إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص وثيقة المؤتمر الإسلامي العالمي بمكة المكرمة

المنعقد في مكة المكرمة

يوم الأربعاء، 12 سبتمبر1990

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين وعليه نتوكل ومنه نستمد العون والتوفيق

في يوم الإثنين، الموافق 21 صفر 1411هـ إلى يوم الأربعاء، 23 صفر 1411هـ، انعقد، بمكة المكرمة، المؤتمر الإسلامي العالمي، لمناقشة الأوضاع الحاضرة في الخليج. حضره ممثلون لعلماء المسلمين، وقادة الرأي في الأمة، والعاملون في حقل الدعوة، ومندوبو المنظمات والجمعيات الإسلامية من أنحاء العالم، لتدارس احتلال العراق للكويت وضم أراضيها، بالقوة، وتهديده لأمن الخليج، وتعريضه لمصالح الأمة الإسلامية للخطر، وما ترتب على ذلك من آثار خطيرة؛ وبيان حكم الإسلام في هذا الحدث، وما نتج من آثار أليمة، أضرت بسمعة الأمة الإسلامية، وعرّضت حقائق الإسلام وقِيَمَهُ للتشويه؛ والتوصية بالمخارج من المحنة، في ضوء هدي الإسلام وأحكام شريعته، حتى يتحقق البيان الذي أوجبه الله على العلماء.

إن تطبيق شريعة الله، والتزام منهجه، في كافة مجالات الحياة، وعرض ما يقع للمسلمين، من قضايا ومشكلات، على كتاب الله وسُنة نبيّه، والنزول على حكم الشرع ـ واجب هذه الأمة.

ذلك أن إعلان الإيمان بالله، والإقرار بأن شرعه هو الحق، وأن حكمه هو العدل، لا يستقيم مع عدم النزول على حكمه، بمقتضى قول الله ـ تعالى ـ: ]فَلاَ وَرَبَّكَ لاَ يُؤْمِنُنَ حَتّى يُحَكِمّوُكَ فِماَ شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فيِ أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمِاَّ قَضَيْتَ وَيُسَلِمُوا تَسُليِماً[ (النساء:65) صدق الله العظيم. وقوله تعالى: ]وَمَا كَانَ لُمِؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الخِيَرةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ (الأحزاب:36) صدق الله العظيم.

وما اكتنف المسلمين، من وهن وفُرقة وتظالم وتدابر، إلا بعد أن ضعفت صلتهم بهذا النهج، واتّبع كثير منهم أهواءهم. قال ـ تعالى ـ: ]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكَا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةَ أَعْمَى[ (طه:124) صدق الله العظيم. وقال تعالى: ]وَلَئِنِ أتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذْي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَالَكَ مِنْ وَلِيٍ وَلاَ نَصْير[ (البقرة:120) صدق الله العظيم.

وعليه، فقد قرر المؤتمرون، بالإجماع، إعلان الوثيقة التالية، شهادة بالحق، ورعاية للأمانة، ونهوضاً بالمسؤولية، وبلاغاً إلى الأجيال:

إن مقاصد الشريعة القطعية، ومبادئها الكلية، وأدلتها الجزئية، توجب الحفاظ على الأنفس والأعراض والأموال، والذود عنها. وتَعُدُّ الموت من أجْل كل ذلك شهادة.

قال ـ تعالى ـ: ]وَلاَ تَقْتُلْوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ[ (الإسراء:33) صدق الله العظيم. وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم" (البخاري: الحديث الرقم 65)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد" (البخاري: الحديث الرقم 2300).

وفي نور هذا الهدي الرباني المبين، يعلن المؤتمر:

إن عدوان النظام العراقي على الكويت، إهدار صريح، وانتهاك سافر لهذه الحقوق والمقاصد، التي حفظها الإسلام، وهو منكر عظيم، وفساد كبير، وسُنة سيئة؛ يشهد على ذلك أهل العلم والعقل.

ومن ثَم، فلا يزول هذا المنكر، ولا يرتفع هذا الفساد، إلا بانسحاب الجيش العراقي الكامل من الكويت، وإبطال كافة الآثار، المترتبة على هذا المنكر وذلك الفساد.

ومما ترتب على هذا العدوان، وجود قوات أجنبية في الخليج، إذ اضطرت المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، إلى طلب قوات، إسلامية وأجنبية، لمساندة قواتها الدفاعية في مواجهة عدوان وشيك من القوات العراقية، المتحشدة على حدود المملكة العربية السعودية.

ولقد تقرر عند أولي العلم، أن شريعة الإسلام، تتسع لهذا الإجراء، وتستوعب هذه الضرورة. ومن هنا، فإن ثمة تلازماً بين احتلال الكويت، والتهديد العراقي للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، ووجود القوات الأجنبية. فإذا زالت هذه الأسباب، انتفت الضرورة لوجود هذه القوات. كما أكد أولو الأمر في المملكة العربية السعودية على ذلك.

