إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

وثيقة

نص المحضر العراقي

لمحادثات وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر

مع وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز

في جنيف

يوم الأربعاء، 9 يناير 1990

الجلسة الأولى

بيكر:

    هذا اجتماع مهم جداً، نحن نجتمع كممثلين لدولتين ذاتَي سيادة. إن الغرض من هذا الاجتماع ليس بأي صفة الضغط على بعضنا البعض، ولكن يجب أن لا يكون مفاجئاً لكم، أني لست هنا لإعادة التفاوض بشأن قرارات المجتمع الدولي التي صدرت عن مجلس الأمن. ولكن أنا هنا لكي أتصل بكم، وهذا يشمل ليس الحديث فقط ولكن الإنصات، أيضاً. ولذا فإني لست راغباً في مجرد الحديث، ولكن الإنصات. وآمل أنكم هنا أيضاً بروح الإنصات إلى جانب الحديث. وسأبدأ بالطريقة التي تفضلونها، إما أن تبدأوا إذا تفضلتم، أو أبدأ أنا، ولكن قبل أن تبدأوا، أود أن أسلمك رسالة من الرئيس بوش إلى الرئيس صدام حسين، وهذه نسخة من الرسالة لكم.

طارق عزيز:

    شكراً، سيادة الوزير، إنني أرغب فعلاً في أن يكون هذا اللقاء لقاء مثمراً. وأعتقد أن السبيل إلى ذلك، هو أن ننصت إلى بعضنا البعض. أنا أعرف موقفكم وأعرف أن بيننا خلافات كبيرة. ولكني كما قلت مستعد للإنصات لكم، كما أرحب باستعدادكم للإنصات لما أقول. أما بالنسبة إلى الرسالة التي سلمتني إياها، اسمح لي، أولاً، أن أقرأها.

بيكر:

    تفضلوا؛ ولهذا السبب قدمتها لكم، وستسلم نسخة من الترجمة العربية إلى سفيركم في واشنطن.

طارق عزيز:

    سيادة الوزير، في بدء حديثكم قلت إن هدف الاجتماع ليس الضغط على بعضنا البعض. وقد قرأت رسالة الرئيس جورج بوش إلى رئيسي، وهي مليئة بعبارات التهديد كما أن فيها لغة غير مألوفة في التخاطب بين رؤساء الدول. فإني أعتذر عن تسلمها، وبإمكانكم أن تنشروا هذه الرسالة في وسائل الإعلام، وسنرد عليها بوسائلنا.

    إنني أرجو ألاّ يعطل ذلك اجتماعنا، لأننا نرغب فعلاً في أن نتحدث، فنحن لم نتحدث منذ بدء هذه الأزمة. كما هو معروف فإن شعبينا مقبلان على مواجهة، ومن المفيد قبل أن ندخل في مثل هذه المواجهة أن نستكشف كل الإمكانيات التي يمكن أن تبني تفاهماً بين بلدينا. لذلك فإني لا أستطيع أن أقبل اللغة في رسالة الرئيس بوش، مع أنه ذكر أنه لا يقصد التهديد وإنما يقصد الإبلاغ. أنا أفضل أن نبلغ مواقفنا بعضنا البعض بأسلوب متحضر يعبر عن الاحترام المتبادل. وإذا وفقنا الله في الوصول إلى تفاهم، فهذا أمر جيد. وإذا لم نتوفق ـ وهذا ما لا نتمناه ـ فعندئذ كل يعرف طريقه. حول بدء العمل، أرغب في الاستماع إلى الوزير بيكر، أولاً.

بيكر:

أولاً،  أرجو أن أكون واضحاً. إنني لا أرى في هذه الرسالة لغة غير متحضرة.

 ثانياً، من الضروري جداً أن نفهم بعضنا، وأن الهدف من هذه الرسالة أن نجعل ما نقوله منذ أشهر عديدة واضحاً جداً. كما تظهر الرسالة أن المجتمع الدولي جاد جداً في فرض القرارات الاثني عشر الصادرة عن الأمم المتحدة. لا أستطيع أن أجبرك على أخذ هذه الرسالة ولن أحاول.

    أما فيما يتعلق بنشر الرسالة في المستقبل. فهذا أمر ننظر فيه وقد نقوم أو لا نقوم به. ولكن الشخص الوحيد الذي يعرف مضمون ومحتوى الرسالة هو أنت. ويبدو أن هذه مسؤولية ضخمة لشخص واحد يحملها على عاتقه. ولكن إذا أردت ذلك فليكن، هذا بدءاً من وجهة نظرنا في 2 أغسطس عندما غزوتم الكويت، هذا العمل الذي جرت إدانته من خلال (12) قراراً لمجلس الأمن، هذه القرارات لا تستنكر فقط العمل، ولكن تصر على إعادة الأمور إلى نصابها.

    لا نستطيع أن نناقش أحكام قرارات مجلس الأمن، ولا أن نعيد التفاوض حولها. وأنتم أكثر من أي شخص آخر، تعتقدون بهذه الحقيقة وخاصة بموقفكم من القرار ( 598 ) حول نزاعكم مع إيران. إن قرارات مجلس الأمن ليست لإعادة التفاوض، لذلك فإن التساؤل الوحيد هو بأي طريقة تغادرون الكويت؟ أو هل تجبرون على ذلك؟ وشيء واضح لو أن هناك حلاً سلمياً للأزمة، وانسحبتم فإن هؤلاء الذين يقودون العراق، الآن، سيكون لهم قول في مستقبل العراق. أما لو كان الانسحاب نتيجة استعمال القوة، فإن كثيرين سيقررون ذلك في المستقبل.

