إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التخطيط لعملية "عاصفة الصحراء" (الخطة البرية)






القوات العراقية قبل العملية البرية
القطاعات الكويتية حسب خطة الدفاع
تخطيط المناورة
خطة الهجوم بفيلق واحد
خطة الهجوم بفيلقين
عاصفة الصحراء: المرحلة الأولى
عاصفة الصحراء: المرحلة الثالثة
عاصفة الصحراء: المرحلة الثانية



مقدمة

المبحث الأول

مراحل تطور عملية التخطيط لعملية

"عاصفة الصحراء"

أولاً: الأهداف الإستراتيجية للعملية الهجومية الإستراتيجية

بدأت مجموعة التخطيط بدراسة وتحديد الأهداف الإستراتيجية، للعملية الهجومية الإستراتيجية، والتي تحددت بناء على الأهداف السياسية - العسكرية، وقوامها: عزل السلطة المركزية للقيادة والسيطرة العراقية، عن قواتها في مسرح عمليات الكويت؛ وإخراج القوات المسلحة العراقية من الكويت؛ وتدمير قوات الحرس الجمهوري العراقي؛ ثم القضاء على نظام الصواريخ الباليستية، وقدرات أسلحة الدمار الشامل؛ وأخيراً المعاونة على إعادة حكومة الكويت الشرعية إلى السلطة.

وبناء على الأهداف السياسية ـ العسكرية السابقة، تحددت ستة أهداف إستراتيجية، لتنفيذ العملية الهجومية الإستراتيجية، "عاصفة الصحراء"، والتي تمثلت في تدمير قدرة العراق العسكرية على شن الحرب، ثم تحقيق السيادة الجوية، والمحافظة عليها طوال العملية الهجومية. يلي تحقيق هذه السيادة الانتقال إلى الأهداف الثلاثة التالية، والتي تتمثل في شل نظام الإمداد العراقي، وقطع خطوط إمداده، مع تدمير قدراته على إنتاج وتخزين، واستخدام أسلحة الدمار الشامل (النووية ـ الكيماوية ـ البيولوجية). ثم يأتي هدف أساسي لتدمير مركز ثقل القيادة العراقية، وهو تدمير قوات الحرس الجمهوري، التي يعتمد عليها الرئيس العراقي، كلية، في مساندة نظام حكمه، سياسياً وعسكرياً. ثم يأتي بعد ذلك الهدف الأخير من الحملة، وهو تحرير مدينة الكويت بوساطة القوات العربية.

    واستلزم، قبل تنفيذ هذه الأهداف، القيام بعدة إجراءات تستهدف:

1. في بدايتها التأثير النفسي في القوات العراقية؛ إذ إن ذلك سيؤدي إلى خفض الروح القتالية للقادة والجنود العراقيين، والذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار كامل في قدرات القوات على الاستمرار في القتال، وهو أمر سيسهل كثيراً من نجاح العملية الهجومية.

2. تنفيذ الخداع العملياتي، من أجل تثبيت قوات الحرس الجمهوري، وعدم تدخّلها في معركة الكويت. ويمكن أن يتأتى ذلك من خلال قيام قوات العمليات الخاصة، وقوات مشاة البحرية بتنفيذ التضليل، والتظاهر، مع الإتيان بأنشطة مساندة أخرى، لتهديد البصرة، وتهديد القوات العراقية، من الشرق، ومن الجنوب، وجعل القوات العراقية تركز جهودها الرئيسية في المناطق الشرقية من الكويت.

3. موضوع الإسناد الإداري. لقد وضح أمام قيادة التحالف، أن التحدي الحقيقي، الذي يواجهها، خلال عملية "عاصفة الصحراء"، هو القدرة على استمرار تقديم الإسناد الإداري إلى هذه القوات، خلال العملية كلها.

كان لا بد من توفير وتخزين إسناد إداري، يكفي القوات لمدة 60 يوماً. وهو قرار أضاف أعباء هائلة على وحدات الإمدادات والتموين، وكلف مليارات الدولارات، وكان لا بد من إنشاء قواعد إدارية متقدمة لهذا الغرض، خاصة ما يتعلق بالإمداد بالذخيرة، والوقود. ومع التخطيط الجيد، يمكن القول إن حرب الخليج، كانت جنة لرجال التكتيك من قوات التحالف، ولم تكن جحيماً، على الإطلاق، لرجال الإمداد والتموين، بل كانت أيضاً جنة لهم. فالإمدادات وفيرة، والتموين سخيّ. فهي، بالتأكيد، الحرب الأولى في التاريخ، التي لم يفقد الجنود، خلالها، وجبة طعام واحدة!.

4. إجراءات استلزمت تحسين القيادة والسيطرة والاتصالات، والحرب الإلكترونية، مع الاستعداد للدفاع ضد استخدام القوات العراقية للأسلحة الكيماوية، وصواريخ أرض/ أرض الباليستية. وأخيراً، ومن أجل الارتفاع بمستوى كفاءة القوات في خوض المعركة المقبلة، كان لا بد من التركيز في التدريب، من خلال التمارين المشتركة، والتنسيق بين القوات السعودية، والقوات الشقيقة والصديقة، ورُكِّز في التدريب على الدور العملياتي المنتظر لكل وحدة، وأن يجري في أرض، وتجهيزات مشابهة، ومُعَدّة بما يلائم ما أعدته القوات العراقية من تجهيزات. وبذلك، يتحقق شيء من الواقعية.

ثانياً: التخطيط لعملية عاصفة الصحراء

كان هناك جدل كبير في عملية التخطيط لعملية "عاصفة الصحراء"، خلال مراحلها الأولى، منذ شهر أكتوبر 1990، من أجل التوصل إلى أفضل أسلوب لمهاجمة المواقع العراقية. فقد عرض رئيس أركان القيادة المركزية، في بداية شهر أكتوبر، في البنتاجون، خطة شوارتزكوف الأساسية للهجوم، على وزير الدفاع الأمريكي، كما عرضها، في البيت الأبيض، على الرئيس بوش، ونائبه، دان كويل، وروبرت جيتس، رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبرينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي.

وكانت تلك الخطة تقضي بالبدء بحملة جوية، يعقبها هجوم بري، بالمواجهة ليلاً، على المواقع العراقية، بواسطة فيلق واحد، بهدف احتلال الأراضي المرتفعة، الواقعة شمال غرب مدينة الكويت. ومن الواضح، أن هذه الخطة رُفضت؛ لأنها تؤدى إلى حدوث خسائر عالية، نتيجة اتِّباع الهجوم بالمواجهة، مع احتمال قيام العراقيين بشن هجوم مضاد، أو تنفيذ ضربة إجهاض، مما يفقد التحالف توازنه.

ويقال إن سكوكروفت، سأل ممثلي القيادة المركزية: "لِمَ الإصرار على الهجوم بالمواجهة، والاختراق من الوسط؟ لِمَ لا تتبعون أسلوب الالتفاف؟".

ونتيجة لهذه الاعتراضات، أصدر تشيني أوامره إلى المخططين، بدراسة، البديل الآخر للهجوم وتطويره، وهو "الالتفاف على القوات العراقية، وتطويقها عبر الصحراء الغربية للعراق".

كان تطبيق هذه الإستراتيجية، يستلزم توفير أكثر من فيلق أمريكي. لذلك، حضر الجنرال كولن باول إلى الرياض، في 21 ـ 22 أكتوبر 1990، ليتناقش مع شوارتزكوف في شأن حجم القوات الأمريكية اللازمة لتنفيذ المهمة بنجاح. عندئذ، أقنعه شوارتزكوف بحاجته إلى إشراك فيلقَين في تلك العملية. وفي 31 أكتوبر 1990، وافق الرئيس بوش على الانتشار الجديد للقوات الأمريكية، والتي اشتملت على الفيلق السابع، الذي نقل من ألمانيا إلى الخليج، وانيطت به مهمة الهجوم الرئيسي على عمق الدفاعات العراقية، وتدمير قوات الحرس الجمهوري. إضافة إلى ذلك، شملت التعزيزات الأمريكية الفرقة الأولى المشاة الآلية، وفرقة أخرى من مشاة البحرية، وثلاث حاملات طائرات إضافية، و400 طائرة مقاتلة.

