إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التطور السياسي لإمارة الكويت ومشكلاتها الحدودية (1914 ـ 1961)






مواني العراق البحرية
منطقة رأس الخليج العربي
ميناء أم قصر العراقي
ميناء البصرة العراقي
ميناء خور الزبير
المناطق الزراعية العراقية
المياه الإقليمية العراقية والجرف القاري
الحدود الجنوبية العراقية
السعودية في اتفاقية العقير
الكويت بالاتفاقية البريطانية-العثمانية (انجليزي)
الكويت بالاتفاقية البريطانيةـ العثمانية



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

بدأت أزمة الحدود، بين الدولة العثمانية والكويت، منذ عام 1902، واستمرت إلى أن سُوِّيت "مؤقتاً" في الاتفاق البريطاني ـ العثماني، في شأن الخليج، عام 1913، وإن بقيت آثارها حتى وقتنا الحالي. وقد عملت الدولة العثمانية على إثارة هذه الأزمة، خلال عام 1902، كجزء من صراعها مع الشيخ مبارك، فضلاً عن أن لإثارة هذه المسألة جانباً آخر، يتصل بوضع يد الدولة العثمانية، بتشجيع من ألمانيا، على منطقة، تصلح نهاية لخط سكة حديد برلين ـ بغداد، وهي منطقة خور عبدالله، كبديل من خليج "كاظمة" )خليج الكويت(

وبدأت الأزمة باحتلال العثمانيين بوبيان، وأم قصر، وصفوان، ومناطق أخرى مجاورة لخور الصبية. وكلها توفر المخارج المؤمنة لخور عبدالله، الذي يصلح نهاية لخط سكة حديد بغداد. ولم تكتفِ الدولة العثمانية بذلك، وإنما بدأت تمارس سيادة على هذه المناطق، فأنشأت مركزاً للبريد في جزيرة بوبيان، تحرسه قوة عسكرية، وإن كانت رمزية. وادَّعت أن هذه المناطق جميعاً، لا تدخل في حدود الكويت. وبذلك، حصرت الصراع بينها وبين الشيخ مبارك، بل علاقتها كلها بالكويت، في مجرد مشكلة حدودية، تحل ببعض التنازلات، هنا وهناك، وفي ذلك ما فيه من إقرار بطبيعة علاقتها بالكويت. وبدت وكأنها عجزت عن امتلاك الكويت، فلجأت إلى تقطيع أوصالها، وترتب على ذلك، إقرار ضمني باستقلالها، مقتطعاً منها المناطق التي احتلتها.

وقد احتج الشيخ مبارك، وادّعى، هو الآخر، أن هذه المناطق داخلة ضمن حدود الكويت، بل أرسل قوة عسكرية صغيرة، لاحتلال "حكايجة"، في أقصى شمالي خليج الكويت، القريبة من خور الصبية. وهدّأت بريطانيا من روعه، وأيّدته، وأبلغته أن الاحتلال العثماني لا يهضم حقوقه. ثم احتج سفيرها لدى إستانبول، نيكولاس أوكونور، وصرح بأن بلاده ستساند الشيخ، تنفيذاً لتعهدها له، واتفاقيته معها، ولأن العثمانيين بهذا الإجراء، خرقوا حالة "الوضع الراهن". ولكن يبدو أن بريطانيا اكتفت  بالاحتجاج، وأنها لم تكن جادّة في تنفيذ تعهدها، إذ إن العثمانيين ظلوا مسيطرين على هذه المناطق سيطرة فعلية. ومن الواضح أن بريطانيا، قد علقت الأزمة إلى مرحلة، تسوَّى فيها مشكلة الحدود الكويتية، مع بقية المسألة برمتها، وهو ما حدث عام 1913.