    نحن لدينا شعور بأننا مدينون لكم ولرئيسكم ولشعبكم، ومن الواقع لشعوب العالم التي دعمت قرارات الأمم المتحدة أن تشرح وبعبارات واضحة. كما نرى العواقب نتيجة عدم الاستجابة للقرارات. قد ترى في جهودنا من أجل الاتصال نوعاً من التهديد ولكن آمل ألا ننظر هكذا وآمل أن نفهم أن علينا مسؤولية أن نقول لكم للآخرين الحقائق كما نراها فيما يتعلق باستعمال القوة. وهذا هو واحد من الأسباب التي جعلت الرئيس بوش يطلب مني أن أقابلك، وأن يكتب هذا الخطاب لأنه لو أتى الاصطدام ـ ونأمل ألا يأتي ـ ولكن لو أتى فيجب ألا يكون نتيجة عدم تفهم للنوايا بالنسبة للأطراف، أو للحقائق. دعني أقل إن الرئيس أخبرني أيضاً أننا سنغلق سفارتنا في بغداد يوم 12/1 ونحن نريد أن نخرج الدبلوماسيين الخمسة الباقين في بغداد وأن نسألكم أن تسحبوا كل دبلوماسييكم من واشنطن. وإذا أردتم أن تتركوا اثنين أو ثلاثة هناك فالخيار لكم. ولكن آمل أنه ما زالت هناك فرصة لحل سلمي لهذه المشكلة وهذا ما يدعو إليه القرار (678) ألا وهو الوقفة المؤقتة من أجل السلام. هذه المحادثات من أجل السلام، لا تغير من قرارات مجلس الأمن. ونحن نقول إن هذه القرارات تدعو إلى انسحاب فوري وغير مشروط من الكويت وتطلب استرجاع سيادة الكويت والحكومة الشرعية لها. ونحن ليس لدينا أية صلاحيات هنا لأن نناقش أو نتحدث عما أقره المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة؛ المجتمع الدولي من وجهة نظرنا قد أقر هذه المسائل.

    إن المعلومات التي سأحاول أن أعطيها لكم ولزملائكم، هي لكي تفهموا وجهة نظرنا فيما يتعلق بمدى عزلتكم في هذا الصراع، وأن نحاول أن نوصل لكم بأننا نؤمن بأمانة أن العواقب ستكون مدمرة للعراق لو استخدمت القوة العسكرية. ودعني أقل مرة أخرى إن المقصود ليس التهديد ولكن الإبلاغ، قد تختارون أن ترفضوا هذا أو لا تؤمنوا به. ولكن نعتقد أن علينا مسؤولية، أن لدينا تفوقاً تكنولوجياً فائقاً وتفوقاً كاملاً من حيث الثقل الكلي للقوات الموجودة في المنطقة، بما فيها القوى الدولية. وفي رأينا أنه لو حدث الصراع فإن قواتكم ستواجه قوات تتمتع بقدرة تدميرية ساحقة .. ومرة أخرى أود أن أقول إن هذه القوى ستدمر قابليتكم على أن تديروا البلد وستدمر قدرتكم على قيادة قواتكم.

    أود أن أقول لو حدث الصراع، وإنني لا أريد هذا وأعرف أنكم لا تريدون هذا، فنحن سوف نعطي قواتكم في الكويت الفرصة لإنقاذ نفسها. ليس في خططنا أن ندمر هذه القوات بشكل فوري وسريع وليس بطريقة حربكم مع إيران. ولكن هؤلاء الذين يختارون ألا ينقذوا أنفسهم سيكونون عاجزين على أن يدافعوا عن أنفسهم تجاه القوات، الجوية والبحرية والبرية، التي ستدمرهم.

    كذلك أن من واجبي أن أقول لك إنه لن تكون هناك وقفة في وجهة نظرنا. ولو حدث هناك صراع فلن تكون هناك هدنة من قبل الأمم المتحدة، من أجل خلق ساحة للتنفس والتفاوض، ولا بد أنكم سمعتم في الشهور السابقة إذا بدأ الصراع، فإنه سيكون ضخماً ولن يكون فيتنام أخرى. ولن نضع جيوشنا في موقف لا تستطيع فيه إنجاز العمل. وإذا بدأت الحرب فإنها ستحارب من أجل نهاية سريعة وحاسمة.

    هناك نقطة أخرى فيما سأصفه بالجانب المظلم من هذه المسألة، وقبل أن نذهب إلى الجانب الآخر، وهو إذا بدأ الصراع ـ لا سمح الله ـ واستعملت الأسلحة، الكيماوية أو البيولوجية، ضد قواتنا، فإن الشعب الأمريكي سيطالب بالثأر ولدى استخدام مثل هذه الأسلحة فإن هدفنا لن يكون فقط تحرير الكويت، ولكن سيكون أيضاً الإطاحة بالنظام الحالي. وإن أي شخص مسؤول عن استخدام هذه الأسلحة، سيكون عرضة للمساءلة في المستقبل.

    وكما أظهر الرئيس في خطابه، لن نتسامح في الإرهاب الموجه ضد الأمريكان أو شركائنا في التحالف، وكذلك أيضاً تجاه أي محاولة لتدمير حقول النفط الكويتية.

    أخيراً، من وجهة نظرنا ووجهة نظر حلفائنا أيضاً، فإن الحرب ستدمر كل شيء كافحتم من أجل بنائه في العراق. وبفضل عدم رغبتكم في إنهاء عدوانكم على الكويت، فسوف يحول العراق إلى دولة ضعيفة جداً ومتخلفة. نحن نأمل أن يكون هناك طريق آخر، ونأمل ألا نترك أمام هذه الطريقة لتكون الوحيدة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

    إني سعيد لإتاحة الفرصة لعقد مثل هذا الاجتماع، لأننا ننزعج لفكرة عدم القيام بحسابات دقيقة من قبل الجانب العراقي. وأعتقد أن رئيسكم قد أساء التقدير فيما يتعلق بإرادة المجتمع الدولي، عندما غزا الكويت. ونأمل ألا تقوموا بإساءة أخرى في التقدير فيما يتعلق بإرادة الولايات المتحدة.

    كان هناك حكام مستبدون في السابق. وكانوا يعتقدون أن الديموقراطية الأمريكية غير مستعدة لخوض القتال. وقد دفعوا الثمن الأعظم لإساءة التقدير. ألح على عـدم تكـرار هذه الأخطـاء. لا تسيئوا تفسير الأحداث الكثيرة، التي تسمعونها والتي تأتي من مجتمعنا الديموقراطي.

    تعرفون أن نظامنا يشجع على هذا. ولكن بفضل هذا الحوار المفتوح والديموقراطي نشعر أن هذا النظام أقوى نظام في العالم، وأن الأمريكيين سوف يتخذون الحرب لو تركوا دون خيار. دعني أذهب من هذا الجانب المشرق.

طارق عزيز:

    على قاعدة الجزرة والعصا.

بيكر:

    أنت شديد الملاحظة.

أولاً، علمنا أنكم قلقون فيما إذا انسحبتم أو لن تنسحبوا. أود أن أعيد التأكيدات التي قالها بوش، والتي كررتها أنا. لن تهاجموا إذا استجبتم لقرارات مجلس الأمن لن نهجم على بلدكم أو قواتكم، وذلك في حالة وجود استجابة كاملة للقرارات.

ثانياً، إن الوجود العسكري الأمريكي الكبير في الخليج الآن، هو هناك بسبب ما عددناه في ( أغسطس ) تهديداً كبيراً وخطيراً، وكنتيجة لتفاوت قواتكم العسكرية في المنطقة مقارنة بالقوة الموجودة في شبه الجزيرة العربية. وليست لدينا أية نيات للاحتفاظ بقوات عسكرية كبيرة، وخاصة تلك المجهزة لإعطاء قدرة هجومية ضد العراق، وذلك فور انسحاب العراق وذهاب التهديد.

ثالثاً، إننا نؤيد فكرة حل الخلافات بين العراق والكويت سلمياً، بعد الانسحاب كما يدعو لذلك القرار 660. لذا دعني أقل إنني سعيد أن لدينا الفرصة لأن نتقابل، وإني سعيد أن رئيسك قد قرر إرسالك إلى جنيف. وأنا قد قلت إن هذه أفضل فرصة من أجل السلام. وأنا حقيقة أؤمن بهذا وآمل أن نجد طريقاً لحل هذه المسألة سلمياً وسياسياً ودبلوماسياً.

طارق عزيز:

    سيادة الوزير. أنتم قلتم إن كل هذا بدأ في 2 أغسطس. لكن لدينا وجهة نظر مختلفة، ويسعدني أن تتاح لي الفرصة لأشرح لك ولزملائك وجهة نظرنا. ولكن قبل الدخول في هذا الجانب أود أن أعلق على الجانب الآخر الذي ورد في حديثك.

    منذ أشهر عديدة، ونحن نسمع منكم شخصياً، ومن الرئيس بوش، ومسؤولين أمريكيين آخرين، أن العراق لا يعرف ما الذي يحيط به، ولا يقدر الأخطار التي يمكن أن تنشأ عن المواجهة العسكرية. كنا نتمنى لو كنا التقينا منذ وقت مبكر، لنزيل سوء الفهم هذا حول هذه المسألة وحول مسائل أخرى.

    سيادة الوزير، نحن نقود بلادنا منذ ( 22 ) عاماً، ومتوسط العمر في القيادة العراقية هو في الخمسينيات. أنا عمري ( 55 ) عاماً، ورئيسي عمره ( 54 ) عاماً. وأعتقد أنك تتفق معي بأن هذه السن هي سن النضج والحكماء يقولون إن الحكمة تبدأ بعد الأربعين.

    لدينا خبرة طويلة في إدارة بلادنا، وفي التعامل في القضايا الدولية. وأعترف أن خبرتنا مع الولايات المتحدة قليلة وخبرتكم في التعامل معنا قليلة. الآن نحن مقبلون على مواجهة، أنا التقيتك في أكتوبر 1989، لأقل من ساعة. والسيد جون كيلي زارنا في فبراير الماضي. أعرف الرئيس بوش، خلال لقاء قصير، عام 1984. المسؤول الأمريكي الوحيد الآن في الإدارة، الذي قابل رئيسي، هو السيد كيلي، ونستنتج من هذا أننا لا نعرف بعضنا البعض جيداً. ولكن كثيرين غيركم يعرفوننا ومنهم حلفاؤكم ولا أقصد حلفاءكم في المنطقة، هؤلاء يعرفوننا، أقصد حلفاءكم في الغرب مثل الفرنسيين والألمان والإيطاليين.

    نحن نفهم تماماً ما يجري حولنا. ومنذ الثاني من أغسطس كنا نتوقع عملاً عسكرياً أمريكياً ضد العراق. ونحن نعرف ما هي الولايات المتحدة. صحيح كما قلت أن خبرتنا معكم قليلة على صعيد القيادتين، ولكن نحن نعرف الحقائق السياسية في العالم، ومن هذه الحقائق أن الولايات المتحدة، هي قوة عظمى. وفي الآونة الأخيرة أصبحت القوة العظمى الوحيدة. لذا، فعندما نتصرف كما تصرفنا فيجب ألا يكون عندكم أي شك بأن هذا التصرف جاء من الجهل بهذه الحقائق. أنتم بلد متقدم تمتلكون أسلحة جبارة، وقد نقلتم الكثير من هذه الأسلحة إلى منطقتنا. وأؤكد لك أننا نعرف بالضبط ماذا لديكم هناك، ونعرف الكفاءة والقوة التدميرية لكل سلاح أمريكي موجود في المنطقة.

    نحن حكومة نشيطة تشتغل كثيراً، نقرأ ونحلل ونتابع، وقد أثبتنا ذلك في حالات غير قليلة. تعامل معنا بعض الأمريكان، وأعتقد أنهم لمسوا أيضاً أننا لا نكذب ولا نخدع. نحن أناس مباشرون لدينا آراؤنا، ربما لا تكون هذه الآراء مقبولة من قبل الآخرين، ولكنها نابعة من الصدق. ولكننا دائماً منفتحون للتبادل المفتوح للآراء بيننا وبين الآخرين. وأود أن أقول لك أيضاً، سيادة الوزير، نحن نتابع النقاشات التي تجري في الولايات المتحدة. هذا جزء من عملنا اليومي. ونشاهد بعض النقاشات على التليفزيون الأمريكي. بعضنا يفهم الإنجليزية بشكل متواضع، مثلي. ونعرف ما يدور في الكونجرس وما يكتب في الصحافة. ولكن ليس لدينا أوهام حول نواياكم. نعرف أن في بلادكم مركزاً قوياً لرئيس الدولة، وعندما يقرر فإنه يستطيع أن يقرر ونحن نفهم الديموقراطيات وكيف تشتغل.

