إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









وثيقة

وثيقة

مذكرة وزارة الخارجية المصرية

في شأن ما ورد في الكتاب الأبيض الأردني

والرد المصري الرسمي عليه[1].

    أصدرت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، كتاباً "أبيض"، عن "الأردن وأزمة الخليج". وجاء بالصفحات الأولى للكتاب المذكور، أن الهدف من إصداره، هو شرح السياسات، التي اتّبعتها الحكومة الأردنية، خلال مختلف مراحل أزمة الخليج، ووضع تسجيل أمين وواقعي للأحداث والقرارات، التي صاحبت تلك الأزمة، لكي يتم التعرف على الأخطاء وسوء التقدير، وعلى أمل تحاشيها، في المستقبل.

    وبالإطلاع على الكتاب المشار إليه، لاحظت حكومة جمهورية مصر العربية، على الفور، أن السرد، الذي ورد به، يشكل انتهاكاً للحقائق الثابتة، وتزييفاً للتاريخ، بصورة تعكس عدم استقامة القصد، وتشكل اجتراء على الحقيقة، وتجعل من واجب كل حكومة عربية، معنيّة بمستقبل هذه الأمّة، أن تبادر إلى إجلاء الحقيقة، ووضع الأمور في نصابها، وحتى تتعرف أجيالنا القادمة على حقيقة الأحداث، التي قادت الأمّة إلى أبشع كارثة نزلت بها، في التاريخ المعاصر، وتستخلص من هذه الأحداث المفجعة، الدرس والعِبرة، لكي لا يتكرر ما حدث، ولا ينهار ما بقي من البنيان العربي.

    ولا تجد حكومة جمهورية مصر العربية، في هذه المرحلة ضرورة، لأن تتعرض بالفحص أو بالتفنيد، لكل ما جاء بالكتاب المذكور. وإنها سوف تكتفي بتصحيح وقائع أحداث معيّنة، كانت طرفاً مباشراً فيها. وذلك على النحو التالي:

أولاً

    بعد صفحات، حاول فيها مؤلفو "الكتاب الأبيض"، تبرير الغزو العراقي للكويت، ورد بالكتاب، المشار إليه، أن الرئيس العراقي، صدام الحسين، قد أخبر جلالة الملك الحسين، في محادثة هاتفية بعد ظهر يوم الخميس، 2 أغسطس 1990، أن الجيش العراقي، استجابة لطلب متزن من الدول العربية، وليس تحت التهديد أو الاستفزاز أو الإدانة، سيكون مستعداً للانسحاب من الكويت، التي كان قد استكمل احتلالها، في ذلك الوقت، وأن الانسحاب سيبدأ خلال أيام، وينتهي خلال أسابيع.   

    وتسجل حكومة جمهورية مصر العربية، بهذا الخصوص، أنه من الغريب، أن المملكة الأردنية الهاشمية، لم تبلغها بحصول جلالة الملك الحسين على هذا الوعد "القاطع" من الحكومة العراقية، بالانسحاب من الكويت، ولم تتلقَّ الحكومة المصرية من حكومة أي قطْر عربي شقيق، ما يفيد إخطارها بذلك من الحكومة الأردنية. كما أن سجلات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تشهد بأنها لم تتلقَّ أي إخطار بهذا من الأردن، ورغم أن مجلس الجامعة العربية، انعقد في القاهرة، في اليوم التالي، لبحث الموضوع. كما أن الوفد، الذي مثل العراق في اجتماع المجلس المذكور، وكان يرأسه السيد سعدون حمادي، نائب رئيس الوزراء، ووزير التخطيط، عندئذ، لم يُشِر إلى هذا الموقف، من قريب أو بعيد، بل إنه اتخذ، في الجلسات العامة، وفي اللقاءات الجانبية، على السواء، موقفاً يتناقض تماماً مع هذا الطرح، ويقوم على رفض العراق لأي مساءلة لحقه في القيام بما قام به، من إجراءات ضد الكويت.

    والثابت، أيضاً، أن أياً من العراق أو المملكة الأردنية الهاشمية، لم يخطر مؤتمر القمة العربي، غير العادي، الذي عقد في القاهرة، يوم 10 أغسطس 1990، بهذا الإبلاغ، رغم أن من الواضح أنه كان كفيلاً بإحداث تغيير جذري في الموقف، لو كان قد وصل إلى علم القادة العرب المجتمعين.

    وواضح، كذلك، أن أياً من الحكومتَين، العراقية أو الأردنية، لم يبلغ الأمم المتحدة بهذا الإخطار، على خطورته، رغم أن مجلس الأمن، بدأ يبحث مسألة الغزو العراقي للكويت، اعتباراً من يوم 2 أغسطس1990، (أي في يوم الغزو نفسه).

