إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الكويت منذ النشأة حتى الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913





أمراء أسرة الصباح
نسب آل رشيد
حكام الكويت من أسرة الصباح
حكام بني خالد

منطقة "كاظمة" القرين
آسيا التركية
الخليج العربي عام 1774
الكويت تحت اسم الكويت والقرين
الكويت عام 1863
الكويت في 29 يوليه 1913
الكويت في 29 يوليه 1913(إنجليزية)
الكويت في أواخر القرن التاسع عشر
توزيع القبائل العربية في الخليج
خريطة هولندية



سادساً: الحماية البريطانية على الكويت

سادساً: الحماية البريطانية على الكويت

1. طلب الحماية البريطانية

بعد تولِّي الشيخ مبارك السلطة في الكويت، عام 1896، اتجه، من الفور، إلى الاتصال بالبريطانيين، من أجْل دعم قدراته في مواجَهة الأخطار الخارجية، التي يمكن أن تتعرض لها الكويت من الدولة العثمانية، سواء من إستانبول، أو من ولاتها، في البصرة وبغداد، أو مواجهة أطماع الدول الأوروبية.

وحملت الظروف بريطانيا على القبول بما كانت تتردد فيه من قبْل، نتيجة لأطماع الدول الغربية. وهناك، أسباب، كذلك، تتعلق بالشيخ مبارك وعلاقته بالدولة العثمانية.

فمن الأسباب، التي جعلت الشيخ مباركاً يتجه إلى عقد مثل هذه الاتفاقية، محاولات يوسف بن عبدالله آل إبراهيم، وأبناء أخوَي مبارك، الذين كانوا مصدر خوف وإزعاج له. وابن رشيد حاكم حائل، الذي صار قوة مهددة له في الجنوب، خاصة بعد أن أصبح أداة عثمانية قوية، على أثر تخلصه من السعوديين، عام 1889. فضلاً عن التهديد، الذي يواجه إمارته، من الشمال، بنزاع دائم بينه وبين شيوخ المنطقة، وأتراك البصرة، إضافة إلى ضغوط الدولة العثمانية عليه. وفي عام 1896، عندما وصل موظفون عثمانيون إلى الكويت، للعمل في مركز الحجر الصحي، طلب مبارك مقابلة المقيم السياسي البريطاني في الخليج، وأبلغه برغبته في وضع الكويت تحت الحماية البريطانية، حتى لا تقع تحت السيطرة العثمانية. إلاّ أن بريطانيا لم تبادر إلى تلبية طلبه، من الفور، إذ كان لا بدّ أن يُعلن استقلال الكويت عن الدولة العثمانية، حتى يتسنى لها إبرام معاهدة معها. وحين وصلت أنباء عن تعيين لجنة عثمانية، لبحث الشكاوى المقدمة ضد مبارك، وانتشرت شائعات بإرسال قوات عثمانية إلى الكويت، عاد مبارك وكرر طلب الحماية من بريطانيا، في نوفمبر 1897. وعندها، كتب لوخ، القنصل البريطاني العام في بغداد، إلى حكومة الهند، في 22 ديسمبر 1897، موضحاً أن لديه معلومات عن حشود عثمانية في بغداد، يشاع أنها ستتوجه إلى الكويت، وأن احتلال العثمانيين للكويت وتثبيت نفوذهم فيها، سيصيبان المصالح البريطانية في شبه الجزيرة العربية، بأبلغ الضرر. فضلاً عن ذلك، فإن العثمانيين سيسيطرون سيطرة كاملة على مدخل شط العرب. ولذلك، قبِلت الحكومة البريطانية طلبه، هذه المرة.

كما أنه كان هناك أسباب أخرى، تتعلق ببريطانيا، وتتمثل في الأطماع والتنافس الدولي حول الكويت، من جانب روسيا وفرنسا وألمانيا، والتي لم يسبق لها مثيل، جعلت بريطانيا تقَبل توقيع اتفاقية 1899، بعد أن ترددت من قبْل، كما جعلت السلطات البريطانية في حالة استنفار كامل منذ أواخر 1897، الأمر الذي أدى إلى إصدار قرارها بتعيين اللورد جورج ناثانيل كيرزون George Nathaniel Curzon حاكماً للهند، ونائباً فيها عن الملكة عام 1898. وكيرزون هذا مشهود له، منذ كان سفيراً لبلاده في طهران، بخبرته بالمنطقة، وبتشدده. وكان أول عمل إداري للورد كيرزون، عندما تولى منصبه الجديد، هو إصداره التعليمات إلى المقدم ميد، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، لكي يعقد الاتفاقية مع الشيخ مبارك.

    ويمكن إيجاز أسباب قبول بريطانيا توقيع هذه الاتفاقية مع الكويت، فيما يلي:

أ.  المعلومات التي وصلت إلى بريطانيا في شأن تجميع قوات عثمانية في البصرة، وتجهيزها لغزو الكويت، وإقصاء مبارك عن السلطة. وقد توجست بريطانيا من وقوع الكويت تحت السيادة العثمانية، لأن ذلك يمكن أن يدفعها إلى التصرف فيها أو في أجزاء منها، في بعض الدول الأوروبية المنافسة، وهو أمر يضر بالمصالح البريطانية.

ب. تحريض السفارة الروسية في إستانبول ضد البريطانيين، فضلاً عن سعي روسيا إلى الحصول على موافقة الباب العالي لإنشاء خط حديدي، يمتد إلى الكويت، وتقدمها بطلب إلى السلطات العثمانية، لإنشاء محطة للفحم في الكويت. وهو ما يمكن أن يضر بالمصالح الإستراتيجية البريطانية في الإمارة، لأنه سوف يقرر لروسيا امتيازات فيها، بعد تنفيذه.

ج. سعي ألمانيا، التي تغلغلت في أملاك الدولة العثمانية، تغلغلاً سلمياً، إلى إنشاء خط حديدي، يربط بين برلين وبغداد. وكان من المفترض أن ينتهي هذا الخط عند خليج كاظمة (خليج الكويت)، الواقعة ضمن أملاك الكويت. وقد منحت السلطات العثمانية ألمانيا امتياز إنشاء هذا الخط. مما أقلق البريطانيين، في وقت بدأت تبرز فيه أهمية الكويت بالنسبة إلى مصالحهم الاقتصادية والإستراتيجية، في المنطقة.

2. اتفاقية 23 يناير 1899

أ. الترتيبات لعقد الاتفاقية

بالنسبة للترتيبات التي عقدت بها الاتفاقية، فتعطينا الوثائق تفصيلاً لها، ويمكن أن نستدل على مغزاها من تطور الأحداث. فقد انتهى تردد وزارة الخارجية البريطانية، وعندما استفسرت من سفيرها في إستانبول، نيكولاس رودريك أوكونور O'conor، عن رأيه في اتخاذ هذه الخطوة، كتب إليها، في 2 ديسمبر 1898، مؤكداً أن حكومة الهند، ينبغي أن تبرر فرض الحماية، بانتشار عمليات القرصنة وتجارة الرقيق. ومن خلال ذلك، يمكن عقد اتفاق مباشر مع الشيخ مبارك، على أن يظل سرّاً. وبعد فترة من الزمن، يستبدل به اتفاق آخر، أكثر فاعلية وتأثيراً، يشمل المسائل كافة. وبناءً على ذلك، أرسلت وزارة الخارجية البريطانية، إلى حكومة الهند، في 5 ديسمبر 1898، رسالة، تقول فيها: "إن حكومة الهند، إذا كانت ترى أن تتحمل تبعات إعلان الحماية على الكويت، من دون مشقة، ومن دون تبعات جديدة، على الحكومة البريطانية، فإن اللورد روبرت سيسل، رئيس الوزراء ووزير الخارجية، يوافق على اتخاذ هذه الخطوة، بل يؤيدها، إذا ما أثار الباب العالي موقفاً مضاداً.

وسارع هاملتون Hamilton ، وزير الهند في حكومة لندن، إلى حكومته، في 24 ديسمبر 1898، إلى إبداء موافقته على عقد الاتفاقية، وأن تتولى حكومة الهند مسؤولية ذلك، ومتابعة الإشراف على الشيخ، مع إفادتنا بحقيقة الأوضاع الراهنة في الكويت، وبما تقترحه لجعل الاتفاقية فاعلة. مع ملاحظة أنه لن يترتب على إعلان الحماية صعوبات، تتعلق بحكومة لندن، أو أي زيادة في عمليات الحراسة في الخليج.

وفي 4 يناير 1899، أبرقت وزارة الخارجية البريطانية إلى حكومة الهند، لكي تتخذ إجراءاتها، بأن تطلب من الشيخ مبارك تعهداً بألاّ يتنازل أو يؤجر أو يرهن أو يبيع أي جزء، من المناطق التي يحكمها، إلى أي دولة، أو أحد رعاياها، من دون أخذ موافقة الحكومة البريطانية مسبقاً. وعلى ذلك، أبرق كيرزون، حاكم الهند، في 8 يناير، إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، الكولونيل ميد، لكي يعقد الاتفاق المذكور مع مبارك. وأخيراً، في يناير، أبرقت حكومة لندن إلى حكومة الهند، تعلمها بأن يكون اتفاق الكويت على الأُسس عينها، التي عقد عليها اتفاق مسقط. ولم يكن كيرزون يؤمن بحماية لا تقوم على أُسس قوية، خاصة أن الدولة العثمانية، يمكنها أن تتجاهل هذا الاتفاق وتتجاوزه، ومن ثَم طلب حاكم الهند أن يقوم الاتفاق على إعلان الحماية الرسمية. وهكذا، اختارت السلطات البريطانية حلاً، ليس هو بالحماية الصريحة والعلنية، التي قد تسبب لها أزمة، إذا ما أعلنتها، فجاء في شكل اتفاق سري، يتعهد فيه شيخ الكويت بما سبق أن تعهد به شيوخ الخليج، الذين ارتبطوا باتفاقات مع بريطانيا، في الاتفاقات المانعة الشهيرة، وهو أقرب إلى التعهد (بالامتناع عن)، منه إلى الاتفاق الذي يعقد بين طرفَين، يحدد كلُّ منهما التزاماته تجاه الآخر، بموجب النصوص الموقعة.

ومن الملاحظ أن مباركاً، قبْل توقيعه الاتفاق، الذي حمله إليه الكولونيل ميد، كان مدركاً أنه سيسبب له متاعب مع الدولة العثمانية، لأنه يقطع الخيط الواهي، الذي يربطه بها. ومن ثَم، طلب من ميد، أن تعطيه بريطانيا إعلاناً مكتوباً حول نياتها (وعداً محدداً بالحماية)، وتقديم المساعدة، خاصة فيما يتعلق بممتلكات أُسرته في العراق، وأن يكون ذلك منصوصاً عليه في الاتفاقية. لكن المقيم جاء ومعه نص محدد، كان على الشيخ مبارك أن يوقعه، وعلق المقيم بأن الاتفاق شبيه بالاتفاقات المبرمة مع الشيوخ الآخرين. ثم قدَّم المقيم إلى شيخ الكويت خطاباً عاماً، يعّبر عن حُسن نيات الحكومة البريطانية تجاهه، وتجاه ورثتِه وخلفائه، واشترطت مراعاتهم شروط الاتفاق.

ب. نص الاتفاقية

تنص الاتفاقية على تعهّد شيخ الكويت بأمرين:

·    أولهما، ألاّ يستقبل وكيلاً، أو ممثلاً لأي دولة، أو حكومة، في الكويت، أو أي مكان من أراضيه، من دون موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية.

·    وثانيهما، ألاّ يتنازل أو يبيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطي، للتملك، أو لأي غرض آخر، أي جزء من أراضيه إلى حكومة، أو رعايا أي دولة أخرى، من دون موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية. ويلتزم بذلك ورثته وخلفاؤه.

وقّع الجانبان الاتفاقية، في 23 يناير 1899. وحصل مبارك على خطاب من المقيم السياسي البريطاني في الخليج، الكولونيل ميد، يتعلق بحُسن نيات دولته تجاه الكويت. كما تعهد فيه بمنح الشيخ 15 ألف روبية، من المصروفات السرية لخزانة "بوشهر". كما نصّ على أن تظل الاتفاقية سرية تماماً، ما لم تغّير بريطانيا رأيها.

عزمت الحكومة البريطانية على فرض الحماية على الكويت، وصدّ أي هجوم عثماني عليها. وكان أول ما واجهته، هو وجود السفينة العثمانية، "زحاف" أمام سواحل الكويت، حينما وصلتها السفينة البريطانية، التي تحمل المقيم السياسي البريطاني في الخليج، الكولونيل ميد ومرافقيه، مما منع مباركاً من التوجه للقائه، تحاشياً لزيارة السفينة العثمانية. فكان أمراً طبيعياً، أن ترتاب السلطات العثمانية في مسلك مبارك تجاه البريطانيين، إذ أدركت أن ثمة شيئاً يدبر بينهما. وتحسباً لأي ردّ فعل عثماني، أرسل كيرزون إلى لندن يطلب السماح له بمنع أي عمل عسكري، قد يعمد إليه العثمانيون، ضد الكويت، فسمح له، وخُوِّل حق استخدام قِطع الأسطول البريطاني في مياه الخليج، للتصدي لأي هجوم عثماني، وبُلِّغَتْ البحرية البريطانية ذلك، كما أُعلِمت بنص الاتفاق مع مبارك.

وفي ضوء ما سبق، فمن الطبيعي ألاّ توصف هذه الاتفاقية بأنها "معاهدة حماية"، من الناحية القانونية، التي تتضمن امتيازات وشروطاً متبادلة. فهي لا تتضمن نصاً صريحاً، أو غير صريح، بالحماية، وإنما هي قيد، صِيغ، بذكاء، في شكل تعهد، ارتضاه الشيخ مبارك، ووقعه، وألزم نفسه، بمقتضاه، من جانب واحد، بمطالب بريطانيا، التي نجحت في تقييد سيادته على أرضه، ومنعه من استقبال الأجانب أو التعاقد معهم، في الحال وفي المستقبل، في مقابل خطاب بحُسن النيات وبضعة آلاف من الجنيهات. هكذا، فرضت بريطانيا على الشيخ نوعاً من الحماية، وإن كان بغير نص صريح وواضح، صوناً لمصالحها. ولم تصرح بها، خشية المتاعب، التي قد تنجم عنها مع الدولة العثمانية، أو غيرها من القوى المتنافسة. فمنحت نفسها، عملياً وقانونياً، ما كان لإستانبول، من الناحية الاسمية والنظرية، في الكويت. وتغير المركز، الفعلي والقانوني، للكويت، من حالة تبعية شكلية لدولة الخلافة، إلى تبعية فعلية وعملية لبريطانيا.

لذلك، فقد كان طبيعياً، أن تشهد المرحلة التالية للاتفاقية علوّ مركز بريطانيا في الكويت، وانفرادها بها، وزوال السيادة العثمانية تماماً، على الرغم من أن السنوات القليلة، التي أعقبت الاتفاقية، قد شهدت، كرد فعل لانكشاف الاتفاقية صراعاً أخيراً بين بريطانيا والدولة العثمانية.