    صحيح أن نظامنا السياسي ليس مشابهاً لنظامكم، ولكن، كما قلت لك، نحن في قيادة بلادنا منذ ( 22 ) عاماً، وقد تعلمنا مع الكثير من البلدان، وزرناها، ونعرف كيف تعمل الديموقراطية عندكم وفي فرنسا وبريطانيا وألمانيا. فالموضوع ليس قلة معلومات، وليس الأوهام حول إمكاناتكم ولا سوء التقدير أو الحسابات الخاطئة حول نيتكم وقدرتكم على اتخاذ القرار. وكما قلت لك نحن كنا نتوقع العمل العسكري من جانبكم ضدنا، منذ بداية الأحداث. ومع هذا، اتخذنا المواقف التي اتخذناها. وكنا ندعو باستمرار لكي نلتقي ونتحدث. رئيسي أعلن هذه الرغبة في التليفزيون الأمريكي، ولكنكم كنتم تقولون لا لقاء ولا تفاوض، إلا إذا قام العراق بكذا وكيت. نحن فسرنا هذا على أنه تصميم على المضي في الخيار العسكري من جانبكم، لأننا نفهم سبب لقاءنا معنا. الآن نلتقي أنا وأنت تسمعني ما تريد أن تقول وأنا سأسمعك ما أريد أن أقول. وكلانا رجل ناضج ولن يخدع أحدنا الآخر. ولا يمكن أن أقنعك بوجهة نظري، إلا إذا وجدت فيها شيئاً مقنعاً بالنسبة لك. وكذلك الأمر بالنسبة لي.

    إذاً، الحديث ليس ضاراً. ولكنه بالتأكيد مفيد بنسب متفاوتة. الجانب الآخر نحن نعرف تكاليف الحرب. نحن كنا في حرب مع إيران. صحيح أن إيران ليست الولايات المتحدة. ولكن هناك صفحات في الحرب مع إيران كانت صعبة جداً جداً، أنت كنت في الإدارة السابقة، ولا بد أنك كنت تتابع الموقف، في سنوات الحرب بيننا وبين إيران. كان قليل من الأمريكان يعتقدون بأننا يمكن أن نخرج من الحرب سليمين.

بيكر:

    كدتم أن لا تخرجوا سليمين.

طارق عزيز:

    هذا يعني تقديراً ليس دقيقاً. نحن خرجنا من الحرب منتصرين. نحن أنهينا الحرب بعمل منتصر وقمنا بإنجاز مهم. حمينا بلادنا من نظام كان في ذلك الوقت توسعياً وعدوانياً. نعم تحملنا تكاليف كثيرة وأكثر التكاليف التي بقيت بعد الحرب تؤثر علينا هي الوضع الاقتصادي. كان اقتصادنا يعاني من النقص في الموارد لذلك ليس لدينا أوهام حول تكاليف الحرب. أنا لدي ابني الأصغر عمره ( 11 ) عاماً كل تجربته في الحياة هي الحرب توقع الغارات الجوية والصواريخ الإيرانية.

    إذاً، الحرب ليست أمراً غريباً بالنسبة لنا، وهي مكروهة. وفي الدين الإسلامي هنالك آية في القرآن الكريم تصف الحرب بأنها كره والآية تقول بالنص كتب عليكم القتال وهو كره لكم . إذاً، نحن نعرف كل هذه الحقائق نعرف قوّتكم ونعرف إصراركم ونعرف أن الحرب مدمرة. ومع هذا كنا نتخذ المواقف التي اتخذناها خلال الفترة الماضية. لا بدّ أن تسألوا أنفسكم لماذا؟ هل هؤلاء الناس لا يفهمون؟ هل هم معزولون، كما تقولون؟ نعم خلال الأشهر الخمسة الماضية لم نجر اتصالات مع العديد من الدول، أو هم امتنعوا عن ذلك. ولكننا نعرف هؤلاء جيداً، زملاؤك وزملائي. وزراء الخارجية الأوروبيون نعرفهم جيداً دوما وأندريوتي وغيرهما تحدثنا كثيراً وتعشينا معاً.

    إذاً، نحن لم نكن معزولين، قبل 2 أغسطس والآن، حتى مع عدم وجود اتصالات، فإن لدينا معلومات كافية عن العالم. إذاً، لا بدّ أن تكون هناك أسباب جوهرية. وقبل أن أعرج على الحديث عن تلك الأسباب، أود أن أعلق على بعض الملاحظات التي جاءت في حديثكم.

    أنتم قلتم إن العراق إذا لم يفعل هذا وهذا، فإن القيادة الحالية لن تكون قادرة على تحديد مستقبل العراق. ولكن سيكون هناك آخرون. أعتقد أن هذا تقدير خاطئ من جانبكم. القيادة في بلادنا ليست عملية سهلة. صحيح أن نظامنا لا يشبه نظامكم. ولكن هؤلاء الذين يصلون للقيادة في العراق، ويبقون الفترة الطويلة التي بقيناها، لا بد وأن تكون لديهم أسباب قوية جداً ليستمروا هذه الفترة. وأقول لك بدون تبجح ورغم ما يتضمنه كلامك حول هذا الموضوع من إهانة، أقول لك إن القيادة الحالية ستبقى في حكم العراق الآن وفي المستقبل. والذين سيختفون عن المسرح السياسي ليس القيادة العراقية، وإنما بعض حلفائكم في المنطقة. هكذا نرى الأمور. شعبنا يقف إلى جانبنا، وهو مقتنع بموقفنا. أنتم تصفون نظامنا بأنه مستبد، وهذا وصف غربي.

بيكر:

    وأنا غربي.

طارق عزيز:

    نعم. أنا أفهم. ولكن في بلادنا لدينا تاريخ مختلف. أعتقد أنكم تعرفون أن العراق كشعب عمره ستة آلاف سنة، وقامت فيه دول وممالك وإمبراطوريات، وكان هناك قادة وزعماء ومساهمة في الحضارة الإنسانية؛ ونحن أحفاد هؤلاء. صحيح نحن نعيش في هذا العصر ونتأثر به. ولكن لدينا قيمنا الخاصة في إدارة شؤون البلاد، وهذه القيم هي التي تجعل شعبنا يقف أمامنا. وهذا الشعب لا يؤيدنا فقط، وإنما يحبنا. هذه هي الحقيقة. إذا قدم لكم أحد معلومات مغايرة، فهو مخطئ ويريد أن يخدعكم.

