إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص رسالة الرئيس العراقي، صدام حسين

التي وجهها إلى الأمريكيين، عبْر التليفزيون الأمريكي

رداً على رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش

يوم السبت، 22 سبتمبر 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

]يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير[ (الحجرات: 13) صدق الله العظيم.

أيها الشعب الأمريكي.

السلام عليكم.

قلت لكم السلام عليكم، بدلاً من أن أقول لكم طاب صباحكم، أو طاب مساؤكم، كما هي العادة في الغرب؛ وذلك لأن العرب، يحيّون من يحيّونه بجملة السلام عليكم. وهكذا ترون، منذ البداية، أن العربي، يؤمن بالسلام، حتى في تحيته لغير العربي، ويستفتح الكلام مع من يتعامل معه، بالتمني والتفاؤل والرغبة في السلام. وهذا بعض من تقاليد وتراث أمة العرب والإسلام، التي نتشرف بأن نكون جزءاً منها.

إنني أتحدث إليكم، الآن، بعد أن تحدث الرئيس بوش، من تليفزيون بغداد، وقال للعراقيين وجهة نظره في الأزمة، التي نشأت في منطقتنا. وعندما أتحدث إليكم، لأعرض وجهة نظرنا، بقدر ما يسمح به الوقت، فإن الذي يهمني هو الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي، وليس القسم المتخصص منه في السياسة؛ ذلك أن الغالبية العظمى، هم جوهر أية قضية إنسانية مشروعة، وفق المفاهيم الديموقراطية، وعلى هذا الأساس، فإنني مضطر لأن أكرر بعض الأمور، التي سبق لسياسيي الاختصاص، أن اطّلعوا عليها وعرفوها، بحكم واجباتهم.

لقد ظهر الرئيس بوش في تليفزيون العراق، وعرض وجهة نظره كاملة، بعد ما أعلن مثل هذه الرغبة، في 20/8/1990، وبعد أن عبّر عن عدم ارتياحه لظهور صدام حسين على التليفزيون الأمريكي. وعندما عرفنا برغبة الرئيس بوش هذه، واحتراماً منّا للرأي العام الأمريكي، والغربي بوجه عام، رحّبنا، عن طريق وزير إعلامنا، بذلك. والآن، وبعد أن عبّر الرئيس بوش عن وجهة نظره، نعبّر عن جانب مما يقتضي، من وجهة نظر بلادنا وأمتنا.

إن بوش قال لشعب العراق، بأن الإدارة الأمريكية، ليست على خلاف مع شعب العراق، ودليله على ذلك، أن الإدارة سمحت لشعب العراق بشراء جانب مما يحتاجه من السوق الأمريكية، وخاصة الحبوب؛ وأن الإدارة الأمريكية، ساعدت على وقف إطلاق النار في الحرب العراقية ـ الإيرانية. ولم يكن الرئيس الأمريكي دقيقاً في قوله، بأن الإدارة الأمريكية، ليست على خلاف مع شعب العراق. ودليلنا على ذلك، أن الرئيس بوش نفسه، قد اشترك في مؤامرة "إيران ـ جيت" أو "إيران الكونترا"، ضد العراق، عام 1986، عندما كان نائباً للرئيس ريجان. وهذه مسألة معروفة، أشارت إليها ملفات القضية. فقد اعتذر لنا الرئيس ريجان عن ذلك، وأسماه خطأ لن يتكرر. وقد قبلنا اعتذاره، الذي نقله مساعد وزير الخارجية الأمريكية، السيد ريتشارد ميرفي، في 11/5/1987.

وقد ارتفعت الأصوات بالدعوة إلى مقاطعة العراق، اقتصادياً وتقنياً وعلمياً، في أمريكا وإنجلترا، قبْل أن تظهر الأزمة الحالية في الخليج. وإن بعض إجراءات المقاطعة للعراق، ومنها منع تصدير الحبوب إلى العراق، بالإضافة إلى منع تصدير مواد أخرى، قد اتُّخذت وبُحثت من جانب أمريكا وإنجلترا، وبعض الدول الغربية، قبْل 2/8/1990، وهو اليوم، الذي ساعد فيه جيش العراق على طرد حكام الكويت، الذين جاء بهم الأجنبي، ليكونوا حكاماً مسلطين على الجزء، الذي اقتطع من العراق.

وتعرفون، أيها السيدات والسادة، لماذا اتخذت إدارة السيد بوش، وحليفتها تاتشر، تلك التدابير لمقاطعة العراق، قبْل ما يسمى بأزمة الخليج الحالية. بل ولماذا ارتفعت بعض الأصوات المعنية، في أمريكا وإنجلترا، لترويج القول بضرورة العمل ضد حياة صدام حسين شخصياً، بالاغتيال، والتحريض على ضرب بعض المنشآت الحيوية في العراق. ولماذا حصلت مؤامرة إيران ـ جيت، التي اشترك فيها السيد بوش، مع ممثل إسرائيل وآخرين من غيرهم، في عام 1986.

لقد حصل هذا، قبْل أن تحضر جيوش أمريكا وإنجلترا إلى المنطقة. وقد يحصل ما هو أسوأ منه؛ ذلك لأننا عرب، ولأننا إنسانيون شرفاء، رفضنا ونرفض الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، واضطهاد شعب فلسطين، واحتلال القدس الشريف. وإنكم تعرفون، أيها السيدات والسادة، أننا وحدنا، في رفض الاحتلال والاضطهاد. وبالإضافة إلى شعب فلسطين المجاهد الصابر، فإن معنا في هذا الموقف السياسي، كل أبناء الأمة العربية، البالغ تعدادها مائتَي مليون نسمة، وقادتها الخيّرين.

ولا بدّ أنكم تعرفون، بأن بعض الأصوات، التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأرض الفلسطينية، ليمارس شعب فلسطين حق الحياة الحرة الكريمة على أرضه، كما هي حقوق سائر البشر ـ قد ارتفعت داخل المجتمع الأمريكي، وحتى في أوساط سياسيي الاختصاص، وفي العالم عامة.

