إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









ةثيقة

وثيقة

رسالة الرئيس العراقي صدام حسين

إلى العراقيين والعرب

في 7 أغسطس 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الشعب العراقي العظيم.

يا أبناء الأمّة العربية المجيدة.

    الثامن من آب (أغسطس) عام 1988، رست الأمور على مرساها، بعد ثماني سنوات من المنازلة، وكان ذلك اليوم، "يوم الأيام"، وكان الإعلان عنه "بيان البيانات".

    كان ذلك اليوم، بحق، "يوم الأيام"، لأن كل يوم، منذ أن بدأ أول يوم في سفر القادسية الثانية، حيث الرابع من أيلول (سبتمبر) عام 1980، وحتى آخر يوم من هذا السَّفر الخالد والعظيم في حياة شعبنا، وهو اليوم الذي سبق "يوم الأيام"، أي في السابع من آب (أغسطس) 1988ـ أقول إن كل يوم من تلك الأيام، له حصته في يوم 8 آب (أغسطس) 1988، بما في ذلك حصة اليوم الثامن من آب (أغسطس) نفسه. وإن البيان، الذي أذيع في الثامن من آب (أغسطس)، هو "بيان البيانات"، لأن كل بيان، صدر منذ الرابع من (أيلول) سبتمبر عام 1980، وحتى اليوم السابع من آب (أغسطس) عام 1988، هو جزء حي من ثمرة السجل، الذي ارتفع يرفرف فيه بيرق النصر، في 8 آب (أغسطس) 1988.

    ومن ذلك يظهر كيف أن سجل الشعوب وتاريخها، لا يكونان من غير تراكم، تتوالى فيه التضحيات، وتتعمق فيه الحكمة والشجاعة والصبر والمثابرة على العمل والجهاد الحق، وفق ما يرضاه الله. ومنه يتبين كيف أن "يوم الأيام"، يبدأ من أول يوم في السجل، وأن "بيان البيانات"، قد كُتب من أول بيان في القادسية الثانية.

    وفي "يوم الأيام"، دروس لمن يدرس، وعِبر لم يعتبر، تتعدى في معانيها وتأثيرها الحدود الوطنية، إلى الأمّة كلها، وتتعدى الأمّة، إلى الإنسانية كلها. ومن الشعوب من لا يستفيد من دروسه ودروس الشعوب الأخرى، ولا يعتبر. ومنها من يستفيد ويعتبر، وكل ذلك يتقرر على مدى ما إذا كان قادة تلك الشعوب، يستحضرون الدروس والمعاني والعِبر، وفق مقاييس الحكمة الإنسانية، بلونها، الوطني والقومي، وما إذا كانوا يبتعدون عن ذلك، فيحشرون النفس في استنتاجات ما يتمنون وما يريدون، وليس في ما هو الحقيقة كما هي.

    ولأننا لا نحب الدروس خارج مجرى الحياة، إلاّ ما يتصل منها بالله، ولا نعطي التفسير النهائي للعقل، مستقلاً عن العين، أو للعين بعيدة عن العقل، متعاونين مع الملموس والمستنتج من الأمور، فقد تحولت دماء شهدائنا إلى مشعل نور دائم، في طريق شعبنا نحو المعالي والحياة الأفضل.

    ويتصاعد البنيان، مع كل يوم يمر، بعد الثامن من آب (أغسطس) عام 1988. وتترسخ قاعدته، على قياسات الحق والعدل. وتعالج الأخطاء في مسيرته، على أساس الإصرار، الذي لا يعرف التردد، من الشعب، الذي دافع عن الحق والعدل، وضحى من أجْلها، فاستحق حياة، يجب أن لا توقفها نيات السوء. وإن دماء الشهداء، التي كان عنوانها الفضيلة والشهامة، الوطنية والقومية، يجب أن لا تطفئ شعلتها محاولات اللاوطنيين واللاقوميين واللاإنسانيين.

    وهكذا، أصبح "يوم الأيام"، و"بيان البيانات"، ليس خاتمة مرحلة في حياة العراقيين والأمّة، وإنما البداية الجادّة لحياة العز والظفر، في كل شؤون الحياة، نظرة وتصرفاً، وفي سُوح المنازلة، حيثما اشتد أوارها ـ بعون الله ـ.

    ومن ذلك، حق لنا، وحق علينا، أن نقول إن "يوم النداء"، يوم الثاني من آب (أغسطس)، من هذا الشهر، ولهذه السنة، هو الوليد الشرعي ليوم الثامن من آب (أغسطس) لعام 1988، بل هو العنوان، الذي لا يليق التصرف بغيره وغير معانيه، مع أولئك القارونيين الأرذال الخاسئين، من الذين استمرأوا سرقة الجزء، لإيذاء الكل، واستمرأوا الاستئثار، ليدمروا الإيثار، انقادوا للأجنبي، بدلاً من الانقياد لقياسات الفضيلة، ومبادئ القومية وأُسس الإنسانية، في العلاقة بين أبناء الشعب الواحد، والأمّة الواحدة. فكان يوم الثاني من آب (أغسطس) ، بهذه المعاني، مثلما هو الوليد الشرعي لنضال وصبر وتحمّل أهل الكويت، الذي توّجه العمل الثوري في ذلك اليوم الخالد.