كان نجاح هذه الخطة، يتوقف، إلى حدٍّ كبير، على نجاح العملية الجوية، لاستنزاف القوات العراقية، وخفض قدراتها القتالية، والانتهاء من الحملة البرية بسرعة، واستسلام القوات العراقية، لتجنب حرب استنزاف طويلة. وفي الوقت نفسه، كان يجب على خطة الحملة البرية، أن تحقق تفوقاً ملائماً لمصلحة المهاجم، مع تحقيق أعلى معدل للهجوم، وتفادي المواقع الحصينة، والالتفاف والتطويق على نطاق واسع، وحصار تجميع القوات العراقية المدافعة، في الكويت، وعزلها عن الاحتياطيات الإستراتيجية العراقية.

وفي 19 ـ 20 ديسمبر 1990، عُرضت خطة الحملتَين، الجوية والبرية، على الرئيس الأمريكي، الذي وافق عليهما. وتقرر أن تكون القوات جاهزة للتنفيذ، إذا ما رفض صدام الانسحاب من الكويت، قبل 15 يناير 1991.

ثالثاً: تطور التخطيط للحملة البرية لعملية عاصفة الصحراء

1. التخطيط الأول للعمليات الهجومية البرية (أُنظر خريطة خطة الهجوم بفيلق واحد)

اعتمدت فكرة الحملة البرية، في أول الأمر، على أن تنفذ بفيلق واحد، ليلاً. وكان المطلوب، في هذه الحالة، تركيز كل القدرات القتالية في شريحة ضيقة من الأرض، وفي أضعف نقطة في الدفاعات العراقية؛ من أجل تحقيق نجاح سريع في اختراق الدفاعات العراقية. (أُنظر خريطة خطة الهجوم بفيلق واحد)، توضح خطة استخدام فيلق واحد، في تنفيذ الحملة البرية.

كان هدف الهجوم، هو منطقة الأراضي المرتفعة، في المنطقة المجاورة للجهراء، وكذا مدينة الكويت، وقطع الطريق الرئيسي، شمال مدينة الكويت؛ ثم التقدم، بسرعة، تجاه قوات الحرس الجمهوري، للوصول إلى الهدف النهائي.

وحتى يتحقق ضمان نجاح هذا الهدف، كان لا بد من تدمير 50% من قوة التشكيلات البرية العراقية، من خلال العملية الجوية، من أجل خفض قدراتها القتالية. وكان لا بد أن تنتهي الحملة البرية بسرعة، تجنباً لحرب استنزاف طويلة.

وعلى الرغم من أن الخطة بدت مقبولة، وسهلة، إلا أن التحفظات، التي أثيرت حولها، كانت عديدة، خاصة أن الهجوم سيكون بالمواجهة، وضد حزام الموانع العراقية، والمواقع المجهزة.

وتركزت الخطة الأولى، باستخدام فيلق واحد، على الآتي:

·    عزل مسرح الكويت، بالقوات الجوية، وإحداث تدمير، يصل إلى نسبة 50% في القوات المدرعة العراقية خاصة، والقوات البرية عامة.

·    تحقيق نسبة تفوق عددي، على شريحة محددة من الأرض، ضد القوات العراقية، التي لم تدمَّر بعد.

·    أن يسبق الهجوم عمليات جوية مركزة، وشاملة، لمدة أسبوعين، يتبعها تقدم عبر الحدود الجنوبية، من خلال الانطلاق نحو الشمال الشرقي، داخل الخط الدفاعي العراقي، ثم تغيير الاتجاه شرقاً، متخذة تشكيل قتال منفرج الساقَين تجاه الطريق السريع، الذي يتجه نحو البصرة، بعيداً عن مدينة الكويت، من أجل تحقيق هدفين:

الهدف الأول:     تأمين الحدود الشمالية للكويت مع العراق.

الهدف الثاني:     سرعة عزل قوات الحرس الجمهوري العراقي، قبل أن تدرك طبيعة وهدف العمليات الهجومية للقوات المشتركة بصفة عامة، وللفيلق الأمريكي خاصة.

    تشكيل العملية، في حالة استخدام فيلق واحد

·    في اتجاه الهجوم الرئيسي للعملية

الفيلق 18 الأمريكي، متخذاً تشكيل قتاله في (نسق واحد، واحتياطي، وقوات تأمين)، كالآتي:

ـ في النسق الأول

الفرقة 24 المشاة الآلية، والفرقة الأولى الفرسان المدرعة، على أن يدفع الفوج الثالث الفرسان المدرع إلى العمل كمفرزة متقدمة للفيلق.

ـ في الاحتياطي

الفرقة 101 الاقتحام الجوي، بالتعاون مع وحدات المشاة البحرية.

ـ قوات تأمين

الفرقة 82 الإبرار الجوي، تؤمن خطوط مواصلات القوات المتحالفة، وكذا الجانب الأيمن لها.

·    في اتجاه المنطقتين، الشرقية والشمالية

القوات العربية والإسلامية، بقيادة قائد القوات المشتركة.

لم يكن شوارتزكوف واثقاً من جدوى استخدام فيلق واحد لتنفيذ المهمة، لعدة أسباب:

أ. أن الهجوم سيكون ضد مواقع مجهزة، وبالمواجهة، وضد قلب دفاع القوات العراقية.

ب. أنه بغض النظر عن سرعة الخطة، كان الأمر يحتاج إلى قوات إضافية، لتحقيق مقارنة مناسبة في القوات، لشن عمليات هجومية ناجحة.

ج. التوقعات لحدوث خسائر بشرية كبيرة، حتى مع كل ما هو متيسر لدى قوات التحالف من تقدم تكنولوجي، والحصول على المبادأة، وتحقيق السيطرة الجوية، ولكن مقترح استخدام فيلق واحد، كان يعني أن القوات ستتكبّد خسائر كبيرة، لتحقيق النجاح المطلوب.

د. إذا ما ساءت الأمور، قد تضطر القوات المهاجمة إلى التوقف، وحماية نفسها، وإعادة تنظيمها. وإن مثل هذا التوقف، خلال مرحلة تنفيذ العمليات، يعني أن المهمة قد تعرضت للفشل. لذا، لم يكن شوارتزكوف، وقيادته، يفضلان هذا المقترح. ولكن كان هناك عوامل ضاغطة من واشنطن، من أجل وضع خطة هجومية باستخدام فيلق واحد.

2. التخطيط الثاني للعمليات الهجومية البرية (أنظر خريطة خطة الهجوم بفيلقين)

في العاشر من أكتوبر 1990، توجه رئيس أركان القيادة المركزية، الجنرال "جونستون"، في صحبة بعض أفراد طاقم التخطيط، إلى واشنطن، حيث قدّم إيجازاً إلى ديك تشيني، وزير الدفاع، وكولن باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في البنتاجون.

وفي اليوم التالي، توجهت المجموعة إلى البيت الأبيض، ولخصت فكرة العملية للرئيس الأمريكي. وانتهى الاجتماع، بعد مناقشات عديدة، إلى الآتي:

·    الموافقة على القسم الجوي من الخطة (الحملة الجوية)، من دون مناقشة.

·    أمّا القسم الثاني، الخاص بالهجوم البري، فقد آثار بعض الجدل. ولكن جونستون حدثه، في نهاية الاجتماع، أن النجاح لن يكون مضموناً تماماً، من دون دعم قوات التحالف بفيلق إضافي؛ على أن يصل هذا الدعم، ويكون جاهزاً للعملية، خلال ثلاثة أشهر، على الأكثر.

