إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









وثيقة

وثيقة

بيان الرئيس حسني مبارك

في المؤتمر الصحفي العالمي، الذي عُقد في القاهرة

في 8 أغسطس 1990

في شأن أزمة الخليج

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة.

    تمر البلاد، والأمّة العربية، بظروف صعبة ومعقدة. ولقد عهدتم مني، في جميع المواقف، أن أتكلم معكم بصراحة تامة، عن أي حدث، داخلي أو خارجي، يمس مصر، أو يمس الأمن القومي العربي. لا يحدوني في هذا، سوى الحفاظ على المصالح الحيوية للأمّة العربية، وتوفير الشروط الضرورية، لحماية حقوقها ومقدساتها، وتمكينها من مواجَهة التحديات، التي تعترض مسيرتها، في هذا العصر، الحافل بالانجازات والأخطار، في نفس الوقت.

    واليوم، أجد لزاماً عليّ، أن أطرح عليكم رؤيتي لموقف، ينذر بأخطار بالغة، بل قد تكون مدمرة، وصعبة، لكافة الشعوب في الأمّة العربية، دون استثناء. هي أخطار لها أبعاد، إقليمية ودولية، لم نشهد لها مثيلاً، من قبْل. ولذلك، فإنه يجب علينا جميعاً، أن نأخذها بما تستحقه من اهتمام وحذر بالغ. وأن نتعرف معاً على الآثار الوخيمة، التي يمكن أن تنتج عن استمرارها.

    سأتكلم معكم عن قصة المشكلة العراقية ـ الكويتية، بمنتهى الصراحة. لا متحيزاً لهذا الجانب، ولا ذاك الجانب. ولا يُفهم أنني أتحيز لجانب الكويت ضد العراق. ولا يزعم أحد، أن الكويت تساعد مصر، بهذا تأخذ موقف الكويت. أنا بقول إطلاقاً. لا مساعدة من الكويت، ولكن المسألة مسألة مبدأ. ومصر لها مبادئها ومواقفها. ولا يمكن أن تباع هذه المواقف بالمال، لأنها ستسجل في التاريخ للأجيال القادمة.

    بدأت المشكلة، مشكلة حدود، بين العراق والكويت، مشكلة حدودية، منذ زمن طويل. وأظن أغلب حضراتكم يعرف تاريخها، من قبْل عبدالكريم قاسم، وأيام الرئيس جمال عبدالناصر، وما اتُّخذ حيالها من إجراءات.

    المشكلة الحالية، بدأت مشكلة الحدود، وخاصة بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية. ومعها في هذه الفترة أيضاً، تسوية خلافات ديون على العراق للكويت، نتيجة الحرب العراقية ـ الإيرانية. ثم مشكلة أخرى، أثيرت من العراق، وهي سرقة بترول من أرض تعتبرها العراق أرضها. وأنا بأقول الحقيقة. المشكلة الحدودية، كان يجب على الكويت أن تتحرك في إطار حلها. مشكلة سرقة البترول اعترفت بها الكويت في إحدى المرات.

    في 18 يوليه، الشهر الماضي، أعلن العراق اتهامه للكويت بالبترول، وإنشاء قواعد عسكرية في أرض عراقية. وقالوا إنهم بيغرقوا السوق بالبترول. بيزودوا حصتهم في البترول أكثر من اللازم. فيخفضوا أسعار البترول، وده فيه هدم للأمن القومي العراقي و... و... إلخ، من كل هذه الآراء.

    مصر وجدت أن الموضوع فيه شدّ جامد. وخشينا أن يتطور بين دولتَين عربيتَين شقيقتَين متجاورتَين. ففي يوم 19 يوليه، طلّعنا بيان، لأول وهلة. إحنا كنّا متصورين خلاف من الخلافات، وممكن إننا نخش نتكلم، ونهدئ العملية. البيان اللي طلعته، في 19 يوليه، بيقول: يا جماعة، أرجوكم هدوا (أهدأوا). تسوية الخلاف والمنازعات، نعملها بالحوار الأخوي العربي. ومستعدين جميع الدول تتعاون في الوصول إلى نتيجة، مُرضية للطرفَين، بين الطرفَين.

    بعد كده، لقينا الموضوع. وبنسمع وكالات الأنباء بتقول، هناك قوات بتتحرك، من العراق جنوباً، في اتجاه الكويت. طبعاً، مصر لها موقع ريادي وقيادي، رضينا أم لم نرض، رضي الآخرون أم لم يرضوا. مصر لها تاريخها. ولها حضارتها. ولها قدرتها على الحركة. الحقيقة تحركت.

