إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردود فعل القوى، الإقليمية والدولية ، ومواقفها تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









ثانياً: موقف دول الجوار الإقليمية، وردود أفعالها تجاه الغزو

ثانياً: موقف دول الجوار الإقليمية، وردود أفعالها تجاه الغزو

يُعَدّ مواقف دول الجوار الجغرافي (تركيا ـ إيران ـ إسرائيل) من الغزو العراقي للكويت، من أكثر القضايا تشابكاً وتعقداً؛ إذ تتعدد نقاط الالتقاء بينها، مع اختلاف درجة هذا الالتقاء ومداه، الأمر الذي أسفر عن وجود بعض الاختلاف في طبيعة مواقف الدول الثلاث وسياساتها. وتلتقي هذه الدول، من الناحية المبدئية، حول معارضة الغزو العراقي للكويت، كلٌّ لأسبابها الخاصة. فهي ترى فيه تدعيماً لقوة العراق، خصمها الذي ينازع كلاًّ منها في مشاكل حدود أو صراع مصيري.

1. موقف تركيا وردّ فعلها

أ. العلاقات التركية ـ العراقية قبل الغزو العراقي للكويت     

اتّسمت العلاقات التركية ـ العراقية، قبْل الغزو، باستقرار، جعل تركيا تقف موقفاً حيادياً من الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتحافظ على علاقاتها بطرفي الحرب. وإنْ لم تخلُ تلك العلاقات من توتر، بين الحين والآخر، بسبب مشكلة المياه، ومساندة العراق أكراد تركيا. وقبْل الغزو، كان ثمة العديد من مجالات التعاون بين البلدَين، تمثلت في الآتي:

(1) على الصعيد الاقتصادي

هناك خط الأنابيب العراقي الذي يمر عبْر تركيا، طاقته نصف مليون برميل، يومياً، ازدادت، عام 1989، لتصل إلى مليون ونصف مليون برميل، يومياً. ويدّر على تركيا نحو 300 مليون دولار.

كما كان هناك علاقات اقتصادية كثيفة، جعلت العراق يحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول المستوردة من تركيا، والمرتبة الثالثة في قائمة الدول المصدرة إليها. فضلاً عن 50 ألف تركي، يعملون في العراق.

(2) على الصعيد الأمني

كان هناك نوع من التفاهم، بين العراق وتركيا، في شأن مسألة الأقليات الكردية، التي تعيش في البلدَين[1]. وعلى الرغم من ذلك، كانت العلاقات بينهما، تشهد بعض التوترات، من وقت إلى آخر، بسبب قضية مياه الفرات وإنشاء تركيا سلسلة من السدود، في منطقة شرقي الأناضول.

ب. العلاقات التركية ـ العراقية بعد الغزو العراقي للكويت

في الثاني من أغسطس 1990، ولدى وقوع الغزو العراقي للكويت، تغير الموقف التركي حيال العراق، حين سارعت الحكومة التركية إلى إدانته، من خلال بيان صادر عن الخارجية التركية في 2 أغسطس 1990 (اُنظر وثيقة بيان الحكومة التركية، الصادر في 2 أغسطس 1990، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت).     وطالبت بغداد بانسحاب القوات العراقية، فوراً، من الكويت، وعودة الشرعية إليها. وذلك انطلاقاً من حرصها على عدم تعاظم قوة العراق، الاقتصادية والعسكرية.

وفي 4 أغسطس، دار حديث هاتفي، بين الرئيس الأمريكي، جورج بوش، والرئيس التركي، تورجوت أوزال، حول الموقف[2]. شرح الرئيس الأمريكي، خلاله، للرئيس التركي، أن التعاون الدولي، ضد بغداد سيعتمد، في الدرجة الأولى، على قطع صادراتها النفطية، التي تمثل 80% من دخْل العراق. إلاّ أن الرئيس التركي، لم يعطِ وعداً قاطعاً، بل رد قائلاً: "سندرس الأمر ونرد عليكم"[3].

وبالتالي، لم تقدِم تركيا على اتخاذ أي إجراء ضد العراق، انتظاراً للحصول على المقابل من المجتمع الدولي، بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، بصفة خاصة، من خلال المطالبة بتعويضها عن الخسائر الاقتصادية، التي ستعانيها من جراء ذلك[4].

