إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص الرسالة المفتوحة، التي وجهها الرئيس العراقي، صدام حسين

إلى كلٍّ من الرئيسَين، الأمريكي جورج بوش، والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف

قبْل انعقاد قمة هلسنكي

يوم السبت، 8 سبتمبر 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

من: صدام حسين،

إلى الرئيسَين: ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش.

السلام عليكم.

تجتمعان، غداً، التاسع من (أيلول) سبتمبر عام 1990م، المصادف 19 صفر 1411هـ. وعندما ينعقد اجتماعكما، سيتابعه العالم باهتمام غير اعتيادي، ومنه شعوب المنطقة، التي شرّفنا الله بأن نكون جزءاً من أمة فيها، هي أمة العرب، التي شرّفها الله بأن تكون مهدا لأنبياء والرسالات، على مر الأزمان.

وفي الوقت الذي ستكونان فيه، في موقع من يقرر ما يتصل بمصير الخير أو الشر للإنسانية، ستحوم حولكما الملائكة في جانب، والشياطين في الجانب الآخر. كلٌّ يدعو دعواه. وكلٌّ ستكون دعواه حسب ما فُطِر عليه، وما أراده الله له. وسيكون الله فوق الجميع.

    وإنني لا أقول لكما، ولا ألتمس أحداً منكما ما يقرر؛ لأن كلاًّ منكما، يملك إرادته، ويملك حرية التقرير، وفق ما حباه، أو أراده الله له، من عقل، وعلى الطريقة، التي تشكل فيها وعليها ضمير كلٍّ منكما. ولكنني، وبعد الاتكال على الله القادر، العظيم، أقول:

    "عليكما، وقبْل أن تقررا ما تقررانه، أن يتذكر من تنفعه الذكرى منكما، ما يلي:

1. إن العراق لم يغزُ بجيوشه أيّاً من بلدَيكما. وليس في نيته المسبقة، أن يلحق أذى بكائن من كان، من الناس والدول، وبالمصالح المشروعة. وإنما هو دولة، تحب السلام القائم على العدل والإنصاف، وتحترم خيارات الإنسانية، كلٌّ حسب اجتهاده، وحسب ما يرضي الله والناس. في الوقت الذي يتوكل العراق، شعباً وقيادة، على الله الواحد الأحد، ويعمل بما يرضي الله، وبما يهديه إليه، كاختيار لا بدّ منه لبناء مقتضيات وطنيته، وشرف انتمائه، القومي والإنساني، المؤمن، وأمنه وسعادة الأبناء، الذين رتب الله لهم حقوقاً، قرر إيصالها بكتاب، بل وبكتب معلومة، على الإنسانية كافة، وعن طريق أنبيائه، على التوالي.

وعلى من يؤمن بالله وبكتبه وبرسله، أن يعيد إلى ذاكرته تلك المبادئ والقِيم. وعندما تغدو واضحة للعيان، وتستذكر بما فيه الكفاية، فإن فيها ما يكفي ليجنّب النفس الأمّارة بالسوء طريق الشر والأذى، وليهديها إلى طريق الإيمان والمغفرة.

2. إن الكعبة، التي تحتل أرض دولتها جيوش الأمريكان، ومن سوّلت لهم أنفسهم بالسوء على هذه الفعلة الفاجرة ـ لقد حاول، قبْل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة، أن يحتلها، ويحتل أرضها، أبرهة الحبشي، الذي أغواه الشيطان، وزيّن له قدرة التسلط والتوسع، فغضب الله عليه، وهزمه شر هزيمة، فعاد منكس الرأس والأعلام. ولم يجرؤ، بعد ذلك، أن يرسل غازٍ جيشه، أو يتجرأ على الكعبة المشرّفة. وإن الله، الذي مزق جيوش أبرهة، الذي سولت له نفسه التجاوز على هذه الأرض المقدسة، قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة ـ باقٍ خالدٌ أحدٌ.

