1956م أثناء خطبته في الإسكندرية، وكلفه بتنفيذ هذه المهمة. وفي اللقاء نفسه، استدعى الرئيس جمال عبد الناصر المهندس عبدالحميد أبو بكر سكرتير عام الهيئة العامة للبترول في ذلك الوقت، وأبلغه بأنه قرر تأميم قناة السويس، وأنه مكلف مع المهندس محمود يونس بالتنفيذ، وأن كلمة السر هي (دي لسبس) التي سيذكرها في خطبته بالمنشية. وقد طلب المهندس محمود يونس من الرئيس جمال عبدالناصر أن ينضم إليهما المهندس محمد عزت عادل، السكرتير المساعد للهيئة المصرية العامة للبترول في ذلك الوقت، فوافق الرئيس على هذا الطلب، وعهد إلى محمود يونس بالبدء فوراً في مهمة اختيار المجموعة التي ستتولى تنفيذ المهمة تحت قيادته، على أن يكون الاختيار من بين الأفراد الموثوق فيهم، ومن ذوي الخبرة والكفاءة. وكلفه، أيضاً، بإعداد خطة عملية لتنفيذ التأميم والمحافظة على السرية التامة.
  • تم تجميع أعضاء مجموعة التأميم، وهم ثمانية من القوات المسلحة، وأحد عشر من قطاع البترول، وواحد من الشرطة، واثنان من الفنيين، وأربعة من وزراء التجارة الذين كانوا ضباطاً جامعيين، في الثانية عشر ظهر يوم 26 يوليو 1956م، في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بكوبري القبة، ولم يفصح لهم عن المهمة الحقيقية المكلفين بها، وكانت التعليمات الأولية لهم أن المجموعة مكلفة بمأمورية سرية جداً في الصحراء الغربية.
  • التقى فريق التأميم في الساعة الثانية والنصف ظهراً يوم 26 يوليو، ومعهم كل من المهندسين محمود يونس، وعبدالحميد أبوبكر ومحمد عزت عادل، وأقلت المجموعة ست سيارات، بكل سيارة خمسة أو ستة أفراد. وبدأت السيارات مغادرة مقر القيادة اعتباراً من الساعة الثالثة بعد الظهر على فترات متفاوتة. وعند وصولهم إلى معسكر الجلاء، بالإسماعيلية، انضم إليهم بعض كبار المسؤولين بمحافظات القناة وسيناء، وأبلغهم المهندس محمود يونس أن المهمة المكلفين بها هي تأميم قناة السويس.
  • قُسّم فريق التأميم إلى ثلاث مجموعات تنفيذية. تتولى المجموعة الأولى السيطرة على الإدارة الرئيسية للقناة بالإسماعيلية، والمجموعة الثانية إدارة فرع بورسعيد، والمجموعة الثالثة إدارة فرع السويس، أمّا مكتب القاهرة فقد كلفت به مجموعة تُركت بالقاهرة، وكُلف سلاح الإشارة بالإشراف على محطات الإرشاد على طول القناة، وعددها إحدى عشر محطة وإدارتها، وعندما سُمعت كلمة السر (دي لسبس) بدأ تحرك المجموعات، في الساعة العاشرة مساءاً. ونفذت كل مجموعة ما عهد إليها من تعليمات، بمعاونة المحافظين ورجال الأمن والقوات المسلحة. فعلى سبيل المثال تم الاستيلاء على مبنى القناة بالإسماعيلية خلال ربع ساعة فقط.

ردود الفعل علي قرار تأميم قناة السويس:

          عندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قرار التأميم، هاجمته وسائل الإعلام البريطانية، واستخدمت تشبيه إيدين له بهتلر وستالين، وطالبت بضرورة التصدي وتحجيمه قبل أن يزداد خطره.

