إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

7. القنوات الملاحية

تتشابه القنوات الملاحية مع المضايق، فكل منهما يصل بين مسطحين مائيين، ويمكن اعتبارها مضايق اصطناعية ضيقة جداً. وقد تقع القنوات الملاحية عند مستوى سطح البحر مثل قناة السويس. وقد تقع فوق مستوى سطح البحر مثل قناة بنما وتمر بها السفن بمساعدة الأهوسة. وتُعتبر قنوات السويس، وبنما، وكيل، من أهم القنوات الملاحية في العالم، ويمكن إضافة القناة الروسية، التي تصل بين البحر الأبيض الروسي وبحر البلطيق، وهي قناة داخلية لاستخدام روسيا فقط وليست مفتوحة أمام الملاحة الدولية. وهناك فكرة لشق قناة في برزخ كرا على الحدود بين الملايو وتايلاند، وأخرى في نيكاراجوا بأمريكا الوسطى لمساعدة قناة بنما.

أ. قناة السويس

تربط قناة السويس بين البحرين الأحمر والمتوسط كما توضح (خريطة قناة السويس)، وهي تُعد من أقدم القنوات الملاحية وأكثرها أهمية من حيث الحمولة المارة بها. وقد افتتحت القناة سنة 1869. ويبلغ طولها حوالي 193.5 كيلومتراً بما في ذلك مجراها في البحيرات المُرة وبحيرة التمساح وتفريعاتها. ويراوح عرضها بين 300 ـ350 متراً. وقد قامت الحكومة المصرية بعمل تفريعات للقناة زادت من طولها بمقدار الثلث.

وقد أدى افتتاح القناة إلى تقصير المسافة بين موانئ غرب أوروبا والهند بحوالي ثمانية آلاف كيلومتر. وعملت على تقليل أهمية طريق رأس الرجاء الصالح إلى أدنى حد، فيما عدا وقت الأزمات. ويُطلق على قناة السويس في الوقت الحاضر اسم قناة الزيت، لأن أكثر من 70 % من الحمولة التي تمر بها عبارة عن بترول.

وقد اتفقت تسع دول على توقيع معاهدة القسطنطينية 1888 الخاصة بالملاحة في القناة. ونصت المعاهدة على أن تكون قناة السويس البحرية حرة ومفتوحة دائماً، في وقت الحرب والسلم، لكافة أنواع السفن الحربية والتجارية، من دون تفرقة بين الأعلام التي ترفعها السفن. وتعهدت الدول الموقعة على الاتفاقية بعدم التدخل في حرية الملاحة بالقناة في وقت السلم والحرب. وهذا لم يمنع إنجلترا من أن تحتل مصر وتأخذ انتداباً على فلسطين من أجل السيطرة على القناة وحمايتها من جهة الشرق. وعندما انتهى احتلال إنجلترا لمصر، احتفظت الأولى بقوات عسكرية في منطقة القناة، ولم تنسحب إلاّ في سنة 1954.

وسيطرت فرنسا على أكثر من نصف رأسمال شركة قناة السويس. بينما استطاعت إنجلترا أن تشترى حصة من نصيب مصر في رأسمال الشركة سنة 1875 وبذلك أصبحت تمتلك 44% من رأسمال الشركة. وكان امتياز الشركة يمتد إلى 99 سنة، أي كان سينتهي سنة 1968. والقناة ذات أهمية حيوية لإنجلترا، بل لكثير من دول العالم. وكونت السفن البريطانية 17% مـن البواخر، التي عبـرت قناة السويس سنة 1966، وتليهـا سفن ليبيريا 12.8% والنـرويج 10.7% واليونان 7%، واتحاد السوفيت 7%، وإيطاليا 6%، وفرنسا 5.2%.

