إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

(2) ما النظام الأيكولوجي؟

إن مصطلح النظام الأيكولوجي، لا ينفصل عن نظرية النظُم، ما دام يمثل نوعاً من النظُم البيئية، التي تشتمل على مخلوقات حية؛ بل إنه أكثر قبولاً منها، كأساس لإطار شامل، للنظر إلى البيئة والمجتمع، كوحدة واحدة؛ إذ البشر أعضاء فاعلون، في النظام الأيكولوجي، مثل النبات والحيوان. ومن منظور زمني، فقد ظل الإنسان، عبْر جزء كبير من تاريخه، عضواً مكملاً للنظام الأيكولوجي، بدلاً من أن يكون متحكماً فيه.

نحتت كلمة Ecosystem من كلمتَي Ecological System، المنبثقتَين من دراسة الأيكولوجيا، والمنحوتة من كلمتَين إغريقيتَين: أويكوس Oikos، بمعنى مَنزل؛ ولوقوس Logos، بمعنى دراسة؛ فالأيكلولوجيا، إذاً، هي علم دراسة الأحياء في مواطنها الطبيعية. وقد عرّفها عالم الحيوان الألماني، أرنست هايكل (Ernst Haekel, 1989)، عام 1869 بأنها "علم دراسة علاقة الأحياء بمحيطها الخارجي". وهي علاقة تتسع لتشمل كلَّ ظروف البقاء؛ وقد تكون مخلوقات أخرى أو جمادات، أطرافاً فيها. فالأيكولوجيا تركّز في العلاقات المتبادلة، بين العناصر العضوية وغير العضوية، في البيئة؛ وتطلق عليها مصطلح Ecosystem، النظام الأيكولوجي، الذي وضعه عالم الأيكولوجيا البريطاني، آرثر تانسلي.

والنظُم الأيكولوجية Ecosystems، مثل النظُم العامة، تتكون من قطاعات، بينها تبادل، وعمليات مستمرة في حالة توازن ديناميكي، ما لم يخل بهذا التوازن. وهي تحافظ على حالة التوازن بواسطة ميكانيكية التغذية السلبية الراجعة. ويجري تغييرها والإخلال بها بوساطة آلية التغذية الإيجابية الراجعة، الناجمة عن تغيّر في المدخلات، أو تدخّل خارجي في تبادل الطاقة أو المادة داخل النظام. والأنشطة البشرية، هي المسؤولة عن كثير من عمليات التغذية الإيجابية الراجعة، التي تقود إلى التغيرات البيئية، متى ما اجتيزت حدود القيم الحرجة.

يمثّل تدفق الطاقة قلب العمليات، التي تحدث في النظام الأيكولوجي؛ إذ إن تغذية الشمس الغلاف الغازي بالطاقة تحدد المناخ العالمي، وتفرض ظروفاً مناخية، هي من أهم العوامل البيئية التي تتحكم في نمو النبات، الذي يكوِّن الأخضر منه سبيل الحياة العضوية، على وجه الأرض. ففي عملية التمثيل الضوئي، يجمع النبات بين ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الغازي، والماء من التربة، والطاقة من الشمس؛ لإنتاج مادة عضوية، هي الكربوهيدرات،. الطاقة الشمسية، إذاً، تحوَّل إلى طاقة غذائية؛ لذا، يسمَّى النبات الأخضر مخلوقات ذاتية التغذية Autotrophs، لقدرتها على تحويل الطاقة إلى ماهية أخرى. والمادة العضوية المنتجة، الناتج الإجمالي الأولي لهذه العملية ـ توفر مصدراً للطاقة الغذائية، للمخلوقات الأخرى، عضوية التغذية Heterotrophic، التي لا تستطيع توليد طاقتها بنفسها. فالإنتاج الأولي، هو أساس الشبكة الغذائية؛ إذ إن العلاقات الغذائية، تميز النظام الأيكولوجي بكافة مستوياته. وكلُّ الحيوانات والبشر، يعتمدون على قدرة النبات على إنتاج الطاقة الغذائية. ولم يمكن العلم، بعد، تحسين هذه العملية؛ وربما كان ذلك ممكناً، باستخدام الهندسة الوراثية. وعلاوة على ذلك، فإن معظم المشكلات البيئية، المثيرة للجدل، حالياً، مثل: تدمير الغابات، وتعرية التربة، والتصحر ـ ناتجة بشكل مباشر من محاولة الإنسان تعديل القنوات، التي تسير في خلالها الطاقة، داخل النظام الأيكولوجي، بإحلال الأنظمة الزراعية محل الأنظمة البيئية الطبيعية.

لقد عرض عالم الأيكولوجيا الأمريكي، "يوجين أوديم" (Eugene P. Odum, 1975)، عرضاً ميّسراً، أهمية مصطلح النظام الأيكولوجي، في اختبار العلاقة بين الإنسان والبيئة؛ وذلك بالتركيز في الدور الرئيسي لقنوات تدفق الطاقة، (انظر شكل نموذج تدفق الطاقة). وفي نموذجه، تبدو الأنظمة، الحضرية والصناعية، التي تعمل بالوقود (المدن والمجتمعات البشرية)، مناطق مستهلكة للطاقة، ومنتجة للمخلفات. وهذه الطاقة المستهلَكة، تستمد من ثلاثة مصادر، هي: الأنظمة الأيكولوجية الطبيعية، والأنظمة الزراعية، والأنظمة الأيكولوجية القديمة (الوقود الأحفوري)؛ ما يوضح اعتماد المجتمعات على البيئة، في الغذاء والوقود. ويسفر إنتاج الغذاء والوقود واستخدامهما عن تراكم مخلفات، سببت أنواعاً عديدة من المشكلات البيئية؛ وقد تضعف أو تفسد الأنظمة الأيكولوجية الطبيعية.

يتيح مفهوم النظام الأيكولوجي تفصيل الاعتمادية المتبادلة، بين البشر والبيئة الطبيعية، في الحصول على الطاقة. ولكن من الصعب استخدامه في اختبار تفاعل الناس والبيئة، إذا كان المطلوب توقع ردود الفعل البشرية المحتملة للتغيرات البيئية. في بعض الحالات، ربما يمكن النظر إلى الإنسان، على أنه مخلوق من المخلوقات الحية، التي يزخر بها النظام الأيكولوجي. ولكن، لأغراض أخرى لا بدّ من مراعاة الطاقة البشرية، والتنوع، والتعقيد في القِيم، والمحفزات، وكذلك البناء الاجتماعي والاقتصادي، وطريقة تعامل الناس والبيئة. مشكلات تطبيق مفهوم النظُم الأيكولوجية، على التصرفات البشرية، أوضحتها الانتقادات، التي وجهت إلى مدرسة شيكاغو الحضرية، المتمثلة في أعمال بارك وبرقيس (Park & Burgess)، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، حين استعارا أفكار، وآلية التتابع، والسيطرة، والسيادة في المجتمعات النباتية؛ لشرح أنماط استخدامات الأراضي، في مدينة شيكاغو الأمريكية.