وعلى من تجاوز على بيت الله، وقبر رسول الله  r أن يتذكر ويعتبر، وأن لا ينسى القول المأثور: (إن للبيت رباً يحميه). وعلى الجميع أن يتذكر، أن الكعبة هي الوجهة، التي يتوجه إليها مليار مسلم، في صلواتهـم الخمس: ]مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[ (البقرة:150) صدق الله العظيم. وإنها المكان الذي يحجون إليه، سنوياً، ويعتمرون فيه. وإن إهانة هذا المكان، وقبر رسول الله محمد r بالاحتلال والغزو، لا توجه إلى مائتي مليون عربي، شرّفهم الله، كملاك دائم لإبلاغ مفاهيم الرسالة فحسب، وإنما قد وجهت إلى مليار مسلم من عباد الله. ومهما كانت أغطية المتجاوزين، ومهما كانت مبرراتهم، فإن الله لن يغفر لهم هذا، وإن عباده الصالحين، سيقاومون هذا الفعل الفاجر، بكل ما أُوُتوا من قوة؛ وسينصر الله من ينصره، وسينهزم الظالمون.

3. قبل أن يتخذ أيّ منكما القرار، الذي يتخذه، حول الكويت، عليكما أن تتذكرا، أن أمة العرب هي أمة واحدة، وإنْ تجزأت إلى ما هي عليه، وأن هذه الحقيقة، لا ينكرها حكامها وقادتها، ولا شعبها وأبناؤها. وأن الكثرة الساحقة من أبنائها، حكاماً وشعوباً، يتشرفون بكونهم جزءاً من هذه الأمة العظيمة، وأنهم يتشوقون إلى أن يكوّنوا كياناً سياسياً واحداً، مهما كانت خصوصية هذا أو ذاك من أقطارهم. وأن شعار النضال، من أجْل وحدة الأمة في كيان سياسي فاعل، يأخذ دوره تحت الشمس، في إظهار وخدمة إنسانية أبناء الأمة العربية الواحدة، وخدمة الإنسانية ككل. وأن هذا الشعار، قد رفعه العرب، قبْل أن يصل أيّ من أبناء جيلنا إلى السلطة، وقبْل أن يولد أبناء الأجيال، الذين هم أقل عمراً منا. وأن النضال من أجْل هذا، شرف وواجب، يجد جميع المخلصين المؤمنين شرفهم في عدم نسيانه، أو التهاون إزاءه. وأن الكويت جزء من العراق، إلى وقت ليس بعيداً. وأن شعب الكويت جزء من شعب العراق. وأن الاستعمار البريطاني قد فصله عن العراق، لأسباب وأغراض استعمارية. وأن العراق لم يسلّم بهذا الإجراء، حتى في العام 1958، عندما كان رئيس وزراء العراق نوري السعيد، الذي هو صديق للغرب، وإنجلترا، صاحبة هذا القرار الاستعماري المقيت. وأن رئيس حكومة العراق، عبدالكريم قاسم، الذي كان صديقاً للاتحاد السوفيتي، قد اتخذ، في عام 1961، نفس القرار، الذي اتخذناه، الآن.

ورغم ما قرره كلٌّ من نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، وصديق الغرب، عام 1958، وعبدالكريم قاسم، رئيس حكومة العراق، وصديق الاتحاد السوفيتي، عام 1961، بضم الكويت إلى العراق، أو المطالبة بها على هذا الأساس، باعتبارها جزءاً من العراق، فإن الذي يقف ضدنا، اليوم، لم يقف ضدهما، آنذاك، مع أن الوضع الراهن، قد أضاف ما هو لصالح قرار اليوم؛ ذلك أن حكام الكويت السابقين، المتخلفين، والفاسدين، قد تآمروا على العراق وشعبه الأكبر، حتى كادوا أن يصلوا به إلى الهاوية السحيقة. ومن أراد منكما الإطلاع على المزيد من التفاصيل، فليقرأ الملف المرفق.

إن محاولة البعض، لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2 / 8/ 1990، هي محاولات غير عملية، وعقيمة، فضلاً عن أنها محاولات، يقصد منها الدفع باتجاه عدم استقرار المنطقة، بل والتآمر المسبق على الأمة العربية، وفي مقدمة ذلك العراق الأبي.