    العراق دولة صديقة، يربطني بالرئيس العراقي، صدام حسين، رباط أخوي قوي. بنتفاهم كثيراً في مشاكل كثيرة. قررت أن أذهب للعراق، بحكم العلاقة التي بيني وبينهم. وبعد ذلك، أذهب إلى الكويت. ومن الكويت، أذهب إلى أخونا خادم الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية، لأنه هو في مجلس التعاون الخليجي، ودولة لها وزنها في المنطقة أيضاً، ويهمها المشكلة.

    بعد مناقشات طويلة مع الأخ الرئيس صدام حسين، وسألته سؤال مباشر: هل لك قوات تتجه جنوباً في اتجاه الكويت، وعلى الحدود الكويتية؟ الحقيقة قال لي: لا. دي قوات الحرس الجمهوري، رايحة في إجراء روتيني عادي، مع قوات موجودة هناك. قلت له: هل هي بعيد عن الحدود؟ قال لي: بعيدة جداً، بتاع من 70 إلى 80 كيلومتر عن الحدود. قلت له: طيّب، هل فيه نية اعتداء؟ قال لي: لا. أنا اكتفيت بالموقف ده، وليس هناك أي نية للاعتداء على الكويت. أنا قلت كويس، خلينا بقى نفكر في أسلوب لبدء الحوار بين الطرفين، ونشترك، إحنا والمملكة العربية السعودية والدول المحبة للسلام، إن إحنا نقرّب وجهات النظر، ونصل إلى حل وسط بين البلدين، علشان ما نعقدش العملية. وقد تصل إلى حدّ لا نرتضيه ولا نرضاه.

    ذهبت للكويت، وكلمتهم بمنتهى الصراحة، أن الموقف صعب، ولا بدّ أن تتحركوا في اتجاه الحل. وقد اتفقت مع الرئيس صدام حسين، بعد مناقشات طويلة، إلى أن تعقد، أولاً، جلسة مباحثات، في بغداد، ثم تليها جلسة في الكويت، علماً بأنه رفض من رؤساء دول آخرين، أن يكون الحوار في أي بلد من غير بغداد. والحق يقال، إن الرجل وافقني، واتفقنا على هذا. ثم طلبت منه طلباً آخر، أرجو أن تكون أول جلسة، في غير الكويت والعراق، حتى من الناحية النفسية، للتهيؤ النفسي للوصول. واتفقنا على الاجتماع في جدة للبلدين الاثنين، الكويت على مستوى ولي العهد، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي. وطلب مني الرئيس صدام حسين ـ كنا يوم ثلاثاء ـ أرجو أن يكون الاجتماع على وجه السرعة، في حدود السبت أو الأحد، بعد مناقشات طويلة.

    واتفقت مع الكويت. وقلت لإخواننا في الكويت، إن المسألة مسألة حدود، وكان لازم تخشّوا وتحلوا فيها. المسألة تعويض مالي، وهو اللي لازم تشوفوه. أنا بأقولها لكم بمنتهى الصراحة. والعراق ما قليش الكلام ده، ولكن أنا بأقول لكم، وأواجهكم بمنتهى الصراحة، ما أحسست به من جملة الأحداث، اللي أنا بأراقبها، في فترة، حتى سابقة، لعملية الإنذار.

    اتفقت مع خادم الحرمين، وأنا متذكر يومها، أنا في الموضوع ده، طول الليل. قبل السفر يوم الإثنين، كنت في برج العرب غادرت الساعة 4 صباحاً من برج العرب للقاهرة، قابلت مبعوث هنا في القاهرة، الساعة 6 صباحاً. طلعت على بغداد. ومن بغداد على الكويت. ومن الكويت على المملكة العربية السعودية. وبعض إخواننا، الكتّاب والصحفيين، كانوا معي في هذه الجولة. خادم الحرمين متأخرش. بعد ما سمع الموضوع، قال: أنا موافق. وقلت له: أنا عاوزها في جدة، مش في القاهرة. وافق، وقال لي: خلاص أنا حبتدي اتصل. الاتصالات اتأخرت. إحنا بقينا الأربعاء. الخميس اتصلت بخادم الحرمين الشريفين، مرتين ثلاثة. فصدر بيان من بغداد، قال: الاجتماع اللي حيحصل ده بروتوكولي. طبعاً، أثار ثائرة المملكة العربية السعودية. بروتوكولي إيه؟ إحنا بنعمل اجتماع علشان نقرب بين وجهات نظر، ولا بروتوكول نقعد ونسلّم على بعض وبتاع، وبعدين نمشي.

    الحقيقة خادم الحرمين، بعث وزير خارجيته، اتكلم مع الرئيس صدام حسين، ووصلوا إلى نقطة، أن الاجتماع ده، يقعدوا يبحثوا فيه الموضوع.

