إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









مقدمة

المبحث السابع

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 23 أكتوبر

أولاً: اجتماع الملك حسين وفرانسوا ميتران

راود الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، وهو يوشك أن يقابل الملك حسيناً، في باريس إمكانية حل، تضطلع فيه بلاده بدور رئيسي. وكمبادرة حسن نية، وتمهيداً للقاء ميتران ـ حسين، أعلنت بغداد، في 23 أكتوبر 1990، قراراً، يفرج عن كل الرهائن الفرنسيين، الذين لا يزالون في العراق .

    وفي 5 نوفمبر 1990، التقى الملك حسين الرئيس الفرنسي، ميتران، في قصر "الإليزيه"، في باريس، حيث تناولا بالبحث أزمة الخليج. ووضح الرئيس الفرنسي للملك الأردني نقاطاً مهمة، تتلخص في الآتي:

1. الأمريكيون لن يقبلوا التفاوض، في إطار الأزمة، كما هي الآن.

2. لا بدّ من تغيير إطار الأزمة.

3. لدى الأمريكيين سببان كافيان لشن الحرب. وهما: احتلال الكويت ـ واحتجاز الرهائن.

4. العراق يطلب ضمانات لانسحاب قواته. والولايات المتحدة الأمريكية، ترفض الضمانات، لأنها تراها نوعاً من الشروط المسبقة.

5. العراق يفرج، الآن، عن الرهائن، على دفعات. والأفضل هو الإفراج عنهم، مرة واحدة. وذلك سوف يؤدي إلى تلبية نصف المطالب المعلَنة للرئيس جورج بوش.

ورد الملك حسين بأنه يتفهم وجهة نظر الرئيس الفرنسي. وهو يدرك التعقيدات المحيطة بموضوع الرهائن، وقد ناقش العراقيين فيه كثيراً، وأحس، أخيراً، أنهم على استعداد لخطوة جريئة، تحل مشكلة الرهائن، مرة واحدة، لكنهم يطلبون تأكيداً لعدم الاعتداء على مرافقهم الاقتصادية ومنشآتهم الحيوية، داخل العراق، وإنهم يقبَلون مثل هذا التأكيد من خمس دول كبرى (فرنسا والاتحاد السوفيتي والصين وألمانيا واليابان)، أو من اثنتين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ولتكونا فرنسا والاتحاد السوفيتي، أو فرنسا والصين.

ووضح ميتران للملك حسين، أن مثل هذا الاقتراح، لا يحل شيئاً؛ لأن الأمريكيين، سيرون ذلك "شرطاً مسبقاً"، وسيرفضونه من أول لحظة. كما وضح ميتران، أن للأزمة جانبَين: احتلال الكويت، واحتجاز الرهائن. وأن الخلاص من أحدهما، يعني حل خمسين في المائة من الأزمة. وهذا سوف يخلق مناخاً مختلفاً. ولا شك أن مواجَهة خمسين في المائة من أي أزمة، هي أقلّ صعوبة من مواجهتها كاملة مائة في المائة.

وأعرب الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفرنسية، أوبير مدرين، بأن الرئيس فرنسوا ميتران، أكد للعاهل الأردني، مرة أخرى، أن الحل الوحيد، هو تطبيق العراق الكامل لمقررات الأمم المتحدة.           

ثانياً: اجتماع مجلس قيادة الثورة العراقي

وفي 10 نوفمبر 1990، اجتمع مجلس قيادة الثورة في العراق، وناقش تفاصيل اجتماع الملك حسين مع الرئيس فرنسوا ميتران. وكان هناك رأيان، داخل المجلس: رأي يرى أن الإفراج عن الرهائن، سوف يزيل أحد أسباب الحماية، المتاحة، حالياً، لبعض الأهداف العراقية. ورأي آخر يرى أن الخلاص من موضوع الرهائن، هو أجدى الآن، وقد يحقق غرضاً.

وانتهت مناقشات مجلس قيادة الثورة العراقي، بترْك الرأي النهائي للرئيس صدام حسين، الذي أعلن، في 18 نوفمبر 1990، أن العراق على استعداد لإطلاق كافة الرهائن، في مقابل بعض الضمانات. بل إنه يفكر في برنامج للإفراج عنهم، من دون انتظار ضمانات، ابتداء من يوم عيد الميلاد (25 ديسمبر) وعلى مدى ثلاثة أشهر، تمتد إلى 25 مارس 1991. وكان ذلك معناه أن عملية الإفراج عن الرهائن، يراد بها تغطية الفترة الحرجة، السابقة على حلول شهر رمضان.

ثالثاً: الدعو إلى قِمة عربية استثنائية

وفي 11 نوفمبر 1990، دعا الملك الحسن الثاني الدول العربية، إلى قِمة استثنائية، لإتاحة فرصة أخيرة للحل في الخليج، على أساس القرارات، التي اتخذتها الأُسْرة الدولية. وقال: "إنه من المستحيل، أن يمحو العراق، بجرة قلم، الدولة الكويتية، ليجعل منها إحدى محافظاته. كما أنه من المستحيل، أن يفقد الشعب الكويتي، بين ليلة وضحاها، هويته، ليصبح عراقياً". وقال الملك الحسن الثاني، موجِّهاً حديثه إلى قادة الدول العربية: "لنجتمع ونَرَ أي قرارات يمكن أن نتخذها، انطلاقاً من الضمانات الدولية، ليعطى كل طرف حقه، وتعود الكويت كما كانت، ويصبح العراق عضواً راضياً مَرْضياً، في أُسْرتنا العربية وأمّتنا الإسلامية".

وأضاف ملك المغرب: "إن القِمة العربية المقترحة، تهدف إلى إيجاد أرضية عربية شاملة، لتصفية الأجواء، وإيجاد الحل للمشكل القائم الآن، وللقضية العربية المصيرية، ألاَ وهي تحرير الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشريف".

وبثت وكالة الأنباء العراقية بياناً رسمياً، صدر عقب مناقشة الاقتراح المغربي، في اجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطْرية للحزب الحاكم، ترأسه الرئيس صدام حسين. وتضمن تحفّظ العراق من عقد القِمة؛ "لأن الجماهير العربية، ستشتبه بأنها ستار لهجوم أمريكي ـ صهيوني على العراق، وأنها قد تعمّق الخلافات العربية". "وإن العراق يفضل إجراء مشاورات موسّعة، مع الأطراف ذات الصلة بالموضوعات الأساسية، تسبق القِمة. وإنه يجب عدم انعقادها تحت وطأة التهديدات العسكرية الأمريكية. وأن يحسب، عند عقد أي مؤتمر لهذا الغرض، المكان والظرف، اللذان يستطيع فيهما الرئيس صدام حسين، حضور مثل هذا المؤتمر، والمساهمة فيه...".

