إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









(1) نظرية الصفائح التكتونية

حركة الصفائح التكتونية

تقسم نظرية تكتونية الصفائح الغلافَ الصخري للأرض، إلى عدد من الصفائح المتباينة مساحاتها تبايناً كبيراً؛ فمنها الكبيرة، ومنها الصغيرة. وهناك، على الأقل، ست صفائح تكتونية كبيرة، نسبياً، هي: صفيحة المحيط الهادي Pacific Plate، والصفيحة الأوراسية Eurasia Plate، والصفيحة الأفريقية Africa Plate، وصفيحة أمريكا الشمالية North America Plate، وصفيحة أمريكا الجنوبية South America Plate، والصفيحة الأسترالية ـ الهندية Australia-India Plate، والصفيحة العربية Arabia Plate، والصفيحة الإيرانية Iran Plate.

ويتكون حزام ثنية الألب، الممتد من مضيق جبل طارق حتى الشرق الأوسط، من عدد من الصفائح الصغيرة جداً.

ومن الصفائح ما يمتد تحت المحيط فقط، مثل: صفيحة نازكا Nazca Plate، في المحيط الهادي، قبالة السواحل الغربية لأمريكا الجنوبية؛ وصفيحة كوكوس Cocos Plate، إلى الشمال منها، قبالة السواحل الغربية لأمريكا الوسطى. ومن الصفائح ما هو قاري فقط، مثل: الصفيحة الإيرانية. ومنها ما هو محيطي وقاري، أي يمتد تحت قارة وجزء من المحيطات، مثل: الصفيحة العربية، والصفيحة الأفريقية، وصفيحة أمريكا الشمالية.

يراوح سمك الصفائح، تحت المحيطات، بين 70 و80 كيلومتراً؛ وبين 100 كيلومتر و150 كيلومتراً، في القارات.

ولأن الصفائح تغطي كل السطح الخارجي للأرض، فلا يوجد فيه فراغ ليس مشغولاً بإحداها؛ ولأن حجم الأرض ومساحة سطحها ثابتان؛ فإن تحرك أي صفيحة من هذه الصفائح، سيؤثر في الصفائح المجاورة لها. وتبعاً لاتجاه حركة الصفيحة، بالنسبة إلى الصفائح المجاورة، فقد ميز العلماء ثلاثة أنواع، من العلاقات الحركية فيما بينها. إذ رأوا أن الحد الفاصل بين أي صفيحتَين، سيشهد واحدة من ثلاث حالات، تبعاً لحركة كل منهما، نسبة إلى الأخرى: إما أن تتحرك كل منهما في اتجاه فتتباعدان، فتكون الحدود متباعدة (انظر شكل حدود صفائحية متباعدة)؛ أو أن تصطدما، فتسمى حدودهما، في هذه الحالة، حدوداً متقاربة (انظر شكل حدود صفائحية متقاربة)؛ أو أن تحتك إحداهما بالأخرى، حين تنزلقان، أفقياً، في اتجاهين متعاكسين، فتكون الحدود بينهما أفقية أو محافظة (انظر شكل حدود صفائحية محافظة). لذا، يمكن القول، إن أنواع الحدود الحركية Tectonic Boundaries، ثلاثة هي: الحدود الصفائحية المتباعدة، والحدود الصفائحية المتقاربة، والحدود الصفائحية المحافظة.

1. الحدود الصفائحية المتباعدة

تتحرك الصفيحتان التكتونيتان المتجاورتان، في هذه الحالة، مبتعدتين إحداهما عن الأخرى؛ فتتباعد حدودهما، وتسمى الحدود المتباعدة Diverging Plate Boundaries. ويملأ الفراغ، الناتج من تباعدهما، صهير صخري بازلتي Basaltic، يندفع من الوشاح، من الأسفل؛ لسد الفراغ، فيتجمد، مكوناً قشرة محيطية جديدة. ويصحب هذه العملية نشاط بركاني، على طول حدود التباعد؛ وانبثاق لابة Lava قاعدية، تشبه في تركيبها تركيب الوشاح، تكوِّن القشرة المحيطية. ويؤدي تباعد الصفيحتَين، وتكون صخور جديدة بينهما، اتساع أرضية المحيط Sea Floor Spreading باستمرار. وهذه الفكرة، هي أحد أسس نظرية الصفائح التكتونية؛ إذ كلما تكونت قشرة محيطية جديدة، تحركت في الاتجاهين، متيحة انبثاق صهير جديد وتجمُّده.

الفارق الكبير في درجة الحرارة، بين سطح القشرة المحيطية، التي تغطيها مياه الأعماق المحيطية، التي لا تتجاوز درجة حرارتها أربع درجات مئوية؛ وبين درجة حرارة صهير الوشاح، تحتها، التي تتجاوز 600ْ مئوية ـ ينجم عنه ارتفاع درجة حرارة صخور القشرة، في مناطق انبثاق الصهير، لتكوين قشرة محيطية جديدة. ويؤدي ارتفاع الحرارة الشديد تمدد صخور حدود الصفائح، وتخفيض كثافتها. وإزاء الضغط عليها من الأسفل، والناتج عن اندفاع حمم الصهير إلى الأعلى، ترتفع حدود الصفائح المتباعدة، آلاف الأمتار، عن قاع المحيط حولها.

يسفر ارتفاع حدود الصفائح المتباعدة (انظر شكل حدود صفائحية متباعدة)، عن تكوين سلاسل جبلية مغمورة، على طول هذه الحدود؛ تعرف بالظهور المحيطية، أو أُحياد أواسط المحيطات[6] Mid-Oceanic Ridges.

تمتد الظهور المحيطية، متصلة على شكل شبكة من السلاسل الجبلية الضخمة؛ تحيط بالأرض، مثلما تحيط الشبكة بكرة السلة. ويقدر إجمالي طولها بنحو 65 ألف كيلومتر. وهي تعلو فوق قاع المحيط، بمتوسط ارتفاع، يصل إلى 4500 متر. وعلى الرغم من أن هذا الارتفاع، يكاد يفوق أعلى المرتفعات على اليابس، إلا أنها نادراً ما تعلو فوق سطح الماء. وقد يصل عرضها، في بعض الأماكن، إلى ثمانية كيلومترات. وهذه السلاسل من المرتفعات المغمورة، وإن كانت تبدو متصلة، في مناطق تباعد الصفائح؛ إلا أنها تمتد، على شكل قطاعات صغيرة، تربط بينها صدوع تحويلية، وأخاديد. وهي ليست، بالضرورة، متعامدة على خط الانفصال بين الصفيحتَين المتباعدتين (انظر شكل الصدوع التحويلية).

