إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص الرسالة المفتوحة، من الرئيس صدام حسين

إلى عوائل الأجانب، الموجودين في العراق، وإلى شعوب أوروبا وأمريكا

يوم الأحد، 19 أغسطس 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

    رسالة مفتوحة إلى عوائل الأجانب، الذين قرر ممثلو الشعب المنتخبون، "المجلس الوطني"، استضافتهم في العراق، حتى تنفرج الأزمة. ومن خلالهم، أخاطب الغربيين بوجه عام، والأمريكيين منهم بوجه خاص.

أيها السيدات والسادة.

أيها الأطفال الأعزاء.

إني أعرف، بأنكم تتألمون لعدم السماح لذويكم بالسفر خارج العراق. وإنني معكم أتألم لهذا، بل وإنني على يقين تماماً، بأن رئيس وأعضاء المجلس الوطني في العراق، يتألمون أيضاً، مثلما هو حال كل العراقيين والعرب. ذلك لأنني أعرف، أن أعضاء المجلس الوطني في العراق مؤمنون بالله، ومؤمنون بحقوق الإنسان؛ لأنهم كافحوا، سنين طويلة، حتى يفوزوا في ما هم فيه من حال، يحمدون الله عليه، وأنهم يعرفون، مثلما أنا أعرف، بأن بلادهم قد علّمت الإنسانية أول حرف، وبذلك علّمت الإنسانية أول قانون سُن على وجه الأرض، ذلك هو قانون حمورابي، الذي رتب فيه الحقوق والواجبات الإنسانية، قبل 4500 سنة. ولذلك، فإنهم يعرفون، بأن لا قيمة للسعادة في بلادهم، إنْ لم تفهم الإنسانية كلها، أن أي احتجاز لحرية أي إنسان، هو ثلم للحرية الإنسانية في جانب من جوانبها. وإنهم يحبون الإنسان، مهما تكن جنسيته ولونه وجنسه؛ ذلك لأنهم يحبون الله، وإن الله لا يفرق بين عباده، إلا على أساس درجة الإيمان ومقتضياته.

لذلك، فإن أعضاء المجلس الوطني، يتألمون مثلما أنتم تتألمون. ونحن جميعاً آسفون للذي حصل. وهو ليس من إرادتنا، وإنما هو، أساساً، نابع من فعل إرادة أناس، تجبروا وخرجوا عن إرادة الله وتعاليمه. إن المسؤول المباشر عن هذا، بالدرجة الأساس، هما الإدارة الأمريكية والإدارة الإنجليزية. كيف ذلك؟

تعرفون، أيها السيدات والسادة، أن العراق، قد خرج من حرب، دامت ثماني سنوات، بينه وبين إيران. وتعرفون أن تلك الحرب، التي دامت ثماني سنوات، كانت بين دولتَين نفطيتَين، وأنها كانت، أيضاً، ضمن حقول نفط الخليج، وأن في هذه الحرب، صادف أنْ دخلت الجيوش العراقية إلى داخل إيران، وأنْ دخلت الجيوش الإيرانية إلى داخل العراق. فلماذا لم تتدخل أمريكا وبريطانيا والآخرون، لإيقافها؟ ولماذا لم يهددوا مَن لم يلتزم بالقرارات، التي أصدرها مجلس الأمن في حينه؟

إنهم لم يفعلوا ذلك، لأنهم قد أسهموا في إشعالها، ولأنهم، هم وحلفاؤهم المتخلفون، من أمثال قارون الكويت وأعوانه، أرادوا لها أن تستمر، وأن لا تتوقف، حتى شاء لها الله أن تتوقف. وعندما توقفت، سلطوا علينا عملاءهم في المنطقة، وفي مقدمتهم قارون الكويت وزمرته، ليحاربوا شعب العراق بلقمة عيشه، ويحرموه، بالحرب الاقتصادية، وبالاعتداء على حقول بترولنا، من أبسط ما يليق به، وهو شعب الحضارات والأمجاد، حتى أوصلوا قيمة دينار العراق إلى ما يقرب من 1/20 إلى (54) فلساً من قيمة دينار الكويت، مع أن قيمة دينار العراق، كانت، في عام 1980، أعلى من قيمة دينار الكويت. حتى أصبح يتعذر علينا توفير حليب لأطفالنا؛ ونحن بلاد ما بين النهرين، بلاد الخير والعطاء.

وقد لا تعرفون، أيها السادة، أن هذا البلد، الذي تآمر من نصبوا حكاماً عليه، هو جزء من العراق، حتى عام 1913؛ وأن العراق لم يعترف به، كدولة، حتى الستينات من هذا القرن؛ وأن رئيس وزراء العراق، أصدر قراراً، عام 1961، يقضي بضم الكويت إلى العراق، وأعاد الكويت، كقضاء مرتبط بالبصرة، وعيّن شيخها قائمقاماً لها، مثلما كان عليه الأمر، حتى قيام الحرب العالمية الأولى؛ وأن المجلس الاستشاري في الكويت، قرر، مرتَين، في الثلاثينات، الوحدة مع العراق، حتى حل بقرار من الأسْرة الحاكمة آنذاك؛ وأن رئيس وزراء العراق، نوري السعيد، طرح على حلف بغداد، وبحضور ممثل أمريكا، في عام 1958، الوحدة مع الكويت.

