إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









الانتفاضة الفلسطينية

ثانياً: الحشائش

تمتد نُطُق الحشائش موازية لنُطُق الغابات، حيث يتدرج الانتقال من الغطاء الغابي، الشجري، الكثيف، إلى اختلاط الحشائش بالأشجار، ثم تضمحل الأخيرة، وتسود الأولى. وقد تصنف الحشائش وفقاً لخصائصها الطبيعية؛ فمنها، تبعاً لخصيصة الطول، مثلاً، حشائش طويلة (بريري) Prairie، وأخرى قصيرة (الإستبس) Steppes؛ وحشائش السافانا Savanna، المختلطة بالأشجار، والتي تندرج من الطويلة، قرب الغابات، إلى المتوسطة، فالقصيرة.

تكاد الحشائش: الطويلة والقصيرة، توجد في كلّ العروض؛ لذا، فإن الأسلوب الأمثل لتتبع غطاءاتها، هو الأسلوب نفسه، الذي سبق اتباعه في تصنيف الغابات، في الجزء السابق. ويمكن، إذاُ، تمييز نوعَين رئيسيَّين من الحشائش، حسب العروض، التي تنتشر فيها:

1. حشائش العروض المدارية.

2. حشائش العروض: الوسطى والمعتدلة؛ وهي قسمان:

أ. الإستبس.

ب. البراري.

1. حشائش العروض المدارية

ويطلق عليها السافانا. ويقال إن هذه التسمية مأخوذة من الكلمة الأسبانية: سابانا Sabana؛ وتعني الحشائش. وتطلق السافانا على إقليم الحشائش الكثيفة، المختلطة بالشجيرات، على تخوم الغابات المدارية. وتظهر الأشجار والشجيرات، في هذا الإقليم، على شكل مجموعات (أحراج)، أو فرادى. وتتوافر في المناطق الانتقالية المتاخمة للغابات المدارية.

أ.  الامتداد المكاني

يمتد غطاء حشائش السافانا في المناطق المدارية، فصلية الأمطار، والتي تصبح كمية المطر فيها غير كافية لنمو غطاء شجري، غابي، كثيف. والسافانا هي المظهر النباتي، الذي يسود الأقاليم المدارية الحارة، في داخل القارات؛ إذ يراوح امتدادها بين 5ْ و20ْ، شمال خط الاستواء، و5ْ و20ْ جنوبه. وتمتاز هذه الأقاليم بأمطارها الصيفية الغزيرة، التي تستمر، سنوياً، نحو خمسة أشهر؛ ولكن كميتها، واستطراداً كثافة الغطاء النباتي، تتناقصان بالابتعاد، شمالاً وجنوباً، من نطاق الغابات المدارية، نحو النطاق الصحراوي الجاف. ويمكن القول، إن هناك فصلية واضحة في التساقط المطري؛ فهناك فصل جفاف، في الشتاء؛ وفصل ممطر، في الصيف. وما نمو الحشائش في الإقليم، إلا استجابة لمحدودية كمية المطر الساقط عليها، مقارنة بكميته في الغابات المدارية، وطول فصل الجفاف. وساعد على تناقص الغطاء الشجري، ونمو الحشائش، أن الأمطار تسقط في فصل الصيف الحار؛ إذ ترتفع معدلات النتح[1] والتبخر[2] (انظر شكل الرقعة المكانية لحشائش العروض المدارية).

ويمكن تمييز ثلاثة أنماط من غطاءات السافانا النباتية، هي:

(1) السافانا الرطبة.

(2) السافانا الجافة.

(3) سافانا الشجيرات الشوكية.

(1) السافانا الرطبة Humid Savan

يمتد هذا النطاق على تخوم الغابات المدارية المطيرة، ما بين 5ْ و7ْ شمال خط الاستواء وجنوبه. ويفوق إجمالي التساقط السنوي، في هذه العروض، 1200 ملم؛ وقد يبلغ 1500 ملم، في بعض المناطق. ويهطل معظمها خلال فصل الإمطار الطويل، الذي يتجاوز ثمانية أشهر في السنة؛ فتكتسي الأرض بالنباتات اكتساء تاماً. ويراوح ارتفاع الحشائش بين 6 أمتار و12 متراً. وهي من النوع الخشن، النصلي الأوراق. ويتخللها بعض الأشجار والشجيرات، التي يزداد علوها وكثافتها، بالاقتراب من خط الاستواء.

