إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الحملة الجوية، واستخدام صواريخ أرض-أرض




آثار الصواريخ العراقية في تل أبيب
أجيال النظام باتريوت
مدفع الطاقة الحركية
النظام AEGIS البحري
النظام الصاروخي ثاد
صاروخ (أريحا -1)
صاروخ لانس
صاروخ باتريوت
صاروخ فروج -7

أوضاع القوات البحرية للتحالف
أوضاع القوات العراقية
الصواريخ أرض/ أرض بالمسرح العراقي
الصاروخ سكود ـ سي




استخدام الصواريخ أرض/ أرض في حرب الخليج الثانية

المبحث الأول

التطور العالمي لأنظمة صواريخ أرض/ أرض

وتأثيره في القدرات الصاروخية العراقية

أولاً: نشأة وتطور صواريخ أرض/ أرض

1. تُعَد صواريخ أرض/ أرض من أبرز أدوات الصراع المسلح في العصر الحديث، وذلك لما لديها من قدرة عالية على تحقيق الردع الإستراتيجي، لما تتميز به من قوة تدميرية عالية، والقدرة على الاضطلاع بالمناورة الواسعة في توجيه الضربات الصاروخية إلى الأهداف في العمق، وعلى مواجهات واسعة ومدى بعيد.

2. لم تكن فكرة الصواريخ وليدة العصر الحديث، وإنما ظهرت واستخدمت منذ العصور القديمة، حيث تُشير أساطير الصين إلى استخدامها للصواريخ قبل الميلاد ضد المغول، ولكن بصورة بدائية، وبغرض إعطاء قوة دافعة لسهامهم النارية، إلا أنها جوهر فكرة عمل الصواريخ المطبقة الآن.

3. بدأ العرب في تطبيق نظرية الصينيين عام 1258م، حيث ظهر طوربيد العالم العربي حسن عبدالرحمن نجم الدين، والذي يعمل بالدفع الصاروخي، ثم انتقلت فكرة الصاروخ من العرب إلى الهند بنهاية القرن السابع عشر الميلادي، واستخدموه ضد الغزاة البريطانيين. وبعد احتلال بريطانيا للهند، بادروا إلى تطوير الصاروخ الهندي من حيث دقة التوجيه، وتوافر الاتزان وزيادة مدى تلك الصواريخ البدائية إلى أكثر من 3 آلاف ياردة، واستخدموه بالفعل في قذف بولونيا Polonia كوبنهاجن Copenhagen عام 1805م.

4. كانت البداية الحقيقية لعصر صواريخ أرض/ أرض بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتنامت خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ثم توالت قفزات التطوير بعد ذلك، ويمكن تقسيم تلك الفترة إلى مرحلتَين رئيسيتَين:

أ. مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية

(1) بانتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة دول المحور وانتصار الحلفاء، اجتمع المنتصرون في مدينة فرساي Versailles وقرروا تقسيم العالم فيما بينهم، وتجريد ألمانيا من أسلحة القتال الرئيسية مثل المدفعية الثقيلة والآليات المصفحة والطيران، كأحد البنود الرئيسية لما عُرف بمعاهدة فرساي[1].

(2) بدأت ألمانيا بقيادة هتلر تعيد بناء جيشها أمام تخاذل أوروبي وانهيار نفوذ عصبة الأمم لعدم الرغبة في خوض معارك جديدة بعد معاناة الشعوب والحكومات ويلات الحرب العالمية الأولى، مما شجع هتلر على البدء في تنفيذ أهدافه.

(3) توصلت القيادة الألمانية بعد دراسة بنود معاهدة فرساي أنها لم تتطرق إلى الصواريخ على وجه العموم أو التحديد، وأن هذه ثغرة يجب استغلالها لإعادة تسليح الجيش الألماني وتحقيق حلم هتلر والسيطرة على العالم على أساس أن الصواريخ ستكون السلاح الحاسم في الحروب المقبلة.

