إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









الانتفاضة الفلسطينية

د. التلوث بالمخلفات الصناعية

يعد تلوث المياه بالمواد الكيماوية الناتجة من المخلفات الصناعية، من أخطر أنواع التلوث البيئية، التي تهدد بوقوع كوارث صحية وبيئية لم تعهد من قبل. وترجع خطورة تلوث المياه بالمواد الكيميائية من المخلفات الصناعية إلى أسباب عدة أهمها:

(1) تزايد عدد المواد الكيميائية الضارة في المخلفات الصناعية بمعدل أسرع من تطور الدراسات لمعرفة أضرارها على صحة الإنسان والبيئة. ويصل عدد المواد الكيميائية السامة في المخلفات الصناعية حالياً إلى أكثر من 500 عنصر ومركب كيميائي.

(2) أن العديد من هذه المواد الكيميائية قابلة للانحلال في الماء.

(3) أن العديد من هذه المواد الكيميائية قابلة للتراكم في أجسام الكائنات الحية مما يؤدي إلى تسمم الكائنات المائية ومن ثم تسمم الإنسان المستهلك النهائي لهذه الكائنات.

وتعد المعادن الثقيلة أخطر هذه الملوثات الكيميائية في المخلفات الصناعية، خاصة الصناعات المعدنية. ومن أخطر هذه المعادن الثقيلة التي تلوث المياه بشكل كبير ما يلي:

(1) الرصاص

عنصر الرصاص من أكثر العناصر الكيميائية سمية وقابلية للتراكم في أجسام الكائنات الحية. وتستخدم التكنولوجيا الحديثة الرصاص بكثرة، خاصة في صناعة استخراج المعادن، وصناعة المبيدات، وصناعة الدهانات، وصناعة البطاريات الكهربائية، التي تستهلك وحدها حوالي ثلث الإنتاج العالمي من الرصاص. أما تتراميثيل الرصاص الذي يضاف للوقود فيشكل المصدر الرئيس لتلوث البيئة بالرصاص. وتقدر كمية الرصاص التي تقذف بها المصانع سنويا في البحار بأكثر من 250 ألف طن.

(2) الزئبق

الزئبق هو أحد المعادن الثقيلة، ويكون على هيئة سائلة تحت درجة الحرارة العادية، لذلك يعد من العناصر الكيماوية الخاملة نوعاً في هذه الحالة السائلة. إلا أن الزئبق العنصري يتأكسد إلى زئبق ثنائي الشحنة تحت الظروف الطبيعية. وهذا الزئبق المؤكسد يمكن أن يشبع أو يمزج بالميثان Methylate من طريق البكتيريا الهوائية واللاهوائية، أو في كبد وأحشاء الكائنات الحية.

ويعتمد تأثير الزئبق على الكائنات الحية على عدة عوامل، أهمها: حالة الزئبق( عنصري، مؤكسد، مشبع بالميثان)، ونوع الكائن الحي وحجمه وعمره ومدة تعرضه للملوث، ونوعية المياه خاصة مقدار عسر الماء Hardness. لذلك، نجد أن الأنواع المختلفة من الكائنات الحية تتباين درجة تحملها لسمية الزئبق الحادة في المياه العذبة (انظر جدول بعض الكائنات الحية في المياه العذبة مرتبة حسب درجة تحملها لسمية الزئبق الحادة) عنها في المياه المالحة (انظر جدول بعض الكائنات الحية في المياه المالحة مرتبة حسب درجة تحملها للسمية الحادة للزئبق المؤكسد).

ويعد عنصر الزئبق واحدا من أكثر العناصر الكيميائية سمية وقابلية للتراكم في أجسام الكائنات الحية. وقد زاد الإنتاج العالمي من الزئبق على عشرة آلاف طن سنويا. وقد وصل تركيز الزئبق في كثير من المياه إلى أكثر من الحد الأعلى المسموح به، وهو 0.5 جزء في المليون. ويقدر ما تلقيه الصناعات المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية من الزئبق في المياه سنويا بأكثر من 500 طن، أما ما تلقيه الصناعات المختلفة من الزئبق في فرنسا وحدها في المياه سنويا فيقدر بأكثر من 50 طن.