(2) السافانا الجافة Dry Savana

يقلّ معدل الأمطار، ويزداد طول فصل الجفاف، بالابتعاد عن خط الاستواء، نحو الأراضي الصحراوية، المتاخمة لإقليم السافانا، من الشمال والجنوب؛ فينخفض معدل الأمطار السنوي من 1200 مل إلى 500 مل فقط، ويمتد طول فصل الجفاف من 3 إلى 7 أشهر. ويتدرج التغير، بالابتعاد عن خط الاستواء، شمالاً وجنوباً؛ مؤثراً في الغطاء النباتي، الذي يتدرج تناقص كثافته؛ إذ يقلّ عدد الأشجار والشجيرات، المتداخلة مع الحشائش. كما تتناقص كثافة الأخيرة، ويقلّ ارتفاعها من 12 متراً، في السافانا الرطبة، إلى متر واحد، عند أطراف السافانا الجافة.

(3) السافانا الشوكية Thornbush

يمتد، إلى الشمال والجنوب من نُطُق السافانا الجافة، حزام عازل، بين حشائش السافانا والغطاء النباتي الشوكي للإقليم الصحراوي، يمثل نطاقاً انتقالياً بينهما؛ ويطلق عليه: السافانا الشوكية.

تسهم قِلة الأمطار وتناقصها إلى قرابة 200 ملم، سنوياً؛ وامتداد فصل الجفاف إلى أكثر من 9 أشهر، في تدهور الغطاء النباتي؛ حتى إن طول حشائش السافانا، يصل إلى 50سم، بل أقلّ. فتزداد خشونتها، وتقلّ كثافتها، ويكثر تعرضها للحرائق، في فصل الجفاف الطويل.

تنتشر غطاءات حشائش السافانا في العالم أجمع. فهي تترامى في أستراليا، حيث تفصل بين الغابات الموسمية، في الشمال، والمناطق الصحراوية إلى الجنوب منها. وتنمو في جنوب شرقي آسيا، وفي الهند، على مرتفعات هضبة الدكن. إضافة إلى نموها في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

تغطي السافانا داخل إفريقيا نطاقَين واسعَين، ما بين دائرتَي العرض 5ْ و20ْ، شمال خط الاستواء وجنوبه. ولا يفصل بينهما سوى الغابات المدارية المطيرة على ذلك الخط. ويتصل أحدهما بالآخر حيث ينقطع الغطاء الشجري الكثيف للغابات الاستوائية، فوق هضبة الحبشة، شرقي القارة؛ إذ لا تساعد كمية الأمطار الساقطة على نمو الغابات.

وتمتد السافانا، في أمريكا الجنوبية، على جانبَي نطاق الغابات المدارية، حول خط الاستواء؛ فتغطي جميع الأراضي اليابسة، الواقعة ما بين دائرتَي العرض 5ْ و20ْ، شمال ذلك الخط؛ شاملة معظم هضبة البرازيل، عدا المرتفعات العالية. ويطلق عليها، في هذا النطاق الشمالي، كامبوس Campos. وتغطي معظم حوض الأورينكو، ومرتفعات غيانا، ما بين دائرتَي العرض 5ْ و20ْ، جنوب خط الاستواء. ويطلق عليها، في هذا القطاع، اللانوس Lianos.

وتوجد، في الوطن العربي، بعض مظاهر غطاءات السافانا: الشوكية والجافة، ولاسيما في جنوبي السودان ووسطه، والجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية، وعُمان. ولكن أكثر نُطُق السافانا اتساعاً ووضوحاً، في البلاد العربية، توجد في أقصى الجنوب السوداني، حيث تسود حشائشها الطويلة، المختلطة بالأشجار، والتي يفوق ارتفاعها 3 أمتار، في فصل المطر. وتراوح كميات المطر السنوي، في هذا الإقليم، بين 900 و1500ملم؛ ولكنها لا تلبث أن تجف، في فصل الجفاف، الذي يصل طوله إلى 4 أشهر؛ وتبقى التجمعات الشجرية المتفرقة، وما بينها من حشائش.