    وفي أثناء رحلتي من بغداد إلى الكويت، قرأت في وكالات الأنباء تصريح لوزير خارجية العراق، أن الزيارة التي قام بها الرئيس المصري للعراق، لم يكن موضوع الكويت والعراق موضوع البحث، وإنما كان للبحث في العلاقات الثنائية. قبْل ما أنزل الكويت. أنا تضايقت من الموضوع ده. قلت الله! أيه ده؟! ليه كده؟! هو أنا رايح أعمل حاجة، حاكسب حاجة؟ أنا باتكلم في إطار عربي. أخوّة عربية بتربطنا بإخواننا، ده صديقنا وأخونا، وده صديقنا وأخونا. وأنا بأقرب بين وجهات النظر، بالتعاون مع إخوة عرب كثيرين.

    الحقيقة تضايقت شوية. لكن قلت فوّت. قلت معلهش. ولكن بعد كده، بعت رسول ثاني، يوم الخميس. وأنا كنت هناك يوم الثلاثاء في العراق. وقلت لهم: هل ده يُعقل؟ يعني مخدناش الرد إياه. لكن معلهش. حصل الاجتماع يوم الثلاثاء، اللي هو 31 يوليه، واستمر حتى ظهر الأربعاء 1 أغسطس. الحقيقة، سمعت عن ما دار في الحوار من الطرفين. اللي سمعته من العراق، يختلف عن اللي قاله الكويت. واللي سمعته من الكويت، يختلف عن اللي قاله العراق. الكويت قالت دخل، قال كلمتين، ومش عايز يقعد معايا. طيّب، أجيلك فوق، قال لي لا، خلاص أنا تعبان. وقال له طيّب. العراق قالت أن هو جاي، وكان متشدد. يعني روايتين مختلفتين. خلّت الواحد في حيرة. بس عرفتهم متأخر.

    يوم 2 أغسطس، الساعة حوالي 4.30 الصبح، وأنا بقول، إن شاء الله يكون أغسطس ده هادئ. مرة سنة من سنوات الحكم الواحد، يستريح أسبوع. قالوا لي إلحق الاعتداء. الموضوع خطير، ونكبة، ودخلوا على المواقع، ودخلوا الكويت. جالي شلل في تفكيري. أنا أصلي رجل عسكري، وعارف تطور الأحداث دي كلها كويس قوي. وأقدر أعمل لها تقدير، لأني أنا اشتركت في حاجات من دي كثيرة. وعملنا تقديرات مواقف كثيرة، في حاجات أصعب من ده بكثير. صحيت وقعدت مش قادر أصدق اللي بيحصل. العراق والكويت بلدين عربيين، عضوين في جامعة الدول العربية، قاموا مع بعض في حرب. الكويت ساعدت بالفلوس، وده ضرب. الحقيقة، أنا كنت مذهول، ومش قادر أصدق نفسي أبداً. كان موجود عندنا، في هذا الوقت، الشيخ زايد. وكان موجود في الإسكندرية. حتى يومها، كان جاي يتغدى عندي. الساعة 8 صباحاً، ضرب لي تليفون، وقال لي: يعني الظروف وبتاع. قلت له أنا جاي لك. ورحت له، واتكلمت معه وقرر أن يغادر، علشان يقدر يشوف عنده، والموقف في المنطقة. والدنيا جاري فيها إيه.

    في نفس اليوم، سافر الشيخ زايد، حوالي الساعة الثانية بعد الظهر. أنا كنت في الإسكندرية، جيت هنا (القاهرة) ودّعته. وبعدين، الساعة 3.15، وأنا بأجهز نفسي طالع الإسكندرية، تاني، وجدت الملك حسين طلب مني أن يعدي عليّ. هو دائماً، الحقيقة، الراجل دائماً بسرعة يبادر باتصالات، ويبقى فيه بيني وبينه حوار. جالي على الإسكندرية. وصل حوالي الساعة السادسة إلاّ خمسة. كنت قاعد مستنيه في المطار، من الساعة 5.30 بعد الظهر، يوم الخميس، اللي هو يوم الغزو، قعدنا في رأس التين نتكلم. وقلت له: إن الموضوع خطير، ولا بد نشوف حل. قمة عربية جديدة. ما حدش عاوز، لأن طبيعة العرب بيقعدوا عاوزين مجاميع صغيرة، نتكلم مع بعض. قمة عربية بنقعد نتبادل الاتهامات والشتائم، وما بنطلعش بحاجة. وعلشان كده، بتلاقونا في قمم عربية، مش عاوزين نجتمع. إحنا بقى لنا أد أيه بنجتمع قمم استثنائية؟ كل خمس، ست أشهر، قمة استثنائية؟ قمة استثنائية، وبالعافية بنجتمع.

