إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الحملة الجوية، واستخدام صواريخ أرض ـ أرض




آثار الصواريخ العراقية في تل أبيب
أجيال النظام باتريوت
مدفع الطاقة الحركية
النظام AEGIS البحري
النظام الصاروخي ثاد
صاروخ (أريحا -1)
صاروخ لانس
صاروخ باتريوت
صاروخ فروج -7

أوضاع القوات البحرية للتحالف
أوضاع القوات العراقية
الصواريخ أرض/ أرض بالمسرح العراقي
الصاروخ سكود ـ سي




استخدام الصواريخ أرض/ أرض في حرب الخليج الثانية

المبحث الرابع

استخدام صواريخ أرض/ أرض العراقية

أولاً: مرحلة التخطيط

    من أهم مبادئ التخطيط لعملية عسكرية، أن يتفهم القائد المهمة التي سينفذها ويتأكد أن الإمكانيات والوسائل المتاحة تحقق له إمكانية التغلب على خصمه وعلى العقبات التي يضعها هذا الخصم في طريق تحقيق هدفه الرئيسي. وعلى القائد قبل أن يتخذ القرار أن يدرس ويحدد الآتي:

1. الهدف السياسي العسكري العراقي

    وضعت القيادة السياسية الهدف السياسي العسكري، وفي إطار ذلك الهدف رسمت إستراتيجيتها الشاملة لحشد طاقات العراق سياسياً ودبلوماسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً لتحقيق هذا الهدف. ومن هنا قد صاغت هدفها السياسي العسكري ليكون: "استمرار احتلال دولة الكويت والاحتفاظ بها تحت سيطرة العراق واعتبارها جزءاً من العراق".

    وقد بَنَت القيادة العراقية قناعتها بإمكانية تحقيق هذا الهدف على أساس معايير إقليمية ودولية تتمثل في الآتي:

أ. نمو القدرات العراقية العسكرية بما يجعلها قوة إقليمية رئيسية في منطقة الشرق الأوسط بالقدر الذي يمكنها من فرض سياستها على باقي دول المنطقة، في ظل تطور في الأسلحة التقليدية، مع التهديد باستخدام الأسلحة فوق التقليدية كأداة للردع.

ب. تفكك النظام العربي الراهن وعجزه عن الاضطلاع بعمل إيجابي وفعال تجاه الاحتلال العراقي للكويت، وأن استخدام القوة المسلحة يحتاج إلى حسابات بالغة التعقيد، مما يؤدي إلى منع نشوب الحرب ليصبح أنسب الخيارات أمام النظام العربي للمحافظة على بقائه هو السعي لحلول سلمية للأزمة.

ج. مهما كانت حدة وضراوة ردود الأفعال الدولية تجاه الغزو العراقي للكويت، إلا أن المعسكر الدولي لا يمكن أن يغامر في النهاية بشن حرب يترتب عليها عواقب بالغة الخطورة على السياسات والاقتصاديات الغربية، خاصة في مجال النفط، من هنا فإن الائتلاف الغربي لن يستخدم القوة العسكرية من منطلق أن الصدام المسلح يمكن أن يترتب عليه مواجهة طويلة الأمد.

د. قرار شن الحرب في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية يتأثر بشكل مباشر باتجاهات الرأي العام داخل هذه الدول، نظراً لما يمكن أن يتعرض له من خسائر في القوة البشرية، والتي تمثل حساسية خاصة لدى الولايات المتحدة الأمريكية نظراً لما تفرضه رواسب الحرب الفيتنامية.

2. مقارنة القوات

أ. قوات التحالف

    منذ 7 أغسطس 1990، بدأت القوات الأمريكية والقوات متعددة الجنسيات تتدفق إلى الصحراء السعودية من خلال أكبر جسر جوي وبحري منذ الحرب العالمية الثانية، لبناء أكبر حشد إستراتيجي فيما أُطلق عليه عملية "درع الصحراء". وفي 16 يناير 1991، بلغ حجم القوات المشتركة حتى ذلك التاريخ 585 ألف جندي، و3950 دبابة، و2950 قطعة مدفعية، و900 طائرة مختلفة الأنواع، و7 مجموعات عمليات حاملة للطائرات، وعشرات السفن، ومئات الأطنان من الاحتياجات الإدارية والفنية تحوي صواريخ وقنابل وذخائر ومهمات أخرى.

ب. القوات العراقية

    استمر الحشد العراقي في تزايد مستمر بعد غزو الكويت، مع تثبيت مدافع ساحلية على طول السواحل الكويتية وجنوب جزيرة بوبيان، وفي رأس بيشة جنوب الفاو، إلى جانب تمركز أربع بطاريات صواريخ إستراتيجية ذات رؤوس كيميائية أو شديدة الانفجار داخل الكويت وشمالها.

    وفي أول نوفمبر 1990 وصل حجم القوات في المنطقة الجنوبية[1] إلى 24 فرقة، منها 11 فرقة مدرعة، و7 فرق مشاة ميكانيكية، و6 فرق مشاة بإجمالي 381 ألف جندي عراقي، و2889 دبابة، و2927 عربة قتال، و2448 قطعة مدفعية وراجمات الصواريخ (مدفعية صاروخية)، و2592 صاروخاً مضاداً للدبابات.

    وهذا الحجم من القوات يساوي 50% من حجم التشكيلات العراقية، وذلك لإحكام السيطرة على الكويت ولاحتمالات تطوير الهجوم جنوباً.

ج. بهذا الحجم من القوات المتضادة، كانت المقارنات العددية بين القوات العراقية وقوات التحالف قبل عاصفة الصحراء كالآتي:

(1) في الاتجاهات الثانوية                              1.3: 1        لمصلحة قوات التحالف.

(2) في اتجاه تركيز الجهود (الرئيسية)               1.4: 1        لمصلحة قوات التحالف.

(3) في قطاع القوات المصرية ـ السورية            1.4: 1        لمصلحة قوات التحالف.

(4) في قطاع قوة الشرق الأوسط                     0.75: 1      لمصلحة القوات العراقية.

د. كان الاستنتاج المنطقي لهذه المقارنات أن التفوق العددي والنوعي لقوات التحالف الدولي يحقق لها قدرات تدميرية هائلة وتقنيات لم يسبق استخدامها في حروب سابقة، وإنه لم يعد أمام العراق سوى وضع خطة دفاعية لمحاولة تلقي الصدمة والتوسع في الدفاع السلبي، على أمل اللجوء إلى دفاع إيجابي بعد امتصاص الضربات الأولى، مع الحرص على إخفاء الأسلحة وتمويهها خاصة الطائرات وصواريخ أرض/ أرض حتى يمكن استخدامها ولو بصورة محدودة. مع عدم إغفال احتمال تدخل أطراف أخرى.

3. احتمالات تدخل أطراف أخرى بتوجيه ضربة ضد العراق

    كان لزاماً على القيادة العراقية، قبل أن تضع خطتها الدفاعية، أن تدرس إمكانية قيام طرف آخر بتوجيه ضربة ضد العراق. وقد حددت القيادة السياسية أطرافاً ثلاثة يمكن لأيّ منها توجيه ضربة عسكرية ضد العراق على النحو التالي:

أ. إيران

    يرى المخطط احتمالات مبادرة إيران إلى توجيه ضربة انتقامية لتحقيق أهداف إيران التي أعلنتها إبان الحرب الطويلة مع العراق، وتوسيع دائرة النفوذ السياسي، وتأكيد نمو القدرات العسكرية الإيرانية بما يجعلها قوة إقليمية رئيسية في المنطقة بالقدر الذي يمكنها من فرض سياستها على باقي دول المنطقة.

    ولكن استبعد هذا الاحتمال، نظراً لمبادرة الرئيس صدام تجاه إيران التي مكنت من تهدئة الموقف مع البلدَين.

ب. تركيا

    يرى المخطط أن توجيه تركيا لهذه الضربة هدفه اقتصادي إستراتيجي، إذ يؤكد بها انتمائها إلى حلف شمال الأطلسي، ولتستعيد وضعها الإستراتيجي القديم في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد إزالة العراق من الميدان. ولكن تركيا لم تكن على استعداد للدخول في حرب غير مضمونة النتائج، ولذلك استبعد أيضاً هذا الاحتمال.

ج. إسرائيل

    إن توجيه إسرائيل لهذه الضربة يحقق لها تدمير القوة العسكرية العراقية والقضاء على تهديد رئيسي يتمثل باستخدام الأسلحة فوق التقليدية، وخاصة بعد تطوير وسائل حملها المتمثلة في صواريخ أرض/ أرض العراقية التي تصل إلى عمق إسرائيل. وهذا الاحتمال وارد، ويجب أن يؤخذ في الحسبان أثناء وضع الخطة العراقية.

    على ضوء الدراسات السابقة، واجه الفكر العسكري العراقي مأزقاً حقيقياً لتصحيح التفاوت الذي كانت تشعر به القيادة العراقية من محدودية الإمكانيات في مواجهة أكبر حشد عسكري دولي، بما يتضمنه من تفوق نوعي وتقني هائل لقوات الائتلاف الدولي.

    وعلى ذلك، فقد عُمِد إلى التخطيط الإستراتيجي لتحقيق الأهداف السياسية العسكرية، على أساس أسبقيتَين على النحو التالي:

1. الأسبقية الأولى

    وهدفها منع نشوب الصراع المسلح بتبني إستراتيجية الردع، وتعتمد على تعظيم القدرات العسكرية العراقية، وإمكانية إحداث خسائر جسيمة في الأسلحة والمعدات وفي الأفراد بالقدر الذي يؤدي إلى ترهيب قيادة التحالف الدولي من اتخاذ قرار نشوب الحرب والتركيز على الحلول السياسية، وبالتالي تقييد استخدام القوة وحصرها في أعمال محدودة.

    ولقد بَنَت القيادة العراقية قناعتها بإمكانية تحقيق ذلك من خلال الآتي:

أ. التهديد باستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وما يترتب على ذلك من خسائر بشرية هائلة، لا يتحملها الرأي العام الغربي والأمريكي خاصة.

ب. تكثيف أعمال الفتح الإستراتيجي وحشد القوات العراقية على نطاق واسع، خاصة في اتجاه مسرح العمليات الكويتي وجنوب العراق، مما يؤدي إلى إطالة مدة الفتح الإستراتيجي على جبهة الائتلاف عند حشدها إلى أطول مدة ممكنة، بما يؤدي إلى احتمال حدوث انشقاق بداخلها يؤدي في النهاية إلى منع نشوب صراع مسلح.

ج. التهديد بإقحام إسرائيل في الصراع المسلح بهدف إحداث شرخ في الائتلاف العسكري يؤدي إلى انسحاب القوات العربية تحت تأثير الضغط الشعبي لهذه الدول.

د. التهديد بتدمير آبار البترول الكويتية ومنع تدفق النفط إلى الغرب وما يستتبعه ذلك من التأثير في الاقتصاد العالمي عامة والأوروبي خاصة.

2. الأسبقية الثانية

    وهدفها الدفاع عن حدود الدولة بما فيها الأراضي الكويتية المحتلة. وقد ارتكزت هذه المرحلة على إستراتيجية دفاعية خاصة في ظل التفوق الكمي والنوعي والتقني لقوات التحالف الدولي. وكانت وجهة نظر القيادة العسكرية هي التمسك بالأوضاع الجديدة في دولة الكويت ومنع قوات التحالف من شن هجوم شامل، مع استمرار تأمين باقي الاتجاهات مع دول الجوار.

    وقد بُنيت الإستراتيجية الدفاعية العراقية على مرحلتَين:

أ. المرحلة الأولى

    الإنهاك المادي والبشري من خلال استنزاف قوات الائتلاف وإحداث خسائر بشكل مستمر ومتزايد لأطول فترة ممكنة، بما يؤدي إلى حدوث انشقاق داخلها.

ب. المرحلة الثانية

    عدم تمكين قوة الائتلاف الدولي من شن حرب خاطفة تؤدي إلى تدمير القدرات العسكرية العراقية خلال فترة قصيرة، بالاعتماد على خطة خداع تؤدي إلى خلق موقف إستراتيجي مناسب للعراق في مواجهة الائتلاف الدولي، عن طريق تعظيم القدرات العسكرية العراقية، وبصفة خاصة إمكانيات صواريخ أرض/ أرض الإستراتيجية والأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

    وبعد إجراءات الفتح الإستراتيجي والتعبوي ومراجعة الخطط وإجراء الاستطلاع وتنظيم التعاون بين القوات المشتركة وإجراء عملية إعادة تجميع محدودة بما يتمشى مع فكرة العمليات، كانت أوضاع القوات العراقية قبل تنفيذ عملية "عاصفة الصحراء" كالآتي (اُنظر شكل أوضاع القوات العراقية في مسرح العمليات) :

1. لتأمين الساحل الكويتي بالكامل بعمق حتى 10-15 كم، تتخذ 6 فرق مشاة بالتعاون مع المدفعية الساحلية وزوارق الطوربيد والصواريخ البحرية أوضاعها الدفاعية مع تلغيم مداخل الموانئ الكويتية، وقد امتدت مهمة التأمين لفرق المشاة حتى شط العرب في مواجهة الحدود الإيرانية من الفاو وحتى الخصيب، مع استمرار تأمين مدينة الكويت بفرقة مشاة.

2. تأمين الخط الدفاعي المجهز، والذي يمتد من جنوب الكويت والمنطقة المحايدة في أقصى الغرب مع الحدود السعودية، وبعمق 15 كم، واحتلاله بواسطة 7 فرق مشاة ميكانيكية.

3. للمبادرة إلى الضربات والهجمات المضادة، تتمركز 6 فرق مدرعة بمعدل فرقة مدرعة خلف كلّ فرقتَين من المشاة أو المشاة الميكانيكية على الحدود الجنوبية الكويتية، وداخلها وفي شبه جزيرة الفاو وعلى بعد 30 كم في العمق.

4. ولتحقيق الاتزان الإستراتيجي، تتمركز 5 فرق مدرعة تعمل كاحتياطيات في منطقة شمال وغرب الكويت والمنطقة الواقعة شمال مطارَي الرميلة وجليبة لدعم الدفاعات الأمامية.

5. صواريخ أرض/ أرض العراقية، تجهيز 28 منصة إطلاق ثابتة لصواريخ سكود، موزعة على أربع مناطق غرب العراق، وكذا منطقة تدريب في منطقة التاجي، هذا بخلاف حوالي 35 قاذفاً متحركاً، خُصصت لتأمينها أسراب خاصة (اُنظر شكل مناطق صواريخ أرض/ أرض في المسرح العراقي).

    ومن هذه الأوضاع تكون القوات العراقية على استعداد للتحول للهجوم الشامل طبقاً لفكرة الأعمال الآتية:

1. توجيه ضربة صاروخية كيميائية مفاجئة إلى التجميع الرئيسي للقوات المشتركة في مواجهتها وفي العمق وإلى حقول النفط، تنفذ قبل آخر ضوء بساعتَين، تتبعها بساعة واحدة ضربة جوية شاملة بقاذفات القنابل على الأهداف السابقة نفسها.

2. وبقوة 8 فرق (4 فرق مشاة ميكانيكية، و4 فرق مدرعة)، توجه ضربة رئيسية وضربة أخرى مع الاختراق السريع ليلاً والالتفاف شمال المنطقة المحايدة ـ وادي الباطن ـ لتطويق قوات الائتلاف في مواجهتها والوصول إلى مدينة الظهران والأحساء عبر خمسة محاور، وباكتمال نجاح مهمتها تتابع هجومها جنوباً في اتجاه دولة قطر والإمارات العربية المتحدة.

3. وفي اليوم التالي للعمليات، يُبر لواءا مظلات جواً بالطائرات العمودية في المناطق الشرقية في السعودية وفي قطر طبقاً للموقف، وفي الوقت نفسه تبدأ مجموعات التخريب التي دُفعت مسبقاً في إجراء عمليات تدميرية لحقول النفط البرية والبحرية في الخليج.

4. ولمعاونة أعمال قتال الفرق المهاجمة تتولَّى القوات البحرية العراقية بث الألغام البحرية بطريقة مبعثرة في الخليج العربي، مع مبادرة القوات الخاصة "المغاوير" إلى غارات ليلية على القوات المشتركة في المواجهة وفي العمق.

ثانياً: مرحلة التنفيذ

    لم يكن في مقدور العراق استخدام قاذفات القنابل مثل ما فعلت قوات الائتلاف الدولي، وذلك لصعوبة استخدام المطارات العراقية بعد الضربات المكثفة والعنيفة التي تعرضت لها منذ الساعات الأولى للحرب في 17 يناير 1991، فضلاً عن وجود سيادة جوية كاملة لقوات الائتلاف الدولي على مسرح العمليات الكويتي ـ العراقي بالكامل، وقبل ذلك فإن القدرة الجوية للقوات العراقية محدودة للغاية، وبسبب هذا النقص النوعي والكمي البالغ في القاذفات، فقد كان البديل المتيسر هو القوة الصاروخية، وكان هذا معروفاً منذ البداية وقد وضعت قوات التحالف في خطتها سرعة تدمير قواعد الصواريخ العراقية الثابتة ومنصات الإطلاق المتحركة وهو ما حاولته بالطبع، لكن نجاحها في ذلك لم يكن كافياً، ويرجع ذلك إلى الأسلوب الذي اتبعته القيادة العراقية في استخدامها لهذا السلاح الفعال.

1. أسلوب تنفيذ القوات العراقية القصفات الصاروخية

أ. حرصت القيادة العراقية على الاعتماد بصورة أساسية بوضع منصات الإطلاق للصواريخ المتحركة فوق سيارات شحن مدنية، وأجادت تمويهها ونقْلها بين أماكن غير متوقعة وسط القرى وبعيداً عن الطرق الرئيسية، مع صنع نماذج هيكلية تشبه منصات الإطلاق الحقيقية تماماً لتضليل طائرات قوات التحالف وامتصاص الضربات.

ب. استغلال الظلام وأحوال الرؤية الرديئة في توجيه القصفات ضد أهدافها المخططة، وقد تنبهت القيادة العراقية لذلك، مما قد يفسر مبادرتها إلى حرق مستودعات النفط في منطقة الوفرة الكويتية وإشعال النار فيها للمساعدة في زيادة تأثير الغيوم والسحب على الطلعات الجوية، وحماية القوات والتشبث بالاستحكامات الأرضية.

ج. اعتمدت القوات العراقية على صواريخ أرض/ أرض المطورة عراقياً عند توجيه ضرباتها الصاروخية ضد الأهداف المحددة لها على مسافات بعيدة، مما يفسر عدم إصابة أهدافها بدقة نظراً لمعدلات الخطأ الكبيرة التي ظهرت في التنفيذ العملي لهذا التطوير.

د. كان العراقيون يطلقون صواريخ Scud عندما يكون سقف السحاب على ارتفاع 3 آلاف قدم أو أقلّ، مما صعب من اكتشافها بواسطة الأقمار الصناعية الأمريكية التي تستخدم في الإنذار ضد الهجمات الصاروخية، حيث صممت هذه الأقمار لاكتشاف الصواريخ العابرة للقارات، والتي خط مرورها مرتفع، وبالتالي كانت تفتقر إلى الدقة المطلوبة لتحديد مواقع الإطلاق.

هـ. اعتمدت القوات العراقية عند تنفيذ ضرباتها الصاروخية على أسلوب الضربات الفردية[2]، وبالضرب العشوائي، فطاقم الصاروخ يخرج من مخبئه بسرعة وينصب المنصة ويطلق الصاروخ دون إكمال إجراءات التسديد الصحيحة ويفر بأسرع ما يمكن ليدخل إلى مخبئه تجنباً للقصف الجوي.

و. استخدمت القوات العراقية الصواريخ قصيرة المدى Frog-7 عند تنفيذ الضربات على قوات المارينز الأمريكية القريبة من الحدود، ولم تتمكن قوات التحالف من تدميرها أو اعتراضها بالصواريخ الباتريوت نظراً لقصر المدى وصغر زمن التعرض في الجو (اُنظر شكل الصاروخ سكود سي).

2. أحداث القصف الصاروخي العراقي:

    هدد العراق قبل بدء الحملة الجوية لقوات التحالف باستخدام صواريخ أرض/ أرض ضد قوات التحالف المتمركزة في السعودية، وبدأت الحملة الإعلامية للإيهام بأن هذه الصواريخ تحمل رؤوساً كيميائية تطبيقاً لخطة الردع، ومنذ 18 يناير 1991 شن العراق الضربات الصاروخية مستخدماً صاروخ الحسين الذي جُرِّب واستخدم في حرب الخليج الأولى، وصاروخ العباس الذي طوَّره بعد انتهاء حرب الخليج الأولى، فوجههما إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية والبحرين، على النحو التالي: 42 صاروخاً على إسرائيل، 43 صاروخاً على المملكة العربية السعودية، و3 صواريخ على البحرين.

أ. شن الضربات الصاروخية ضد إسرائيل (اُنظر جدول خسائر الصواريخ العراقية التي أُطلقت على إسرائيل) (اُنظر صورة آثار الصواريخ العراقية في تل أبيب):

    (1) الجمعة 18 يناير 1991

   أطلق العراق في الساعات الأولى من اليوم الثاني للحرب سبعة صواريخ سكود، خمسة على تل أبيب ، واثنَين على حيفا، أُطلقت من غرب العراق، جرح من جرائها 68 فرداً، كما تهدمت مبانٍ بمساحة 1009م2 في تل أبيب، و100م2 في حيفا، حيث هرع سكان المدينتَين إلى المخابئ خوفاً من أن تكون هذه الصواريخ مسلحة برؤوس كيميائية.

    (2) السبت 19 يناير 1991

   أطلق العراق خمسة صواريخ أخرى من طراز الحسين على مدينتَي القدس وتل أبيب، ولكنها وقعت على ضواحي المدينة الأخيرة، مما قلل تأثيرها في الأفراد، حيث بلغ حجم المصابين 47 فرداً، وتدمير 1589م2 مبانٍ، على الرغم من اعتراض صواريخ الباتريوت لها وتدمير صاروخَين في الجو، ونجاح صاروخَين في الوصول إلى ضواحي تل أبيب وواحد إلى القدس.

    (3) الثلاثاء 22 يناير 1991

   بدأت وتيرة إطلاق صواريخ Scud تخف وأصبح معدل الإطلاق صاروخاً واحداً في اليوم كمعدل وسطي، وكان الإطلاق على شكل عشوائي، إلا أن الصاروخ الذي أُطلق في هذا اليوم على منطقة رامات جات الآهلة بالسكان كانت خسائره كبيرة، ثلاثة قتلى و96 مصاباً، وتدمير مساحة 1726م2 مبانٍ.

    (4) الأربعاء 23 يناير 1991

  دمرت صواريخ باتريوت، صاروخ Scud عراقياً كان موجهاً إلى حيفا، ولم تحدث خسائر في الأفراد، حيث سقط حطام الصاروخ في منطقة غير مأهولة بالسكان، فأحدث خسائر في المباني تقدر بـ 900م2.

    (5) الجمعة 25 يناير 1991:

  أطلقت القوات العراقية سبعة صواريخ من طرازَي الحسين والعباس، ستة منها على مدينة تل أبيب، قُتل من جرائها فرد واحد وجُرح 44 آخرون، وأحدثت تلفاً في المباني بمساحة 4156م2، وعلى الرغم من اعتراض صواريخ باتريوت لها، مما يؤكد عدم فاعلية صواريخ باتريوت في اعتراض صواريخ سكود التي عدّلها العراقيون لزيادة مداها، إذ كانت تلك الصواريخ التي تنقصها الدقة تطير في مسارات غير منتظمة وبالتالي لم تتوقعها أجهزة الحاسب لنظام الباتريوت، مما جعل اعتراضها أمراً صعباً.

  أمّا الصاروخ السابع فأُطلق على حيفا، وكالعادة ونظراً للكثافة السكانية القليلة في حيفا، فلم تحدث خسائر في الأفراد سواء قتلى أو جرحى، حيث سقط الصاروخ على مساحة 700م2 من المباني الخالية من السكان.

    (6) السبت 9 فبراير 1991

  بعد عدة أيام من الهدوء النسبي، أطلقت القوات العراقية صاروخَين من طراز Scud المعدل  على مدينة تل أبيب ، أُصيب من جرائهما 47 فرداً، وأحدثا تلفاً في المباني بمساحة 1111م2.

    (7) الثلاثاء 12 فبراير 1991

  أطلقت القوات العراقية صاروخَين من طراز العباس على مدينة تل أبيب، اعترضتهما صواريخ الباتريوت ودمرتهما في الجو، سقط حطام الصاروخَين على منطقة مبانٍ بمساحة 436م2، وأصاب حطامهما سبعة أفراد.

ب. شن الضربات الصاروخية ضد المملكة العربية السعودية

    قبل بدء عملية عاصفة الصحراء، كانت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية قد بذلتا جهوداً كبيرة في اتخاذ التدابير المكثفة للدفاع عن المملكة، فنُشِرَت 21 بطارية صواريخ باتريوت تتكون من 132 قاعدة إطلاق في الأماكن الحيوية، فكان لها تأثير إيجابي في اعتراض القصف الصاروخي العراقي، الذي بلغ 43 صاروخاً على المملكة، لم ينجح في إصابة الهدف سوى 20 صاروخاً أُطلقت جميعها من جنوب العراق على النحو التالي (اُنظر جدول خسائر الصواريخ العراقية التي أُطلقت على المملكة العربية السعودية 1ذ الضربات على قوات المارينز دالحليم أبو غزالة، مطابع الأهرام، القاهرة، 1994، الجزء الأول، ص 349-350.):

    (1) الإثنَين 21 يناير 1991

  أطلق العراق 10 صواريخ من طراز Scud على مدينتَي الرياض والظهران، أطلق في اتجاهها 33 صاروخاً من طراز باتريوت، فدُمِّر معظمها بالجو. وحدث أن أفلت جزء من حطام هذه الصواريخ وسقط فوق مدرسة بمدينة الرياض فأحدث تلفاً في 1210م2 مبانٍ، وجزء آخر في مدينة الظهران فأحدث تدميراً في مساحة 900م2 مبانٍ، ولم يسفر عن خسائر في الأفراد في كلتا المدينتين.

    (2) الثلاثاء 22 يناير 1991

  أطلقت القوات العراقية صاروخَين من طراز Scud على مدينة الرياض، اعترضتهما صواريخ باتريوت، وسقط حطام أحدهما فوق منطقة مبانٍ بمساحة 1700م2، وأسفر عن إصابة فرد واحد.

    (3) الأربعاء 23 يناير 1991

  دمرت صواريخ باتريوت، صاروخَين عراقيَّين من طراز Scud استهدفا مدينة الظهران، وأحدث حطام أحدهما خسائر في المباني تقدر بـ 1111م2، كما أُصيب فردان.

    (4) الجمعة 25 يناير 1991

  شن العراق رابع هجوم بالصواريخ على المملكة، منذ بدء العمليات العسكرية، فأطلق عدداً من صواريخ Scud، دُمِّرت بواسطة صواريخ باتريوت في الجو، فيما سقط صاروخان على مدينة الرياض، مما أدى إلى إصابة فردين وخسائر في بعض المباني في مساحة 1009م2.

    (5) السبت 26 يناير 1991

   العراق يعاود القصف الصاروخي على المملكة العربية السعودية، حيث أُطلق صاروخان أحدهما على مدينة الظهران فأصاب أربعة أفراد وأحدث تلفاً في المباني في مساحة 1315م2، والصاروخ الآخر على مدينة الرياض، فأصاب فرداً وأحدث تلفاً في مساحة 1411م2.

    (6) الأحد 3 فبراير 1991

  أطلق العراق صاروخين من طراز Scud على مدينة الرياض، أعلن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية السعودية أن 29 شخصاً قد أُصيبوا من جراء تناثر شظايا زجاج النوافذ الناتج عن التفجير، وأنهم عولجوا وخرجوا من المستشفى. كما نتج عن القصف تدمير أجزاء من المباني في مساحة 4100م2.

    (7) الجمعة 8 فبراير 1991

   عاودت القوات العراقية القصف الصاروخي لمدينة الرياض، حيث أُطلق صاروخان من طراز Scud أمكن تدميرهما في الجو بواسطة صواريخ باتريوت، فيما أحدث حطامهما بعض الخسائر في المباني تُقدر بـ 1605م2، ولم تحدث خسائر في الأفراد.

    (8) الإثنَين 11 فبراير 1991

   أطلق العراق صاروخ Scud على مدينة الرياض، دمرته في الجو صواريخ الباتريوت، مما أدى إلى سقوط حطامه على مساحة 900م2 مبانٍ، ولم تحدث خسائر في الأفراد.

    (9) الخميس 14 فبراير 1991

   أمكن تفجير صاروخَين من طراز Scud أطلقهما العراق باتجاه مدينة حفر الباطن القريبة من الحدود الكويتية ـ السعودية، وقد تصدت للصاروخين عدة صواريخ باتريوت ودمرتهما في الجو، إلا أن الشظايا الناجمة عن أحدهما سقطت فوق أحد المستشفيات.

    (10) الخميس 21 فبراير 1991:

   أطلق العراق صاروخَين باتجاه حفر الباطن وقد تصدت لهما صواريخ باتريوت وفجرتهما في الجو.

    (11) الإثنَين 25 فبراير 1991

   وقعت حادثة أليمة أظهرت خطر صواريخ Scud، حيث أصاب صاروخ عراقي ثكنة للجنود الأمريكيين في الظهران، فقُتل 28 فرداً وجُرح مائة آخرون، وكانت تلك أكبر ضربة تمكن العراق من توجيهها إلى قوات التحالف خلال الحرب كلّها، كان القتلى 26 رجلاً وامرأتَين يعملون ضمن وحدات احتياطية للإمداد والتموين وصلوا إلى المملكة العربية السعودية قبل ذلك بأسبوع واحد.

ج. شن الضربات الصاروخية ضد البحرين

    في 23 فبراير 1991، وفي محاولة يائسة أطلقت القوات العراقية ثلاثة صواريخ من طراز سكود باتجاه المنامة عاصمة دولة البحرين، إلا أن الدفاعات الأرضية قد تصدت لها بصواريخ باتريوت المضادة وفجرتها في الجو، وقد تناثر حطام أحدها على مقربة من مطار الشيخ عيسى وتناثر باقي الحطام بالبحر، ولم تحدث من جرائها أيّ خسائر، ربما كان الهدف من إطلاقها هو إصابة القوات الأمريكية المتمركزة بالمطار أو محطة الإرسال الإذاعي الموجهة من قوات التحالف إلى القوات العراقية.

ثالثاً: مرحلة التقييم

    كان للقصفات الصاروخية العراقية ضد إسرائيل والمملكة العربية السعودية والبحرين تأثير نفسي ومعنوي فعال على المدنيين. ولم يكن للقصفات تأثير مادي يُذكر، ويرجع ذلك إلى ضعف وسائل التوجيه الذاتية للصواريخ، إذ بلغت منطقة انتشار الصاروخ أكثر من 3 آلاف متر، فضلاً عن انخفاض القدرة التدميرية للرأس المدمر، علاوة على استخدام الصواريخ الأمريكية المضادة للصواريخ، باتريوت، حيث حققت نسبة اعتراض 69% في المملكة العربية السعودية، و37% في إسرائيل من إجمالي الصواريخ المُطلَقَة.

    ويمكن تقييم نتائج استخدام العراق للقصفات الصاروخية على النحو التالي (اُنظر جدول تقييم أداء صواريخ أرض/ أرض العراقية خلال حرب الخليج الثانية):

1. استطاعت صواريخ أرض/ أرض العراقية أن تعمل على رفع الروح المعنوية للعراق في المراحل الأولى من عاصفة الصحراء، وذلك لاستخدامها بكثافة ضد الأهداف داخل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، مع إذاعة أنباء مُبالغ فيها عن نتائجها، ولكنها في الوقت نفسه لم تمنع تأثير الحملة الجوية الصاروخية لقوات التحالف في مسرح العمليات.

2. استطاعت الضربات الصاروخية العراقية تحقيق الهدف الإعلامي بقصف المدن الإسرائيلية تل أبيب وحيفا ورامات جات، وإجبار سكانها على اللجوء للمخابئ لأول مرة منذ عام 1948، ولكنها في ذات الوقت كانت سبباً لتزويد إسرائيل بوسائل الدفاع ضد الصواريخ مثل الصاروخ باتريوت الأمريكي، كما أنها كانت السبب الذي دفع إسرائيل إلى التحدث صراحة عن قنبلتها النووية كأداة تهديد إذا لم توقف الهجمات الصاروخية عليها.

3. لم تستطع الضربات الصاروخية العراقية إحداث شرخ في التأييد العربي لقوات التحالف بتدخل إسرائيل في الحرب تحت ذريعة الدفاع عن نفسها ضد الضربات الصاروخية، وذلك نتيجة الضغط الأمريكي على إسرائيل بعدم التورط في عمليات ضد العراق، مع التزام أمريكي بالدفاع عن الأجواء الإسرائيلية وتزويد إسرائيل بصواريخ مضادة للصواريخ، مع أطقم أمريكية تتولى بتشغيلها.

4. لم تنجح الضربات الصاروخية العراقية ضد الأهداف داخل المملكة العربية السعودية والبحرين في محاولة إثارة الفزع والارتباك بين المدنيين، بل على العكس من ذلك أسفرت عن مزيد من تماسك الجبهة الداخلية في دول المواجهة الخليجية ومزيد من الثقة في النفس، خاصة بعد أن تكشف بوضوح فشل الصواريخ العراقية في الوصول لأهدافها وتفجرها في الجو.

5. فشل القادة العسكريين العراقيين في تحقيق الهدف الرئيسي من استخدام صواريخ أرض/ أرض، وذلك لسوء التخطيط لهذه الضربات، من حيث اختيار التوقيت الخاطئ والأهداف غير المناسبة وعدم تطبيق مبدأ الحشد عند تنفيذ القصفات.



[1] المنطقة الجنوبية: تشتمل على جنوب العراق ومسرح العمليات الكويتي.

[2] الضربات الفردية: هي الضربات التي تنفذ بقاذف واحد وحتى سرية، وتستخدم هذه الطريقة في حالة عدم تيسر الصواريخ أو في حالة عدم تيسر حماية جوية مناسبة.