أتعرفون، أيها السيدات والسادة، كم هي القرارات، التي صدرت عن مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد سياسات إسرائيل، التي تنتهك الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، والتي تكرس احتلالها للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، والأراضي العربية المحتلة الأخرى، منذ عام 1947 حتى العام 1990؟ إنها أكثر من 160 قراراً لمجلس الأمن، و400 قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو، ضد قرارات مجلس الأمن، أكثر من 80 مرة، معظمها حول القضية الفلسطينية. ومع ذلك، لم يطبق على إسرائيل مثل الحصار الحالي على العراق، بحجة تطبيق قرارات مجلس الأمن الأخيرة، ولا حتى أي نوع أخف منها، ولا حشدت عليها ومن حولها الجيوش.

ولم تتخذ مثل هذه الإجراءات ضد إسرائيل، عندما أعلنت، رسمياً، عن ضم أراضٍ ومدن عربية، إلى كيانها بصورة نهائية.

وعندما احتُل لبنان، وما زال محتلاً، من قِبل نظام سورية، لم تحشد على نظام سورية أميركا. ولم يقاطع هذا النظام، أو يضرب عليه الحصار، كما هو الأمر الآن. ولم يطبق أي قرار من القرارات والنداءات، التي دعت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان. فلماذا لم يحصل هذا، وتحشد الجيوش، الأمريكية والغربية، لتحتل أرض مقدسات العرب والمسلمين، في الجزيرة العربية، في أكثر الإجراءات قسوة ومهانة واستهتاراً، والتي لم يحصل مثلها، إلا ما قام به جيش أبرهة الحبشي، في محاولة غزو مكة المكرمة، منذ خمسة عشر قرناً؟

إن قرارات مجلس الأمن تجاه القضية الفلسطينية، لم تطبق. وإن القرارات والنداءات، الداعية إلى انسحاب الجيش، السوري والإسرائيلي، من لبنان، لم تطبق. وغيرها كثير. ومع ذلك، تحشد على العراق جيوش أمريكا، ويمنع على شعبه الأبي حتى حليب الأطفال والغذاء والدواء، بقرار أمريكي، ابتداء وانتهاء، خلافاً لما قاله بوش، من أن الذي اتخذ تلك الإجراءات، هو المنظمات الدولية؛ ذلك أن المنظمات الدولية، قد اتُّخذت، فيما بعد، غطاء لتلك الإجراءات المسبقة فحسب.

إن إجراءات أمريكا وإنجلترا، بما في ذلك حشد الجيوش في المنطقة، وفرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية، سبقت أي إجراء رسمي من الهيئات الدولية. فأمريكا وإنجلترا، هما اللتان دفعتا المنظمات الدولية إلى اتخاذ تلك الإجراءات، بل إنهما أرغمتا بعض الدول على المشاركة فيها، قسراً. كما حصل الضغط، بصورة علنية، على اليابان وألمانيا وإيطاليا، وكل الدول الأخرى، وإن المعلن من الضغط، يشاهده المواطن الأمريكي، يومياً، على التليفزيون، أو يقرأ ويسمع عنه، في وسائل الإعلام الأخرى. وله أن يتصور نوع الضغط غير المعلن، لإرغام الدول على تبنِّي سياسة أمريكا، في المنظمات الدولية.

أتعرفون، أيها السيدات والسادة، لماذا لم يحصل مثل هذا، من قبْل، ضد إسرائيل، التي تحتل أراضي فلسطين، وأرض العرب؟ ولماذا لم يحصل هذا ضد نظام حافظ الأسد، الذي يحتل أرض لبنان، منذ عام 1976؟ الجواب هو أنه لو حصل، لمنح العرب جانباً كبيراً مما يحرر إنسانيتهم، المكبلة بقيود الاحتلال وآثاره. ولو حصل لمكّن العرب، أن يمارسوا دورهم الإنساني الصحيح، كأمة عريقة، كانت دائماً لها مساهماتها الإنسانية المشهورة، الحضارية منها والروحية، في حياة بَنِي البشر أجمعين.

غير أن هذا لا يحصل، لأن إسرائيل، واللوبي الصهيوني، وشركات السلاح، والسياسيين الذين ينتظرون دورهم في الانتخابات، سواء في أمريكا، أو في بعض الدول الغربية الأخرى ـ لا يريدون ذلك، أو إنهم لا يستطيعون أن يفصحوا بذلك، لأن اللوبي الصهيوني، يؤثّر، بأمواله وإعلامه ووسائله الأخرى، على نتائج الانتخابات. وإن الذي لم يحصل تجاه لبنان وفلسطين وقبرص، وغيرها من قضايا المنطقة والعالم، يحصل فقط ضد العراق، وضد الأمة العربية. لماذا؟

ذلك لأن هذه الحشود العسكرية، والإجراءات العدوانية، المرتبطة بها، والحصار الاقتصادي، وقد يحصل ما هو أسوأ من هذا، في المستقبل، إن كل هذا، يضعف الأمة العربية، وإن عودة الجزء العراقي المغتصب، "الكويت"، موحداً مع أمه، التي فصل عنها، كما يفصل الطفل عن أمه، تزيد من قوة الأمة العربية، والعراق، في سعيهما لتأكيد دورهما، الإنساني والقومي، للأمة العربية، وفي إظهار نماذج الدين الإسلامي ومعانيه، التي أرادها الله، ورسوله محمد بن عبدالله ـ r ـ بعيداً عن التشويش والزيف، اللذَين أساءا إليه، بالنماذج غير المشرّفة، بما في ذلك أصدقاء أمريكا من الحكام السيئين في المنطقة؛ وفي إظهار ما يقتضي من الحق في المساواة الإنسانية، في الحقوق والواجبات، على مستوى واحد، مع سائر البشر، بغض النظر عن اللون والجنس والقومية. وإن هذا يتناقض مع رغبة إسرائيل، واللوبي الصهيوني، اللذَين يتحكمان، اليوم، في رقاب الكثير من سياسيي الغرب؛ لأنهما يتحكمان في نتائج انتخاب الكثير من المسؤولين، في بلدانهم، وفي القضايا الأخرى.