وكنوع من الضغط على واشنطن، للإسراع في تقديم الدعم المقابل، عمدت تركيا إلى اتخاذ عدة خطوات:

(1) عدم المبادرة إلى اتخاذ قرار، بغلق خط أنابيب النفط العراقي، الذي يمر في أراضيها.

(2) استقبال النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، طه ياسين رمضان والتباحث معه في الموقف التركي من الأزمة، في محاولة عراقية لتحييد تركيا، ومنعها من إغلاق خط الأنابيب.

(3) عدم الموافقة على السماح للقوات الأمريكية باستخدام قاعدتها العسكرية في تركيا، قاعدة أنجرليك، القريبة من الحدود التركية ـ العراقية، مؤكدة أن القاعدة لا تستخدم، إلاّ في خدمة أهداف حلف شمال الأطلسي، وهو ما لا تندرج مواجَهة العراق في إطاره.

ومع بدء تدفق القوات الأمريكية إلى المنطقة، بدأت واشنطن تكثيف المفاوضات مع أنقرة، للمشاركة في إحكام الحصار على العراق. وهي المفاوضات، التي جرت أثناء زيارة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، إلى أنقرة، في 7 أغسطس 1990، التي أسفرت عن حصول تركيا على العديد من المكاسب، ثمناً لتبنِّي الموقف الذي أرادته الولايات المتحدة الأمريكية. ومن أهم تلك المكاسب:

(1) تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتعويض تركيا عن عوائد مرور النفط العراقي عبْر أراضيها، بل التعهد بتقديم تعويضات تفوق تلك العوائد، إضافة إلى تعويضها عن وقْف التبادل التجاري الضخم مع العراق[5].

(2) رفع القيود العسكرية، المفروضة على تسليح تركيا، منذ غزوها جزيرة قبرص، عام 1974، فضلاً عن منحها مساعدات عسكرية إضافية، زيادة على المخصص لها.

وما إن حصلت تركيا على هذه المكاسب، حتى قررت في 7 أغسطس 1990، إغلاق خطيَّ أنابيب النفط العراقي الممتدان من كركوك والموصل. ووقف العلاقات التجارية بالعراق، وجميع أعمال الاستيراد والتصدير، مع العراق والكويت، باستثناء المواد، الغذائية والطبية، تنفيذاً للعقوبات الاقتصادية الدولية. وسمحت للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قاعدة أنجرليك العسكرية، بل بادرت تركيا إلى زيادة حجم قواتها، المتمركزة على الحدود مع العراق، من 60 ألفاً إلى 100 ألف جندي.

وفي 9 أغسطس، صرحت قيادة القوات الجوية التركية، بأن تركيا، وضعت قواتها الجوية في حالة تأهّب، وألغت جميع الإجازات لطياريها، لمواجهة أي توتر في الخليج.

وفي 14 أغسطس 1990، استصدرت قراراً من البرلمان، يخول الحكومة التركية اتخاذ الإجراءات الملائمة، احتياطاً لاحتمال اندلاع الحرب. وما لبثت تركيا أن أصبحت طرفاً أصيلاً في مواجَهة العراق، إذ اتخذت إجراءات إضافية، زادت حصاره إحكاماً.

2. موقف إيران وردّ فعلها

كان لإيران، حين الغزو، مشاكل حدودية معلّقة مع العراق، لم يستطع أي منهما حسمها من طريق الحرب. كما كانت القوات العراقية، تحتل مساحة واسعة من الأراضي الإيرانية (2500 كم2). إضافة إلى قضية الأسرى لدى الطرفَين، فضلاً عن رفض العراق الاعتراف باتفاقية الجزائر لعام 1975، الخاصة بتحديد الحدود الجغرافية بينهما. وفي الوقت عينه، كانت علاقات إيران بالدول، الغربية والعربية الخليجية، تتسم بالتوتر لمساندة هذه الدول العراق على حربه ضد إيران.

وخلال الأيام الثلاثة الأولى، التي أعقبت الاجتياح العراقي للكويت، اتخذت إيران موقفاً هادئاً إلى حدٍّ كبير. وكان أول رد فعل إيراني، هو وضع بعض وحدات البحرية الإيرانية، الموجودة في الخليج، في حالة تأهب، مع التأكيد أن ذلك ليس مؤشراً ولا تلميحاً إلى استئناف العمليات العسكرية ضد العراق. بل إن وسائل الإعلام الإيرانية، أخذت تقلّل من شأن التحرك العراقي، ووجهت انتقاداتها القاسية إلى الأُسرة الحاكمة في الكويت، ووصفتها بأنها مرتبطة بالدوائر، الصهيونية والإمبريالية.

