إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التخطيط للدفاع والتنفيذ، "الخندق" أو "درع الصحراء"





المرحلة التحضيرية
مرحلة ما قبل وصول القوات
مرحلة وصول القوات
مخطط توزيع قوات التحالف
الموانع الهندسية للدفاعات العراقية
القوات المشتركة 29 نوفمبر 1990

واجبات القوات المشتركة في الانسحاب الجزئي
واجبات القوات المشتركة في الانسحاب الكلي
القوات العراقية في 16 يناير 1991
القوات العراقية في نهاية نوفمبر 1990
القوات العراقية في نهاية سبتمبر 1990
القوات العراقية في الانسحاب الجزئي
القوات العراقية في الانسحاب الكلي



المبحث الأول

مقدمة

عندما غزا العراق الكويت، نشأت أول أزمة إقليمية، في إطار النظام العالمي الجديد. وأحدثت تغييراً جذرياً في موازين القوى، في منطقة الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وعرّضت إمدادات النفط للخطر.

ومنذ اللحظات الأولى للأزمة، قررت الولايات المتحدة الأمريكية اللجوء إلى العمل العسكري، إذا استدعى تطور الأزمة ذلك، خاصة أن فكرة التدخل في مناطق الاهتمام الإستراتيجي، خارج مسرح العمليات الأوروبي، كانت تخامر الفكر الإستراتيجي الأمريكي، منذ أواخر السبعينيات، وخلال إدارة الرئيس كارتر.

وشهد عام 1979، حدثيَن رئيسيَّين:

  • الأول: سقوط الشاه، في إيران.
  • الثاني: تدخّل القوات السوفيتية في أفغانستان.

وقد حملا، هذان الحدثان، الفكر الإستراتيجي الأمريكي على التخلي عن مبدأ: "سرعة الحركة إلى المسرح الأوروبي". واعتماد مبدأ: "سرعة الحركة إلى مناطق الاهتمام الإستراتيجي". وأصبح قرار إنشاء قوة الانتشار السريع، الذي اتُّخذ عام 1977، ذا مصداقية.

وقد صاحب فكرة "سرعة الحركة إلى مناطق الاهتمام الإستراتيجي"، سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد سلسلة من اتفاقات التعاون الإستراتيجي، مع الدول المحلّية، في مناطق الاهتمام، لتأمين سرعة حركة القوات إلى مسارح عملياتها المنتظرة، وعلى رأسها منطقة النفط المهمة، في الخليج العربي، وتأمين أعمال قتال "قوة الانتشار السريع"، التي استبدلت باسمها اسم "القيادة المركزية".

كما طورت الولايات المتحدة الأمريكية وسائل النقل الإستراتيجي، لضمان سرعة الوصول إلى مسارح العمليات، بالقوات الكافية، واللازمة، لتنفيذ المهام الإستراتيجية للقيادة المركزية. كما دُعمت هذه القيادة بالمزيد من الوحدات المقاتلة، ووحدات الدعم، والعناصر المعاونة، ودفع بعض هذه الوحدات خارج أراضي القارة الأمريكية، لسرعة نقلها إلى مناطق التوتر، في أقلّ وقت ممكن.

وبعد الغزو العراقي للكويت، وفي إطار التمهيد السياسي ـ الإستراتيجي لاحتمالات نشوب الصراع المسلح في المنطقة، بادرت واشنطن إلى بعض الأعمال السياسية والدبلوماسية، لتأمين عمل قوات "القيادة المركزية"، كان أبرزها:

  • بناء الموقف، السياسي والعسكري، الأمريكي تصاعدياً.
  • التنسيق السياسي، والحصول على موافقات دول المنطقة، والدول الصديقة بصفة عامة، والمنظمات الدولية، لشرعية العمل العسكري.
  • التنسيق مع دول المنطقة، لتسهيل الحركة الإستراتيجية للقوات، والفتح الإستراتيجي لها.
  • مصاحبة كل ذلك عمليات خداع سياسي ـ إستراتيجي، كانت تبرز احتمالات حل الأزمة، سياسياً تارة، وعسكرياً تارة أخرى. في الوقت الذي كان يطَّرد فيه الاستعداد للعمل العسكري اطراداً منتظماً ومتصاعداً.

وكان ابتلاع صدام حسين للكويت، يعني وقوع المملكة العربية السعودية تحت ضغوطه، التي لا قِبَل لها بها، سواء أقرَّر مهاجمتها من الفور، أو إرجاء ذلك بعض الوقت.