    بأقول له: يا جلالة الملك، الموضوع ده موضوع خطير جداً. وأنا أخشى من عواقبه. إذا ما كناش سنلحق نتدارك الموقف، سوف يكون مدمراً، وسيضع الأمّة العربية في الميزان، وهيبقى موقفنا من أسواء ما يمكن. فرأيي، إطلع للرئيس صدام حسين، وحاول تتكلم معه على نقطتين أساسيتين، تكون عندنا في جيبنا، علشان نقدر تكون أساس لعقد قمة عربية، ولو محدودة. ونتكلم ونقدر نساعد أخونا في العراق، بدل ما المسألة تتطور. قلت له النقاط الأساسية.

النقطة الأولى: ضرورة الانسحاب الفوري من الكويت، لأن دي دولة مستقلة ذات سيادة.

النقطة الثانية: الكف عن ضرب الأنظمة أو إزاحة الأنظمة بالقوة. لأن مش من مسؤوليتي، أن آجي أغير نظام دولة جنبي بالقوة. الشعوب دي مسؤوليتها. ده حق الشعوب، لكن أن تأتي قوة من الخارج، وتنسف الأنظمة أو ترميها، مبدأ خطير جداً، حتى في العالم كله، فما بالكم في عالمنا العربي!

    إذا وصلنا إلى النقطتين دوْل، نبتدي الحوار والمباحثات على مشاكل قائمة، وسوف نساعد عليها. وإذا احتاج الأمر لقوات عربية، تشترك فيها مصر، تشترك فيها كمنطقة محايدة بين العراق والكويت، لحدّ ما تنتهي المحادثات، ونخلص من المشكلة دي. بدون ما نتفق على ديه (ذلك)، مش هنقدر نجيب قمة، حتى ولو محدودة، في الرياض، في جدة.

    وكلمت أخونا الرئيس صدام حسين، وقلت له: الملك حسين جاي لك بُكرة، والأجواء كانت مغلقة. واتفقنا على أسلوب يوصل بطائرة حتى آخر حدود الأردن. وبعدين، يأخد عربية للداخل. وبعدين طائرة عراقية، تنقله لحدّ العراق. إذا اتفقنا على النقطتين دوْل، يكون أساس لقِمة، بدل ما نقعد نشتم في بعض، ونطلع ببلاش. الكلام ده، كان يوم الخميس.

    مجلس الجامعة العربية كان مجتمع، وعاوز يطلّع قرار. وأظن سمعتوه في أوانه، وفيه كذا بند موجود، ومافيش داعي أكرره، لأنه نُشر. في مصر كنّا جاهزين نطلّع قرار، لأن مصر، لا يمكن مصر أمام هذا الحدث الفظيع، أنها تقعد مكتوفة اليدين، لا تعبر عن رأيها. ومصيبتنا في الأمّة العربية، إذا عبْرت عن رأيك، ويختلف مع رأي أي أحد، تعتبر في عداد الأعداء. يعني إذا واحد عبر عن رأيه، يخالف رأيي، بقينا أعداء. العالم كله فيه آراء مختلفة، لكن مبدأ اختلاف الرأي، ما هواش أساس للعداء أبداً. يأخي أنا بأقول لك رؤيتي، وأنت بتقول لي رؤيتك، أنا بأقول لك خلي بالك، أنت دولة عربية، يهمني أمرك. يهمني أنك أنت لا يُطاح ببلدك. يهمني مستوى معيشة بلدك. يهمني السلام في المنطقة. فلما أقول رأيي، ما يكونش مجال علشان تقول مصر معادية.

