إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل، الدولية والإقليمية والعربية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"









مقدمة

وثيقة

كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين

التي أُذيعت في يوم الخميس 21 فبراير 1991[1]

في شأن إصراره على الانسحاب المشروط من الكويت

بسم الله الرحمن الرحيم

]أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(109)لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ (التوبة:109-110) صدق الله العظيم.

أيها الشعب العظيم

    أيها النشامى الرجال الرجال في قواتنا المسلحة الباسلة. أيها المسلمون المؤمنون الصادقون حيثما كنتم، أيها الناس حيثما وجد الإيمان بالله مدخلاً إلى قلوبكم ووجد له ما يجسده في صدق نواياكم وأعمالكم، أيها المحبون للإنسانية والخير والإنصاف، الرافضون للعدوانية والظلم والإجحاف.

   في الظروف الصعبة وأحداثها غالباً ما يفقد بعض الناس الصلة بالمقدمات فينشغلوا عنها بالنتائج أو ينسون في لحظة المحاكاة صلة كل نتيجة بأصل الأسباب التي بسببها قامت الأحداث وبنيت عليها النتائج، بل وفي الظروف الصعبة الخاصة، في وصف صعوباتها، غالباً ما ينشغل الفكر والبال بما هو مؤثر في حياة الفرد المعني بذاته في تلك اللحظة فيقيس أمره وموقفه عليه من غير أن يصل كل قضية فردية بما هو جماعي، بل ويغيب أحياناً المستقبل أو يتضاءل حضوره كوزن لا بد منه في تقييم ثقل كل قضية من القضايا إن كانت هذه القضية أو المفردة، مما يدور حولها التقييم، تتصل بالماضي والحاضر أو أنها تتصل بالأسباب والمقدمات أم هي من النتائج، وسواء كانت من النتائج البسيطة ومفرداتها محدودة التأثير، أم أنها من النتائج الكبيرة ومفرداتها ذات التأثير الشمولي الذي يتعدى الفرد أو عدداً من الأفراد أو شريحة بعينها في المجتمع فحسب، إلى كل المجتمع، ويتعدى الأمر فيها الحاضر العابر سريع الجريان والمرور إلى المستقبل ككل.

   وعلى أساس هذه الحقائق المؤثرة في حياة الإنسان أن كان في هذا الاتجاه أو ذاك، فقد انقطعت لدى البعض أو ضعف حضورها إلى حد بعيد صلة الكثير من الحقائق بين الأسباب والنتائج أو بين المقدمات والنتائج للظروف والأحداث التي سبقت يوم الثاني من (آب) أغسطس بالذي حدث يوم الثاني من (آب) أغسطس وما بعده، وكان هذا الوصف في الغالب ينطبق على بعض العرب وعلى كثير من الأجانب، حتى صار بعضهم لا يتذكر ما الذي فعلته الصهيونية والإمبريالية الأمريكية ضد العراق اعتباراً من مؤامرة إيران ـ جيت أو إيران ـ الكونترا سنة 1986، وحتى الأشهر الأولى من عام 1990 التي وصلت فيها المؤامرة ضد العراق مراحلها الخطيرة يوم بدأ الإعلام الأمريكي والغربي يمهد للعدوان (الإسرائيلي) علينا، فردعناه في تصريح يوم الثاني من (نيسان) أبريل عام 1990، ويوم قطع الأمريكان الخبز عن العراق بإلغائهم صفقة الحبوب المعقودة مع الشركات الأمريكية في الشهر الثالث من نفس السنة أي سنة 1990، ويوم رفعوا شعار مقاطعة العراق اقتصادياً وتكنولوجياً وعلمياً وعملوا على تعميمه على أوروبا واليابان.