أيها السيدات والسادة، مع وجود إلحاح الرغبة في عدم الإثقال عليكم، ولكن احتراماً منّا لأهمية وعي الإنسان في الحياة، لا بدّ أن أقول لكم جانباً من الحقائق، التي تكشف لكم فرصاً مهمة في الوصول إلى الأحكام الصحيحة، وفي تمييز ما هو أمين أو مغرض، من تصرفات سياسيي الاختصاص في بلدكم. إن الكويت هي الجزء الجنوبي من العراق. وقد اقتطعته بريطانيا، في العام 1912، في أجواء التحضير للحرب العالمية الأولى. ونصّبت (السير مبارك الصباح) شيخاً، بلا منازع، عليه، لقاء تحالفه معها، ضد الدولة العثمانية، التي كان العراق أحد أقاليمها، يومذاك. وأصبحت مشيخة الكويت تحت الحماية البريطانية. وإن كل حكومات العراق، التي سبقتنا إلى الحكم، سواء كانت في النظُم الملكية أو الجمهورية، لم تعترف بهذا الإجراء اعترافاً دستورياً، على الإطلاق.

ولكي لا أثقل عليكم، أذكر لكم ثلاث حوادث فقط، مجتزأة من سجل طويل، يؤكد كله هذه الحقيقة، بصورة لا تقبَل اللَّبْس.

في عام 1938، قرر المجلس التشريعي الكويتي، لمرتَين متتاليتَين، انضمام الكويت إلى العراق، باعتبارها جزءاً منه. وقد اضطر شيخ الكويت (أحمد الجابر)، آنذاك، إلى أن يحل المجلس التشريعي، ليقمع صوت الشعب في الكويت، لمناداته بالعودة إلى العراق، كجزء أصيل منه.

وفي عام 1958، طالب نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، آنذاك والذي كان صديقاً حميماً لإنجلترا والغرب، وفي اجتماع حلف بغداد، الذي انعقد في تركيا، وحضره جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ـ بإعادة الكويت المجتزأ إلى العراق.

وفي العام 1961، عندما منحت بريطانيا الكويت صفة الدولة المستقلة، عارض العراق ذلك. واتخذ رئيس وزراء العراق، عبدالكريم قاسم، الذي كان صديقاً حميماً للاتحاد السوفيتي، إجراءات دستورية، لإبطال القرار البريطاني. وأصدر قراراً دستورياً بإلحاق الكويت بالعراق، وتعيين شيخ الكويت قائمقاماً على قضاء الكويت، تابعاً لمحافظة البصرة، كما كان عليه الأمر، قبْل أن تجتزأ الكويت من العراق.

وحشد رئيس وزراء العراق الجيش، لتنفيذ تلك الإجراءات الدستورية. غير أن إنجلترا، سبقته بجيشها إلى الكويت، وتعقدت الأمور، ولم تطبق الإجراءات الدستورية، التي اتخذتها الحكومة العراقية، في العام 1961، بضم الكويت إلى العراق.

ومع كل تلك الخلفية، التي ذكرناها، تعاملنا مع حكومة الكويت البائدة تعاملاً طبيعياً. إلا أن المشكلة تعقدت، وأصبحت ساخنة، وخطيرة، عندما ظهر لنا أن شيوخ الكويت، قد تورطوا بمؤامرة إضعاف العراق، سياسياً واقتصادياً، تمهيداً لإضعافه عسكرياً، والتشويش على العلاقة بين الشعب والقيادة. وأن كل هذا، حصل بسبب موقفنا السياسي، الذي أشرنا إليه بشأن حق العرب في الحياة الحرة الكريمة، وحق شعب فلسطين بالتحرر والعودة والاستقلال، لإقامة دولته المحررة على أرضه. وقد ظهر لنا أن الإدارة الأمريكية ضالعة، بصورة أو بأخرى، في هذا؛ وأن ملك السعودية ضالع في هذه المؤامرة، أيضاً. وقد ظهر جانب مما ذكرناه، في شريط مسجل بصوت الملك فهد، وهو يتحدث إلى حاكم قطَر، وذلك في اتصال هاتفي، في 9/7/1990. وإننا نرفق لكم هذا الشريط مع ترجمته الإنجليزية، آملين أن يطلعكم عليه من يعنيهم الشأن، ولهم قدرة الأمر. وإذاء ما أضفنا إلى ذلك، أن حكومة الكويت، لم تكتفِ بفصل الكويت، التي كانت لا تتعدى سورها القديم الذي كان يحيط بالمدينة الناشئة راحت توسع أرض مشيختها حتى وصلت المطلاع ثم توسعت، بعد المطلاع، بعمق إضافة من الأرض، بمسافة وعمق عشرات الكيلومترات، بين العام 1963 والعام 1968. ثم استغلت انشغالنا في الحرب بيننا وبين إيران، فتوسعت في الأرض، مرة أخرى، وراحت تستغل حقوق النفط، التي ننتج منها النفط في الجنوب، لتحفر فيها آباراً إضافية. ولم تمتنع عن ذلك، رغم الإنذارات المتكررة. ولدينا الوثائق الرسمية عن كل هذا، نضعها تحت تصرف من يطلبها.

وعندما كان الرئيس بوش يقرأ كلمته، على شاشة مرتبة خصيصاً لهذا الغرض، قام بحركة مرتبة مسبقاً، أيضاً، ليخرج من جيبه ورقة، مكتوباً عليها نص ما قلناه عن احتلال نظام سورية للبنان. وإننا نعترف بدقة النص، الذي أشار بوش إلى أنه نص ما قلناه، في تلك المناسبة. ولكن، كان عليه أن يدقق في الأمر، ويتبين، قبْل أن يطلق حكمه علينا، بالقول أو الإيحاء، بأننا عندما شجبنا تدخّل نظام حافظ الأسد في شؤون لبنان، واحتلاله لبنان، فإننا في ذلك، نتعارض مع إجرائنا تجاه الكويت.

إن أمر لبنان مختلف تماماً عن أمر الكويت، مثلما بيّنا عند سرد الحقائق التاريخية، التي أشرنا إليها. وإن لبنان لم يتآمر على سورية، بينما تآمر شيخ الكويت السابق، جابر أحمد، وزمرته، على العراق. وإن لبنان لم يعتد على سورية، بينما اعتدى النظام البائد في الكويت على العراق. وفي كل الأحوال، فإن الدوافع في المكانَين مختلفة تماماً.