ومن هنا، بدأت تبرز إلى السطح فكرة الحاجة إلى الفتح الإستراتيجي لفيلق إضافي في المسرح. (أنظر خريطة خطة الهجوم بفيلقين)، توضح خطة استخدام فيلقان، في تنفيذ الحملة البرية.

وتركزت الخطة الثانية (استخدام فيلقين في الهجوم)، على الآتي:

أ. هدف فكرة الهجوم بفيلقَين

عند شن الهجوم بفيلقَين، يمكن أن تحقق الخطة عدة نتائج، هي:

(1) تحقيق مقارنة مناسبة للهجوم.

(2) تحقيق معدل هجوم أعلى.

(3) إمكان تفادي المواقع الحصينة، والالتفاف لتطويق وحصار تجميع القوات العراقية المدافعة، في الكويت، وعزلها عن الاحتياطيات الإستراتيجية العراقية، مع إحكام تحقيق المفاجأة.

ولكن، كان يعيب هذه الخطة طول خطوط الإمداد، مع إمكان تعرّض الأجناب للهجمات والضربات المضادة.

ب. أهمية استخدام فيلقين في الهجوم

بعد عودة مجموعة التخطيط من واشنطن إلى الرياض، في 15 أكتوبر 1990، أصدر الجنرال شوارتزكوف تعليماته، لبدء التخطيط على أساس وجود فيلقَين في الهجوم. وعلى هذا، أصبح لدى مجموعة التخطيط الإمكانات لوضع الافتراضية الملائمة.

وبطبيعة الحال، كان هناك العديد من العوامل والخطوط العريضة، أمام مجموعة التخطيط، يجب وضعها في الحسبان:

(1) دراسة طبيعة دفاعات الجانب العراقي، بشكل جيد. وكذا قدراته القتالية، ونواياه، وتحديد نقاط القوة والضعف لديه.

(2) تحقيق السيطرة الجوية، من أجل تأمين التحركات، والمناورة بالقوات، مع العمل على خفض القدرات القتالية للقوات العراقية المدرعة، والمشاة الآلية، إلى النصف.

(3) اختيار عناصر القوات البرية العراقية، التي يُشتبك معها في قتال مباشر، مع تركيز الجهود الرئيسية لقوات التحالف، في اتجاه، يحقق تدمير الدفاعات العراقية في الكويت، وعزل قوات الحرس الجمهوري.

(4) استبعاد عمليات الإبرار البحري من خطة التنفيذ. ولكن توضع في خطة الخداع الإستراتيجي، من أجل إيهام القيادة العراقية بجدية تنفيذ أعمال الإبرار البحري، على الساحل الكويتي، مما سيؤدي إلى تثبيت 7 فرق عراقية كاملة، مخصصة للدفاع عن الساحل.

(5) تخطيط عمليات الإبرار الجوي بالأسلوب، الذي يضمن تأمينها في الصحراء المفتوحة، من أجل تجنيبها مواجهة هجمات القوات المدرعة العراقية المحتملة، والتي لديها القدرة على المناورة السريعة.

كان من الواضح، أن الخطة تحتاج إلى قوات مدرعة ثقيلة، لمواجهة الوحدات المدرعة العراقية، المسلحة بدبابات حديثة. لذا، كان من الضروري وضع الفيلق الجديد، بقدراته المدرعة، في اتجاه الجهود الرئيسية؛ وأن يكون هدفه الرئيسي، هو تدمير مدرعات تشكيلات الحرس الجمهوري العراقي، أحد مراكز الثقل. وحتى يتحقق ذلك، فلا بد أن يكون لدى الفيلق الجديد ثلاث فرق ثقيلة، على أقل تقدير. وبغض النظر عن احتمال تمكّن القوات الجوية من تدمير 50% من القوات البرية العراقية، فإن قوات التحالف، كان يجب عليها أن تفوق، عددياً، على الجانب العراقي، بنسبة 2 : 1.