   وإننا نعرف أن استحضار المقدمات والأسباب المرتبطة بالنتائج واستحضار خلفيات الحدث أو الأحداث بصورة دائمة وفي كل لحظة ليست بالأمر الهين، لأنها تتطلب وعياً عالياً أو أنها تقتضي صلة حية بين من يستحضر خلفياتها ومقدماتها وبين نوع المعاناة التي يعاني من نتائجها وآثارها الآنية أو البعيدة. ولأن بعض من نعنيهم بوصف النسيان أو فقدان الصلة بين هذا وذاك من الأسباب والنتائج ليس كلهم على مستوى من الوعي الذي يهيئ شروط صفات المطلوب، وجلهم لم يكونوا يعانون من أسباب وآثار الظروف، وخاصة في المحيط العالمي، فقد وجدنا صعوبات جدية في إفهامهم أن الذي حصل في الثاني من (آب) أغسطس رغم وضوح كل الاستحقاق التاريخي العادل فيه فهو بالأساس ليس سبباً في مجرى الصراع بين العراق كقلعة للإيمان والتطلع الشريف وبين الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، وأن أحداثه نتيجة من نتائج المعركة أو الصراع الذي سبق يوم الثاني من (آب) أغسطس، وأن إجراء يوم النداء الأغر هو مدخل للدفاع عن النفس وعن كل المبادئ والقيم الشريفة من جانب العراق وأن أحد جوانب طابع الهجوم في وصف أحداثه ينبغي أن لا تجتزأ عن أصل التطور العام، وأن وصفه الصحيح يقتضي وضعه في سياقه الشمولي.

    قد زاد في إظهار عدم فهم بعض الأوساط العالمية، هو أنها وخاصة في أوساط السياسيين المتكونين على نحو معاد للعرب في الغرب، أنها وبغض النظر عن التفاصيل، فإن الأساس لديها هو إيذاء التجربة في العراق وقد تعاون وأنحدر مع هذا الاتجاه بعض أوساط الحكام العرب الذين خانوا مبادئ الأمة وتطلعات شعوبهم وأرتضوا النقيصة والمهانة حتى داخل قصور وكراسي حكمهم فاختاروا طريق طاعة الأجنبي المغرض وأهدافه العدوانية الشريرة.

    ومما زاد في تعقيد إمكانية إيجاد الربط بين الأسباب والنتائج وبين الذي حصل للعرب وللعراقيين قبل الثاني من (آب) أغسطس وبين الذي حصل في يوم النداء الأغر وما بعد الثاني من (آب) أغسطس هو هذا الطوفان من الإعلام الذي تقوده ضدنا ثلاثون دولة بصورة رسمية ويتناغم معه ويتأثر به كل رصيد امتدادات وتأثيرات هذه الدول الثلاثين، ولكن بقي الأصيل أصيلاً يهتدي إلى الحقائق ليس فقط عن طريق ما يمكن أن يصل إليه نظره أو سمعه وإنما إلى ما يهديه إليه نبض دمه وتفاعله الإيماني الجهادي المصيري مع موقف العراق، وهذا هو موقف الشعب في الأمة الذي غذاه في هذا الاتجاه ومعاناته الطويلة من صف الظلم والظالمين وحلفاءهم من بين الحكام العرب الذين خانوا الأمة وباعوا الشرف والدين للأجنبي، أُولئك الحكام الذين قام بعضهم بهذا كطريق لا بد منه ليتبوأ موقعه على كرسي الحكم فارضاً نفسه على الشعب من غير استحقاق كثمن لعمالته المسبقة، وبعضهم أنحدر إليها بعد أن وجد أن لا سبيل أمامه إذا أراد الاحتفاظ بكرسي الحكم مع الطبيعة التي ارتضاها لحكمه، إلا بالإذعان إلى إرادة المخابرات الأمريكية وهذا ما ينطبق من غير استثناء على الحكام العرب الذين يقفون اليوم إلى جانب أمريكا ويمدون عدوانها بما يحتاج من غطاء عربي وأموال عربية وكذب ودجل بخبرة عربية، آلا ساء ما يفعلون، ويقف في مقدمة هذا الرهط، الخائن فهد خائن الحرمين الشريفين، وحسني الخفيف حاكم مصر، الذي اُبتليت به مصر العربية العريقة.