    قلت له: أنا البيان عندي. الرأي العام في مصر ضاغط. وفعلاً أنا سمعت كلام كتير. فين، يا ريس. فين موقف مصر. وكلكم أظن فاكرين ما فيش حدّ، إلاّ وفين موقف مصر. ومن الخارج يكلموني. والآخر ما بقتش أرد على التليفونات. السبب إيه؟ الملك حسين قال لي: أنا لو رحت والبيان ده صدر، والجامعة العربية ووزراء الخارجية، معارك. وأظن كلكم عارفين عايزة (الجامعة العربية) تصدر البيان، يومها. الملك حسين قال لي: لو صدر البيان ده حينسف المجهود، ومش حيقدر يوصل إلى حاجة مع الرئيس صدام حسين. في التليفون كلمت وزير خارجيتنا. كلمت وزير الخارجية السعودي. كلمت المندوب الكويتي. كلمت عدة وزراء خارجية. قلت لهم: أرجوكم، هناك مساع لإيقاف هذا التدهور، فأرجو، هل من الممكن، يا مجلس الجامعة العربية، تأجلوا لبُكرة؟ قالوا ده صعب. وده العالم كله أدان. ومجلس الأمن اجتمع. وكل الدول الأجنبية أدانت. وإحنا، يا عرب، منظرنا إيه أمام العالم؟ وفين موقف الجامعة العربية؟ وفعلاً، الكلام ده اتقال. وأظن حضراتكم سمعتوه. قلت لهم معلهش، أرجوكم، لعل فيه أمل، بصيص أمل، إن إحنا نوصل إلى حل، بدل ما نتصادم ببعض. أجلوا المؤتمر ليوم الجمعة، السادسة مساءً. ما أصدرتش البيان بتاعي، وأنا على أعصابي. مصر ما تصدرش البيان بتاعها. العالم كله بينتقدنا، مش العالم، الرأي العام المصري له كيانه، وله رأيه، ما قدرش أتجاهله أبداً. وما فيش رئيس دولة أبداً، يقدر يقف ضد التيار. ضد الرأي العام في بلده، إذا كان هناك إجماع على موقف مصري ضد الغزو، بصرف النظر ده صديقنا، موش صديقنا، ده صاحبنا. لكن غزو دولة عربية لدولة عربية واستيلائها بالقوة، ما فيش حدّ يقبلها أبداً.

    يوم الجمعة، حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، الجمعة الموافق 3 أغسطس. اتصل بي أخي الملك حسين، وأبلغني أنه حصل موافقة على عقد القمة المحدودة. الموافقة دي كانت بس بيننا وبين بعض. ولسة إحنا ما كلمناش، لا ملوك، ولا رؤساء دول آخرين. ده إحنا بنقول الأسس هي الانسحاب. وكذا وكذا. الثلاث نقاط دوْل، إذا قدرنا نأخذهم، مبدئياً، نقوم نتكلم عن عقد قمة، علشان ما نقعدش نقطّع هدوم بعض في الاجتماعات. وإحنا بطبيعتنا، لما بنقطّع في هدوم بعض، فيه بعض الدول مبتحبش تحضر. فيا جلالة الملك، رأيك إيه؟ قال لي: وافق على القمة. قلت له: طيّب. القمة على أساس إيه؟ هل على أساس، والا مفيش أساس، اللي عليه النقطتين دو}ل؟ قال لي: والله أنا مقدرتش أناقش التفاصيل. قلت له: ما قدرش أكلم خادم الحرمين، أقول له تعالى قمة، وإحنا مش عارفين حنوصل لأيه؟ حنقعد نشتم بعض، والعالم يقول لك القمة فشلت، والحكاية تزيد وتتدهور، يبقى منظرنا أمام العالم من أسوأ ما يمكن. ده إحنا عايزين قمة. نتفق على ورقة عمل بتاعتها، قبل ما نجتمع، أو حدّ أدنى لها، ونقعد نتناقش لعلنا نصل إلى حتى خطوة متقدمة، وعلشان نوقف التدهور والصِدام اللي حصل.

    وبالتالي، وجدت نفسي ما قدرش أتأخر عن إصدار البيان، وبتوع مجلس التعاون الخليجي، كانوا مجتمعين، طلعوا، ورايا، بيان. الجامعة العربية، حوالي الساعة التاسعة أو عشرة مساء، طلعت بيان. البيان طبعاً أنتم عارفين فيه إيه، لا اليمن، ولا الأردن، ولا السودان، ولا موريتانيا، ولا المنظمة وليبيا، ما حضرتش. بصرف النظر مين حضر ومين محضرش، الدنيا، العالم، ابتدأ يبص للجامعة العربية، فعلاً، اتحركت. وأخذنا تريأه مع العالم أجمع. فين الجامعة العربية؟ الجامعة العربية دي نايمة. الجامعة العربية دي جثة هامدة. سمعت كلام في الإذاعات رهيب. اتهامات حقيقية أساءت إلينا. لأن إحنا دائماً بنتأخر، وما منستطعش أن نأخذ قرار، في مثل هذا الموضوع.

    نفس الكلام كان أخونا جلالة الملك فهد، كان اتكلم عن الانسحاب وعودة الشرعية، وبتاع، وموش عارف إيه. ونفس الموضوع وصل إلى بغداد، لكن لم يتلق نتيجة في هذا. بل بالعكس بقوا يقولوا أبداً لن تعود عائلة الصباح على رأي. ده حتى واحد أمريكاني، بيقول المسألة موش مسألة عائلة تعود أو لا تعود، المسألة مسألة مبدأ. مسألة قاعدة غلط. أن أشيل نظام بقوة خارجية. شعب يشيل نظامه. إحنا بنعترف بالأمر الواقع، بالأنظمة بتاعت الشعوب. لكن أنا أشيل. ما كل واحد بيجي على بلد جنبه يروح خالع نظامه بالقوة. أجي أنا ألهف البلد دي، وده يجي يخطف البلد دي، والمسألة بقى ما يبقاش فيه مجتمع دولي، ولا مجتمع عربي، ولا شيء.