والواقع أن الخيار الجديد، والذي يؤدي إلى تقدم القوات مئات الكيلومترات داخل الصحراء، وضع الإداريين أمام مشاكل عديدة، كان يجب التخطيط المسبق لها، وإلا كانت النتيجة هي الفشل[1]. ومع ذلك، فإن وجود فيلق ثان، قد مكن من إيجاد فرص عديدة، لتحقيق خفة حركة، ومناورة واسعة، توافرت، بالفعل، لدى القوات المدرعة الأمريكية.

وفي 17 أكتوبر 1990، بدأ الجنرال شوارتزكوف يرفع الستار عن السرية المحيطة بعملية التخطيط، فعرض على كلٍّ من قائد القوات البريطانية، الجنرال بيتر دي لا بيليير، وقائد القوات الفرنسية، فكرة الهجوم باستخدام فيلق واحد، وباستخدام فيلقَين. وأبديا ارتياحهما لفكرة الهجوم باستخدام فيلقَين، ما دام الالتفاف سيكون عميقاً، غرب وادي الباطن، متجنّباً القوات العراقية الثابتة، والأحزمة الدفاعية الكثيفة.

وكان لهما عدد من الملاحظات، يمكن إيجازها في الآتي:

·    أهمية الخداع الإستراتيجي، التي يمكن أن تحدث التوازن العام داخل المسرح، إذا تحقق النجاح في خداع العراقيين عن الاتجاه الحقيقي للهجوم.

·    أهمية العمليات النفسية، التي يمكنها، إذا أديرت بنجاح، أن تؤثر في القدرات القتالية العراقية.

·    أهمية إنشاء قواعد إمدادات وتموين في عمق الصحراء، جهة الغرب، لإسناد العملية الهجومية بفيلقَين.

ج. فكرة الخطوط العامة للخطة

وضعت مجموعة التخطيط خطوطاً عامة لفكرة الاستخدام الإستراتيجي للقوات، تتلخص في الآتي:

(1) تنفيذ الهجوم الرئيسي، إلى الغرب من وادي الباطن بوساطة الفيلقَين؛ وأن يعمل الفيلق 18 غرب الفيلق الجديد، ويكون مسؤولاً عن قطع الطريق السريع الرقم (8)، جنوب نهر الفرات.

(2) أما الفيلق الجديد، فسيهاجم بين وادي الباطن من ناحية، والفيلق 18 من ناحية أخرى، في اتجاه الشمال الشرقي، من أجل تأمين الحدود الشمالية الكويتية ـ العراقية، مع الاستعداد لمهاجمة قوات فيلق الحرس الجمهوري العراقي.

(3) وضع مشاة البحرية الأمريكية في قطاع هجومي، بالقرب من اتجاه الهجوم الرئيسي، وإلى الشرق من وادي الباطن، حيث تنفذ عملية محدودة الهدف، يمكن، من خلالها، تأمين خطوط مواصلات القوات البرية الأمريكية.

(5) القوات المشتركة التابعة لقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، تهاجم بالمواجهة خط الجبهة الرئيسي، على طول الحدود الجنوبية الكويتية، ضد الدفاعات الرئيسية العراقية، وتندفع شمالاً، تجاه مدينتَي الكويت والجهراء.

(6) قوات الإبرار البحري، تظل محملة على متن السفن، من أجل الإيحاء بتهديد السواحل الكويتية، واستعدادها لعملية إبرار بحري على الساحل الكويتي، الأمر الذي سيؤدي إلى احتفاظ القيادة العراقية بعدد من الفِرق، للدفاع عن ذلك الساحل.

وبعد عرض الخطة العامة على الجنرال شوارتزكوف، وبعد أن دقق في اتجاه الضربات الرئيسية للفيلق الجديد، والفيلق 18، علق عليها، قائلاً: "نستطيع، الآن، أن نحقق الاندفاع العميق، والوصول إلى الطريق السريع الرقم (8)، وتهديد قوات الحرس الجمهوري العراقي وتدميرها". وأكّد ضرورة الاشتباك مع قوات الحرس الجمهوري العراقية، قبل التحرك لتأمين الحدود الشمالية الكويتية؛ وأن يكون تدمير هذه القوات تدميراً كلياً، هو أحد الأهداف العملياتية الرئيسية.