ومن الأمثلة على الحوادث المأساوية لتلوث المياه بالزئبق ما حدث في ميناء مينا ماتا اليابانية عام 1956، إذ انتشر وباء غامض أصاب الحيوانات الداجنة وعائلات الصيادين أدى إلى خلل في النطق، وسوء في الرؤية، وشلل عضلات اليدين والأرجل، ومات منه حسب الإحصائيات الرسمية أكثر من 230 شخصا، ولحق ضرر كبير بأكر من 1300 آخرين. كما قد لوحظ خلل وراثي عند أطفالهم.

وقد تبين بعد عشر سنوات من الدراسة أن هذا المرض، الذي سمي باسم الميناء الذي حدث فيه (مينا ماتا)، راجع إلى طرح أحد مصانع المواد البلاستيكية فضلات سائلة في البحر تحتوي على عنصر الزئبق بتركيز ضئيل جدا لا يتجاوز 0.1 جزء في المليون. ولكن نتيجة لقابلية الزئبق للتراكم في أجسام الكائنات الحية خلال السلسلة الغذائية، وصل تركيز الزئبق في أنسجة بعض الأسماك، التي تعيش في خليج مينا ماتا، إلى حوالي 50 جزء في المليون، أي أن معامل تراكم الزئبق وصل في هذه الحالة إلى 500 مرة في أنسجة الأسماك التي تشكل الغذاء الرئيس للصيادين وعائلاتهم، مما أدى إلى تسممهم بالزئبق.

(3) الكادميوم

الكادميوم Cadmium (Cd) هو أحد العناصر التي تعد من الأغذية النزرة بالنسبة للنباتات، عندما يكون تركيزة منخفضاً، إلا أنه يصبح ساماً للأحياء المائية عندما يزداد تركيزه عن المستوى العادي ولو قليلاً. ويوجد عنصر الكادميوم طبيعياً كأحد مكونات المعادن الموجود في القشرة الأرضية بمتوسط تركيز يبلغ نحو 0.18 جزء في المليون. أما نسبة تركيز الكادميوم في التربة فتراوح عادة بين 0.01 و1.8 جزء في المليون. أما في المياه الطبيعية فيحدث أن يصل تركيزه بشكل طبيعي إلى أقل من 0.1 ميكروجرام في اللتر الواحد، إلا أنه في البيئات المتأثرة بالنشاطات البشرية، قد يصل تركيز الكادميوم في المياه الطبيعية إلى عدة ميكروجرامات في اللتر الواحد. وتتمثل المصادر الرئيسية لعنصر الكادميوم بفعل النشاط البشري في مصانع تنقية الزنك، وعمليات حرق الفحم الحجري، ونفايات التعدين، ومصانع الحديد والصلب، ومصانع الأصباغ، والمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية.

ويعتمد تأثير عنصر الكادميوم على الأحياء المائية على الهيئة التي يوجد بها الكادميوم، التي كل منها له سمية مختلفة، ومعاملات تراكم في الكائنات الحية. ففي المياه العذبة ذات المحتوى الجيد من الأكسجين، والمحتو القليل من الكربون العضوي، يكون الكادميوم موجوداً بشكل أساسي على شكل كادميوم حر ثنائي الشحنة. أما في المياه المالحة التي يزيد فيها تركيز الأملاح على 35 جرام لكل كيلوجرام من الماء فإن معتقدات كلوريد الكادميوم تكون هي السائدة.

كما يعتمد تأثير عنصر الكادميوم على الأحياء المائية على نوعية الماء خاصة عسر الماء Water Hardness والذي يعتمد على تركيز أيونات كل من الكالسيوم Ca2+ والماغنسيوم Mg2+. فكلما زاد عسر الماء كلما قل تأثير التركيز الكلي للكادميوم على الأحياء المائية. لذلك، نجد أن الأحياء الموجود في المياه العذبة تتأثر بعنصر الكادميوم عند مستويات أقل من تركيز الكادميوم في الماء عن تلك المستويات الذي يحدث بها التأثر نفسه في المياه المالحة.

كذلك يعتمد تركيز الكادميوم الذي يبدأ عنده تأثير السمية على فصيلة الكائن الحي، وحجمه وعمره، وعلى المدة التي يتعرض لها الكائن الحي لهذا التركيز المعين من عنصر الكادميوم في المياه الطبيعية. لذلك، نجد أن الأنواع المختلفة من الكائنات الحية تتباين درجة تحملها لسمية الكادميوم الحادة في المياه العذبة (انظر جدول بعض الكائنات الحية في المياه العذبة مرتبة حسب درجة تحملها لسمية الكادميوم الحادة) عنها في المياه المالحة (انظر جدول بعض الكائنات الحية في المياه المالحة مرتبة حسب درجة تحملها لسمية الكادميوم الحادة) وكذلك تختلف عن سمية الكادميوم المزمنة (انظر جدول بعض الكائنات الحية في المياه العذبة مرتبة حسب درجة تحملها لسمية الكادميوم المزمنة).