    علشان كده أنا بأوضح، أنه ماكانش فيه أبداً اجتماع قمة إطلاقاً، اتفق عليه. ده كان كلام بيني وبين أخونا الملك حسين، لكن مفيش قمة. وزي ما بيقولوا. بعض الأقوال طلعت من بعض الصحف، أن مصر رفضت القمة. أي قمة؟ أنا كنت باتكلم عاوز أعقد قمة. بس علشان أعقد قمة، لا بد هناك أساس لأن تجتمع هذه القمة. بدل ما نيجي. نحضر، وكل واحد ينزل بقى. طريقتنا شتائم وبهدله. ويبقى الكلام ده بيطلع بره، ومنظرنا يبقى مخزي أمام العالم. وخصوصاً القضية بقت عالمية دولية.

    مجلس الجامعة العربية، أنتم عارفين قراره، اللي هو إدانة غزو العراق، ورفض أية آثار مترتبة عليه، استنكار سفك الدماء وتدمير المنشآت. مطالبة العراق بانسحابه، فوراً، ودون شروط. رفع أمر عقد قمة إلى الملوك والرؤساء العرب. تأكيد مبدأ احترام سيادة الدول العربي وسلامتها الإقليمية. الالتزام بعدم اللجوء إلى القوة لفض المنازعات. رفض أي تدخّل أو محاولة تدخّل أجنبي. المؤتمر الإسلامي طلّع قرار مماثل. مؤتمر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، طلّع قرار، قبْل قرار القمة العربية.

    المهم إحنا هنا عمالين نشدّ في بعض، ونوافق ومانوفقش، ومجلس الأمن اجتمع في أول اجتماع قبْلنا، يوم 2 أغسطس، اللي هو يوم الجمعة، وإحنا مجتمعين، ومش قادرين نطلّع قرار إدانة الغزو العراقي، باعتباره خرقاً للسلام والأمن الدولي. المطالبة بانسحاب القوات العراقية. تأكيد أن تحرك المجلس، يندرج تحت الفصل الـسابع من الميثاق، الخاص بحالات تهديد السلم والإخلال به.

    مجلس الأمن سبقنا كمان، لأن القضية مش عربية، وكأن العرب دوْل جثة هامدة، مش عاوزين يتحركوا. مش عاوزين يتكلموا. مش عاوزين يعملوا حاجة في بلد عندهم غزت بلدة ثانية، وقاعدين وقولوا بقه خايفين، والاتهامات نازلة علينا ترف بأسوأ ما يتصوره بشر. وحضراتكم طبعاً سمعتوها، جه بعد كده مجلس الأمن، اجتمع الاجتماع الثاني. وأظن أول امبارح طلّع قرار ثاني أشدّ. حظر استيراد أي سلع أومنتجات مصدرة من العراق أو الكويت. أو بيع أي سلع أومنتجات للعراق والكويت، بما في ذلك الأسلحة وغيرها. يعني شبه حصار اقتصادي. لا حدّ يأخذ حاجة من العراق، ولا حد يودّي حاجة إلى العراق، ولا حدّ يشتري بترول العراق. ولا بترول الكويت. قفل كده.

    المادة (41) من الميثاق، إن لم يسفر هذا الحصار عن نتائج، ينتقلوا إلى المادة (42) من الميثاق، الحصار العسكري واستخدام القوة العسكرية. الله! إحنا، يا عرب، قاعدين بنتفرج، الوقت مبقاش له قيمة! نفكر بكرة، نفكر بعده. طب هنستنّى لما تحصل مصيبة، وبعدين تخرج الأمور من أيدينا؟

    اللي واقع، دلوقت، يا حضرات، أمامنا في المسرح الدولي، أنا اتصل بي الرئيس الأمريكي، ورئيس وزراء كندا، عدة مرات، وميتران بتاع فرنسا. ورئيسة وزراء بريطانيا، وتركيا. مفيش حدّ إلاّ وقلق على الموقف. وبيقول لك لا بدّ من الحصار. طبعاً تقنعه. أدي فرصة. أدي فرصة. أنا قلت للرئيس الأمريكي أدينا فرصة، يا أخي، بدل ما تخشّ في القرارات دي. قال أنا بس حأعمل عقوبات، وحامشي مع الفرصة. عمّال أحاول في فرصة. ألاقي فيه أمل. كل الأبواب مقفولة. الله!