وفي عام 1904، أجرت بريطانيا أول مسح شامل لحدود الكويت وسواحلها، من الجهراء، والسواحل الشمالية، إلى صفوان وأم قصر، على الحدود الشمالية مع العراق العثماني. وفي أبريل 1905، جال الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، النقيب نوكس، في جنوبي الكويت، ووصل إلى حفار، على الحدود بين الكويت ووسط شبه الجزيرة العربية. وكذلك، أجريت عملية مسح بري لخليج الكويت، وجاء خط الحدود البريطاني يسير من: خور الصبية، ليمر جنوب أم قصر وصفوان، متجهاً إلى جبل "سنام"، ومنه إلى وادي الباطن. لكن الشيخ مباركاً رفض الخط البريطاني، ورأى أنه يحرم بلاده من المناطق، التي اقتطعتها الدولة العثمانية، أم قصر وصفوان، فضلاً عن أنه لا يتضمن شيئاً عن حدود الكويت البحرية، التي كان يرى أنها تشمل جميع الجزر والسواحل، الممتدة من جزيرة فيلكا حتى شط العرب.

وحاول الشيخ مبارك ضرب العثمانيين بالإنجليز. فكتب، في 13 يوليه 1905، رسالة إلى  المقيم السياسي البريطاني في الخليج، الرائد برسي كوكس، يذكر فيها "أنه من المؤكد، أن جزيرة بوبيان، إنما تعود ملكيتها لي. وأن الموقع العثماني، الذي أقيم هناك، قد أقيم بقوة واقتدار". وأنه غير قادر على مقاومة الحكومة العثمانية، لكن إذا ما وافقت الحكومة البريطانية على أخذ موقع الجزيرة، لتقيم فيه محطة للفحم، فإنه على استعداد لإزالة الموقع العثماني.

ولكن الحكومة البريطانية، تجاهلت طلبه، ورأت أن تصدر تعليماتها، من طريق حكومة الهند، إلى وكيلها السياسي في الكويت، النقيب ستيوارت جورج نوكس، بالتفاوض مع الشيخ، لاستئجار جزيرة وربة، في محاولة لسد الطريق أمام أي قوة أخرى، لبناء قاعدة أو ميناء في خور عبدالله، في مدخل شط العرب إلى البصرة. ويبدو أن ذلك لم يتحقق، فلا هي أقامت موقعاً للفحم في جزيرة بوبيان ـ وقد أقامته في الشويخ، فيما بعد ـ ولا هي استأجرت جزيرة وربة. فالحكومة البريطانية، لم تشأ تصعيد الموقف مع العثمانيين حينئذٍ، لغير ما ضرورة ملحّة. فاكتفت بالمحاولات، التي كان يجريها سفيرها لدى إستانبول، نيكولاس أوكونور، ليضغط بها على العثمانيين، لسحب حاميتهم من جزيرة بوبيان.

أمّا حكومة الهند، فقد اقترحت، في أواخر 1905، في حالة رفض العثمانيين الانسحاب من جزيرة بوبيان، أن يقام موقع كويتي فيها، مقابل الموقع العثماني، وأن تتولاه بريطانيا، نيابة عن الشيخ. ويبدو أن الشيخ قد وافق على ذلك، مشترطاً تقديم دعم فني بريطاني شامل له. وبالنسبة إلى أم قصر، (الواقعة على بعد خمسين ميلاً، شمال الكويت)، فقد رُئي، حينئذٍ أن الموقف في شأنها غير مطمئن، نظراً إلى أهميتها الإستراتيجية، بالنسبة إلى محطة سكة حديد بغداد. ورأت الحكومة البريطانية، أن ادعاء الشيخ ملكيتها، هو ضعيف. وأنه ينبغي التحقق من ذلك، قبل اتخاذ أي خطوات.

وإزاء تقديم الشيخ مبارك احتجاجاته إلى الدولة العثمانية، والسلطات البريطانية، التي تفيد بأن المناطق المقتطعة تابعة له، ومنها أم قصر[1]، وصفوان، التي يسكنها نحو عشر عائلات، منذ نحو أربعين عاماً، موالية للكويت وشيوخها، كما أنها محطة لقوافل تجارتها. أمّا جزيرة بوبيان، فكان أولَ من سكنها هم الصيادون الكويتيون. وحتى تتحقق السلطات البريطانية من دعاوى الشيخ وأسانيده، كلفت وكيلها السياسي في الكويت، بجمع الأدلة حول ذلك. وكانت النتيجة كالتالي:

1.   في ما يختص بالخط الساحلي، من أم قصر حتى خور الصبية، فإنه في ظل عدم وجود دليل يعتمد عليه، فإن ادعاء الشيخ، يستند، بالفعل، إلى وجود مستوطنات قديمة، أقامها كويتيون، وأن عرب الكويت، يعيشون، فعلاً، على ذلك الشريط الساحلي، ويعترفون بسلطة الشيخ عليهم.

2.   أمّا في ما يتعلق بجزيرة بوبيان، فتظهر الحقائق، أنه إلى وقت إقامة الموقع العثماني فيها، كانت مأهولة بقبائل "العوازم" فقط، دون غيرهم. وأنهم يمارسون الصيد، لأجيال متعاقبة، بموافقة شيوخ الكويت. وأنه لم يحدث أي اعتراض على منح الشيخ هذه القبائل تلك الحقوق، مما يؤكد وجهة نظر شيخ الكويت بملكية الجزيرة.

3. أمّا الدلائل على ملكية الشيخ لجزيرة وربة، فلم تتكامل، حتى الآن، على الرغم من أن الشيخ يّدعي ملكيتها، بسند ملكية شخصي. وهي لم تُشغل أو تُحتل من قِبل أحد، إلاّ لدواعٍ جغرافية، متصلة بتسوية نزاع مع العثمانيين، في الملكية، في الساحل المقابل، من الفاو إلى خور الزبير.

لذلك، قررت السلطات البريطانية انتظار نتيجة تقصي الحقائق بشكل أوسع في شأن وربة وساحل أم قصر؛ وهو ما كُلف به الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، كذلك، قبْل تأكيد ادعاءات الشيخ بملكيتها. وفي غضون ذلك، فإن في وسع الحكومة البريطانية مفاتحة الحكومة العثمانية، بملكية الشيخ لجزيرة بوبيان، حتى يمكن الشيخ مباركاً ممارسة سيادته عليها. ومن الواضح أن السلطات البريطانية، لم تستجب لمطلب مبارك، وأنها خلال مفاوضاتها مع الحكومة العثمانية، في الفترة من فبراير1911 إلى يوليه 1913، والتي انتهت إلى توقيع الاتفاق البريطاني ـ العثماني، قد اتخذت من حدود الكويت موضوعاً، يتضمن إمكانية المساومة به.

ونظراً إلى التركيز على موضوع الحدود الشمالية، مع العراق العثماني، وهي التي أثارت مشاكل معروفة مع الحكومة العثمانية، فيلاحظ أن السلطات العثمانية، طلبت من ممثل الشيخ مبارك في البصرة، في مارس 1913، أن يحدد الشيخ تفاصيل حدود الأراضي، التي يّدعي ملكيتها. فقّدم مذكرة متضمنة أن حدود بلاده، تشمل الخط الممتد من جبيل، على الساحل، حتى تصل خور عبدالله، ويتضمن جزر فيلكا، وبوبيان، ووربة ومياهها. كما تتضمن حدوده الشمالية أم قصر، وصفوان، حيث تتجه غرباً نحو الباطن ... إلخ.

