إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









الانتفاضة الفلسطينية

أ. عوامل تملّح التربة

يعزى تملح التربة إلى عوامل طبيعية، وأخرى بشرية.

1- العوامل الطبيعية

أ- التجوية الجيوكيماوية للمعادن الأولية

تؤثر نوعية المعادن الأولية، المكونة للصخور، التي اشتقت منها التربة، في ملوحة هذه الأخيرة. ذلك أن المعادن، التي تحتوي على نسبة كبيرة من أيونات الصوديوم Na+، والكالسيوم Ca2+، والبوتاسيوم K+، والمغنيسيوم Mg2+، والكلورCl- ، والكربونات CO3=، البيكربونات HCO-3، والسولفات SO4= ، تسفر تجويتها جيوكيماوياً تركّز الأملاح في محلول التربة؛ كما في المثال التالي، الذي يوضح التحلل المائي (hydrolysis) لمعدن الألبايت، NaAlSi3O8، نتيجة غزو كاتيونات الهيدروجين (H+)، الصغير الحجم، العالي الشحنة، لبنائه البلوري، خروج أيون الصوديوم إلى المحلول المائي:

 

 

 

 


وسرعان ما تُغسل الأملاح من قطاع التربة[1]، في الأقاليم الرطبة، حيث معدل التساقط السنوي، يفوق كثيراً معدل البخرنتح الإمكاني[2]؛ إذ تتسرب فيها، فتزيل أملاحها، التي خلفتها التجوية. أما في الأقاليم، الجافة وشبه الجافة، حيث يفوق معدل البخرنتح الإمكاني معدل التساقط السنوي، فإن الأملاح، تبقى في التربة؛ ما يؤدي تملحها، مع الزمن (انظر جدول تأثير نوع المعادن الأولية في نوعية معادن الطين، في أقاليم مناخية مختلفة).

ب- جيومورفولوجية المنطقة

تتجمع المياه السطحية في الأماكن المنخفضة، طبوغرافياً، عما يجاورها (تصريف داخلي). ويصاحب ذلك، عادة، محدودية في نفاذية التربة، بسبب تراكم الطين، الذي تجرفه السيول، وارتفاع مستوى المياه الجوفية إلى السطح، أو قريب منه؛ ما يؤدي إلى تركّز الأملاح في التربة، بوساطة التبخر، ولا سيما في الأقاليم، الجافة وشبه الجافة، حيث تكون معدلات التبخر عالية، ويكون الماء الجوفي مرتفع الملوحة (انظر شكل تأثير جيومورفولوجية المنطقة).

ج- الإرسابات الثانوية

بعض الإرسابات، البحرية والبُحيرية، تكون عالية المحتوى من الأملاح القابلة للذوبان (soluble salts)، مثل: معدن الهيلايت NaCl (كلوريد الصوديوم أو ملح الطعام)، وسولفات الصوديوم Na2SO4. ولذا، تكون التربة المشتقة منها ملحية، ما لم يصاحب ذلك معدلات غسل عالية، وهذا ما لا يتأتّى في الأقاليم، الجافة وشبه الجافة.

د- معدلات التبخر والنتح

كلما ازدادت معدلات التبخر والنتح، ازداد تركّز الأملاح في التربة، وخاصة عندما يكون مستوى الماء الجوفي قريباً من السطح، أو عندما تروى الأراضي بالمياه الجوفية. وتعتمد معدلات التبخر والنتح الإمكانية (معدل التبخر والنتح، عندما يتوافر الماء النقي على السطح) على العوامل المترولوجية، السائدة في المنطقة، مثل: كمية الأشعة الشمسية، القصيرة الموجة، الساقطة على السطح؛ وكمية الأشعة، الطويلة الموجة، المشعة من الغلاف الغازي؛ وحرارة الهواء ورطوبته النسبية؛ وسرعة الرياح. إضافة إلى بعض الخصائص الفيزيائية لسطح التبخر، مثل الانعكاسية والإشعاعية للجسم، الذي يحدث فيه التبخر أو النتح.

هـ- كمية الأشعة الشمسية القصيرة الموجة الساقطة على السطح

يتناسب معدل التبخر والنتح الإمكاني تناسباً طردياً مع كمية الأشعة الشمسية، القصيرة الموجة، الساقطة على السطح. وتعتمد كمية تلك الأشعة الساقطة على وحدة مساحة من السطح، على العوامل التالية:

- بعد الأرض عن الشمس

تقترب الأرض من الشمس، أحياناً؛ وأحياناً، تبتعد عنها؛ لأنها تدور حولها في مدار إهليجي[3]، فتكون أقرب إليها في الرابع من يناير، وأبعد عنها في السابع من يوليه (انظر شكل المدار الإهليجي للأرض). وكمية الطاقة الشمسية، الواصلة إلى السطح، تتناسب تناسباً عكسياً مع مربع المسافة، الفاصلة بين الأرض والشمس. ولذلك، تؤثر تلك الطاقة في معدلات التبخر والنتح.

- زاوية ميل أشعة الشمس

تعتمد زاوية ميل أشعة الشمس، على الفارق بين درجة عرض الشمس[4] (solar declination)، ودرجة عرض المكان[5] (latitude)، التي يحددها اليوم من السنة الجيوليانية (انظر جدول درجة عرض الشمس خلال أيام مختارة من السنة الجيوليانية):

زاوية ميل أشعة الشمس = درجة عرض المكان ـ درجة عرض الشمس

وحيث أن أغلب المناطق الجافة تقع لذلك تكون زاوية ميل أشعة الشمس قليلة، في المناطق المدارية الجافة، حيث تكون كمية الأشعة الشمسية، القصيرة الموجة، الواصلة إلى سطحها، عالية؛ ما يجعل معدلات التبخر والنتح الإمكاني عالية فيها، مقارنة بمناطق العروض العليا.

- عدد ساعات سطوع الشمس

يتوقف عدد ساعات سطوع الشمس، على درجة عرض الشمس ودرجة عرض المكان؛ إذ يزداد عدد ساعات السطوع في نصف الكرة الشمالي، كلما ازدادت درجة عرض المكان، عندما تكون درجة عرض الشمس موجبة؛ والعكس صحيح (انظر جدول عدد ساعات سطوع الشمس عند درجات عرض مختارة، في نصف الكرة الشمالي). وبما أن كمية الأشعة الشمسية، الساقطة على السطح، في اليوم الواحد، تساوي حاصل ضرب المعدل في عدد ساعات السطوع، فإن ازدياد عدد ساعات ساعاته، يزيد من كمية الأشعة الشمسية، الساقطة على السطح؛ ما يزيد من معدل التبخر والنتح اليومي.

- مدى توهين الغلاف الغازي للإشعاع الشمسي

يوهن الغلاف الغازي الإشعاع الشمسي، الواصل إلى السطح، أو يقلّله، بوساطة عمليات الامتصاص، والتشتت (تغيير اتجاه الإشعاع)، والانعكاس. ويعتمد مقدار ذلك التوهين، على كتلة مواد الغلاف الغازي وخصائصها الطيفية؛ وزاوية سمت الإشعاع الشمسي (انظر شكل زاوية سمت الشمس). فكلما ازدادت زاوية سمت الإشعاع الشمسي، طالت المسافة، التي تجتازها أشعة الشمس، في الغلاف الغازي؛ ما يزيدها توهيناً. وتُعد الغيوم أكثر مكونات الغلاف الغازي عكساً للأشعة الشمسية؛ لذا، فإن المناطق الصحراوية، في المناطق المدارية، والتي تتسم بقلة الغيوم، يكون مقدار التوهين فيها قليلاً؛ ما يزيد كمية الأشعة الشمسية، الواصلة إلى السطح، فيرفع معدلات التبخر والنتح.

