إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

الجلسة الثانية

طارق عزيز:

    لدي بعض التعليقات حول الحديث الذي سمعته من السيد الوزير.

    في البداية أود أن أوضح بعض الوقائع:

    أولاً ـ كيفية تناولنا للمسألة الفلسطينية أثناء لقائنا في أكتوبر 1989. إذا كانت ذاكرتي دقيقة أنت قلت لي إنكم قدمتم مبادرتكم ذات النقاط العشر. وفي حينها قلت لكم إننا تابعنا هذا الموضوع، وقد اطلع عليه الفلسطينيون والمصريون. نحن بشكل عام نؤيد المساعي التي تؤدي إلى السلام. أما إشارتك إلى المعتدلين الفلسطينيين، فإذا كنت تقصد القيادة الشرعية الفلسطينية، برئاسة السيد عرفات فنحن ندعمهم بكل قوة، منذ زمن طويل جداً، ولم نقف إطلاقاً بوجه مساعيهم للتوصل إلى السلام، بل على العكس نحن ساعدناهم. ولهذا، تجد الآن أن تأييدهم لنا تأييد قوي يدلل على أن علاقتنا صحيحة وسليمة. وبقدر معرفتنا لنواياهم فهم يريدون فعلاً سلاماً حقيقياً. وقد عبروا عن رغبتهم هذه في مناسبات كثيرة. والآن أتكلم حول بعض الوقائع الأخرى. الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد العراق بدأت قبل أبريل 1990 وقبله بفترة ملموسة.

بيكر:

    هذه الإجراءات تخص السلاح.

طارق عزيز:

    الإجراءات الأمريكية في الجانب الاقتصادي اتخذت قبل أبريل 1990 أي قبل خطاب رئيسي، وخاصة الإجراءات حول المنتجات الزراعية، اتخذت قبل هذا التاريخ، وجمدت في يناير 1990، وبعدها جاءت وفود فنية إلى بغداد.

بيكر:

    ولكننا تكلمنا عن هذا عند زيارتك والسبب في إيقافه وهو التحقيق الجنائي والذي كان فيه إشارات إلى أن بعض المسؤولين العراقيين لهم علاقة بذلك، ولم تكن أسباب ذلك سياسية.

طارق عزيز:

    لقد استجبت لمطالبك بالتحقيق في القضايا التي قلت إنها سلوكيات خاطئة مزعومة. وقد استقبلنا بعثة أمريكية في بغداد، وبحثت هذه القضية، ولم يظهر شيء.

    وفيما يخص إجراءات المقاطعة في الميادين التكنولوجية وميدان التسليح، كانت قبل وبعد أبريل 1990.

بيكر:

    حول هذا، لا نقدم أي اعتذار.

طارق عزيز:

    هذا موقفكم، ولكنني شرحت أنكم اتخذتم إجراءات مقاطعة اقتصادية وتكنولوجية. وكنتم تشنون علينا حملة سياسية وإعلامية شديدة جداً. حلفاؤكم الإسرائيليون كانوا يهددوننا بالضربة العسكرية، كل هذا كان قبل 2 أغسطس.

    فيما يخص موقفنا من القضية الفلسطينية، أنت تصف موقفنا على أنه غير صادق. نحن ملتزمون بالقضية الفلسطينية منذ عقود عديدة، كشعب، وليس كحكومة.

بيكر:

    لم أقل إنه ليس لديكم التزام حقيقي بالنسبة للقضية الفلسطينية. ما قلته هذا ليس السبب في غزوكم للكويت.

طارق عزيز:

    التزامنا بالقضية الفلسطينية التزام حقيقي، والقضية الفلسطينية بقدر تعلقها بالعراق تتعلق بأمنه. العراق ساهم في كل النزاعات المسلحة بين العرب وإسرائيل. والإسرائيليون كانوا يهددون العراق، كما كانوا يهددون بقية دول المنطقة. وفي عام 1981، قاموا بعدوان واضح مكشوف ضدنا. ولو كانت لدينا الإمكانات لرددنا عليهم، ولنشب نزاع مسلح بيننا وبين إسرائيل.

    علاقة الأحداث التي وقعت في أغسطس بالقضية الفلسطينية. أنا شرحتها لك. نحن كنّا مقتنعين بأن هناك تحالفاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحكام الكويت السابقين لتدمير العراق، وقد ضربنا أحد أطراف هذا التحالف وهو الذي كان باستطاعتنا أن نضربه مباشرة. ومن هنا يأتي الربط، ومن هنا يأتي وصفنا لعملنا بأنه دفاعي. ونحن مقتنعون بذلك.

    الآن هناك مواجهة. أنتم موجودون فيها ومعكم بعض حلفائكم وهناك إسرائيل موجودة. لو حدثت المواجهة العسكرية، من هي الأطراف التي ستشترك في هذه المواجهة؟ الأطراف معروفة. إذا أردنا أن نصنع السلام، فلا بد أن تشترك الأطراف هذه في صناعة السلام، وهنا هو دور القضية الفلسطينية. نعم أنا أقول لك بصدق وواقعية، إن الأحداث التي وقعت في أغسطس وبعد ذلك، لها صلة مائة في المائة بالقضية الفلسطينية. هكذا نحن نرى الأمور وأعطيك أمثلة على ما أقول. لا بد أن التقارير تصلكم بأن الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة يؤيد العراق، وهم يرفعون صور الرئيس صدام حسين مع صور الرئيس عرفات، لماذا؟ أنهم أكثر الذين تضرروا جراء الأحداث التي وقعت في 2 أغسطس من الناحية المالية، ومع هذا فهم يؤيدون العراق.

