إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









تسلسل الأحداث المهمة

الجلسة الثالثة

طارق عزيز:

    القرار 242 كان بالتفاوض. كان هناك وزراء خارجية مصر والأردن وسورية وإسرائيل والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كلهم عملوا، لأسابيع، لصياغة القرار. ولكن القرار 660 لم يصدر هكذا. قلت إنكم رفضتم إعادة التفاوض حول القرار 598، ولكن القرار 598 بدئ العمل بشأنه في يناير 1987، وأقر في 20 يوليه 1987 أي بعد سبعة أشهر من النقاش بين العواصم وبين الممثلين. زرت واشنطن وموسكو وباريس إلخ. والإيرانيون كانوا يناقشون القرار بشكل غير مباشر.

    إذاً، هذا قرار يكتسب مصداقية. وقد خضع لمناقشة واعتبارات كل الأطراف. نحن في 2 أغسطس أعلنا أننا سنبدأ عملية انسحاب. أنتم قلتم هذا كذب وغير صحيح.

بيكر:

    ونتج في النهاية أنه لم يكن صادقاً.

طارق عزيز:

    ولكننا قلنا هذا الكلام وقدمنا بعض الشواهد. ولكن أنتم قلتم هذا غير صحيح، وليس الأمم المتحدة. القرار الثاني صدر بعد بضعة أيام من القرار الأول. نحن ليس لدينا مشكلة مع مجلس الأمن كمؤسسة قائمة على حفظ السلام على أساس العدالة والإنصاف، إذا تصرف بهذا الشكل، وإذا تعامل مع جميع الأطراف بعدالة، وإذا سمح لهم بحضور المحكمة والدفاع عن أنفسهم والإتيان بشهود.

بيكر:

    هذه مجادلة قانونية عقيمة. أولاً، عندما انضممنا إلى الأمم المتحدة، كنا وقعنا على إجراءات مجلس الأمن. وإجراءات مجلس الأمن تمت متابعتها في كل القرارات التي صدرت عنه. القرار الأول تم تبنّيه في وقت قصير؛ وأنت على حق. والسبب لأن العالم كان وما يزال مذهولاً نتيجة فعلتكم. وأنتم قلتم ستنسحبون، ونحن قلنا لن ينسحبوا، وكنا على صواب. وبعد ذلك قلتم إننا دعينا ولم يصدق هذا أحد، آنذاك، ولم يصدقه أحد الآن. وفي الواقع سقطت كل هذه الادعاءات.

    إذاً، لا يمكن أن تعمل على نظام عالمي جديد بمؤسسة مسؤولة عن سلام العالم، ونعمل على أساس أن الدول ستعمل على قاعدة أن الدول ستختار وتحترم القرارات التي يحبونها. إن نائب ممثلكم الدائم كان هناك. وبصراحة، إن العالم يؤمن بأن ما فعلتموه في الكويت يبرر اتخاذ هذا القرار، ولذلك كان التصويت عليه. لقد كانت هناك مناقشة في الجمعية العامة حيث صوتت كل دول العالم في اتجاه، والعراق في اتجاه آخر. والعراق كان ممثلاً هناك وشارك في النقاش والاجتماعات على مستوى وزير الخارجية. أنت دعيت لكي تحضر وأنت اخترت ألا تحضر.

طارق عزيز:

    إني لم أتسلم أي دعوة.

بيكر:

    أنت كنت ممثلاً من قبل ممثلكم الدائم، والسبب في رفض الموافقة على طائرتك هو لأن العراق كان يحتجز رهائن مدنيين ودبلوماسيين انتهاكاً لجميع القوانين الدولية، ولا أعتقد أن هذا السلوك يساعد موقفكم. هذا أصبح في الماضي. ولكن لا أستطيع أن أتجادل معك لساعــات، ولا أثير هذا.

طارق عزيز:

    أنا وزير خارجية وكنت أريد الذهاب للأمم المتحدة التي مقرها في بلدكم. قلت أريد أن آتي بطائرة خاصة وفي كل زياراتي السابقة كنت أستعمل طائرة خاصة.

بيكر:

    ليس لدينا اعتراض. ولكن عندما تحتجزون مدنيين أمريكيين ضد رغبتهم، فيبدو من الصعب محاولة إرضائكم أو إرضاء دبلوماسييكم.

طارق عزيز:

    أفهم ما تقوله. ولكنني ممثل دولة مدعوة لحضور اجتماعات الجمعية العامة، وأنتم ملتزمون بموجب اتفاقية المقر.