ومع ذلك، ورغم أن بوش، أراد، في إظهار هذا المقطع من كلامنا، أن يوحي بالتناقض بين قولنا وفعلنا، وأراد أن يلتمس عذراً مرفوضاً لأسباب حشد الجيش؛ فإنه لم يقف ضد احتلال نظام سورية للبنان، لا هو، ولا حلفاؤه، والخونة الذين يشاركونه المؤامرة ضد الأمة، العربية والإسلامية، الآن، من بعض حكام المنطقة. بل إن الإدارة الأمريكية، قد شجعت نظام سورية، منذ البداية، على ذلك. وخير دليل قريب على ما نقول، هو أن بوش، يحرص على أن يكافئ نظام سورية على خدماته، فبعث له وزير خارجيته، بيكر، في زيارة رسمية إلى دمشق، في 13/14 من هذا الشهر. وأغدق بوش على نظام سورية المكافآت المالية، من أمريكا، ومن حلفائها، خارج وداخل المنطقة، كما هو معروف للجميع.

إذاً، فإن الذي حسبه بوش مثلبة علينا، عندما قرأ نص كلامنا، هو، في الواقع، عار عليه، وعلى من يؤمنون بالازدواجية والقياسات المتناقضة، في التفكير والتصرف والحلول تجاه الأحداث، سواء كان ذلك إزاء لبنان أو فلسطين أو القضايا الأخرى.

بعد كل هذا، ولكي تعرفوا مقدار الأذى، الذي أصاب شعباً عريقاً، من تلك المؤامرة السوداء، التي كان رأس الرمح فيها حكام الكويت، ضد العراق، فإننا نعطيكم مثلاً واحداً عن الجانب المالي، وبإمكانكم القياس عليه. إن الدينار العراقي، أصبح يساوي 1/20 تقريباً من الدينار الكويتي؛ بعد أن كانت قيمته أكثر من الدينار الكويتي، في العام 1980. وبعد أن سدت أمامنا سُبُل الوصول إلى حل، يطمئن العراقيين على حاضرهم ومستقبلهم، بما في ذلك فشل المفاوضات، التي أجريناها مع حكام الكويت، على مستوى نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، والوفد الذي ترأسه، من جانبنا، وعلى مستوى رئيس وزراء الكويت السابق، والوفد الذي ترأسه، بمدينة جدة، في 31/7/1990 ـ كـان لا بدّ من الإجراء، الذي حصل في 2 أغسطس (آب) الماضي، لدرء الخطر، وتصحيح الخطأ التاريخي، ووضع العراق في الموقع، الذي يطمئن فيه على نفسه، ويتمكن من إسداء الخدمة لأمته وللإنسانية جمعاء.

وبخلاف ما يقوله لكم الرئيس بوش، من أن العراق قام بغزو الكويت، من غير استفزاز من جانب الكويت تجاه العراق، إليكم بعض المقتطفات من الإنذارات المتكررة، التي قلناها لحكام الكويت، علناً، من غير جدوى، بالإضافة إلى الإنذارات، التي قلناها لهم، ولم تعلَن، وكما يأتي:

لقد خاطبنا حكام الكويت، وبحضور الملوك والرؤساء العرب، في إحدى جلسات مؤتمر قمة بغداد، في 30/5/1990، ما نصه: (إن الحرب تحصل، أحياناً، بالجنود. ويحصل الإيذاء بالتفجيرات وبالقتل وبمحاولات الانقلاب، وأحياناً أخرى، يحصل بالاقتصاد، أي يحصل عن طريق الاقتصاد. فأقول للـذين لا يقصدون شن الحرب على العراق، أقول إن هذا نوع من الحرب على العراق).

كما ذكرنا في خطابنا السنوي، لمناسبة ذكرى العيد الوطني للعراق، "ذكرى ثورة 17 ـ 30 تموز" المذاع في 16/7/1990، ما يلي نصه: (ولأن العراقيين، الذين أصابهم هذا الظلم المتعمد، مؤمنون، بما فيه الكفاية، بحق الدفاع عن حقوقهم، وعن النفس ـ فإنهم لم ينسوا القول المأثور: "قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق". وإذا ما عجز الكلام عن أن يقدم لأهله ما يحميهم، فلا بدّ من فعل مؤثر، يعيد الأمور إلى مجاريها الطبيعية، ويعيد الحقوق المغتصبة إلى أهلها).

أَلاَ يعني كل هذا إنذارات مسبقة، لم تجْدِ نفعاً؟ وأَلاَ يعني هذا استفزازاً، بل عدواناً واضحاً على العراق؟

وأَلاَ يكفي كل هذا دليلاً، لتفهم إجراءاتنا، في وبعد 2/8/1990؟

    إن الرئيس بوش، يعرف كل هذه الوقائع، وغيرها من الوقائع، التي تعزز معنى وأحقية الإجراءات التي اتخذناها. فحكومته كانت تتابع الأحداث عن كثب. وكانت الحكومة الأمريكية، والكونجرس، يصعّدان الحملات ضد العراق، ويعدّان مشاريع القرارات، لفرض المزيد من المقاطعة والحصار على العراق، في الميادين، السياسية والاقتصادية، وغيرها. وحصل هذا قبل 2/8/1990، وقد كانت هذه الإجراءات، من جانب أمريكا، بسبب الإنذارات المتكررة، التي وجهناها إلى حكومة الكويت.

وبعد الذي حصل، وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق على الوسائل، فهل أصبحت عملية، ومنطقية، تلك الدعوة إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، قبل 2/8/1990، بما في ذلك عودة شيوخ الكويت، الذين كانوا يتلهون في جمع النساء والأموال، حتى إن البعض منهم، لم يعد قادراً على التعرف على أولاده، بسبب كثرتهم، فوصل الحال إلى حدّ، أن يعلن عن رغبته في أن يتزوج إحدى الصبايا، التي رآها مصادفة، في مناسبة ما، فظهر أنها إحدى بناته والعياذ بالله.