    كيف ستنتهي المواجهة بيننا وبينكم؟ أنتم دولة عظمى تمتلكون أسلحة قوية ولديكم تقديراتكم عن فاعلية هذه الأسلحة. ولديكم خططكم وأنتم مقتنعون بأنكم إذا ما بدأتم بالحرب ضد العراق فإنكم ستنتصرون وإنكم ستسحقوننا. نحن لدينا قناعة مختلفة، وأقول لك بصدق وبدون ادعاء، إن ( 19 ) مليون عراقي، ومنهم القيادة العراقية، مقتنعون أنه إذا ما نشبت الحرب بيننا وبينكم، فإننا نحن الذين سننتصر. أقول هذا بدون غرور. هذه هي قناعتنا.

بيكر:

    أنا قلت ما قلته دون أي ادعاء أو غرور. ولذا، أرجو أن نتحدث هكذا أيضاً. وأنا أيضاً متأكد مما قلته بنفس القدر.

طارق عزيز:

    أنا أقدر نغمة الحديث. وكل واحد لديه قناعته وأسبابه. وهذا لا يعني أنني لا أريد أن أصل معك إلى تفاهم؛ لأننا كبشر متحضرين، يفضل أن نصل إلى تفاهم، ويفضل أن نعيش في هذا العالم بسلام وعلى أساس التفاهم، ونصنع مستقبلاً أفضل لشعبينا وللإنسانية، ونتجنب الحرب. ولكن ما أريد أن أقوله هو أن الحرب لا تخيف العراق، هو لا يريدها، ولا أنت قلت هذا، وأنت مصيب، وأنا متأكد أيضاً، لكنكم لا تريدون الحرب من وجهة النظر الإنسانية. ولكنك قلت لي إذا لم تفعلوا كذا وكيت فإنكم ستقدمون على الحرب.

بيكر:

    إن ما قلته إن هناك 12 قراراً للأمم المتحدة لا نستطيع أن نعدلها أو نتفاوض بشأنها، وهذه القرارات يجب أن تنفذ. ومنذ خمسة أشهر لا توجد إشارة من العراق بأنه مستعد أن يستجيب لهذه القرارات برغبته ودون استعمال أية قوة. لذا، فإنني أقول إننا نقترب بسرعة من الوقت ونرى كيف ستطبق هذه القرارات.

طارق عزيز:

    أنا فهمت ما قاله الوزير تماماً. ولكن في النهاية أنت قلت، وأنا لا أشك فيما تقول، بأنك قد تلجأ إلى قرار الحرب. ويعني هذا أنك لا تخشى من هذا الاحتمال. وأنا أيضاً أقول إنني لا أريد الحرب، ولكن إذا وقعت، فنحن لا نخشاها.

    إذاً، الموضوع بالنسبة للحرب ليس مسألة خوف. أنا كنت أميناً فيما قلته. نحن لم نخطئ التقدير لما قيل في الولايات المتحدة، والصحافة. وأرجو ألا يكون هناك سوء تقدير بالنسبة لقدرتنا على تحمل الحرب. السؤال هو لماذا لا بدّ أن تكون لدينا أسباب جوهرية؟ نحن في السلطة منذ 22 عاماً وخضنا حرباً لمدة ثماني سنوات مع إيران، وكانت فيها تكاليف كثيرة. إذاً، كيف نقدم على تحمل مخاطر حرب جديدة، إذا لم تكن لدينا أسباب جوهرية. نحن أيضاً بشر نحب الحياة، إذا كانت كريمة ولدينا نساء وأطفال، وبعضنا لديه أحفاد. إذاً، نحن نعرف ماذا تعني الحرب: القتل والدمار والآثار الاقتصادية الكبيرة. إذاً، لا بدّ أن تكون لدينا أسباب جوهرية تعود إلى ما قبل وبعد الثاني من أغسطس.

    أنا زرتك في واشنطن في أكتوبر 1989، وقلت لك إننا نرغب بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة، علاقة التبادل والتعاون. وأقول لك بصدق إننا إذا وضعنا جانباً الخلاف بيننا فيما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن العراق لا يعتبر نفسه عدواً للولايات المتحدة أو هو الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة. حتى الآن لم يساهم العراق في قتل مواطن أمريكي، ولم يساهم العراق في تهديد أية مصلحة أمريكية. والآن، نجد أنفسنا وجهاً لوجه لنقاتل بعضنا البعض. سنقتل الكثير منكم وتقتلون الكثير منا؛ هذه لم تكن رغبتنا. نحن خرجنا من الحرب، ونحن نمتلك قوة عسكرية كبيرة. كيف نشأت هذه القوة؟

    نحن لم نكن نمتلك هذه القوة في عام 1979 أو في عام 1980. إذاً، هذه القوة نشأت في غضون الحرب من أجل الدفاع عن بلادنا. كيف كان بإمكاننا أن نواجه الإيرانيين. في يناير عام 1987 قام الإيرانيون بهجوم على البصرة بـ 400 ألف شخص مصممين على الموت. كنا نقاتل أربعاً وعشرين ساعة في اليوم. وكنا نقتل منهم الآلاف والآلاف كل يوم، وتأتينا موجة بعد موجة. أنتم تعرفون الموقف، كنتم تراقبون، إذاً، ينبغي علينا أن نمتلك قوة تمكننا من مواجهة هذا الخطر. وهذا الخطر لم يكن علينا فقط، ولكن على أولئك أيضاً الذين جئتم لحمايتهم. ولو لم ننجح لكنتم الآن أرسلتم قواتكم لمواجهة إيران وليس العراق. أعتقد أنك تقر بهذه الحقائق.

    إذاً، قواتنا كانت قوة لحفظ التوازن ولحماية أمن المنطقة واستقرارها وثرواتها ومن ذلك مصالحكم. نحن لم نخدم مصالحكم، لم نعرض أنفسنا كخدم لمصالحكم، ولكن النتائج واضحة وهذا يشير إلى تداخل المصالح في العالم. كيف ووجهنا بعد انتهاء الحرب؟ بالشك، بالاتهامات، بالضغط والشتائم. وإذا رجعت إلى محضر لقائي معك في أكتوبر 1989 ستجد أني لفت انتباهك إلى أنه كان هناك تشكيك بقدرتنا.

    وعندما جاء السيد كيلي إلى بغداد، تحدثنا مطولاً أنا وهو، وكذلك أثناء مقابلته لرئيسي، حول هذه المسائل. كيف كانت الأوضاع قبل 2 أغسطس بالنسبة لنا؟ في عام 1990 كانت هناك حملة إعلامية واسعة جداً ضد العراق، تشهير بالقيادة العراقية وتحريض ضدها، مقاطعة اقتصادية. من الناحية الواقعية أنتم علقتم ووجدتم الاتفاق بيننا وبينكم حول مسائل الحبوب والزراعة وهي المسألة التي ناقشناها في مكتبك في أكتوبر. هذا حصل قبل أن تدخل قواتنا الكويت وقد اتخذتم إجراءات بالمقاطعة الاقتصادية والتكنولوجية ضد العراق قبل 2 أغسطس.

    صحفكم كانت تصف رئيسي بأنه أخطر رجل في العالم. هناك عدد من مجلة (يو اس نيوز اند وورلد ريبورت) في 4 يونيه فيه صورة للرئيس العراقي ومعه عبارة أخطر رجل في العالم. وهناك عدد من (نيوزويك) يقول إن صدام عدو الشعب رقم واحد. وأنا قلت لك إننا لم نساهم في قتل أمريكي واحد لحد الآن، ولم نهدد أية مصلحة أمريكية في أية بقعة من العالم. فكيف يصبح رئيسي عدو الشعب رقم واحد في أمريكا؟ نحن نعرف السبب، ففي مارس 1990 كنا نتوقع هجوماً إسرائيلياً على العراق. كان الإسرائيليون يهددون بضرب منشآتنا العلمية والعسكرية والصناعية. نحن أخذنا احتياطاتنا. وبواقع الحكمة، فإننا لنحذر الإسرائيليين ربما يتوهمون أن باستطاعتهم أن يضربونا، ونحن لن نرد. فقلنا لنحذرهم ولنكن واضحين وصارمين. رئيسي قال في 2 أبريل 1990 إذا ضربتنا إسرائيل فنحن سنردّ ونحرق نصف إسرائيل. وكان يقصد إذا ضربتنا بالسلاح النووي.

    السيدة توتوايلر خرجت بتصريح فوري، قالت فيه إن هذا الكلام شنيع. والرئيس بوش طلب من رئيسي أن يسحب تهديده. نحن قلنا إذا هاجمتنا إسرائيل ولكن "إذا" حذفت من المحضر الرسمي الأمريكي.

    نحن لم نلتق على الصعيد الرسمي. ولكن زارتنا شخصيات مهمة مثل السناتور دول ومعه آخرون جاءوا وأخذتهم إلى الموصل ليقابلوا رئيسي. والسيد الرئيس كان واضحاً. قال: إذا ضربتنا إسرائيل بالسلاح النووي، فنحن لدينا السلاح الكيماوي المزدوج سنستخدمه ضد إسرائيل على قاعدة الدفاع الذاتي عن النفس. وإذا ضربتنا إسرائيل بالأسلحة التقليدية سنردّ عليها بالأسلحة التقليدية.

بيكر:

    هذا لم يوضح على الإطلاق. والتصريح الأصلي لم يكن مشروطاً بهجوم نووي إسرائيلي. والطريقة التي جاء بها الرأي العام الأمريكي هو تهديد واضح من رئيسكم بضرب إسرائيل.

    أنا لا أجادل ولكن ببساطة أقول إنه كان هناك سوء تقدير. ولكن عليك أن تفهم أنه إذا استخدم البعض أسلحة كيماوية ليس فقط ضد إيران ولكن ضد الأكراد ويهدد باستعمالها ضد دولة مجاورة، فإنها قضية لها أهمية كبيرة وتثير القلق. ما نقوله إنها كانت إشارة فقط ولكن لا أجادل معك هنا.

طارق عزيز:

    ربما فهمتم الأمر هكذا. ولكن لا بدّ أن السناتور دول، بعد عودته من بغداد، قد أبلغك ذلك أو أنه أبلغ الرئيس بوش مستوى حديثه مع الرئيس. وأنا قرأت تصريحات له بعد عودته من بغداد. إذاً، فنحن لم تكن لدينا نية للبدء باستعمال أي سلاح. ولكن كنا مصممين على الرد فيها إذا تعرضنا إلى عدوان. في ذلك الوقت كنا نتوقع الحرب ومن جانب إسرائيل ضدنا وعلى الأردن، ولا بدّ أن الأردنيين قد عبروا عن قلقهم لكم.

السفير روس:

    لم نسمع شيئاً من الأردنيين. ولكن سمعنا من مصر تعبيراً عن أنه قد يكون هناك إساءة في التقدير بين إسرائيل والعراق.

طارق عزيز:

    هناك رسالة من الملك الحسين إلى بوش فيها كلام واضح جداً.

    الملك حسين يقول للرئيس بوش:

    "كيف تتوقعون من العراق ألا يكون حذراً من الولايات المتحدة، في الوقت الذي تعمل الولايات المتحدة على تهديد حياة رئيسها؟ وتذكر أنني أثرت هذا الموضوع بشكل عام في أكتوبر 1989".

بيكر:

    نعم أتذكر هذا.

طارق عزيز:

    إن رسالة الملك حسين واضحة، إذاً، اللوحة في عام 1990 هي تهديد إسرائيلي للعراق واحتمال قيام حرب بيننا وبين إسرائيل، وتهديد إسرائيلي لأمن الأردن، وتهديد إسرائيلي للفلسطينيين بسبب الهجرة الكثيفة لليهود السوفيت إلى إسرائيل، وهذا هو الموضوع الذي نوقش في قمة بغداد. والقرارات التي صدرت عن قمة بغداد كلها تعاملت مع التهديدات الإسرائيلية وتعاملت مع المقاطعة الأمريكية والغربية للعراق. وفي نفس الفترة بدأت عملية زعزعة الاقتصاد العراقي. أنت تعرف، يا سيادة الوزير، أن العراق بلد يمتلك ثروات كبيرة من جميع الأنواع ليس فقط النفط. ونحن لدينا اقتصاد نشيط. ونحن نشتغل في الليل والنهار وننتج، وليس هناك أي سبب كي يصل العراق إلى حافة الانهيار الاقتصادي. ولكن حكام الكويت السابقين أوصلوا العراق إلى حافة الانهيار الاقتصادي.

    في ديسمبر 1989 ويناير 1990 كنا نبيع النفط بسعر 21 دولاراً. في فبراير بدأ حكام الكويت يغرقون السوق بالنفط وأوصلوا السعر إلى 11 دولاراً أو أقل. كل دولار ناقص في سعر برميل النفط يعني خسارة مليار دولار للعراق سنوياً. هذا يعني أن النتيجة هي تدمير الاقتصاد العراقي وهذه هي حرب على العراق.

    في قمة بغداد، الرئيس صدام حسين تحدث مع كل القادة العرب بحضور الملك فهد وجابر وزايد، وقال إن ما تقوم به بعض الدول بإغراق السوق بالنفط هو حرب على العراق، والذي ليس في نيته شن الحرب عليه أن يتوقف عن هذه السياسة. هذا كلام موجود بالصوت والصورة وهو وثيقة. هناك عشرات من التصريحات التي صدرت عنكم تقول إن ما قام به العراق في 2 أغسطس هو عمل غير مستفز هذا هو التعبير المستعمل من قبلكم. وكان هذا أول تحذير من الرئيس صدام حسين، وقبله كانت هناك اتصالات دبلوماسية بيننا وبينهم. بعد قمة بغداد أرسل السيد الرئيس نائب رئيس الوزراء إلى فهد وجابر وزايد، ودعاهم إلى عقد قمة في السعودية، لمعالجة هذه المسألة لأن العراق وصل إلى حافة الانهيار الاقتصادي بدون أي سبب سوى تصرف حكومة الكويت وحكومة الإمارات. ولم يوافقوا على القمة وعقدوا اجتماعاً لوزراء النفط وقرروا العودة إلى معايير الإنتاج السابقة. ولكن وزير النفط الكويتي صرح بعد الاجتماع مباشرة وقال إننا سنعود إلى موقفنا بعد شهرين. وهذا يعني استمرار الحرب ضد العراق. الذي أريد أن أشرحه لك كخلاصة عن هذا الموضوع، أن منطقتنا تعاني من خطر التهديد بالحرب منذ أربعين عاماً وقد دخلت حروباً وعانت من الكثير من الآلام بسبب عدم الاستقرار وبسبب الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

    والعراق كان مهدداً من قبل إسرائيل. وفي عام 1981 إسرائيل ضربت العراق. لو أن إسرائيل قامت بهجوم على الأردن فهذا تهديد للعراق وفي الوقت نفسه هذه الأنظمة في الخليج الغنية جداً بشكل غير معقول، لم تكتف بغناها، ولكن أرادت تدمير بلد مثل العراق. فعندما يوضع شعب وبلد في وضع التهديد لعشرات السنين، أو يوضع بالذات في هذه الفترة في وضع التهديد بالحرب، وبالمقاطعة الاقتصادية والتدمير الاقتصادي، ماذا نتوقع منه؟ لا بدّ أن يتصرف. وقد تصرفنا. نحن نقول وبإيمان عميق إن ما حصل في 2 أغسطس هو عمل دفاعي من جانبنا. نحن أردنا أن نحمي بلادنا وضربنا الذين يتآمرون علينا. أنا أعرف أن لديكم وجهة نظر مختلفة.

    في 6 أغسطس، جاء الرئيس إلى وزارة الخارجية، وطلب مني أن أستدعي القائم بالأعمال الأمريكي، جو ولسن. وقال له في مقابلة طويلة، أريد أن تنقل هذا الكلام كرسالة للرئيس بوش. إنني لست مستغرباً من مواقفكم لما حصل في 2 أغسطس، فأنتم دولة عظمى لديكم مسؤوليات عالية، ومن الطبيعي أن تنظروا لما حصل نظرة مختلفة. ولكن ما نأمله أن تتفهموا موقفنا.

    أنا لا أدعوكم للتفاوض حول قرارات مجلس الأمن ليست هذه هي المسألة الأساسية، المسألة الأساسية هل نعمل معاً نحن والآخرون في المنطقة وفي العالم؟ هل نعمل من أجل سلام شامل ودائم وعادل في كل المنطقة لكي تعيش كل شعوب المنطقة بأمن وسلام واستقرار أم لا؟ أنتم الآن تهتمون بالوضع في الخليج وتعتبرون أن هذه هي الأولوية الأولى. وإذا لم يحل وفقاً لقرارات مجلس الأمن التي صدرت بشأنه، فالحرب ستكون. نحن لدينا اهتمامات أخرى فنحن نهتم بالقضية الفلسطينية ونعتقد بصدق أن عدم حل هذه القضية يهدد أمن العراق. أنت تقول إنني أرفض الربط بين المقاطعة، ولكنني أقول لك بصدق أن الربط هناك ربط واقعي إنه مسألة من مسائل الحياة في المنطقة. إذا أردنا أن نحقق الأمن والاستقرار والسلام، فعلينا أن نتعامل مع كل هذه القضايا. وأنت تطلب مني أن أطبق قرارات معينة لمجلس الأمن، ولكن هناك قرارات أخرى لمجلس الأمن لم تطبق ولم ترسل الجيوش لتطبيقها ولم تتخذ قرارات المقاطعة لإرغام من لم يطبقها على تطبيقها. ونحن نشعر بالألم والغضب للمعايير المزدوجة التي تستخدم مقابل قضايا المنطقة. نحن نريد أن تطبق معايير واحدة. أنا أقول لك بصدق وجدية، نحن ليس لدينا مشكلة في تطبيق هذه المبادئ في كل المنطقة؛ فإن هذا ينطبق مع مصالحنا ومع آمالنا. ليس لدينا مشكلة في ذلك، ولكن ليس في موضوع واحد فقط. إذا طبقت في موضوع واحد فهذا يعني المعايير المزدوجة، وهذا يعني استمرار التهديد لأمننا لحياتنا، كشعب وكأمة، هذا هو شعورنا. إذا كنتم مستعدين للعمل من أجل أن يستتب السلام والعدالة والاستقرار والأمن في كل المنطقة، فستجدوننا في مقدمة المتعاونين معكم.