وفي أول رد فعل رسمي سعودي، على دعوة الملك الحسن الثاني، قال وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل: "إن أي لقاءات عربية، لن تكون مثمرة، ما لم يعلن العراق موافقته على قرار القِمة العربية الطارئة، في القاهرة، والقرارات الدولية، التي تدعو إلى انسحاب القوات العراقية، وعودة الشرعية الكويتية، وعودة الأمور إلى نصابها قبْل الثاني من أغسطس 1990. وإذا التزم العراق هذه القرارات، فإن هذه اللقاءات، ستكون مثمرة...".

وفي 15 نوفمبر 1990، وبعد زيارة الرئيس حسني مبارك سورية، صدر بيان مصري ـ سوري، جاء فيه: "إن دعوة الملك الحسن الثاني إلى قِمة عربية استثنائية، لاقت من الرئيسَين، مبارك والأسد، عناية خاصة. ولكن إزاء ما صدر مباشرة من بغداد، في بيان، تضمن شكوكاً في مقاصد الدعوة المغربية، ووضع شروط مسبقة، تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، عقد هذه القِمة، وما أعقب هذا البيان من تصريحات لمسؤولين عراقيين، أكدوا فيها تمسك القيادة العراقية بموقفها الرافض للانسحاب من الكويت ـ عبّر الرئيسان عن أسفهما لإجهاض العراق أي حل سياسي، يهدف إلى إعادة الأوضاع في الكويت إلى ما كانت قبْل الثاني من أغسطس 1990. ويؤكدان، في الوقت نفسه، تصميمهما على الاستمرار في التشاور بينهما، ومع الأشقاء العرب، للحفاظ على المصالح العليا للأمّة العربية ووحدتها...".

رابعاً: المطالبة بتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية

ومع تصاعد الأزمة، بدأ التشدد الأمريكي بالظهور. وأصبح الانسحاب العراقي من الكويت، لا يمثل نهاية المطاف، ولكن ظهر اتجاه في الكونجرس الأمريكي، يطالب بضرورة تدمير أسلحة العراق الكيماوية وبرامجه النووية. فقد رأى ثلاثة أعضاء ديموقراطيين في الكونجرس الأمريكي، هم: جون مورثا، وستيفن سولارز، وألن مولوهان،، كانوا يزورون القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية، أنه يتعين على واشنطن عدم الاكتفاء بالمطالبة بانسحاب قوات الرئيس صدام حسين من الكويت، بل عليها المطالبة، كذلك، بتدمير "أسلحة الدمار الشامل، التي يمتلكها".

وأكد النواب الديموقراطيون الثلاثة أن على القوات المتحالفة في الخليج، شن هجوم على العراق، في غضون شهر. غير أنهم رأوا، في المقابل، ضرورة إعطاء العقوبات الاقتصادية الدولية، مزيداً من الوقت، حتى تؤتي ثمارها، "لأنها تساهم في زيادة الضغوط الدولية على صدام حسين". وطلب النواب الثلاثة من الإدارة الأمريكية، الحصول على موافقة الكونجرس والأمم المتحدة، قبْل شن أي هجوم على العراق. ورأى سولارز، "أنه ما لم يجبر صدام حسين على التخلي عن أسلحته الكيماوية، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيفشلون، حتى إنْ سحب قواته من الكويت، وسيكون هذا انتصاراً باهظ الثمن". وأضاف أنه إذا كان شن حرب أمراً ضرورياً، للقضاء على آلة الحرب العراقية، فإن "من المستحسن، أن يحدث هذا الآن، في الوقت الذي يعاني فيه صدام ضعفاً نسبياً، ونتمتع نحن بقوة نسبية، قبْل أن يتمكن من السيطرة التامة على أسلحة الدمار الشامل".

وفي لندن، قالت رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر، "إنه لن يكون مسموحاً للعراق بالاحتفاظ بقوات عسكرية ضخمة". "وإن المرء، لا يمكنه السماح ببقاء رادع القوة، في يد شخص، ليس لديه أي وازع أخلاقي".

خامساً: التصعيد السياسي، وقرار استخدام "الوسائل الضرورية"

وبدءاً من 8 نوفمبر 1990، سارت سياسة إدارة الرئيس جورج بوش، في الخليج العربي، وفق النهج الأمريكي التقليدي، وهو اتِّباع مسارَين، في وقت واحد. وهو أن واشنطن، أعدت للحرب بينما كانت تسعى، في الوقت نفسه، إلى تسوية سلمية، ولو بفتور. فقد عملت، الولايات المتحدة الأمريكية، منذ ذلك الوقت، على زيادة تعزيز قواتها إلى شبه الجزيرة العربية، ممّا هيأ للرئيس خياراً عسكرياً قابلاً للتنفيذ، بينما كانت الدبلوماسية الهجومية، تزيد الضغط الدولي على صدام حسين، وتبقي على تماسك الائتلاف المناهض للعراق.

وعلى الرغم من أن التقارير الدورية، في شأن عدم رغبة حلفاء واشنطن في القتال، أو توقهم إلى عقد صفقة، خفية، مع صدام حسين، فإنه ما إن قرر بوش حل المسألة الكويتية، باستخدام القوة ضد صدام حسين، حتى زاد تأييد الائتلاف. وفي لندن، صرح وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، للصحفيين، بأن "الطريقة الحاسمة، التي ربما يمكن أن تحقق انسحاباً سلمياً، هي الجمع بين العقوبات، التي تسبب نقصاً في السلع الضرورية، وبين العمل على أن يدرك صدام، أنه إذا لم يتوجّه نحو السلام، فسوف يتم إرغامه على الخروج من الكويت".

وفي الأسبوع الأول من نوفمبر 1990، كان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، يطوف بعدد من العواصم العربية، ممهداً لزيارة الرئيس جورج بوش المرتقبة إلى هذه العواصم، منتهزاً حلول عيد الشكر، في الأسبوع الأخير من نوفمبر، ليقضي هذا اليوم، المهم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، مع القوات الأمريكية المحتشدة في الصحراء. وكان جيمس بيكر يحمل مشروع قرار، بحثته الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، يفوض المجلس، بمقتضاه، بعض أعضائه وأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، استخدام القوة ضد العراق.