ولا يرى المؤتمر مسوغاً لإقحام الحرمَين الشريفَين في هذا الخصام، السياسي والإعلامي؛ فليس في الأرض المقدسة وجود أجنبي. ولا يجوز أن يُقْحَمَا في الصراعات والشعارات والخلافات والمزايدات السياسية؛ فالنأي بهما عن هذه الصراعات والمزايدات، مظهر من مظاهر تعظيمهما واحترامهما ]ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب[ (الحج:32).

والمؤتمر مدرك حرص المملكة الدائم، على إبقاء الحرمَين الشريفَين بعيدَين عن الصراع، السياسي والمذهبي. كما يقدر الجهود الدائبة المخلصة، التي تبذلها المملكة في خدمة الحرمَين الشريفَين، والحفاظ على طهارتهما وقدسيتهما.

كما يشيد المؤتمرون بتطبيق المملكة العربية السعودية للشريعة الإسلامية، ودعمها للمسلمين في شتى بقاع الأرض، وحرصها على تضامنهم.

والمؤتمر يدرك، أن من مخططات الأعداء الثابتة، والمتجددة، إيقاد نيران الفتن والحروب في العالم الإسلامي؛ وكأنه المستثنى، وحده، من فرص الهدوء والاستقرار، التي يتمتع بها غيره، في ظل الوفاق الدولي الجديد.

وتعتبـر أزمـة الخليج الراهنة، حلقة في هذا المخطط، الذي لا يريد لأمتنا خيراً، ولا نهضـةً، ولا تقدماً. ومن المحزن، أن يجد هذا المخطط من ينفذه من أبناء الأمة، العربية والإسلامية.

إن أزمة الخليج، قد صدعت العلاقة الأخوية بين الشعوب الإسلامية. وفرقت كلمة المسلمين، خاصتهم وعامتهم. وحرمتهم من الإحساس بالأمن، على أنفسهم وأموالهم وديارهم وأعراضهم، وصرفت الجهود والهمم عن قضايا الإسلام والمسلمين، كقضية الجهاد الأفغاني، والانتفاضة الفلسطينية، وهجرة اليهود السوفيت إلى فلسطين المحتلة، وسائر القضايا الإسلامية.

إن غزو العراق للكويت، مع منافاته للإسلام، قد أتاح الفرصة لأعداء الإسلام، لتشويه صورة الإسلام والمسلمين أمام الرأي العام العالمي، حيث حرصت أكثر وكالات الأنباء العالمية على إظهار الإسلام وأهله بصورة دموية، لا تحفظ العهود والمواثيق، ولا ترعى حق الجوار، ولا ترحم صغيراً، ولا تعرف حق كبير.

وتدبّر المؤتمر أسباب الضعف والتخلف والخذلان والفُرقة والاضطراب، في الأمة، فوجد أن من أخطرها وأبرزها ما يلي:

أولاً:   الاستبداد الذي أتاح لفرد واحد، أن يقرر اجتياح بلد عربي مستقل، ويتصرف في مقدراته، ويعبث في مصائر الأمة، ويعبث في أهم قضاياها، الأمنية والسياسية والإستراتيجية.

ثانياً:   تمزيق الأمة بالشعارات، العراقية والقومية والعلمانية والطائفية.

ثالثاً:   ضعف البناء الذاتي في التربية والتعليم والصناعة، المدنية والعسكرية، وترْك الاستعداد للجهاد.

رابعاً:  الحملات الإعلامية المعادية، والغزو، الثقافي والفكري، وضعف إعلام المسلمين عن التصدي لها.

خامساً: القصور الظاهر في سلوك الأمة، وفشو مظاهر العصيان والمخالفات، كالتعامل بالربا، وصور الفسوق في البيت والشارع.

سادساً: الغفلة عن مخططات الأعداء وتدبيرهم ومكرهم.

وعلاجاً لهذه الأوضاع، يؤكد المؤتمر وجوب العودة إلى الله ـ تعالى ـ عودة صادقة، والالتزام بكتابه وسُنة رسوله r إذ هما ركيزتا العمل المخلص، والجادّ، في سبيل إحياء الأخوّة الإسلامية، وبناء الأجيال على أُسُس سليمة، والعزم البصير على ترسيخ النهضة الإسلامية الشاملة؛ ودعوة العلماء إلى القيام بواجب البيان لكتاب الله وسُنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال ـ تعالى ـ: ]وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الذَِّينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبيَّنُنِّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَه[ (آل عمران:187) صدق الله العظيم .

ونحذرهم من الوقوع تحت الضغوط، ترهيباً وترغيباً، فإن الله يقول: ]إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أَولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاّ النَّارَ وَلاَ يُكَلَّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكّيِهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلْيِم[ (البقرة:174) صدق الله العظيم.

وندعو حكام المسلمين وقادتهم، إلى تحكيم شرع الله فيما بينهم، فإن الله ـ سبحانه ـ يقول: ]فَلاَ وَرَبَّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِمُوا تَسْلِيماً [ (النساء: 65) صدق الله العظيم.