د. نقاط القوة التي تتحقق لقوات التحالف، لإنجاح الخطة

ولتحقيق أهداف هذه العملية، بحسم وسرعة، وبأقل خسائر في القوات، بُنِيَت الخطة على فكرة استخدام القوة الحاسمة (Decisive Force)، وذلك لتفادي عمليات الاستنزاف، التي كانت قد واجهتها القوات الأمريكية، في فيتنام؛ وأن تستغل عناصر القوة في القوات المتحالفة، ضد عناصر الضعف في القوات العراقية؛ وألاّ يسمح للعراق أن يفعل المثل. وعلى الرغم من أن القوات المتحالفة، كانت تعمل في مسرح، طبيعته معروفة للجانب العراقي، أكثر مما هي معروفة لها، كما أن ساحة المسرح ضخمة، الأمر الذي يجعل التأمين، المادي والإداري، صعباً، وعلى الرغم من أن مقارنة القوات كانت في مصلحة العراق ـ إلاّ أنه يمكنها استخدام عدد من نقاط القوة، والميزات التي تتأتى لها، وأهمها:

(1) مستوى التدريب أفضل كثيراً من مستوى تدريب القوات العراقية.

(2) التفوق التكنولوجي في التسليح.

(3) التفوق الجوي.

(4) قدرات الاستطلاع المتاحة، في الوقت الذي يمكن القول بأنها معدومة، بالنسبة إلى الجانب العراقي.

(5) التأثير النفسي والسياسي، لحشد هذا الحجم من القوات، ضد العراق.

هـ. اختيار الفيلق السابع

كان أمام هيئة الأركان المشتركة، في واشنطن، اختيار واحد من ثلاثة فيالق، ينتشر في مسرح العمليات، كالآتي:

(1) الفيلق الثالث

المتمركز في فورت هود، في ولاية تكساس. وكان هناك عدة اعتبارات تحد من اختياره، وهي:

(أ) للفيلق قوات موجودة، بالفعل، في المسرح. وهي الفرقة الأولى الفرسان المدرعة، والفوج الثالث الفرسان المدرع، واللواء الأول (Tiger) من الفرقة الثانية المدرعة. ومن ثَم، فإن جزءاً كبيراً منه مستخدم، بالفعل، مع الفيلق 18.

(ب) الوقت الطويل، الذي ستستغرقه القوات، عند نقلها من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من شأنه تأخير الهجوم.

(ج) لم يجرِ، بعد، إعادة تسليح بعض الفرق بدبابات (M1A1 Abrams) الحديثة.

(د) إن اللواء الجوي (اللواء السادس الفرسان الجوي)، التابع للفيلق، تَحمّل العديد من الخسائر في طائراته، خلال العاصفة، التي هبّت على فورت هود، عام 1989.

(2) الفيلقان الخامس والسابع

المتمركزان في ألمانيا. جاء اختيار أي منهما، لقرب المسافة بينهما وبين مسرح العمليات؛ إضافة إلى أن الظروف، أصبحت مواتية لنقل فيلق من ألمانيا، بعد انتهاء الحرب الباردة، ووحدة البلاد، وإزالة حائط برلين، وأمست وحدات وتشكيلات الفرسان الأمريكية في غير حاجة إلى تنفيذ أعمال الدوريات، على طول حدود دول حلف وارسو. كما كان كلٌّ منهما مجهزاً بالمعدات الحديثة، ويمكن نقله إلى منطقة الخليج في أسبوعين فقط، بدلاً من الحاجة إلى ما بين 4 و5 أسابيع، اللازمة لنقل الفيلق الثالث. لذا، كان الفيلقان متساويين، في الأفضلية.