وقد أثار هذا الموقف الظن بأن إيران والعراق، قد توصلتا إلى صفقة ما، في شأن مستقبل الأوضاع في الخليج، وإعادة صياغة التوازنات في المنطقة الخليجية، بما يحقق مصالحهما معاً، على حساب الأطراف الخليجية العربية الأخرى. وأن ذلك ناجم عن الاتصالات السابقة، التي كانت قد بدأت بين البلدَين، بصورة مباشرة، منذ 21 أبريل 1990، حين أرسل الرئيس العراقي، صدام حسين، أول رسالة مباشرة إلى نظيره الإيراني، هاشمي رفسنجاني، ولم يُكشف عن مضمونها، في حينه.

يضاف إلى ذلك الغموض الذي شاب الموقف الإيراني، إزاء القرارَين الدوليَّين، اللذَين اتخذهما مجلس الأمن، في 2 و6 أغسطس 1990. ففي 3 أغسطس 1990، أيدت إيران قرار مجلس الأمن، الرقم 660، الصادر في 2 أغسطس 1990، ونددت باحتلال العراق الكويت، وطالبته بالانسحاب الفوري. وفي 7 أغسطس، أيدت طهران فرض الحصار الاقتصادي على العراق، بل دعت إلى الالتزام به. وقُوبل هذا التأييد بارتياح، من جانب الدول العربية.

لقد أدى هذا الموقف الإيراني إلى تحركات عربية، ولا سيما من قِبل سورية، الدولة العربية ذات العلاقات الخاصة بإيران، والمتضررة، كذلك، من هذا التنسيق العراقي ـ الإيراني، في حالة وجوده. ولذلك، استقبلت دمشق وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر ولايتي وباحثته في أوضاع الخليج.

وفي 8 أغسطس، بدأ الوزير الإيراني يشدد على أن بلاده، لا تقبَل أي تغيير أو تعديل في الحدود الكويتية، سواء في البر أو في البحر. وواكب ذلك انتقادات، في الإعلام الإيراني، لغزو العراق الكويت، اتسمت بالشدة والوضوح[6].

وفي 9 أغسطس، أعلنت إيران رفضها قرار العراق، ضم الكويت، تحت اسم الوحدة الاندماجية. وقال بيان إيراني: "إن إيران بوصفها دولة كبرى في منطقة الخليج، لن تسمح بتغيير جغرافية المنطقة السياسية".

وفي تلك الأثناء، بدت محاولات أمريكية، من خلال تركيا، لمعرفة مدى التزام إيران بقرار مجلس الأمن، الرقم 661، المتعلق بالحظر الاقتصادي على العراق، والتمهيد لإجراء اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن. إلاّ أن تلك المحاولات، لم تؤدِّ إلى تغيّر ملموس، سواء في خصوص العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية 660، 661، أو في صدد وضوح الموقف الإيراني من الالتزام بالحظر الاقتصادي ضد العراق. بيْد أن ذلك، لم يمنع إيران من تكوين رؤية أكثر تماسكاً، تجاه الغزو العراقي، اتضحت على لسان وزير خارجيتها، في 10 أغسطس 1990، حين أعلن رفض طهران أي تسوية للنزاع في الخليج، تمكّن العراق من الاحتفاظ بجزيرتَي وربة وبوبيان الكويتيتين، لأن ذلك سيكون استسلاماً للابتزاز.

وكانت الرؤية الإيرانية أشد وضوحاً، في تصريح الرئيس الإيراني، رفسنجاني، إذ قال: "إذا أسفر حل أزمة الخليج، سلمياً، عن احتفاظ العراق بجزيرة بوبيان، فإن القوات الإيرانية، ستبادر إلى احتلال هذه الجزيرة. وعليه، ترفض إيران أي حل سلمي، يتضمن تعديلاً للحدود الإقليمية، لأن أي تعديل حدودي، سيشكل تهديداً لأمن إيران".