(4) قامت هيئة الأركان الألمانية بوضع برنامج شامل لأبحاث الصواريخ أطلقوا عليه مشروع بينموندُ[2] Peenemünde، وبدأت الخطوات العملية عام 1936 من الإنتاج البدائي إلى استخدام التقنيات الحديثة في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وعلم الكيمياء والطبيعة. وكان ذلك إيذاناً بمولد عصر الصواريخ على يد الألمان، وتوالت التجارب بين النجاح والإخفاق إلى أن استطاع العالِمان الدكتور فون براون Fon Preun والجنرال دورنبرجر Doren Berger إطلاق صاروخ ارتفع رأسياً وسقط على مسافة 125 ميلاً أُطلق عليه آنذاك القنبلة الطائرة.

(5) خلال عام 1942، زار هتلر ميدان تجارب الصواريخ وشرح له الجنرال دورنبرجر الإمكانات الهائلة لهذا السلاح الجديد وشاهد تجربة ناجحة لإطلاق الصاروخ V-1، حيث وصل مداه 258 كم بسرعة 7200 كم/ ساعة، ويحمل رأساً مدمراً يزن 1870 كجم.

(6) تطورت الحرب العالمية الثانية لغير مصلحة  ألمانيا، مما دفع هتلر إلى استخدام أسلحته الانتقامية ضد المدن، وخلال الفترة من 13 يونيه 1944 وحتى 29 مارس 1945، تعرضت مدينة لندن إلى 2420 صاروخاً طراز V-1 أحدثت خسائر تقدر بحوالي 5126 قتيلاً و40605 جرحى. مما شجع الألمان على تطوير هذا السلاح الفعال، وفي 8 سبتمبر 1944 ظهر أول صاروخ بالستيكي في العالم، وهو الصاروخ الألماني V-2 والذي يصل مداه 350 كم، ويطير بسرعة 6480 كم/ ساعة، واستُخدم ضد مدينة لندن أيضاً، حيث قصفت بعدد 518 صاروخاً أحدثت خسائر تقدر بـ 2511 قتيلاً و19 ألف جريح.

ب. مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (السباق الأمريكي ـ السوفيتي)

(1) بانتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة المحور، وعلى رأسه ألمانيا، سقط مركز تجارب الصواريخ في مدينة بينموندُ في يد الجيش السوفيتي ليستغله في برامجه الصاروخية، فقد تسارعت خطاه وأصبح متفوقاً على الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الصواريخ عابرة القارات والقادرة على حمل الرؤوس النووية من قواعد الإطلاق داخل الاتحاد السوفيتي إلى الأهداف الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي جميع دول أوروبا. هذا بخلاف ما يملكه الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه، فهم يملكون أعظم قوة برية في العالم، يستطيع الاتحاد السوفيتي عن طريقها اكتساح أوروبا الغربية في حالة عدم وجود الحماية الأمريكية.

(2) أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استعانت بأعدائها السابقين من العلماء والمهندسين النازيين، حيث أنقذت عدداً كبيراً منهم ونقلتهم من معسكرات الاعتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل في مشاريع الصواريخ والمؤسسات الفضائية العسكرية، حيث بلغ عددهم عام 1947 حوالي ألف عالم ومهندس وخبير بينهم الجنرال دورنبرجر والدكتور فون براون الذي نجح في تصميم وإطلاق أول صاروخ عام 1969 أوصل إنسان إلى القمر. واستمرت أعمال التطوير في مجال صواريخ أرض/ أرض، وجاءت ردود الأفعال متمثلة في الآتي:

(أ) تزويد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات برؤوس نووية متعددة.

(ب) تطوير الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى وإحاطة الاتحاد السوفيتي بها عن طريق دول حلف شمال الأطلسي.

(ج) تطوير الصواريخ الموجهة كروز وتزويد القاذفات الإستراتيجية بها.

(3) بدأت محاولات العديد من الدول دخول مجال تطوير صواريخ أرض/ أرض خاصة دول الشرق الأوسط للوصول إلى الدقة وزيادة التأثير وطول المدى المطلوب لتنفيذ المهام طبقاً لعدائيات كلّ دولة، وذلك من خلال مسارات عديدة.

ثانياً: مسارات التطوير لأنظمة الصواريخ

1. التطوير من حيث زيادة المدى

    تُعَدّ نوعية الوقود المستخدم وقوة المحركات والشكل البالستيكي للصاروخ[3] هي العوامل الرئيسية لزيادة قوة الدفع ومدى الصواريخ، لذلك اتجه التطوير في هذا المجال كالآتي:

أ. استخدام الوقود الصلب للمحركات الصاروخية بدلاً من الوقود السائل الذي يحتاج إلى حيز أكبر ووسائل أمان خاصة والذي يمثل تقنية منخفضة مقارنة بالوقود الصلب.

ب. استخدام محركات حديثة ذات قوة دفع متعددة المراحل وحتى أربع مراحل.

ج. استخدام تقنيات المواد المركبة (السبائك) في بناء هياكل الصواريخ لتقليل الوزن الكلي للصاروخ.

د. تحسين الشكل البالستيكي للصاروخ لتقليل مقاومة الهواء على جسم الصاروخ.

2. التطوير من حيث دقة التوجيه

    مر التطور في نظام وأسلوب التوجيه بهدف زيادة دقة الصاروخ بالمراحل التالية:

أ. التوجيه بالقصور الذاتي

        تركيب مجموعة جيروسكوبات[4] متصلة بحاسب، وذلك في مجموعة توجيه الصاروخ، والتي تتولَّى تحديد درجة انحراف الصاروخ عن مساره ثم تغذية حاسب الصاروخ بهذا الانحراف ليتولَّى بتصحيحها طبقاً للبرنامج المخزن بالصاروخ، وتتوقف درجة دقة الصاروخ على كفاءة التقنيات المستخدمة في الجيروسكوبات والحاسب والمساعدات الملاحية بالصاروخ.

ب. التوجيه الإيجابي

        بإضافة مرسل ومستقبل موجات رادارية في مجموعة توجيه الصاروخ والتي تعمل في المرحلة النهائية من خط المرور، حيث تقارَن البصمة الرادارية المستقبلة من الصاروخ، بتلك المخزنة بالحاسب الآلي بمجموعة توجيه الصاروخ، ثم إعطاء التصحيحات لتحريك فتحات العادم، وبالتالي تعديل مسار الصاروخ للوصول إلى الهدف وتتوقف دقة التوجيه على كفاءة المرسل والمستقبل.

ج. التوجيه باستخدام راصد المنحنيات (الطواف)

    بتزويد مجموعة التوجيه بجهاز استشعار عن بعد، وهو نظام توجيه يضطلع بمقارنة الهيئات الطبوغرافية على خط مرور الصاروخ بتلك المخزنة بالحاسب الآلي للصاروخ، طبقاً للخرائط الرقمية[5] التي أُدخِلَت في برنامج الحاسب الآلي للصاروخ، ويستخدم معها ثلاثة أنواع من الخرائط تخزن في ذاكرة الحاسب:

(1) خرائط ذات مقياس رسم كبير، وتستخدم في المرحلة الأولى فور الإطلاق.

(2) خرائط ذات مقياس رسم متوسط، وتستخدم في المرحلة المتوسطة من خط المرور.

(3) خرائط ذات مقياس رسم صغير،  وتستخدم عند الاقتراب من الهدف.  

د. التوجيه بالأقمار الصناعية

        يزود الصاروخ في مؤخرته بوصلة من الألياف البصرية ترتبط بوحدة الإطلاق عن طريق وصلة معلومات Data Link والتي بدورها تنقل المعلومات لاسلكياً من المحطة الأرضية إلى الصاروخ لتصحيح الاتجاه بناء على خط مرور الصاروخ المستخرج بجهاز GPS[6] المركب على الصاروخ، حيث يتتبع القمر الصناعي الصاروخ أثناء طيرانه، وعندما يقترب الصاروخ من الهدف يبدأ عمل المستشعر التليفزيوني المركب في مقدمة الصاروخ الذي بدوره يصور منطقة الاقتراب إلى الهدف ويرسلها إلى المحطة الأرضية التي تصحح خط المرور حتى يصل الصاروخ إلى الهدف بدقة.

3. التطوير لتقليل فرص اعتراض الصاروخ قبل الوصول للهدف

    منذ أن استخدمت بريطانيا أسلحة الدفاع الجوي لاعتراض وتدمير الصواريخ الألمانية V-1، V-2 في الحرب العالمية الثانية، بدأ العلماء في التفكير في حماية الصواريخ أثناء طيرانها، ونجحت بريطانيا بالفعل في اكتشافها بالرادارات وتدمير نسبة كبيرة منها نظراً لسهولة اكتشافها رادارياً ولسرعتها المنخفضة، لذا اتجه التطوير لتقليل فرص الاعتراض في الاتجاهات الآتية:

أ. تقليل فرص الاكتشاف رادارياً

(1)  طلاء الصاروخ باستخدام مواد طلاء ضد أشعة الرادار STEALTH لتقليل نسبة الانعكاس الراداري من الصاروخ وتحقيق أقل بصمة رادارية يصعب اكتشافها.

(2) بناء هياكل الصواريخ باستخدام المواد المركبة بدلاً من السبائك المعدنية التقليدية والتي تحقق إمكانية تصميم أشكال انسيابية غير تقليدية للصاروخ بالإضافة إلى انخفاض الوزن وزيادة الصلابة وصغر البصمة الرادارية بما يحقق ميزات عديدة في الحركة والحماية والإخفاء.

ب. زيادة سرعة الصاروخ

        علاوة على ما يتحقق من زيادة في سرعة الصاروخ نتيجة استخدام المواد المركبة، فإنه باستخدام نوعية وقود ذات تقنية عالية تؤدي إلى تقليل زمن احتراق المرحلة الأولى، وبالتالي زيادة سرعة الصاروخ لتصل إلى 10 ماخ/ ساعة، مما يؤدي إلى تقليل احتمالات الكشف والتتبع.

4. التطوير لزيادة القدرة التدميرية

    طورت الرؤوس الحربية لصواريخ أرض/ أرض لزيادة التأثير ورفع القدرة التدميرية. وقد ظهرت أنواع متعددة من تلك الرؤوس، مثل:

أ. الرؤوس الحربية المتعددة

        يستطيع الصاروخ الواحد التعامل مع عدة أهداف، حيث يُحَمَّل بعدد 10: 14 قنبلة فوق تقليدية تنفصل عند الاقتراب من منطقة الأهداف، وتتجه كلّ قنبلة إلى الهدف المخصص لها طبقاً للبرنامج المخزن بحاسب الصاروخ.

ب. الرؤوس الحربية الحاملة للقنيبلات

        تُستخدم عادة ضد الدبابات والعربات المدرعة، حيث ينشطر الرأس المدمر للصاروخ المحمَّل بالقنيبلات والألغام على ارتفاع مناسب أعلى منطقة الهدف، حيث تبدأ القنيبلات مرحلة البحث عن الأهداف عن طريق المستشعرات، ثم مهاجمة الهدف من أعلى Top Attack لإحداث الإصابات المطلوبة.

ج. الرؤوس الحربية الارتجاجية

        اتجه التطوير إلى استخدام نظرية التفجيرات الجوية Fuel Air Explosive عن طريق انشطار الرأس الحربي للصاروخ ونشر سحابة من غاز قابل للاشتعال يتفاعل مع الهواء وبتأثير شحنة مفجرة تحدث موجة انفجارية هائلة ومقدار الضغط الجوي الناتج منها حوالي 10 ضغط جوي، والذي يكفي لإحداث التأثير المطلوب.

د. استخدام الرؤوس فوق التقليدية

        ويحدث ذلك باستبدال الرؤوس الحربية شديدة الانفجار وتركيب رؤوس نووية أو كيماوية أو بكتريولوجية.

5. التطوير من حيث الاستخدام

أ. التطوير في التحميل

        الدليل الأحادي يؤدي إلى تنفيذ القصفات في زمن كبير لتكرار عملية إعادة التعمير بالصواريخ وبتطوير هذا النظام باستخدام دليل الإطلاق الرباعي، مما يؤدي إلى تنفيذ القصفات في زمن أقل وبأقل عدد من قواعد الإطلاق.

ب. التطوير في وسيلة الإطلاق

        طورت قواعد الإطلاق لتكون على النحو التالي:

(1) قواعد إطلاق أرضية

    لتحقيق المناورة طورت قواعد الإطلاق بما يتناسب مع الاستخدام في العمليات، لتنقسم إلى قواعد إطلاق من خلال منصات ثابتة، أو قواعد إطلاق متحركة ومحملة على مركبات جنزير أو عجل.

(2) قواعد إطلاق بحرية

    وتنقسم إلى قواعد فوق السطح محملة على القطع البحرية، وقواعد تحت السطح من خلال الغواصات.

(3) وسيلة إطلاق محمولة جواً

    باستخدام القاذفات الإستراتيجية.

ج. التطوير في معَدات الخدمة الأرضية

        طورت محطات الأرصاد الجوية لتعمل بالحاسب الآلي وتعطي درجة دقة عالية في زمن قصير. وأمكن وضعها في كبائن القواذف بعد تقليل حجمها؛ وبذلك أصبح القاذف وحدة إطلاق متكاملة، مما يؤدي إلى خفة الحركة وسهولة الاستخدام.

ثالثاً: تأثير التطور العالمي لأنظمة الصواريخ في القدرات الصاروخية العراقية

    كانت دول الشرق الأوسط من أُوَل الدول التي سعت إلى امتلاك صواريخ أرض/ أرض، حيث إن الصراع العربي ـ الإسرائيلي بدأ متزامناً مع مراحل التطور في الصواريخ أرض/ أرض، والذي بدأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من القيود والسرية المفروضة على تقنيات صناعة هذه الصواريخ، إلا أن دول الشرق الأوسط تسابقت لامتلاك هذه الصواريخ، وحاولت بعضها في إطار برامجها للصناعات الحربية إنشاء مشروعات طموحة لتطوير وإنتاج صواريخ أرض/ أرض  بالأساليب المختلفة.

    وبنمو القوة العسكرية الإيرانية بدأ العراق في التفكير جدياً في التصنيع الحربي لمواجهة المد الإيراني وطموحاته في المنطقة، والتي تهدد الأمن القومي العراقي لدول الخليج العربي.

    وخلال عام 1974 أنشأ العراق المؤسسة العامة للصناعات الفنية، والتي حققت إنجازاً كبيراً في مجال الصناعات الحربية التقليدية وغير التقليدية، وطورت وأنتجت صواريخ أرض/ أرض، ولم يأتِ ذلك على سبيل المصادفة، ولكن بعد توفير التقنيات المتقدمة والأخذ بأسباب النجاح.

1. مقومات نجاح تصنيع وتطوير صناعة صواريخ أرض/ أرض العراقية

أ. موارد مالية قوية وثابتة

        بادر العراق إلى توفير الموارد من إمكانياته من الأرصدة النقدية البترولية ومن دول الجوار.

ب. الكوادر العلمية

        توفير كفاءات علمية في جميع التخصصات التي يحتاج إليها هذا المجال، على أن يدرَّبوا في الدول التي سبقت في هذا المجال وعلاقاتها بالعراق تسمح بذلك، مثل الصين، كوريا الشمالية، الاتحاد السوفيتي، البرازيل، الهند.

ج. قاعدة صناعية

        توفير قاعدة صناعية مزودة بأحدث المعدات والأجهزة ذات التقنيات الحديثة التي تمكنها من إنتاج:

(1) الشكل البالستيكي للصاروخ[7].

(2) محركات الصواريخ ونوع الوقود المناسب لها.

(3) أجهزة التحكم والتوجيه.

(4) الرأس الحربي بما يحويه من طابات ومادة شديدة الانفجار.

(5) القواذف وكبائن التوجيه والمعدات والأدوات المساعدة.

(6) المعدات الأرضية بما تحوي من مجموعات رفع ونقل ـ ملء ـ اختبار ـ إطلاق.

(7) محطات أرصاد جوية واتصالات وتتبع.

د. الخامات والمجموعات الحرجة

        وهي مواد عازلة حرارية لجسم الصاروخ ومقدمة الرأس الحربي، ومجموعات التوجيه، وخامات الوقود، وهي مواد وخامات تقع تحت طائلة الحظر الدولي لتصدير خامات ومواد وتقنيات الصواريخ إلى دول الشرق الأوسط.

هـ. الخبرة الأجنبية

        تعاقد العراق مع علماء وباحثين متخصصين وذوي خبرة في مجال التصنيع الحربي، وخاصة صناعة الصواريخ من بعض الدول، مثل ألمانيا ـ الأرجنتين ـ الصين ـ البرازيل، من خلال عقود التسليح وشراء معدات وآلات، وعقود التدريب.

و. ميادين الاختبارات والتجارب والتدريب

        تجهيز ميادين تجارب لاختبار وإطلاق الصواريخ، وكذا مقلدات ومعامل لتمثيل زمن الطيران الحقيقي لتقليل عدد مرات التجارب.

2. الدوافع التي أدت إلى تبني العراق لبرامج إنتاج وتطوير صواريخ أرض/ أرض

أ. السعي للحصول على سلاح إستراتيجي لحل مشاكل الأمن القومي بأقل تكلفة ممكنة، إذا ما قورن بوسائل الردع الأخرى.

ب. امتلاك صواريخ أرض/ أرض أحد مرتكزات الإستراتيجية العسكرية لدول الشرق الأوسط، وخاصة الدول التي صراعاتها محتدمة ومرتبطة بمشاكل السلام والأراضي المحتلة وموارد المياه الإستراتيجية، والحدود الإقليمية.

ج. تُعَد صواريخ أرض/ أرض مصدراً للفخر الوطني لأنها دليل على القدرة وامتلاك التقنيات المتقدمة وإمكانية تحقيق الردع.

د. تجمع صواريخ أرض/ أرض بين بعض خصائص الطائرة والمدفع، مثل خفة الحركة وقوة النيران، والقدرة على الوصول إلى المناطق التكتيكية والإستراتيجية بما يحقق عامل المفاجأة.

هـ. لا تحتاج صواريخ أرض/ أرض إلى تحقيق حماية جوية من خط المرور وحتى الهدف مثل الطائرات.

و. توافر كوادر علمية وفنية يمكنها تصنيع صواريخ أرض/ أرض، سواء بالهندسة العكسية أو بالاستعانة بالخبرات الأجنبية، أو التعاون المشترك مع الدول الصديقة.

ز. يمكن إطلاق عدد كبير من الصواريخ في وقت واحد من قاعدة واحدة، وهذا يسمح بتوزيع كمية كبيرة من النيران في وقت قصير وبعدد قليل من الرجال واقتصاد في وسائل النقل.

3. إمكانيات وقدرات الأنظمة الصاروخية العراقية

أ. في منتصف السبعينيات امتلك العراق النظام الصاروخي الروسي فروج 7 (اُنظر صورة الصاورخ فروج-7)، ومع مطلع الثمانينيات، ومع بداية حرب الخليج الأولى حصل على صواريخ أرض/ أرض السوفيتية Scud B  وعمد إلى استخدامها ضد المدن الإيرانية في حرب الخليج الأولى.

ب. مع بداية الثمانينيات حصلت إيران على صواريخ Scud B من ليبيا وسورية، عمدت إلى استخدامها في قصف العاصمة بغداد، ولم يستطع العراق قصف العاصمة طهران بالمثل، حيث إنها خارج مدى نظام Scud B المتوافر لدى العراق.