ويعد عنصر الكادميوم من المعادن الثقيلة العالية السمية والتي تتراكم في أجسام الكائنات الحية عبر السلسلة الغذائية. ويعد خلل العظام وتغير تركيبة الدم وفقر الدم من أبرز أعراض التسمم عنصر الكادميوم. وتتلقى مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار كميات كبيرة من عنصر الكادميوم تقدر بأكثر من 1000 طن سنويا. ويعد مرض ايتاي-إيتاي، الذي ظهر في منطقة إيتاي باليابان، من أبرز الحوادث المأساوية لتلوث المياه بعنصر الكادميوم. إذ كانت المعامل في منطقة إيتاي تلقي بمخلفاتها الحاوية على عنصر الكادميوم في نهر دزينتا، الذي تستخدم مياهه في ري محصول الأرز. ومع تراكم عنصر الكادميوم في أجسام المواطنين المحليين الذين يقتاتون على الأرز إلى مستوى السمية، أصيبو بأعراض مختلفة كثيرا ما كانت تؤدي إلى الوفاة.

هـ. المخلفات البشرية السائلة

تشكل المخلفات البشرية السائلة، أو ما يسمى بمياه الصرف المدني، مصدراً مهماً من مصادر تلوث المياه، لأن هذا النوع من المخلفات غالباً ما يقذف في المسطحات المائية دون أي معالجة مسبقة، خاصة وأن معدلات استهلاك المركبات العضوية والكيماوية في المنازل قد تضاعفت في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. وتأتي المنظفات في مقدمة المركبات الكيماوية التي أخذ استهلاكها بالتزايد السريع في السنوات الأخيرة. وتدل بعض الدراسات على أن أثر المنظفات الكيماوية على البيئة المائية كبيراً جداً، لأن أغلب المنظفات الحالية غير قابلة للتفكك الحيوي Non-bio-degradable كما أنها سامة للكائنات الحية.

و. المواد المشعة

يُعد تلوث المياه بالمواد المشعة من أشكال تلوث الماء الشديدة الخطورة. والمصدر الرئيسي للمواد المشعة في المياه يأتي من التجارب النووية، والمفاعلات والمحطات النووية، ودفن النفايات الذرية في أعماق البحار. وتنتقل هذه المواد المشعة عبر السلسلة الغذائية، خاصة الطافيات النباتية والطحالب المختلفة التي وصل تركيز المواد المشعة في أنسجتها في بعض البحار إلى أضعاف تركيز المواد المشعة في مياه البحر الذي تعيش فيه هذه الطحالب. ولأن هذه الطحالب هي الغذاء الرئيسي لكثير من الكائنات الحية في البحار، فقد انتقلت وتركزت هذه المواد المشعة في أجسام الأسماك وفي النهاية إلى الإنسان.

ز. المبيدات

لقد رش من المبيدات الحشرية والعشبية والفطرية خلال الربع الأخير من القرن العشرين وحده بضعة ملايين من الأطنان على مستوى العالم. وهذه المبيدات الكيماوية تنحل في الماء وتصل في النهاية إلى الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات والمياه الجوفية. وقد أكدت الدراسات العديدة على وجود المبيدات الكيماوية، خاصة مادة الدي دي تي D.D.T.، في مناطق مختلفة، مثل بحر البلطيق، وبحر قزوين وبحر الشمال، والبحر الأيرلندي، وفي شواطئ إنجلترا والبرتغال وأسبانيا وغيرها من الدول، التي تستعمل، أو استعملت هذا المادة، بكثافة في الماضي. وتشير المعلومات إلى أن تلوث المياه بالمبيدات الكيماوية، أدى إلى نقص كبير في احتياطي الأسماك في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وغيرها. أما بحر البلطيق فقد نقص إنتاجه الأولي بشكل كبير، حيث انخفضت كثافة الطحالب الخضراء، التي تنتج المادة العضوية وتطلق الأكسجين. ومع انتقال المبيدات الكيماوي عبر السلسلة الغذائية من المياه إلى الطحالب، والنباتات المائية، ثم الحيوانات التي تراكمت هذه المبيدات في أجسامها إلى تراكيز عالية تفوق عشرات المرات تركيز هذه المبيدات في المياه التي تعيش فيها.