بيكر:

    قلت لك إني جئت للاتصال، وهذا يعني الحديث والاستماع. وهناك قضايا لا نتفق معكم فيها وسأحاول أن أبينها، دعني أتوجه إلى النقطة الأخيرة التي أشرت إليها حول أمن المنطقة كلها ومسألة المشاكل الأخرى في المنطقة، وأقول لك بصراحة أنتم لم تغزوا الكويت لمساعدة الفلسطينيين وإن كان ذلك فإنكم أحدثتم النتائج العكسية تماماً. ومن وجهة نظرنا فإن احتلالكم للكويت هو عقبة كبرى في وجه السلام في المنطقة، وليس حافزاً للحل.

    قد تستطيع أن تكيف عدوانكم غير المستفز ضد دولة صغيرة بأنه خطوة دفاعية. ولكن بكل صراحة معظم الناس يعتقدون أن هذا الطرح يدعو للسخرية. وأقول أيضاً إذا أردتم أن تساعدوا الفلسطينيين، فعليكم بالانسحاب من الكويت بدون شروط. لا توجد هنالك معايير مزدوجة لقرارات مجلس الأمن وطريقة تعاملنا معها. كما تعرفون أن قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، تقدم أسساً للمفاوضات وإنها لا تتطلب انسحاباً فورياً وشاملاً كما تشترط عليه القرارات الخاصة بالكويت.

    القرارات الخاصة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، أتت نتيجة حرب شنت ضد إسرائيل. وهناك فروق واسعة بينها وبين القرارات التي تتحدث عنها. أعتقد أنك تعرف أنني مهتم كثيراً بحل سلمي للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأني قضيت 14 شهراً من 24 شهراً من عملي في الخدمة لمحاولة التوصل إلى حل سلمي لهذه القضية. وأعتقد أننا اقتربنا كثيراً من هذه النقطة. وأعتقد أن أصدقاءكم من الفلسطينيين سيقولون ذلك لكم. ولكن هذا كان طريقاً عملياً لإعطاء أمل للفلسطينيين وللتقدم والإنجاز ولإعطاء فرصة للفلسطينيين لتحسين أحوالهم وطموحاتهم.

    أذكرك بأننا عندما التقينا في أكتوبر 1989، طلبت منكم المساعدة مع الفلسطينيين المعتدلين، للمشاركة، وأنت رفضت بشدة وقلت إنه لا يكون ملائماً لك إعطاء نصائح للفلسطينيين. والآن فجأة بعد إجرائكم الدفاعي في الكويت الذي لم يكن سوى غزو للكويت، الآن تريدون أن تضعوا القضية الفلسطينية في صدر القضايا! بنفس الصراحة أقول إننا نعرف أنكم لم تغزوا الكويت من أجل دفع القضية الفلسطينية. الذي أريد توضيحه أننا عملنا بشكل شاق، وأن سياستنا الآن وفي السابق هي أن نستمر بتنمية السلام بين العرب وإسرائيل بعد أن تحل هذه الأزمة. أنت على علم بتصريح الرئيس بوش في الأمم المتحدة عندما تحدث عن إمكانية الفرص، بعد حل ما ينظر إليه المجتمع العربي على أنه عدوان وبعد انسحابكم من الكويت، فإن احتمالات تقدم حقيقي في عملية سلام عربي ـ إسرائيلي سوف تتحسن، والسبب لأنه سيظهر أن العنف والعدوان لن يفلحا وسيكون كل من العرب والإسرائيليين أحراراً للمصالحة بعيداً عن الشعور بالتهديد، ولأن هؤلاء الملتزمين بالتصالح بدلاً من الصراع سيكسبون في المنقطة، ولذلك نحن نصر على عدم الربط.

    دعني أتحول لحظة إلى ما جاء بمجلة (يو اس نيوز اند وورلد ريبورت) و(نيوزويك). أنت على علم بالولايات المتحدة وتعرف أن لدينا صحافة حرة والأفراد لهم الحق بالكتابة والنشر كما يريدون. ولكن بصراحة بعد عملية غزو الكويت هناك الكثيرون في العالم، الذين سيقولـون إن ما قالته هاتان الصحيفتان وما وصفتا به رئيسكم كان صحيحاً. والقادة العرب الآخرون في التحالف مع المجتمع الدولي مؤمنون بأن رئيسكم لم يقل لهم الحقيقة. ومن الصعب علينا أن نقبل الطرح بأن هناك صفة دفاعية لعملية الإخضاع الوحشي الذي قمتم به تجاه دولة ضعيفة مجاورة. ومن الحقائق أن العراق كان يواجه صعوبات اقتصادية، إنكم كنتم تنفقون ثراءكم الكبير للحصول على قوة عسكرية كبيرة. والمقاطعة التي تحدثتم عنها جاءت فقط بعد التهديد باستعمال الأسلحة الكيماوية ضد إسرائيل، وجاءت فقط بعد أن أصبحنا قلقين جداً من الجهود الكبيرة، كما نحن قلقون الآن من جهود حكومتكم للحصول على القدرة النووية.

    إنها ليست رغبتكم بأن تكونوا على حافة الحرب مع الولايات المتحدة. وهذه أيضاً ليست رغبتنا. إننا لسنا وحدنا، وهذه ليست قضية الولايات المتحدة ضد العراق؛ فهناك 28 دولة لها قوات عسكرية في الخليج.

    لقد قلت إن القوة العسكرية العراقية ضد إيران استخدمت لتنمية الأمن والاستقرار في المنطقة. ولكنكم استخدمتم ذلك ضد الكويت وبهذا لم تسهموا باستقرار المنطقة. أنت تشتكي أنكم عوملتم بالشك في صيف 1990، ولكن عملكم اللاحق ضد الكويت، يبرر ذلك الشك. قد ترغب في الجواب أو ترفع الجلسة لمواصلتها بعد الغداء.

طارق عزيز:

    نرغب بمواصلة الحديث بعد الظهر.

بيكر:

    لقد ابتدأت هذا الاجتماع بقولي إنه اجتماع مهم، وإنه الفرصة الأخيرة للسلام وربما لا تكون هناك فرصة أخرى. لقد قلت إنك مهتم بحل سلمي، وأنا لا أعرف طريقة أخرى في الوق ت الراهن لأضعها تحت تصرفكم.