وفي صدد أسلوب الحل، دعا ولايتي إلى اعتماد حل يستند إلى التعاون الإقليمي، لأنه الحل الوحيد، الذي يضمن الأمن في الخليج، مشيراً إلى أن أي تغيّر في الوضع الجيوسياسي (الجيوبوليتيكي)، في المنطقة، سيُعَدّ، من وجهة نظر إيران، ذا نتائج خطيرة على أمْنها القومي.

كما أعلن الرئيس هاشمي رفسنجاني، أمام المسؤولين عن التوحيد، السياسي والأيديولوجي، في الجيش، "إن وجود القوات الأجنبية في المنطقة، أحدث توتراً فيها. وإن إيران، هي البلد الوحيد، الذي يستطيع العالم أن يعتمد عليه، للدفاع عن أمن منطقة الخليج العربي ومواردها النفطية".

وفي الوقت نفسه، حدّد المجلس الأعلى للأمن القومي، موقف إيران، بثلاثة مبادئ، هي[7]:

(1) عدم قبول الاحتلال العراقي للكويت، بأي شكل من الأشكال.

(2) الحل الوحيد، يبدأ بالانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية من الكويت.

(3) استعداد إيران للدفاع عن مصالحها، في أي ظرف كان.

3. موقف إسرائيل، وردّ فعلها

وفرت أزمة الخليج أوضاعاً إستراتيجية مثالية، أمام القيادة الإسرائيلية. فمن خلال ما أدت إليه هذه الأزمة، من تأجيج الصراعات العربية ـ العربية، وإدخالها إلى ساحة الصراعات الدولية، وتحويل الانتباه عن قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع إتاحة الفرصة أمام إسرائيل لتبنّي سياسات قَمعية، في الداخل، وتوسعية في الخارج ـ من خلال جميع هذه المعطيات، شكلت أزمة الخليج مناخاً إستراتيجياً ملائماً لإسرائيل، على المستويات، السياسية والعسكرية والدعائية. وقد حرصت القيادة الإسرائيلية، في تعاملها مع هذه الأزمة، على استخدام مزيج من الإستراتيجيات[8]، التي استهدفت، أساساً، توفير إمكانات التعامل مع الأزمة، بما يضمن، في النهاية، خدمة مختلف أغراض الأمن الإسرائيلي، بمفهومه الشامل.

وينطلق المنهاج الإسرائيلي، في التعامل مع الصراعات العربية ـ العربية، من قاعدة أساسية، مفادها أن أجواء التأزم والصراع، في الساحة العربية، تفرز أفضل الأوضاع الإستراتيجية، أمام إسرائيل؛ إذ إن في مصلحتها تصعيد الصراعات العربية ـ العربية، وتفجيرها من المنبع، متى كان ذلك ممكناً، لإلحاق المزيد من الضعف والتمزق بقدرات الجانب العربي، في الداخل والخارج، ولا سيما استنفاد الاحتياطي الإستراتيجي العربي، من الموارد والطاقات، الاقتصادية والبشرية والعسكرية والمعنوية، وتحويلها بعيداً عن دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وينبثق هذا الهدف، بدوره، من ضرورات إستراتيجية، ترتبط بجوهر الأمن الإسرائيلي. لعلّ أهمها تلك المتعلقة بقناعة إسرائيل، أنه لن يحميها، خلال المستقبل القريب، إلاّ تجزئة العالم العربي، وتحويله إلى العديد من الكيانات ذات الطابع، الطائفي أو الديني أو العِرقي. وممّا يسمح لها بتحقيق هدفَين متلازمَين:

أولهما: إيجاد تبرير لنشوء الكيان الإسرائيلي نفسه، من خلال خلق التجانس بين منطق وجود هذا الكيان، والمنطق السياسي، الذي سوف يسود المنطقة، إنْ تحقق ذلك الهدف.

ثانيهما: يدور حول تكريس المزيد من الانقسامات والصراعات، في الجانب العربي، بما يؤدي إلى التجزئة والتفتيت، ويساعد على تقوقع العرب داخل مشاكلهم وصراعاتهم.