وعلى أساس هذه الحقائق، وبغض النظر عن اتفاق أو اختلاف وجهات النظر، بين هذا أو ذاك من أبناء الوطن العربي، أو الأجانب، فالواجب في هذه المرحلة، يقتضي أن تستذكرا هذه الحقائق، وأن توطنا النفس على أن هذا الذي نقوله لكما، اليوم، هو حقائق الوطن العربي والأمة العربية، وليس اختراعاً أو مجرد حجة لتبرير أو غطاء لمآرب مختلف عليها. وعندما تستذكران هذه الحقائق، وفق إطارها الصحيح، وتتواضعان أمام معرفة حقوق الإنسانية، فإنكما ستدركان أن أي قضية، يمثل أطرافها المباشرة العرب، فإن العرب، أكثر من غيرهم، قادرون، باستحضارهم لخلفيات الأمور على أساس هذه الحقائق، أن يحلوا تلك القضايا، وأن غيرهم من الأجانب، وأنتما منهم؛ وحتى على افتراض إبعاد الظنون عن النوايا المسبقة لأحدكما، ليس قادراً على أن يقدم الحل الصحيح لقضية عربية، أطرافها من العرب، كما يكون العرب قادرين على ذلك. بل إننا نجزم، والله والتاريخ شاهدان على ذلك، بأن التدخل الخارجي، يعقد الأمور، ولا يقدِّم لها حلاً.

4. إذا ما أدخلكما البحث مدخل حامي حمى قرارات المنظمة الدولية، فعليكما أن تتذكرا بأن المنظمة الدولية، قد اتخذت قبل القرارات، التي تخص العراق، قرارات كثيرة، منذ تشكيلها، ومن بين تلك القرارات، قرارات تخص قضايا عربية، وأطرافها بعضهم عرب، وآخرون أجانب، وفي مقدمة هذه القضايا، قضية شعب فلسطين الصابر، المبتلى، وشعب الجولان. ورغم أن تلك القرارات، كانت قد اتخذت في وضع، يسوده نوع من التوازن، على مستوى القوى الدولية، العظمى والكبرى، ولم يكن الحال، الذي كنا فيه مماثلاً له الآن، فلم يسبق لمجلس الأمن، أن اتخذ فيه هذه القرارات المستعجلة، والمنفعلة، ولم تكن قراراته على هذا المستوى، من القسوة والإجحاف، مما يفضح معه وجود الغرض المسبق. وإذا ما تذكر من يتوجب عليه أن يتذكر الحملة المسعورة، التي سبقت أحداث الثاني من (آب) أغسطس الماضي، والتي قادتها أجهزة الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية، تلك الحملة الظالمة، ضد العراق ـ سيعرف، على وجه اليقين، نوع الغرض، الذي يكمن في الحملة المنفعلة، التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، والتي راحت لتنفرد عن مجلس الأمن بقرارات أكثر إجحافاً، ضد العراق، عن طريق تطبيقاتها الخاصة في إجراءات الحصار.

5. قد يكون الذي يبرز أمامكما في معالجاتكما، عندما تلتقيان، فقط هو العراق، الذي لا يزيد شعبه على ثمانية عشر مليوناً، والذي هو دولة من بلدان العالم الثالث، الذي يفصلكما عن مستوى تطوره عالَمان، وأنكما من العالَم الأول، الذي يتفوق في الميدانَين، المدني والعسكري، فإذا كان هذا الذي يبرز أمامكما، سيدفعكما إلى اتخاذ قرارات، تعيد إليكما جانباً من الشعور بالمسؤولية، التي تجنّب منطقتنا شر الحروب، وما تجره من مآس، فالخير في ما يختاره الله؛ وعسى أن يدخل الرحمن ضوء إيمان إلى القلوب القاسية، لتأخذ طريق الهدى والصلاح والإنسانية، في تصرفها، وخاصة قلب الرئيس بوش. وإذا كان استذكاركما للأمر وللعراق، بهذه المواصفات، ليستسهل من تسوّل له نفسه العدوان، فالواجب الإنساني، والمسؤولية الأخلاقية، يدفعاني إلى أن أبين مخاطر مثل هذا التفكير، وخاصة إذا ما دفعت تلك الحقائق من تدفعه، مع عنوان الشر في نفسه، ليستسهل ضرب شعب العراق، أملاً في تحقيق مآربه العدوانية الشريرة.