ثانياً

    سجل "الكتاب الأبيض"، المشار إليه، وقائع اللقاء، الذي تم بين جلالة الملك الحسين والرئيس محمد حسني مبارك، بالإسكندرية، مساء يوم 2 أغسطس 1990 (اليوم الذي وقع فيه الغزو العراقي المشؤوم للكويت)، بطريقة غير أمينة. وفيما يلي توضيح تفصيلي لذلك:

1. الرواية الأولى، التي أوردها الكتاب الأردني

    بعد المكالمة الهاتفية، التي تمت بين جلالة الملك الحسين والرئيس العراقي، صدام حسين، بوقت قصير، قام جلالة الملك الحسين بزيارة إلى الإسكندرية، للقاء سيادة الرئيس مبارك، الذي تمنّى عليه، أن يزور بغداد، بأسرع وقت ممكن. وقد أيد جلالة الملك فهد هذا التمني، وتم الاتفاق بين جلالة الحسين وسيادة الرئيس مبارك، على أن تؤجل الجامعة العربية إصدار قرار، يتعلق بالغزو، إلى ما بعد نجاح أو فشل مهمة جلالة الملك الحسين في بغداد. واتفق جلالة الملك مع سيادة الرئيس مبارك، على أن يستوضح جلالته موقف العراق من اقتراحَين:

  • الأول: التزام عراقي بالانسحاب من الكويت، بالسرعة الممكنة.
  • والثاني: موافقة العراق على حضور مؤتمر قمة مصغر، في جدة، لبحث وتسوية جميع أوجْه النزاع العراقي ـ الكويتي.

    حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    وصل جلالة الملك الحسين إلى الإسكندرية، في الساعة السادسة، من مساء الخميس، 2 أغسطس 1990، للتباحث مع الرئيس محمد حسني مبارك، في الموقف. غير أنه لم يطرح أية أفكار أو مقترحات لمواجهة الأزمة، بل كان الرئيس مبارك، هو الذي يبادر بالحديث عمّا يمكن القيام به، لتصحيح الوضع الناجم عن الغزو العراقي للكويت. وقد اتصل الرئيس بوش بجلالة الملك الحسين، هاتفياً، أثناء وجوده بالإسكندرية، وتحدث إليه، في غير حضور الرئيس مبارك. ثم تحادث مع السيد الرئيس مبارك، معبِّراً عن قلقه من الموقف، وحرص بلاده على احتوائه، وتجنّب المضاعفات، التي لا بدّ أن يولّدها. وفي نهاية المكالمة، أعرب الرئيس بوش عن أمله في أن تتمكن الدول العربية من التوصل إلى مخرج من هذه الأزمة. وعندما تداول الرئيس مبارك وجلالة الملك الحسين في الأمر، اقترح السيد الرئيس، أن يتوجه جلالة الملك إلى بغداد، لمقابلة الرئيس صدام، وإقناعه بقبول أمرَين:

  • الأول: الانسحاب من الكويت، دون إبطاء.
  • والثاني: عدم التعرض لعودة حكومة الكويت الشرعية.

    فإذا وافقت القيادة العراقية على هاتَين النقطتَين، من حيث المبدأ، فإنه يمكن عقد مؤتمر قمة مصغر (في جدة)، لإخراج هذا الاتفاق، بأسلوب يحفظ ماء وجْه العراق.

    ولم يبدِ جلالة الملك الحسين تحمساً لهذا الاقتراح، حيث انصب اهتمامه على تأجيل صدور أي قرار عربي بإدانة العراق. وقد علق السيد الرئيس على هذه الرغبة، بأنه إذا تجاوبت القيادة العراقية مع الاقتراح المذكور، بشِقَّيه، فإن هذا كفيل بوقف جميع التداعيات، التي يمكن أن يفرزها الموقف. أما إذا أصرّت بغداد على موقفها، فلن يكون هناك مفرّ من اتخاذ موقف حازم من الغزو. وأوضح الرئيس، أن الشعب المصري بأسْره، مستاء تماماً لما حدث، ويطالب باتخاذ موقف حازم ضد الغزو العراقي، ولا تستطيع الحكومة العراقية أن تتجاهل هذا الضغط الشعبي. 

    وعلى هذا، ذكر الرئيس، أن مصر، سوف تسعى إلى تأجيل إصدار أي قرار، منها أو من مجلس جامعة الدول العربية، بإدانة الغزو، إلى ما بعد زيارة الملك الحسين لبغداد، والتعرف على موقف القيادة العراقية، بدقة.

    وقد قام السيد الرئيس بالاتصال، هاتفياً، بخادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، وعرض الفكرة عليه. فلم يمانع في عقد القمة المصغرة، التي اقترحها السيد الرئيس، وأن يستضيفها في جدة، إذا ما وافق الرئيس صدام على النقطتَين، المشار إليهما. وأعرب عن أمله في أن يوفَّق جلالة الملك الحسين في مهمته، في بغداد. وعندما شعر الرئيس مبارك بتردد الملك الحسين في التوجه إلى بغداد، وحمْل الرسالة المصرية للرئيس صدام، قام سيادته بالاتصال بالرئيس العراقي، هاتفياً، وأخبره بأنه طلب من جلالة الملك الحسين، أن ينقل إليه رسالة هامة، على وجه السرعة. وأعرب الرئيس عن أمله في تجاوب القيادة العراقية، حفاظاً على المصالح العربية العليا، وعلى المصلحة العراقية، في المقام الأول.