وفي خصوص مشروع القرار، الذي يطرح على مجلس الأمن، في شأن التفويض للحرب، فإن جيمس بيكر، لم يجد أي صعوبة في موافقة دول المنطقة عليه. وطبقاً لروايته، كان معظم مَن قابَلهم، يستعجلون بدء العمليات العسكرية، ومنهم من أظهر قلقه من المناقشات الدائرة في الكونجرس، ومن آراء، ترددت خلالها، أوحت بفتور التصميم الأمريكي على الحرب.

وفي 14 نوفمبر 1990، اجتمع الرئيس بوش إلى قادة الكونجرس، من كلا حزبَيه. ودعا إلى الوحدة، وأكد أنه لم يقرر، بعد، خوض الحرب، قائلاً: "إنني لم أقم باجتياز نهر روبيكون". وأخرج تقريراً في شأن التغطية العراقية للأنباء، وقرأ بصوت عالٍ بعض العناوين، التي تبيّن أن ما يعرض على صدام، هو صورة الشقاق في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان قصد الرئيس واضحاً: أن هذه هي، بالتحديد، الرسالة، التي قد تجعل صدام حسين، يعتقد أنه يستطيع البقاء في الكويت. كما أخرج نسخة من الدستور، من نسخ الجيب، وقرأ من المادة الثانية، في القسم الثاني: "الرئيس هو القائد الأعلى... ". وقال إنه يريد من القادة أن يدعوا إلى عقد جلسة، إذا كان مضموناً حصوله على أغلبية كبيرة في مصلحته. وقال الزعماء الديموقراطيون، عندئذٍ، إنهم لن يدعوا الكونجرس إلى جلسة طارئة، لمناقشة الحشد في الخليج، لكنهم سيعقدون جلسات استماع.

وعشية جولة الرئيس جورج بوش (16 نوفمبر 1990) في أوروبا والشرق الأوسط، أَعلَن "أن زيادة عدد القوات في منطقة الخليج، لا تعني تخلِّيه عن آمال التوصل إلى حل سلمي للأزمة، فإن الساعة تدق، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، لجهة حدود الوقت المتاح أمام الرئيس العراقي، للانسحاب من الكويت، قبْل الاضطرار إلى استخدام الخيار العسكري... ". وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، غير مستعدين لتقديم أي تنازلات، في شأن المبادئ، التي حدَّدها وتبنّاها مجلس الأمن الدولي، في قراراته العشرة، التي اتخذها منذ اندلاع الأزمة.

ولقي قرار إدارة الرئيس جورج بوش، انتهاج خط أكثر تشدداً، تجاه العراق، تأييد الأمم المتحدة. ومن أجْل زيادة الضغط على صدام حسين، وتمهيداً للجوء محتمل إلى استخدام السلاح، على السواء، بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون، في أواخر شهر نوفمبر، استطلاع رأي أعضاء مجلس الأمن، في شأن إمكانية إصدار قرار، يحدد موعداً نهائياً للانسحاب العراقي، ويسمح باستخدام القوة في تحرير الكويت. وتكهن مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية، بينهم وزير الدفاع، ديك تشيني، علناً، بأن العراق يوشك أن ينتج سلاحاً نووياً، الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من فرصة حل دبلوماسي. وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، عن القلق من تأثير الاحتلال العراقي، داخل الكويت. فمنذ وقت مبكر (أغسطس 1990)، كان المخططون العسكريون الأمريكيون، يتابعون، بقلق، الترحيل الجماعي للكويتيين من بلادهم[1] والطرد الإجباري والاختفاء والموت لآلاف آخرين، وتحرُّك عراقيين وفلسطينيين إلى داخل الكويت. وإذا استمر هذا التدفق، من الخـارج، بلا عائق، فإن تركيبتها الديموجرافية، سوف تتغير، إلى الدرجة التي لن يكون فيها هناك أمة، ينبغي تحريرها. إضافة إلى إنه سيتيح لصدام حسين إجراء استفتاء عام، والفوز فيه.

واستجاب مجلس الأمن الدولي فإصدار قرارَين إضافيَّين. ففي 28 نوفمبر 1990، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 677، الذي يدين "محاولات العراق لتغيير التركيبة الديموجرافية لسكان الكويت، ولتدمير السجلات المدنية، المحفوظة لدى الحكومة الشرعية للكويت"الرقم 678، إلاّ أن الصين، امتنعت عن التصويت عليه.

وعن سبب امتناع الصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن الرقم 678، قال وزير الخارجية الصيني، كيان كيشين (Qian Qichen)، أنه امتنع عن التصويت على القرار،"إنه يخالف موقف الحكومة الصينية الثابت، وهو بذل كل شيء لإيجاد حل سلمي". و"أنه ما زال يعتقد أن المجتمع الدولي يجب أن يُبقي على الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، ويعززها ضد العراق ... وما دامت هناك بارقة أمل في الحفاظ على السلام، فإن الجهود يجب أن تنصب على ذلك".

    وأهم النقاط التي وردت في القرار الرقم 678، هي:

1. الطلب من العراق، الامتثال الكامل للقرار الرقم 660، وكافة القرارات اللاحقة.

2. تخويل الدول الأعضاء التعاون مع حكومة الكويت، إذا لم يمتثل العراق إلى كل قرارات المجلس السابقة، قبل 15 يناير 1991، على استخدام كل "الوسائل الضرورية"، لضمان تنفيذ القرارات.

3. الطلب إلى كل الدول، تقديم الدعم الملائم للأعمال، التي تمكِّن من تنفيذ النقطة الثانية من هذا القرار.

كان القرار تفويضاً لاستعمال كل الوسائل الضرورية، بغير استثناء، للقوة. وكان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، يريد أن ينص القرار على التفويض لاستعمال القوة صراحة، لكن إدوارد شيفرنادزه، وزير الخارجية السوفيتي، ألح على تعبير "كل الوسائل الضرورية". وقال لجيمس بيكر، أثناء الحوار بينهما: "أنت وأنا نفهم ما تعنيه هذه العبارة. وأكثر من ذلك، لا داعي له". وتابع شيفرنادزه كلامه، قائلاً: "بعد تجربتنا في أفغانستان، لا نستطيع أن نقنع الشعب السوفيتي باستخدام القوة. ولا بدّ من العثور على طريقة أخرى، طريقة غير مباشرة ـ تعبيراً ملطفاً ـ فالسوفيت يمكن أن يؤيدوا فكرة القوة، لكن القرار نفسه، ينبغي أن يكون مبهماً".