          وفي تلك الليلة كان (أنتوني إيدن)، رئيس وزراء بريطانيا، في زيارة إلى العراق، يتناول طعام العشاء في ضيافة الملك فيصل ملك العراق، ومعه الأمير عبد الإله، ولي العهد، ونوري السعيد، رئيس وزراء العراق. وفور إعلان جمال عبد الناصر قرار التأميم دخل عليهم أحد رجال حاشية إيدن وفي يده ورقة صغيرة وانحنى علي إيدن وسلمه إياها، وما إن فتحها وقرأ ما فيها حتى امتقع وجهه، فسأله الملك فيصل عمّا حدث، فرد عليه إيدن (أمم ناصر شركة قناة السويس، واستولى على القناة). فانفعل نوري السعيد الذي كان ينظر إلى جمال عبدالناصر على أنه من ألد أعدائه وقال مخاطباً إيدن: "لقد حذرتكم مراراً من مهادنته ولكنكم لم تسمعوا نصيحتي، والآن يجب أن تضربوه بقوة"، دعا إيدن إلي اجتماع فوري لرؤساء هيئة أركان حرب الجيش البريطاني لدراسة الخطوات الواجب اتخاذها تجاه التأميم، وحضر الاجتماع أيضا السفير الفرنسي في العراق، والقائم بالأعمال الأمريكي، واستهل إيدن الاجتماع قائلاً: "إن المصري ـ يقصد جمال عبدالناصر ـ يضغط بإصبعه على قصبتنا الهوائية".

          ونظراً إلى أن بريطانيا كانت أكثر الدول تضرراً من تأميم شركة القناة، لأنها كانت تملك (45%) من أسهم القناة، إضافة إلي أن ثلاثة أرباع البترول البريطاني يمر بالقناة، وكانت السفن البريطانية المستخدمة للقناة تمثل ثلث السفن العابرة. فقد بدأت بريطانيا تفكر في إسقاط جمال عبد الناصر، وتبحث عن البديل له في حكم مصر. وفرضت بريطانيا العقوبات الاقتصادية على مصر، ومنها تجميد الأرصدة المصرية لديها والتي بلغت في ذلك الوقت 113 مليون جنية إسترليني، ومنعت شحن البضائع لمصر، وفرضت الرقابة على جميع حسابات البنوك المصرية فيها، ومنعت تسليم ذهب وودائع شركة قناة السويس لمصر إلا بترخيص من وزارة المالية البريطانية. وامتنعت فرنسا وبريطانيا عن دفع رسوم عبور القناة لمصر، وحظرت بريطانيا تصدير الأسلحة والمعدات إلى مصر، وجمدت الولايات المتحدة أيضاً أرصدة مصر لديها('الأستاذ فتحي رزق، قناة السويس الموقع والتاريخ، الفصل الرابع، ص153 ـ الدكتورة لطيفة محمد سالم، أزمة السويس، ص122.')

          أخذت الشركة المؤممة تؤلب الرأي العام الفرنسي والعالمي ضد مصر بسبب قرار التأميم وتطالب باحتلال مصر واحتلال قاعدة قناة السويس.

          حاولت حكومات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الضغط على مصر، وتهديدها باستخدام القوة. كما ضغطت هذه الدول اقتصاديا علي مصر، واتهمتها بأنها تجبر رعاياها، خاصة، والأجانب عامة، العاملين بالقناة على العمل تحت تهديد السجن. ثم وجهت بريطانيا الدعوة إلى ثلاثة وعشرين دولة لحضور مؤتمر بلندن، في 16 أغسطس 1956م. وأعلنت بريطانيا وفرنسا تعبئة الاحتياطي، وأذيع رسمياً تحرك قواتهما وأساطيلهما.

          وتآمرت بريطانيا وفرنسا وحشدتا أكبر عدد من السفن عند مدخلي القناة من الشمال إلى الجنوب وبالعكس لتبين لدول العالم عجز مصر عن إدارة القناة. ولكن مرت هذه السفن فيكلا الاتجاهين من دون تأخير أو ارتباك.

          ولم يؤثر التأميم بأي حال من الأحوال على الملاحة في قناة السويس، وقد مرت في خلال الأسبوعين التاليين للتأميم 766 سفينة

وفي 29 يوليو 1956م كتب المندوب السامي البريطاني في مصر سابقا مقالا يطالب فيه:

  1. احتلال مصر بواسطة إنجلترا وفرنسا وأمريكا.
  2. قطع مياه النيل عن مصر عند أوغندا.
  3. وضع قناة السويس تحت إشراف الأمم المتحدة.