في 5/8/1990، اتُّفق على أن يعقد مؤتمر عربي، على مستوى القمة، يضم اليمن والأردن والسعودية ومصر والعراق، ليبحث المؤتمر الحالة الناشئة، ويقرر ما يرى من علاج للأزمة. وبدلاً من أن ينعقد المؤتمر، الذي وافقت عليه أطرافه، فوجئنا، عندما جمد أصدقاء أمريكا المؤتمر، بإيعاز منها، وبدخول الجيوش إلى أرض مقدساتنا، العربية والإسلامية، في الجزيرة العربية، وبالقرارات الأمريكية الأخرى. فضاعت علينا، وعلى المجتمع الدولي، في ذلك، فرصة الحل العربي، والبحث العربي الهادئ فيها. بينما شجعت أمريكا، وحلفاؤها، على الحل العربي، بالنسبة للقضية اللبنانية، حيث وُكِل حلها إلى لجنة عربية، بتشجيع من أمريكا، وبمباركة لاحقة من مجلس الأمن؛ وكانت السعودية المحرك الأساس فيها. وإنكم تعرفون، أيها السادة، بأن شعب لبنان أكثر حيوية، للإنسانية، من شيوخ الكويت. ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية، تجهد النفس، لاسترضاء حاكم سورية، الذي احتل لبنان؛ وإن التصريحات، التي صدرت، قبل وبعد لقاء بيكر، في دمشق، في 13/14 من هذا الشهر ـ تكشف ذلك.

إذاً، هي سياسة، وليست مبادئ، وبخلاف ما أراد بوش أن يصور، أنها قضية مبدأ، في رسالته الموجهة إلى شعب العراق. وطالما أنها سياسة، وليست مبادئ في واقع السياسة الأمريكية، وأنها اجتهاد، وكلٌّ حسب ما يتراءى له أنه صحيح، وينسجم مع مصالحه ـ فلنترك، إذاً، للحِوار، وليس للسلاح، طريقة للوصول إلى فهْم مشترك، وحلول مقبولة. وإن العرب، عند ذلك، أكثر قدرة على حل مشاكلهم فيما بينهم. وإذاء ما أريد إشراك المجتمع الدولي في حل أزمات ومشاكل المنطقة ككل، فإن الطريق إلى ذلك، هو ما دعَونا إليه، في مبادرتنا، في الثاني عشر من أغسطس (آب) 1990، عندما اقترحنا مناقشة كل قضايا المنطقة، مرة واحدة، فلسطين ولبنان والخليج، في مجلس الأمن، على صعيد واحد، وبهدف الوصول إلى مبادئ ومعايير واحدة، تطبق على كل هذه القضايا، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية وخلفية كل واحدة منها.

هذا هو الطريق الجاد، للوصول إلى الحل الشامل، والدائم، لكل مشاكل المنطقة وأزماتها، وفي المقدمة القضية الفلسطينية، التي من غير حلها، لن تهدأ أو تستقر المنطقة.

إن الذين ينظرون، بمسؤولية، إلى أمن المنطقة، عليهم أن يعالجوا كل الأسباب، التي سبقت 2/8/1990، وفي المقدمة منها قضية فلسطين، واحتلال الجيش السوري للبنان؛ وأن ينظروا إلى الكويت نظرة واقعية، لخلفياتها التاريخية، كجزء من العراق. وقد طرحنا هذه المبادرة، في 12/8/1990، والتي تضمنت حلولاً لكل قضايا المنطقة، بما يحقق السلام الشامل، والدائم، والأمن الشامل، والدائم.

أتعرفون ماذا حصل، أيها السيدات والسادة؟ لقد رفض بوش مبادرتنا هذه، حتى قبل أن يطّلع على نصها الرسمي. وعندما عرفنا، أن الإدارة الأمريكية، تبيّت عملاً عسكرياً ضد العراق؛ كان يستند، في البداية، على قول كاذب، مفاده أن العراق ينوي اجتياح السعودية، وقد أكدت الحقائق الدامغة كذب هذا الادعاء ـ اجتهدنا أن من بين الوسائل، التي قد تمنح الإدارة الأمريكية فرصة التفكير الأفضل، وتعطي للجميع زمناً إضافياً، قد يستفاد منه للحِوار ـ هو أن نمنع بعض الأجانب من السفر، ومن بينهم أمريكان، وأن يُستضافوا في بيوت العاملين في مؤسساتنا، العلمية والاقتصادية، لكي ندرأ، مع وسائل أخرى، حرباً مدمرة، تلحق الخسائر الفادحة بمن يستعجلها. وفي كل الأحوال، فإننا إنسانيون، ومتألمون من هذا الإجراء، رغم ما يقوله البعض لنا، من أن إعلان الحصار الاقتصادي على العراق، ومنع حتى حليب الأطفال والدواء والغذاء، هو من أعمال الحروب، التي تتيح لنا وأمامنا، وفقاً للقانون الدولي، حق حجز رعايا الدول المسؤولة عن ذلك؛ وهذا ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، في الحرب العالمية الثانية، عندما احتجزت حتى رعاياها من الأصل الياباني. ومع ذلك، أقول إننا متألمون من هذا، ونتمنى لو توفرت أمام شعب العراق، وأمام المجلس الوطني، الذي يمثل شعب العراق، أي ضمانات أو تعهدات، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد التزامها بأن لا تقوم بالعدوان والحرب ضد العراق، لتمكّنا، بعدها، وبصورة فورية، من السماح لكل الأجانب بالسفر. وهذا ما قدمناه بمبادرة تفصيلية، في 19/8/1990، رفضتها الولايات المتحدة الأمريكية، على الفور، من غير حِوار أو استفسار.

لقد أعلنا عن رغبتنا في إجراء حوار ومناظرة تليفزيونية، مع بوش، ليطّلع الرأي العام، ومنه الشعب الأمريكي، على تفاصيل الحقائق، من خلال الحِوار؛ إلا أن بوش، رفض ذلك. وهكذا، تجدوننا نثقل عليكم بمثل هذه التفاصيل. ولو كان الحوار مع بوش، قد حصل، لأعطى للمشاهد حيوية أكثر، وقدرة أفضل على الاستنتاج.