وانطلاقاً من هذه القاعدة، تعمد السياسة الإسرائيلية إلى استخدام آليات معينة، في التعامل مع حالات الصراع، التي تنشأ في الجانب العربي. منها، مثلاً، العمل على خلق ظروف موضوعية، تحُول دون احتواء الأزمة، وتدفع نحو تصعيدها، من خلال الأدوات، الدعائية والسياسية، وربما العسكرية[9]. وتشجيع بعض أطراف الصراع على أطرافه الأخرى، إذا كان ذلك ممكناً، لا سيما الصراع، الذي يشمل بعض دول الجوار الجغرافي. وكذلك استغلال ظروف الصراع، في إطلاق العنان للقوة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة. وانتهاج سياسات تحريفية، ضد الجانب العربي، عند التعامل مع الأطراف الدولية الأخرى. والعمل على امتلاك المزيد من الإمكانات العسكرية، بادعاء الحاجة إلى موجهة التحديات، الناجمة عن ظروف الصراع بين الجيران العرب.

4. اندلاع الأزمة، وتأكيد الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي

مع اندلاع الأزمة، لم تخرج إستراتيجيات التعامل الإسرائيلي معها، عن الصورة السابق الإشارة إليها. وفي هذا الإطار، تنوعت الإستراتيجيات الإسرائيلية في التعامل مع الأزمة، وتمثلت في خمسة اتجاهات محدَّدة، من أجْل تحقيق أهدافها وهي: التكيّف، المناورة، إنكار التورط، التحريض، توظيف الأزمة.

أ. التكيّف

اتُّخذ في مجال التكيّف، العديد من الخطوات. جاء في مقدمتها: إعلان حالة الطوارئ، ورفع درجات الاستعداد في الجيش الإسرائيلي[10]. وكذلك اتخاذ الكثير من تدابير الدفاع المدني في إسرائيل[11]. والمطالبة بإجراء زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع. وصاغ المسؤولون الإسرائيليون تصوُّرهم المبدئي لأوضاع المنطقة، على النحو التالي: "إن اجتياح العراق الكويت، لا يشكل، في ذاته، تغييراً إستراتيجياً بالنسبة إلى إسرائيل. إلاّ أن دخول الجيش العراقي إلى الأردن، سوف يُعَدّ تغييراً إستراتيجياً، مما يستدعي التدخل العسكري الإسرائيلي، للدفاع عن استقلال إسرائيل وأمنها". وفي ضوء هذا التطور، ساد الخطاب الإسرائيلي نبرة تهديدية واضحة، في مواجهة العراق، دار مضمونها حول "أن العراق، سوف يلقَى من إسرائيل جزاءً بالمثل، إذا شن هجوماً عليها. وأن على أولئك الذين يريدون مهاجَمة إسرائيل، أن يعلموا أنهم سوف يجرّون على بلادهم كارثة كبرى، وأن إسرائيل لديها القدرة على حماية أمنها"[12].

ب. المناورة[13]

اعتمد تنفيذ إستراتيجية المناورة، على تطبيق ما يسمّى فن إقامة "الارتباطات المزيفة"، بين أزمة الخليج وظاهرة العراق في الشرق الأوسط، بشكل عام، سعياً إلى إبراز، أن معظم التوترات والصراعات، في المنطقة، ليست من فعل إسرائيل[14].

وتستهدف إسرائيل من هذا الطرح، في إطار تعاملها مع أزمة الخليج، ترسيخ دورها، كأفضل حارس للمصالح الغربية، في الشرق الأوسط[15].

ج. إنكار التورط

وقوامه نفْي جميع احتمالات التدخل الإسرائيلي في أزمة الخليج، أياً كان شكل هذا التدخل. وربما تمثل هذه الإستراتيجية خروجاً على النمط السلوكي الإسرائيلي التقليدي، المبني على إظهار إسرائيل، عقب كل تطور دولي، مهْما كان شأنه، في صورة الدولة، التي تعلم بكافة الأحداث والتفاصيل.

وقد يتبع ذلك عدم ممارسة أي سلوك، من شأنه أن يقوي الموقف العراقي، لدى العديد من الدول، العربية والإسلامية. وتطبيقاً لذلك، عمل المسؤولون الإسرائيليون، على مختلف المستويات، على إنكار وجود أي نية لديهم ضد العراق، وكذلك نفي أي دور لهم في هذه الأزمة.

واتضحت هذه الإستراتيجية، عقب صدور تصريحات عراقية، في 9 أغسطس 1990، فحواها أن إسرائيل، تستعد لشن هجوم مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية، على العراق.

وفي اليوم التالي، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، "أن التصريحات العراقية، الهدف منها توريط الولايات المتحدة الأمريكية، في تعقيدات مع العالم العربي". بل إن "موشي أرينزMoshe Arens "، وزير الدفاع الإسرائيلي، أكد أن اتفاق التعاون الإستراتيجي مع واشنطن، لا ينص على اشتراك البلدَين في عمل عسكري، ما لم يكن هناك خطر، يهدد أمنها.