ومما يميز هذه السلاسل المغمورة، أنه يمتد، في قمتها، أخدود عميق، على طول امتدادها. وقد استدل به العلماء، وبعدد من الشواهد الأخرى، التي ستذكر لاحقاً، على أن هذه النطاق، هو مركز تباعد الصفائح Spreading Centers. وسرعة تباعد الصفائح مختلفة؛ إلا أن معدلها السنوي يراوح بين سنتيمتر واحد، كما في شمال المحيط الأطلسي، وفي البحر الأحمر؛ 4.4 سنتيمتر في السنة في شرق المحيط الهادي. وهذه السرعة، وإن كانت تبدو ضئيلة، بمقاييس العمر البشري؛ إلا أنها كبيرة، باستمراريتها خلال العصور الجيولوجية.

يعد الحيد الممتد في وسط المحيط الأطلسي Mid-Atlantic Ridge، أشهر جزء في هذه السلسلة المغمورة؛ إذ كان أول ما اكتشف منها في قاع المحيط، أثناء تمديد كبول التلغراف، بين أوروبا وأمريكا الشمالية بعد الحرب العالمية الأولى. ونظراً إلى كثافة النقل بين ساحلي المحيط الأطلسي، وخاصة الجزء الشمالي منه؛ ونتيجة للتقدم، العلمي والتقني، للدول المطلة على جانبيَه؛ فقد حظي حيد وسط المحيط الأطلسي بدراسات مستفيضة، كشفت كثيراً من تفاصيل هذه السلسلة، من الظهور المرتفعة، الممتدة في قيعان المحيطات، والتي يشكل حيد قاع المحيط الأطلسي جزءاً منها.

يمتد حيد وسط المحيط الأطلسي، من البحر المتجمد، شمالاً، حتى جنوب المحيط الأطلسي، بعد تجاوزه الحد الجنوبي لقارة أفريقيا، حيث ينقسم إلى قسمَين: أحدهما، يتجه شرقاً، مكوناً حيد الأطلسي ـ الهندي؛ والآخر، يتجه غرباً، ليتصل بحيد شرقي المحيط الهندي، بسلسلة من الأخاديد والصدوع. يبلغ المتوسط السنوي لسرعة تباعد الصفائح، على جانبي حيد منتصف المحيط الأطلسي، سنتيمترين ونصف سنتيمتر، أو نحو 25 كيلومتراً، كل مليون سنة. وقد نتج عن هذه الحركة، التي تبدو بطيئة، تكون حوض المحيط الأطلسي، خلال 200 مليون سنة.

جزيرة إيسلندا Iceland الواقعة في شمالي المحيط الأطلسي، والتي تُعد جزءاً من حيده الأوسط هي من المواقع القليلة، التي تعلو فيها أحياد أواسط المحيطات فوق سطح الماء، وتمثل مختبراً طبيعياً لعلماء الأرض، لدراسة افتراق الصفائح، وما يصاحبه من ظواهر؛ فهي تشهد بناء أراضٍ جديدة، في وسطها؛ وتتمدد كلما ابتعدت أوراسيا عن أمريكا الشمالية (انظر شكل حيد منتصف الأطلسي). ويشهد سطحها عدداً من البراكين الناشطة، وخاصة في أجزائها الشمالية، قرب بركان كرافلا Krafla، حيث تزداد الصدوع الأرضية اتساعاً، وتظهر صدوع جديدة، كل بضعة أشهر. وقد ناهز إجمالي التزحزح الأرضي، في الجزيرة، بين عامي 1975 و1985، 7 أمتار.

ومن مناطق حدود الصفائح التكتونية المتباعدة، وحديثة التكوين جيولوجياً، صدع البحر الأحمر الأخدودي، الذي يفصل المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية عن أفريقيا؛ والممتد في الأخدود الأفريقي جنوباً، وخليج العقبة شمالاً. فالصفيحتان، الأفريقية والعربية، تلتقيان عند ما يسميه الجيولوجيون التقاطع الثلاثي Triple Junction؛ وذلك في مكان التقاء أخدود البحر الأحمر وأخدود خليج عدن، والأخدود الأفريقي. وقد نجم عن لانفصال هاتين الصفيحتَين، نشوء انتفاخ قبابي في سطح الأرض؛ ربما كان ناتجاً من ضغوط باطنية. هو يمتد على مسافة، تقرب من 100 كيلومتر عرضاً، و250 كيلومتراً طولاً؛ ويتجاوز ارتفاعه ألف متر. ويتمثل في هضبة الحبشة، ومرتفعات جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. ونتيجة للشد، الذي تعرضت له قشرة الأرض، فقد قسمت هذه القبة، من قمتها، إلى ثلاثة أجزاء. ثلاثة صدوع أخدودية عميقة، امتدت في خليج عدن، والبحر الأحمر، والأخدود الأفريقي. وينظر الجيولوجيون، وعلماء الأرض بعامة، إلى أخدود البحر، على أنه يشبه، إلى حد كبير، نشأة المحيط الأطلسي، المتأتية من انفصال الأمريكتين عن أفريقيا وأوروبا.

إذاً، الصفيحتان، العربية والأفريقية، تتحركان مبتعدتَين إحداهما عن الأخرى؛ والحدود الفاصلة بينهما في البحر الأحمر، حدود متباعدة. ويشهد قاع هذا البحر تكون قشرة أرضية جديدة، في عملية اتساعه المستمر. وتضغط الصفيحة العربية، بتحركها نحو الشمال الشرقي، على الصفيحتَين، الإيرانية والتركية؛ ما يسبب التواء السلاسل الجبلية، على حدود التقاء هذه الصفائح. وتشهد هذه الحدود الصفائحية مناطق بناء جبلي ناشطة؛ وتتعرض أراضيها، من حين إلى آخر، لزلازل مدمرة، سواء في إيران أو تركيا[7].