ومع كل هذا، يشكو إليكم بوش، عندما يقول إنه لا يستطيع أن يتكهن بما سيفعله الرئيس صدام حسين ولا يعرف كيف يفكر صدام حسين. بالله عليكم، كيف يستطيع بوش، أن يعرف صدام حسين، ورفاق صدام حسين في القيادة، إذا كان يرفض إجراء حِوار مباشر مع صدام حسين، أو إجراء مناظرة تليفزيونية مباشرة معه؟ أَلَيس فرصة الحِوار هذه، ينبغي أن لا تهمل، من قِبل الذين يعنيهم الأمر، لكي يعرف الخصم، عن قرب، لو كان الرئيس بوش، ينظر إلى الأمر بمسؤولية وجدية، وبصورة خالية من الغرض المسبق؟

وإننا عندما نطلب الحوار مع بوش، ليس لأننا نستجديه، أو نستجدي غيره. وإنما لأننا نحترم، أساساً، الرأي العام العالمي، ومنه الرأي العام الأمريكي. ونريد في هذا الحِوار أن نكشف الكذب، والادعاء غير الصحيح، ليس غير هذا، ليكون الناس على بيّنة من أمرهم، وعند ذلك، يقررون ما يقررونه، وعند ذلك، يستندون في قرارهم إلى حقائق بيّنة، وملموسة. أما كان الأفضل، لو قبل بإجراء هذه المناظرة التليفزيونية؟ ولو كان بوش على حق، لماذا يهرب منها، ومن الحوار المباشر معه؟

إن تفكير صدام حسين، ليس مجهولاً، كما يقول الرئيس بوش. وإن رفاقه في القيادة، وشعب العراق، وأبناء أمته، والخيرين في العالم ـ يعرفونه جيداً، ويستطيعون أن يستنتجوا ما لم يقله عن أي فعل قادم، تجاه أحداث ظاهرة، مطلوب قول القول فيها، أو التصرف تجاهها. وليس هنالك ما هو مخفي في سياسة العراق، إلا أن بوش، ليس لديه وكلاء في قيادتنا، وليس لديه جواسيس كثر في مجتمعنا، كما شكت من ذلك بعض الجهات المعنية، في أمريكا، علناً.

وإذا ما أراد بوش، والآخرون من الاختصاص في السياسة، في دول الغرب، أن يعرفوا أكثر عن القيادة في العراق، نقول ما يلي:

إن القيادة العراقية في العراق، من عباد الله، يؤمنون بما يؤمن به عباده الصالحون، المتطلعون إلى مرضاته ـ سبحانه ـ يخدمون شعوبهم، ويرفضون خدمة الطغاة. لا تغرينا المغريات، ولا نخشى تهديدات الطاغوت. نخدم شعبنا وأمتنا، بعمق وأمانة، ونرى فيها خدمة للإنسانية جمعاء. ونرفض، بإباء، أن نخدم الطغاة. نصون، في الأحداق، حقوق شعبنا وثرواته، ولا نفرط بها، أو نكتنزها لحسابنا في البنوك، كما يفعل حلفاء، بل خدم الإدارة الأمريكية، من بعض حكام المنطقة. جديون في الجد، رحماء بيننا، ومع كل الصالحين والخيّرين من عباد الله. أشداء على الكفر والظلم والاستغلال، الذي يضطهد الشعب، ويجوع الفقراء. لا نلتوي في المنازلة دفاعاً عن الحق. منصفون في الذي هو لنا، والذي هو علينا. نرفض أن تستعبد الشعوب من كائن من يكون، وندعو إلى أن يتمتع الجميع بالحرية، التي كتبها الله لهم.

وبعد، إذا ما أريد المزيد، فنحن مجاهدون في سبيل الله، ومبادئ الحق. مناضلون ضد الظلم والظالمين. صادقون في قول الحق. وإذا ما كانت تلك الدلائل، لا تكفي للاستنتاج الصحيح في الإدارة الأمريكية، أو غيرها، فهذا يعني، أن الذين يعنيهم الأمر، لا يهتمون بتلك الخواصّ، ولا يرون أنها ضرورية لمن يتعاملون معهم من حكام المنطقة، الذين يعتبرونهم أصدقاءهم الخلّص؛ وأنهم لم يتعودوا أن يروا، في صفات أولئك الحكام، أيّاً منا. وعند ذلك، فإن الذنب ليس ذنبنا، وإنما هو ذنبهم، وعليهم، وحدهم، جريرته. إن الحساب، الذي نحسب له، أساساً، هو حساب الله، يوم القيامة، وحساب شعبنا والتاريخ، عندما تشتط الخطى عن موضعها الصحيح ـ لا سمح الله ـ.

وإننا نحترم الرأي العام العالمي، عندما يكون في موقف، يستطيع فيه، أن يتشكل على أُسُس موضوعية ومنصفة فحسب. وما عدا ذلك، فهو زرع الشيطان؛ وإن زرع الشيطان لفي هاوية، وليس هو من حصاد نافع، ولا يجب على حاصده غير الشر والرذيلة. وثقل عذاب الله فيه، بقدر ثقل موازين من يغريه الاشتطاط.

إننا، وشعبنا وأمتنا، نريد السلام، مثلما يريد الخيرون منكم السلام. أيها السيدات والسادة، نريد السلام، ولكننا نريد السلام الشامل، والدائم، وليس تدابير شكلية مؤقتة، تفجر الأمور على نحو أعنف، في مرحلة لاحقة. لا نريد الحرب، وقد خبرناها، وعرفنا تفاصيلها. وفي الوقت، الذي منحتنا ظروفنا الصعبة، والحرب، الجَلَد، الذي تحتاجه المسؤولية، وشرف الدفاع عن الوطن والمبادئ، منحتنا فرصاً واسعة، لنقدر، بعمق وأناة، أية خطوة نخطوها، ونتحمل مسؤوليتها، بشرف وصلابة، وإننا لا نخشى تهديدات المتجبرين، ولا ننزلق إلى مغرياتهم.

إن بوش، يدفع بأبنائكم، أيها السيدات والسادة، إلى حرب لا تنطوي على أية قيمة إنسانية. وليس لها معنى، إلا الغرور القاتل، الذي أغرته به إمكانات الدولة العظمى، التي تقول للضعفاء أطيعوا فيطيعون. ولكن على الجميع أن يتذكر، أن الله هو الأقوى. ويريد بوش من ذلك، أن يجدد أحزان أمريكا والإنسانية، بتكرار تجربة "فيتنام"، على نحو أعنف، وتضحيات أوسع، وخسارة أكبر.