د. التحريض

استخدمت هذه الإستراتيجية، على وجْه الخصوص، في الخطاب السياسي الإسرائيلي، الموجَّه، أساساً، إلى العالم الغربي. واعتمد استخدامها على أسلوبَين:

أولهما:  تكثيف الأخطار الناجمة عن الغزو العراقي وتعظيمها.

ثانيهما: المبالغة في تصوير التهديدات المستقبلية، التي يمكن أن تنجم عن تساهل المجتمع الدولي مع العراق.

ومنذ وقوع الغزو العراقي للكويت، حرصت إسرائيل على التأكيد، أن الخيار العسكري، هو الحل الأمثل للأزمة، وأن المراهنة على حلها من طريق الوسائل الدبلوماسية، سيجعل من صدام حسين "هتلر جديداً". كما حرص قادة إسرائيل على تأكيد، أن الضربة العسكرية ضد العراق، يجب أن تكون شاملة، لتقضي على قوة العراق، وتمحو أسلحته، ولا سيما الكيماوية.

كما شددت المصادر الإسرائيلية الرسمية على أن "الاعتداء العراقي على الكويت، يمثل دليلاً آخر على الطابع الحقيقي للحُكم العراقي. وأن أحداث الكويت، قد أكدت أن الرئيس صدام حسين، هو الأكثر تهديداً للسلام في الشرق الأوسط".

كما أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ضرورة المبادرة إلى عمل دولي قوي، ورادع، لوقف التوسع العراقي، وضرورة اتخاذ موقف سريع، حتى تتأكد كافة الدول في الشرق الأوسط، أن الغرب، ليس مستعداً لقبول مثل هذه التصرفات.

كذلك، عبّرت إسرائيل عن شعورها بالقلق، إزاء مطالبة بعض الأطراف بالحل السلمي للأزمة. وذلك للأسباب التالية:

(1) إن الحل السلمي، يمكن أن يتطرق إلى مناقشة المطالبة العراقية، بالربط بين تسوية أزمة الخليج وقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

(2) إن الحل السلمي، فضلاً عن أنه لا ينطوي على تدمير قوة العراق العسكرية، فإنه يفتح المجال أمام ظهور دعوات إلى نزع الأسلحة، النووية والكيماوية، من المنطقة.

(3) إن الحل السلمي، يضمن لصدام حسين، الحصول على بعض المكاسب، الأمر الذي يزيد من قوّته، في المستقبل. وإن خروجه قوياً، سيقود إلى تفاقم موجة التشدد، في مواجَهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة.

هـ. توظيف الأزمة

عملت القيادة الإسرائيلية، منذ بداية الأزمة، على استغلال المناخ السائد، في تحقيق العديد من الأهداف، السياسية والعسكرية، المتعلقة بأغراض الأمن الإسرائيلي، والمتمثلة في الآتي:

(1) انتهاز انشغال الرأي العام بالأزمة، لممارسة أبشع موجة من العنف، ضد أفراد الشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهي الموجة التي وصفت بأنها الأعنف في نوعها، منذ الاحتلال الإسرائيلي، عام 1967، وأدت إلى إصابة العديد من الفلسطينيين.

(2) شن عدوان عسكري جديد على جنوبي لبنان، في أوائل أغسطس 1990، زاعمة أن هذا الإجراء من جانبها، يمثل رداً منطقياً على التهديد والعدوان، اللذَين تتعرض لهما بصورة مستمرة، مما يدفعها، استطراداً، إلى إيجاد أحزمة أمان، لحماية نفسها. ومؤكدة أن هجماتها العسكرية ضد جنوبي لبنان، ليست إلا عمليات تأديبية، ضد الإرهابيين.

(3) استغلال كثير من الإسرائيليين مناخ الأزمة، وما تضمنته من احتمالات تعرض إسرائيل لضربات كيماوية، في الدعوة إلى معاودة تبنّي إسرائيل "نظرية مناحم بيجين"، في خصوص السلاح النووي المبنية على حتمية عدم السماح لأي دولة معادية، تعيش حالة حرب مع إسرائيل، بتطوير سلاح الإبادة الجماعية.