وأممت مصر شركة قناة السويس في 26 يوليو 1956. وأدى هذا إلى العدوان الثلاثي على مصر في العام نفسه. ويرجع السبب الحقيقي في هذا العدوان إلى أن إنجلترا وفرنسا ظنتا أن حركة الملاحة في القناة ستضطرب. وأثبتت الأيام عكس ذلك، وظلت القناة تعمل بكفاءة تامة، وبقيت مفتوحة لكافة جنسيات السفن ونوعيتها باستثناء حالة واحدة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن مصر كانت في حالة حرب مع إسرائيل، وتعطيها اتفاقية القسطنطينية حق منع سفن الدول المتحاربة معها من المرور في قناة السويس. وكانت إسرائيل تدعى انتهاء حالة الحرب مع مصر بعقد اتفاقية الهدنة معها في 24 فبراير 1949 وبالتالي عدم شرعية الإجراءات المصرية. وجاءت حرب الأيام الستة في 5 يونيه 1967، التي تمخض عنها ضربة خطيرة بالنسبة لمستقبل قناة السويس نتيجة إغلاقها. وأعيد فتح القناة للملاحة العالمية في 5 يونيه 1975، وقد كان هذا هو الإغلاق الثاني للقناة بسبب الأعمال الحربية على ضفافها. فقد سبق أن أغلقت سنة 1956 أيام حرب السويس، التي تعرف باسم العدوان الثلاثي على مصر، والذي شاركت فيه كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ، وقد تأثرت مصالح العالم التجارية بسبب هذا الإغلاق، حيث كان مفاجئاً ولم يكن هناك بديل ملاحي سوى طريق رأس الرجاء الصالح، الذي تطول مسافته، وتطول زمن الرحلة فيه، بما يؤثر على تكلفة النقل البحري وأسعار المنتجات، والمواد المنقولة، وهذا عكس الإغلاق الثاني، الذي تأثرت به مصر، حيث كان العالم قد طور من الناقلات وأصبحت الناقلات العملاقة هي دعامة النقل البحري، ولم تكن قناة السويس قادرة على استيعاب هذا النوع من الناقلات. وتضمن اتفاق فصل القوات الذي عقد في أغسطس 1975 بين مصر وإسرائيل السماح للشحنات الإسرائيلية غير العسكرية بالمرور في قناة السويس. ثم جاءت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1976، لتنهى أي حظر على الملاحة الإسرائيلية في القناة.

ولقناة السويس دور سياسي كبير، فتاريخ مصر الحديث هو جزئياً تاريخ القناة، وأصبحت القناة عنق مصر، فمن أراد قتلها عليه بالمقتل وهو القناة. وسهلت القناة استعمار المناطق الواقعة للشرق منها. فالبعض يقول إن القناة جنت على الشرق، بينما يعتقد الآخرون بأن الشرق جنى على مصر.

ويمكن تمييز دورين إستراتيجيين للقناة

(1) الإستراتيجية القديمة: عندما احتلت إنجلترا مصر ومشارفها من الشمال والجنوب الممثلة في قبرص وعدن أصبحت القناة عنق الإمبراطورية البريطانية، وحاول أعداء إنجلترا في الحربين العالميتين الأولى والثانية دق هذا العنق ولم يفلحوا، لأن بريطانيا استماتت في الدفاع عن هذا الممر، الذي يربط بين أجزاء إمبراطوريتها ويُقصر المسافة بينها.

(2) الإستراتيجية الجديدة: طرأت أربعة متغيرات منذ منتصف القرن العشرين هي: ثورات الاستقلال والتحرير وتصفية الاستعمار من المنطقة، وتدفق البترول بغزارة هائلة في منطقة الخليج العربي، ونشأة إسرائيل في فلسطين شرق القناة، وحدوث الانقلاب النووي.

فقد تحررت المنطقة من الاستعمار، وانتعش فيها التيار القومي. وبتدفق البترول في منطقة الخليج العربي انتقلت إليها بعض الأهمية السياسية من القناة. وأصبح للشرق الأوسط قلبان هما الخليج العربي منبع البترول، وقناة السويس، شريان مرور البترول إلى مصبه في أوروبا. وأصبحت القناة تابعة للخليج بعد أن كان الخليج تابعاً لها.

وقناة السويس ممر للتجارة العالمية وقت السلم وهي أيضاً سلاح سياسي وإستراتيجية حرب تصل انعكاساتها إلى كل البحار والمحيطات السبعة، لمرور الأساطيل الحربية فيها، فهي موقع حاكم في استراتيجية الصراع البحري العالمي، كما أنها تُمثل عقدة مركزية في الملاحة والتجارة العالمية. وعمل الانقلاب النووي بصاروخه عابر القارات على اختزال عنصر المسافة. ومن ثم ضاعت الأهمية الإستراتيجية لقناة السويس في ظل الانقلاب النووي. ولكن أهميتها الاقتصادية تتدعم بمرور الوقت.

وخلال فترة إغلاق قناة السويس، والممتدة بين عامي 1967 ـ 1975، أنشأت إسرائيل خطاً لنقل البترول من إيلات على خليج العقبة إلى أشدود على ساحل البحر المتوسط بطاقة تبلغ نحو 60 مليون طن سنوياً. وبالمثل أنشأت مصر بالاشتراك مع السعودية، والكويت، وقطر، والإمارات العربية خط سوميد بين العين السخنة على خليج السويس وسيدي كرير على ساحل البحر المتوسط، بطاقة تصل إلى 120 مليون طن سنوياً. وأثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988) أنشئ خط أنابيب لنقل بترول العراق إلى تركيا تفاديا لقناة السويس. كما أن الناقلات العملاقة، التي يزيد غاطسها عن عمق القنـاة (56 قدماً فأكثر) تدور حول رأس الرجاء الصالح، لذا فهذا الطريق يُعد منافساً لقناة السويس.