فلماذا يريد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسة وزراء بريطانيا، تجويع شعب العراق، حتى الموت؟ خاب ما يفعلون. وماذا عمل شعب العراق، غير أنه وحّد نفسه، ووحّد شأن العوائل، التي شطرها الدهر، بين العراق والكويت، ودافع عن نفسه، وساعد في خلع شيخ الكويت المتخلف، الذي لا همّ له غير جمع الأموال والنساء؟ فلماذا يفرضون الحصار على العراق؟ ليميتوا الأطفال الرضع، والشيوخ، وكل الناس، الذين لا يتوافر لهم الغذاء والدواء، لو أن الذي تريده الإدارة، الأمريكية والبريطانية يتحقق!

ولماذا يحشدون الأساطيل البحرية، وأسراب الطائرات، والقوات البرية، التي يريدون باكتمال حشودها الهجوم على العراق؟ إنهم قالوا بأنهم جاءوا إلى هنا، وأهانوا أرض العرب ومقدسات المسلمين، باحتلالهم لأرض الحجاز ونجد، ليدافعوا عن السعودية تجاه خطر العراق. وهم يكذبون، لأنهم يعرفون، أن العراق لا يعتدي، وإنما يضرب عندما يُعتدى عليه. فإن لم يكن هنالك مَن قرر ضرب العراق، فلينم مطمئناً في نومه، قرير العين.

أقول، أيها السيدات، وأيها السادة، ويا أحباء الله وأحبائي، الأطفال الأعزاء في أوروبا وأمريكا ـ إن وطننا، كما هو واضح لكم، مهدد من أمريكا وبريطانيا، ومَن سيتورط معهما، من الخائبين الأذلاء. وإن شعبنا معرض لإيذاء شديد. وإذا ما أقدم الخاسئون على العدوان، ستسقط الكثير من رؤوس الحكم عن الأكتاف، وسيموت نساء ورجال وأطفال، بعشرات الألوف، من الجانبَين. وإن المجلس الوطني في بلادنا، يعرف ذلك. لذلك، فإنه، وطبقاً لواجباته، الدستورية والإنسانية، يفتش عن أي مسلك، من شأنه أن يمنع الكارثة. وقد اهتدى من جملة ما اهتدى إليه، مع آخرين من المسؤولين، إلى أن منع الأجانب من السفر خارج العراق، وخاصة الذين لحكوماتهم موقف معادٍ، ومشتركين بالتحضير للعدوان ومقاطعة العراق اقتصادياً. سيكون واحداً من الأسباب التي ستفتح الباب لحوار معمق مع شعوب تلك الدول ومَن يمثلهم، ومع إدارات تلك الدول، لإيجاد حل سلمي، وإبعاد المنطقة، وربما الإنسانية جمعاء، من كارثة محققة، لو أن الحرب قد اندلعت. وفي كل الأحوال، فإن وجودهم مع العوائل العراقية، العاملة في الأهداف الحيوية، قد يمنع العدوان العسكري.

وعليه، فإن المجلس الوطني في العراق، مثلنا نحن، وكل شعب العراق، متألمون للذي حصل. إلا أننا متفهمون للقرار آنف الذكر، لأننا نعرف أسبابه ونياته؛ ذلك لأن الذين اتخذوه، يرون بأن الإنسان مضطر، تحت ظرف خاص، أن يدفع بالأذى الأقل، الأذى الأكبر، ويرون بأن الإنسان، يساوي أخاه الإنسان، بالقيمة الإنسانية، مهما كان لونه أو جنسه أو هوية بلده.

وعليه، فإن دفع أذى الموت والقتال والجوع حتى الموت، الناجم عن سياسة أمريكا، والموجه ضد شعب العراق، بمنع عدد من المواطنين عن السفر ـ هو كسب للإنسانية جمعاء. وأضيف، فأقول، أيها السيدات، وأيها السادة، إن الكثير من أطفالنا وأطفالكم، سيتيتمون، لو أن الحرب بدأت. وإن الكثير من نسائنا ونسائكم، سيترملن، لو أن الحرب قد ابتدأت. وإن الكثير من رجالنا ورجالكم، سيموتون، لو أن الحرب ابتدأت. وفي كل الأحوال، فإن الكثير من العراقيين، وهم متساوون، بالقيمة الإنسانية، مع الآخرين، سيتضورون جوعاً، وبعض منهم، وبخاصة الأطفال والشيوخ، سيموتون، لو أن الحصار الاقتصادي، الذي تريده الإدارة الأمريكية، يتحقق وفق هواها.

وعليه، وإذا ما وقف أي إنسان أمام مثل هذا السيناريو؛ وإن هذا السيناريو واقعي، وملموس، والأسوأ فيه ممكن أن يتحقق في أي لحظة ـ فإنه يقبل بالإرهاصات، التي تصيبنا جميعاً، جراء عدم سفر الأجانب المعنيين، لوقت محدد، حتى تنجلي عن السماء الغيوم؛ وإن حرمان إنسان من رؤية وطنه، ضمن وقت محدد، أفضل عليه، وعلى الإنسانية كلها، من حرمان الألوف من الحياة كلها. وإنكم تعرفون، بأن كل الأمريكان، والآخرين من جنسيات أخرى، ممن هم من القوات المسلحة، الذين جيء بهم إلى المنطقة، والذين يتحشدون، لينفذوا أعمالاً عدوانية ـ ليس لأنهم يريدون ذلك أنفسهم، أو أنهم مقتنعون بالحرب، فجاءوا إلى هنا من ديارهم وأهلهم، وإنما لأن حكوماتهم أرادت ذلك. إذاً، لنتعاون جميعاً على تلك الحكومات، لنمنعها من أن تقوم بجريمتها الواسعة، ونجبرها على أن تسحب قواتها من المنطقة، التي بوجودها قد تنطلق شرارة، مقصودة أو غير مقصودة، لتولّد، بعد ذلك، حريقاً هائلاً، وقد يكون الطوفان، الذي ليس بعده من مرتفع، يعلو من الغرق.

ولكي نوفر للجميع فرصهم نحو تحقيق السلام، ونكشف، ونفضح مَن يريد الحرب والدمار، ولنوفر الحرية للجميع، فإننا نطرح المبادرة التالية:

1. أن يتعهد مجلس الأمن بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، بأن تسحب أمريكا قواتها من المنطقة، وفق جدول زمني، لا يزيد على فترة مجيء تلك القوات إلى المنطقة. وأن يتعهد مجلس الأمن، إلى جانب تعهده هذا، للسعودية، بأن يقف، عسكرياً، ضد العراق، بصورة جماعية مع من يلتزم بقراره، إنْ حاول العراق العدوان على السعودية. وفي نفس الوقت، يتعهد كلٌّ من العراق والسعودية، بعدم اعتداء أيّ منهما على الآخر، وعدم الإضرار بمصالح الآخر.

2. أو أن يتعهد مجلس الأمن بضمان السلام والأمن، في المنطقة كلها، وفق الأُسُس العامة، التي وردت في مبادرتنا، في 12 / 8/ 1990. وأن تنسحب القوات الأجنبية من الأراضي المقدسة، في الحجاز ونجد. وإننا نجد، أن هذا البديل، هو الذي يحقق السلام الكامل، والشامل، ويحقق للمنطقة والعالم الاستقرار الأكيد.

3. في حالة تحقق أيّ من 1 أو 2، مما مر ذكره، يسمح للأجانب بالسفر، فوراً، وفق اختيارهم وحريتهم.

4. وإن لم يكن بالإمكان تحقق ما ورد أعلاه، أو التعلل بأي سبب كان، فإنه يكفي، بالنسبة لنا، أن يعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التزاماً وتعهداً خطياً واضحاً، لا لبس فيه، بسحب قواته، وقوات حلفائه، من أراضي العرب ومقدسات المسلمين، وفق جدول زمني معلن، لا يتعدى نفس الزمن، الذي استغرقه التحشد. وأن يتعهد بعدم استخدام القوة ضد العراق. ويعلن احترامه للقانون الدولي، وعدم التجاوز عليه؛ وفك الحصار عن العراق، فوراً، ومن كل الأطراف؛ والتعامل مع العراق، على أساس من الاحترام المتبادل، وعدم إلحاق الضرر بالمصالح، على قدم المساواة. ومن ناحيتنا، سنستخدم، في حالة إتمام ما مر ذكره، صلاحياتنا الدستورية، للسماح للأجانب المعنيين بالسفر خارج العراق، كلٌّ حسب اختياره وقراره.

5. ترك موضوع الكويت، ليعالجه العرب، كشأن عربي، مثلما حصل في كل القضايا المماثلة، كقضية الصحراء، في مغرب الوطن العربي، بين المغرب وأطراف القضية، وكقضية الاحتلال السوري للبنان، وغيرهما من القضايا المماثلة.

هذه هي، أيتها الأخوات والإخوة، وأيها الأطفال الأعزاء، مبادرتنا. وإنني أسألكم، هل فيها ما هو مخالف للقانون الدولي، أو معادٍ للإنسانية، أو مناقض للمصالح المشروعة للغرب؟

فإذا كان الجواب، أن المبادرة عادلة، فلنتعاون جميعاً لتحقيقها. وبذلك، يتحقق السلام للجميع، وتتحقق الحرية والحياة الهانئة للجميع. فهل سيسمع الذي في أذنه وقر؟

سؤال موجه إلى الإدارة الأمريكية، بوجه خاص. وبالجواب الصحيح عليه، يتحقق الكثير مما يخدم الإنسانية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 صدام حسين

19/8/1990