بيكر:

    نعم، نقدم سمة الدخول، وليس تقديم الخدمات. ولكي لا نخرج بخلاف حول هذا الأمر، فالسبب كما قلت، كان احتجازكم رهائن أبرياء كدروع بشرية.

طارق عزيز:

    في العام الماضي، اضطررنا لعقد الجمعية العامة في جنيف.

بيكر:

    عرفات لا يمثل دولة عضواً في الأمم المتحدة. وهو أيضاً لم يقدم طلباً رسمياً للحصول على سمة.

طارق عزيز:

    لقد أعلنتم أنكم لن تعطوه سمة.

بيكر:

    هذا ليس صحيحاً. كما أن الموضوع حصل في الإدارة السابقة، وكنت حينها مواطناً عادياً.

طارق عزيز:

    إننا نتحدث عن التزامات الولايات المتحدة، وليس عن هذه الإدارة أو تلك.

بيكر:

    ولكننا ملتزمون بالتزاماتنا القانونية. إضافة أريد أن أسألك هل رأيت تقرير منظمة العفو الدولية حول احتلالكم للكويت؟

طارق عزيز:

    هذا التقرير مليء بالافتراءات، أنا أعرف أن بعض الأحداث قد وقعت هناك في المدينة، بسبب التغيير الذي حصل ووجود عدد كبير من الأجانب؛ وهذا يحصل عندكم عند انقطاع القوة الكهربائية تماماً. الذي حصل في نيويورك ليلة واحدة عام 1977 حصلت أعمال قتل ونهب وأنتم بلد متحضر، فكيف إذا ما حصل تغير في السلطة في منطقة سكانها في ذلك الوقت أقل من ربع الأجانب! إن الكويتي الذي يملك قصراً جميلاً ومليئاً بالتحف، ترك خادماً هندياً وذهب يصيف بالريفييرا الفرنسية وتغيرت السلطة، فالهندي يستطيع أن يأخذ ما يشاء.

بيكر:

    هل تعتقد أن الهنود، هم الذين فعلوا تلك الأعمال؟

طارق عزيز:

    إن العراقي الذي فعل عملاً من هذا النوع أعدم علناً. وقد أعدمنا ضباطاً. أنتم لديكم انتقادات كثيرة لنظامنا، ولكن ليس من بينها تساهلنا في السرقة.

بيكر:

    إن التقرير وثيقة درامية شديدة. منظمة العفو الدولية منظمة مسؤولة عبر منظمة لطرف معين. وكما قلت إننا نتابع الموقف خلال الشهور السابقة. ولم نرَ أن هناك أي عمل تأديبي تجاه العساكر. وسيكون مفيداً لو كلفتم شخصاً لكي يحضر لكم هذا التقرير، الذي يفضح بشدة أعمالكم في الكويت.

طارق عزيز:

    هل تعرف أنه في النظام السابق للكويت، هناك ثلاث درجات للمواطنة مثل ما هو موجود في جنوب أفريقيا التي يطبق العالم المتحضر العقوبات عليها؟ ولكن منظمة العفو الدولية لم تشر إلى ذلك في تقاريرها. ومن المؤسف أنكم ترسلون أبناءكم كأمة ديموقراطية للدفاع عن نظام من هذا النوع.

بيكر:

    النقطة الأساسية هي أننا لا نستطيع أن نجلس صامتين، ونرى تغييراً سياسياً نتيجة العدوان، وبغض النظر عما إذا أحببنا النظام السابق لهذه الدولة الصغيرة أم لا، فالقضية هي أن إحداث تغيير سياسي يتم من خلال الحِوار والتفاوض، وليس من خلال العدوان.

طارق عزيز:

    مسألة الاستفزاز شرحتها. ولديّ وثائق منشورة. وفي المرة القادمة عندما نتناقش حول هذا الموضوع، سأطلب من السيد روس أن ينضم إلى وفدنا، لأن النظرية التي اعتمدها في شرح أحداث 67 تسمح للدولة عندما تشعر في خطر، أن تتصرف بالطريقة التي تراها هي ملائمة. ومع ذلك إذا كان الموضوع موضوع نزال قانوني، فنحن مستعدون للدخول في مثل هذه المناقشة.