          بدأت الدول المتضررة من تأميم قناة السويس تفكر في مقاطعة القناة وتحويل سفنهم إلي طريق رأس الرجاء الصالح، واستخدام الطائرات بين أوروبا والشرق، وحفر قناة بديلة في إسرائيل تربط خليج العقبة بالبحر الأبيض المتوسط، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل البترول من الشرق إلي أوروبا. كما حرّضت السفن علي عدم دفع رسوم المرور في القناة للإدارة المصرية، وأدى ذلك إلي حصول مصر علي 3.6 مليون جنية فقط رسوم مرور السفن عن الفترة من 26 يوليو وحتى 31 أكتوبر 1956م، ( يوم العدوان الثلاثي علي مصر، الذي تسبب في غلق قناة السويس)، وحصلت الشركة المؤممة علي 5.3 مليون جنيه، ودفعت في باريس ولندن. وقد قبلت الإدارة المصرية ذلك التصرف من السفن المارة، حتى لا تتهم بأنها تمنع السفن من المرور بالقناة نتيجة عجزها عن إدارة القناة.

          أرسل أنتوني إيدين برقية إلى الرئيس الأمريكي، أيزنهاور "يخبره فيها بضرورة الاستعداد لاستخدام القوة ضد مصر حتى يرجع جمال عبدالناصر إلى صوابه". ولكن أيزنهاور لم يستجب لنداء إيدين، لأنه كان يضع في حسبانه مخاطر التصعيد في الشعور العدائي ضد الولايات المتحدة داخل العالم العربي، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تزايد النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. ورداً على هذه الرسالة، أوفد أيزنهاور وزير خارجيته "جون فوستر دالاس"، إلى لندن لإقناع بريطانيا وفرنسا عن طريق الدول الأخرى، بعدم اللجوء إلى استخدام القوة.

          ووصل وزير خارجية أمريكا إلى لندن وصرح: "أن علينا أن نجعل جمال عبدالناصر يتقيأ ما ابتلعه ويوافق على تدويل القناة".

          وبحثت الولايات المتحدة الوضع جيداً، ووجدت أن ما أقدم عليه جمال عبد الناصر لا يمكن قبوله لأنه لو ترك فسوف يؤثر على المنطقة، وبالتالي لابد من خطوات لإسقاط النظام يكون أخرها استخدام القوة، التي من الممكن أن تشارك فيها بريطانيا وفرنسا على أن يكون الزمام في يد واشنطن.

          وهاجم منزيس (Mensies)، رئيس وزراء أستراليا، قرار التأميم مؤكداً أنه يخالف القانون. وقال: "إن ترك مصالحنا الحيوية لنزوة إنسان واحد سيكون انتحاراً، إننا لا نستطيع أن نوافق على ما قام به ناصر لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الأخلاقية". وأعلن منزيس، في مناسبات أخرى، أنه لا سبيل لحل مشكلة قناة السويس سوى استخدام القوة.

          وأمّا رئيس وزراء نيوزيلندة فقد أعلن أنه: "أينما تقف بريطانيا فنحن نقف وأينما تذهب فنحن نذهب في الأوقات الطيبة والأوقات العصيبة".

          قررت إنجلترا وفرنسا أن تخوضا حرباً أفضل من أن تُسلّم القناة لمصر، وأعدتا العدة لغزو مصر بتخطيط مسبق عن طريق عقد مؤتمر للدول الموقعة علي معاهدة القسطنطينية عام 1888م، والدول الأخرى التي يهمها استخدام القناة، وذلك يوم 16 أغسطس 1956م، حضره ممثلو 23 دولة اختارتهم إنجلترا وفرنسا وأمريكا، بالإضافة إلى مصر. وانتهى المؤتمر بقرار لتدويل إدارة القناة، وإيفاد لجنة خماسية لمصر برئاسة منزيس رئيس وزراء استراليا، وسلمت المشروع للرئيس جمال عبد الناصر يوم 4 سبتمبر 1956م الذي رفض المشروع.