ج. لذلك بذل العراق جهوداً مكثفة للحصول على صواريخ أرض/ أرض ذات مدى بعيد لمهاجمة عمق إيران، ولكن الحظر الدولي على هذه النوعية من الأسلحة جعل العراق يحث الخطى في تطوير الصاروخ Scud B المتيسر لديه، وإنتاج الصواريخ الآتية (اُنظر جدول صواريخ أرض/ أرض في الشرق الأوسط):

(1) الصاروخ الحسين

    نجح العراق في اختبار أول طراز معدل من الصاروخ Scud B بتخفيض وزن الرأس المدمر ليصبح 300 كجم وزيادة المدى حتى وصل إلى 600 كم. واستخدم حوالي 200 صاروخ من هذا الطراز ضد المدن والأهداف الإيرانية.

(2) الصاروخ العباس "الحجارة"

    تطوير للصاروخ الحسين بتزويده بمرحلة صاروخية أخرى، بأن تُضاف قطعة إضافية للهيكل الأصلي، مما أدى إلى زيادة المدى من 800-850كم، والاحتفاظ بالرأس المدمر نفسه للصاروخ Scud-B ألف كجم، ودرجة دقة 300م، اختُبر عام 1988 بعد وقف إطلاق النار لحرب الخليج الأولى.

(3) الصاروخ البرق (الفاو 1)

    وهو تحويل للصواريخ أرض/ جو الروسية سام 2، سام 3، إلى صاروخ أرض/ أرض بمدى 100 كم، ووزن الرأس المدمر 100 كجم، ودرجة دقة 50 م.

(4) الصاروخ العابد (تموز ـ 1)

    في 14 ديسمبر 1989 أعلن العراق أنه طور صاروخاً جديداً بمساعدة البرازيل معد للاستخدامات الفضائية، وقادر على حمل قمر صناعي، وهو صاروخ بالستيكي من فئة الصواريخ الإستراتيجية، يصل مداه إلى 1850 كم، ووزن الرأس المدمر ألف كجم.

(5) مشروع (بدر 2000)

    لإنتاج صاروخ بالتعاون مع الأرجنتين، بالاستفادة من الصاروخ الأمريكي بيرشنج Pershing، يصل مداه من 950- 1000 كم، ووزن رأس مدمر من 450-530 كجم، ودقة إصابة من 900 ـ 1000 متر، ولكنه توقف نتيجة حرب الخليج الثانية.

د. بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، ونتيجة العقوبات الدولية المفروضة على العراق، توقف البرنامج الصاروخي العراقي، مع استمرار إنتاجه لصواريخ بمدى لا يزيد على 150 كم، وهو أقصى مدى مسموح له بإنتاجه.

    في 25 أغسطس 2000 أعلن جهاز المخابرات الألماني أنه رصد مصنعاً عراقياً غرب العاصمة العراقية بغداد، لإنتاج الصواريخ.



[1] معاهدة فرساي: عُقدت عام 1919، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء ودول المحور وعلى رأسهم ألمانيا.

[2] نسبة إلى مدينة بينموندُ التي  أنشئ بها أضخم محطة لإجراء التجارب للصواريخ أرض/ أرض.

[3] الشكل البالستيكي للصاروخ: هي أبعاد الصاروخ من حيث الطول والقطر والوزن ومركز الثقل ودرجة انسياب الصاروخ.

[4] الجيروسكوب: جهاز تحديد الاتجاه للمحافظة على مسار الصاروخ.

[5] الخرائط الرقمية: أنواع من الخرائط يمكن تخزينها على الحاسبات الآلية في صورة أرقام دالة على التضاريس في شريحة الأرض الممثلة على هذه الخرائط.

[6] GPS: جهاز لتحديد المكان بواسطة الأقمار الصناعية ويستخدم في السفن والطائرات والأغراض الحربية والمدنية.

[7] الهيكل الرئيسي الذي يحقق متطلبات علم بناء الصواريخ.