- كمية الأشعة، الطويلة الموجة، المشعة من الغلاف الغازي

تستقبل الأجسام، على سطح الأرض، الأشعة الطويلة الموجة، المشعة من الغلاف الغازي، في الليل والنهار على حدٍّ سواء. إلا أن تأثيرها في معدلات التبخر والنتح، أقلّ كثيراً من تأثير الأشعة الشمسية؛ وذلك لأن الأشعة الطويلة الموجة، تنطلق من أجسام أقلّ حرارة من الشمس؛ وكمية الطاقة المشعة من الجسم تتناسب تناسباً طردياً مع القوة الرابعة لدرجة حرارته مقيسة بالدرجات المطلقة (K)، حسب قانون ستيفان-بولتزمان، الذي يمثّل تكاملاً لـ"قانون بلانك"، على جميع الحزم الطيفية:

 

L=εσT4

L= الإشعاع الحراري، الواصل إلى سطح الأرض، من الغلاف الغازي.

ε = إشعاعية الغلاف الجوي (%).

  σ= ثابت ستيفان-بولتزمان.

T4= درجة حرارة الهواء، بالمطلق (كالفن).

- انعكاسية السطح وإشعاعيته

لا تستخدم جميع الطاقة، الواصلة إلى السطح على شكل أشعة، في عملية التبخر، بتحويلها إلى حرارة كامنة (latent heat)؛ إذ إن جزءاً منها، ينعكس من على السطح، ويعرف بمعامل الانعكاس (albedo)، وتعتمد نسبته على خصائص السطح نفسه. أما الجزء الواصل إلى السطح، على شكل طاقة كهرومغناطيسية، حُوِّلت إلى طاقة حرارية، فيتم إشعاعه إلى الغلاف الغازي، على شكل طاقة كهرومغناطيسية، طويلة الموجة. وتعتمد كمية هذه الطاقة على درجة حرارة الجسم وإشعاعيته (emissivity)، أي نسبة الطاقة الإشعاعية، التي يشعها الجسم، إلى كمية الطاقة الإشعاعية، التي يشعها جسم أسود (black body)، عند درجة الحرارة نفسها.

- حرارة الهواء

تزيد درجة حرارة الهواء من معدلات التبخر والنتح، بزيادة كمية الطاقة المنقولة بالتوصيل، من الهواء إلى سطح التبخر أو النتح؛ وزيادة سرعة عملية انتشار (diffusion) جزيئات الماء في الهواء، بعيداً عن ذلك السطح. وبما أن الهواء حار، في المناطق المدارية، فإنه يزيد من معدلات التبخر والنتح فيها.

- الرطوبة النسبية للهواء

تتناسب معدلات التبخر والنتح تناسباً عكسياً مع الرطوبة النسبية للهواء ( ضغط بخار الماء الفعلي، بالنسبة إلى ضغط بخار الماء الإشباعي)؛ وذلك لأن الجزء من الهواء، الملامس وأسطح التبخر والنتح، التي يلامسها، يكونان متوازنين ثرموديناميكياً (ضغط بخار الماء الفعلي، يساوي ضغط بخار الماء الإشباعي)؛ ولأن حركة جزيئات الماء، من هذا الجزء المشبع إلى بقية الهواء، بالانتشار، تعتمد على الفارق في ضغط بخار الماء (التركيز)، بين هذَين الجزءَين.

- سرعة الرياح

تؤثر سرعة الرياح في معدلات التبخر والنتح، بتحريك الهواء الملامس لأسطحهما، والذي يكون قد ارتفع ضغط بخار الماء فيه، بعيداً عن هذه الأسطح، وحل محله هواء أشد جفافاً؛ ما يسرع من عملية الانتشار لجزيئات الماء. ولذلك، تزداد معدلات التبخر والنتح كلما ازدادت سرعة الرياح.

2- العوامل البشرية

الترب التي تملّحت طبيعياً، تمثل مشكلة، عندما يراد استخدامها، أول مرة، في الزراعة. ولا بدّ من استصلاحها، لتخفيض كميات الأملاح، الموجودة في منطقة جذور النبات، لكي تكون صالحة لنمو المحاصيل، وذات إنتاجية مجدية اقتصادياً. أمّا الأراضي التي تملّحت بسبب العوامل البشرية، فيكون تملّحها ناجماً عن طريقة ريها. ويعد هذا النوع من التملح، هو الأهم، من ناحيتَين: تاريخية واقتصادية؛ إذ إنه يحدث بعد ما تستثمر الأموال في تلك الأراضي. وهو يرجع إلى سببَين رئيسيَّين، هما:

أ- الإدارة الرديئة لمشاريع الري

تحتوي مياه الري على قدر من الأملاح الذائبة، التي سيتراكم بعضها في التربة، حيث التبخر والنتح، يذهبان بالماء فقط، دون الأملاح؛ فتزداد ملوحة على تملّحها الطبيعي. وإذا لم يؤخذ في الحسبان مقدار الغسل[6]، المطلوب لإبقاء ملوحة التربة في الحدود، التي يتحملها النبات، فإن الأملاح ستزداد في محلول التربة، مع الري المتتابع، إلى أن يصل تركّز الأيونات فيه إلى ذائبية[7] (solubility) المعادن الملحية. وبما أن ذائبية بعض المعادن الملحية، مثل: كلوريدات وكبريتات الصوديوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم، هي أكبر من القيمة الحدية لمقاومة كثير من النبات للملوحة، فإن عدم التقيد بمقدار الغسل اللازم، يؤدي تملّح التربة تملّحاً كبيراً. والإدارة الجيدة للري، لا تتطلب فقط ري الحقل بكمية الماء المطلوبة (معدل التبخر والنتح مضاف إلية نسبة الغسل، اللازمة لإبقاء ملوحة التربة في الحدود التي يتحملها النبات)، بل يجب أن تستخدم أنظمة ري، تكفل توزيعاً سوياً، زماناً ومكاناً لمياه الري، يحُول دون حرمان بعض أجزاء الحقل حاجتها إلى المياه؛ ودون معاناة أجزائه الأخرى نسبة غسل عالية، تؤثر في خصوبة التربة، وترفع مستوى الماء الجوفي. كذلك تتطلب الإدارة الجيدة للري نظام صرف ملائم، يمنع ارتفاع مستوى الماء الجوفي إلى منطقة جذور النبات، الذي يعجّل بتملّح التربة؛ إضافة إلى محاذير أخرى.

ب- الري بمياه عالية الملوحة

المياه عالية الملوحة، لا بدّ أن تتسبب بتملّح التربة، مهما كانت كفاءة إدارة الري؛ لأن ملوحة التربة، في أحسن الأحوال (كميات غسل عالية، بما فيها من نفقة عالية وأخطار بيئية)، ستكون مساوية لملوحة مياه الري.

 



[1] قطاع التربة Soil Profile هو التتابع الرأسي لأفاق التربة من سطح التربة نزولاً إلى المادة الأصلية غير المجواة. وعادة يكون تتابع الأفاق في قطاع التربة الأعلى إلى الأسفل كما يلي: O  ثم A ثم B ثم C.

[2] البخرنتح الإمكاني Potertial Evopotranspiration هو مجموع معدل البخر ومعدل النتح عندما يكون الماء متوفر.

[3] المدار الإهليجي هو المدار البيضاوي الذي لا تكون جميع النقاط عليه متساوية البعد من المركز.

[4] درجة عرض الشمس هي درجة عرض المكان الذي تكون الشمس عمودية عليه في ذلك اليوم، وتكون سالبة لنصف الكرة الجنوبي وموجبة لنصف الكرة الشمالي.

[5] درجة عرض المكان هي مقدار الزاوية المحصورة بين الخط الواصل بين خط الاستواء ومركز الكرة الأرضية والخط الواصل بين المكان المحدد على سطح الأرض ومركز الكرة الأرضية. وتراوح درجة عرض المكان من صفر على خط الاستواء إلى 90 شمالاً في القطب الشمالي، و90 جنوباً في القطب الجنوبي.

[6] مقدار غسيل التربة هو كمية الماء التي تتسرب من أسفل قطاع التربة إلى المياه الجوفية.

[7] ذائبية المعدن أو مستوى تشبع المحلول المائي بالنسبة للمعدن يقصد بها التركيز المحدد للأيونات المكونة للمعدن في المحلول المائي الذي يبدأ عنده المعدن بالترسب من المحلول المائي بدلاً من الذوبان في المحلول المائي.