إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الكويت منذ النشأة حتى الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913





أمراء أسرة الصباح
نسب آل رشيد
حكام الكويت من أسرة الصباح
حكام بني خالد

منطقة "كاظمة" القرين
آسيا التركية
الخليج العربي عام 1774
الكويت تحت اسم الكويت والقرين
الكويت عام 1863
الكويت في 29 يوليه 1913
الكويت في 29 يوليه 1913(إنجليزية)
الكويت في أواخر القرن التاسع عشر
توزيع القبائل العربية في الخليج
خريطة هولندية



ثالثاً: تطور الأوضاع الداخلية في الكويت، من منتصف القرن 18 حتى أوائل القرن 19

ثالثاً: تطور الأوضاع الداخلية في الكويت، من منتصف القرن 18 حتى أوائل القرن 19

1. حكام الكويت

بدأ انفراد أُسرة الصباح بحكم الكويت، منذ منتصف القرن الثامن عشر، خاصة بعد هجرة آل خليفة، ثم الجلاهمة، إلى الزبارة. ولم تؤثر هذه الهجرة في وضع آل الصباح الذين ظلوا محتفظين بزعامتهم واستقرارهم، إذ إن الهجرات القادمة من شبه الجزيرة العربية، ومن بعض مناطق الخليج الأخرى، عوضت الكويت عن تناقص عدد سكانها. ومضى آل الصباح يدفعون الكويت إلى مزيد من الثروة والازدهار، وساعدهم على ذلك ميناء الكويت، وموقعه الجغرافي الممتاز، الذي حقق لهم الفوز على جميع منافسيهم في تجارة الخليج الأعلى.

وثمة اتفاق بين أغلب المصادر التاريخية، على أن حكم الكويت استقر بأُسرة الصباح، منذ منتصف القرن الثامن عشر. وقد تعاقب على حكم الإمارة، منذ ذلك التاريخ حتى عام 1899، سبعة حكام من أُسرة الصباح. (أُنظر شكل حكام الكويت من أسرة الصباح )، و(شكل أمراء أسرة الصباح).

أ. صباح الأول بن جابر (1756 ـ 1762)

يشير العديد من المصادر إلى أنه أول من حكم إمارة الكويت، من أُسرة الصباح. وباسمه تسمَّت الأسرة الحاكمة فيها. ولا توجد معلومات دقيقة وموثقة، سواء عن السنة التي تولى فيها صباح الأول بن جابر الحكم، أو عن السنة التي فيها توفي[1]. وتذكر المصادر أن أهل الكويت من الأُسَر العتوبية، بعد أن ازداد عددهم، وخالطهم الأجانب، رأوا ضرورة أن يكون هناك أمير يدير شؤونهم، ويحل المشكلات بينهم، فاختاروا صباحاً الأول أميراً عليهم. وقد وافق صباح الأول على اختيارهم له، بعد أن اشترط نفاذ حكمه على الشريف والوضيع، كما عاهدهم على ألاّ يقطع أمراً، يتعلق بهم، من دون استشارتهم.

وتتعدد الروايات حول أسباب اختيار صباح بن جابر. فهناك من يرجع ذلك إلى زعامة والده في قومه، منذ كانوا في نجْد. وثمة من يفسر ذلك بما كان يتمتع به، من شجاعة وحكمة، فضلاً عن بروز نجمه، خلال رحلة العتوب من نجْد إلى الكويت. وأخيراً، هناك من يرجّح أن يكون سبب اختيار صباح الأول، هو إقامته طوال أيام العام بالكويت، لكونه كان يعمل في البر، خلافاً للأغلبية من سكان الكويت، الذين كانوا يعملون في البحر، سواء في صيد الأسماك واللؤلؤ، أو التجارة، فيتغيبون عن ديارهم، فترات طويلة.

ب. عبدالله الأول بن صباح الأول (1762 ـ 1812)

تختلف المصادر، كذلك، في تحديد السنة التي تولى فيها الحكم، لاختلافها في تحديد السنة التي توفى فيها والده. وهو أصغر أبناء صباح الأول. وقد اتخذت الكويت في عهده كيان إمارة، واضحة المعالم، لها أُسرة حاكمة. كما تطور سكان المدينة إلى مجتمع حضري، يشتغل بالتجارة، والغوص على اللؤلؤ، وصناعة بناء السفن. وامتد نفوذ الأسرة الحاكمة، أحياناً، إلى بعض القبائل القريبة من المدينة. وإزاء وصول الغزوات السعودية إلى منطقة الخليج، بنى عبدالله الصباح سوراً من الطين حول الميناء. وبذلك ساعد على تطور المجتمع المستقر.