إن بوش، يقول لكم، إنه وغيره، بإمكانهم أن يوجهوا ضربات خاطفة إلى أهدافهم، التي يستهدفونها؛ وبذلك، تنتهي الحرب. ولكن عليكم أن تعرفوا، إن هذا ليس تهديداً، لأننا لا نهدد أحداً، وإنما هو وصف للحال، الذي نراه تماماً، ووصف لقرارنا، كما هو أيضاً ـ بأن بوش، إن هو بدأ الحرب، فإن قرار إنهائها، لن يعود في يده؛ وإنما سيرتبط بالآثار، التي تترتب عليها، وبتصميم الشعب، الذي قرر أن يواجه الطاغوت بقدرة لا تلين، طالما أنه وأمته على حق.

إن أمريكا، أيها السيدات والسادة، لا تخسر شيئاً، إذا ما ابتعد شيطان العدوان والحرب عن حاجبي بوش، وابتعدت وسائل الحرب والدمار عن المنطقة، ورفع ثقل الاحتلال المهانة عن مقدسات العرب والمسلمين. ولكن العراقيين، والعرب، يخسرون إنسانيتهم، ويخسرون فرصهم في الحياة الحرة الكريمة، لو تحقق لبوش ما يتمنى، أو ما يمنّي به النفس الأمارة بالسوء؛ وسيكونون تحت ظرف، ليس فيه شرف، ولا معنى، ولا حاضر، يعتزون به، ولا مستقبل، يضمن حياة أجيالهم وأجيال أبنائهم.

إننا، وحيثما تحدثنا من قبْل، وحيثما وجدنا أن الواجب، يقتضي أن نذكّر بخواصّ الشعب العراقي ودوره الإنساني، وخواصّ الأمة العربية ودورها الإنساني، فإننا نذكّر بعمق الحضارة، التي كانت من صنع جهودهم وعقولهم، ونذكّر بالثقافة، التي كان لهم فيها موقع السبق، تجاه الإنسانية ككل ـ عندما نقول إن عمق حضارة العراق، يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة. وإن العراق علّم الإنسانية الحرف والكتابة، قبْل أكثر من خمسة آلاف سنة. وسن حمورابي القوانين الشهيرة، منذ أربعة آلاف وخمسمائة سنة تقريباً. وإن أرض العرب، كانت دائماً مهبط الرسالات، ومهد الرسل، باختيار رباني. وإن العرب كانوا، وما زالوا، ملاك إيمان دائم، ومكلفين بنقل الإيمان إلى كل أرجاء المعمورة. وإن الهداية والإيمان، اللذَين وصلا إليكم، أيها السيدات والسادة، قد أوصلهما العرب المؤمنون إليكم. ولم نضع العراق، أو الأمة العربية، فوق الإنسانية في أي كلام قلناه من قبْل، أو نهدد أحداً بخواصّ شعب العراق، وأمة العرب، مع أن عمق الصفات، لا بدّ أن يكون متصلاً بعمق الحضارة، ومنها الجلَد والصبر، وتحمّل الشدائد، والاستعداد للقتال دفاعاً عن الحق.

إن بوش، وهو يوجه كلمته إلى شعب العراق، أراد التهديد، عندما تحدث عن صفات الشعب الأمريكي، حيث قال ما نصه: "نحن، كأمريكيين، لا توجد أمة على ظهر الأرض، أقوى تصميماً، وأشد تمسكاً بهدفها، منّا". كما وضع الشعب الأمريكي فوق الأمم، في إعطاء نفسه حق قيادة الإنسانية والدول كلها، في حديثه أمام الكونجرس الأمريكي، في 11/9/1990. إن بوش، إنما يدعو بذلك إلى نازية جديدة.

إن الله واحد أحد. وهو الوحيد، الذي له الوحدانية والقيادة العليا للإنسانية والكون، من غير منازع، وما عدا ذلك افتراء، وادعاء فارغ، وبائد، لا محالة.

إن المجد، لا يتحقق بالقوة الغاشمة؛ وإنما يتحقق بالعدل والإنصاف والقدوة الحسنة. وإن ما يعد فضيلة للإنسانية، هو أن يتواضع الذين يمنحهم الله القدرة. وإن لم يتواضعوا، فإن الله قادر على أن يسلبها، بعد أن تضل طريقها. إن المجد، الذي تأتي به القوة فحسب، يذهب بالقوة المقبلة، بل إنه ذاهب، لا محالة، من لحظة اتخاذه القوة الغاشمة قاعدة له.

إن بوش، تحدث في الكونجرس، في 11/9/1990، عن أهمية القوة والحيوية، كعنصرَين للقيادة. ولم يتحدث عن الله، ولا تحدث عن الحكمة؛ بينما إذا فقد الإنسان الصلة بين عمله والله، فإنه يفقد الروح. وإن هو فقد الحكمة، حتى وهو يملك القوة والحيوية، فإنه يفقد الاعتبار والتأثير الإنسانيَّين، لأنه يفقد الدقة. ولا أظنكم تتعارضون معي، في القول الذي يفقد الروح والاعتبار، فإنه يفقد كل شيء آخر، بل أهم من أي شيء أخر. إن بوش، يقول لكم بأنه جاء بجيوشه، وجيوش حلفائه، إلى المنطقة، ليدافع عن نمط حياة الشعب الأمريكي. وبغض النظر عن هذا القول المجرد، الذي لا يرى مصلحة الآخرين، عندما يرى مصلحته، وينطوي على خطورة خاصة على الإنسانية جمعاء، إن هو بقي على إطلاقه ـ نقول بغض النظر عن هذا، عليكم أن تسألوا بوش، من الذي يهدد نمط حياة الشعب الأمريكي؟ وهل هدد العرب، أو العراق، نمط حياة الشعب الأمريكي؟ إنه يقول لكم، بأنه جاء هنا، إلى أرض أمتنا، ليحمي النفط؛ وإنه لا يجوز أن يمتلك العراق 20 بالمائة من احتياطي النفط. فعليكم، ونحن جميعاً، أن نسأل بوش: وهل سيشرب العراق النفط، أو أنه سيبيعه؟ إن العراق يبيع النفط إلى أسواقه الطبيعية في الغرب، إنه يبيعه لأمريكا وعموم الغرب.