وقد بلغت عوائد المرور بالقناة نحو 1300 مليون دولار سنة 1988. وعبرت القناة نحو 15 ألف سفينة، تبلغ حمولتها نحو 355 مليون طن، بلغ دخلها 2 مليار دولار سنة 1996، لذا تمثل قناة السويس أحد مصادر الدخل القومي الرئيسية لجمهورية مصر العربية.

ب. قناة بنما

تمر هذه القناة في دولة بنما، وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتم افتتاحها سنة 1914 وهي تربط بين المحيط الأطلسي في الشرق والمحيط الهادي في الغرب، كما توضح (خريطة قناة بنما)، وشقت هذه القناة لتفادى الدوران عن طريق رأس هورن ـ الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية ـ ولتجنب الملاحة الخطرة، وتقصير المسافة، وتقليل النفقات. وتُعد الملاحة في قناة بنما أكثر صعوبة عن نظيرتها في قناة السويس لأن الأولى تعتمد على الأهوسة، لذا ترتفع تكلفة صيانتها وبالتالي رسوم المرور فيها. وقد نصت اتفاقية هيي Hay Pauncefote سنة 1912 على أن تبقى القناة حرة ومفتوحة أمام جميع السفن التجارية والحربية في وقت السلم والحرب بمساواة كاملة. كما نصت المعاهدة على عدم اتباع سياسة التفرقة بخصوص سفن ورعايا أي دولة تستخدم القناة.

ونظراً لتعرض كل من قناة بنما وقناة السويس للإغلاق بسبب الحروب، فإن هذا يعرض مستقبلهما للخطر. ويدل على ذلك أن الولايات المتحدة اتفقت سنة 1914 مع نيكاراجوا على أن تسمح لها بشق قناة بديلة لقناة بنما في أرضها، إذا ما تعرضت هذه القناة للخطر. وتوارت هذه الفكرة في الوقت الحاضر، بعد أن تحولت نيكاراجوا إلى دولة يسارية. وعبرت قناة بنما سنة 1988 حمولة 20 ألف سفينة، تمثل حمولتها ثلث الحمولة المارة في قناة السويس. وستجلو الولايات المتحدة عن قناة بنما سنة 2000، وذلك بمقتضى اتفاقية 22 أكتوبر 1977 بينها وبين بنما، وتنص على:

(1) استمرار ملكية الولايات المتحدة للقناة حتى 31 ديسمبر 1999، واعتباراً من أول يناير سنة 2000 تصبح القناة ملكاً لبنما.

(2) إزالة القواعد الأمريكية تدريجياً، وإنهاء وجودها سنة 1999.

(3)    مشاركة الوطنيين في إدارة القناة وزيادة عددهم تدريجياً حتى تصبح لهم الإدارة بالكامل في نهاية مدة الاتفاقية.

(4)    حصول بنما على عائد سنوي يراوح بين 40 ـ 70 مليون دولار من دخل القناة، إضافة إلى مبلغ 340 مليون دولار تقدمها الولايات المتحدة لبنما في شكل مساعدات.

(5) حياد القناة والسماح للولايات المتحدة بالتدخل، إذا ما تعرض هذا الحياد والملاحة فيها للتهديد.

ج. قناة كييل

تقع قناة كييل في أقصى جنوب شبه جزيرة الدانمارك، راجع (خريطة مضايق الدنمارك). وشق الألمان هذه القناة سنة 1914، وذلك بهدف تقصير المسافة بين مواني ألمانيا الواقعة على بحر البلطيق وبحر الشمال، وذلك لتفادي المرور في مضايق الدانمارك حول شبه الجزيرة الدانماركية. وكانت لهذه القناة أغراض تجارية وأهداف استراتيجية. وظلت هذه القناة بلا اتفاقيات دولية لتنظيم الملاحة فيها، وتحت السيطرة الألمانية المطلقة حتى سنة 1919، وجاءت معاهدة فرساي لتنص على فتح القناة للتجارة السلمية لكافة الدول. وصدر بناء على ذلك قرار من محكمة العدل الدولية ينص على أن قناة كييل طريق مائي دولي، مهمتها تسهيل الحركة الملاحية لكل الدول إلى بحر البلطيق، وأن القناة يجب أن تكون مفتوحة لكافة أنواع السفن التجارية والحربية دون تفرقة. وألغت ألمانيا سنة 1936 كل هذه النصوص من جانبها وحدها. وأقامت التحصينات العسكرية على ضفاف القناة، وسمحت لسفن الدول الصديقة لألمانيا فقط بالمرور فيها، وقد أعيد فتح القناة مرة ثانية لكافة أنواع السفن، تجارية وحربية، من مختلف الجنسيات، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.