وقد ورد في محضر وزارة الخارجية البريطانية، المتعلق بتخطيط الحدود، في اتفاق 29 يوليه 1913، أن الحدود، التي وردت في المجلد الثاني، لـ "لوريمر"، متغيرة، وغير محددة بالضبط، وتطابق وتماثل حدود ومساحة المناطق، التي تسكنها القبائل الموالية للشيخ مبارك. كما اعترف لوريمر بملكية الشيخ لجزر: وربة، وبوبيان، وفيلكا، ومسكان، وعوهه، وكُبر، وقاروة، وأم المرادم. كما ورد فيه كذلك، فقرة عن مذكرة، أعدّتها وزارة الهند، في لندن، في يوليه 1912، تتضمن خريطة لحدود الكويت )أُنظر خريطة الكويت بالاتفاقية البريطانية ـ العثمانية) و(خريطة الكويت بالاتفاقية البريطانية ـ العثمانية "إنجليزي")، تُقرر: "أن الحدود في الشمال، هي الخط المار من خور الزبير، والذي يمر مباشرة جنوب أم قصر، وصفوان، إلى جبل سنام، ثم إلى الباطن... إلخ. كما تتضمن الممتلكات البحرية للكويت، جزر بوبيان، ووربة، وفيلكا، مع منافذها الخارجية، الشمالية والجنوبية، إلى جزيرتَي مسكان، وعوهه، عند مدخل خليج الكويت. كذلك، جزر كُبر، وقاروة، وأم المرادم". ومعنى ذلك، أن بريطانيا، في تسوية تنطوي على قدر من التساهل مع الحكومة العثمانية، وافقت على ملكية الشيخ لجزيرتَي وربة، وبوبيان، في مقابل استبعاد أم قصر، وصفوان، من ادعاءاته وحدوده. وقد أُبلغت هذه المذكرة إلى السفير العثماني لدى لندن، في 18 يوليه 1912، بعد أن حسمت السلطات البريطانية هذه المسألة، قبْل الدخول في المفاوضات المتعلقة بالحدود. فأثبت التقرير البريطاني "أنه لا يمكن إدخال ادعاءات الشيخ في أم قصر وخليج السالمية، ضمن أراضيه، كما تقرر، كذلك، إبقاء صفوان خارج حدود الكويت.

وبالفعل، وقع الاتفاق في 29 يوليه 1913. وورد فيه الحدود المذكورة آنفاً. وهكذا، استبعدت أم قصر وصفوان تماماً من حدود الكويت، كنوع من التسوية البريطانية ـ العثمانية، أكثر من كونها إحقاقاً للحقوق، وتفنيداً للادعاءات. وعلى ذلك، بات أمراً مفروغاً منه بقاء المواقع العثمانية، في أم قصر وصفوان، التي أقيمت منذ عام 1902، مما أشعر الشيخ مباركاً بمرارة شديدة وخذلان كبير، حملت النقيب وليم هنري شكسبير، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، على التعليق بقوله: "قد بقيت المواقع العسكرية العثمانية، التي سبق أن احتججنا عليها، ووصفناها ،فيما سبق، بأنها تجاوزات!". لكنها السياسة البريطانية التي تزن مصالح بلادها، وتساوم وتضحي بالمصالح الأخرى، حسبما يقتضيه الظرف والمرحلة التاريخية، فتزرع الأزمة في المنطقة، لتساوم بها، فيما بعد.

لكن لم يتحقق شيء، مما حاولت بريطانيا تحقيقه من طريق اتفاقية عام 1913، لأن الاتفاقية لم يُصدق عليها، ولأن نشوب الحرب العالمية الأولى، في 28 يوليه 1914، قد وضعا الكويت، بالنسبة إلى بريطانيا، في موضع جديد. فقد استخدمتها بريطانيا قاعدة لقواتها الآتية من الهند، وغيرها من المستعمرات في جنوبي شرقي آسيا. كذلك غدت الكويت مستودعاً لتخزين المواد التموينية للقوات البريطانية الغازية للعراق العثماني، ومكاناً آمناً لاجتماعات قياداتها العسكرية. وكان أخطر ما تمخضت به تلك الحرب، سقوط منطقة المشرق العربي، تحت السيطرة الاستعمارية، البريطانية والفرنسية.

وتماشياً مع سياسة التصرف على أساس الأمر الواقع، عمدت بريطانيا إلى عقد مؤتمر العقير، في 2 ديسمبر 1922، لتحديد حدود الكويت. وفي 24 يوليه 1923، وُقّعت معاهدة لوزان، التي تنازلت تركيا، بموجبها، لبريطانيا وفرنسا عن المنطقة العربية، التي كانت تحت سيادتها، ومن ضمنها الكويت. ووفق التقسيمات البريطانية ـ الفرنسية، وبموافقة عصبة الأمم، وضِعَ العراق تحت الانتداب البريطاني، ووضعت الكويت تحت الحماية البريطانية.