ويمتد، إلى الشمال من هذا النطاق، نطاق سافانا الحشائش الطويلة، وأشجار السنط. وتراوح كميات المطر السنوي فيه، بين 750 و1000مل؛ ويزداد طول فصل الجفاف، فيبلغ 5 أشهر. ولا يتجاوز طول الحشائش، في الإقليم، مترَين؛ ويتخللها بعض أشجار السنط الشوكية. ويكثر هذا النوع من السافانا حول بحر الجبل، وبينه وبين السدياط، وفي ما بين النيل الأبيض وشرقي السودان.

ويمتد، إلى الشمال من هذا القطاع، نطاق عريض، تنتشر فيه حشائش السافانا المطيرة، مع أشجار السنط. ومعدل المطر، هنا، لا يتجاوز 500ملم. وقد يصل فصل الجفاف إلى ثمانية أشهر. وأشهر أشجار السافانا السودانية، هو الصمغ العربي.

والسافانا تغطي ثلث مساحة القارة الإفريقية؛ ولكنها تنكمش في آسيا؛ لأن وفرة الأمطار الموسمية، تساعد على نمو الغابات المدارية. وتحتل مساحات واسعة، في استراليا، جنوب الغابات المدارية؛ وأخرى في أمريكا الجنوبية، شمال غابات الأمازون وجنوبها.

ب. الغطاء النباتي

إن أهم ما يميز المظهر النباتي للسافانا:

(1) اختلاط الأشجار والحشائش الكثيفة، التي يصعب اختراقها (انظر صورة اختلاط الأشجار والحشائش).

(2) التناقص التدريجي لكثافة الغطاء النباتي، مع تناقص كمية الأمطار السنوية، بالابتعاد عن خط الاستواء.

(3) جفاف الحشائش، واختفاء الخضرة من المظهر العام للأرض، باستثناء الأشجار المتفرقة، وخاصة في المناطق، التي يطول فيها فصل الجفاف.

(4) تعرض الغطاء النباتي، للكثير من الحرائق الطبيعية (انظر صورة حرائق السافانا). ويعزى إلى هذه الحرائق تناثر الغطاء الشجري، والحيلولة دون نمو غطاء غابي، شجري، كثيف.

ويمكن التمييز، في إقليم السافانا، بين نوعَين من النباتات، هما: الحشائش والأشجار.

في طبقة الحشائش والأعشاب، تسود النجيليات المعمرة، التي يزداد شبهها بالجفافيات، كلّما ابتعدت عن خط الاستواء، نحو الأقاليم الصحراوية الجافة، حول المدارَين.

ويراوح طول هذه الحشائش ما بين بضعة سنتيمترات وعدة أمتار. ومن أمثلتها: عشبة الفيل Benthani pennisetum، التي قد يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار؛ وهي تنمو في السافانا الرطبة، إلى جانب حشائش، من نوع أندروبوكون Andropogon.

وفي السافانا الجافة، تكثر حشائش الأريستيدا Aristida، الأكثر خشونة، والأقل طولاً، من حشائش السافانا الرطبة. وتتعرض هذه النباتات للذبول، في فصل الجفاف، في النطاقَين كليهما: الرطب والجاف.

تتلاشى السافانا الشجيرية، في النُطُق الصحراوية كلّما دنت من خط الاستواء. وتتكاثر الأشجار وتتكاثف، ويزداد ارتفاعها، بالاقتراب من نطاق الغابات المدارية. وقد حاول البعض تصنيف السافانا، في هذا القطاع (الشجري)، حسب كثافة طبقة الأشجار؛ فانتهى إلى:

ـ سافانا نجيلية، تسودها الحشائش فقط.

ـ سافانا شجرية، أو خصائر سافانا، ذات شجيرات متناثرة.

ـ سافانا دغلية، تعمرها شجيرات كثيفة.

ـ غابات السافانا، إذا كانت تيجان أشجارها متقاربة.

وأشجار السافانا نفضية، شوكية الأوراق؛ لتتحمل الجفاف. وقد يوجد قليل من الأشجار دائمة الخضرة، التي تغطي أوراقها بطبقة شمعية؛ لتقليص كمية النتح؛ وتغلف جذوعها قشور سميكة.

وتتسم الأشجار بشكل مظلي مميز، إذ تنبسط تيجانها، أفقياً، ولا ترتفع إلى الأعلى؛ وقد يُعْزَى ذلك إلى تباينها، وهبوب الرياح القوية.

وتشتهر سافانا أمريكا الجنوبية بالنخيل: كابرنيشيا Capernicia، وموريشيا Mouritia. وفي أستراليا، تكثر، في نطاق السافانا، أشجار الكينا، أو الكافور Eucalyptus. وتكثر في السافانا الإفريقية، أنواع من الأشجار، أهمها: السنط، أو الطلح Acacia (انظر صورة أشجار الطلح)، وبراكيستيجيا Brachystegia، وكومبريتم Combretum، وجلبيرنارديا Julbernardia.

ج. التربة

يرى بعض الباحثين، أن نشوء السافانا، بالشكل الذي هي عليه، مرتبط بالتربة؛ إذ لوحظ أنها تحل حيثما تضمحل العوامل الترابية، الملائمة لنمو الغابات. ولذلك، تحتل هذه الأخيرة السفوح الجيدة الصرف، والخالية من مشكلات التربة، مثل وجود الدروع والأعمدة المرقشة[3] Pinthite. وتسود السافانا المناطق السيئة الصرف، أو المناطق التي تعاني عجزاً مائياً.

وتتركز السافانا البرازيلية في مناطق الترب، التي تفتقر إلى العناصر الغذائية. فغطاءات السافانا، إذاً، نتاج للأحوال المناخية المحلية، وعوامل التربة.

وتتأثر تربة السافانا، سلباً، بالحرائق المتكررة للغطاء النباتي. وهي، في الغالب، من نوع أوكسيسولز (ترب الأكاسيد).

د. الحياة الحيوانية

تختلف السافانا والغابات المجاورة لها، في الحياة الحيوانية؛ إذ تعيش في الأولى حيوانات كبيرة نسبياً، عاشبة، قادرة على التنقل بسرعة؛ وترتع في الأخيرة الحيوانات المتسلقة الصغيرة. وتنتقل هذه الحيوانات بحثاً عن الغذاء والماء، خلال فصل الجفاف خاصة. ويفرض ذلك على الحيوانات آكلة اللحوم هجرة مماثلة، بحثاً عن غذائها.

تكثر آكلة الأعشاب في السافانا، ومنها: الثدييات من ذوات الحوافر أو الأظفار والحمار الوحشي Zebra، والزراف Gerrafs، والغزلان[4] Gazelles. ويوجد الجاموس الوحشي Buffalo، والفيلة Elephants، ووحيد القرن Rhinocerous، في المناطق الأكثر غنىً.

وتمتاز السافانا الأسترالية بالكيسيات، مثل الكنغر؛ وببعض الطيور، مثل: الببغاوات Parrots، والواكسبل Waxbills.

ويتبع كثير من الحيوانات الكبيرة نظام الهجرة الجماعية، بحثاً عن الكلأ. ويتكاثر معظمها خلال فصل الأمطار.

وتعيش بهذه الحيوانات أعداد من الحيوانات المفترسة، آكلة اللحوم، مثل: الأسود Lions، والفهود Cheetahs، والنمور Leopards، والكلاب الصيادة Cape hunting dogs، والضباع Heyna، والنسور.

وتتكاثر، في هذه الحشائش الصفراء، أنواع من الجراد، والجندب، والنمل، والصراصير. وهذه المخلوقات، تعيش بها أعداد من العظميات، والثعابين والطيور، وكذلك النمل.

وتتولى ديدان الأرض، بحفرها وتقلُّبها، تهوية التربة وتقليبها، والحيلولة دون تراكم الطين في أعماقها، بإعادته إلى السطح.

2. حشائش العروض: الوسطى والمعتدلة

تحتل الحشائش مساحات شاسعة، في العروض المعتدلة، داخل القارات، في نصفَي الكرة الأرضية: الشمالي والجنوبي؛ يطلق عليها، أحياناً، السهوب. وتسود الحشائش حيث تختفي الأشجار، نتيجة للمناخ القاري؛ إذ يحول المدى الحراري الكبير (شدة برودة الشتاء، وشدة حرارة الصيف)، دون نمو الغطاءات الشجرية، فتحل محلها غطاءات من الحشائش. والسبب الرئيسي لاختفاء الغطاءات الغابية الشجرية من هذه المناطق، هو نقص كمية التساقط، التي قلّما يتجاوز إجماليها السنوي 500 ملم. ويقتصر الإنبات، في هذه المناطق، على فترتَين قصيرتَين، في السنة، في فصلَي الربيع والخريف؛ يفصلهما فصلان طويلان، يتوقف فيهما نمو النبات، نتيجة للبرد الشديد في أحدهما، والجفاف في الآخر.

وهناك تجانس واضح، بين نطاق حشائش العروض المعتدلة ونطاق السافانا، وتشابه شديد في سيادة نمو الحشائش، وقِلة الأشجار. إلا أن حشائش السافانا أكثر خشونة، وطولاً، واختلاطاً بالأشجار. أمّا حشائش العروض المعتدلة، فأقصر، وأكثر ليونة واخضراراً؛ ما جعلها أصلح لتغذية الماشية. ولذلك، فإن أهم مراعي العالم، وأعظمها إنتاجاً حيوانياً، لحوماً، وألباناً، وأصوافاً، تتمثل في مناطق الحشائش المعتدلة. وقد تعرضت غطاءات حشائش العروض المعتدلة، لكثير من أعمال التدمير والإزالة البشرية، بغرض الاستغلال الزراعي. ويرجع ذلك إلى خصوبة تربتها، وامتدادها في عروض ملائمة للإنتاج الزراعي لمحاصيل ثمينة، ولاسيما القمح والذرة.

يمتد غطاء الحشائش المعتدلة في المناطق الانتقالية، بين الصحاري، من جهة، وغطاء الغابات: المعتدلة والباردة، من جهة أخرى. والغطاء النباتي السائد، هنا، هو الحشائش؛ فالنمو الشجري نادر، بسبب قِلة الأمطار، وقِلة رطوبة التربة، وشدة الرياح. ولذلك، يمكن تمييز مجموعتَين رئيسيتَين، في نباتات هذا الإقليم:

أ. حشائش ذات أصل مداري. وهي أكثر ملاءمة للحرارة والجفاف؛ ويطلق عليها الإستبس Steppes.

ب. حشائش نجيلية، أقلّ ملاءمة للجفاف؛ ويطلق عليها البراري Prairie.

أ. الإستبس Steppes

(1) الامتداد المكاني

تسود حشائش الإستبس الأقاليم المناخية شبه الجافة، المتاخمة للصحاري، من جهة العروض العليا. فهي تمتد في العروض المعتدلة، في كلٍّ من أوراسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

يترامى، في الأولى، أكبر نطاق متصل لها في العالم. وتمتد امتداداً مستطيلاً، من الأراضي الأوروبية الشرقية، شمال البحر الأسود، غرباً، حتى منشوريا، شرقاً. وتتناقص كثافتها، بالاتجاه شرقاً، مع تناقص كميات الأمطار، حتى تنتهي إلى الصحاري، حيث تختفي؛ ثم تعود للظهور في منشوريا. وإلى الجنوب من البحر الأسود، تغطي حشائش الإستبس الأراضي الداخلية، في آسيا الصغرى، وفلسطين، وبلاد الشام، ووسط العراق وشماليه.

وتغطي حشائش الإستبس، في إفريقيا، المناطق الممتدة جنوب هضبة القارة الجنوبية، جنوب شرق صحراء كلهاري، غرب إقليم الفلد.

أمّا في أمريكا الشمالية، فيمتد نطاق تلك الحشائش امتداداً طولياً، من كندا، شمالاً، إلى خليج المكسيك، جنوباً، ما بين إقليم البراري، في الشرق، والإقليم شبه الجاف، في الغرب.

وفي النصف الجنوبي للكرة الأرضية، في أمريكا الجنوبية، تغطي حشائش الإستبس هضبة بتاجونيا. وتمتد، في أستراليا، على تخوم الصحراء، في الجنوب الشرقي (انظر شكل الرقعة المكانية لحشائش الإستبس).

(2) الغطاء النباتي

الإستبس غطاء عشبي، أقصر طولاً، وأقلّ كثافة، من حشائش البراري. والإستبس كلمة روسية الأصل، تعني أراضي فسيحة، قليلة الأشجار. والغطاء النباتي، هنا، مكون من حشائش فقيرة، تنمو في العروض المعتدلة، التي تراوح كمية المطر السنوي فيها، بين 250 و500 ملم فقط؛ لذا، فهي خالية من الأشجار، بل إن الغطاء العشبي، قد يكون، في بعض المناطق، متقطعاً، تتخلله بقع جرداء؛ وإن كان، في الغالب، متصلاً.

لذلك، فأعشاب الإستبس؛ لكونها تشغل المناطق الأقل مطراً، على الأطراف المتاخمة للصحاري ـ تكون أقصر طولاً، وأقلّ كثافة من حشائش البراري. إذ يراوح طولها بين متر وأقلّ من مترَين، في أحسن حالاتها؛ وقد يتجاوز طولها ذلك، في السنوات، التي ترتفع فيها كمية التساقط.

وتقلّ كثافة أعشاب الإستبس، تدريجاً، مع القرب من الصحراء. كما يقلّ طولها، وتتناثر تغطيتها المكانية؛ فتظهر على شكل خصل، أو مجموعات، تفصل بينها أراضٍ عارية التربة، يتواصل تعدُّدها واتساع مساحاتها، حتى الصحراء.

تنمو حشائش الإستبس بسرعة، في فصل المطر، الذي يحين في فصل الربيع وأوائل فصل الصيف. ومناطق السهوب (الإستبس)، تختلف مظاهرها باختلاف الفصول؛ فالأعشاب الخشنة، تتكيف مع فترتَي الجفاف وانخفاض درجات الحرارة، في الصيف والشتاء،، كما تتكيف مع فترة الرطوبة وتساقط الأمطار، في الربيع. وفي الفصل غير الملائم لنمو النباتات، تكمن الحشائش، على شكل بذور أو جذور أو بصل، تنبعث. في فصل الربيع، فتكتسي الأرض ببساط أخضر جميل، كثير الأزهار. ومع ارتفاع درجة الحرارة، وتناقص كميات الأمطار، في الصيف، تبدأ هذه النباتات بالذبول والإصفرار؛ وسرعان ما يهلكها الجليد الأرضي، إبّان الشتاء، إذ تنخفض درجات الحرارة كثيراً، وقد تصل إلى ما دون درجة التجمد.

(3) التربة

إن التربة المثالية لأقاليم الحشائش، هي تربة التشرنوزم Chernozems، أو كما تسمى، أحياناً، التربة السوداء Black Soils. وهي تربة ناضحة، تمتاز بالخصب والعمق. يتوافر الدبال في مقطعها. ويكثر فيها النيتروجين، الذي تؤمنه النجيليات. وسميت بالتربة السوداء؛ لأن طبقتها السطحية (أفق A) دكناء اللون، بسبب تراكم المواد العضوية. ويسهم نشاط ديدانها في تهويتها وتقليبها. ولكن هذه التربة، تفتقر إلى المياه، إبّان الجفاف الطويل، في بعض المناطق؛ بل إن شدته تحولها إلى تربة قسطلية (كستنائية) Chestnut Soils (Mollisols).

(4) الحياة الحيوانية

كانت حشائش هذا الإقليم مرتعاً لعدد من حيوانات الرعي الكبيرة، مثل: الزراف، والنعام، في إفريقيا؛ والثيران الوحشية (بيزون Bison)، في أمريكا الشمالية؛ والكانجرو، في استراليا؛ والحصان البري (تاربان Tarpan)، في آسيا. لكن تدمير الغطاء النباتي الطبيعي، في هذه الأقاليم، والناجم عن استغلال الأراضي في الزراعة قلص الطاقة الاستيعابية لتلك المراعي؛ فتقلصت أعداد حيواناتها غير الداجنة تقلصاً كبيراً؛ لتتزايد تزايداً واسعاً أعداد تلك الداجنة، مثل: الخيول، والأبقار، والأغنام.

ب. البراري

(1) الامتداد المكاني

تغطي حشائش البراري أراضي واسعة، في كلّ قارات العالم، عدا أستراليا. فيترامى غطاء حشائش البراري، بشكلها المثالي، في السهول الوسطى لأمريكا الشمالية، غرب السفوح الشرقية لجبال الروكي، من وسط كندا، في الشمال، إلى خليج المكسيك، في الجنوب. وتغطي حشائش البراري إقليماً متسعاً، في أمريكا الجنوبية؛ يمتد بين دائرتَي العرض 30ْ و40ْ، جنوباً، على شكل نصف دائرة؛ ويطلق عليه إقليم البمباس Pampas. وتقتصر البراري، في أوروبا، على نطاق صغير، محصور بين رومانيا، شرقاً، وجبال الأورال، غرباً. وتفصل حشائش الإستبس بينها وبين المناطق الجافة. ثم يقتصر وجودها، شرقاً، على شريط ضيق، يفصل الإستبس عن النطاق الغابي، في الشمال. أمّا في آسيا، فتنتشر البراري في المناطق الداخلية، شمالي الصين، حيث يتوافر المطر والحرارة. وتمتد رقعتها في اتجاه الجنوب الغربي من شمالي منشوريا، في أقاليم شمال غربي الصين (انظر شكل الرقعة المكانية لحشائش العروض المعتدلة).

(2) الغطاء النباتي

تنمو حشائش البراري في العروض نفسها، التي تنمو فيها حشائش الإستبس تقريباً؛ إلا أن الأولى تلي نطاق غابات العروض المعتدلة، في حين تكون الأخرى أقرب إلى المناطق الصحراوية: الجافة وشبه الجافة. لذا، فإن حشائش البراري، التي تنمو في مناطق أكثر اعتدالاً في درجات حراراتها، وأكثر غزارة في أمطارها ـ تكون أكثر كثافة، وأعلى ارتفاعاً من حشائش الإستبس.

تنمو حشائش البراري في المناطق الأكثر رطوبة. وهي حشائش طويلة، عميقة الجذور؛ يراوح طولها، عند تمام نموها، بين مترَين وثلاثة أمتار. وتراوح الكميات السنوية للأمطار، في نُطُقها، بين 750 و1000ملم. وهذه الكمية، مع فترات جفاف خلال السنة، لا تسمح بنمو غطاء شجري؛ ولكنها تكفي لنمو غطاء غني من الحشائش. وتقتصر الأشجار، في هذا الإقليم، على ضفاف الأنهار.

تموت حشائش البراري، في فصل الشتاء، بسبب الجفاف، وانخفاض درجات الحرارة. ولا تلبث أن تنبعث في فصل الربيع. وتنتمي أهم نباتات البراري إلى الأجناس الآتية:

ـ الحشيش الإبري     Needle Grass (Stipa)

ـ حشائش العكرش فيسكو       Fescue (Festuca)

ـ حشائش الساق الأزرق أو الركيب Bleu stem (Andropogon)

ـ حشائش السلك      Wire grass

ـ حشائش الكولسويا     Kseleria

ـ حشائش النجيل     Agropyrum

ـ حشائش الأبسد     Panicum

(3) التربة

تربة حشائش البراري، هي تربة التشرنوزم، التي تمتاز بالخصب والعمق؛ فهي تربة ناضجة كاملة التطور، وفي حالة توازن مع البيئة المحيطة بها، والعوامل النباتية على سطحها. تغطي سطحها طبقة رقيقة من المواد العضوية، من بقايا الحشائش الميتة في فصل الجفاف. وتمتاز بتهويتها الجيدة، ووفرة النيتروجين. ولكنها تفتقر إلى المياه، في فصل الجفاف. وقد تتحول من تربة تشرنوزم مغسولة، إلى تربة سمراء، في المناطق، التي ترتفع فيها معدلات التساقط ورطوبة التربة.

(4) الحياة الحيوانية

تنعكس السمة الفصلية لبيئة هذا الإقليم ونباتاته، على حياة الحيوانات، التي تعيش فيه. فحيواناته في حالة توازن مع الكتلة الحيوية المتاحة، من نباتاته الحشائشية، التي تحمل معظمها على هجرة فصلية، بحثاً عن الغذاء؛ فتهاجر الحشرات والطيور، جماعات؛ والحيوانات العاشبة، قطعاناً.

تُعَد الهجرة الكثيفة لفِرق الجراد، في آسيا وأمريكا الشمالية، من أبرز أمثلة التحرك الفصلي للأحياء، في هذا الإقليم. يضاف إلى ذلك هجرة قطعان الغزلان، والظبي، والأيل، والحُصُن البرية؛ وهجرة أنواع كثيرة من الطيور، مثل: الحبارى. ويعد التحرك الجماعي للأحياء وسيلة للانتقال الآمن، إتقاءً للاقتناص والافتراس. كما أن طبيعة البيئة المكشوفة، جعلتها مكاناً ملائماً للحيوانات سريعة العدو؛ وساعدتها على الهروب من الأخطار.

إضافة إلى الحيوانات العاشبة، المذكورة أعلاه، تحتضن هذه البيئة، من آكلات الأعشاب: البايسن الأمريكي Sison، والوعل شائك القرن Antilocorpa (Pronghorn)، والإلك Elk (Cervus Canadensis)، وهو صنف من الأيل كبير، والسنجاب Squirrels (Citellus)، والأرنب Jack  rabbit (Lepus)، والنطاط المفصلي Grass Hopper.

ومن أهم الطيور، في هذا الإقليم: السمان Quails، والحجل Partridge، والقنابر Larks، والنسور. ويهاجر بعضها هجرة فصلية، لتجنّب برد الشتاء. والمشكلة الرئيسية للطيور، في هذه البيئة، هي عدم ملاءمتها لبناء الأعشاش، لعدم وجود الأشجار.

ويوجد في هذا الإقليم، من آكلات اللحوم، بعض أنواع الذئاب، مثل: الذئب الأحمر Red wolf، والذئب الرمادي Grey wolf، وابن آوي؛ والذئب الأمريكي، المسمى كايوتي (القيوط Coxotes)؛ وابن مقرض، ذي الأرجل السوداء Black footed herrets؛ والنمر الأمريكي، كوجار Cougar.

ويساعد عمق التربة، وبرودة فصل الشتاء، على وجود شكل آخر من أشكال الحياة الحيوانية، في هذا الإقليم. فتكثر الحيوانات الحافرة للتربة (Fouisseurs)، التي تتقي بجحورها حر الصيف، وبرد الشتاء؛ وتحتمي بها من القنص والافتراس.

ومعظم هذه الحيوانات من القوارض Rodents. ترتبط حياتها بالغطاء العشبي، فتعيش على سطح الأرض، في مواسم ازدهار النبات، وتقضي الشتاء في جحورها. وتتمثل في ديدان الخرطون Lombric، والنمل Ants، والزنبور، والثعابين Snakes، والسحالي (نمطيات) Lizards، والجرابيع، والأرانب، والجرذان القدادة Hamsters.

ولا تقتصر سكنى التربة على الحشرات والعاشبات، بل إن بعض آكلات اللحوم، تتخذ فيها جحوراً، تأوي إليها، مثل: بنات آوي، والثعالب.

 



[1] النتح Transpiration: فاقد المياه من مسام أوراق النباتات بالتبخر للغلاف الغازي.

[2] التبخر: تحول الماء من الحالة السائلة (في قطرات المطر، الأودية، البحيرات ...) إلى الحالة الغازية.

[3] الأعمدة المرقشة والدروع Pinthite تربات تتركز فيها أكاسيد الحديد بشكل خاص، وتكون قابلة للتصلب عند الجفاف. وقد تتركز الأكاسيد على شكل دروع أو أعمدة.

[4] الغزلان مثل غزال إمبالا Impala، وغزال جرانت Grants، وطبي علندا Eland، وظبي الماء Water Buck، والطبي الإفريقي الصغير المسمى دكدك Dik-Dik.