ومثال ذلك، ما حدث في مستنقعات جزيرة لونج أيلاند Long Island قرب مدينة نيويورك بشرق الولايات المتحدة الأمريكية حيث رشت مستنقعات الجزيرة بمادة الدي دي تي لمدة سنوات متتالية، بغرض القضاء على البعوض. وكان تركيز مادة الدي دي تي في مياه هذه المستنقعات منخفضاً بحيث لا يؤثر على الكائنات المائية، ولكن ما غاب عن الأذهان عند استعمال هذا المبيد، هو أن مثل هذا المبيد الكيماوي صعب التفكك، ويبقى فترة طويلة محتفظاً بسميته خلال انتقاله عبر السلسلة الغذائية. وكانت نتيجة رش مستنقعات الجزيرة بهذه المادة انتقالها عبر السلسلة الغذائية من الماء إلى الطافيات النباتية والنباتات المائية الأخرى التي تعيش في هذه المستنقعات، ثم إلى الأسماك التي تتغذى على هذه النباتات، ومنها إلى الأسماك المفترسة والطيور التي تأتي في قمة السلسلة الغذائية. ومع انتقال مادة الدي دي تي في السلسلة الغذائية، كان يزداد تركيزها، إذ كان تركيزها في مياه المستنقعات حوالي 0.0005 جزء في المليون، بينما وصل تركيزها في بعض الطيور التي تعيش على الأسماك المفترسة إلى أكثر من 26 جزء في المليون. (انظر جدول تراكم مبيد الـD. D. T. عبر السلسلة الغذائية).

أما المثال الثاني على تراكم المبيدات الكيماوية عبر السلسلة الغذائية فهو ما حدث في بحيرة بيج بير Big Bear في ولاية كاليفورنيا بغرب الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغ تركيز مركب التوكسافين 0.015 جزء في المليون في مياه البحيرة، بينما وجد هذا المبيد الكيماوي في الطافيات النباتية التي تعيش في البحيرة بتركيز 16 جزء في المليون، وفي أنسجة الأسماك بتركيز 87 جزء في المليون، أي أن معامل تراكم مركب التوكسافين وصل إلى 580 مرة في مياه البحيرة الملوثة بهذه المادة والأسماك التي تأتي في مرحلة متقدمة في السلسلة الغذائية في هذه البحيرة.

وتأثير المبيدات الكيماوية على الكائنات الحية يختلف حسب نوع الكائن الحي والمبيد. فمثلاً نجد أن البناء الضوئي في الطافيات النباتية يتأثر بتراكيز منخفضة جداً من مادة الدي دي تي. كما أن أجناس من القرديس Crevettes تتأثر تأثراً بالغاً، وقد تموت أحياناً، إذا تعرضت لتراكيز منخفضة جداً من مادة الدي دي تي لا يتجاوز 0.01 جزء في المليون. أما الرخويات والأصداف فيظهر عليها اضطرابات سلوكية وتنعزل إذا تعرضت لمادة الدي دي تي، ما يمنعها من التغذية. كذلك تتأثر الأسماك بالمبيدات الكيماوية خاصة مادة دي دي تي، حيث يحدث إعاقة لنمو بيض الأسماك وهي ما تزال داخل الجيب الجيني، وقد وجد تركيز عالي لمادة الدي دي تي في الأعضاء التناسلية لبعض الأجناس من الأسماك يصل إلى عشرة أضعاف وأكثر من تركيز هذه المادة في بقية أنسجة هذه الأسماك نفسها، ما قد يفسر انخفاض معدلات الخصوبة لهذه الأسماك المتأثرة.

ومن بين الحيوانات التي تتأثر بصورة بالغة بالمبيدات الكيماوية الطيور، فالدراسات التي أجريت في ولاية كاليفورنيا، بغرب الولايات المتحدة الأمريكية، وولاية فلوريدا، بجنوب شرقها، وفي الولايات المكسيكية، على طيور البجع، وغيرها، بينت أن قشرة بيض هذه الطيور كانت رقيقة جداً لدرجة أن الطيور تكسرها عندما ترقد عليها لحضنها، ما يشير إلى اختلال مقدرة الطيور البالغة على تمثيل الكالسيوم، بسبب التركيز العالي لمادة الدي دي تي في أجسامها.