واستطرد شيفرنادزه، قائلاً: "إن الولايات المتحدة، تعرف ما هي كل الوسائل الضرورية، فلا تحرجونا. ولا تضغطوا علينا. ولا تبالغوا". وأعلن أن المسألة، بالنسبة إلى السوفيت، ليست مسألة أخلاقية، وإنما هي مسألة عملية؛ فالاتحاد السوفيتي، لا يستطيع أن يذهب إلى الأمم المتحدة، ويصوت مع الحرب، التي لا تزال تعني للشعب السوفيتي مأزقه في أفغانستان".

وأوضح جيمس بيكر، إن الولايات المتحدة الأمريكية، تريد تجنّب أي لَبْس؛ إذ إن السياسة الأمريكية إزاء الخليج شديدة التقلب في الداخل، وإدارة الرئيس بوش، لا تريد جدالاً داخلياً في معنى قرار الأمم المتحدة. غير أن شيفرنادزه لم يبالِ بإيضاح بيكر. وأخيراً، أذعن الوزير الأمريكي، واتفقا على عبارة "كل الوسائل الضرورية "، التي تبيح التحالف استخدامها، لإخراج قوات صدام من الكويت، إذا لم يكن قد سحبها في الموعد، الذي حدده القرار، 15 يناير 1991.          

وعلق جيمس بيكر، قائلاً: "إنه سيكون الرئيس المؤقت لمجلس الأمن، أثناء التصويت. وإنه سيتحدث بعد التصويت، ويصف القرار بأنه تصريح، لا لَبْس فيه، باستخدام"القوة "، بحيث تصبح عبارته جزءاً دائماً من المحضر. وإذا لم يعترض أحد، فسيكون هذا هو تفسير "كل الوسائل الضرورية". ووافقه شيفرنادزه.

وكان أمام وزير الخارجية السوفيتية مشكلة أخرى؛ فهو يريد للقرار، أن يتضمن صيغة، وضعها الرئيس جورباتشوف، وتقرر أن الأسابيع الستة، السابقة على موعد 15 يناير، هي فترة توقّف، لإثبات حُسن النية. وكان جورباتشوف يعتز بهذه الصيغة؛ فهو يريد لفترة الخمسة والأربعين يوماً، أن تكون فرصة حقيقية للعمل الدبلوماسي. ويعتزم الزعيم السوفيتي استغلال العلاقات الثنائية، العراقية ـ السوفيتية، في السعي إلى حل سلمي. وهو يَعُدّ هذه العبارة غير قابلة للتفاوض، وشرطاً دبلوماسياً، لا غنى عنه، ومن دونها، لا يستطيع السوفيت، أن يؤيدوا القرار. ووافق جيمس بيكر.

وكان رأي وزير خارجية فرنسا، رولان دوما، على قرار مجلس الأمن، الرقم 678، هو ضرورة استغلال فترة الستة أسابيع، التي أعطاها مجلس الأمن مهلة للعراق، ينفذ، خلالها، مجمل قرارات المجلس، قبْل أن يحل استحقاق القرار الرقم 678. وأنه يستطيع أن يرى دوراً لأوروبا. كما أنه يستطيع أن يرى دوراً للأمين العام للأمم المتحدة. وربما كان هناك وسيلة للتوفيق بين الدورَين.

وأحدث صدور قرار مجلس الأمن، الرقم 678، هزة عنيفة في بغداد. فقد كانت العاصمة العراقية قادرة على أن تتصور تدخلاً أمريكياً عسكرياً ضدها، تسكت عنه الأمم المتحدة، ولكنها لم تتصور أن يجيء هذا التدخل، بموافقة صريحة من الاتحاد السوفيتي، الذي أيد مشروع القرار، وموافقة ضمنية من الصين، التي امتنعت عن التصويت عليه. وكان اعتراضها، بوصفها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، الذين يملكون حق النقض ( الفيتو )، كفيلاً بإسقاطه.

سادساً: مبادرة الرئيس جورج بوش، في 30 نوفمبر 1990

وفي الساعة الحادية عشرة، من يوم 30 نوفمبر 1990، ظهر الرئيس بوش على شاشات التليفزيون، حيث قرأ بياناً من عشرين فقرة، في شأن السياسة الأمريكية في الخليج، عدّد فيه كل الخطوات التي اتخذها (أنظر وثيقة النص الإنجليزي لبيان الرئيس الأمريكي، جورج بوش في 30 نوفمبر 1990 في شأن دعوة وزير خارجية العراق، طارق عزيز، للمجيء إلى واشنطن). ومضى بوش يقول: "رغبة مني في إعطاء السلام فرصة إضافية، سأوجِّه دعوة إلى وزير خارجية العراق، طارق عزيز، للمجيء إلى واشنطن، في وقت مناسب للطرفَين، في القسم الأخير من الأسبوع، الذي يبدأ بالعاشر من ديسمبر 1990، للاجتماع إليّ. وسأدعو سفراء عدد من الدول، شركائنا في التحالف في الخليج، للانضمام إليّ في هذا الاجتماع. وسأطلب من الوزير جيمس بيكر الذهاب إلى بغداد، للقاء صدام حسين. وسأقترح على الرئيس العراقي، أن يستقبل وزير الخارجية، في وقت مناسب للطرفَين، في الفترة بين 15 ديسمبر 1990 و15 يناير 1991". وأكـد استعداده واستعـداد وزيـر خارجيته "للبحث في كل جوانب أزمة الخليج، في إطار ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة". لكنه أوضح أنه لا يقترح، بذلك، إجراء محادثات، لن تؤدي إلى أقلّ من الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت، وإعادة حكومتها الشرعية، وإطلاق جميع الرهائن؛ وإنما يسعى إلى بذل كل الجهود، من أجْل التوصل إلى حل، دبلوماسي وسياسي، للأزمة.

لقد كان هدف المبادرة الأمريكية الحقيقي، يتركز في قصر تفاعلات الأزمة، خلال مهلة الأسابيع الستة، التي منحها مجلس الأمن للعراق، داخل إطار أمريكي، لا تتعداه، ولا يتدخل فيها طرف آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية. وكان لها، إضافة إلى ذلك، أهداف فرعية:

1. إقناع كتل برلمانية في مجلسَي الكونجرس، الشيوخ والنواب، وكذلك الرأي العام، بأن الرئيس بوش بذل كل ما في وسعه لحل الأزمة.