    ومن كل هذا، يتضح أنه لم تكن هناك "مبادرة أردنية"، طُرحت على الرئيس مبارك، أو خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد. ولم يسمع أحد بهذا التعبير (المبادرة الأردنية)، من قبْل أو من بعد، وإنما كان هناك اقتراح مصري، طرحه الرئيس مبارك على جلالة الملك الحسين، الذي قبِله، بعد تردد.

2. الرواية الثانية، التي أوردها الكتاب الأردني

    إن الرئيس مبارك، أيد هذَين الاقتراحَين، بحماس واضح. وأمر بوضع طائرة مصرية تحت تصرف وزير الخارجية الأردني، لنقْله إلى القاهرة، للتداول مع وزير الخارجية المصري، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، الذين سارعوا إلى عقد جلسة، في القاهرة، بهدف تهدئة وزراء خارجية دول الخليج، الذين كانوا يلحون على الجامعة العربية بالإسراع في إدانة العراق.

    حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    ولأن الرئيس مبارك، هو صاحب الاقتراح، فإنه لا مجال للقول بأنه أيده "بحماس واضح"، وإنما كان همه منصرفاً إلى إقناع جلالة الملك الحسين بقبوله، ودفعه إلى السفر إلى بغداد، للحصول على قبول الرئيس صدام. ولتهيئة المناخ اللازم لذلك، أعرب الرئيس عن استعداد مصر للعمل على تأجيل إصدار أي قرار عربي بإدانة العراق، إلى ما بعد توجُّه الملك الحسين إلى بغداد، وتعرفه على موقف القيادة العراقية من الاقتراح المصري.

    ومن أجْل هذا، أجرى الرئيس مبارك اتصالات هاتفية، من الإسكندرية، بعدد من وزراء الخارجية العرب، وفي مقدمتهم نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية المصرية. وتم الاتفاق، بالفعل، على الانتظار بعض الوقت، قبْل صدور أي قرار، انتظاراً لما تسفر عنه زيارة الملك الحسين لبغداد. وبعد أن تمت موافقة وزراء الخارجية العرب على ذلك، سافر وزير الخارجية الأردني إلى القاهرة، على طائرة مصرية، للمشاركة في اجتماع مجلس الجامعة.

3. الرواية الثالثة، كما أوردها الكتاب الأردني

    وفي صباح اليوم التالي (3 أغسطس 1990)، توجَّه جلالة الملك الحسين إلى بغداد، حيث اجتمع بسيادة الرئيس صدام حسين. وحصل منه على موافقته على حل للأزمة، في الإطار العربي. واتفق معه على أن يحضر العراق القمة العربية المصغرة، في جدة، في 5 أغسطس 1990، التي ستضم زعماء الأردن ومصر والسعودية واليمن. كما اتفق على الخطوط العريضة للحل، الذي كان جلالة الحسين، قد بحثه مع سيادة الرئيس حسني مبارك، وخادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، والذي، بموجبه، سيبدأ العراق بالانسحاب المبكر جداً، والذي سيقرر مؤتمر القمة تاريخ وتوقيت البدء بتنفيذه، أي خلال ساعات. واتفق، أيضاً، على أن يبلغ سيادة الرئيس صدام حسين جلالة الملك الحسين بتفاصيل الموقف العراقي، قبْل أن تصل طائرة جلالة الملك الحسين إلى مطار عمّان، لدى عودتها من بغداد.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    بعد أن أجرى الرئيس مبارك اتصالات هاتفية بخادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد، والرئيس صدام حسين، وعدد من وزراء الخارجية العرب، تم الاتفاق على أن يتوجَّه الملك الحسين إلى بغداد، في صباح اليوم التالي (الجمعة 3 أغسطس).

    وليس صحيحاً ما جاء في الكتاب الأردني، من أن الملك الحسين، بحث الاقتراح، الذي طرحه الرئيس مبارك مع خادم الحرمَين الشريفَين، بل إنه لم يجرِ أي اتصال بين ملكَي الأردن والسعودية، أثناء وجود الملك الحسين في الإسكندرية، وإنما تم الاتصال بخادم الحرمَين الشريفَين، بواسطة الرئيس مبارك، فوافق على الاقتراح المصري، بشِقَّيه. وعندما ذكر له السيد الرئيس، أن الملك الحسين، يفكر في المرور بالسعودية، قبْل سفره إلى بغداد، أبدى خادم الحرمَين أسفه، لتعذر تحقيق ذلك، لانشغاله بمهام أخرى.

    ومن الغريب أن يذكر الكتاب الأردني، أن جلالة الملك الحسين، اتفق مع القيادة العراقية على الخطوط العريضة للحل المقترح؛ فلو كان هذا قد حدث، لتغير الموقف برمّته. وكل ما أبلغه الملك الحسين للسيد الرئيس، هو أن الرئيس صدام، وافق على حضور القمة المصغرة، في جدة. وعندما سأله الرئيس عن موقف القيادة العراقية من نقطتَي الانسحاب، وعدم التعرض للحكومة الشرعية الكويتية، كان رد الملك، أنه لم يبحث تلك التفاصيل في بغداد.

4. الرواية الرابعة، التي أوردها الكتاب الأردني

    حينما كان جلالة الملك الحسين، يتابع جهوده، بشأن المقترحات، التي اتفق عليها مع الرئيس حسني مبارك، أصدرت الحكومة المصرية بياناً، يدين الغزو للكويت. وما أن وصل جلالة الملك إلى عمّان، حتى اتصل بالرئيس مبارك، وأبلغه بالاتفاق، الذي تم مع الرئيس صدام. كما عبَّر عن أسفه من البيان المصري.

    حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    حقيقية ما حدث، هو أن الرئيس مبارك، أرجأ إصدار أي بيان من جمهورية مصر العربية، إلى ما بعد التعرف على نتائج مباحثات الملك الحسين في بغداد. وبالفعل، لم يصدر بيان وزارة الخارجية المصرية، إلاّ بعد اتصال جلالة الملك الحسين، من عمّان، بالرئيس، وإبلاغه له، بأنه لم يبحث مع القيادة العراقية النقطتَين الخاصتَين بالانسحاب، وعودة الحكومة الشرعية للكويت. ثم إن البيان المصري، اقتصر على المطالبة بما يلي:

أولاً:   انسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية.

ثانياً:   الكف عن محاولة تغيير نظام الحكم في الكويت بالقوة، وترك الشؤون الداخلية للكويت للشعب الكويتي الشقيق، يقرها بإرادته الحرة وقراره المستقل.

ثالثاً:   ارتباط البلدَين باتِّباع أسلوب محدد، لتسوية الخلافات القائمة بينهما، بالطرق الودّية، والمفاوضات السلمية.

    ويبدو أن جلالة الملك الحسين، رأى أن مطالبة العراق بالانسحاب، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية الكويتية، إدانة للعراق.

5. الرواية الخامسة، التي أوردها الكتاب الأردني

    جاء بالكتاب الأردني، أن الرئيس مبارك، في إطار شرحه للموقف المصري، ذكر أنه يتعرض لضغوطات كبيرة، وأنه تحدث مع خادم الحرمَين الشريفَين، الذي كان غاضباً من الوضع. وذكر الرئيس مبارك للملك الحسين، أنه لم يقبَل بالاتفاق، الذي تم بين جلالة الملك الحسين والرئيس صدام، وهو يصر على ضرورة الانسحاب العراقي، غير المشروط، من الكويت، والعودة الفورية للعائلة الكويتية الحاكمة. وبذلك، يكون الرئيس المصري، قد اعتمد نفس الموقف، الذي تبنّاه وزراء خارجية الجامعة العربية، والذي يدين الاجتياح العراقي للكويت، ويطالب بالانسحاب الفوري.

    حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    الحقيقة، التي تعلمها القيادة الأردنية جيداً، في أن الرئيس مبارك أخبر جلالة الملك الحسين، بمجرد أن الشعب المصري، يرفض الغزو العراقي، مهْما كانت المبررات والذرائع، التي يستند إليها. ولذلك، فسوف يكون من الصعب تماماً على الحكومة المصرية، أن تتراخى في إصدار بيان بشأن الغزو العراقي الطائش، وكل ما يمكن عمله، في هذا الشأن، هو تأجيل إصدار البيان المصري، والعمل على تأجيل صدور البيان أو القرار العربي، لمدة 24 ساعة، حتى يتاح لنا أن نتحقق من استعداد القيادة العراقية للتعهد بالانسحاب من الكويت، وعدم التصدي لعودة الحكومة الشرعية. وهو ما تم، بالفعل، ولم يصدر البيان، المصري والعربي، إلاّ بعد عودة الملك الحسين من بغداد خالي الوفاض.

    ولم يُشِر الرئيس، من قريب أو من بعيد، إلى أي (ضغوطات) تمارس عليه، ضغط الرأي العام. كما أنه لم يحدث أن غير الرئيس موقفه، عندما أصبح يشترط موافقة العراق على النقطتَين، المشار إليهما. فقد كان هذا الشرط واضحاً، في حديث السيد الرئيس مع الملك الحسين، ومع جميع المسؤولين العرب، الذين اتَّصل بهم سيادته، منذ الساعات الأولى لنشوب الأزمة.

6. الرواية السادسة، التي أوردها الكتاب الأردني

    أنه نتج عن صدور قرار مجلس الجامعة العربية، في ساعة متأخرة من ليلة 3 أغسطس، بإدانة الغزو العراقي، أمران:

  • الأول: إحباط جهود الأردن لعقد القمة المصغرة.
  • الثاني: تحوّل الموقف العراقي إلى التصلب.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    ثابت من وقائع اجتماع مجلس الجامعة العربية، يوم 3 أغسطس، أن البيان، الذي صدر عن المجلس، متضمناً إدانة العدوان العراقي على الكويت، ورفض أية آثار مترتبة عليه، إلاّ بعد التحقق من أمرَين:

·  الأول: أن جلالة الملك الحسين، لم يحصل من القيادة العراقية، على التعهد، الذي كان كفيلاً بوقف تداعيات الموقف؛ وإذا لم يذكر، في حينه، أنه حصل على هذا التعهد.

·  والثاني: أن ممثل العراق في اجتماع مجلس الجامعة، قد اتخذ موقفاً جامداً، يقوم على أن الكويت هي جزء من العراق، وأن العراق لا يقبَل أي مساومة في ما اتخذه من إجراءات، في هذا الشأن.

    ومن اللغو أن يقال، إن العراق قد تشدد في موقفه، بعد صدور هذا البيان العربي، لأن شؤون الدول، المتعلقة بالحرب والسلام، هي أمور خطيرة، ولا يمكن أن تتوقف على صدور بيان، بصيغة أو بأخرى.

7. الرواية السابعة، التي أوردها الكتاب الأردني

    إن صدور قرار مجلس الجامعة العربية، في 3 أغسطس، مهّد الطريق أمام الجامعة العربية، للتخلي عن أي محاولة للإبقاء على الأزمة داخل الإطار العربي، وفتح الباب أمام المطالب الدولية، التي أصبحت تصرّ على انسحاب عراقي، غير مشروط، وغير قابل للتفاوض.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    لسنا ندري ما هو المقصود بهذا؟ هل المقصود، هو أن الجامعة العربية، كانت متلهفة للتخلي عن دورها، باحثة عن ذريعة، لكي تفرط في مسؤوليتها، وتتنازل عن دورها؟

    وكيف يقال إن قرار مجلس الجامعة العربية، الذي صدر في ساعة متأخرة، من مساء 3 أغسطس، هو الذي فتح الباب أمام المطالب الدولية؟ في حين أن الثابت، هو أن مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، قد أصدر قرار رقم 660، الذي أدان العراق، ودعا إلى انسحابه، فوراً، دون شروط، من أرض الكويت، وذلك في يوم 2 أغسطس، أي قبْل صدور قرار مجلس الجامعة العربية، بيوم كامل.

8. الرواية الثامنة، التي أوردها الكتاب الأردني

    إن الجانب الأردني، قد فهِم من السرعة، التي صدر بها قرار وزراء الخارجية العرب، والتغير الذي طرأ على موقف الرئيس مبارك، أن جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، ودولاً عربية أخرى، وقعت تحت ضغوط كبيرة.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    هذا ادعاء مرفوض، نأبى أن يوجَّه إلى غالبية الدول العربية، التي اتخذت موقفاً حازماً من الغزو العراقي. وكما أوضحنا، من قبْل، فلم يحدث أي تغير في موقف مصر من الأزمة، فقد ظل هذا الموقف قائماً، منذ وقوع الغزو المشؤوم، إلى اليوم، الذي أصدرت فيه القيادة العراقية أوامرها لقواتها بالانسحاب الفوري من الكويت، قائماً على أساس، أن الحل يكمن في العناصر التالية:

  • أولاً: انسحاب العراق من الأراضي الكويتية.
  • ثانياً: عدم تعرض العراق لعودة حكومة الكويت الشرعية.
  • ثالثاً: تسوية أية خلافات بين البلدَين، بالطرق السلمية.

9. الرواية التاسعة، التي أوردها الكتاب الأردني

    إن جلالة الملك الحسين، عندما اطلَّع على القرار، المقدم من وزراء الخارجية العرب، لأقرانهم في منظمة المؤتمر الإسلامي، أدرك أنه مقدمة لتدويل الأزمة، وفتْح الطريق أمام التدخل الأجنبي.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    أوضح أن مشروع القرار، المشار إليه، والقرار الذي صدر بناءً عليه، من المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، يوم 4 أغسطس 1990، لم يضيفا إلى النصوص، التي تضمنها قرار مجلس الجامعة العربية، سوى:

  • مطالبة العراق والكويت بمراعاة مقتضيات حُسن الجوار.
  • وعدم محاولة تغيير النظام الداخلي، في أي منهما، بالقوة.
  • واحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دولة.
  • وامتناع الدول الأعضاء عن استخدام القوة أو التهديد، باستخدامها ضد وحدة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي، لأي منهما.

    فما الذي تتضمنه هذه النصوص، مما يعتبر تمهيداً لتدويل الأزمة، وفتْح الطريق أمام التدخل الأجنبي؟ وما هو المبرر لتوجيه هذا الاتهام لوزراء خارجية الدول الإسلامية، على هذا النحو؟

ثالثاً

    جاء بالكتاب الأردني، أن جامعة الدول العربية، تخلت، نهائياً، عن دورها، كصمام للأمن العربي، في اجتماع القمة العربية الطارئة، التي عقدت بدعوة من سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك، في 10 أغسطس 1990. ومرة أخرى، فشلت الجهود لإحياء الوساطة العربية، ووجد المجتمعون أنفسهم أمام مشروع قرار جاهز، ومُعَد ربما، قبل انعقاد المؤتمر، وأقر مشروع القرار بسرعة. ووصف مؤلفو الكتاب الأردني القرار، الذي صدر عن القمة، بأنه باطل، لأنه لا ينسجم مع نص المادة السادسة، التي تنص على أنه في حالة تعرض دولة عضو بالجامعة لعدوان، من قبل دولة أخرى، يتم تبنّي القرارات بالإجماع. الأخرى وجدت في هذا القرار محاولة لتوفير الغطاء للتدخل الأجنبي، قبْل إتاحة مجالٍ كافٍ لمخرج عربي للأزمة، وذلك ضمن مخطط، يهدف إلى تدمير القدرات العراقية، العسكرية والصناعية.

    وبالرغم من صدور القرار، المشار إليه، من مؤتمر القمة، فقد واصل الأردن جهوده لإيجاد حل عربي، بالاشتراك مع أعضاء الجامعة العربية الآخرين، الذين يشاركون في البحث عن حل سلمي. وذلك من خلال قناتَين:

·  الأولى: إقامة اتصالات مع الأعضاء الرئيسين في التحالف الدولي، بهدف إقناعهم بأهمية الحوار، والتخلي عن المجابهة مع العراق.

·    الثانية: تكثيف الاتصالات مع الحكومات العربية، التي تشارك الأردن .

    تلك هي الرواية التي أوردها الكتاب الأردني، للأحداث التي صاحبت عقد القمة العربية، غير العادية، في القاهرة، يوم 10 أغسطس 1990.

حقيقة الأحداث، كما وقعت بالفعل

    كنّا نعتقد أن الخيال، لن يجنح بواضعي الكتاب المذكور، إلى هذا الحدّ، عندما يتعلق الأمر بوقائع مادية ثابتة، شهدتها قيادات عربية عديدة، وسجلتها محاضر مؤتمر القمة العربي، المشار إليه، بحيث لا يتعذر على أحد أن يتحرى صحة هذه الوقائع، ويضعها في السياق السليم.

    ومن جانبها، ترى حكومة جمهورية مصر العربية، من واجبها، أن تسجل الوقائع، التي أحاطت بعقد مؤتمر القمة، وصدور قراراته، وموقف الأردن، أثناء انعقاد المؤتمر. وسوف نورد الحقائق، كما حدثت، بدقة تامة، دون زيادة أو نقصان:

1. بعد منتصف الأسبوع التالي للغزو العراقي المشؤوم، اتصل عدد من رؤساء الأقطار العربية الشقيقة، بالرئيس محمد حسنى مبارك، واقترحوا عليه الدعوة لعقد مؤتمر قمة طارئ، لبحث الوضع الخطير، الناجم عن العدوان العراقي على دولة شقيقة، عضو بجامعة الدول العربية. وبعد أن تداول الرئيس مع العديد من قادة الدولة الشقيقة، استقر رأيه، في 8 أغسطس 1990، على توجيه الدعوة لمؤتمر، يعقد بالقاهرة.

2. وكانت أول خطوة، اتخذها السيد الرئيس، بعد توجيه تلك الدعوة، هي إرسال رسالة عاجلة للرئيس العراقي، صدام حسين، يحثه فيها على حضور المؤتمر. فإذا تعذر عليه الحضور، فإن من المهم أن يمثَّل العراق بوفد على مستوى عالٍ، يكون مفوضاً ومؤهلاً لأن يشارك، مع سائر القادة العرب، في التوصل إلى حل عربي. وأعرب السيد الرئيس، في رسالته، عن أمله في أن تقدر القيادة العراقية خطورة الموقف، وتدرك المضاعفات الخطيرة، التي لا بدّ أن تنجم عن استمراره، وحتمية الموافقة على الانسحاب من الأراضي الكويتية، وعدم التعرض لعودة الحكومة الشرعية للكويت. وبمجرد موافقة العراق على هذا، فلن يتعذر على القادة العرب أن يخرجوا هذا الاتفاق في الإطار الذي يحفظ للعراق كرامته وللكويت سيادتها. وبذلك، نتمكن من تجنب تدويل الأزمة، ودخول قوى خارجية طرفاً فيها. وعندما وصل الوفد العراقي لمؤتمر القمة، برئاسة السيد طه ياسين رمضان، كان أول ما فعله الرئيس مبارك، قبَيل انعقاد المؤتمر، يوم 10 أغسطس 1990، هو استقبال الوفد بكامل هيئته، والاستماع للرد الذي يحمله على رسالته للرئيس صدام. وثابت من محضر هذا اللقاء بين السيد الرئيس وبين الوفد العراقي، أن رد الرئيس صدام الحسين على رسالة الرئيس، تركز على النقاط الآتية:

  • إن العراق يعتبر الخطوات، التي قام بها تجاه الكويت، نهائية، لا رجعة فيها، ولا مساومة، بل إنه لا يقبل إثارة الموضوع، أصلاً، في اجتماع القمة، لأنه يمثل أمراً داخلياً، يخص العراق وحده، وليس لأي دولة عربية أخرى أن تناقشه فيه.
  • إن التقدم بأي اقتراحات عربية، متعلقة بانسحاب العراق من الكويت، أو عودة الحكومة الكويتية السابقة، مرفوض، من حيث المبدأ.
  • إن العراق يرحب بطرح أية قضايا عربية أخرى على المؤتمر.

        وقد كرر الوفد العراقي التعبير عن هذا الموقف، في الكلمة التي ألقاها أمام المؤتمر.

3. ورغم هذا الموقف السلبي الجامد، فقد كرر السيد الرئيس إعرابه عن أمله في أن تعيد القيادة العراقية تقدير موقفها، وتنظر للموضوع نظرة موضوعية، تتفق مع المعطيات الأساسية القائمة، ومع الأخطار التي يتعرض لها العراق والأمّة العربية كلها، نتيجة للغزو العراقي للكويت.

4. وفي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة، حرص الرئيس مبارك على دعوة المؤتمر، بعبارات واضحة، إلى التمسك بالحل العربي، وتجنّب التدويل والتدخل الخارجي.

5. إن جامعة الدول العربية، لم تتخلَّ، في مؤتمر القمة، المشار إليه، عن دورها كصمام، وإنما جاء رفض العراق، ليطعن دور الجامعة العربية، ويشله عن العمل، وليدفع الأمور نحو تدويل الأزمة.

6. جاء في الكتاب الأردني، أن المجتمعين في مؤتمر القمة، وجدوا أنفسهم أمام مشروع قرار جاهز، ومُعَد ربما، قبْل انعقاد المؤتمر، وأن هذا المشروع، قد أقر بسرعة.

    ويتناقص هذا الطرح مع الحقائق التالية

أ. أنه لم يقدَّم أي مشروع قرار للمؤتمر، في المراحل الأولى لانعقاده، وإنما كان التوجه منصباً، في هذه المراحل، على الاستماع إلى كلمات ملوك ورؤساء الدول المشاركة في المؤتمر، والمداولات التي أجروها، داخل قاعة الاجتماع وخارجها.

ب. أنه عندما بدأت وفود بعض الدول العربية الخليجية، تبلور مشروعات، للعرض على المؤتمر، تم طرح المشروع المذكور على وفود الدول الأخرى، لأخذ الرأي، والتشاور حول مضمونه وصيغته، وتم، بالفعل، إدخال تعديلات عليه، تحقيقاً لرغبات هذه الدول، ونذكر منها، بالتحديد، الوفد الجزائري، برئاسة فخامة الرئيس الشاذلي بن جديد. 

ج. أنه أثناء مناقشة مشروع القرار، المشار إليه، في المؤتمر، اتجه تفكير بعض الحاضرين، ومنهم السيد ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، إلى إيفاد وفد، يضم خمسة من الملوك والرؤساء العرب، للسفر إلى بغداد، ومحاولة إقناع القيادة العراقية بقبول الانسحاب من الكويت، وتسوية المشاكل القائمة بين البلدَين، بالطرق الودية، كان اسم جلالة الملك الحسين وارداً ضمن الأسماء المقترحة، للمشاركة في الوفد المذكور. وعندما أراد الرئيس مبارك التعرف على رأي أصحاب الأسماء المقترحة، اتجه إلى جلالة الملك الحسين، الذي كان يجلس إلى جواره، فأبدى عدم رغبته في المشاركة في أي وفد من هذا القبِيل. لما عاود الرئيس مبارك طرح الاقتراح على جلالة الملك، من خلال أحد أعضاء الوفد المصري، في المؤتمر، اتخذ الملك نفس الموقف، الرافض للمشاركة في الوفد.

د. أنه على خلاف ما أورده الكتاب الأردني، من أن إصدار القرار من مؤتمر القمة، قد تم (بسرعة) ، فإن من الحقائق الثابتة، أنه عندما كرر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حديثه، عن وجوب إتاحة الفرصة، لإجراء اتصال أخير بالقيادة العراقية، قبل اتخاذ قرار حول الموقف، نظر جلالة الملك الحسين إلى الرئيس حسنى مبارك، الذي كان يتولى رئاسة الجلسة، وقال له، في حديث جانبي، سمعه بعض أعضاء الوفود، التي كانت جالسة قرب الوفد الأردني: "أرى أن تقوموا بطرح مشروع القرار للتصويت، ولا داعي للاسترسال في هذا اللغو". وكرر الملك هذا المطلب للسيد الرئيس، مرة أخرى.

هـ. ومع حرص جمهورية مصر العربية على ترك مسألة صحة وقانونية البيان، الذي صدر عن مجلس الجامعة العربية، يوم 3 أغسطس، والقرار الذي صدر عن مؤتمر القمة، غير العادي، يوم 10 أغسطس، لجامعة الدول العربية نفسها، إلاّ أنها تبدي ملاحظتَين بهذا الصدد:

·  الأولى: إن المادة السادسة من الميثاق، التي أشار إليها الكتاب الأردني، تتطلب الإجماع في حالة واحدة، وهي تلك التي يقرر فيها المجلس اتخاذ "تدابير" معيّنة، لدفع الاعتداء، الذي تعرضت له إحدى الدول الأعضاء. وواضح من الإطلاع على القرار، الذي صدر عن مؤتمر القمة، أنه لم ينص على اتخاذ أية "تدابير" ضد العراق.

·    والثانية: إن الكتاب الأردني تجاهل أن المادة السابعة من الميثاق، نصت على أن "ما يقرره المجلس بالإجماع، يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة. وما يقرره المجلس بالأكثرية، يكون ملزماً لمن يقبَله.

    كذلك، فإن المادة السادسة من النظام الداخلي للجامعة، تنص، في فقرتها الأولى، على "أن يكون انعقاد المجلس صحيحاً، إذا حضره مندوبو أغلبية الدول الأعضاء. ويتخذ قراراته بموافقة أغلبية الدول الأعضاء، ما لم يرِد نص على خلاف ذلك، في الميثاق وهذا النظام".

    وواضح من هذَين النصَّين، أن مؤسسي جامعة الدول العربية، لم يتطلبوا إجماع الدول الأعضاء على قرارات الجامعة، كشرط لصحتها، إلاّ في حالة استثنائية، نص عليها، على سبيل الحصر، وهي اتخاذ "تدابير" ضد إحدى الدول الأعضاء.

    ويضاف إلى كل هذا، أن المملكة الأردنية الهاشمية، لم تُشِر إلى هذه النقطة، من قريب أو من بعيد، عندما أصدر مؤتمر القمة العربي التاسع، المنعقد في بغداد، يوم 5 فبراير عام 1978، قرارات تقضي بتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، مؤقتاً، ونقْل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى عاصمة أخرى. وثابت من سجلات جامعة الدول العربية، أن القرار، المشار إليه، لم يصدر بالإجماع، نظراً لتحفظ سلطنة عُمان عليه، وذلك رغم أنه يتضمن اتخاذ تدابير، تجاوزت كثيراً التدابير المنصوص عليها في الميثاق. ورغم هذا، لم نسمع مسؤولاً أردنياً، يقول إن هذا القرار، صدر باطلاً، وغير سليم، بل إن المملكة الأردنية الهاشمية، التزمت به، وطبقت أحكامه.

6. إنه لو كان جلالة الملك الحسين مقتنعاً، للحظة واحدة، بما جاء في الكتاب الأردني، من أن مشروع القرار المقدم للمؤتمر، كان مجرد محاولة لتوفير الغطاء للتدخل الأجنبي، قبْل إتاحة مجالٍ كافٍ لمخرج عربي للأزمة، ضمن مخطط، يهدف إلى تدمير القدرات العراقية، العسكرية والصناعية ـ لكان المنطقي، هو أن يعترض جلالة الملك على إصدار القرار المذكور، أثناء المداولات، التي جرت بشأنه، وأن يخطر القادة العرب المجتمعين بما يزعم الكتاب الأردني أنه حدث، وهو أن العراق، يوافق على الانسحاب من الكويت، بشرط ألاّ يتعرض الغزو للشجب والإدانة.

رابعاً

    رغم أن النغمة الرئيسية، التي تبرز في مختلف صفحات الكتاب المذكور، هي أنه كان هناك مجال لتسوية عربية للأزمة، ولكن بعض القوى العربية، قد أهدرت تلك الفرصة، وفتحت الباب أمام التدخلات الأجنبية، فإن الثابت من الكتاب نفسه، هو أن جلالة الملك الحسين، وجّه رسالة إلى الشعب الأمريكي، ذكر فيها، أن الأردن "يعترف بحق المملكة العربية السعودية في طلب العون من الدول الصديقة، وكذلك بحق الإدارة الأمريكية في الاستجابة لذلك الطلب". (الوثيقة الرقم 8، المنشورة بالكتاب الأردني).

    وختاماً، تقرر جمهورية مصر العربية، أنها كانت تأمل أن يكون صدور هذا الكتاب عن الحكومة الأردنية، فرصة لمراجعة النفس، وإلقاء نظرة فاحصة على النتائج الخطيرة، التي نجمت عن الغزو العراقي لدولة الكويت، واستنباط الدروس والعِبر، المستفادة من هذه التجربة الأليمة، التي تعتبر أسوأ ما حل بالأمّة العربية، في تاريخها الحديث. غير أن واضعي الكتاب المذكور، اختاروا له، للأسف الشديد، أن يكون محاولة أخرى، ليس فقط لتبرير الموقف الأردني وإعادة تشكيله، بل أيضاً لتبرير الموقف العراقي وتأصيله، والبحث عن الذرائع، التي تفسر اتخاذه، كنتيجة حتمية، وطبيعية، للأوضاع التي سادت الوطن العربي، قبْل الغزو.



[1] ما سبق، هو نص المـذكرة، المقـدمة من حكومـة جمهـورية مصـر العـربية، في شــأن المزاعم، التي وردت في الكتاب الأبيض، الذي أصدرته حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، في الأول من أغسطس 1991، تحت عنوان `الأردن وأزمة الخليج`