إن ازدياد قشرة الأرض، بين حدود الصفائح التكتونية المتباعدة، لا بد أن يقابله أحد الإحتمالَين التاليين: أن يزداد حجم الأرض، فتزداد مساحة القشرة بمعدل ازدياد الحدود المتباعدة نفسه. أو أن لا يتغير حجم الأرض، فلا تزداد مساحة القشرة؛ وفي هذه الحالة، لا بد أن يقابل تكون قشرة جديدة عمليات نقص، بطريقة ما، في مكان آخر من القشرة الأرضية؛ وهذا ما يبدو أنه يحدث فعلاً، في مناطق الحدود المتقاربة.

2. الحدود الصفائحية المتقاربة

يطلق هذا التعبير، "الحدود المتقاربة" Converging Boundaries، على طول مناطق اصطدام الصفائح التكتونية، حينما يكون اتجاه حركة كل واحدة منها نحو الأخرى (انظر شكل حيد منتصف الأطلسي). عندما تصطدم صفيحتَان، فإن القوانين الفيزيائية، تقول إن الصفيحة الأعلى كثافة منهما، ستغوص تحت الأقل كثافة؛ وهذه العملية، يطلق عليها الاندساس Subduction. ويصاحب الاندساس ظواهر كثيرة، جيوموروفولوجية وطبوغرافية وجيولوجية، تدل عليه. والتوائها إذا كانت الصفيحتَان متساويتي الكثافة، فإن تصادمهما، سيسفر عن تجعد الصخور والتوائها وارتفاعها. وفي كل الأحول، فإن مناطق التقارب الصفائحي، هي مناطق هدم وتدمير، في القشرة الأرضية؛ لذا، تسمى الحدود المتقاربة حدود هدم Destructive Margins؛ خلافاً للحدود المتباعدة، التي تُعد حدود بناء، في القشرة الأرضية. وما يحدد أيّاً من عمليتَي الاندساس والتصادم ستحدث، عند تقارب حدود الصفائح ـ هو، في الغالب، نوع الصفائح المتقاربة؛ فالتقارب إما أن يكون بين صفيحتَين محيطيتَين، أو قاريتَين، أو بين واحدة قارية وأخرى محيطية.

أ. الاندساس

وفي عملية الاندساس، أو الانضواء، كما تسمى، أحياناً، يندس طرف إحدى الصفيحتَين المتقاربتين، تحت طرف الصفيحة الأخرى. ويغوص الطرف المندس في الوشاح العلوي، المسمى غلاف الإنسياب، أو الآسثنوسفير Asthnosphere؛ ويأخذ في التكسر والتصدع. وكلما تعمق في الوشاح، وتعرض لمزيد من الضغط والحرارة، أخذت صخوره تنصهر وتذوب، حتى يكتمل انصهارها، عند عمق 700 كيلومتر تقريباً. وهناك أنواع عديدة من نطاقات الاندساس، حسب الألواح المتقاربة، وأهمها:

1- اندساس لوح محيطي تحت آخر قاري.

يحدث الاندساس، في هذه الحالة، نتيجة لاختلاف الكثافة بين الصفيحتَين المتقاربتَين؛ فيغوص طرف الصفيحة الأعلى كثافة، في الجزء العلوي من الوشاح، تحت طرف الصفيحة المقابلة. لذا، يمكن القول إن الاندساس، يحدث، غالباً، عند تقارب صفيحة محيطية وأخرى قارية. ولكن كثيراً من الصفائح، تشمل قشرة محيطية وأخرى قارية، في الوقت نفسه؛ مثل صفيحة أمريكا الجنوبية (انظر شكل حدود الصفحائح التكتونية)، التي تشمل قارة أمريكا الجنوبية كلها، وجزءاً كبيراً من جنوبي المحيط الأطلسي. وتسمَّى الصفيحة قارية، إذا كان معظم سطحها، تغطيه قشرة قارية، أو كانت القشرة القارية أقرب إلى حدود تلاقي الصفيحتين.

يُعد تقارب صفيحة نازكا وصفيحة أمريكا الجنوبية، تقارباً بين صفيحة محيطية وأخرى قارية. فثانيتهما، تكتسب صخوراً جديدة، في حدها الشرقي، في حيد وسط المحيط الأطلسي، عند حدود تباعدها عن الصفيحة الأفريقية. وحدودها الغربية، تقارب حدود صفيحة نازكا المحيطية، التي تشغل الجزء الجنوبي الشرقي من قاع المحيط الهادي؛ وتكتسب، كذلك، صخوراً جديدة، في مركز الافتراق والبناء الصخري، في القشرة الأرضية، على حدها الغربي، المتباعد عن صفيحة المحيط الهادي، في حيد نازكا. ولكن حدها الشرقي، يندس تحت صفيحة أمريكا الجنوبية (انظر شكل اندساس الحدود الصفحائحية المتقاربة).

2- اندساس لوح محيطي تحت آخر من نوعه

ينتج هذا النوع من الاندساس أخاديد، تمتد على طول حدود تقارب الصفيحتَين، ومن أمثلتها أخدود تونجا، في جنوب غربي المحيط الهادي. ومن ظواهره المميزة، تكون أقواس جزرية (انظر شكل اندساس صفيحة محيطية)، مثل تلك التي كونت جزر الفيليبين، واليابان، وأندونيسيا، ونيوزيلندا. وهذه الأقواس الجزرية، تنشأ عن سلسلة البراكين الموازية لأخدود التقارب؛ وذلك ناتج من انبثاق حمم صخور البازلت والانديسايت، التي قد ترى من غلاف الانسياب، فوق اللوح المحيطي النازل؛ أو ينتجه انصهار القشرة الأرضية البازلتية، ورواسب قاع المحيط المندس.

3- الظواهر المصاحبة للاندساس

لا شك أن انضواء صفيحة محيطية، لا يقل سُمْكها عن عشرة كيلومترات، تحت صفيحة قارية، لا يقل سُمْكها عن 40 كيلومتراً ـ يولَّد قدراً كبيراً من الضغط Stress، على حافتَي الصفيحتَين المتقاربتَين. ويصحب هذا التقارب الصفائحي العديد من الظواهر، التي يمكن مشاهدة بعضها وقياسه؛ واستنتاج بعضها الآخر من كثير من الدلائل، التي تشير إليه. ومن أهم الظواهر المصاحبة لعملية الاندساس، ثلاث هي:

-   الأخاديد

-   الزلازل

-   البراكين.