ج. جابر الأول بن عبدالله الأول (1812 ـ 1859)

كان قد هجر الكويت إلى البحرين، إثر خلاف مع والده. وبعد وفاة أبيه، عهد الكويتيون إلى محمد السليمان بممارسة الحكم. وأرسلوا إلى جابر يستدعونه من البحرين. ولدى وصوله بايعوه على الإمارة. واشتهر بالكرم والجود، على الرغم من أنه لم يكن ثرياً، ولذلك، عُرف بـ جابر العيش.

د. صباح الثاني بن جابر الأول (1859 ـ 1866)

تولى الإمارة بعد وفاة والده، الشيخ جابر الأول. وأراد فرض ضرائب على التجارة، لكن أهل الكويت عارضوه، فنزل على رغبتهم.

هـ. عبدالله الثاني بن صباح الثاني (1866 ـ 1892)

اكتفى برئاسة الإمارة، واستعان بإخوته، محمد وجراح ومبارك، لمساعدته على إدارة شؤونها. فتولى أخوه محمد شؤون الحضر. وتولى جراح الشؤون المالية. أما مبارك، فتولى شؤون بدو الكويت (البادية).  وقد كان لهذه الوضعية في تركيبة السلطة، إبّان عهد عبدالله الثاني، تأثيراتها في تطور الإمارة السياسي بعد ذلك.

و. محمد بن صباح الثاني (1892 ـ 1896)

تولى الحكم بعد وفاة أخيه عبدالله الثاني. وأبقى على مشاركة أخويَه جراح ومبارك في إدارة شؤون الإمارة: جراح للشؤون المالية، ومبارك لشؤون البادية. وكان لجراح دور مهم في وضع الأُسس المالية للإمارة، وتنمية موارد أُسرة الصباح، إذ عمر منطقة نخيل "الفاو"، التابعة للأسرة، وأنشأ عدداً من الدكاكين والأسواق التجارية. بينما كان لمبارك دور مهم في وضع حدّ لاعتداءات بعض قبائل البادية على الكويت. ونجح في إنشاء شبكة من العلاقات والصداقات مع شيوخ القبائل.

وسرعان ما نشبت الخلافات بين محمد وجراح، من ناحية، ومبارك، من ناحية أخرى. وانتهت إلى اغتيال مبارك أخويه، في 17 مايو 1896، وتولى حكم إمارة الكويت، منذ ذلك التاريخ حتى 1915. وهي المرة الأولى في تاريخ الكويت، التي انتقلت فيها السلطة، من خلال انقلاب دموي عنيف. ويمكن بلورة أهم الأسباب، التي أوردتها المصادر المختلفة في شأن الصراع بين الإخوة الثلاثة فيما يلي:

(1) تخوّف محمد وجراح من الطموح السياسي لمبارك، وتطلعه إلى الحكم، وذلك بحكم مؤهلاته الشخصية، التي يتميز بها عن أخوَيه؛ إذ اشتهر بالشجاعة والإقدام والفروسية. لذا، وكل إليه أخوه محمد شؤون البادية، وذلك لتحقيق أحد هدفين أو كليهما معاً، وهما إبعاده، باستمرار، إلى خارج مدينة الكويت، وإقحامه في مشكلات وخلافات مع أهل البادية، الذين قد يفتكون به. ولكن ما حدث، كان العكس تماماً، إذ استطاع مبارك إيجاد قاعدة اجتماعية، مؤيدة له، بين أهل البادية.

(2) حاجة مبارك إلى المال، إذ كان مشهوراً بالبذخ والتَّرَف، وضنّ أخوَيه عليه، على الرغم من الثراء النسبي، الذي تحقق لأُسرة الصباح، خلال فترة حكم محمد بن صباح الثاني. وقد اضطر مبارك، في إحدى الأزمات المالية، إلى السفر إلى بومباي. ويُقال إن محمداً وجراحاً، قد خصّصا لمبارك راتباً سنوياً، بعد وساطة السلطات العثمانية في البصرة، إلاّ أن الوضع لم يستمر طويلاً. مما دفع مباركاً إلى شق عصا الطاعة، والخروج على أخوَيه.

(3) وقوع محمد بن صباح الثاني، في الوقت الذي كان يستبعد أخاه مباركاً ويحدّ من سلطته، تحت تأثير ونفوذ يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، وهو من أسرة كويتية عريقة وثري من كبار تجار اللؤلؤ، وكان صهراً لأُسرة الصباح.. من ناحية الأمّ. وقد أدى دوراً مهماً في إدارة شؤون الإمارة، إبّان فترة حكم محمد، الذي قربه منه، وجعله مستشاراً له، بل أطلق يده في أمور عدة. فخشي مبارك، وهو المستبعد، والمحدود السلطة، من سيطرة هذا الثري على إمارة الكويت، بمساعدة الدولة العثمانية. وتحسباً لذلك، قتل أخوَيه، محمداً، وجراحاً ونصّب نفسه أميراً على البلاد.

(4) ضعف شوكة محمد وجراح أمام بعض قبائل البدو، الذين هاجموا الكويت مرات عديدة. جعل مباركاً يتطلع إلى السلطة، لإقرار الأمن وتوفير الحماية للكويت. فضلاً عن تخوّفه من احتمالات وقوعها تحت السيطرة المباشرة للدولة العثمانية. لذلك سعى إلى قطع الطريق أمام أي احتمالات من هذا القبيل. وهكذا، فإن انقلاب مبارك على السلطة، مردّه إلى طموحه الشخصي، من ناحية، وسوء علاقاته بأخوَيه، من ناحية ثانية، إضافة إلى تزايد الأطماع الخارجية في إمارة الكويت، من ناحية ثالثة.

ز. مبارك بن صباح الثاني (1896 ـ 1915)

نصب مبارك نفسه أميراً على الكويت في 17 مايو 1896، وبايعه أهالي الكويت على الإمارة، وعاهدهم، بدوره، على العدل والإصلاح والشورى. وقد شهدت الكويت، في عهده، تقدماً مطّرداً، واستتب بها الأمن والنظام، حتى عُدَّ المؤسس الحقيقي للكويت، وعهده هو بداية تاريخها الحديث وفي الليلة التي قتل فيها الشيخ مبارك أخوَيه، تمكن يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، الذي كان خارج الكويت، ليلتئذٍ، من الهروب إلى البصرة. ولحق به أبناء محمد وجراح آل صباح. ومنها بدأ تدبير الخطط والمكايد، التي أقلقت مباركاً. إلى أن يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، كان يعمل من أجْل تقويض حكم أُسرة الصباح في الكويت، بتحريض من الدولة العثمانية، وأنه كان يتوقع أن يُنصّب حاكماً على الكويت، نتيجة لمؤامراته مع عملاء الباب العالي، في ولايتَي، بغداد والبصرة، بل مع آل رشيد في حائل.

ارتبطت جهود يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، على الصعيدين، العسكري والسياسي، بتاريخ العلاقات الكويتية ـ العثمانية، في عهد الشيخ مبارك. ولم تتوقف، إلاّ بوفاته، عام 1906، في حائل، في جبل شمر، أي أن الحرب التي شنها ضد الشيخ مبارك، استمرت حوالي أحد عشر عاماً، أو يزيد.

   وتأسيساً على ما سبق، يمكن استخلاص نتيجتَين مهمتَين:

·   أولاهما، أن سلطة الحكم في الإمارة، قد انحصرت في أُسرة الصباح، التي اضطلعت بالدور الرئيسي في تأسيس دولة الكويت.

·   وأما النتيجة الثانية المهمة، فمفادها أنه باستثناء عملية انتقال السلطة من محمد بن صباح الثاني إلى أخيه مبارك، انتقالاً دموياً، عنيفاً، فإن كل حالات انتقال السلطة الأخرى، كانت بأسلوب سلمي، إذ تنتقل السلطة، بالوراثة، من الأب إلى الابن، وغالباً ما كان الابن الأكبر، هو الذي يرثها. إلاّ أنه كان هناك استثناءات لهذه القاعدة. فعبدالله الأول الذي خلف والده، صباح الأول، كان أصغر أبنائه. وفي بعض الحالات يخلف الأخ أخاه، بعد وفاته، مثل محمد بن صباح الثاني، الذي خلف أخاه عبدالله الثاني. ويشير بعض المصادر إلى أن الحكام غالباً ما كانوا يحصلون على مبايعة أهل الكويت، لممارسة السلطة

2. الموقف العثماني من الشيخ مبارك

تولِّي الشيخ مبارك بن صباح الثاني حكم الكويت، بعد أن قتل أخوَيه، فتح الباب للدولة العثمانية وغيرها، للتدخل في شؤون الكويت. إذ غادر أبناء الأخوَين القتيلَين، الكويت إلى البصرة، وجاء ذلك، في أغلب الظن، بعد أن اتصل بهم يوسف بن عبدالله آل إبراهيم. ومنها بدأو العمل ضد الشيخ مبارك، لإطاحته. فسعى يوسف إلى استعداء والي البصرة، حمدي باشا، على الشيخ مبارك، لإقناعه بشن هجوم على الكويت. ولم يكن لدى والي البصرة مانع من القيام بهذا الهجوم، أو على الأقل تقديم دعم، مادي ومعنوي، قوي إلى يوسف بن عبدالله، لإطاحة الشيخ مبارك، من أجل تولّي أبناء محمد وجراح، الحكم في الكويت. كما أن يوسف بن عبدالله، اتصل كذلك، بالقنصل البريطاني في الدولة العثمانية، باسم أبناء محمد وجراح، من أجْل طلب الحماية البريطانية على الكويت، إذا عملت بريطانيا على توليهم الحكم.

وفي الوقت نفسه، عمل الشيخ مبارك، حاكم الكويت، على الاتصال برجب باشا، والي بغداد، والشيخ أبي الهدى الصيادي، شيخ الإسلام في إستانبول، لإقناعهما بالضغط على والي البصرة ليتراجع عن محاولة الهجوم على الكويت. وقد كان له ذلك، بل إن والي بغداد، أقنع الباب العالي بأن ما حدث في الكويت يُعَدّ أمراً عادياً. وحيال شعور العثمانيين بأخطار التنافس الدولي في شأن إمارة الكويت، خاصة من قبل بريطانيا، لم يجد السلطان العثماني مفراً من الإقرار بالأمر الواقع. فاعترف بالشيخ مبارك حاكماً على الكويت، وأصدر فرماناً شاهانياً بتنصيبه قائمقاماً[2] على الكويت، عام 1897، وتخصيص راتب سنوي له، قدره 150 كارة من التمر، تحوّل، فيما بعد، إلى راتب نقدي، قدره حوالي 300 جنيه إسترليني، في العام. وعلى الصعيد البريطاني، أجرى اتصالاته بالمقيم السياسي البريطاني في الخليج.[3](أنُظر جدول المقيمين السياسيين البريطانيين في الخليج العربي الفترة من 1852 إلى 1966)، مظهراً رغبته في الحماية البريطانية.

هكذا، اتجه طرفَا النزاع إلى أقوى دولتَين في المنطقة لمساندتهما، من أجل هدف واحد، وهو الكويت. وبعد فشل يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، في محاولته إشراك العثمانيين، في مخططه، شرع، بما توافر له من أموال طائلة، يُعد العدة للهجوم على الكويت، وانتزاعها من مبارك، بإشراك أطراف آخرين. بينما كان شيخ الكويت، يدرك ما يدبره له يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، ولذا، كان دائم التيقظ لمحاولات الهجوم المرتقب.

3. مساعي يوسف بن عبدالله آل إبراهيم ضد شيخ الكويت (1897 ـ 1902)

في 30 يونيه 1897، وصلت الحملة البحرية، التي أعدها يوسف آل إبراهيم، في هنديان، على الساحل الفارسي للخليج، قبالة ساحل الكويت. وعلى الرغم من محاولة يوسف إحاطة أمر إعداد الحملة بالسرية التامة، فإن مباركاً قد علم بقدومها، قبل أن تصل، فاستعد للقائها بحراً. ولما شهد يوسف استعداد الكويت للمعركة، عاد أدراجه، من دون أن تحقق حملته هدفها غير أن ذلك لم يثنه عن عزمه على قتال الشيخ مبارك، إذ توجّه إلى البحرين، التي بلغها في أغسطس من العام نفسه، محـاولاً إشـراك شيخهـا في التعرض لمبارك. غير أن شيخ البحرين رفض المشاركة في المهمة ولا سيما أن الشيخ مبارك، كان قد طلب إليه التوسط لدى أبناء أخوَيه، لحل النزاع. فأجهضت محاولة يوسف آل إبراهيم، قبل أن تبدأ. ولكن خطر التهديد بغزو الكويت، استمر قائماً، خلال عامَي 1897 و1898.

أ. محاولة يوسف بن عبدالله، إشراك حاكم قطَر، في قتال الشيخ مبارك

إن فشل مخطط يوسف بن عبدالله آل إبراهيم في التعرض للشيخ مبارك، بالتعاون مع حاكم البحرين، لم يثنِه عن التوجه إلى قطَر، حيث اتّفق مع شيخها جاسم بن محمد آل ثانٍ، على مشاركته في غزو الكويت. ولسبب ما، لم تنفذ الخطة، على الرغم من أنها كانت رهن التنفيذ، في نوفمبر 1898.

ب. تحالف يوسف بن عبدالله، مع حاكم حائل، لقتال الشيخ مبارك

لم تتوقف محاولات يوسف آل إبراهيم، على الرغم من إخفاقها، إذ حاول أن يضم إلى جانبه عبدالعزيز بن متعب آل رشيد، أمير حائل ونجْد، نظراً إلى صِلاته الحسنة بالدولة العثمانية.

وقد أقام يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، وأبناء محمد وجراح آل صباح، بحائل، في جبل شمر، ضيوفاً عند عبدالعزيز آل رشيد، الذي تبني قضية هؤلاء الأبناء، وكان يأمل أن تتدخل السلطات العثمانية، لتتولى الحكم في الكويت، فيتخلص من مبارك، الذي آوى، منذ عام 1892، خصمه اللدود، الأمير عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود وأبناءه.

وعلى الرغم من أن المصادر التاريخية، لم تحدد، بدقة، كيف بدأت المناوشات، في صيف 1900، بين الشيخ مبارك وحلفائه، وعبدالعزيز آل رشيد وحلفائه، إلاّ إنه من المعروف أن سعدون باشا، أمير المنتفق المعزول، قد أغار، في تلك الأثناء، (في أغسطس 1900)، على جبل شمر، بإيعاز من الشيخ مبارك، الذي كان يساند، في الوقت نفسه، إحدى غزوات عبدالرحمن بن فيصل، في سبتمبر، الذي توجّه من الكويت إلى نجْد، لاسترداد أرضه. وفي أكتوبر، انضم إليه الشيخ مبارك من أجل تحقيق أهداف ضيف الكويت.

وكان الشيخ مبارك، قبَيل عام واحد من هذه الحملة، قد وقع اتفاقية، عام 1899، مع البريطانيين، الراغبين عن التورط في حروب برية، في صحراء شبه الجزيرة العربية. ولذلك، شعروا بارتياح، عندما توصل والي البصرة العثماني، محسن باشا، إلى حقن الدماء، والفصل بين قوات الشيخ مبارك، وعبدالرحمن بن فيصل، وقوات ابن رشيد.

ج. موقعة الصريف

لم يَرُق الصلح الشيخ مباركاً، إذ كان يعلم أن عبدالعزيز آل رشيد، لا بدّ أنه سيستمر في مؤامراته، من أجْل تولية أبناء محمد وجراح آل صباح الحكم في الكويت، ولا سيما أنهم كانوا لا يزالون، ومعهم يوسف بن عبدالله، في حائل، لدى آل رشيد.

وفي ديسمبر 1900، توجّه الشيخ مبارك، وعبدالرحمن بن فيصل، على رأس جيش من عشرة آلاف مقاتل، من عربان العوازم، والرشايدة، ومطير، والعجمان، وبَني هاجر، وبَني خالد، وألف من أبناء مدينة الكويت، قاصدين غزو عبدالعزيز آل رشيد في عقر داره، في نجْد وشمر. وخرج عبدالعزيز بن عبدالرحمن بفرقة من مقاتليه، وتوجه إلى الرياض ودخلها، ولكنه لم يتمكن من الاستيلاء على قلعتها. وتمكنت قوات الشيخ مبارك، وعبدالرحمن، من فتح نجْد، من دون مقاومة تذكر. وبعد ذلك، تقدمت هذه القوات نحو حائل، بقصد فتح منطقة جبل شمر. غير أن عبدالعزيز آل رشيد، تمكن من هزيمة جيش مبارك في منطقة الصريف (20 ميلاً شمال شرق بريدة في القصيم)، واضطر الشيخ مبارك إلى الانسحاب من المعركة، في 17 مارس 1901، بعد أن خسر نحو سبعمائة من مقاتليه، من أهل مدينة الكويت. وبعد معركة الصريف، توجّه عبدالرحمن بن فيصل إلى الرياض، حيث كان ابنه عبدالعزيز قد دخلها، ولم يكن قد علم بنتيجة المعركة. فبعث إليه أبوه عندما اقترب من البلدة، بالنتيجة التي آلت إليها المعركة، فخرج عبدالعزيز من الرياض ليمضي مع والده إلى الكويت. ولقد أشار بعض المؤرخين إلى نتيجة هذه المعركة قائلاً: "إنها شهدت انهيار آمال الشيخ مبارك الصباح، في بناء دولة كبرى في شبه جزيرة العرب".