2. مخاطبة الرأي العام العربي.

3. التأثير في حالة العراق النفسية، وترجحها بين تشاؤم وتفاؤل، يصدع تماسكه.

سابعاً: لقاء الرئيس بوش قيادات الكونجرس

وبعد أن أعلن الرئيس بوش مبادرته الجديدة، التقى، في وقت لاحق، من يوم 30 نوفمبر 1990، قيادات الكونجرس. وحضر هذا الاجتماع مع الرئيس الأمريكي، كل من دان كويل وجيمس بيكر وبرينت سكوكروفت ووريتشارد تشيني وجون سنونو. وقال بوش: "لقد نجح وزير الخارجية، بيكر، في دفع الأمم المتحدة إلى السير في الركب. وهو يعرف الصعوبة المقترنة باستخدام القوة. إن الجمع بين زيادة نشرنا للقوات، وقرار الأمم المتحدة، هو الذي يتيح أفضل فرصة، للتوصل إلى حل سلمي للقضية ". وأضاف: "أعرف أن هناك خلافات حول هذه المائدة، ومع رؤساء الأركان السابقين. لكنني أريد أن أبيّن لكم، أنه ليست لدي أفكار مستترة ". وقال إن إمكانية الأسلحة النووية العراقية خطر حقيقي، وأنه لن يخطئ جانب الحذر. وأشار الرئيس بوش إلى قلقه، في شأن النفط وآثار زيادة نفقات الطاقة، على نطاق العالم. واستطرد قائلاً، إن بيكر، سيذهب إلى بغداد. وسيأتي طارق عزيز إلى واشنطن. وليست هذه اجتماعات للتوصل إلى أرضية مشتركة، ولإنقاذ ماء وجْه صدام حسين؛ فهو لا يستحق ذلك. وإنه يأمل أن تصل الرسالة إلى صدام، بأن الغاية ليست الوصول إلى حل وسط، فالحل الوسط، سيؤدي، بالتأكيد، إلى اختفاء التحالف.           

وأثنى توماس فولي (Thomas Foley)، رئيس مجلس النواب، على الإدارة، لانفتاحها وصراحتها. وقال إن على الرئيس بوش، أن يستشير الكونجرس الجديد، في يناير 1991، وأنه يعتقد، أن الحلفاء سيؤيدون استمرار العقوبات الاقتصادية، لمدة سنة. ثم قال فولي: "إذا قررتم، بعد 15 يناير 1991، أن تخوضوا الحرب، فسيكون عليكم أن تأتوا إلى الكونجرس". وكان السناتور جورج ميتشل (Georg Mitchell) قاطعاً في هذه النقطة: إن قرار الكونجرس ضروري، ولازم، دستورياً.

وقال السناتور سام نون (Sam Nunn)، إن هناك أرضية مشتركة، "فلا بدّ أن يخرج العراق من الكويت. والسؤال هو: بحرب أم بدون حرب؟ وهناك فرق بين تصويت الأمم المتحدة، وبين ذهاب رجالنا إلى الموت. وثانياً، فإن الوقت في مصلحتنا... فالإستراتيجية تعمل... إنها تعمل، ونحن نكسب".

واستشهد السناتور كوهين (Cohen) بعبارة لمارك توين، يقول فيها إن الإنسان سيقاتل دفاعاً عن بيته، ولكنه قد يفكر مرتَين، قبْل الدفاع عن فندق. "وحتى الآن، فإن الشعب الأمريكي، ليس مقتنعاً بأن الكويت بيتنا، أو أن المملكة العربية السعودية بيتنا، وإنما هما، بالأحرى، أشبه بفندق. فلماذا نحن على استعداد لأن نموت من أجل الكويتيين الآن؟". وتوجّه كوهين إلى بوش، قائلاً: إن علينا أن نجيب عن هذا السؤال إجابة مُرضية.

والسؤال الثاني هو أي نوع من الحرب ستكون هذه الحرب؟ ففكرة أننا سنستخدم قواتنا البرية على نحو ما، لكي تدخل وتنتزع العراقيين بعيداً عن الكويت لا تولد إلاّ صور من الشبان والشابات يتكدسون، في منطقة ضيقة، كالأكوام من الخشب أو الحطب. وقال بوش: "إننا لا نريد فيتنام أخرى وستكون الإمدادات والتموين مختلفة"، وليست هذه فيتنام، ولن تكون هذه ورطة طويلة.

ثامناً: قبول العراق مبادرة الرئيس الأمريكي

أكد بيان، صدر في بغداد عن مجلس قيادة الثورة، قبول العراق المبادرة، التي عرضها الرئيس بوش. وجاء في البيان الفقرات التالية:

1. إن سعي العراق، في كل الأحوال، سيكون، كما كان دائماً، إجراء حوار جدي، بعمق، وليس لقاءات شكلية، كما يريدها الرئيس الأمريكي، ليتخذها ذريعة أمام الرأي العام الأمريكي، والكونجرس، والرأي العام العالمي، والمجتمع الدولي.

2. إننا نقبَل فكرة الدعوة واللقاء. وعندما نتسلم الدعوة، بصورة رسمية، سيتفق المعنيون في العراق مع المعنيين في الولايات المتحدة، على أوقات الزيارات المتبادلة وترتيباتها العملية، بما يلائم الطرفَين.

3. إن العراق سيسعى إلى متابعة أية نافذة حوار وتوسيعها، بدلاً من لغة التهديد والوعيد.

4. إن المبادئ، الواردة في مبادرة الرئيس صدام حسين، في 12 أغسطس 1990، هي "دليلنا في كل حوار جدي مع الولايات المتحدة، وتبقى فلسطين وأراضي العرب الأخرى المحتلة، في مقدمة القضايا، التي نتناولها في أي حوار.

5. إن الدعوة إلى اللقاء، تضمنت فكرة غير واضحة، هي وأغراضها، (أي دعوة الرئيس الأمريكي لعدد من سفراء الدول، لحضور اللقاء بينه وبين وزير خارجية العراق).

6. إذا ما رأى الجانب الأمريكي، أنها ضرورية (أي حضور عدد من السفراء)، فإن العراق سيدعو، من جانبه، إلى حضور ممثلين لدول وأطراف ذات صِلة بالالتزامات والقضايا المعلقة في المنطقة العربية، لحضور اللقاءات التي تجرى بينه وبين الإدارة الأمريكية، سواء في واشنطن أو بغداد.