أ- الأخاديد

لو أمكن النظر، من خلال المياه المحيطية، إلى ظواهر قاع المحيط؛ لانكشف العديد من الأخاديد Trenches، الضيقة، العميقة، التي تمتد آلاف الكيلومترات؛ ولا سيما في المحيط الهادي، حيث تكثُر الأخاديد الضيقة، المقوسة، التي يراوح عمقها بين 8 وأكثر من 10 كيلومترات؛ وتمتد في القاع آلاف الكليومترات. ففي شماله، الأخدود الآليوتي Aleutian Trench، وبالالتفاف حول المحيط، بعكس اتجاه عقارب الساعة، تنتظم سلسلة من الأخاديد، هي، على التوالي (انظر شكل الأخاديد):

-   أخدود كوريل Kurile Trench.

-   أخدود ماريانا Mrianas Trench. أعمق الأخاديد المحيطية، على الإطلاق. وفيه أعمق نقطة في القشرة الأرضية. ويتجاوز عمقه، تحت سطح البحر، أحد عشر كيلومتراً.

-   أخدود ريوكيو Ryukyu Trench. يمتد بموازاة أخدود ماريانا، على الجانب الغربي من الصفيحة الفليبينية.

-   أخدود فيتياز Vityaz Trench.

-   أخدود تونجا Tonga Trench.

-   أخدود بيرو وتشيلي Peru-Chile Trench. يمتد شرقي المحيط، بموازاة السواحل الغربية لأمريكا الجنوبية.

هذه الأخاديد، هي أعمق أجزاء قاع المحيط. وتكونت بفعل عملية الاندساس. وخط قاع الأخدود، هو خط التقاء الصفيحتَين المتقابلَتين؛ إذ ينتج الأخدود من انحناء طرف الصفيحة المحيطية إلى الأسفل، عند طرف الصفيحة القارية.

إن من أبرز أمثلة اندساس صفيحة محيطية، تحت أخرى قارية، ما يحدث بين صفيحة نازكا المحيطية وصفيحة أميركا الجنوبية (انظر شكل اندساس صفيحة نازكا). ونتيجة لذلك، يمتد في قاع المحيط، على طول سواحل أمريكا الجنوبية، أخدود بيرو وتشيلي.

ويسفر اندساس صفيحة تحت أخرى، عن انثناء الصفيحة القارية إلى أعلى، والضغط على حد التقارب ضعفاً كبيراً. وينجم عن ذلك ارتفاع الأرض، وتكون سلاسل جبلية عالية الارتفاع، ناتجة من التواءات في القشرة القارية. وتمثل سلاسل جبال الإنديز Andes Mountains، في غرب أمريكا الجنوبية. مثالاً بارزاً على ذلك؛ إذ إن ارتفاعها، قد يزداد بضعة أمتار، بعد الزلازل القوية، التي يعهدها الساحل الغربي لقارة أمريكا الجنوبية.

ب- الزلازل

عندما تتقارب صفيحة محيطية مع أخرى قارية، وتنثني إلى الأسفل، لتندس تحتها؛ ينتج من ذلك الانثناء، على طول خط التقاء الصفيحتَين، أخاديد عميقة. ويسفر انثناء الصفيحة المحيطية إلى الأسفل، واحتكاك صخورها الليثوسفيرية الصلبة، بصخور الصفيحة القارية، يسفر عنه تكسر وتصدع، في منطقة التقاء الصفيحتَين واحتكاك إحداهما بالأخرى. ولأن صخور طبقة الانسياب الأسثنوسفير، ألين وأقل مقاومة للاحتكاك، فإن طبقة الليثوسفير المحيطية الصلبة، والباردة نسبياً، تغوص فيها بهدوء. ولكن في منطقة التقاء Subduction Zone صفيحتَين صلبتَين، من الليثوسفير، محيطية، وقارية، فإن الطبقات العليا من أولاهما، والطبقات الدنيا من ثانيتهما، يحدث بينها احتكاك شديد، وتنكسر صخورها في منطقة الاحتكاك. وينتج من هذين التكسر والاحتكاك زلازل غير عميقة[8]، يراوح مركزها[9] Focus، تحت السطح، بين الصفر و70 كيلومتراً.

يحدث نحو 90% من الزلازل في أعماق، لا تتجاوز 100 كيلومتر. ويظهر أن كل الزلازل القوية جداً، تحدث في أعماق ضحلة. وتشير البيانات الزلازلية إلا أنه في حين رصدت زلازل في أعماق ضحلة، قوتها 8.6 درجات، بمقياس ريختر Richter Magnitude؛ فإن أقوى زلزال متوسط العمق، كانت قوته 7.5 درجات؛ ولم تتجاوز قوة الزلازل العميقة 6.9 درجات، بالمقياس نفسه.

كلما عَمُقَت الصفيحة المحيطية، داخل طبقة الآسثنوسفير، تعرضت لمزيد من الضغط والحرارة؛ ولذلك، يتوقع العلماء، أن تبدأ أجزاء كبيرة منها بالتكسر؛ وقد تنحصر هذه الأجزاء في مواقعها، وتتوقف عن التحرك، مدة طويلة من الزمن. ويستمر ضغط الصفيحة المحيطية المتحركة إلى الأسفل عليها، حتى يبلغ درجة تنهار معها مقاومتها للحركة؛ فتندفع، فجأة، وبسرعة، مسببة هزات، يراوح متوسط عمقها بين 71 كيلومتراً و300 كيلومتر (انظر شكل توزع الزلازل). لا يتجاوز أقصى عمق للزلازل، الناتجة عن الاندساس، 700 كيلومتر. لذا، يتوقع العلماء، أن الصفيحة الليثوسفير المحيطية، كلما عَمُقت في طبقة الآسثنوسفير، وتعرضت لمزيد من الضغط والحرارة، ازداد انصهار صخورها؛ فلا تصل إلى العمق الآنف، إلا وقد أصبحت جزءاً من دورة الصهير الصخري، في الوشاح. ويرجح العلماء، أن يبدأ نطاق الانصهار الجزئي، عند عمق 100 كيلومتر، تقريباً، تحت السطح (انظر شكل توزع الزلازل). وقد تتكسر الأطراف العميقة جداً للصفيحة المحيطية، عند ذوبانها. وقد تعترض هذه الكتل الصخرية المتكسرة، وتتوقف عن الحركة، مدة من الزمن، يتزايد خلالها الضغط عليها، حتى تتحرك فجأة، مسببة زلازل عميقة؛ ويصاحبها، أحياناً، ارتفاع مستوى سطح الأرض فوقها، بضعة أمتار.