          وقد تعاونت شعوب العالم الحر مع مصر وأعلنت الحداد لمدة خمسة دقائق في الساعة 12 ظهراً يوم 16 أغسطس 1956م، استنكارا لمحاولات الاستعمار لقتل حرية الشعوب وانتهاك سيادة الدول وسارت المظاهرات.

رأى كل من الزعيمين، نهرو وتيتو، أن جمال عبدالناصر تسرع في اتخاذ قرار التأميم.

          أمّا باكستان فقد كان موقفها متمشياً مع موقف بريطانيا، نظراً لارتباطها معها بحلف جنوب شرق أسيا. وكان موقف تركيا هو نفس موقف باكستان، نظراً لارتباط تركيا بحلف شمال الأطلنطي وحلف بغداد.

          أمّا موقف الاتحاد السوفيتي من التأميم فقد كان مرحباً ومؤيداً لقرار التأميم، وأوضح (خروشوف) رئيس الاتحاد السوفيتي بأن مصر لم تخالف القانون الدولي، وإذا كان الغرب يطالب بإدارة دولية لقناة السويس لأن دولاً كثيرة تستخدمها فإن هذا المبدأ لا يطبق على قناة (بنما) وقناة(كييل) ومضيق (الدردنيل).

أما إيطاليا فقد وعدت بتأييد مصر.

          واعترفت ألمانيا الغربية في بادئ الأمر بمشروعية التأميم إلا أنها عدلت عن ذلك بناءاً على ضغط بعض الدول الأوربية.

          ساندت الدول العربية وأيدت مصر في قرار التأميم، وسارت مظاهرات عديدة في بعض هذه الدول لمساندة التأميم.

انتهزت إسرائيل الفرصة، وطالبت بحرية مرور سفنها في قناة السويس.

          أعلنت مصر في أعقاب التأميم، وفي مواجهة ردود الفعل العنيفة من الدول المتضررة، احترامها لكل من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، والمادة الثامنة من اتفاقية الجلاء لعام 1954.




[1] كتب هيكل، في مجلة آخر ساعة، يوم 15 أغسطس سنة 1956م، أن جمال عبد الناصر كان مبيتاً من قبل لتوقيت إعلان قرار تأميم قناة السويس، وانتهز فرصة سحب عرض تمويل السد العالي.

[2] وهي دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقاً.

[3] وهو روبرت منزيس رئيس وزراء أستراليا في ذلك الوقت.

[4] مشروع دالاس ويقضي بأن لا تترك إدارة القناة في أيدي مصر بل تتولى هيئة دولية إدارة القناة، تشكل من الدول التي تختارها الدول الموقعة على الاتفاقية من دون أن تشترك فيها مصر ومعنى ذلك أن تتنازل مصر عن حقوقها في السيادة لمصلحة هيئة دولية. ( المهندس عبد الأستاذ فتحي رزق، قناة السويس الموقع والتاريخ ‎ص171 ـ وورد في كتاب المهندس عبد الحميد أبو بكر قناة السويس والأيام التي هزت الدنيا، ص138، ` كان المشروع مكون من 60 كلمة يمكن تلخيصها في 6 كلمات، ارحلوا يا مصريين سندير القناة محلكم`. ثم عدل المشروع بعد ذلك في 19 نوفمبر 1956م، في مؤتمر لندن الثاني ( مؤتمر جمعية المنتفعين)، حيث عرض مشروع جمعية ( هيئة ) المنتفعين والذي يتكون من 6 نقاط يحدد فيها مهمة جمعية المنتفعين، وكيفية الإشراف على تحسين القناة ومساعدة سفن دول الأعضاء والدول الأخرى في المرور بالقناة، ومصادر تمويل هذه العملية، وأوضح دالاس أن الدول المكونة لهيئة المنتفعين هي وحدها التي ستتمتع بعضوية الهيئة.