    القيادة الفلسطينية تقف مع العراق. أعتقد هم الذين يتحدثون عن قضيتهم، أفضل مني ومنك، وعندما يقول الفلسطينيون إننا نرى في الأحداث فرصة ذهبية للدخول على حقوقنا، فإنهم لا ينطلقون من فراغ. لا بد أن تكون أسباب جوهرية تدعوهم لهذا الأمر.

    فيما يخص القوة العسكرية للعراق وما تشكله من تهديد، وما ذكرته أن ما قالته المجلة الأمريكية (يو اس نيوز اند ورلد ريبورت)، ثبتت صحته بعد أشهر. نحن أعلنا بشكل صريح لا لبس فيه في الفترة التي تلت تصريح السيد الرئيس، وفي 2 أبريل، بأن العراق مستعد لإزالة كل أسلحة الدمار الشامل في المنطقة من كل المنطقة، ولكن إسرائيل تملك أسلحة نووية، وليس في ذلك سر.

    وكان الحديث المستمر عن الأسلحة الكيماوية لدى العراق، وأن هذه الأسلحة تشكل خطراً. نحن قلنا نعم، هناك أسلحة عندنا وعند الطرف الآخر. فعلينا أن نعمل على تصفيتها جميعها وأبدينا استعدادنا لذلك. في محضر اللقاء بين الرئيس صدام حسين والسناتور دول، ذكر هذا الموضوع بكل وضوح، وسفيرتكم في بغداد كانت حاضرة. وفي قمة بغداد، في الشهر الخامس، أكدنا هذا الموقف وما يزال هذا هو موقفنا.

    الآن نحن مستعدون للبحث في إطار البحث للتسوية الشاملة للأوضاع في المنطقة. نحن مستعدون لتصفية كل أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، النووية والكيماوية والبيولوجية. وحول المخاوف والشكوك والادعاءات حول إمكانات العراق النووية نحن بلد موقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومنشآتنا المتواضعة جداً تخضع للتفتيش المستمر. لكن حليفتكم إسرائيل التي لا تثيرون أي ضجة حول امتلاكها للسلاح النووي، ليست موقعة على هذه الاتفاقية، وترفض التوقيع عليها وترفض الزيارة والتحقيق في منشآتها.

    إذاً، عندما نتحدث عن المعايير المزدوجة، فنحن لدينا أساس قوي لذلك، أساس ملموس. يبدو لنا أن موقف الولايات المتحدة، هو أن إسرائيل تستطيع أن تمتلك ما تريد من أسلحة، ولكن يحرم على العرب أن يملكوا أي أسلحة، حتى للدفاع. هذا هو موقفنا من موضوع أسلحة الدمار الشامل. إنه موقف واضح ومسؤول وعادل. إذا امتلك الناس الذين يهددوننا أسلحة، فمن حقنا أن نمتلك أسلحة. ولكن إذا كانت هناك ترتيبات مضمونة وعلى قاعدة التعامل بالمثل لإزالة مثل هذه الأسلحة، فنحن مستعدون.

    أنت أخذت هذا التعهد مني الآن بشكل لا لبس فيه. ولكنك لا تستطيع أن تأخذ ما يشبهه من وزير خارجية إسرائيل أو من رئيس وزرائها.

بيكر:

    شكراً لهذا العرض. ولكن للأسف هناك فروق أساسية في هذا العرض، وفي المنطق هذا من استخدامكم فعلاً لهذه الأسلحة المدمرة.

طارق عزيز:

    أنا سأتوجه لهذا الموضوع. كان هناك صراع دموي بيننا وبين إيران. وكان بلدنا مهدداً في كيانه ومصيره وحياة شعبه، وقد اضطررنا إلى اتخاذ إجراءات لحماية شعبنا. أنا تحدثت، مرة مع زميلنا " جينشر " حول هذا الموضوع. قلت له في إيران عندما كانوا يعتقلون فتيات من المعارضة ويحكمون عليهن بالإعدام، كانوا يغتصبون هؤلاء الفتيات العذراوات، لأنه حسب اعتقادهم إذا أعدموهن وهن عذراوات سيذهبن إلى الجنة ولكي يمنعوهن من الذهاب إلى الجنة كانوا يغتصبوهن قبل الإعدام. قلت له أنا لدي بنتان، ولن أسمح لهؤلاء أن يتصرفوا إزاء بناتي كما يتصرفون إزاء البنات الإيرانيات، لذلك من حقي أن أستخدم أي سلاح للدفاع عن بلدي وشعبي. حول حديثكم أن السلاح الكيماوي استخدم ضد الأكراد، هناك حادث حلبجة.

    في صحيفة ( الواشنطن بوست )، نشر خبر، نقلاً عن أوساط البنتاجون وعن دراسة قامت بها مؤسسة أمريكية، أن الإيرانيين كانوا هم البادئون في استخدام السلاح الكيماوي في حلبجة. أما الادعاءات حول استخدامها بعد وقف إطلاق النار، فلم تثبت. أنتم اتهمتمونا وغيركم كذلك، ولكن لم تستطيعوا أن تقدموا أية أدلة لذلك. يمكنكم التأكيد إذا كانت لديكم شكوك بأن العراق والقيادة العراقية تتصرف بشكل مسؤول. نعم نحن نمتلك أسلحة، ولكننا لن نستخدم هذه الأسلحة بشكل غير مسؤول، نستخدمها للدفاع عن بلادنا إذا اقتضى الأمر. وإذا أردتم اختبارنا بهذا الشأن فنحن مستعدون أعني بشأن إزالة كل أسلحة الدمار الشامل، ما هي الضمانات بعدم استخدام هذه الأسلحة؟ أن نقتل من يمتلكها؟ أم ندخل معهم في تفاوض حضاري، تصل أنت وهم إلى اتفاق حول تصفية هذه الأسلحة؟ نحن اقترحنا ذلك والعرض ما يزال قائماً. الطرف الآخر (إسرائيل) هو الذي يرفض. وإذا استطعتم إقناعه، وأنتم لديكم تأثير كبير عليهم، فلن تكون هناك مشكلة حول اختلاف القرارات في مجلس الأمن. هل المسألة اختلاف في الصياغات؟ أم المسألة هي جوهرية أي المشروعية الدولية؟

    طبعاً قرارات مجلس الأمن تختلف من قرار إلى آخر. ولكن ما هو الهدف منها؟ الهدف هو تحقيق السلام والعدالة والإنصاف. القرارات صدرت عن مجلس الأمن بخصوص القضية الفلسطينية والعدالة والإنصاف، ولكن هذه القرارات لم تطبق حتى الآن والشعب الفلسطيني ما يزال يعاني من الاحتلال والظلم والإرهاب. وهذه حقائق معروفة ومكشوفة على التليفزيون. إسرائيل قامت بعملية ضم في الجولان رسمياً، وضمت القدس وهي مدينة عربية. وحتى الآن المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون عن الضفة الغربية ويسمونها يهودا والسامرة. وقبل أيام قليلة إسحق شامير قال صراحة نحن نحتاج إلى هذه الأراضي لأمن إسرائيل. النتيجة بالنسبة للمواطن العربي، بالنسبة لنا في العراق والأردن وفلسطين، الشعوب والقيادات في المنطقة، النتيجة العملية أن قرارات مجلس الأمن لم تنفذ، ولم تتخذ ضد إسرائيل إجراءات لأنها رفضت تنفيذها، بل على العكس أنتم في الولايات المتحدة تساعدونها مالياً وعسكرياً، وتساعدونها سياسياً في مجلس الأمن، والاحتلال ما يزال قائماً. في حين اتخذت بحقنا قرارات قاطعة وحاسمة ويصر على تنفيذها. وإذا لم تنفذ تطبق المقاطعة بأقصى صورها حتى الغذاء والدواء وأخيراً التهديد بالحرب.

    إذاً، المعايير المزدوجة واضحة. إذا كانت المسألة صيغة نقاش قانوني، حول هذا القرار أو ذاك، فلدي الكثير مما أقوله. أنا وأنت نعرف كيف اتخذت هذه القرارات. أنت قلت لي، إنك في المسؤولية منذ 24 شهراً وأنت لم تسافر إلى أي عاصمة من العالم من أجل أن يصدر قرار من مجلس الأمن. ولكنك سافرت عشرات الألوف من الأميال لكي تقنع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بصدور القرار الأخير. وأعرف أنا أيضاً كيف تمت القرارات الأخرى، وماذا كان دوركم فيها.

    إذاً، نحن ننظر إلى هذه القرارات على أنها قرارات أمريكية ضد العراق، وأحد الأدلة على أنها قرارات أمريكية ضد العراق، أننا نجلس هنا اليوم. إن الحوار لا يجري بيني وبين الأمين العام للأمم المتحدة، ولا بيني وبين وزير خارجية إثيوبيا وساحل العاج ورومانيا. تحولت هذه المواجهة إلى مواجهة بين أمريكا من جهة، والعراق من جهة أخرى. نعم أنتم لديكم حلفاء ونحن أيضاً لدينا حلفاء، يمكن أن حلفاءنا لا يبدون على السطح مثل حلفائكم، أي دول يمكن ذكر أسمائها، وذلك بسبب الظروف المعقدة في المنطقة العربية. ولكننا لسنا بعيدين عن شعبنا، أقصد الأمة العربية، العديد من العرب إلى جانبنا. وإذا حصلت مواجهة بيننا، سيكون لكم حلفاؤكم، وسيكون لنا حلفاؤنا.

    مرة أخرى نعود هل نمضي إلى المواجهة؟ أم نفتش عن طرق عملية عادلة ومبدئية نحو تحقيق السلام، ونحن مقتنعون ومؤمنون بأن السلام لا يتحقق في المنطقة، إلا إذا كانت هناك تسوية شاملة لكل قضايا المنطقة، وخاصة القضية الفلسطينية؟ هذه هي أم المشاكل. وهذا هو السبب الذي أدى إلى الزعزعة وعدم الاستقرار في المنطقة.

    أنا أتخيل أحياناً لو أن العراق بكل ما يعنيه الآن، بقيادته الحالية، بجيشه الحالي، بإمكاناته السياسية، كان موجوداً في آسيا أو في أمريكا اللاتينية. إذاً، لن يكون بيني وبينك أية مشاكل؛ لأننا وكما قلت في السابق، نحن لا نعتبر أنفسنا أعداء للولايات المتحدة. مشكلتنا مع الولايات المتحدة هي إسرائيل وتأثركم بالسياسة الإسرائيلية. هذه هي المشكلة معكم قبل وبعد 2 أغسطس. لو عالجنا هذه المسألة بشكل جدي وشمولي، وعلى قاعدة المشروعية الدولية، وعلى قاعدة العدل والإنصاف، فكثير من الخلافات بيننا سنتغلب عليها. ولن نجد أنفسنا في وضع المواجهة. ستجدني في واشنطن، أبحث معك قضايا التعاون الاقتصادي والثقافي. وكذلك أجدك في بغداد لنفس الهدف. نحن لا نشكل تهديداً لكم ولمصالحكم. وهنا سآخذ شيئاً من وقتك. أنتم لا تنظرون إلينا من زاوية أمريكية صرفة، أنتم أحياناً تضعون نظارات إسرائيلية على عيونكم وتنظرون إلينا. قبل أيام كانت تزورنا شخصيتان أمريكيتان. حاكم تكساس السابق، كونالي، ومعه شخص من ولايتكم في تكساس، اسمه وايت، يشتغل مع العراق منذ 15 سنة.

    سألته: اعطني انطباعك عن تعاملك معنا في السنوات الماضية. قال إن تعاملي معكم كان مثمراً ونظيفاً.

    قلت له: أرجوك قل هذا للمسؤولين الأمريكيين، عندما تعود إلى بلادك.

    نحن نمتلك قبل 2 أغسطس احتياطيات كبيرة من النفط. وكنا نتعامل مع العالم بشكل مسؤول. كنا نبيع في السوق الأمريكي 700 ألف برميل يومياً من أصل 3 ملايين برميل. وهذه نسبة عالية جداً. وهذا يعني أن بلداً مثل العراق يهمه الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة؛ لأن البائع يهتم بوضع المشتري. ومهما أسفرت عنه الأوضاع الحالية، فالعراق لا ينوي تهديد المصالح الأمريكية. إذا اعتدِي علينا، سنردّ بشجاعة وإقدام ومسؤولية. ولكن في كل الأحوال، وعندما تزول الغيوم، نحن لا نرغب في تهديد أحد ولا تهديد الولايات المتحدة بشكل خاص.

    من المؤسف أننا مقبلون على احتمال نزاع مسلح. ونحن لا نعرف بعضنا جيداً، وأنتم لا تعرفوننا جيداً. إنكم ستضربون بلداً لا تعرفونه.

بيكر:

    من الواضح أننا نختلف في عدد كبير من المسائل الجوهرية. أنت قلت إنكم لا تشكلون تهديداً لمصالحنا. ولكن منذ زمن روزفلت، كان واضحاً أن للولايات المتحدة مصالح كبيرة في الخليج. الآن أنتم لا تهددون هذه المصالح، لا لأننا تحركنا بشكل سريع جداً حتى لا تهددوا شركاءنا في التحالف مع الدول العربية. قلتم لهم حتى الصباح الباكر، أنه ليست لكم أي رغبة بغزو الكويت. وهذه حقائق يجب أن تفكر فيها، ليس أنكم تهددون اليوم المصالح الأمريكية، الموضوع الرئيسي هل سيكون هناك نظام عالمي مبني على المبادئ، ونظام دولي يسعى إلى حماية هذه المبادئ والقوانين؟ أنا لا أشك في اعتقادكم، ولكن يذهلني بعض الشيء أنك متأكد جداً من صواب موقفكم تجاه غزو الكويت. بينما استنكر العالم أجمع هذا الغزو، حتى حلفاؤكم وقد يكونون معكم بما سيحدث من الآن فلاحقاً.

    وكلنا قلنا في خلال الشهور السابقة. أنه بالنسبة لنا في هذه القضية هناك عنصر مهم كبير، هو الصواب مقابل الخطأ. لا نستطيع أن ندع للعدوان طريقة لحل الخلافات بين الدول الكبيرة والصغيرة. تستطيع رفض قرارات الأمم المتحدة، وتقول إن كل الدول كانت تتبع الولايات المتحدة كالكلاب الصغيرة. ولكن لو لم يكن موقفنا صحيحاً وعادلاً، لم نكن نستطيع أن نجعل الدول الأخرى تتعاون وتتحالف بشكل لم يسبق له مثيل. في هذه القضية أسأتم التقدير بشكل فظيع. أملنا ألا تقوموا بإساءة التقدير، مرة أخرى. دعنا نقُل إننا لا نتبع ازدواجية فيما يتعلق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن أو بخصوص أسلحة الدمار الشامل. أنتم تعرفون أن إسرائيل نفسها كانت عرضة للعدوان، وأنها احتلت الأراضي في عملية دفاعها عن نفسها. ولا أعتقد أنك أيضاً ستجادل أن هذا مشابه لما قمتم به في الكويت.

طارق عزيز:

    أنا لدي تحفّظ شديد على هذا الوصف.

بيكر:

    حول أسلحة الدمار الشامل، الولايات المتحدة أيضاً مهتمة بإجراء الحوار حول هذه القضية. وقد اقترحنا إمكانية إجراء مباحثات بين إسرائيل وجيرانها العرب وإجراءات لبناء الثقة، كما تم في أوروبا، ولكن ليس كشرط لاستجابتكم لقرارات الأمم المتحدة أو انسحابكم من الكويت. دعني أقُل إننا لا نثير ضجة كثيرة حول الدول التي في حوزتها أسلحة دمار شامل، ولكن لا تستعملها، وأنا أخذت علماً بالنقطة التي ذكرتها حول عدم استخدام هذه الأسلحة ضد الأكراد. ولكنْ، هناك خلاف بيننا. ودعني أتفق معك حول ما قلته عن قرارات مجلس الأمن بغض النظر أين ومتى أخذت. ولكن هناك فرقاً بين القرارات التي تدعو إلى انسحاب غير مشروط، والقرارات التي وضعت أسساً من أجل المفاوضات.

    دعني أتحدث عما ذكرته بأن القيادة الفلسطينية وجدت فرصة ذهبية في هذه الأحداث لتدفع قضيتها. أقول إن هذه كانت أفضل مجادلة سمعتها ضد الربط لأننا نؤمن تماماً بأن العدوان يجب ألا يخلق فرصاً، والعدوان لا يستطيع أن يمدنا بأساس مستمر من أجل حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. أنا سأحاول إن أقول أن الفرصة الوحيدة للفلسطينيين ستخلق من خلال انسحابكم وليس عدوانكم. ولهذا السبب، نحن غير راغبين في الربط بين القضيتين.

    كلمة أخرى سريعة حول تعليقك حول الحرب الاقتصادية من قبل غزو الكويت. أعتقد أن الكويت كانت كريمة جداً في دعمها المالي للعراق في حربه ضد إيران في منتصف يوليه. كان هناك اقتراح في أوبيك حول أسعار النفط، وقد وافقت الأوبيك على سعر 21 و 22 دولاراً. لا يمكن أن نقبل، وكذلك المجتمع الدولي، غزواً عسكرياً واستعباد المواطنين نتيجة خلاف اقتصادي وخاصة وأن الكويت قدمت مساعدة للعراق أثناء الحرب.

طارق عزيز:

    مهما كانت اختلافاتنا فإن اللقاء يبقى مفيداً. وهو يساعد على توضيح الكثير من الأمور. لقد ذكرتم مرتين أو أكثر بأن حلفاءكم قد قالوا لكم أشياء حول نوايانا. أنا أعرف ما تقصد. قصة الرئيس مبارك؟ أنا حاضر هذه القصة.

بيكر:

    هذه واحدة.

طارق عزيز:

    ولكنها الأساسية. حصل اجتماع في تونس في 15 يوليه. وأنا ألقيت كلمة في ذلك الاجتماع فسرها المصريون تفسيراً خاطئاً وغضبوا. وعندما علمنا بذلك اتصل رئيسي بالرئيس مبارك هاتفياً، وقال له أنت زعلان على طارق، فأنا سأرسل لك طارق ليوضح لك كل شيء. أنا أعرف الرئيس مبارك منذ سنوات وعلاقاتنا طيبة. ذهبت ودخلت إلى مكتبه وقلت له: ها أنا موجود أمامك، تستطيع أن ترسلني إلى سجن " أبو زعبل ". ضحكنا ثم جلسنا وتحدثنا عن موضوع الكويت لأن رسالتي إلى الأمين العام للجامعة العربية، كانت قد أعلنت. وبعد انتهاء الحديث استأذنته بالسفر إذ كان لدي لقاء مع الملك حسين. قال: كلا. أنت تبقى وستقابل الملك حسين لاحقاً. سأتصل بالرئيس صدام وأقول له إن طارق باق هنا. بقيت ومساء جاءني أسامة الباز وقال لي: ما رأيك أن نقوم نحن بمبادرة حول موضوع الكويت؟ نحن الآن في جلسة تاريخية، وليس من عادتي أن أتحدث بسوء عن رئيس دولة عربية، حتى لو كان الآن يقف ضدنا. ولكن ذكر حقائق التاريخ، لا بد أن أقول ما سأقوله؟

    عندما قال الباز إن رئيسه يرغب بالتوسط في قضية الكويت، شعرت بالقلق لأنني أعرف الرئيس مبارك جيداً. كنت قد التقيت معه في الصباح ووجدته يجهل التاريخ؛ ما جرى في المنطقة، ما كان عليه الحال في العشرينات والخمسينات والستينات. وكانت المعلومات التي تقال له كلها مفاجآت. وشعوري كدبلوماسي أنه عندما يقترح شخص من هذا النوع التوسط في قضية، فإن هذه الوساطة ستكون متسمة بالخربطة. مع ذلك قلت له إن سعود الفيصل التقى مع رئيسي ووعد أن يأتي مرة أخرى للنظر. ماذا يفعل سعود؟ قضينا ليلة في الإسكندرية والتقينا مع الملك حسين في اليوم التالي، وعدنا إلى بغداد. جاء الرئيس مبارك بعد أيام قليلة واجتمع مع السيد الرئيس ثم خرجا من الاجتماع. وكنا ننتظر من الجانب المصري (كان موجوداً عصمت وأسامة وصفوت الشريف ومصطفى الفقي ورئيس ديوان حسني مبارك، زكريا) ومن جانبنا (أنا والسيد رمضان والسيد حمادي ووزير الإعلام). السيد الرئيس خرج من الاجتماع يضحك، ويقول له: أخي حسني، لا تدع الكويتيين يطمئنون. لا تدعهم يطمئنون قبل الاجتماع. أنت كدبلوماسي ماذا تستنتج؟ جاء بعده الملك حسين، جرى نفس الحديث معه. الملك حسين استنتج استنتاجاً مختلفاً.

    الرئيس لم يقل له ماذا سنفعل. ولكن الملك حسين ذكي ويعرف تاريخ المشاكل ويفهمنا تماماً. لذلك عندما ذهب إلى الكويت قال لهم إن الوضع خطير جداً. لكنهم لم يهتموا لتحذيراته. مع الأسف، إن الرئيس مبارك لم يتصرف بدقة، سواء كان بنية سيئة أو لأسباب أخرى لا تخفى عليكم.

    نحن لدينا تاريخ في التعامل مع بلدان المنطقة. ونحن لم نكذب عليهم. عندما نختلف معهم نعلن نحن رأينا بصراحة، ندفع ثمناً كبيراً لصراحتنا. ليس لدينا سياستان، سياسة في الظاهر وسياسة في الباطن.

بيكر:

    قلتم هذا بقدر كبير من القناعة.

طارق عزيز:

    أنا كنت شاهداً، وهناك آخرون.

بيكر:

    أعرف أنك تقوله بدرجة كبيرة من القناعة. ولكن هناك آخرون بجانب مبارك قالوا لنا إنهم ضللوا أو أنه قد أكد لهم من قبل ممثلين من حكومتكم أنه لن يكون هناك عمل عسكري تجاه الكويت. ومرة أخرى هذا ليس الموضوع الجوهري الذي نناقشه.

طارق عزيز:

    أهميته تأتي بالمصداقية سواء كان العمل الذي قمنا به يعجبك أو لا، ولكن المهم المصداقية. نحن مجتمعون الآن، إذا وفقنا الله يمكن أن نواصل العمل في المستقبل. لذلك، تهمك وتهمني المصداقية في كلامك وكلامي. أعتقد أنك تتفق معي مهما كانت الخلافات.

بيكر:

    قال آخرون ما قاله مبارك.

طارق عزيز:

    ولكن الملك حسين قال شيئاً آخر.

بيكر:

    ولكن الملك حسين اتصل قبل الأحداث. وأكد أنه لن يكون هناك غزو. وكذلك فهد ومبارك. وطلب بيكر من مساعدته جارلس أن تتحدث عن هذا الموضوع.

قالت السيدة جارلس عضوة الوفد الأمريكي:

    كنا قلقين لحجم الوجود العسكري على الحدود العراقية ـ الكويتية. وكذلك لبعض التصريحات حول سياسة الكويت. الرئيس بوش يشعر أن من المهم جداً أن يناقش هذه المسائل مع أصدقائه في المنطقة ومنهم الملك حسين.

طارق عزيز:

    متى؟

السيدة جارلس:

    بضعة أيام قبل الغزو. وكذلك مع الرئيس مبارك، الذي قال.

طارق عزيز:

    هذا الاتصال جرى قبل العمل العسكري. الملك حسين قال إنه سيذهب إلى بغداد. وهذا يعني أن هذا الاتصال حصل قبل ذهابه إلى بغداد.

السيدة جارلس:

    لقد تحدث قبل وبعد الزيارة، وبعد أن تحدث مع الكويتيين. وكذلك تحدث بوش مع فهد في 1/8 ليتكلما عن محادثات جدة وما هو شعور الملك لما حدث؛ لأن المحادثات انتهت بسرعة.

طارق عزيز:

    أنا متأكد أن الملك حسين خرج بانطباع مختلف تماماً، عن الانطباع الذي نقله مبارك لاحقاً. وأن الملك حسين قال كلاماً للكويتيين يختلف عن كلام مبارك. وأنا مستعد لتدقيق هذا أنا وأنت سوية مع الملك حسين.

بيكر:

    أنا سعيد بأن أرسل رسالة إلى الملك حسين وترسل أنت رسالة له، ولكن صدقني أني أعرف من محادثاتي الشخصية مع بعض هؤلاء، بعد ما حدث في 2 أغسطس، بأن الكويتيين والمصريين والسعوديين وغيرهم، كانوا يعتقدون أنه كان هناك تأكيد من حكومتكم بأن عملاً عسكرياً لن يتخذ ضد الكويت. وأنا أقبل ما ستقوله، وأرجو أن تفهم أن إخوتك العرب في المنطقة الذين كنت تتعامل معهم، يعتقدون أنهم ضللوا.

طارق عزيز:

    إن موقفهم الآن يوضح أسباب قولهم هذا. لذلك، أعطيك مثلاً عن دولة أخرى. الملك حسين الذي لا يؤيدنا في كل ما نقوله، ولكنه لا يفتري علينا. الآن مبارك وفهد وحكام الكويت السابقون هم في المعسكر الآخر. أرجو أن تراجعوا لقاء الملك حسين مع الرئيس بوش في منتجعه.

بيكر:

    أنا كنت هناك.

طارق عزيز:

    حول الموضوعات التي أثرتها أبين ما يلي:

    أنت تتحدث عن النظام العالمي. النظام العالمي الذي يقوم على القانون الدولي ومبادئ العدل والإنصاف. أنا معك. أنا أريد مثل هذا النظام. ولكن مثل هذا النظام يجب أن يطبق على الجميع وليس على حالة واحدة من وجهة نظركم. أنتم فقط عليكم أن تأخذوا بعين الاعتبار وجهة نظرنا واهتماماتنا وما الذي يهدد أمننا، ما الذي يهدد مصالحنا؟ إذا وفرتم ذلك سنشترك معكم ومع العالم في بناء هذا النظام العالمي، مهما كانت مساحة العراق أو عدد سكانه، ففي نظام عالمي جديد يستطيع العراق أن يكون بلداً سعيداً، لأن لديه إمكانات وعنده عمق حضاري وقيادة نشيطة. لذلك، فإن النظام العالمي الجديد لا يخيفنا ولا يتناقض مع مصالحنا حول وصفكم لما قمنا به في 2 أغسطس، وعدم اقتناعكم بأن ما قمنا به كان عملاً دفاعياً. أنت رجل مجرب وخبير وأنت تعرف أن القوى تختلف.

    لو نقارن بين الولايات المتحدة واليابان من الناحية العسكرية، فإن اليابان هي قزم والولايات المتحدة هي عملاق. ولكن في الجانب الاقتصادي اليابان تستطيع أن تزعزع اقتصادكم، وأنتم تشتكون. وهناك خلافات عميقة بينكم.

بيكر:

    ولكن نحن لم ولن نحمل السلاح ضدهم.

طارق عزيز:

    ولكنكم قمتم بذلك.

بيكر:

    إذا هوجمنا، نعم.

طارق عزيز:

    ولكن النظام السابق في الكويت كان عملاقاً اقتصادياً، وكان يستطيع (وقد فعل) أن يهدد العراق في أمنه ووجوده. عندما تعود إلى نقطة أخرى وهي وضع إسرائيل والأراضي العربية، أنت ذكرت مرتين أو أكثر، أن إسرائيل كانت ضحية لعدوان وقع عليها وتقصد أحداث 1967.

    إن هذا عرض خاطئ للتاريخ؛ لأن إسرائيل هي التي بدأت بالضربة الأولى في يونيه 1967 عندما ضربت مصر وسورية. هذه حقيقة، أنا كنت حياً وأتابع الأحداث. وأنت أيضاً. والمؤرخون كتبوا عن ذلك. إسرائيل احتلت الأراضي العربية في عدوانها في 1967 وما تزال تحتفظ بهذه الأراضي عدا سيناء بعد 23 عاماً على هذا الاحتلال. وقد ضمت رسمياً الجولان ـ وهي جزء من بلد ذي سيادة؛ والقدس التي لها قرار خاص من الأمم المتحدة، يحدد طبيعتها. إذاً، هناك حقائق مختلفة حول هذا الموضوع.

    أنا تناولت موضوع أسلحة الدمار الشامل كي أشرح لك موقفنا. وبعد أحداث 2 أغسطس، والسبب الذي يدعوني إلى ذلك، أنكم تتحدثون عن هذا الموضوع بشكل قوي. أنا سمعتك أنت والرئيس بوش تقولان بأن العراق يشكل خطراً. وأنا أقول لك كيف يمكن أن نعالج هذه المسائل، إذا كان هناك أي خطر كما تتصورون؟ فنحن مستعدون لمعالجة هذه المسألة بأسلوب يحقق التوازن في المنطقة ويوفر الأمن لجميع أطرافها. أما حول الفرق بشأن من يستخدم ومن لا يستخدم، فنحن شرحنا موقفنا. ليس لدي ضمانات أن إسرائيل لا تستخدم، فمن يضمن ذلك؟

    إذا قلت لي إن هناك ضمانات غير النزع الشامل لهذه الأسلحة، فأنا أطمئن على كل حال في أي وقت من الأوقات. عندما نسعى إلى تحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة، فإن موقف العراق سيكون واضحاً، وهو أنه يرغب بإزالة كل أسلحة الدمار الشامل وأن تكون هناك ضمانات ملموسة؛ كما تفعلون الآن أنتم والاتحاد السوفيتي.

    أما حول الفرصة الذهبية للقضية الفلسطينية، فقد شرحت لك شعور الفلسطينيين. هم يعرفون مصلحتهم. هذا شعب معذب قاسى الكثير خلال الخمسين سنة الماضية. وهو يعرف ما هي مصلحته. لديه غريزته التي تدله على ذلك. وفي نفس الوقت، فإن القيادة الفلسطينية قيادة ذكية. وهي تعرف من الذي يعبر عن مصلحتها، ومن الذي لا يعبر عنها.

    وحول تهديدنا لمصالحكم، أنت ترى في وجودكم العسكري في المنطقة حماية لمصالحكم مقابل تهديدنا. أنا أقول لك ليست لدينا الرغبة في تهديد مصالحكم. هذا هو موقفنا، جربه. في مرة سابقة، قلت إننا لا نصدق بأنكم فعلتم ما فعلتم في 2 أغسطس حول قضية فلسطين. وأنا أقول مرة ثانية جربنا، ضعونا في التجربة.

    ما هي الاعتبارات التي لديك والمخاوف والشكوك؟

بيكر:

    أنا سأختبرك الآن. لدينا شكوك كثيرة نتيجة لما عملتموه في الكويت، نتيجة رفضكم المستمر الالتزام بقرارات الأمم المتحدة. تستطيع أن تتغلب على هذا ليس فقط مع الولايات المتحدة ولكن مع بقية المجتمع الدولي عن طريق الالتزام بهذه القرارات. وأرجوك أن تعتبر نفسك مختبراً. هذا طلب يأتي قبل ستة أيام من الميعاد النهائي الذي قرره قرار الأمم المتحدة الذي لا تقبلونه. ولكن أقول لك بنفس الصراحة بأن هذا التاريخ حقيقي جداً في عيون المجتمع الدولي. اعتبر نفسك مختبراً في هذا الطلب، وهذا سيسمح للعراق بأن يعيد نفسه للمجتمع الدولي وينهي التهديد الأكبر لأمتكم؛ وهو لا يمس القضية الفلسطينية ولا إسرائيل. ولكن حقيقة أنكم تستمرون على استحواذكم على جارة صغيرة في تحدٍّ للمجتمع الدولي الذي يقول لكم اتركوها. أرجوك صدقني، أعتقد أنه جيد عقد هذا الاجتماع بيننا.