ولم يكن هناك بدّ، إزاء تعرّض المملكة العربية السعودية لهذا الخطر الداهم، من أن يستعين الملك فهد، بالولايات المتحدة الأمريكية. وهي القوة الوحيدة القادرة على طرد صدام من الكويت، وإعادة الحال إلى ما كانت عليه. ونبّه الملك فهد لهذا الواقع، قائلاً: "لقد تباطأ الكويتيون في طلب المساعدة، وها هم، اليوم، ضيوف علينا؛ فلا يجب أن نرتكب الخطأ نفسه، فنحل ضيوفاً على غيرنا!". وأضاف جلالته قائلاً: "لقد عَلِمنا أن الكويتيين، تلقوا تحذيراً أمريكياً من تحركات القوات العراقية، ولكنهم تباطأوا في طلب النجدة، حتى فات الأوان".

وأظهرت المقارنة، في تلك الساعات العصيبة، والأيام المحمومة، التي تلت الغزو العراقي، بعد تقدير الموقفَين، السياسي والعسكري، أن نسبة القوات البرية السعودية إلى القوات البرية العراقية هي 15:1، في مصلحة العراق. ونسبة القوات البرية، في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى القوات البرية العراقية، هي 7:1. وإذا قَدِم معظم قوات الجيش المصري، لنجدة دول مجلس التعاون الخليجي، فستظل النسبة 2:1. أمّا إذا كان في قدرتنا استقدام الجيش المصري والجيش السوري كاملين، عندها فقط، تصل النسبة إلى 1:1.

ولكن، لم يكن أمراً واقعياً، أن نفترض أن مصر أو سورية، بل دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن ترسل كل قواتها البرية إلى المملكة العربية السعودية.

وفي ضوء التحليل الإستراتيجي للموقف، بكل جوانبه، قررت القيادة السياسية السعودية، استدعاء القوات الأمريكية، والقوات الأخرى، الشقيقة والصديقة. وهو ما سُمّي، بحق، قراراً تاريخياً، بدأ بعده الإعداد لمواجهة صدام حسين وقواته، التي رفضت الانسحاب، بل أعلنت ضم الكويت كليةً.

وقد شكل المحور السعودي ـ المصري ـ السوري، عقب الغزو، قلب المعارضة العربية لصدام حسين، وأصبح العمود الفقري للتحالف المضادّ للعراق، طوال الأشهر الستة التالية.

وبدأت أولى مراحل الإعداد لمواجهة صدام حسين، بتأمين الدفاع عن أراضي المملكة العربية السعودية، لأن تحقيق التوازن الإستراتيجي، على المستوى العسكري، كان لا بدّ أن يبدأ بخطوة، لمواجهة وإحباط أي هجوم عراقي مُقبِل على الأراضي السعودية. وبعد التأكد من تحقيق التوازن، في هذه المرحلة، وطبقاً لظروف الموقف، تبدأ المرحلة التالية من أجل تحرير الكويت.

كانت العجلة تدور بسرعة، لإنجاز ما يحقق الهدف الأول. إذ كان الموقف في بدايته خطيراً جداً؛ فالعراق متفوق. ومن ثَم، كان لا بدّ أن يسير بناء الدفاع بسرعة قصوى، ولكنه كان رهيناً بوصول القوات، وتزايد حجمها. وهو ما استدعى تعديل الخطط الدفاعية، من آن إلى آخر، التي أطلق عليها، بشكلها النهائي، عملية "درع الصحراء".

كان الغزو العراقي للكويت، يمثل مشكلة صعبة، وعاجلة، للمخططين العسكريين؛ فالقوات العراقية، تمكنت من تثبيت أقدامها في الكويت، وبدا من حجم قواتها في مسرح العمليات الكويتي، أنها تستعد لإدارة عملية هجومية، ضد المملكة العربية السعودية. وأفادت تقارير الاستطلاع، أنها تقوم بالفتح على حدود المملكة، في الوقت الذي تتدفق فيه قوات جديدة، من داخل العراق إلى المسرح.

وتوقع المخططون العسكريون، أنه في حالة شروع العراق في غزو المملكة، فإن أمام قواته ثلاثة محاور، يمكنها التقدم عليها:

·    المحور الأول، يمتد على طول الطريق الساحلي (الخفجي ـ الجبيل ـ الدمام). وهو أكثر المحاور احتمالاً لهذا التقدم، لأنه يوصل، مباشرة، وبسرعة، إلى منطقة الدمام. ويمكّن القوات العراقية من السيطرة على موانئ المملكة، الموجودة على الخليج. وتراوح السعة العملياتية لهذا المحور بين (3 و4) فِرق.

·    أمّا المحور الثاني، فيبدأ من وسط الكويت، غرباً، إلى الوفرة، عبر الحدود السعودية، ثم إلى طريق خط التابلاين، فجنوباً إلى الطريق الساحلي. ويتيح هذا المحور، كذلك، الاستيلاء على الموانئ، في الجبيل والدمام.

·    أمّا المحور الثالث، فَيصل ما بين الكويت والرياض مباشرة، على طول طرق غير ممهدة، ورمال ناعمة. ويعيبه افتقاره إلى مصادر المياه.

ومما لا شك فيه، أن فقدان المملكة لآبار النفط، ومحطات تحلية المياه، والمنشآت الصناعية المختلفة، الموجودة في الخفجي ورأس مشعاب والمنايف والجبيل ورأس تنورة، يُعَدّ أمراً خطيراً، اقتصادياً وسياسياً. وإذا تمكن العراق من الاستيلاء على هذه المناطق، لأدى ذلك إلى تعويق الفتح السريع لقوات التحالف، وتتغير القضية من الانسحاب من الكويت إلى الجلاء عن المملكة العربية السعودية، فيعقّد الموقف. فضلاً عن أنه يجعل العراق في موقف سياسي قوي، خلال التفاوض، وهو ما يُعد نصراً له، سياسياً وعسكرياً.

بل إن مجرد التفكير في احتمال تدمير هذه المناطق، بوساطة نيران القوات العراقية، المحتشدة داخل الكويت، كان، في حد ذاته، اختلالاً لميزان القوى، وتهديداً خطيراً للمملكة العربية السعودية.

ولذا بدأت القوات السعودية تتخذ أوضاعاً دفاعية، على الحدود مع الكويت والعراق، تحسباً لأي هجوم عراقي. إلاّ أن هذه الدفاعات كانت غير عميقة، ولم يكن من المتوقَّع أن تنجح في صدّ أي هجوم عراقي ذي قوات متفوقة.

وعلى هذا الأساس، كانت دعوة المملكة العربية السعودية قدوم قوات من الدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة، إلى مساندتها على الدفاع عن أراضيها. ومن ثَم، بدأ تحديد الأهداف العسكرية لعملية "درع الصحراء"، التي تمثلت في:

بناء قدرات دفاعية، في منطقة الخليج، لمواجهة القوات العراقية، ومنعها من متابعة هجومها تجاه المملكة العربية السعودية، وتنفيذ الهجمات والضربات المضادة لطرد أي قوات تنجح في اجتياز الحدود الدولية.

وكان من المنطقي أن تبدأ القوات، الشقيقة والصديقة، دعم الدفاعات، على خط الحدود، وفي العمق. وبدأ تدفّق القوات، وكلما ازداد حجم القوات، استلزم الأمر تطوير الخطة الدفاعية؛ ولذا، كانت هذه الخطة عرضة للتطوير، على مدار الأشهر التالية للغزو. وكان الموقف صعباً، طوال شهري أغسطس وسبتمبر 1990.

وفي الوقت الذي بدأ فيه انتشار قوات القيادة المركزية (بدءاً بالفرقة 82، ومشاة البحرية)، للاشتراك في الدفاع عن المملكة، كان المحللون العسكريون، يتشككون في قدرة هذه القوات على هزيمة هجوم رئيسي للقوات العراقية على الأراضي السعودية، نظراً إلى افتقادها قوات مدرعة، ومشاة آلية، كافية للاضطلاع بذلك. وكانت إمكانيات النقل البحري المتاحة، غير كافية لسرعة نقْل هذه القوات بأسلحتها ومعداتها، في الوقت الملائم إلى أراضي المملكة.

وعلى ذلك، فالأسابيع الأولى التي استغرقها حشد القوات الملائمة، كانت تمثل ثغرة، تهدد عملية "درع الصحراء". واضطرت "القيادة المركزية" خلال تلك الفترة، أن تعتمد، أساساً، على القوات الجوية، وعلى الخط الدفاعي الأول، غير العميق، الذي تحتله القوات المشتركة على خط الحدود مع الكويت. وإلى الجنوب من هذه القوات، بدأت عناصر الفيلق 18، ومشاة البحرية (المارينز)، التي أخذت تصل إلى المسرح، تجهز مواقع دفاعية، في العمق، إلى الشمال والغرب من الجبيل، وحول قاعدة الظهران.