إذاً، المراكز السطحية للزلازل قليلة العمق Shallow Earthquakes، تكون في المنطقة الساحلية، على حدود الصفيحة القارية، قرب أخدود الاندساس. وتلك المتوسطة العمق، ستكون مراكزها السطحية، بلا شك، أبعد عن أخدود الاندساس، نحو داخل القارة، بعيداً عن الساحل. تليها، إلى الداخل، نحو اليابس، المراكز السطحية للزلازل العميقة. ويمكن تحقيق صحة هذه الاستنتاجات، بتمثل الزلازل، التي هزت مناطق في أمريكا الجنوبية، حيث تقاربت صفيحتها من صفيحة نازكا المحيطية؛ فنشأ عن تقاربهما أخدود بيرو وتشيلي، على طول الساحل الغربي لقارة أمريكا الجنوبية، والمرتبط باندساس صفيحة نازكا تحت نظيرتها.

وقد اختير لهذا المثل عدد من الزلازل، منها الضحل، ومنها المتوسط، ومنها العميق (انظر جدول ازدياد عمق مركز الزلزال، مع المسافة من حدود الصفائح المتقابلة). وقعت أماكنها، على الرسم البياني، الذي يبين عمق مركز كل زلزال؛ والمسافة بين مركزي السطحي، وخط التقاء الصفيحتَين، في الأخدود (انظر شكل ازدياد عمق مركز الزلازل). ويوضح الشكل المذكور، أن أعماق مراكز الزلازل، تزداد، بالاتجاه نحو داخل القارة، أو بعبارة أخرى، بالابتعاد عن نقطة خط التقاء الصفيحتَين، القارية والمحيطية، على السطح. وتنتظم النقاط، الممثلة لمراكز الزلازل، في خط، ينحدر من السطح، تحت الصفيحة القارية، بزاوية 45ْ، تقريباً. ويطلق على هذا النمط، في توزيع مراكز الزلازل، نطاق بينيوف Benioff Zone، نسبة إلى العالم، الذي اكتشفها، أول مرة[10]. وذلك يؤيد التحليل المذكور آنفاً، لآلية اندساس صفيحة محيطية تحت صفيحة قارية. ومما ينبغي تأكيده، أن هذا النمط في توزيع الزلاز،ل ليس مقصوراً على صفيحتَي نازكا وأمريكا الجنوبية؛ وإنما يتكرر في كل مكان، تتقارب فيه صفيحة محيطية من أخرى قارية.

ج- البراكين

إن اندساس صفيحة محيطية، بصخورها الصلبة، وسمكها الذي يبلغ 10 كيلومترات، تحت صفيحة قارية صلبة، قد يتجاوز سمكها 40 كيلومتراً ـ لا بد أن يصحبه كثير من الظواهر. وقد يؤدي ارتفاع أطراف الصفيحة القارية إلى الأعلى، وتصدعها السفلي، الناتج من ذلك، تدفق حمم الصهير إلى الأعلى، خلال الشقوق والفوالق. وفي بعض الحالات، تصل هذه الحمم إلى السطح، وتندفع، بقوة، مصحوبة بالكثير من الأبخرة والرماد البركاني، وحاملة معها، أحياناً، جلاميد صخرية. تندفع اللابة[11] Lava، المتدفقة من باطن الأرض، خلال فتحة رئيسية واحدة، في غالب الأحوال؛ وتتراكم حولها، مكونة جبالاً، تعرف بالبراكين Volcanoes، تنتظم في سلسلة موازية لخط التقاء الصفيحتَين. ومعظم هذه البراكين، في كلٍّ من قممها حوض شديد انحدار الجانبَين، يطلق عليه الوهدة، أو فوهة البركان Crater. ويصل وهدة البركان بمصدر الصهير، ممر أو عدة ممرات أنبوبية. وبعض البراكين، يتسع حوضها العلوي كثيراً، وقد يتجاوز قطره كيلومتراً واحداً؛ فيطلق عليه، في هذه الحالة، كالديرا Caldera. واللابة المتدفقة من فوهة البركان، تضيف طبقات إلى المخروط البركاني؛ إذ سرعان ما تبرد، بعد خروجها إلى السطح، وتتوقف عن التدفق. ولكن، في بعض الحالات، يكون هناك غير فتحة، فيندفع جزء من اللابة، تحت الضغط الشديد، من بعض الفتحات الجانبية، مكونة مخاريط هامشية Parasitic Cones (انظر شكل قطاع مخروطي بركاني). وتتدفق اللابة، أحياناً، فتنساب على الأرض، حول فتحة البركان، مكونة سطحاً قبابياً واسعاً، يسمى الحرة. وتشكل حدود الصفائح التكتونية مناطق ناشطة، بركانياً، وزلزالياً. فهناك عدد كبير من البراكين في حلقة النار[12] Ring of Fire، حول المحيط الهادي؛ وعدد آخر في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويتجاوز، اليوم، عدد البراكين الناشطة[13] في العالم 500 بركان.

ويمكن أن تصنف البراكين حسب بيئاتها، التي تثور فيها، ثلاثة أنواع:

ـ براكين قارية.

ـ براكين محيطية.

ـ براكين الأقواس الجُزرية.

النوعان، الأول والثالث، مرتبط حدوثهما بعملية الاندساس. أما النوع الثاني، فسيناقش في موضع آخر من هذا البحث.

- البراكين القارية

البراكين القارية، هي التي تحدث، عادة، في السلاسل الجبلية غير المستقرة، ذات القاعدة الصخرية الجرانيتية، فوق أراضي القارات. يتكون الصهير الصخري البازلتي Magma، قرب قاعدة الجبال؛ ثم يأخذ الصهير في التحرك إلى الأعلى، عبر الصدوع والفوالق في القشرة. وخلال تدفقه، عبر الطبقات الصخرية الجرانيتية، يتغير تركيبه؛ وعندما يندفع إلى السطح، تتكون المخاريط البركانية من صخور غير بازلتية (انظر شكل البراكين القارية). وهذه الظاهرة مرتبطة باندساس الصفائح، عند تقاربها. فاندساس صفيحة محيطية تحت صفيحة قارية، وما يولِّده من انصهار الطبقات العليا من أولاهما، عند احتكاكها بنظيرتها؛ والضغط الشديد المصاحب لذلك، والتكسر والتصدع في القشرة القارية ـ كل ذلك، يهيئ البيئة القارية، في هذه المناطق، للثورانات البركانية. وينتج من تدفق الصهير الصخري، عبر طبقات الأرض، مصحوباً بارتفاع شديد في الضغط والحرارة، كثير من عمليات التحول الصخري Rock Metamorphism. وتتكون الصخور المتحولة، إما من أصل ناري، أو من أصل رسوبي[14]، حسب نوع الصخور، التي يمر عليها أو يقربها الصهير. وفي بعض الحالات، يندفع الصهير إلى الأعلى، ويبرد، ويتجمد، قبل أن يظهر على السطح، مكوناً صخوراً نارية داخلية Intrusive.

- براكين الأقواس الجزرية

تتصف الأقواس الجزرية، الناشئة بعامة عن اندساس صفيحة محيطية تحت أخرى محيطية، بثلاث صفات (انظر شكل اندساس صفيحة محيطية):

* كثرة البراكين: النشاط البركاني الزائد، في هذه البيئات، ينجم عن انصهار الليثوسفير المحيطي، المندس إلى الأسفل. الأقواس الجزرية حديثة التكوين، مثل: قوس تونجا Tonga، وقوس ساندوتش الجنوبية South Sandwich، مكونة من صخور الثيولايت البازلتية Tholeitic Basalt دقيقة الحبيبات. والأقواس الجزرية الأقدم، مثل: قوس الجزر الأليوتية Aleutians، وقوس جزر اليابان Islands of Japan، وقوس الجزر الأندونيسية Indonesia، مكونة من صخور الأندزيت Andesite، البركانية المتوسطة Intermediate Volcanic Rocks.

* كثرة رواسب الرماد البركاني، والتيارات العكرة Volcanic Ash، والطوف البركاني[15] Volcanic Tuffs، في حوض القوس الجزري.

* تحدث عمليات التحول الصخري، في الأقواس الجزرية، تحت ظروف ضغط منخفض، ودرجات حرارة عالية. وهذه مرتبطة بالتدفق الحراري الباطني العالي، واندفاع الصهير الصخري إلى الأعلى في القوس الجزري. فالأقواس الجزرية، ليست إلا جبال بركانية، فوق قاع المحيط؛ قد تظهر فوق سطح الماء، تاركة بينها وبين اليابس القاري حوضاً ضيقاً، يملأه بحر هامشي.

الواقع، أن هناك خلافاً بين العلماء في مصدر الصهير الصخري، المكون للبراكين. فمنهم من يرى، أن الصهير مصدره الحمم الصخرية، السائلة في غلاف الانسياب، والتي قد تتمكن من السريان بين اللوحين المتقاربين، وتجد طريقها إلى السطح عبر الفوالق والشقوق والصدوع. وقد تصل إلى السطح غير ملوثة بالرواسب، أو صخور القشرة الأرضية المتداخلة. وتشير شواهد بعض الاندلاعات البركانية، إلى أن الصهير منشئه صخور الصفيحة المندسة، التي تنصهر تحت تأثير الضغط والحرارة الشديدَين؛ ثم تجد طريقها، عبر الشقوق والصدوع والفوالق، في الصفيحة القارية، الناشئة عن انثنائها إلى الأعلى. وقد ينشأ الصهير نتيجة ذوبان الأجزاء السفلى من الصفيحة القارية، الناتج من ازدياد الضغط والحرارة عليها، فتتدفق حممه إلى الأعلى، عبر الشقوق والفوالق.

ب. التصادم

التصادم هو الشكل الثاني، من أشكال تقارب الصفائح التكتونية. وقد مر ذكر الاندساس، وأنه يحدث في حال تقارب صفيحة محيطية من أخرى قارية، أو تقارب صفيحة محيطية من أخرى محيطية. ويحدث التصادم، عند تقارب صفيحة قارية من أخرى قارية.

ويرتبط حدوث التصادم بين صفيحتَين قاريتين، بتكون جبال التوائية شاهقة الارتفاع. وذلك بسبب تجعد طبقات صخور القشرة الأرضية، المحصورة بين الصفيحتَين المتصادمتَين، أو على أطرافهما. وحدود الهدم في الصفائح التكتونية، في الشكل الثاني، تقابل الحدود البناءة بين الصفائح المتباعدة.

وأمثلة هذه الحالة كثيرة، على سطح الأرض. فقد نشأت جبال الهملايا عن تصادم الصفيحتَين، الهندية والأوراسية. ونشأت سلاسل جبال الألب عن تصادم الصفيحتَين، الأفريقية والأوراسية، في جنوب أوروبا[16]. وتشكلت سلاسل جبال زاجروس وطوروس والأناضول، من ضغط الصفيحة العربية على كل من الإيرانية والتركية.

وعند تصادم صفيحتَين قاريتين، تهيئ الالتواءات في صخور القشرة الأرضية، والفوالق والصدوع المصاحبة لها، مجالاً لتدفق اللابة؛ وهي، غالباً، في الأماكن المكونة من صخور الريولايت Rhyolite، الجرانيتية، ذات الحمضية العالية[17].

ويَعد كثير من الجيولوجيين تصادم صفيحتَين قاريتين، هي المرحلة الأخيرة في حركة الصفائح التكتونية. وتصادم صفيحتَين قاريتين؛ في جميع الأمثلة المذكورة أعلاه، كان على حساب صفيحة محيطية تفصل بينهما. فالصفائح، الهندية والعربية والأفريقية، كانت أجزاء من قارة جندوانالاند القديمة. وكان يفصلها عن لوارسيا، أو بالتحديد الصفيحة الأوراسية (حالياً)، بحر تيثس القديم. ويعتقد أن القشرة المكونة لقاع ذلك البحر، قد تأكَّلت، بالاندساس. وتشهد الرواسب، البحرية والمرجانية، على قمم جبال الألب وجبال الهملايا وبين ثنياتها، بأنها كانت رواسب قاع بحر قديم، أدى الضغط الشديد عليها، من الجانبين، التواءها وارتفاعها إلى الأعلى، مكونة تلك السلاسل الجبلية الشاهقة.