تاسعاً: ردود الأفعال الدولية والعربية لمبادرة الرئيس الأمريكي

كانت مبادرة الرئيس بوش مفاجأة غير متوقعة، حتى للدول المشاركة في التحالف مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الدول العربية، ودول الخليج نفسها. وقد أحيطت القاهرة علماً بالمبادرة الأمريكية، في الدقيقة عينها، التي كان فيها الرئيس الأمريكي يعلنها أمام شبكات التليفزيون. أمّا المملكة العربية السعودية، فكانت تعلم بالمبادرة، قبْل إعلانها بعشر دقائق. وكذلك حكومة الكويت في المنفى، الموجودة، آنئذٍ، في الطائف. وروي أن أمير الكويت، ظن، في بادئ الأمر، وهو يسمع النبأ؛ أنها بداية عملية تفاوضية متفق عليها. ولم يعلم بعض الدول العربية الأخرى بالمبادرة، إلاّ بعد مرور ساعات من إعلانها رسمياً. غير أن الدول، التي علمت مسبقاً بالمبادرة ولو قبْل عشر دقائق من إعلانها، لم تتلقَّ أي تفاصيل، تجعل المبادرة مفهومة، ومن ثَم، مقبولة، بالنسبة إليها. وساد الارتباك عدداً من العواصم العربية، إذ عاود بعضها شكوك قديمة في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ منهج سياسي صارم، لا يخضع لتقلبات غير مفهومة للآخرين، سواء كان باعثها أمريكياً داخلياً، أو حسابات أخرى، غير مرئية لبقية الناس.

وفي 30 نوفمبر 1990، كان وزير خارجية فرنسا، رولان دوما، مدعوّاً إلى العشاء في بيت المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير بيار لوي بلان. وكان بين ضيوف العشاء عدد من وزراء الخارجية، الذين حضروا جلسة التصويت على القرار، وعدد من المندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة. وكان الحديث يدور حول القرار والملابسات المحيطة به، والمناقشات التي دارت حوله. وخلال الحوار، دخل المستشار الصحفي للوفد الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، يحمل ورقة، قدّمها إلى السفير الفرنسي، بيار لوي بلان، الذي قرأها، ثم ناولها، عبْر المائدة، إلى وزير الخارجية الفرنسي. وقرأها الوزير، فاحتقن وجهه، وعلا صوته قائلاً: "إن هذا تخريب". ثم بدأ يحكي لبقية المدعوين، حول مائدة العشاء، أن الرئيس جورج بوش، أعلن، للتو، مبادرة أمريكية، تقترح أن يزور طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، واشنطن، حيث يجتمع إليه. ثم يزور وزير خارجيته، جيمس بيكر، بغداد، حيث يجتمع إلى الرئيس صدام حسين. وأن الهدف من ذلك، طبقاً لِما قاله الرئيس الأمريكي، هو المشي ميلاً إضافياً آخر، من أجْل تحقيق السلام.

وكان تعليق وزير الخارجية الفرنسي، أن هذه مناورة، يقصد بها الرئيس الأمريكي، أن يواصل احتكار إدارة الأزمة، وأن يصد آخرين عن بذل جهودهم. ثم علق رولان دوما، قائلاً: "لا يمكن أن يكون جادّاً"، وكان يقصد الرئيس الأمريكي، جورج بوش.

وبعد عودة وزير الخارجية الفرنسي إلى باريس، نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، قوله: "إن مبادرة الرئيس بوش جاءت في الوقت المناسب، وفي الاتجاه الذي ترغب فيه فرنسا.

ورحب بيريز دى كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة، بمبادرة الرئيس بوش، وعبر عن اقتناعه بأن الاتصالات لو حدثت بالفعل بين واشنطن وبغداد "فإننا سنتجه حقاً نحو حل سلمي للمشكلة". وتمنى النجاح للإدارة الأمريكية.

ولم يكن ترحيب الاتحاد السوفيتي بمبادرة بوش أقل ترحيباً من أمين عام الأمم المتحدة، إذ أصدرت وزارة الخارجية السوفيتية بياناً رحبت فيه بمبادرة الرئيس بوش، وعدّتها تجسيداً عملياً للتفاهم الأمريكي ـ السوفيتي، في شأن أفضلية حل الأزمة سلمياً. وأوضحت أن الجهود الدبلوماسية، الثنائية أو المتعددة، يجب أن تكون هادفة إلى ضمان تنفيذ العراق، بالكامل وبلا شروط، قرارات مجلس الأمن، من دون أي مكافأة للمعتدي ....

وفي ألمانيا، رحب المستشار الألماني، هيلموت كول، بمبادرة الرئيس الأمريكي واعتبر أن الكرة باتت الآن في ملعب بغداد، التي يمكنها تسوية النزاع في الخليج سلمياً.

وعلى الجانب العربي، أجرى الرئيس بوش، فور إعلان مبادرته، اتصالات هاتفية مع عدد من قادة الدول المتحالفة، من بينهم الملك فهد بن عبدالعزيز، والرئيس حسني مبارك، والشيخ جابر الأحمد الصباح. وتحدث معهم حول ما يتعلق بالمبادرة التي طرحها، وأهدافها . ورحبت هذه الدول بالمبادرة، وتمنوا أن تجد حلاً سلمياً للمشكلة.

وفي معرض الترحيب، قال الشيخ سعد العبدالله الصباح، ولي العهد ورئيس حكومة الكويت، في الطائف، "إن المبادرة اتسمت بالحكمة والعمق وبعد النظر والجرأة والشجاعة، ونحن نرحب بها ونتمنى للرئيس بوش التوفيق في جهوده ومساعيه". ونفي الشيخ سعد وجود أي تنسيق مسبق بين حكومة الولايات المتحدة والكويت، في شأن هذه المبادرة.

وفي المملكة العربية السعودية، أدلى مصدر سعودي مسؤول، إلى وكالة الأنباء السعودية الرسمية، بتصريح جاء فيه: "إن حكومة المملكة العربية السعودية لا ترى أي تناقض بين ما أعلنه فخامة الرئيس جورج بوش، في شأن إيفاد وزير الخارجية الأمريكية إلى بغداد، واستقبال وزير الخارجية العراقية في واشنطن، وبين قرارات القمة العربية الأخيرة في القاهرة، وقرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، وقرارات مجلس الأمن، إذ إنها كلها تدعو إلى انسحاب شامل، وغير مشروط، للقوات العراقية من دولة الكويت الشقيقة، وعودة الشرعية في الكويت بقيادة سمو أمير الكويت، الشيخ جابر الأحمد الصباح، والإفراج عن الرهائن الأجانب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، بإزالة الحشود والتهديدات العراقية ضد المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، والمنطقة كلها.