وقبَيل استقلال الكويت، رأت الحكومة البريطانية ضرورة تثبيت الحدود العراقية ـ الكويتية، قبل قبول العراق عضواً في عصبة الأمم، في 3 أكتوبر 1932. ومن ثَم، بدأت المكاتبات بين بريطانيا، من جانب، والكويت والعراق، من جانب آخر. ووافق نوري السعيد، رئيس وزراء العراق (أُنظر وثيقة نص رسالة الشيخ أحمد جابر الصباح، أمير الكويت إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في أول أبريل 1923، يستفسر فيها عن شكل الحدود، بين الكويت والعراق)، في رسالة، بتاريخ 21 يوليه 1932، على وصف الحدود القائمة بين الكويت والعراق. وفي 30 يوليه 1932، أبلغ المقيم السياسي البريطاني في الخليج[2]، حاكم الكويت، من طريق الوكيل السياسي في الكويت، موافقة الحكومة البريطانية على تعريف الحدود القائمة بين العراق والكويت، "كما وردت في كتاب رئيس الوزراء العراقي"، ووافق الشيخ "أحمد الجابر الصباح" عليها، في رسالته إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، بتاريخ 10 أغسطس 1932. وبعد انتهاء الانتداب، وإعلان استقلال العراق، في 3 أكتوبر 1932، بدأت المطالبات العراقية الرسمية، بضم الكويت، لكونها أرضاً عراقية. وعلى الرغم من تثبيت الحدود وتأكيدها، بين العراق والكويت، فإن تشكيك العراق، قد ازداد، منذ أواخر الثلاثينيات، واندلاع الحرب العالمية الثانية، في شأن فاعلية الرسائل المتبادلة، عام 1923، بين الشيخ أحمد الجابر، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج، وعام 1932، بين رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، والمندوب السامي البريطاني في العراق، قبل الاستقلال، وبين الشيخ جابر الأحمد، والمقيم السياسي البريطاني في الكويت، والتي أكد جميعها الحدود القائمة، التي تقررت عام 1913، وعام 1923، بموجب اتفاق بريطانيا وتركيا.

وطُرِحَ موضوع حدود الكويت على طاولة المفاوضات العراقية ـ البريطانية، مراراً وتكرار، في العهد الملكي، الذي استمر حتى 14 يوليه 1958. وحاول العراق، خلال هذه الفترة، إقامة ميناء جديد في منطقة أم قصر. ورفضت الكويت هذا الطلب، لعلمها أن للعراق مطامع أخرى في جزيرتَي وربة، وبوبيان. كما رفضت الحكومة البريطانية، كذلك، المشروع، إذ تخوفت من ازدياد النفوذ العراقي في الكويت، وهو ما يمكن أن يهدد مستقبل الإمارة. كما أعادت الحكومة العراقية، من جديد، مطالبها بضم الكويت، معتمدة على نص المادة الأولى من الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية، في 29 يوليه 1913، التي تشير إلى أن الكويت قضاء عثماني، غير أن بريطانيا، أوضحت أن المطلب يتجاهل معاهدة لوزان، عام 1923، التي تنازلت تركيا، بموجبها، عن كل حقوقها في الكويت. وبذلك، يكون أمر وراثة الدولة العثمانية، من قِبل أي دولة أخرى، أمراً عديم الجدوى.

وفي يناير 1948، أُثيرت المشكلة الحدودية بين العراق والكويت، حينما أعدت دائرة الأبحاث في وزارة الخارجية البريطانية، مذكرة بحثت فيها، بالتفصيل، خلفية المشكلة الحدودية وجذورها، بين الدولتَين وجذورها، والناجمة عن الاختلاف في تفسير نصوص الاتفاقات، الواردة في شأنها. وطرح مسألة النزاع الحدودي بين العراق والكويت، حول منطقة أم قصر (الميناء والخور)، والتي حاولت بريطانيا إعطاءها للعراق، لموقعها الإستراتيجي، ولعمق مياهها عكس ميناء البصرة، وتسهيلاً لتصدير نفط شركة العراق البريطانية الموجودة في البصرة من أم قصر.