    وما رجّح استخدام الفيلق السابع، هو وجود خطة لجعله "غير عامل" (أي تخفيض قوّته)، ومن ثَم، عدم تأثر المسرح الأوروبي، في حالة تحركه خارجه. لذا، وقع الاختيار على انتشار هذا الفيلق، بقيادته ووحدات الإسناد، والفرقة الأولى المدرعة، والفرقة الثالثة المدرعة من الفيلق الخامس، وفرقة المشاة الأولى.

و. الموافقة على زيادة حجم القوات الأمريكية

عندما اجتمع الجنرال باول إلى الجنرال شوارتزكوف، في الرياض، في 22 ـ 23 أكتوبر 1990، وبعد استعراض الخطتَين الخاصتَين باستخدام فيلق واحد، أو فيلقَين، اقتنع باول بضرورة دعم المسرح بفيلق إضافي. ولكنه أكد في الوقت نفسه، ضرورة عدم فتح الفيلق الجديد في مواقع الهجوم، إلاّ في اللحظات الأخيرة، وقبل الهجوم مباشرة، من أجل إقناع العراقيين، أن الهجوم سيأتي مباشرة خلال الكويت، وليس من خلال عملية التفاف حول جناحهم الأيمن، في الغرب؛ إذ إن الفتح المبكر في مواقع الهجوم، سيؤدي إلى تحرك القيادة العراقية لقوات الحرس الجمهوري في الصحراء العراقية، من أجل مواجهة هجوم قوات التحالف.

وبعد عودة الجنرال باول من الرياض، وفي 30 أكتوبر 1990، اجتمع كلٌّ من تشيني، وباول إلى الرئيس بوش. وعرض باول وجهة نظره، وكذلك وجهة نظر شوارتزكوف، لدعم المسرح بقوات إضافية، تقدر بنحو 200 ألف جندي، وهذا يتطلب استدعاء جزء من الاحتياطي. واقترح أن يكون الدعم بالفيلق السابع، المتمركز في أوروبا. ووافق الرئيس بوش على مطالب شوارتزكوف، حتى يتحقق التفوق البري في مسرح العمليات، على أن تُعدل الخطة، بتنفيذ عملية التفاف واسعة النطاق حول الدفاعات العراقية، في الكويت.

وفي الثامن من نوفمبر 1990، أعلن الرئيس بوش: "لقد أصدرت الأمر إلى وزير الدفاع، اليوم، بزيادة حجم القوات الأمريكية في الخليج، للتأكد أن للحلفاء خياراً عسكرياً هجومياً ملائماً، حين يصبح ضرورياً لتحقيق أهدافنا المشتركة". وأن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتزم إرسال مزيد من القوات (نحو 200 ألف جندي) إلى منطقة الخليج، قبل نهاية يناير 1991، لتمكين قوات التحالف من تحقيق قدرة هجومية مشتركة، والتحول من مرحلة ردع القوات العراقية عن الهجوم، إلى مرحلة مهاجمتها وطردها من الكويت. وعلى هذا الأساس، زيد حجم القوات الأمريكية، بدعمها بالفيلق السابع، من أوروبا، إضافة إلى الفرقة الأولى المشاة الآلية، والفرقة الثانية المشاة البحرية، من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لإضفاء المصداقية على العمل العسكري الهجومي. وبذلك، يمكن القول، إن الموقف في الخليج قد وصل إلى نقطة حاسمة، وأصبح من الواضح، أن العمليات الهجومية، باتت قريبة.

وخلال شهر كامل، انهمكت القيادة الأمريكية، وقيادة القوات المشتركة، في عملية تخطيط للعملية الهجومية الإستراتيجية، بالشكل الجديد.



[1]  هذا الاحتمال جعلهم يعودون بالذاكرة إلى عمليات المناورة الواسعة، التي نفذها "روميل" ضد قوات الجيش الثامن في معركة الغزالة في مايو 1942م، وكذلك المعارك التي نفذها جودريان قائد الفيلق 19 بانزر، والتي حقق من خلالها فوز ساحق في "الأردين Ardennes"، والتي اندفع على أثرها بقوة تجاه القنال الإنجليزي في مايو 1940م.