إن شعب العراق، يا سادة (البيت الأبيض) و(الكرملين)، هو الشعب الذي له الشرف في أنه علّم الإنسانية طريق إنسانيتها الصحيح، يوم علّمها الحرف والكتابة، وعلّمها القانون، وذلك قبل ستة آلاف عام، وأربعة آلاف وخمسمائة عام، على التوالي. وهو البلد الذي علّم الإنسانية الكثير مما لم تكن تعلم. والأهم من هذا، أن العراق جزء من الأمة العربية الكريمة، التي كرّمها الله، يوم اختارها مهداً للأنبياء والرسل، وكرّم وطنها، ليكون مهبط الرسالات والكتب السماوية، والعراق جزء من أمة، يبلغ عدد نفوسها المائتي مليون نسمة، وتمتد من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي. وإن هذا الشعب، الذي هو ضمن حقيقة، أن أمة العرب أمة واحدة، فإن وقفته ستكون واحدة ضد الظلم والظالمين، وضد الغزو والغزاة. وسيكون الخونة، الذين شجعوا من توهّم على الوهم، قلة ضئيلة. وعندما تكون المنازلة قد وقعت، فإن شعب العراق، الذي اختاره الله ليكون في الطليعة، سينتصر، وإن جمْع أمة العرب سينتصر، وسيهزم جمْع الغزاة، وتتمزق راياته، بعد أن تكون صيحات الله أكبر وليخسأ الغزاة، قد أصمت آذان الجمْع المعتدي، وغطت الغشاوة عيونهم، حيث لا يبصرون، وستكون حادي جمْع المؤمنين، قدرة الله ـ عزّ وجلّ ـ الذي لن يخذل الأمة، التي اختار لها شرف حمْل الرسالة. وسيكون عمق الجمْع المؤمن، في كل الأحوال، المليار مسلم، يترادف معه، ويشد أزره من يكتشف من عباد الله، أننا على حق، والغزاة على باطل. وعند ذلك، لن ينفع النادمين الندم.

6. إن موقف أي منكما، أيها الرئيسان، ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش، سيثبت وهو يتخذ قراراته، في اجتماعكما هذا، مكانة بلاده، ودرجة ثقلها في الإنسانية، وربما جانباً أساسياً من مصيرها، على مدى بعيد. وأجزم بأن الذي يشتط في فكره وعمله عن الموضع الصحيح، سوف يهبط ببلده درجة أو درجات، في سلم ما يسجل عليها، وفي سلم ودرجة مكانتها. وعلى من يمثل الاتحاد السوفيتي، أن يتذكر، أن الهواجس والشكوك في درجة الدولة العظمى للاتحاد السوفيتي، قد راودت كل سياسيي العالم، منذ زمن، وخاصة بعد أن راحت الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد بالعالم، وتتجبر، من غير أن يظهر الذي كان يظهر في السابق، ليهديها إلى الطريق الأكثر توازناً في الخطو والمسير. فعلى من يعنيهم الأمر، أن يختاروا هذا الوقت الحاسم، ومن خلال هذه القضية الحاسمة، ليعيدوا الاعتبار للاتحاد السوفيتي، بموقف يحاكي ما هو حق وعادل ومنصف، وأن يرفضوا الحالة الانتقائية، التي تدفع إليها الولايات المتحدة الأمريكية، لتبتعد عن الحل العادل لقضايا المنطقة ككل، وفق الأُسُس، التي وردت في مبادرتنا، في 12 / 8/ 1990. وعلى الرئيس بوش، أن لا يهبط أكثر بدرجة بلاده ومكانتها، لأننا نجزم بأن مكانتها، ستهبط عن موضعها في سلم التقدير والتأثير، إذا ما انزلقت إلى هاوية الحرب، وبقيت جيوشها وجيوش حلفائها على أرض مقدساتنا، وبقي الحصار الظالم، الذي منع عن شعب العراق حتى الغذاء والدواء، ومنع عن أطفال العراق الحليب، الذي يحتاجون. وسيكون الله على المعتدي، وستتساقط رؤوس الخونة. والله أكبر.

   عبد الله المؤمن

       صدام حسين

18 صفر 1411هـ

الموافق 8 (أيلول) سبتمبر 1990م