    وقد ظهر ذلك جلياً من ردود الأفعال الإسرائيلية على لسان قادتها سواء السياسيين أو العسكريين:

ففي 4 أغسطس 1990، ظهر أول رد فعل إسرائيلي، حين أكد إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن بلاده، يجب أن تستعد لما وصفه بـ تداعيات الشر التي سيخلّفها الغزو العراقي للكويت. ودعا إلى عمل دولي، قوي ورادع، لوقف التوسع العراقي.

وفي الوقت نفسه، كانت القيادة الإسرائيلية في حالة استياء من تصرفات واشنطن، الراغبة في إبقاء إسرائيل بعيدة عن مجرى الأحداث؛ إذ كانت وجهة النظر الأمريكية، أن تدخّل إسرائيل، سيعطل المحاولات الأمريكية، الرامية إلى خلق ائتلاف، دولي ـ عربي ـ إسلامي، على الجبهتَين، السياسية والعسكرية. وراح أرينز، وزير الدفاع الإسرائيلي، يؤكد بأنه "مهْما كانت الرغبة الأمريكية، التي فرض علينا مجاراتها، إلاّ أن علينا أن نحتفظ بحق التدخل، في حال تعرقل الوضع الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط، أو في حال غزو الأردن".

وفي 5 أغسطس، أكد دان شمرون، رئيس الأركان الإسرائيلي[16]، "أن العراق، يظهر في جبهة، ليختفي وراء جبهة أخرى. وعلينا (أي إسرائيل) أن نفتح أعيننا على ما يجري على الحدود العراقية ـ الأردنية. وأن ثمة صواريخ عراقية، يجري إرسالها إلى مَواقع قريبة من هذه الحدود. ولا شك أن إسرائيل، هي المقصودة بذلك".

أما رئيس الوزراء، إسحاق شامير، فقال: "ينبغي أن نزيد من إمكانات حصولنا على معلومات من داخل العراق، عن كل السلطات العليا. وأن نحصل على هذه المعلومات، اليوم، وليس غداً".

وفي 7 أغسطس، علق موشي أرينز، قائلاً: "إن إسرائيل ستهاجم العراق، إذا ما دخلت القوات العراقية الأردن".

وفي 10 أغسطس، أكد إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن استخدام القوة، هو الرد الملائم على ضم العراق الكويت. كما أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن إسرائيل أجرت أول تجربة لإطلاق صاروخها (أرو) المضادّ للصواريخ.



 [1] توجد اتفاقية أمنية، موقعة بين تركيا والعراق، عام 1985، تعطي كلاً منهما الحق في مطاردة الأكراد إلى عمق 10 كم، داخل المنطقة الأمنية المشتركة، على طول الحدود بين البلدَين، البالغ طولها 310 كم.

[2] يمر بتركيا خط أنابيب النفط، القادم من العراق. ويضخ 1.6 مليون برميل نفط عراقي، يومياً، أي نصف صادرات النفط العراقية، من حقول كركوك إلى ميناء يومرتاليك، على البحر الأبيض المتوسط.

[3] لم يُرِد أوزال أن يعطي رداً، قبْل أن يعرف ما هو ثمن هذا الإجراء. كما لم يذكر لبوش، أنه سيقابل، في اليوم التالي، مبعوثاً من صدام حسين.

[4] طلب تورجوت أوزال من جيمس بيكر، مبلغ 6 مليارات دولار، قدَّر أنها خسارة تركيا المتوقعة خلال الأزمة.

[5] ذكر بعض المصادر، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تعهدت بتقديم نحو 4 مليارات دولار لتركيا.

[6] كانت تلك رسالة واضحة من إيران إلى العراق، أن طهران لن تقبَل أي تغيير في الحدود، كما يرغب العراق. وارتبط ذلك بتحذير لبغداد، أن هناك خطاً أحمر، ليس مسموحاً للعراق بتجاوزه. وإذا ما حدث مثل هذا التجاوز، فسيكون الأمر خطيراً وباهظاً، على حدّ قول أحد مستشاري وزير الخارجية الإيراني.