    لم تتح لنا فرصة للحديث معكم إلا هذا اليوم، ولا مع حلفائكم، وخاصة في أوروبا. تحدثنا فقط مع اثنين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، السوفيتي والصيني. ولم تتح لنا فرصة حضور مجلس الأمن في اليوم الأول لنعرض قضيتنا. طبعاً عندما نعرض قضيتنا، لا يعني هذا بالضرورة أن يقتنع بها الآخرون، ولكن على الأقل نعطى الفرصة. وفي النهاية مهما كانت الخلافات بيننا حول تاريخ أحداث المنطقة خلال العشرين أو الأربعين سنة الماضية، فنحن مستعدون كما قلت لك وأؤكد ذلك بالقبول بحكم المشروعية الدولية وقواعد العدل والإنصاف، عندما تطبق على جميع الحالات وبمشاركتنا ومشاركة الأطراف المعنية، حيث تتاح لنا فرصة لعرض قضيتنا كما تتاح للآخرين الفرصة لعرض قضيتهم بأسلوب منصف وعادل، يشعرنا أننا لا نعامل بمعايير مزدوجة. وحسب هذه المبادئ والقواعد، نحن مستعدون للعمل معكم ومع الآخرين لإقامة السلام العادل والدائم في المنطقة، والمشاركة في بناء النظام الدولي الجديد.

بيكر:

    دعني أَعُدْ لما قلته هذا الصباح، عندما قلت إنني أنتقل من الجانب المظلم من العرض إلى الجانب المشرق. دعني أؤكد أنه لن تكون هناك أية مفاوضات بالنسبة لهذه القرارات، سواء اتفقنا على اتخاذها أم لا فإن المجتمع الدولي مؤمن بهذا. أنا استمعت باهتمام شديد لما ذكرته. وأنا أقدر نغمة ما قلته. وأرجو أن يكون الشيء نفسه من قبلك. استمعت باهتمام لتقديرك لما يحدث إذا حدث صراع، وإذا سمحت لي في روح الإبلاغ وليس التهديد، أودّ أن أقول كلمة أخرى تجاه هذه النقطة.

    أعرف أنه نتيجة خبرتكم في الحرب مع إيران، تعرفون التكلفة في الحرب؛ وأشك في قناعتكم بهذه القضية أو تقديركم لما ستواجهونه. هذا اعتقادكم، ولكن دعني أضف، أرجوك ألا تجعلوا قادتكم العسكريين يقنعونكم بأن الإستراتيجية التي استخدمت ضد إيران، ستنجح هنا، وأنا أقصد المجتمع الدولي. إنكم في الحقيقة ستواجهون قوة مختلفة تماماً. نحن سمعنا تصريحاتكم أنه لو جرى هنا صراع، ستكون هنا إصابات كثيرة. ولكن في اعتقادنا هذا لن يحدث. أعتقد أنه من المهم جداً، وهذا ليس تهديداً، ولكن فقط لتبليغكم ما هو اعتقادنا، أنه بسبب تفوق قوات المجتمع الدولي هناك، فنحن من سيحدد شروط أي صراع، وليس أنتم. وأنا لا أقول هذا لأعني بأنكم لا تقدرون التكاليف الكبيرة للحرب، أو أننا لا نقدر. أنا أقدر أنكم تقدرون ذلك، ولكن يجب على من يقوم بحساباته أن يجري ذلك على أكبر قاعدة ممكنة من المعلومات.

    أعرف أنك لا تريد أن تجيب على ما قلته. ولكننا أنجزنا محادثة جادة جداً. نحن هنا بنية حسنة، ونسعى إلى حل سلمي لهذه الأزمة، بالرغم من أني أعرف أنك لا توافق على هذه النقطة. بالنسبة لنا وبالنسبة لشركائنا في التحالف، إن منتصف ليلة 15/1 هو تاريخ حقيقي جداً، الوقت بدأ ينقضي في منتصف ليلة 15/1 وهو ستة أيام من اليوم. لا نستطيع ولن نوافق على مهلة أو تأجيل، سواء اخترت أن تصدقنا أو لا، فهذا شأنكم. هناك نقطتان أخريان أريد أن أذكرهما وسأقولهما لمجرد التثبيت. أنت ذكرت بنما وآمل أن تلاحظوا مدى السرعة التي خرجنا بها من بنما، أنا أقترحها عليكم كمثال. الشيء الثاني إذا كان ممكناً كزميل دبلوماسي الحصول على تأكيدك الشخصي، بأن جو ولسون، القائم بالأعمال في بغداد، والدبلوماسيين الأربعة الآخرين، يستطيعون أن يغادروا بغداد، دون أي تأجيل أو تأخير فيها أو قيود.