وفي القاهرة، قال الدكتور بطرس بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية المصرية: "أعلنت مصر دائماً تأييدها للحل السلمي، وفي كل الأحوال ما يجري الآن (بين العراق والولايات المتحدة) ليس إلاّ اتصالات، وليس محادثات بالمعنى الكامل للكلمة". و"إن مصر مستعدة للقيام بدورها إذا رغب الطرفان في ذلك".

وأعلنت وزارة الخارجية السورية "أن مبادرة الرئيس بوش مناسبة ما دامت تهدف إلى تجنب حرب في الخليج، وتحقيق الانسحاب العراقي التام من الكويت، وعودة حكومتها إليها، تنفيذاً للقرارات العربية والدولية".

وفي تونس، استدعى ياسر عرفات كبار مساعديه، لصياغة رسالة سرية إلى صدام حسين، أرسلت عن طريق السفارة العراقية. كانت الرسالة تحتوي على ثلاث نقاط رئيسية، هي:

1. أن يقبَل صدام حسين بالعرض الأمريكي، قبْل أي محادثات مع واشنطن.

2. أن يطلق كافة الرهائن الأجانب.

3. أن ينسحب العراق من الكويت.

كما أشارت الرسالة إلى أن الملك فهداً، سوف يسمح للعراق بالاحتفاظ بجزيرتَي وربة وبوبيان وبحقول النفط في الرميلة؛ وإن لم يكن هناك ما يوضح سبب اعتقاد عرفات بأن الملك فهداً، قد قبِل أو سيقبَل بذلك[2]. وبعد ذلك، طار ياسر عرفات إلى عمّان، للحصول على مساعدة الملك حسين على تلك المبادرة. بينما طار أبو أياد إلى اليمن، لتأمين دعم الحكومة اليمنية.

عاشراً: اجتماع عربي مهم، في بغداد

لعل مبادرة الرئيس جورج بوش، التي طرحها في 30 نوفمبر 1990، كانت هي السبب، الذي دعا عدداً من الزعماء العرب، المؤيدين للعراق، إلى التوجه، سريعاً، إلى بغداد. فقد قصد إليها الملك حسين، ولحق به ياسر عرفات، وعلي سالم البيض، نائب رئيس جمهورية اليمن، حيث اجتمعوا إلى الرئيس صدام حسين، في 4 ديسمبر 1990، لمدة خمس ساعات.

وجرى في هذا الاجتماع مشاورات، في شأن الوضع في الخليج، في ضوء بدء الحوار العراقي ـ الأمريكي. ودعا المجتمعون إلى ضرورة بدء الحوار العربي ـ العربي. وحضّوا المجتمع الدولي على الاستفادة من التطور الإيجابي للموقف، لدعم الاتجاه نحو تحقيق الحل الشامل، والعادل، في المنطقة. وربما يعزز السلام العالمي والاتجاه الدولي نحو حل المشاكل الدولية، عن طريق الحوار. وضرورة العمل، على الصعيدين، العربي والدولي، من أجْل تحقيق سلام شامل، ودائم، في المنطقة، أساسه الشرعية الدولية، وفقاً لمعايير ومبادئ واحدة.

ويمكن تبيّن اتجاه مداولات الزعماء العرب الأربعة، من قراءة بيان، صدر عن مجلس قيادة الثورة العراقي، في اليوم التالي (5 ديسمبر 1990). فقد بدأ البيان مستشهداً بالآية القرآنية:  ]وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله[ w  (سورة الأنفال: الآية 61). ثم أعلن "أنه تقرر، استجابة لمبادرة الرئيس الأمريكي، بفتح باب المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة ـ الإفراج عن جميع الرهائن الغربيين، المحتجَزين في بغداد، على أن يتم التنفيذ خلال أسبوعين، بحيث يتمكن الرهائن من حضور احتفالات عيد الميلاد مع أُسَرهم، في بيوتهم وأوطانهم".

كما أرسل الملك حسين، من الفور، رسالة إلى الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، قال فيها: "إن العراق، بقرار الإفراج عن الرهائن، مرة واحدة، ومن دون شروط ـ قام بتنفيذ المرحلة الأولى من خطته (التي ناقشها، من قبْل، مع الملك حسين في باريس يوم 5 نوفمبر) لحل الأزمة. والآن، فإن الوقت مناسب لبذل كل الجهود، لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة". ورد الرئيس ميتران بما معناه، "أنه طلب إلى طائرة الكونكورد الرئاسية، أن تكون على استعداد، في أي وقت، لتحمله إلى حيث تتطلب الظروف وجوده، بما في ذلك بغداد ذاتها، عندما يتأكد أن الأوراق في يده كافية".

ويبدو أن بغداد، أرادت أن تقدم تنازلاً آخر، لإظهار حُسن النية؛ ولعلها مضت فيه بطلب من الزعماء العرب، المجتمعين في بغداد، فأعلنت أنها "تفهم الربط بين القضايا المتعددة في الشرق الأوسط، والذي جاء في مبادرة الرئيس صدام حسين، يوم 12 أغسطس ـ على أنه ربط سياسي، وليس ربطاً بتواريخ الأيام". وكان مفهوم ذلك، أن بغداد على استعداد لحل مشكلة الانسحاب من الكويت، أولاً، وبعد ذلك، وليس بالتزامن معه، يُعمَل على حل بقية النزاعات الإقليمية.

حادي عشر: أزمة المواعيد، بين بغداد وواشنطن

    وفي 9 ديسمبر 1990، بدأت مسألة المواعيد، المتعلقة بزيارة الحوار العراقي ـ الأمريكي، تتحول إلى أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكية، أنه على استعداد للذهاب إلى بغداد، في الفترة من 20 ديسمبر 1990 إلى 3 يناير 1991، وأن الإدارة الأمريكية جادّة في الاجتماع، الذي سيعقده مع الرئيس صدام حسين، وتَعُدّه مهماً، مشيراً إلى أن اقتراح العراق عقد الاجتماع في 12 يناير 1991، لا يظهر جدية، من جانب بغداد، خصوصاً أن هذا التاريخ يسبق، بأيام قليلة، 15 يناير 1991، الموعد النهائي، الذي حدَّده مجلس الأمن، للانسحاب العراقي، مجيزاً، بعده، استخدام القوة لفرض هذا الانسحاب. وأن واشنطن غير مستعدة، لتكون طرفاً في عملية إحباط موعد 15 يناير 1991، خصوصاً أننا نتحدث عن خروج العراق من الكويت، وهو أمر لن يتمكنوا (أي العراقيون) من تنفيذه في يومَين.