[7] من الملاحظ، أن الموقف على هذا النحو، لم يتطرق إلى القوات الأجنبية، التي بدأ وصولها، وتمركزت في المملكة العربية السعودية. كذلك، لم يتطرق إلى قرارات مجلس الأمن، الصادرة في حق العراق. ومن جانب آخر، عكس الموقف، الذي حدده مجلس الأمن القومي الإيراني، اهتماماً بالانسحاب العراقي من الكويت، من دون شروط؛ وتأكيد استعداد إيران عسكرياً، إذا ما اقتضى الأمر ذلك، دفاعاً عن مصالحها الحيوية

[8] المقصود بإستراتيجيات التعامل الإسرائيلي مع أزمة الخليج، هو استخدام مختلف الوسائل والتكتيكات، ذات المضامين، السياسية والدعائية والعسكرية، التي استخدمتها القيادة الإسرائيلية في معالجتها للأزمة، والتي تمثل التجسيد، العملي والموضوعي، للموقف الإسرائيلي من الأزمة، والتي ترتبط بطبيعة الأهداف الإسرائيلية الموضوعة، والمراد تحقيقها من خلال استغلال الصراعات العربية ـ العربية.

[9] استغلت إسرائيل `إعلان الرئيس العراقي تهديده بحرق نصف إسرائيل، إذا فكرت في مهاجمة العراق`، في إظهار أن الدول العربية عامة، والعراق خاصة، هي التي تهدد أمن إسرائيل، وتسبب التوتر في المنطقة.

[10] تزايدت درجات التأهب بين المسؤولين الإسرائيليين، والقوات المسلحة الإسرائيلية، منذ الأيام الأولى للأزمة، لا سيما عقب البيان، الذي بثته إذاعه بغداد، في 9 أغسطس، والذي يؤكد `أن إسرائيل تعيد طلاء طائراتها المقاتلة، بالألوان الخاصة بالطائرات الأمريكية. وأنه يتم تزويد الطيارين الإسرائيليين ببطاقات هوية أمريكية، من أجْل المشاركة في توجيه ضربة جوية، ضد أهداف في العراق. والتهديد بأن بغداد، ستواجه هذا العدوان، بكل قوة (ولكن، لا يوجد دليل ولا وثيقة رسمية، تدل على صحة ما بثته إذاعه بغداد، ولا تصريح، إسرائيلي أو أمريكي، بذلك). عَدّت إسرائيل هذه التصريحات تهديداً عراقياً بشن هجوم ضدها.

[11] اتخذت تدابير للدفاع المدني، منها توزيع مهمات الوقاية الفردية، إدراكاً من القيادة الإسرائيلية لامتلاك الجيش العراقي أنظمة متنوعة من الصواريخ، التي تحمل رؤوساً كيماوية، يمكن استخدامها، في أي وقت، ضد إسرائيل.

[12] ربما كان الهدف الإسرائيلي، من وراء هذا الإعلان، هو إعداد الأرضية، التي يمكن على أساسها المطالبة بتعميق التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، والحصول على أسلحة جديدة، لدعم الترسانة الإسرائيلية، على الرغم من عدم وجود تهديد حقيقي ضد إسرائيل، من جانب العراق.

[13] يقصد بإستراتيجية المناورة، محاولة القيادة الإسرائيلية استغلال الأزمة القائمة في الخليج، في تعديل بعض لمفاهيم الثابتة، المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، بما يخدم المصالح الإسرائيلية؛ ويقصد، تحديداً، معاودة المسؤولين الإسرائيليين تأكيد مقولة، مفادها `أن مشكلة الشرق الأوسط، ليست القضية الفلسطينية. ولكنها تتلخص، أساساً، في الصراعات والخلافات العربية ـ العربية.

[14] ردد بعض القيادات الإسرائيلية مقولة، `إن إسرائيل، هي القوة الإقليمية، الأكثر قدرة على العمل بفاعلية في الخليج، والقادرة على حماية مصادر النفط، وحماية المصالح الحيوية للقوى المستوردة للنفط الخليجي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار التعاون الإستراتيجي بين البلدَين.

[15] ذكر السفير الإسرائيلي إلى واشنطن موشى أراد، أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فقدَ مركزيته، وسوف يستمر هذا الحال لفترة مقبلة. وأن الهدف الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة، هو، قبْل كل شيء، الحفاظ على الاستقرار، وضمان مصادر الطاقة، التي تأتيها من الشرق الأوسط. وأنه يمكن أن يكون لإسرائيل دور مهم في هذه الإستراتيجية، في إطار التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

[16] الجنرال دان شمرون، هو الذي اضطلع بعملية عنتيبي في أوغندا.