    يا جماعة، أنا بأقابل بعضهم، أقول لهم، يا جماعة، الموضوع خطير. يا إخوانا في بغداد مفيش بيننا وبينكم حاجة. ده البيان اللي أنا بطلّعه ده مفيد لكم، لأن مصر متقدرش تفقد مصداقيتها أمام العالم. يبقى لا تستطيع أن تتوسط مع أي دولة من دول العالم، لصالح أي قضية، ولا يمكن أرضى لبلدنا كده أبداً. يا جماعة، الموقف خطير. يا جماعة، الدول الأوروبية بتتحرك. يا جماعة، الدول العربية ما بقتش تثق في بعضها، دلوقت. لما أنت تقول مش ها ضرب، وضربت. دلوقتي، داخل على السعودية تقول مش حأضرب السعودية، مش حتُصدق. حنستنّى لما تحصل لها كارثة رخرة (هي الأخرى). وبعدين كل دولة خايفة. ما بقاش فيه مصداقية لكلمة لن نضرب. لن نتعدى. يقول لك لن نعتدي. ما هوه هجم على الكويت.

    شايفين في الأخبار العالمية، الطيارات الأمريكية، والقطع الإنجليزية، والعالم عَمال يبرطع في المنطقة. وأنا قلت لإخواننا في العراق. وحَقولها، ولو أنها مش سر. ولكن ده تقدير موقف بس. أرجو ماحدش يقول لي بعدها الإمبريالية والخيانة والعمالة. أنا بقول رأيي كراجل عسكري سابق، وعارف إزاي أقّدر موقف، وإزاي أفكر أتعامل مع موقف زي ده. أخشى من أن العراق تيجي لها ضربة جامدة من اتجاهات مختلفة. وأوعوا تفتكروا إن الأساطيل دي حتقعد نايمة. يقول لك لا، ده أصل الأمريكان دخلو في لبنان. لا. لا. لا. الموضوع حايختلف خالص، وبيتحسب تمام. وأنا بقول من وجهة نظري الشخصية، وبأقولها علني، لم أتلق كلمة أن هناك عدوان، ولكن الواضح لي تماماً، أن هناك عدوان قادم. وقد يكون مفزع. وقد يكون مدمر. وسوف يكون منظرنا كأمّة عربية في الأرض. في أسفل سافلين.

    مظلة عربية بتعمل على احتواء الأزمة. بيرفضوا المظلة العربية. الله! ما هو، طبعاً، الدول اللي بتخاف، والدول اللي يعني مش قادرة على الاجتياح ده، تقول لك، الله! أنا أتعامل مع الشيطان في سبيل بلدي. ولهم حق. فتعزروا بقى اللي يطلب مساعدة أمريكية. ما دام أنت مش راضي بعرب، مش راضي بالمظلة العربية، حتيجي لك المظلة الأجنبية، مش أمريكية، أمريكية وإنجليزية وفرنسية. حتيجي لك هنا، وتفرض عليك اللي أنت موش عاوزه. منظرنا إيه، يا أمّة عربية؟ مش أكرم لنا نحل مشكلتنا في إطار المظلة العربية؟ مش أكرم لنا نستمع لصوت الحق بيننا وبين بعض؟ مش أكرم لنا نجتمع نقعد نتكلم بصراحة، ونفرد كروتنا على الترابيزه، علشان نصل إلى حل عادل سليم دون مهانة أو إيذاء؟

    اللي أنا شايفه، يا إخوان، أن الموضوع خطير جداً. النهارده، الطيارات والمقاتلات الاعتراضية الدفاعية، راحت بلد عربي. القطع البحرية، الأساطيل، شغالة. حاملات الطائرات بتعدي. قد يطلب مني أمنع حاملة طائرات. مقدرش أمنع حاملة طائرات. ما أقدرش أمنع حدّ يمر من القنال. طبعاً، لاتفاقية القسطنطينية، اللي إذا كان فيه حالة حرب معايا. أنا مش حاجي أقف للدول كلها، وأقول لها لا ماتعديش. يقول لك إحنا رايحين للتأمين ما أقدرش. مش من حقي. كمان أنت ماتورطنيش. ما تعملش العملة وبعدين تورطني. تطلب مني أعمل المستحيل. ماتحطنيش في حرج. كما أن ليك مصالح، أنا ليه مصالح. لكن أنا بأحافظ على الكرامة العربية، بقدر ما أستطيع. لكن إذا أنت حبيت تدهور الكرامة العربية، وتنسف الكرامة العربية، يبقى همة المسؤولين، اللي بيطلب، واللي حيطلب قوة أجنبية؛ وكله حيطلب قوة أجنبية. بعد كده منلوموش بقى. يبقى له العزر. لأن إحنا لا نريد أن نستجيب للمظلة العربية، ولا نريد أن نستجيب أبداً لصوت العقل.

    فيه كلام أن قوات مصرية، راحت بتحمي الناس هناك. معندناش قوات مصرية هناك خالص، ولا حركنا حاجة، ولا فيه حاجة، ولا لسة فيه كلام معايا على أي حال. ولكن وأقولها لكم بصراحة، إذا طُلب مني أكون مشترك مع قوات عربية لبلد ما، لتأمين، لا أعتقد أن مصر تقدر ترفض. قوات عربية مشتركة. مانيش مشترك مع قوات أجنبية. قوات عربية مشتركة. في مجموع قوات عربية مشتركة. لا أعتقد أن إحنا نعترض على هذا، الآن. إحنا عرب، ونتمنى أن إحنا نحل حل عربي. ونتمنى أن صوت العقل يقول. أو نسمع لصوت العقل أن يقول. أن تكون القوات كلها عربية، إذا كان ذلك ممكناً.

    الحقيقة أنا شايف بصراحة الصورة سوداء. قد تطلع تحليلات تقول لا، لا، مش سوداء. لكن أنا بأقول لكم. رجل عندي سابق خبرة في هذا المجال. الصورة مخيفة، وإن ماكناش نتدارك الموضوع، أو نتحرك بسرعة رهيبة، لن يكون لنا كيان، وحنبقى جثث هامدة وحنتبهدل، وحتفرض علينا اللي عاوز يُفرض علينا. وأسمع الكلام والقوة العسكرية حتمشّي أي حدّ غصب عنه.

    الحكاية. أصل ربنا عرفوه بالعقل. ما أعاندش. ما أنا عارف أن ده ينسفني وأعاند. طيب ما أنا حأروح. طيب أنا لما أروح فيه استفادة. أو أضحي بنفسي في سبيل شعبي. آه. نضحي بالمجموعة في سبيل أمّة. آه. لكن ده كله ها يروح. طيب وليه؟ وعندنا زعامات كويسة طب ليه؟ ليه؟ وربنا أعطى لنا عقل نفكر به ومنطق.

    لكلام ده كله بأقوله. أنا متوقع أن أغلبهم هايعتبرها عداء بيني وبينهم. أنا ما عنديش بيني وبين أحد عداء، ولا أتحامل على أحد. وإن كنت بأقول نصيحة لدولة ما، أو صديق ما، أنا بأقولها نصيحة صافية مخلصة لوجه الله، والسلام العربي، وللأمن القومي العربي. وماليش مصلحة خاصة. ماأخدناش مساعدة مالية من أحد، عشان نقف معاه، إطلاقاً.

    أناشد من هذا المنبر، الرئيس صدام حسين، والقيادة العراقية، أناشدهم الاستجابة للمظلة العربية. وسحب القوات من الكويت. وإعادة الشرعية للكويت. ولا مانع من قوات عربية مشتركة تقف بين الجانبَين. على أن تبدأ المباحثات لحل المشكلة. وأنا على ثقة من أنه بالتعاون العربي، من جميع إخواننا، سنصل إلى حل للمشكلة العراقية ـ الكويتية.

    وفي نفس الوقت، الوقت يمر بسرعة رهيبة، والأحداث بتجري بأسرع من تحرُّكنا. لذلك، أنا أنادي باجتماع قمة عربية عاجلة، في خلال الـ 24 ساعة القادمة. ولو أمكن في عدة الساعات القادمة، هو أكرم للعالم العربي، خير من أن يُفرض علينا الحل بالقوة الأجنبية. أرجو من الرؤساء والملوك، أن يستجيبوا لهذا النداء. وأنا مستعد، في هذا الظرف، أستضيف القمة العربية، في مصر، لعلنا نصل إلى حل، قبْل أن يحدث ما لا نهواه، ولا نرتضيه لأنفسنا.

    الأمن القومي في خطر. سلامة العراق في خطر. هيقولوا لي لا، مش في خطر. رأي. أنا بأقول رأيي مفهاش حاجة. الأمّة العربية منظرها وقدرتها في الميزان. والأمّة العربية قادرة على الحل، ولكن لا بد من الاستجابة. عشان كده، أنا بأنادي، كمان مرة، وأكرر ندائي للرئيس صدام حسين، وأكرر ندائي، وأطلب من الأمّة العربية، أن تستجيب لعقد قمة عربية، في مدة لا تتجاوز 24 ساعة، لعلنا نصل إلى حل، ونناقش الموضوع. وليست قمة عربية لتبادل الاتهامات والشتائم، وتمزيق ملابس بعض، وإنما لحل المشكلة في الإطار العربي، الذي هو أكرم للأمّة العربية.

اللهم بلّغت. اللهم فاشهد.

والسلام عليكم ورحمة الله.