وجُمدت المسألة فترة أربع سنوات، إلاّ أنها عادت إلى الظهور، حينما طلب العراق، في 26 مايو 1952، وجوب تسوية مسألة التخلي عن جزيرة وربة، من جانب الكويت، قبْل الشروع في تخطيط الحدود، وذلك بالنظر إلى رغبته في إقامة ميناء في أم قصر. ثم عاد، مرة أخرى، إلى تأكيد مطالبه، عام 1954، حينما ظهر اقتراح إقامة سلسلة من خطوط أنابيب المياه، لتزويد الكويت مياه شط العرب. وفي 14 فبراير 1958، حاول العراق ضم الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي، ولكنه فشل، إلى أن قامت ثورة 14 يوليه 1958، فقضت على هذا الاتحاد.

واستمرت العلاقات طبيعية، بين الكويت والعراق، خلال السنوات، التي تلت ثورة 14 يوليه 1958. ولكن، عندما أعلنت بريطانيا، في 19 يونيه 1961، توقيعها معاهدة الاستقلال مع الكويت، أسرع عبدالكريم قاسم، في 25 يونيه 1961، إلى إثارة أزمة مع الكويت، بإعلانه "أن الكويت قضاء عراقي تابع لمحافظة البصرة.

ويمكن تقسيم مراحل التطور السياسي لإمارة الكويت، ومشكلاتها الحدودية مع العراق، في الفترة من 1914 إلى 1961، إلى ثلاث مراحل:

1. المرحلة الأولى  )1914 ـ 1931(

    بدأت أولى ملامح هذه الفترة مع الحرب العالمية الأولى. وقد شهدت هذه المرحلة الاستقلال الداخلي للكويت، إذ اعترفت الحكومة البريطانية بأن تكون الكويت مشيخة، لها حكومة مستقلة، تحت الحماية البريطانية. وجاءت نتائج الحرب العالمية الأولى بسقوط الإمبراطورية العثمانية، وظهور العراق الحديث، تحت الانتداب البريطاني. أما بالنسبة إلى الكويت فقد انزاحت السيادة العثمانية الاسمية عنها، فضلاً عن وضعها، مع العراق، تحت سيطرة قوة دولية واحدة، هي بريطانيا.

2. المرحلة الثانية  ) 1932 ـ 1945(

    اشتملت هذه المرحلة على تطور العلاقات الداخلية في الكويت، خلال تلك الفترة، وما صاحبها من إنشاء مجلس تشريعي كويتي، عام 1938. ثم كان اكتشاف النفط، وما ترتب عليه من تعاظم مركز الكويت، على المستوى الإقليمي، وازدياد الأطماع فيها من جانب العراق،  وبريطانيا. كما تبحث هذه المرحلة، كذلك، في العلاقات الكويتية ـ العراقية، وما صاحبها من خلافات حدودية، خاصة في عهد الملك غازي، ملك العراق. وانتهت هذه الخلافات، لفترة، باتفاق لتثبيت الحدود، عام 1932. ولكن، لم يؤدّ هذا الاتفاق إلى مرحلة تعليم (ترسيم) الحدود، مما صعّد الخلافات، في المرحلة التالية.  

3. المرحلة الثالثة )1946 ـ 1961 (

    وهي مرحلة استكمال بناء دولة الكويت، وترسيخ استقرارها، وبدء عملية التطور والتحديث فيها، بما سمح بالتقاء الرغبة الكويتية في الاستقلال مع توجه سياسة بريطانيا، كدولة حامية، نحو الموافقة على تحقيقها، ومن ثَم، إعلان استقلال الكويت، في 19 يونيه 1961. وكذلك، تفجر المشاكل الحدودية، بين الكويت والعراق، مثل مطالبة الكويت بتعليم حدودها، ومطالبة العراق بجزيرتَي وربة وبوبيان، إضافة إلى محاولة ضم الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي. كما تبحث هذه المرحلة، العلاقات الكويتية ـ العراقية، خلال الفترة، التي تلت قيام ثورة 1958، وبداية أزمة 25 يونيه 1961.



[1] سميت بأم قصر، لأن أحد الكويتيين، وهو أحمد بن رزق، بنى فيها قصراً.

[2] كان مقر المقيم السياسي البريطاني في الخليج، في منطقة `بوشهر`. وفي بعض المصادر، يُطلق عليه المقيم السياسي في بوشهر.