حينما تتصادم صفيحتان قاريتان، لا يحدث اندساس لإحداهما تحت الأخرى، لتغوص في طبقة الانسياب، الاسثنوسفير؛ وذلك لانخفاض كثافتيهما، وخفة وزنيهما، بالنسبة إلى الطبقات التي تحتهما؛ مثل كرتين تصادمتا، على سطح الماء، تأبى إحداهما أن تغوص تحت الأخرى؛ ومثلما يستحيل على الجبال الثلجية العائمة، أن يغوص أحدها تحت الآخر، عند تصادمها ببعضها. وبدلاً من أن تغوص إحداهما تحت الأخرى، فإن الصفيحتين القاريتين المتصادمتين، تلتحم إحداهما بالأخرى، وقد تندفعان إلى الأعلى، أو إلى الجانبين. وقد أدى تصادم الصفيحتين، الهندية والأوراسية، قبل 50 مليون سنة، تلاحمهما وتضاغطهما، فارتفعت ثانيتهما على أولاهما. رفع الاندفاع البطيء، والمستمر، لكل من الصفيحتين نحو الأخرى، جبال الهملايا، وهضبة التيبت إلى ارتفاعاتهما الحالية. وتظهر آثار تضاغطهما الشديد، ليس فقط في المرتفعات؛ بل في الصدوع الكثيرة، كذلك، المنتشرة في الصين وسيبيريا، والتي تبعد أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، شمال جبال الهملايا. معظم هذه الظواهر، تطورت خلال العشرة ملايين سنة الأخيرة. وتشكل جبال الهملايا، الشامخة إلى 8854 متراً، فوق سطح البحر، أعلى جبال قارية في العالم؛ بل إن هضبة التبت، التي يصل متوسط ارتفاعها إلى 4600 متر، فوق سطح البحر، يفوق ارتفاعها أعلى القمم في جبال الألب، عدا جبل بلانك، وجبل روزا.

 

3. حدود صفائحية تحويلية (محافظة)

إن الصفائح التكتونية، إما أن تتحرك مبتعدة بعضها عن بعض، فتكون حدودها متباعدة؛ أو أن تتحرك كل واحدة نحو الأخرى، فتكون حدودها متقاربة؛ أو أن يحتك بعضها ببعض، وهي تنزلق، أفقياً، في اتجاهين متعاكسين. ولأن هذا النوع من الحركة لا يصحبه، غالباً، بناءٌ، ولا هدمٌ، في القشرة الأرضية، فقد أطلق على حدود الصفائح، في هذه الحالة، حدود محافظة Conservative Boundaries. وقد يطلق عليها، أحياناً، حدود الصدوع التحويلية Transform Fault Boundaries. وهذا التعبير الأخير، جاء به عالم الجغرافيا الكندي، تيزو ويلسون Tuzo Wilson، الذي افترض أن هذه الصدوع، تصل بين مركزي انتشار، أو بين حدود متباعدة؛ وقد تصل بين حدود صفائحية متقاربة (انظر شكل الحدود الصفحائحية المحافظة).

معظم الصدوع التحويلية، في قاع المحيط، تدرِّج الحدود الصفائحية المتباعدة، وتتيح لها الانحناء، من دون أن تتقوس؛ من طريق التدرج السُلَّمي لأجزاء تلك الحدود، التي تصل بينها حدود تحويلية. وهذه الحدود تشهد بعض الأنشطة الزلزالية الضعيفة.

بعض هذه الصدوع التحويلية، يوجد على اليابس. ويمتد أشهرها في اليابس الأمريكي، وهو صدع سان أندرياس San Andreas Fault، الذي يصل بين الحدود المتباعدة لحيد شرقي المحيط الهادي، من الجنوب، والحدود المتباعدة لحيد جوردا ـ جوان ديفوكا ـ إكسبلو Gorda – Juan de Fuca – Explores Ridge، إلى الشمال منه. ويناهز طول هذا الصدع 1300 كيلومتر. وقد يصل عرضه، في بعض الأماكن، إلى عشرات الكيلومترات. على طول هذا الصدع التحويلي، ظلت الصفيحة الأمريكية الشمالية، تنزلق، أفقياً، في اتجاه معاكس لحركة صفيحة المحيط الهادي، على الجانب الآخر من الصدع، خلال العشرة ملايين سنة الأخيرة، بمعدل حركة، يصل إلى خمسة سنتيمترات، في السنة. فالأراضي الواقعة على الجانب الغربي من الصدع، على صفيحة المحيط الهادي، تتحرك في اتجاه شمالي غربي، نسبة إلى الأراضي، التي على الجانب الشرقي من الصدع، على صفيحة أمريكا الشمالية (انظر شكل الحدود المحافظة). يشهد صدع سان أندرياس بعض الزلازل، ذات الأعماق الضحلة؛ وبعض البراكين، الناشطة بين فترة وأخرى.

بيد أن حدود الصفائح التكتونية، ليست دائماً نمطية واضحة؛ بل تشذ، في بعض المناطق، عن ذلك النمط العام. فقد تكوِّن الحدود حزاماً عريضاً، بين صفيحتين، يطلق عليه نطاق الحدود الصفائحية Plate- Boundary Zone. أحد هذه الأحزمة، وقد سبقت الإشارة إليه، يمتد في إقليم البحر الأبيض المتوسط، وجبال الألب، بين الصفيحة الأوراسية والصفيحة الأفريقية؛ وينتظم عدداً من الأجزاء الصغيرة، من الصفائح Microplates. ولأن العلاقات الحدودية، بين الصفائح، هنا، يكون طرفاها صفيحتين كبيرتين، وصفيحة صغيرة، أو أكثر، محصورة بينهما، فقد نشأت ظواهر جيولوجية، وأنماط زلزالية شديدة التعقيد.

الحدود الصفائحية، بين الصفيحة الأوراسية والصفيحة الأمريكية الشمالية، ليست محددة؛ وإن كان يعتقد أنها تمتد شمالاً، من نقطة التقاء الأخدود الأليوتي أخدود كوريل.




[1]  تشمل تضاريس المرتبة الأولى كتل اليابس من ناحية والمحيطات من ناحية أخرى، وتشمل تضاريس المرتبة الثانية كل مظاهر التضاريس الرئيسية على تضاريس المرتبة الأولى.

[2]  ألفريد فجنر Alfred Wegener عالم الأرصاد والمناخ الألماني، اشتهر بنظرية "زحزحة القارات"، عاش في المدة من 1880 حتى 1930.

[3]  آرثر هولمز Arthur Holmes، عالم جيولوجيا بريطاني، من أكبر إسهاماته تقديره الموثوق لعمر الأرض باستخدام تقنية جديدة لتقدير عمر الحفريات في كتابه سنة 1923، "عمر الأرض" The Age of the Earth.

[4]  كلمة تكتونية Tectonics من أصل إغريقي وتعني بناء.

[5]  الصفائح: في لسان العرب: حجارة رقاق عراض، وقد يقال بلاطات أو بلاليط، والبلاط الحجارة المفروشة في الأرض، وبلاط الأرض وجهها. ولكن كلمة صفائح أكثر استخداماً في هذا المجال، ويقصد بالصفائح هنا ألواح صخرية صلبة عريضة الامتداد.

[6]  كانت أول إشارة لوجود أحيد أواسط المحيطات Mid-Oceanic Ridges في خريطة خطوط الأعماق للمحيط الأطلسي Bathymetric Chart التي أعدها الملازم بالبحرية الأمريكية ماثيو ماوري Matthew Maury ونشرتها الحكومة الأمريكية عام 1855.

[7]  من أشهر هذه الزلازل في الآونة الأخيرة زلزال أزميت في تركيا، الذي كان مركزه السطحي مدينة أزميت Izmit التركية، وكان عمق بؤرته 17 كيلومتر، وقوته وصلت إلى 7.4 درجة بمقياس ريختر.

[8]  تصنف الزلازل عادة حسب عمق مركزها إلى ثلاثة أصناف: زلازل ضحلة أو غير عميقة، لا يتجاوز عمقها 70 كيلومتراً، وزلازل متوسطة يكون عمق مركزها بين 71 و300 كيلومتر، وزلازل عميقة يتجاوز عمق مركزها 300 كيلومتر.

[9]  يسمى منطلق الموجات الزلزالية تحت الأرض، عادة، مركز الزلزال Earthquake Focus أو Earthquake Foci. والنقطة التي تقع فوق مركز الزلازل مباشرة على سطح الأرض تسمى المركز السطحي للزلزال Epicenter.

[10] هوارد بينيوف H. Benioff أول من تنبه إلى ارتباط عمق مركز الزلازل بالمسافة من أخدود التقاء الصفيحتَين المحيطية والقارية، في دراسته التي أجراها في أخدود تونجا Tonga Trench، في جنوبي المحيط الهادي.

[11] لابه Lava: كلمة عربية أصيلة، وتستخدم في المراجع العربية والأجنبية للإشارة إلى حمم الصهير الصخري المتدفق من باطن الأرض إلى السطح خلال الفتحات البركانية. وفي الحديث ".... فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" (البخاري: 1800).

[12] حلقة النار Ring of Fire: لفظ يطلق على المناطق النشطة جداً زلزالياً وبركانياً حول المحيط الهادي.

[13] البراكين النشطة Active Volcanoes: هي التي شهدت ثورانات بركانية على الأقل مرة واحدة خلال التاريخ الحديث.

[14] تصنف الصخور المتحولة Metamorphic Rocks حسب أصلها الذي تحولت منه. وهو إما ناري Igneous أو رسوبي Sedimentary.

[15] الطوف البركاني Volcanic Tuffs: صخور فتاتية من مقذوفات البراكين.

[16] يتسم حوض البحر المتوسط بوجود عدد كبير من الصفائح الصغيرة والتي تتحرك نسبة إلى بعضها بشكل شديد التعقيد.

[17] وذلك خلافاً للاّبة المنبثقة عن التقاء صفيحة محيطية بأخرى محيطية أو قارية، التي تتكون من صخور الانديسايت معتدلة الحمضية.

[18] القياس الجيوديسي Geodetic Measurement هو تطبيق نظريات الجيوديسيا Geodesy في مسح ظاهرات سطح الأرض. والجيوديسيا هي فرع علم الرياضيات الذي يتعامل مع شكل وحجم الأرض وظاهراتها الطبيعية.

[19] العينات الجوفية Core Samples: عينات أسطوانية خلال الطبقات، تستخرج بآلات حفر خاصة.

[20] حدود البناء الصفائحي Constructive Boundaries: يميل بعض الباحثين إلى إطلاق هذه التسمية على الحدود الصفائحية المتباعدة.

[21] حدود الهدم الصفائحي Destructive Boundaries: يميل بعض الباحثين إلى إطلاق هذه التسمية على الحدود الصفائحية المتقاربة.

[22] المقصود، لو أن بوصلة انطمرت في طبقات الأرض وإبرتها متوجهة نحو الشمال المغناطيسي، فإنها ستثبت على ذلك ولن تتحرك، ولو تغير توجه الشمال المغناطيسي.

[23] نقطة كوري Curie Point: درجة الحرارة التي يفقد عندها المعدن الممغنط خصائصه المغناطيسية.

[24] المجال المغناطيسي للأرض Earth Magnetic Field هو النطاق المحيط بالأرض، والمتأثر بمغناطيسيتها.

[25] المغناطيسية الموجبة Positive Polarity: هي التي تشير فيها البوصلة إلى الشمال المغناطيسي.

[26]          المغناطيسية السالبة Negative Polarity هي التي تشير فيها البوصلة إلى الجنوب المغناطيسي.

[27] التيارات الطوربيدية Turbidity Currents: تيارات تتحرك أحياناً تحت الماء، على المنحدر القاري، وهي عبارة عن خليط من المياه والرواسب.

[28] المناطق النشطة تكتونياً: هي التي يكثر بها حدوث الزلازل والبراكين.

[29] يرى بعض الباحثين أن جبال تبستي Tibesti البركانية في شمال أفريقيا، مثالاً آخر على ذلك.

[30] الرِّيش الحرارية Thermal Plumes: اصطلاح يستخدمه الجيولوجيون للإشارة للتيارات الحرارية الصاعدة في وشاح الأرض من البقع الساخنة على سطح النواة نحو القشرة.