ح. المخصبات الزراعية

عندما تستخدم المخصبات الزراعية، أو الأسمدة الكيماوية، بقدر أكبر من المطلوب، فإن الجزء من هذه الأسمدة الزائد عن حاجة النبات، يتبقى في التربة، ومع هطول الأمطار، أو ري التربة الزراعية، على الأسمدة الزائدة في التربة، يذوب جزء من هذه الأسمدة في الماء المتغلغل إلى أسفل قطاع التربة، ومن ثم ينتقل إلى المياه الجوفية. والمياه الجوفية المتلوثة بهذه المخصبات تصل إلى الأنهار والبحيرات، إما بطريقة طبيعية، أو عن طريق قنوات الصرف الزراعي. كما أن هذه المخصبات قد تصل إلى الأنهار والبحيرات من طريق المياه الجارية على السطح إلى تجرف معها التربة والمخصبات معاً، لتلقي بها في الأنهار والبحيرات، ليتم ذوبانها في الماء هناك.

ومن أهم الأسمدة الكيماوية المستخدمة لتخصيب الترب الزراعية، والتي تؤدي إلى تلوث المياه مركبات الفوسفور والنترات.

(1) مركبات الفوسفور

تبلغ كمية مركبات الفوسفور التي تحملها مياه الصرف الزراعي، ومياه الجريان السطحي، والمياه الجوفية، من المناطق الزراعية، إلى المسطحات المائية قدراً لا يستهان به، بل إنه في أحيان كثيرة، تزيد كمية مركبات الفوسفور المنقولة إلى المسطحات المائية من المخصبات الزراعية، على كميات مركبات الفوسفور الواردة إلى المسطحات المائية، من طريق مياه الصرف الصحي والصناعي.

ومركبات الفوسفور مركبات ثابتة من الناحية الكيماوية، أي إنها لا تتفكك بسرعة، بل تبقى في التربة والمياه زمناً طويلاً. كما تتصف مركبات الفوسفور بسميتها لكل من الإنسان والحيوان، إذا وصل تركيزها في الجسم إلى حد معين.

ويقود ارتفاع نسبة مركبات الفوسفور في مياه البحيرات إلى زيادة في نمو الطحالب وتكاثرها، إلى حد لا تستطيع الحيوانات الصغيرة وغيرها في البحيرة استهلاك هذه الكميات من الطحالب، ما يجعل قدر كبير من هذه الطحالب يموت ويرسب في قاع البحيرة، ليتم تحلله هناك. ويتطلب تحلل بقايا الطحالب المترسبة في قاع البحيرة نسبة عالية من الأكسجين المذاب في الماء. ويتم هذه الطلب الزائد على الأكسجين المذاب في الماء على حساب احتياجات الحيوانات المائية في البحيرة، ما يجبر هذه الحيوانات للهجرة من البحيرة التي تدنت فيها نسبة الأكسجين المذاب.

وكلما اختفت أو هاجرت الحيوانات من البحيرة، ازداد نمو وتكاثر الطحالب، بسبب عدم وجود من يستهلكها. وبهذه الطريقة يتسارع تكاثر الطحالب في البحيرة وهجرة الحيوانات منها، ما يسبب انقطاعاً في السلسلة الغذائية لنظام البحيرة. ويعرف هذا الخلل في النظام البحيري علمياً، باسم اضطراد النمو البيولوجي Eutrophication.

(2) مركبات النترات

لقد وصل تركيز مركبات النترات في بعض المسطحات المائية، في المناطق الزراعية، التي تستعمل فيها المخصبات بكثافة، إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ فقدت بعض هذه المسطحات المائية صلاحيتها كمصدر لماء الشرب، والبعض الآخر مهدد بظاهرة اضطراد النمو البيولوجي.