طارق عزيز:

    سيادة الوزير، لقد أشرتم في حديثكم الأخير إلى الفوارق بين الحرب مع إيران وبين ما يمكن أن نواجه في حالة قيامكم بالعمل العسكري ضدنا. لقد عالجت هذا الموضوع في السابق، ولا بأس من العودة إليه من أجل الإيضاح أن العسكريين في بلادنا رجال شجعان، ولكنهم ليسوا متهورين. ولهم خبرة طويلة في معرفة كفاءة كل سلاح من أسلحة الحرب، سواء كانت الأسلحة الجوية أو البرية أو البحرية. وهم يتابعون تحشداتكم بشكل دقيق، ولديهم دراسات صحيحة عن أسلحتكم. أعرف أن المواجهة بيننا وبين إيران تختلف عن المواجهة التي تنوون القيام بها. نحن نعرف هذا ولكن الحرب مع إيران لم تكن نزهة، كانت حرباً صعبة جداً بكل ما تعنيه الكلمة بجوانبها العسكرية وبجوانبها السياسية والنفسية، ومع ذلك تحمّلنا وخرجنا منها منتصرين.

    نحن لسنا الذين نحكم على مقدار تحمّلكم لنتائج الحرب. وأعتقد أنه ليس من الصواب من جانبكم أن تحكموا على تحمّلنا لنتائج الحرب. نحن لدينا خبرتنا ولدينا تقديرنا، والأهم من هذا نعرف عزمنا. نحن نشعر بأننا مظلومون هذا هو شعورنا؛ وعندما يكون هناك مثل هذا الشعور لدى شعب، وعندما تفرض عليه الحرب، فهو سيقاتل. نعم أنتم قوة كبيرة ومعكم إمكانات دول أخرى، ولكن لا تشكوا إطلاقاً بعزم شعبنا على الصمود. ونحن نعيش في منطقة مترابطة بمشاعرها وفي تاريخها، وهذا يخلق تعقيدات كبيرة جداً في حالة نشوب حرب بين بلد عربي مسلم وبين قوة أجنبية مثل الولايات المتحدة.

بيكر:

    ستحاربون قوى عربية.

طارق عزيز:

    أعرف أن هناك قوات تابعة لدول عربية. ولكن بروح الصراحة التي سادت اجتماعنا هذا، أنت قدمت لي بعض المعلومات على شكل نصائح، وأنا سأسمح لنفسي أن أقدم بعض التقديرات على شكل نصائح. عندما تنشب الحرب بين بلد عربي ومسلم وقوى أجنبية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وآخرين، فإن المقاتلين لن يتذكروا أنهم يقاتلون من أجل قرارات الأمم المتحدة، هذا اهتمام جدي في زمن السلم، وخاصة بين السياسيين والدبلوماسيين والقانونيين. ولكن عندما يدخل الناس في معركة وتشتعل النيران وتسيل الدماء، فإن الناس تعود إلى أصولها وأحياناً تتصرف بدافع الغريزة.

    أنا أتحدث هنا عن تجربة قريبة، نحن في حرب قبل سنتين ونصف السنة، ولدينا تجربة مباشرة، لذلك، فإن الحشد الذي جمعتموه لن يلغي الحقيقة الكبيرة من أن الحرب ستكون بين العراق والولايات المتحدة. صحيح هناك بريطانيون ولكن عددهم قليل، وفرنسيون أقلّ، والآخرون أقلّ. أما المصريون والسوريون وغيرهم من العرب والمسلمين، فقد تقول لكم قياداتهم بأنهم سيشاركون معكم، ولكن في منطقتنا الجندي لا يقاتل بالأوامر، وإنما يقاتل بدافع الاقتناع، أنتم دول مؤسسة منذ فترة طويلة جداً، أكثر من مائتي سنة، بريطانيا دولة قديمة. ربما هناك نظام في الحرب بحيث إن الجندي يقاتل، سواء أكان مقتنعاً سياسياً أم لا. ولكن في منطقتنا الأمر يختلف، وتجارب الماضي تؤكد ذلك. وأقول لك أيضاً بسبب خلفية علاقاتكم مع إسرائيل، وإذا ما قمتم بعمل عسكري ضد بلد عربي، فإن الشعور ضدكم سيكون معادياً في المنطقة، وفي كثير من البلدان الإسلامية. وفي الجانب العسكري الصرف، صحيح أننا لسنا قوة عظمى، ولم ندَّعِ إطلاقاً مثل هذه المكانة، فنحن نعرف حجمنا تماماً، ولكننا نملك قوة مهمة، وهذه موجودة على أرضنا، نقاتل على أرضنا.