    لا أعتقد أن أي شخص في العالم سوف يقبل طرحكم حول دخولكم الكويت. لا أعرف أي شخص في العالم، بما فيه من يقول إنه حليف لكم، من يقول إنه دفاع عن النفس. لذلك، لن أكون أميناً إذا قلت إننا نرفض هذا، لأنه لا يتضمن أي حجة. أنا لا أضع معتقداتك عرضة للتساؤل هنا. ولكن هذا لن يجدي مع بقية العالم.

    وحول الفرصة الذهبية حول النظام العالمي، الذي قلتم أنكم تريدون أن يكون موجوداً، هذا ليس نظاماً تخلق فيه الفرص نتيجة العدوان. هذا ليس النظام العالمي الذي نريده. ودعني أقُل أنا آسف لأن هناك خلافاً في الرأي تجاه الحقائق حول القضية الفلسطينية والأراضي المحتلة.

    (وحول موضوع أحداث 1967، طلب جيمس بيكر من السفير دينيس روس أن يبدي مطالعته).

وقال السفير دينيس روس عضو الوفد الأمريكي:

    إذا عاد الشخص إلى عام 1967 ونظر إلى تتابع الأحداث، يجد أن الرئيس ناصر طلب من الأمم المتحدة أن تزيل قواتها من سيناء؛ هذه القوات كانت مصر قد طلبتها عام 1957. وعندما استجابت الأمم المتحدة لهذا الطلب فإن مصر لم تحرك قوات كبرى إلى سيناء، ولكنها أغلقت مضائق تيران. وبالإضافة لذلك فإن المصريين حركوا خمس فِرق إلى الحدود.

طارق عزيز:

    في داخل حدودهم.

السفير روس:

    ولكن تجاه دولة لها مساحة صغيرة. وفي نفس الوقت، فإن وزير الدفاع المصري قال إن هذه القوات سترمي بكل اليهود إلى البحر. وفي هذه الظروف إسرائيل لم تنتظر. وفي نفس الوقت قالت للأردن ابتعدوا عن هذا النزاع. لكن النار فتحت من الجزء الأردني في القدس. وبعد هذا ردت إسرائيل.

طارق عزيز:

    إذاً، النظرية التي استنتجها من كلام السيد روس، أنه عندما يكون هناك تهديد أو استفزاز، فإن هذا يعطي الحق للدولة أن تتصرف حتى بالعمل العسكري. سيادة الوزير، أنت رجل قانون، وأنت تعرف ما يسمى بالحكم الغيابي. أنت تتحدث عن قرارات مجلس الأمن عبر خمسين عاماً. العرب لم تكن لديهم مشاكل مع مجلس الأمن. والعراق قبِل كل القرارات عن مجلس الأمن حول النزاع العراقي ـ الإيراني. قِبل القرارات عندما كان قوياً. وقبل القرارات عندما كان يبدو للآخرين أنه ضعيف. وبقي ملتزماً بها. وهذه القرارات شاركنا فيها وقدمنا أفكارنا وتناقشنا مع أعضاء المجلس في شأنها، وعندما صدرت، قبِلناها. الإيرانيون كانوا هم الذين يرفضون. لنأخذ القرارات التي صدرت بعد أحداث 2 أغسطس بعد ساعات من الأحداث. السفير الأمريكي، بيكر، ذهب وأخذ سفير النظام الكويتي إلى مجلس الأمن وقدم مشروع قرار إلى المجلس. ممثلنا الدائم لم يكن في نيويورك، كان في طريقه إلى بغداد، في إجازة. حضر الاجتماع نائب الممثل الدائم، لم أُدعَ أنا للاجتماع لإلقاء بيان. وقفز المجلس، فوراً، إلى الفصل السابع، لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة.

    من وجهة النظر القانونية الشكلية، في ذلك الوقت، الوضع كان في المنطقة كما يأتي:

    قوات دولة اجتازت أراضي دولة أخرى. نعم هذا صحيح. ولكن هذا حصل في السابق عشرات المرات والمجلس لم يلجأ إلى الفصل السابع، من الساعات الأولى للأزمة. ولم يحصل أن مجلس الأمن ناقش مسألة دولتين من دون أن يدعو وزير خارجية الدولة المعنية للإدلاء برأيه. لماذا جرى ذلك؟

بيكر:

    نتيجة عملكم، يا سيادة الوزير.

طارق عزيز:

    أنتم لديكم تفسيركم. ونحن لدينا تفسيرنا، وصدرت بحقكم إدانات كثيرة حتى من قِبل حلفائكم الحاليين. ولكن بالطبع أنتم لديكم حق الفيتو؛ لذلك، لا يستطيع أحد أن يصدر قرارات ضدكم. وعلى كل، الذي حصل قد حصل. هل يمكن أن يصدر قرار دون الاستماع إلى الدولة المعنية؟ إذاً، هذا قرار صدر بحكم غيابي. إذا اتهم مواطن أمريكي بتهمة وعقدت محكمة لمحاكمته ولم يُدعَ للمحكمة، ولم يؤت بمحام قدير مثلك ليدافع عنه، فإن هذا الحكم يكون باطلاً، ومن حق هذا المواطن أن يستأنف هذا الحكم. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول.