إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص بيان استقالة الشاذلي القليبي، الأمين العام للجامعة العربية

يوم الأربعاء، 5 سبتمير 1990

"لقد التزمت الصمت، كل هذه الأيام، وعلى مثل الجمر، منذ الثاني من (آب) أغسطس المنصرم، من دون إخلال بواجبي القومي. فأجريت عديد الاتصالات. وأصدرت عديد الرسائل، عربياً ودولياً، علناً وسراً، وشاركت في كل الاجتماعات المشتركة. وذلك تحاشياً لتعميق الخلافات القائمة داخل الأسْرة العربية، آملاً أن تسفر الجهود المبذولة عن الحل السياسي، الكفيل، وحده، بإنقاذ وحدة الصف العربي، ومصير الأمة.

ولكن، اليوم، وقد أصبح من الواضح، أن العمل العربي مُقدِم على انقسام خطير، وربما لمدة طويلة، أجدني مضطراً إلى الكلام.

    نعم، حصلت، منذ 1979، أزمات حادّة، داخل الأمة العربية، فرّقت بين بعض دولها. فقد التزمنا حيالها أخلاقية محددة، تتلخص في تجنّب البيانات، إعلامياً، مع بذل جهود دؤوب، ومهمة، بصبر وجَلد. فكان ذلك بالنسبة إلى الخلافات بين منظمة التحرير الفلسطينية وسورية، والخلاف المزمن بين سورية والعراق، أو ما طرأ من توتر، على العلاقات بين بعض الدول الشقيقة، ومنها الوطن الذي أنتمي إليه.

لكن الأمر، بلغ، اليوم، ذروة الخطورة. ولذلك، قررت أن أعلن قلقي على أملنا القومي، من المخاطر المحْدِقة به، وأنهي الاضطلاع بمسؤوليتي، كأمين عام لجامعة الدول العربية. ذلك أنه كان لي أمل، حتى هذه الأيام الأخيرة، في إمكان الحل السلمي، على رغم الصعوبات. ولكن، اتضح لي، الآن، أن هذا الحل، لم يعد مجدياً، حتى لو تم الاهتداء إليه، وقِبلتْ به جميع الأطراف العربية المعنية؛ والسبب هو إصرار جهات أجنبية على استعمال القوة، وأولاً، وأساساً، القضاء على قوة عربية، بإمكانها أن تحد من أطماع إسرائيل بالتوسع والهيمنة على المنطقة.

أقول ذلك، من دون تزكية لكل التصرفات العراقية، منذ أشهر، وبخاصة بعد قمة بغداد ـ الناجحة ـ وآخرها اجتياح الكويت، عسكرياً، وما نتج منه، خصوصاً من احتجاز للمدنيين الأجانب. ودونما ارتياح إلى إعلان العراق امتلاكه السلاح الكيماوي؛ والحال، أن إسرائيل تملك منذ مدة طويلة السلاح النووي، الذي هو أخطر، لكنها لم تعترف بحيازتها هذا النوع من السلاح الفتاك.

لكل هذه الاعتبارات، أجدني، اليوم، مضطراً إلى أن أنهي المسؤولية، التي حاولت الاضطلاع بها، بكل أمانة، وبكل حماسة.

إنني لا أنحاز إلا إلى الطرف العربي، الذي في حاجة إلى دعم أسْرته العربية. إن الصومال تعرض لعدوان إثيوبيا، وليبيا تعرضت للعدوان الأمريكي، والعراق طوال سنوات الحرب مع إيران، وسورية لأنها سد في وجه إسرائيل، ولبنان في صورة متواصلة، يعاني ويلات الحرب، والسودان يعاني مآسي اقتصادية واجتماعية، وتتعرض وحدته الترابية للخطر، ومنظمة التحرير لأنها تكافح من أجل ما تعتبره الأمة قضيتها المركزية. واليوم، دولة الكويت.

ومن حق الكويت علينا، اليوم، أن نكون إلى جانبها. كما أن من حق المملكة العربية السعودية علينا، أن نشد أزْرها في ما تعتقد أنه خطر، يهدد أمنها. ولكن، من حق العراق، أيضاً، علينا، ألاّ نتركه عرضة لأشرس عدوان جماعي أجنبي، لا يهدف إلى الذود عن الشرعية الدولية، بل إلى مآرب معروفة، حاجات في نفوس آل يعقوب.

إن جامعة دولنا، تواجه، اليوم، انقساماً خطيراً، بسبب ما حدث في الكويت، ولأن الدواء، يوشك أن يكون أشد من الداء، بل يخشى أن يكون قاتلاً؛ إذ إن الدمار يهدد، اليوم، المنطقة كاملة، وكذلك القضية المركزية، قضية الشعب الفلسطيني، والانتفاضة المجيدة الباسلة، وقضية لبنان الجريح، التي تراجعت في سلم الأولويات العربية والعمل العربي المشترك، ولم تعد تحظى بأي اهتمام.

لا جدال في أن لكل دولة من دولنا، حق أن يتوافر لها الأمن والطمأنينة، تحت سقف البيت العربي الموحد. والقاعدة التي تحكم علاقات الدول الأعضاء في الجامعة، إنما هي الميثاق بكل بنوده، روحاً ومنطوقاً.

وواجب الأسْرة، كان يفرض عليها صون هذا الميثاق، في الأيام الأولى من وقوع الأزمة. لكن الأسْرة، عجزت عن ذلك، ومن مسؤوليتها، أيضاً، ما حدث بعدئذ.

فنحن، الآن، أمام وضع خطر، وشديد التعقيد. لكن قلقنا، يتجسد، أساساً، في القضية المركزية، التي تواجه مخاطر، لا مثيل لها، منذ عقود.

نأمل أن تتضافر كل العزائم الصادقة، والجهود المخلصة، في كل دولنا، من دون استثناء، من أجْل أن تجتاز الأمة هذه المحنة، قبْل أن يفوت الأوان، فيعم السيل العارم كل الأراضي المحتلة. ولئن كان لنا رجاء، نتقدم به إلى إخواننا، قادة هذا الكفاح المقدس، الذين نكنّ لهم كل محبة، وكل تقدير ـ فهو أن يلتزموا، مستقبلاً، عدم الدخول طرفاً في أي نزاع عربي، وأن يبدأوا بالتفكير، من الآن، في طبيعة النظام، الذي سوف تتبنّاه الدولة الفلسطينية، بعد الاستقلال. وسأبقى إلى جانب هذا الكفاح المقدس، بكل ما أوتيت من جهد وحماس وإخلاص.

ولئن كانت لنا أمانة نوْدِعها قادة دولنا، الذين نكنّ لهم جميعاً كل الاحترام ـ فهو أن يجعلوا البيت العربي قائماً على الوحدة والتضامن، في السراء والضراء، وعلى التكافل، الذي وضعوا أُسُسه، وكرسوه في قمة عمّان، عام 1980؛ لأن وحدة الصف من وحدة الأمة".