بيكر:

    هل تضع الكويت في هذا التعريف؟

طارق عزيز:

    أنت لم تقطع هذه المسافات على سيارة، هذه المناطق متشابهة من حيث الطبيعة. من الناحية الجغرافيةهناك حوض دجلة والفرات، ثم جنوباً في العراق والسعودية هناك ما يشبه الصحراء وبعض الأجزاء صحراء. أرضنا ليست صحراء تماماً بالمعنى الحرفي للصحراء، فعندما يسقط المطر ينمو العشب ولكن بسبب نقصان المياه، فهي تبدو وكأنها صحراء. لذلك، سيادة الوزير، نحن لا نريد الحرب ولكننا لا نخشى الحرب بكل ما تعنيه من أسلحة وإمكانات كالتي لديكم. وأقول هذا ليس بدافع الغرور. وأقوله لسببين: الأول حاولت أن أشرحه لك وسأعيده باختصار، نحن نعيش الحرب وتهديدات الحرب منذ عشرات السنين ومنطقتنا تعيش حالة تكاد تكون حالة إحباط ويأس من المستقبل. وشعور الناس إزاء الحياة شعور قدري. وكذلك إزاء الموت. جانب منه بسبب العقيدة الدينية سواء المسلمون أو المسيحيون؛ لأنهم يؤمنون بالجنة وأن هناك حياة أخرى أفضل من هذه الحياة؛ وهذا موجود في الإنجيل وفي القرآن؛ والناس عندنا يأخذون هذا بجدية وكعقيدة إنسانية. عندما لا يجد الإنسان حياة مرْضية في الأرض، فإن الموت يهون بالنسبة له. هذه حقيقة إنسانية والحقائق الإنسانية نسبية حينما توجد إمكانية لحياة أفضل، فالتعلق بالحياة يكون أشد. ونحن كنا نموت خلال العقود الماضية بسبب النزاعات الموجودة في المنطقة وأساسها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، نموت على أقساط.

    وكما شرحت لك الوضع في عام 1990، وكنت مخلصاً في شرحي، كان الشعور في بلادنا وفي المنطقة أننا مقبلون على دورة موت جديدة، بسبب ما شرحته لك من تهديدات إسرائيلية، والوضع المأساوي في الأراضي المحتلة، والحالة التي وضع فيها العراق. لكل هذه العوامل هناك شعور بالاطمئنان إذا الحرب وقعت، فإنها قدر يموت من يموت ويبقى من يبقى. ومن الناحية السياسية لم يحصل في تاريخ المنطقة، أن نظاماً سياسياً دخل في معركة مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة وخسر سياسياً.

    خذ تجربة عبدالناصر عام 1967 هزم هزيمة عسكرية كبيرة، وغير مبررة. نحن نعرف كعرب أنها غير مبررة. واستقال ولكن الجماهير أعادته إلى السلطة. وعندما غاب عن المسرح لم يكن ذلك نتيجة انقلاب سياسي أو ثورة، لقد مات ميتة طبيعية، وهذه حقيقة يجب أن تؤخذ بالاعتبار. نحن نرغب في حسن نية أن نصل إلى حل سلمي. ولكننا نعتقد بعمق، ولا يمكن زعزعة هذا الاعتقاد بأي شكل، أنه لا يمكن تحقيق سلام في المنطقة، إذا لم تحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً. هذه هي خبرة أربعين أو خمسين سنة، خبرتي الشخصية منذ أن كنت طالباً في الابتدائية وحتى الآن. لا يمكن أحداً أن يقنعني أن السلام يمكن أن يتحقق في المنطقة من دون حل القضية الفلسطينية. هناك سؤال، هل حل المشكلة الحالية سيؤدي إلى السلام؟

بيكر:

    إن حل هذه المشكلة لا يمكن أن يحقق السلام بين العرب وإسرائيل. ولكن يستطيع أن يمنع حرباً مدمرة وحرباً ستكون مدمرة أساساً لشعب العراق.

طارق عزيز:

    قبل سنوات كنا في حرب مع إيران. انتهت الحرب ولم نحصل على السلام. أنت قلت لي إنه يمكنكم أن تبذلوا جهوداً إضافية في حالة حل هذه المشكلة، لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وذكرت أن الجهود التي بذلتها شخصياً. أنا أقول لك بصدق، نحن لا نثق بهذه الوعود وأرجو ألا تعتبر هذا نوعاً من الكلام المسيء. هذا هو شعور العراقيين والفلسطينيين.

بيكر:

    أولاً، دعني أقُل إنه ليس وعداً.

طارق عزيز:

    أنت أشرت إلى خطاب الرئيس بوش في الجمعية العامة.

بيكر:

    إنني لا أقترح عملاً خاصاً في هذا الصدد، لاستجابتكم لقرارات الأمم المتحدة. أنا فقط كنت أوضح موقف الولايات المتحدة.