[5] كان رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدين كان يرى أن الإطاحة بعبدالناصر تتطلب تدخلاً عسكرياً، ومن ثم عقد اجتماعاً سرياً في باريس في 24 أكتوبر 1956 حضره ممثلون عن جي موليه رئيس الوزراء الفرنسي، وعن دافيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل للاتفاق على خطة تتولى فيها إسرائيل مهمة الهجوم على سيناء لإيجاد مبرر لدعوة مصر وإسرائيل لسحب قواتهما بعيداً عن قناة السويس لحماية المجرى الملاحي الدولي من أي تهديد.وعلى الرغم من أن المخابرات المركزية الأمريكية رصدت هذا الاجتماع الثلاثي السري، فإنها لم تتمكن من معرفة الخطط والنيات المستقبلية لكل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بسبب نجاحهم في إخفاء نياتهم.وعلى الفور قامت وكالة الأمن القومي الأمريكي NAS برفع تقرير عاجل إلى الرئيس الأمريكي مباشرة، يتضمن تزايد رسائل الشفرة الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل وعجز الخبراء الأمريكيين عن حل هذه الشفرة، ولذلك أصدر الرئيس أيزنهاور قراراً فورياً باستخدام طائرات التجسس الأمريكية U2 لمراقبة التحركات العسكرية للقوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.ووسط أجواء التمويه والإخفاء التي مارستها دول العدوان الثلاثي لإخفاء نية الهجوم ضد مصر وتسريب معلومات عن احتمال هجوم إسرائيلي ضد الأردن، وقعت أحداث التدخل السوفيتي في المجر لتجذب جانباً من اهتمام الرئيس الأمريكي واستخباراته، ومع ذلك فإنه عندما تلقى الرئيس الأمريكي أيزنهاور تقريراً مؤكداً من المخابرات المركزية الأمريكية عن زيادة تعزيزات الجيش الإسرائيلي ورفع درجة الاستعداد، سارع أيزنهاور بإرسال رسالة شخصية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن جوريون يوم 27 أكتوبر يُعرب فيها عن قلقه وانزعاجه من هذه التقارير، ثم أتبع ذلك برسالة شخصية ثانية في اليوم التالي متضمنة نداءً صريحاً وعاجلاً إلى بن جوريون بألا يقدم على فعل أي شيء من شأنه أن يُعرض السلام في الشرق الأوسط للخطر.واستناداً إلى تطمينات رسمية تلقاها أيزنهاور من البريطانيين بعدم وجود نية إسرائيلية لشن هجوم ضد مصر، أوى الرئيس الأمريكي إلى فراشه مساء يوم الاثنين 29 أكتوبر وهو مطمئن إلى أن الأمور تتجه إلى التحسن في الشرق الأوسط وفي المجر أيضاً.

[6] تروى قصة أخري في ( كتاب قناة السويس والأيام التي هزت الدنيا للمهندس عبد الحميد أبو بكر في الصفحات 229 ، 230 ، 231) وتقول: ` كانت السفينة ( عكا ) أول وأبرز القطع البحرية التي أغرقت خلال العدوان الثلاثي علي مصر، وتسببت في تعطيل الملاحة بقناة السويس، ولهذه السفينة تاريخ يستحق أن يروي : فقد أمر الملك فاروق ـ ملك مصر قبل الثورة ـ بشراء حاملة دبابات لتدعيم الأسطول المصري، وبالفعل وصلت إلي ميناء الإسكندرية هذه الحاملة، وسميت عكا بناءا علي أمر ملكي، وأراد الملك فاروق أن يشهد تجربة لها ولكنها تعطلت بعد اجتيازها بوغاز الإسكندرية، فعادت إلي الميناء مقطورة، وظلت في الميناء في مكان يطلق عليه مقبرة السفن، ترتع فيها الفئران، حتى كان موعد رحلتها الأخيرة عبر قناة السويس وعليها شحنة كاملة من الإسمنت، وذلك بعد تأميم قناة السويس. وقد وصلت السفينة ( عكا ) مقطورة ( أي مجرورة) إلي بحيرة التمساح، وهي مملوءة بالأسمنت، وبقيت هناك لاستخدامها في سد القناة، في حالة تعرضها لأي عدوان. وفي حوالي الساعة الثانية عشر ظهر يوم أول نوفمبر عام 1956م، حلقت طائرات استطلاع العدو فوق السفينة ( عكا)، وكان الواضح أن قوات العدو تريد إغراق السفينة في البحيرات قبل سحبها إلي القناة، وكان المصريون يريدون سحب السفينة للقناة وإغراقها فيها لسد القناة حتى لا يُسمح لقوات العدو باستخدام القناة في دعم عدوانه عن طريق البحر. واتصل المهندس محمود يونس رئيس هيئة قناة السويس بالرئيس جمال عبد الناصر، والمشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية، الذي أعطي الأمر بإغلاق القناة، فتحركت القاطرة ( عنتر ) ووصلت إلي السفينة ( عكا)، بعد أن عادت الطائرات وقامت بقصف السفينة ( عكا ) في محاولة لإغراقها في بحيرة التمساح، قبل سحبها إلي القناة، وكانت هذه أول غارة جوية علي مرفق قناة السويس. وأصابت الطائرات السفينة ( عكا ) بإصابات جسيمة. وقامت القاطرة ( عنتر ) بسحب السفينة ( عكا ) حتى مدخل القناة، حيث عادت الطائرات وأغارت مرة أخرى، وفي نفس الوقت التي مالت فيه القاطرة في محاولة لوضع السفينة بعرض القناة، حيث أغرقتها قاذفات القنابل الإنجليزية والفرنسية، واستطاعت القاطرة أن تقطع حبل الشد ببلطة، وتسرع داخل القناة بعد أن أدت واجبها، وقفز طاقم السفينة ( عكا ) في الماء أثناء غرقها وقد نجوا بأعجوبة، واستشهد أحد جنود البحرية. وكانت السفينة ( عكا ) أول وحدة بحرية تغرق في القناة، وأصبحت أكبر عائق مائي في قناة السويس، وبذلك سدت القناة تماما، وتعطلت الملاحة منذ الساعة الثانية عشرة يوم أول نوفمبر 1956م، وذلك بع د أن نجح المصريين في إدارتها لمدة 99 يوما بع د التأميم. وبعد ذلك أعطيت التعليمات بإغراق جميع الوحدات البحرية في القناة لسد القناة تماما. وقامت القوات المسلحة بنسف كوبري ( الفردان ) الذي سقط في القناة. وعقب ذلك أذيع بيان من محطات الإذاعة المصرية ملخصه كالآتي : { بينما كانت السفينة ( عكا ) إحدى سفن الأسطول المصري تعبر قناة السويس، هاجمتها الطائرات الإنجليزية والفرنسية وأغرقتها في الممر الملاحي للقناة، مما أدي إلي إغلاق القناة وتعطيل الملاحة}.

[7] حشدت هيئة قناة السويس للمهمة 19 مهندسا من بينهم 4 مهندسين يمثلون الأمم المتحدة … والآخرون يمثلون مجموعة الشركات التي أسندت إليها أعمال التطهير… ومن بينها شركة ( لي سميث) الهولندية، … وشركة ( سفيستر ) الدانمركية، … وشركات ألمانية، وإيطالية، ويوغسلافية، وسويدية، وبلجيكية، .. وكان أسطول التطهير يتكون من 59 قطعة بحرية .. من بينها 6 قاطرات انتشال مجهزة بورش خاصة ومعدات ومستلزمات الغواصين، و5 سفن انتشال من بينها أكبر سفينتين في العالم .. وهما ألمانيتين وتستطيع كل منهما رفع 2000طن، إلي ارتفاع 3 أقدام، و9 قاطرات تعمل في البخار، و 4 قاطرات ساحلية، و4 سفن رفع، و25 فنطاسا عائما، وسفينتان لنقل المهمات .. ويعمل علي هذه الأجهزة 600 رجل من الخبراء والمهندسين والبحارة والغواصين والفنيين والإداريين.