أدوات صالحة لتهيئة أجواء الاستقامة، النفسية والفكرية والخلقية والسلوكية: ]الذَّينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَن المُنْكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ الأمور[ (الحج:41) صدق الله العظيم. وندعو إلى تطبيق مبدأ الشورى، الذي يغني الأمة عن التطلع إلى مفاهيم الديموقراطية الغربية، والذي يعصم الأمة من الاستبداد، الذي يجعل مصائر الأمة ضحية للأهواء الفردية.

وندعو إلى الوحدة الإسلامية، وفق مقوماتها، العقدية والفكرية والتربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية: ]إِنَّ هَذِهِ أُمَتُكُمْ أُمَةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدونًِ [ (الأنبياء:92) صدق الله العظيم.

إن هذه الوحدة الإسلامية المفروضة، والمطلوبة، هي ـ بعد عون الله ـ سبيل المسلمين إلى حياة كريمة، قوية، في ظل الكيانات الكبيرة، التي يعاد بناؤها في العالم، في مناخ الوفاق الدولي، فوق كوكبنا الأرضي.

وندعو إلى بناء القوة العسكرية الإسلامية، بسرعة وعزم؛ وإلى الاستعداد بمفاهيمه الشرعية الصحيحة، وهي إعلاء كلمة الله، ودفع الظلم، والذود عن المقدسات، والقتال دون النفس والأهل والمال.

إن بناء القوة العسكرية الإسلامية الجهادية، هي الضمان الحقيقي، والدائم ـ بعد توفيق الله ـ لعزة المسلمين واستقلالهم وسيادتهم، ومكانتهم المرموقة بين الأمم.

وندعو كافة الدول، العربية والإسلامية، ودول العالم، إلى الالتزام بالعهود والمواثيق والأعراف الدولية، التي تمنع الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحضّ على إفشاء السلام في المنطقة، وفي العالم، وعلى التعاون وحُسن الجوار، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم فرض الإرادة الخارجية عليها.

وندعو الدول الإسلامية كافة، إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وفقاً للشريعة الإسلامية، لا وفقاً للمفاهيم الطبقية، ونوازع الأحقاد والضغائن، وتبعاً لمنهج هذه الأمة في احترام الحقوق، وتحريم الاعتداء والاستيلاء عليها بالقوة. ويجب، كذلك، إشاعة روح التعاون بين الدول الإسلامية، والتكافل بين شعوبها؛ ورفض كل شكل من أشكال الاغتصاب للحقوق والممتلكات، دون مبرر؛ وإحياء روح المحبة والألفة بين أبناء هذه الأمة؛ واستنكار كل قول وعمل وسلوك، يسعى إلى إثارة الفتنة والحساسيات بين الشعوب، العربية والإسلامية؛ والدعوة إلى مواجهة هذه النزعات والتصرفات، بالمزيد من الوعي والإدراك لما تؤدي إليه، من انقسامات خطيرة، من شأنها أن تدمّر الروابط العميقة بين هذه الشعوب، وتقضي على أسباب قوّتها وتماسكها، وتفتح أوسع الأبواب لكيد الأعداء.

وندعو شعوب الأمة الإسلامية، في مختلف أنحاء الأرض، إلى ممارسة أقصى درجات الوعي واليقظة والحذر، تجاه المحاولات الرامية إلى استغلال عواطفها الدينية الجياشة، وحساسيتها المفرطة نحو مقدساتها العظيمة، في الخلافات السياسية، والبرامج الدعائية، التي لا تعرف تقوى الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا تلتزم مراقبته في بواعثها وأهدافها.

وندعو إلى حياة إسلامية صحيحة، في سائر مناحي المسلمين؛ فالإسلام ليس شعاراً موسمياً، يُرفع، بغتة، لهذا الغرض أو ذاك. إنما الإسلام منهج، يطبق في شُعب الحياة جميعاً، مهما اتّسع نطاقها، وتنوعت مواقعها.

والمقياس الصحيح للولاء للإسلام، هو التخلي الكامل عن حياة الجاهلية، بعصبيتها وحزبيتها؛ إذ لا تصح دعوى من يدّعي الإسلام، وهو لا يزال متلبساً، ومتشبثاً بالأصل العلماني، واللاديني، للحياة والحكم.

ويأتي بعد التخلي عن العلمانية، تطبيق شرائع الإسلام وشعائره، في صميم المجتمع والدولة. ذلك أنه لا يمكن، موضوعياً وعملياً، أن يطبق الإسلام، أو يصدق في الأخذ به نظام علماني، اتخذ العلمانية منهجاً في الحياة، ولم يزل كذلك.

كما ندعو إلى استتباب السلام في المنطقة، وفي كافة دول العالم، والحرص على عدم اللجوء إلى الحروب، كوسيلة لإنهاء الخلافات.

ونسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يلهم هذه الأمة رشْدها، وأن يبصرها بمواضع الضعف فيها.

وأن يريها الحق حقاً، ويرزقها اتِّباعه، ويريها الباطل باطلاً، ويرزقها اجتنابه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.