د. محاولة يوسف بن عبدالله، غزو الكويت، بحراً

بعد هزيمة الشيخ مبارك في موقعة الصريف، أصبحت الكويت معرضة لأخطار عدة. أهمها محاولة الدولة العثمانية فرض سلطتها المباشرة على الشيخ مبارك آل صباح، من خلال عبدالعزيز آل رشيد، أو عبْر إرسال جنود من البصرة للإقامة بالكويت. كما أن يوسف بن عبدالله آل إبراهيم عاد لمضايقة الشيخ مبارك، حين بدأ يحرض أنصاره على غزو الكويت، فهاجم رجاله "الصبية"، وسلبوا عدداً غير قليل من الجِمال الكويتية. ولم تهتم السلطات العثمانية بذلك، لأنها كانت منشغلة بالهجمة المفاجئة، التي دبرها يوسف بن عبدالله، لغزو مدينة الكويت، بحراً.

ففي أوائل خريف 1902، جهز يوسف عدداً كبيراً من رجاله، ليدخلوا مدينة الكويت، خلسة، بهدف اغتيال الشيخ مبارك. كما أعدَّ جماعة من عرب الشريفات، المقيمين بالساحل الفارسي، للتحرك، بحراً، بقيادة عزبي بن محمد الصباح، وابن عمه حمود بن جراح الصباح (ابنَي محمد وجراح) وسَلحهم بالبنادق، وأنزلهم في شط العرب. وتحركت القوارب بهم إلى مدخل الخليج، وتجولوا في داخله حتى حل الظلام. ولكن تحركاتهم هذه، بلغت، في 3 سبتمبر 1902، مسامع الإنجليز، بالقرب من الفاو، حيث كانت ترسو السفينة الحربية لابوينج(H.M.S. Lapwing) ، فسارع قائدها إلى الكويت، ليبلغ الشيخ مباركاً الخبر. ولكنه وجد أن الكويت مستعدة لملاقاة الغزاة، إذ إن أخبار تحركاتهم كانت قد وصلت إلى الشيخ مبارك، قبْل وصول قائد السفينة الإنجليزية.

وعندما رأت القوارب الغازية السفينة الإنجليزية، اختفت في خور عبدالله، إلى أن تمكن البريطانيون من العثور عليها، في 5 سبتمبر، وطاردوها، فاندفعت هذه القوارب، وعليها الرجال المسلحون، إلى أرض طينية ضحلة، حيث قفز منها المسلحون، واختفوا بين الحشائش الطويلة، فعمدت السفينة الإنجليزية إلى تدمير بعض هذه القوارب، كان بينها واحد، يملكه يوسف بن عبدالله آل إبراهيم. وهكذا، فشلت هذه الغزوة. وكان من نتائجها طرْد العثمانيين يوسف بن عبدالله، من منطقة الزبير والبصرة، بل من العراق، فلجأ إلى عبدالعزيز آل رشيد في حائل، وبقي فيها حتى وفاته، في يناير 1906.



[1] هناك مصادر، ترجع توليِّه الحكم في الكويت إلى مطلع القرن الثامن عشر، أي حوالي سنة 1701 أو 1702 أو 1716. وهناك مصادر أخرى، تحدِّد هذا التاريخ بعامَي 1752 و1756. كما تورد المصادر تواريخ مختلفة لوفاته، منها الأعوام 1743 و1756 و1762 و1776. وهكذا يحيط كثير من الغموض بأول حكام الكويت من أُسرة الصباح. والمادة التاريخية المتاحة، لا تساعد على استجلاء هذا الغموض.

[2] مثل هذا اللقب، منحه العثمانيون للشيخ عبدالله بن الصباح، وذلك على سبيل مكافأته على خدماته لحملة مدحت باشا

[3] كان المقيم السياسي البريطاني في الخليج، يتخذ من `بوشهر` مقراً له، وعلى هذا يطلق بعض المصادر أنه المقيم السياسي البريطاني في بوشهر.