وأبدى الجنرال برينت سكوكروفت، مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، قلقه من رفض العراق المواعيد الأربعة[3]التي اقترحتها واشنطن، لاجتماع الرئيس جورج بوش وطارق عزيز، والرئيس صدام حسين وجيمس بيكر. وقال: "إن ذلك يُظهر أنهم لا يزالون (العراقيون) يلعبون، ويحاولون استغلال الوضع لمصلحتهم، وغير جادّين في التحدث إلينا. وأن تاريخ 12 يناير 1991، الذي اقترحه العراق غير صالح، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، اقترحت الثالث من ذلك الشهر موعداً أقصى لعقد الاجتماع". ورفض سكوكروفت أن يقول إن الخلاف في تحديد موعد للاجتماع، سيشكل عقبة تهدد المحادثات .

وأعرب مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، الدكتور عبدالأمير الأنباري، في مقابلة تليفزيونية، عن اعتقاده، أن مسألة تحديد تاريخ لمحادثات بيكر في بغداد، هي مسألة هامشية. وأوضح أن في الإمكان التوصل إلى اتفاق على موعد آخر. كما أنه لم يسقِط إمكان عقد الاجتماع في 3 يناير 1991.

وفي 10 ديسمبر 1990، نصح الرئيس الأسبق، جيمي كارتر، المسؤولين الأمريكيين، بإظهار المرونة في محادثاتهم المقبلة مع العراقيين. وقال: "إن اللقاءات، التي ستخصص فقط لإبلاغ الإنذار النهائي، لن تكون مثمرة، وستؤدي، على الأرجح، إلى الحرب. وإنه لا بدّ من إعطاء العراق شيئاً، كأن تُلغى ديونه، أو يُعطى قطعة أرض. كذلك لا يعقل أن تكون الاجتماعات من دون تفاوض".          

كما حذر الرئيس كارتر، من الحرب، قائلاً: "على الولايات المتحدة أن تحاول التوصل إلى حل وسط، لا إلى المواجَهة، حين تجري محادثات مع الرئيس العراقي. إن الرئيس جورج بوش، سينتهك الدستور الأمريكي، إذا أصدر أمراً ببدء بعمليات عسكرية، من دون الحصول على موافقة الكونجرس. وإذا لم يكن الكونجرس قادراً على العمل، بالصورة الملائمة، في هذه الأزمة الخطيرة، حينما نوقشت العوامل على نطاق واسع، وصارت مفهومة ـ فإن زعماءنا، الذين أسسوا نظامنا، يكونون قد أضاعوا كلماتهم الثمينة".

ووقت أن كان الرئيس الأمريكي الأسبق يحذر إدارة الرئيس جورج بوش وينصح لها بضرورة التوصل إلى حل وسط، لا إلى المواجهة، أدلى الرئيس الأمريكي، في 21 ديسمبر 1990، بتصريح، أفصح فيه عن نياته، كاملة وقاطعة، في موضوعَين مهمَّين هما:

·   موضوع الرهائن: إذ قال "إنه مع ترحيبه بإطلاق سراح الرهائن، فإن الإفراج عنهم، لم يفعل شيئاً، إلاّ أنه صحح جريمة ارتكبها العراق حين احتجزهم، في المقام الأول. وإن الإفراج عن الرهائن، أزاح عن ضميره عبئاً معنوياً ثقيلاًً".

·   موضوع احتلال الكويت: قال "إن انسحاب العراق من الكويت، ليس كافياً لحل الأزمة. وإنما يتحتم، لحلها، أن يتم نزع قوة العراق العسكرية، وإزالة مصانع وقواعد صواريخه، وكافة منشآته النووية. وكذلك يتعين على العراق، أن يدفع تعويضات كاملة عن كل الأضرار، التي لحقت بجميع الأطراف في المنطقة".

ثاني عشر: المبادرة الأمريكية، قبْل نهاية المهلة المحددة

وفي 3 يناير، أعلن الرئيس جورج بوش مبادرة جديدة (أثناء حفلة أداء اليمين للسفير الأمريكي الجديد إلى الكويت، إدوارد شكيب غنيم)، تستهدف عقد اجتماع بين وزيرَي الخارجية، جيمس بيكر وطارق عزيز، في جنيف، بين 7 و9 يناير 1991. وأعرب عن أمله أن يردّ العراق ردّاً إيجابياً عليها. وأكد أنه "مع حلول موعد 15 يناير 1991، نقترب أكثر فأكثر من إعادة السيادة للكويت، سواء كان ذلك سلماً أو بالحرب. لكن سيادة الكويت ستعود".

وفي 4 يناير 1991، أعلن العراق موافقته على الاقتراح الأمريكي، عقد اجتماع بين وزيرَي خارجية البلدين، في جنيف، في 9 يناير.

 



[1] في يوم 9 نوفمبر 1990، ذكرت وكالة الإعلام الكويتية، أن نحو 300 ألف كويتي عبروا الحدود إلى المملكة العربية السعودية منذ الغزو العراقي للكويت.

[2] نشرت محطة تليفزيون (ABC) الأمريكية، في يوم 7 ديسمبر 1990، أن المملكة العربية السعودية وافقت على أن تتنازل الكويت عن جزيرتي وربه وبوبيان والممر الذي يعطي العراق منفذاً إلى البحر وحقل بترول الرميلة مقابل انسحاب العراق الكامل من الكويت. وقد نفي وزير الإعلام السعودي هذه الأنباء، يوم 8 ديسمبر 1990، وأكد عدم صحة ما أذيع جملة وتفصيلاً وأن موقف السعودية من الأزمة واضح وثابت وقائم على ضرورة الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية لها. كما أعلن وزير العدل الكويتي أنه لا مفاوضات مع العراق قبل الانسحاب الكامل من الكويت.

[3] اقترحت واشنطن أربعة تواريخ، هي 20، أو 21، أو 22 ديمسبر 1990، موعداً لاجتماع وزير خارجية العراق إلى الرئيس الأمريكي في واشنطن، وتاريخ 3 يناير 1991، موعداً لاجتماع الرئيس العراقي إلى وزير الخارجية الأمريكي، في بغداد.