وتكمن الخطورة الحقيقة لمركبات النترات، في أن جزء منها يتحول من طريق الاختزال إلى أيون النيتريت، الذي يسبب أضراراً بصحة الإنسان. فقد أكدت الدراسات أن أيون النتريت يؤثر مباشرة في الدم، فيغير من طبيعته إلى حد ما، ويمنعه من القيام بوظيفته الرئيسية الخاصة بنقل الأكسجين من الرئتين إلى جميع خلايا الجسم. فيعتقد أن أيون النيتريت يعطل عمل بعض الأنزيمات التي تختزل الحديد، في هيموجلوبين الدم، من حالته ثلاثية التكافؤ Fe3+ إلى حالته ثنائية التكافؤ Fe2+ وعندها يفقد الهيموجلوبين قدرته على نقل الأكسجين، ما يحدث التسمم. ويرى بعض العلماء أن تلوث مياه الشرب بالنترات يؤدي إلى بعض الأعراض المرضية الأخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم، وظهور بعض الأنواع من الحساسية. كما أن هناك اعتقاد بين العلماء، أن أيون النتريت، يتحد مع بعض المواد الموجودة في أجسام الكائنات الحية، ويعطي مركبات النتروزامين Nitrosamines، التي تسبب حدوث أورام في المريء والمعدة، والبنكرياس، وبصفة خاصة في الكبد والرئتين، كما يعتقد أن هذه المركبات ضمن الأسباب المؤدية إلى بعض الأورام الخبيثة.

2. المحافظة على المياه من التلوث

لكي لا تكون المياه سبباً في الأمراض، وتدهور الحياة على سطح الأرض، فلا بد من حمايتها من التلوث بجميع أنواعه. ومن أهم سبل حماية المياه من التلوث، تأمين الماء النقي، لجميع الناس بشكل كافٍ، وسن القوانين والتشريعات لحماية المياه الطبيعية، ومعالجة المخلفات البشرية والصناعية السائلة قبل صرفها للمسطحات المائية.

أ.  تأمين الماء النقي

المياه النقية هي المياه الخالية من البكتيريا والفيروسات ومن المواد الكيماوية الضارة، ومن المواد التي تغير اللون أو الطعم. وتستمد هذه المياه عادة من الأمطار، والأنهار، والمياه الجوفية، ومياه البحر المحلاة. وجميع هذه المياه يجب معالجتها بالطرق المناسبة لتصبح صالحة للاستهلاك الآدمي، بحيث لا يصل فيها تركيز الملوثات إلى الحد الذي يحدث ضرراً على صحة الإنسان. ومن أهم الملوثات التي يجب التأكيد عليها هي المعقمات المضافة لمياه الشرب (انظر جدول الحد الأعلى المسموح به لتركيز المعقمات في مياه الشرب حسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأمريكية)، والكيماويات العضوية (انظر جدول الحد الأعلى المسموح به لتركيز الكيماويات العضوية في مياه الشرب، حسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأمريكية)، والكمياويات غير العضوية (انظر جدول الحد الأعلى المسموح به لتركيز الكيماويات غير العضوية في مياه الشرب، حسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأمريكية)، والمواد المشعة (انظر جدول الحد الأعلى المسموح به لتركيز الجسيمات المشعة في مياه الشرب، حسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأمريكية).

ب. الإجراءات الضرورية لوقاية المياه الطبيعية من التلوث

يتطلب المحافظة على المياه الطبيعية من التلوث العديد من الإجراءات وسن القوانين والتشريعات. ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات بناء محطات معالجة المياه الصناعية الملوثة، ومياه المخلفات البشرية السائلة، والمياه المصروفة من المسالخ والمدابغ، وغيرها. إضافة إلى إصدار المواصفات والقوانين، التي تحدد المستويات المختلفة للملوثات، التي قد تضر أو تنقص من قيمة المياه الطبيعية، والمياه التي يتم صرفها إلى المياه الطبيعية من الاستعمالات المدنية والصناعية والزراعية. وتنص هذه المواصفات والقوانين على ألا يتعدى تركيز الملوثات المحددة تركيز معين يعتقد أنه أعلى تركيز يمكن أن يضمن سلامة وصلاحية المياه الطبيعية، دون أن تكون تكاليف تحقيقه باهظة، وذلك في كل من مياه الصرف في المجاري العامة (انظر جدول الحد الأعلى لتركيز الملوثات المسموح به في المخلفات السائلة التي يمكن صرفها إلى المجاري العامة) ومياه الصرف المستخدمة في الزراعة (انظر جدول الحد الأعلى لتركيز الملوثات المسموح به في مياه الصرف الصحي المستعمل للزراعة).والمياه الطبيعية التي يتم الصرف إليها (انظر جدول الحد الأعلى لمستوى الملوثات في المياه الطبيعية حسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأمريكية).