إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل، الدولية والإقليمية والعربية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"









مقدمة

وثيقة

بيان مجلس قيادة الثورة العراقي

في شأن مبادرة الانسحاب من الكويت

الصادر في 15 فبراير

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان صادر عن مجلس قيادة الثورة

أيها الشعب العراقي العظيم.

أيها العرب الشرفاء.

أيها المسلمون، المؤمنون حقاً بالإسلام.

أيها الأحرار في العالم.

     منذ أن لمست الولايات المتحدة والصهيونية، وحلفاء أمريكا من الدول الغربية الاستعمارية، أن هناك قوة، تتكون في بلد عربي، ومسلم، هو العراق، قوة قادرة على موازنة الهيمنة الصهيونية، المدعومة من قِبل الإمبريالية في المنطقة، قوة حرة، شريفة، عازمة بإخلاص ونكران ذات، على مواجَهة العدوان والأطماع الصهيونية، ورفض الهيمنة الإمبريالية على المنطقة ـ منذ ذلك الحين، بدأت الولايات المتحدة والصهيونية، وكل القوى الاستعمارية، الحاقدة على العرب والمسلمين، باتخاذ الإجراءات والقرارات، وشن حملات الدس والتحريض ضد العراق، من أجْل منع تكوّن وتنامي هذه القوة، وعزل العراق ومحاصرته ومعاقبته، لأنه اجتاز! بإيمان وتصميم وكفاءة، الحدود التي رسمتها الولايات المتحدة والصهيونية والقوى الاستعمارية، لبلدان المنطقة. وقد شهدت سنتا 1988 و1989 حملات متواصلة، في الصحافة ووسائل الإعلام، ومن قِبل المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الأخرى، تمهد الطريق لتحقيق هذه الأهداف الخبيثة.

     وفي عام 1990، تصاعدت هذه الحملات بصورة متسارعة، ومحمومة، وعلى نطاق، بدأ يتسع يوماً بعد يوم. وكان الهدف واضحاً جلياً، لنا ولكل العرب الواعين، والمسلمين الحقيقيين، ولكل الأحرار، الذين يؤمنون بالحرية والعدالة، في العالم. كان الهدف هو التمهيد لتدمير هذه القوة الناهضة، وإعادة أرجحية التوازن في المنطقة، لصالح الولايات المتحدة والصهيونية والقوى الاستعمارية. هذه الأرجحية، التي استمرت عقوداً عديدة، وحالت دون تمكّن العرب من استرجاع حقوقهم وأراضيهم المغتصبة، والمحتلة، في فلسطين والجولان ولبنان. كما حالت دون تحقيق آمال الأمة العربية في النهضة والتقدم والعدل، كي تحتل مكانها الطبيعي، الذي تستحقه في العالم، بحكم تاريخها المجيد، ومساهمتها العظيمة في الحضارة الإنسانية.

     وفي الأشهر الأولى من عام 1990، اشتدت هذه الحملات، واتسعت، واكتسبت طابعاً هستيرياً، وصارت تحرض، يومياً، على ضرب العراق، وتصفية قيادته، وحرمانه من وسائل النهضة والتقدم. واتخذت الولايات المتحدة، ومعها دول استعمارية أخرى، سلسلة من القرارات والإجراءات الجائرة، بحظر تصدير كل ما يمكن أن يُسهم في تطور العراق ونهضته، العلمية والصناعية. وشملت هذه القرارات المقاطعة الاقتصادية الفعلية. ومن ذلك إلغاء عقود المواد الغذائية، في الشهر الثالث من عام 1990. كما كان واضحاً، أن الولايات المتحدة، تعد العدة، بالتنسيق مع الكيان الصهيوني، لضرب المنشآت والمواقع، العلمية والصناعية، وتصفية قيادة العراق الوطنية المؤمنة. وعندما اكتشفت الولايات المتحدة أن مخططها هذا، المعتمد، إلى حدّ كبير، على القدرة العسكرية الصهيونية، غير كافٍ لتحقيق أهدافها الشريرة ـ أشركت في المؤامرة عملاءها وصنائعها، من الحكام الفاسدين المتآمرين، أعداء الله، في المنطقة. وكان دور هؤلاء، هو إضعاف اقتصاد العراق وإنهاكه، ومن ثَم إيصال العراق إلى حافة الانهيار الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، صارت الولايات المتحدة تعزز شبكة الحلف الاستعماري، من أجل إقامة تحالف أمريكي ـ أطلسي، سياسي وعسكري، بهدف ضرب العراق، والسيطرة على المنطقة، بعد أن انفتحت أمامها فرصة ذلك، جراء اختلال التوازن، أثر انشغال الاتحاد السوفيتي عن العالم، في متابعة ظروفه الداخلية.

أيها العراقيون.

أيها العرب.

أيها المسلمون.

أيها الأحرار في العالم.

     إن أحداث الثاني من آب (أغسطس) 1990، لم تكن، في جوهرها وغايتها، كما صورتها الدعاية، الأمريكية والاستعمارية، وكما رواها الحكام الخونة، من أتباع أمريكا. لقد كانت انتفاضة وطنية وقومية وإسلامية، ضد المؤامرة والمتآمرين، انتفاضة ضد الظلم والانحلال، ضد الفساد، وضد الهيمنة الإمبريالية الصهيونية الاستعمارية، على المنطقة، وضد المتآمرين، الذين أصبح دورهم مكشوفاً في المؤامرة الأمريكية الصهيونية. لذلك، أسفر الحلف الإمبريالي الصهيوني الأطلسي، عن حقيقة أهدافه ونواياه، منذ الساعات الأولى لتلك الأحداث. فحشد الجيوش والقوات. ونظّم أكبر وأخبث حملات التضليل والكذب والخداع، التي شهدها العالم، في العصر الحديث. وسخر هذا الحلف الإمبريالي الصهيوني الأطلسي الغاشم والخبيث، مؤسسة الأمم المتحدة، لتصدر ضد العراق، وبسرعة لا مثيل لها، سلسلة من القرارات الجائرة، التي لا سابقة لها. في حين عجزت هذه المؤسسة عن أن تلبي عبر عدة عقود من الزمن، أبسط مطالب الأمة العربية، وأن تحفظ أبسط حقوق العرب في فلسطين، على الرغم من وضوح الحق العربي. ومن عنف المأساة، التي يعيشها شعب فلسطين المجاهد، والتي عاناها العرب الآخرون، ومنهم شعب لبنان المظلوم.

     لقد فرض هذا الحلف الغاشم إرادته على العالم، واتبع أساليب الإرهاب والابتزاز والرشوة، وكل ما في جعبة الإمبريالية والصهيونية وقوى الاستعمار، من وسائل الخبث والكذب والتضليل، لكي يمهد الطريق للعدوان على العراق.

أيها العراقيون الأماجد.

أيها العرب الأعزاء.

أيها المسلمون المؤمنون.

أيها الأحرار الشرفاء في العالم.

     إن العدوان الذي وقع على العراق، البلد الشجاع، الأبي، المجاهد، المؤمن، الصابر ـ ليس له مثيل في التاريخ. إن تاريخ الإنسانية كله، لم يسجل مثل هذا التحالف، الذي شاركت فيه الولايات المتحدة، ودولتان كبريان، ودول عديدة أخرى، بلغ عددها الثلاثين، ضد العراق المجاهد، الشجاع، الصابر، الذي لا يتجاوز عدد مواطنيه الثمانية عشر مليوناً. إنه الحلف الشرير، الغاشم، الخبيث، الكافر، ضد قلعة الإيمان والمبادئ، ضد مركز الحرية والدعوة إلى العدالة والإنصاف. وطيلة شهر من الزمن، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومعهم الكيان الصهيوني، الذي شارك في العدوان، منذ البداية، من الغارات الوحشية المدمرة، على شعب العراق، وعلى ممتلكاته، الاقتصادية والعلمية والثقافية والخدمية، وعلى مراكزه الدينية، ومواقع الحضارة العريقة فيه ـ شنت ما لم يشهد له التاريخ مثيلاً، في ثقل النيران، وفي وسائل القتل والتدمير، باسم الأمم المتحدة، والشرعية الدولية الكاذبة، والنظام الدولي الجديد، الذي أرادوه نظاماً للهيمنة الأمريكية ـ الأطلسية على العالم. وقد ألقت الولايات المتحدة، وأطراف الحلف الشرير، بالطائرات التي تطلق صواريخها عن بعد، وبالصواريخ بعيدة المدى، كميات هائلة من القنابل والمتفجرات، على النساء والأطفال والشيوخ، في كل مدن العراق وقراه، حتى على البدو الرحل في الصحراء. وضربت، بصورة متعمدة، المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والمصانع المدنية، والجسور والطرق الرئيسية، ومراكز الهاتف، والكهرباء، والماء، والسدود الإروائية، والمراكز الثقافية، والمعالم الحضارية في البلاد. ضربت أهدافاً، لا صلة لها، بأي شكل من الأشكال، بالجهد العسكري، أو ساحة المنازلة العسكرية، التي تحدثوا عنها. وكان آخر جرائمها، تلك الجريمة البشعة، القذرة، بالقصف المتعمد لملجأ مدني، فقتلت وحرقت مئات من النساء والأطفال والشيوخ. وكان الهدف من هذا العدوان الغاشم واضحاً تماماً، هو السير في عملية التدمير، التي أرادوها، ومعاقبة شعب العراق الأبي الحر المجاهد، لأنه اختار طريق الحرية والاستقلال والعزة، ورفض الذل والمهانة والخضوع لإرادة الاستعمار والصهيونية.

     لقد شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً قذرة، وجبانة، ضد شعب شجاع مؤمن. إن تاريخ الشعوب والأمم ومصائرها، لا يقرران بالماديات، التي تملكها الدول والأنظمة الحاكمة. فكم من إمبراطورية قوية وغنية، سقطت، عبر التاريخ، لأنها سلكت طريق الشر والجبن والظلم والانحلال! وهذا هو مصير أمريكا الغاشمة وأنظمتها المنحطة، ومصير الصهيونية وكل القوى الاستعمارية، بإرادة الله. وقد انتصر العراق في هذه المنازلة. انتصر لأنه بقي صامداً، شجاعاً، مؤمناً، عزيز النفس، قوي الإرادة. انتصر لأنه حافظ على المبادئ، وعلى القيم الروحية، المستمدة من دينه الحنيف وتراثه العريق. وإن خسائره في الماديات، في هذه المعركة، على رغم جسامتها، تهون إزاء احتفاظه بروحه العزوم، وإيمانه الراسخ بالمبادئ، وتصميمه القوي على مواصلة طريق النهضة والتقدم.

أيها العراقيون الأعزاء.

أيها العرب الشرفاء.

أيها المسلمون، المؤمنون حقاً بالإسلام.

أيها الشرفاء الأحرار في العالم.

     انطلاقاً من هذا الشعور الراسخ القوي، ومن هذا التقدير لطبيعة المنازلة، ومن أجل تفويت الفرصة على الحلف الأمريكي الصهيوني الأطلسي الشرير، لتحقيق أهدافه المرسومة والمدبرة، وتقديراً لمبادرة الاتحاد السوفيتي، التي حملها مبعوث القيادة السوفيتية؛ وانسجاماً مع المبادئ الواردة في مبادرة السيد الرئيس القائد، صدام حسين، في 12 آب (أغسطس) 1990 ـ قرر مجلس قيادة الثورة أن يعلن ما يلي:

أولاً:   استعداد العراق للتعامل مع قرار مجلس الأمن، رقم 660/1990، بهدف التوصل إلى حل سياسي مشّرف ومقبول، بما في ذلك الانسحاب. وتكون الخطوة الأولى، المطلوب تنفيذها، كتعهد من جانب العراق، في موضوع الانسحاب ـ مرتبطة بما يلي:

أ. وقف إطلاق النار وقفاً تاماً وشاملاً، في البر والجو والبحر.

ب. أن يقرر مجلس الأمن، أن يلغي، منذ البداية، القرارات 661، 662، 664، 665، 666، 667، 669، 670، 674، 677، 678، والآثار التي ترتبت عليها كافة. وكذلك إلغاء كل قرارات وإجراءات المقاطعة والحظر. والقرارات والإجراءات السلبية الأخرى، التي اتخذتها بعض الدول، ضد العراق، بصورة فردية أو جماعية، قبل 2 آب (أغسطس) 1990، والتي كانت السبب الحقيقي لأزمة الخليج، لتعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، وكأن شيئاً لم يكن، ومن غير أن يترتب على العراق أية آثار سلبية، لأي سبب من الأسباب.

ج. تسحب الولايات المتحدة والدول الأخرى، المشاركة في العدوان، وكل الدول التي أرسلت قواتها إلى المنطقة، كل ما جاءت به إلى منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج العربي، من قوات وأسلحة ومعدات، قبيل 2 آب (أغسطس) 1990، وبعده، سواء ما كان منها في البر أو في البحار أو المحيطات أو الخلجان. بما في ذلك الأسلحة والمعدات، التي زودتها بعض الدول لإسرائيل، بحجة الأزمة في الخليج. على أن يجري سحب تلك القوات والأسلحة والمعدات، خلال فترة، لا تزيد على شهر من تاريخ وقف إطلاق النار.

د. أن تنسحب إسرائيل من فلسطين والأراضي العربية، التي تحتلها في الجولان ولبنان، تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حالة امتناعها عن ذلك، يطبق مجلس الأمن، ضد إسرائيل، نفس القرارات التي اتخذها ضد العراق.

هـ. ضمان حقوق العراق التاريخية، في الأرض والبحر، كاملة، غير منقوصة، في أي حل سياسي.

و. يكون الترتيب السياسي، الذي يتفق عليه، منطلقاً من إرادة الشعب، وطبقاً لممارسة ديموقراطية حقيقية، وليس على أساس الامتيازات المكتسبة لعائلة آل صباح. وينبغي، على هذا الأساس، أن تشارك القوى، الوطنية والإسلامية، بصورة أساسية، في الترتيب السياسي، الذي يتفق عليه.

ثانياً:   تتعهد الدول، التي شاركت في العدوان، وفي تمويله، بإعادة بناء ما دمره العدوان في العراق، وذلك طبقاً لأفضل المواصفات لكل من الأنشطة والمشاريع والمنشآت، التي استهدفها العدوان، وعلى نفقتها الخاصة، ومن دون أن يتحمل العراق أية تكاليف مالية.

ثالثاً:   إلغاء كل الديون المترتبة على العراق، وعلى دول المنطقة، التي تضررت من العدوان ـ من التي لم تشارك فيه، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ والعائدة لدول الخليج، وللدول الأجنبية، التي شاركت في العدوان. وإقامة علاقات بين الدول الغنية والدول الفقيرة، في المنطقة، وفي العالم، قائمة على العدل والإنصاف، وبما يضع الدول الغنية أمام التزامات واضحة، لتحقيق التنمية في الدول الفقيرة، وإزالة معاناتها الاقتصادية، وعلى أساس قاعدة، أن للفقراء حقاً في أموال الأغنياء.

        ووضع حد للنهج الازدواجي في التعامل مع قضايا الشعوب والأمم، سواء كان هذا النهج من جانب مجلس الأمن، أو من جانب هذه الدولة أو تلك من الدول.

رابعاً: يُترك لدول الخليج، بما فيها إيران، حرية ومهمة إجراء ترتيبات الأمن في المنطقة ، وتنظيم العلاقات فيما بينها، من دون أي تدخل خارجي.

خامساً: إعلان منطقة الخليج العربي منطقة خالية من القواعد العسكرية الأجنبية، ومن أي شكل من أشكال التواجد العسكري الأجنبي، والتزام الجميع بذلك.

    هذه هي حجتنا، أعلناها أمام العالم، وأقمناها واضحة جلية على الغادرين والخونة وأسيادهم الإمبرياليين. وتبقى ضمانتنا الأساس، بعد ذلك الاتكال على الله، الواحد الأحد، في شعبنا العراقي العظيم وفي قواته المسلحة المجاهدة الباسلة، ومن آمن بالطريق الذي نسير عليه في مقارعة الظلم والظالمين. وسيكون النصر أكيداً على الظالمين، في الأيام القادمة، مثلما كان أكيداً في الأيام السالفة. والله أكبر. وليخسأ الخاسئون.

مجلس قيادة الثورة

29 رجب 1411هـ

15 شباط (فبراير)1991م