    فجاء الوليد من أب شرعي وأمّ طاهرة، وسيكون ابناً بارّاً للكويتيين وللعراقيين ولكل العرب. فتحيّة إلى صانعي الثاني من آب (أغسطس)، من الذين بارك الله مسعاهم، فأنجزوا واحداً من أكثر الواجبات، الوطنية والقومية، إشراقاً ووعداً وقِيماً.

    وفي الوقت الذي جاء الثاني من آب (أغسطس) ابناً شرعياً للقادسية الثانية ولأهله، وسيكون ـ بعون الله ـ ابناً بارّاً، سيكون، هو وما يتبعه من نتائج، بداية مرحلة جديدة شامخة، وصاعدة. تتسع فيها ميادين الفضيلة، في أرجاء الوطن العربي، مع القادم من الأيام. ويتقهقر عنها الدنس والغدر واللؤم والخيانة، والتبعية للأجنبي. وسيقترب الكثير من أهداف العرب، بعد أن تراءى للبعض، أنها قد ابتعدت عن مواضعها في الأفق. وستشرق شموس، وتشع الأقمار، وتتلألأ النجوم، ويطرد النور الظلام، ويتنحى الكسوف والخسوف عن سماء العراق والوطن العربي. فكيف سيكون ذلك؟

    عندما غابت شمس العرب، في أفقها البعيد، بعد أن انطفأت عين بغداد، وأُصيب عقلها بما أصابها، بسبب فعل الأجنبي وحكمه، ساد الوطن العربي ظلام دامس، عدا استثناءات محلية، كانت تظهر هنا أو هناك، تحت إرهاصات خاصة، ومن حين إلى آخر، ولم تكن دلالاتها قومية شاملة؛ فلم يكن للعرب شمس، ولا قمر، ولا نجوم، يهتدون منها وبها، إلى أي طريق ذي ملامح، ليبدأوا منه الصعود إلى حيث ينبغي أن يكونوا.

    وعندما تراءى لهم، أو ظهرت، فعلاً، فرصة وإمكانية التحرر من عهد الظلام العثماني، وعزم الأخيار والقوميون العرب، وحزموا أمرهم على تغيير صورة الحال العربي، ما أن خطوا الخطوة الأولى، حتى وقعوا في مخالب قوى العصر، الذي هم فيه. وفي الوقت الذي استبدل بعض الحكام الأجانب، في بداية، الأمر بحكام عرب، وجاءت الثورات والحركات التحررية، بعد الثورة العربية الأولى، لتستبدل ما تبقى بما هو محلي أو وطني وقومي، فإن التجزئة وعدم اجتماع عوامل القوة والاقتدار في مكان واحد، أبقى الوطن العربي، والإنسان العربي، والفعل والتطلع العربي ضعيفاً، وجعله، وهو في هذا الوضع، كلما خطا خطوة إلى أمام، تراجع بقدرها، أو بما هو أكثر أو أقلّ منها عن المَوقع الذي يفترض أن يكون فيه.

    لقد عمد الخبثاء الغربيون، وهم يقسّمون الوطن العربي، إلى إضعاف الأقطار، التي يمكن أن تحقق التكامل، الذي يحقق الاقتدار. وهكذا، جزأوها، هي الأخرى، وعمدوا، وهم يقسّمون الوطن العربي، إلى أن تكون الكثافة السكانية، والعمق الحضاري، بعيداً عن الثروة ومصادرها الحديثة في حياة العرب، فأصبح هذا من أخطر نتائج التقسيم، وإسفيناً قاتلاً في العلاقات العربية.

    لقد أصبحت الثروة في مكان، مع قِلة من الناس، الذين ينقصهم العمق الحضاري، أو بالأحرى خالي السجل منه، وأصبح العمق الحضاري، والكثافة السكانية، في مكان بعيد عن مصادر الثروة الجديدة، كما قلنا. وكان من نتائج هذا الفعل الخبيث، أن فسدت القِلة الثرية، إلى الحدّ الذي انقطعت عن أمّتها، ولم تعد تذكرها، إلاّ باللفظ، وبعض المناسبات المراسيمية، نظراً لأن ثروة هذه القِلة، لم تكن نتيجة كدّها، ونضْح عَرقها، وسعيها المشروع، وصارت الكثرة الكاثرة من أبناء الأمّة، وهي تعيش بعيداً عن الثروة ومصادرها، وتتحمل جانباً أساسياً من انعكاسات نتائجها السلبية على حياتها، في الجوانب، الاجتماعية والنفسية والثقافية والعسكرية والسياسية، ترزح تحت عجز، ليس قبل التغلب عليه، بقادرة على أن تكون جزءاً حياً وفعالاً في حياة الأمّة.

    وغاب قرار الأغلبية، الوطنية والقومية، الشريفة، وتأثيرها القيادي، عن الحياة العربية، وحل محله قرار الأقلية المدنسة، الفاسدة، التابعة للأجنبي. فأصيبت الأمّة في الصميم، ولحق بها سوء، ليس أقلّ، من حيث نتائجه، من الحكم الأجنبي المباشر، بل إن الحكم الأجنبي المباشر، في بعض مراحل حياة الأمّة، يوقظ، برد الفعل المضادّ، الوعي، الوطني والقومي، ويبلور عوامل صحوة روحية، تستحضر فيه قِيمها الأصيلة من أعماق الحضارة.

    أمّا هذا الوضع، الذي كانت عليه الأمّة، قبْل الثاني من آب (أغسطس) من هذه السنة، إنما يقتل الروح والجسد، بعد أن يهدهما، وينخرهما، فلا يشعر المرء إلاّ وقد هوى إلى الهاوية. إن هذه الحال، تسلب جرأة الرجال، على مستوى الحاكم والشعب، في المكانَين، إن كان في صفوف القِلة الثرية، الفاسدة، أو في صفوف الكثرة الكاثرة من فقراء العرب. وتبعد المسعى الجماعي المقتدر، في المكانَين. وتجعل الشعب، في المكانَين، تابعاً، بصورة أو بأخرى، للأجنبي. وتجعل الحياة الاجتماعية، في المكانَين، تنطوي على خلل خطير. ويغيب، أو يضعف مسعى التفاعل الصحيح مع قوانين العصر وصياغتها صياغة، وطنية وقومية، في المكانَين أيضاً. وتغيب الأمّة بمعناها الحضاري، واقتدارها الجمعي، وفعلها المشترك، في المكانَين. ولا تعود الأمّة إلى مكانها الصحيح، من غير نضال وجهاد حقيقيَّين، لوضع ثروة الأمّة في خدمة أهدافها السامية، ليكون رأي الكثرة بيّناً ومقتدراً ونزيهاً، ولكي يحترم رأي القِلة، عندما يكون نزيهاً. وسيكون، عند ذلك، سلوكها بعيداً عن التحلل والفساد.

    فجاء الثاني من آب (أغسطس) رداً عميقاً على ذلك الذي أراده الأجنبي، سوءاً بالعراق والأمّة، وكان له قارون في الكويت وأعوانه، تابعاً، مطيعاً، ذليلاً، غادراً، الذي بدلاً من أن يستذكر واجبات الفرع على الأصل، راح يطعن الأصل بخنجر مسموم، في الظهر، ليهوي إلى مواضع الموت، إلى جانب الفرع الميت، لتبتعد الحياة، في الأصل، عن إيقاظ الحياة في الفرع. فكان الذي كان في الثاني من آب (أغسطس) لا بدّ منه، لكي لا يطرد الموت الحياة، ولكي لا يجر الانحدار إلى الحضيض إليه، قدرة الصاعدين باتجاه الذرى، ولكي لا ينتقل الفساد والابتعاد عن الله، بسبب العوز والفاقة، إلى الكثرة، بعد أن ابتعدت القِلة الفاسدة عن الله وقِيمه وكتبه ورسله، وليبقى الشرف رفيعاً في بلاد ما بين النهرَين، وليبقى العراق عز العرب، وحاميهم ونموذجهم إلى القِيم السامية، ولتلتحق الكويت بركب أمّتها. لقد أراد الخاسئون، وخططوا ليستعرضوا حرائر العراق بالسوء، كما استعرضوا بالسوء حرائر العرب، في أماكن أخرى. وخابت حساباتهم، لأنهم لم يعرفوا بأننا نفضل الموت على أن يحصل هذا، وأننا لا ننام من غير أن نفقأ عيون من يتطاول على العراق والقِيم، العربية والإسلامية، وأن التبعية للأجنبي والتذلل أمامه، دونهما الموت أفضل.

    وهكذا، هو يوم الثامن من آب (أغسطس) عام 1988، "يوم الأيام"، الذي أذيع فيه بيان كل البيانات، معلناً النصر العظيم، سيكون مولدة كل الأيام الحلوة في حياة العرب، وسيكون مرضعتها الرؤوم، مثلما كان بنفس الصفات يوم الثاني من آب (أغسطس) من هذا الشهر.

المجد للشهداء. المجد للأحياء الشرفاء.

والله أكبر. وليخسأ الخاسئون.

صدام حسين

16 محرم 1411هـ

7 أغسطس 1990م