وهكذا كان حال العراق، قبل 2/8/1990، حيث كان يبيع ثلث نفطه إلى أمريكا. وفي كل الأحوال، فإذا أراد بوش أن يحدد قانوناً جديداً، للنسبة المسموح بها لامتلاك أي عنصر من عناصر الثروات، بما في ذلك ثروة أمريكا، ومنها الحبوب ـ فعليه أن يطرح هذا على الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتقرر ما تقرره، وليلتزم بقرارها الجميع، ويدخل، عند ذلك، ضمن ميثاق الأمم المتحدة. أما إذا تصور بوش، بأنه قادر، وحده، على استعباد الإنسانية، وقادر على التدخل بتفاصيل حياتها وثروتها، فإنه واهم. وإن سياسته هذه، ستعزل أمريكا عن العالم، لا محالة، وستجعلها مكروهة، ممقوتة. وستجعل الذين يقومون بمثل هذه السياسة، ملعونين إلى يوم القيامة.

ولكي لا أثقل عليكم أكثر، عليكم أن تتذكروا، أن آلاف الأطفال في العراق، قد يموتون متأثرين بعامل سوء التغذية، جراء انقطاع حليب الأطفال عنهم؛ وأن الكثيرين من الناس، ستتدهور صحتهم، بسبب ضعف الغذاء الصحي، وستتأثر حياتهم؛ وإن انقطاع الدواء والغذاء وحليب الأطفال، هو تدبير بدأته الولايات المتحدة الأمريكية، وإدارة بوش، خلافاً لميثاق الأمم المتحدة، والأعراف الدولية، وقد صرح بذلك الرئيس فالدهايم، عندما زار بغداد، في 25/8/1990.

وإن مثل هذا العمل اللاإنساني، لا يمكن أن تقارن أثاره بأي عمل آخر، مهما اختلف الوصف حوله. وإنه اتُّخذ من جهة غير مهدَّدة. وإن العراق، رغم أنه مهدَّد في سيادته وأمنه، وفي سيادة وأمن أمته، لم يتخذ إجراءات تماثل هذا الإجراء، أو تقترب منه، في الوصف والدوافع، بأي شكل من الأشكال. وإن الذين يتحدثون عن الأجانب الممنوعين من السفر، عليهم أن يتذكروا بأن شعب العراق كله، أصبح ممنوعاً من السفر، ومحجوزاً عليه، بعد أن تقطعت به سُبُل السفر، وآخرها ما يروج له البعض، في فرض الحصار على الطائرات المدنية أيضاً. فهل عرفتم أو سمعتم عن إجراءات، أكثر فظاظة ولاإنسانية وإجحافاً، من هذه الإجراءات؟

وعندما يقال لبوش: لماذا أنت تعارض الوحدة بين العراق والكويت، في الوقت الذي أيدت فيه الوحدة الألمانية؛ ولم تعترض على قيام وحدات وطنية أخرى؟ قد يقول لكم بأنه ليس ضد الوحدة؛ وإنما هو ضد الضم بالقوة. وبغض النظر عن التفاصيل والحجج، قولوا له: إن شيوخ الكويت، نصبتهم القوة البريطانية حكاماً، ولم تأتِ بهم الديموقراطية والانتخابات. وإن الكويت اقتطعت من العراق، بالقوة أيضاً. وإن كل المحاولات الديموقراطية للوحدة، مما أشرنا إليه، والتي قام بها المجلس التشريعي الكويتي، في عام 1938، قد قمعت. وإن الكويت المقتطعة من العراق، استخدمت كقاعدة تآمر على العراق، بدلاً من أن تشد أزره، وما كان من بديل أفضل من الذي كان. وإننا، أيتها السيدات، وأيها السادة، نحمد الله على الذي حصل.

إن قول بوش، بأن أغلبية العرب معه، هو قول غير دقيق؛ ولا أريد أن أصفه بغير هذا الوصف. وإذا ما أريد التأكد من رأي الأمة العربية، فليوافق بوش على لجنة عمل مشتركة، من الكونجرس الأمريكي، تلتقي مع لجنة من ممثلي شعب العراق في المجلس الوطني، ليستطلعوا ويجروا، سوية، تقييماً للمعلومات والحقائق؛ على أن يعدكم بوش مسبقاً، بأنه سيطلعكم على الحقيقة كما هي. وعند ذلك ستتأكدون من أن الأمة العربية كلها، مع العراق. وأنها كلها، ترفض وجود جيوشكم على أرض مقدسات المسلمين، في الجزيرة العربية، ومعها المسلمون في العالم. وأنها مع الحق ضد الباطل. وينبغي أن لا يَغُرَّنَّ أحداً حفنة من المأجورين والضعفاء والخونة، الذين يرتجفون منزوين في جحورهم، خوفاً من غضب الشعب، بعد أن انعزلوا عن طريق الإخلاص والمخلصين.

إن الإدارة الأمريكية، أيتها السيدات، وأيها السادة، تضعكم جميعاً في حرج شديد، بالإضافة إلى أنها تضعكم جميعاً على حافة هاوية سحيقة، مثلما تضعنا، أيضاً، وتضع الإنسانية جمعاء. وإنها تضعكم أنتم، كأمريكيين، في حرج شديد؛ ذلك لأنها تقول وتدعي بالديموقراطية، في الوقت الذي تصادق فيه أكثر الحكومات تخلفاً، وأكثر الحكومات ابتعاداً عن الشعب، وأكثر الحكومات ابتعاداً عن الديموقراطية، بل أكثر الحكومات ابتعاداً عن الله الواحد القدير، العزيز.

لقد قال الشعب العراقي رأيه، بالتظاهرات والهتافات والأهازيج، التي اندفع فيها شعب العراق العظيم، كالشلال الهادر، إلى الطرق والشوارع، مستنكراً ما قاله بوش في كلمته، بعد أن أنهى كلامه مباشرة، وذلك في مدن العراق وقصباته. وها أنا قد قلت كلمتي، نيابة عن القيادة في العراق، بل ونيابة عن كل الخيّرين المؤمنين، من العرب والمسلمين. والله الموفق. والله أكبر.

]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[ (آل عمران: 173) صدق الله العظيم.