    أمام مثل هذه الحالة وجدنا أن الإعلام المعادي والسياسة المعادية وقد أسدلت ستاراً كثيفاً على كل موقف أو حدث أو قضية سبقت الثاني من (آب) أغسطس عام 1990 ومن شأنها أن تسلط الضوء على هذه الأحداث وتكشف حقيقتها، وحتى أن فلسطين التي عمر قضيتها العادلة أكثر من أربعين سنة، وأنها ومستقبلها والمواقف منها كانت واحدة من أهم أركان المؤامرة التي دخل فيها حكام البترول كمتآمرين على العراق يتقدمهم شموخ الكويت العملاء وحاكم السعودية، نقول حتى فلسطين حاول المغرضون إهمالها كخلفية أو سبب أساسي في الأحداث. فأصبح الإعلام المغرض وهو واسع الانتشار والتأثير، والسياسيون المشبوهون وأصحاب الغرض تدعمهم الصهيونية في كل مكان. أصبحوا يركزون على أحداث الثاني من (آب) أغسطس وكأنها جاءت من غير مقدمات أو أسباب وكأن قصدنا إنما ينصب عليها دون غيرها، وحتى أنهم أصدروا تعليماتهم بما يكم الأفواه عن ذكر أي خلفية تاريخية تبصر الأجنبي أو العربي بما لا يعرفه عن حقيقة علاقة الكويت بالعراق وكيف هي جزء منه واقتطعت بفعل مؤامرة التقسيم لإضعاف الأمة العربية والنيل من شخصيتها ودورها وإضعاف كل قطر عربي ذي قدرة تأثير متميزة فيها.

   أمام هذا الطوفان من تزوير الحقائق وأمام هذا العدد الكبير من دول صف العدوان، أو من اختلط عليهم أمر صلة الأسباب الحقيقية بالنتائج لا يكفي أن نرد لنوضح بالإعلام والتصريحات السياسية فحسب من موقع تأثيرنا المتواضع، وإنما لا بد من تدابير وأفعال تضع الخيرين من الذين غابت عنهم صور الربط أمام مناقشة عقلية، تتجاوز حجب الدخان والتضليل التي يطلقها الإعلام المعادي. ولا بد من فعل يضع المعادين في موقف الحرج أو المأزق الذي يدفعهم إلى تصرفات ومواقف تجعل الذين خدرهم الإعلام المعادي يستفيقون على حقائق جديدة أو على فرص جديدة تكشف لهم الحقائق، مجردة من الأغطية لتظهر كما هي واضحة جلية.

   وهكذا كانت مبادرة الخامس عشر من هذا الشهر / (شباط) فبراير الجاري الذي أطلقها وقذف بها بيان مجلس قيادة الثورة على مرمى العدو لتكون في تعبير الرياضة والرياضيين قادرة على أن تهز شباك ملعب الأعداء، فإما قبول يسر الصديق وإما رفض يغيض العدى، وقد يفرق صفوفهم القائمة على الضغينة والمتجمعة على باطل. وسيكتشف بعض الناس الذين ضللوا ما يعينهم على معرفة أن الأساس والذي حصل ليس سببه في الثاني من (آب) أغسطس وما بعده وإنما في الذي سبق الثاني من (آب) أغسطس، وأنه لا يمتد إلى سنة 1990 وأحداثها وظروفها فحسب وإنما يمتد إلى كل ذرة كرامة وكبرياء وإيمان وتشبث بالحق ورفض للباطل ومعاداة للصهيونية المجرمة المغتصبة، ومساندة للفقراء، ومحاربة للظلم والفساد. هذه المواقف التي هي من صفات العراقيين أو مما تم إحياؤه فيهم من قبل قيادة الثورة، وأن الحقد على العراق تكون عبر الزمن مع كل لحظة اقتدار أُضيفت إليه أو خلقت، لتكون ركناً جدياً من صفاته وإمكاناته وإلى كل حالة صمود بوجه العدوان تكشف ضعف بعض العرب أمام عدوان الصهاينة وأطماع الأمريكان وإلى كل كتاب تم تأليفه من عرق العمل أو كنضح لدماء الجهاد وكل مرحلة بناء في صرح العراق الشامخ وإلى كل طابوقة بناء في حضارته الجديدة أو لولب في أي مصنع أو معمل مما تم بناؤه كرمز للعز ومدخل إلى حياة جديدة سعيدة مرفهة في ظل إيمان عميق بالله والوطن والأمة وشعار (للفقراء حق في أموال الأغنياء) لأنهم أبناء شعب واحد أو هم أبناء أمة واحدة وجميعهم أبناء آدم وحواء.

   وإلى الذين يتساءلون عن حقد حسني على القيادة وحقده على شعب العراق وأمثاله، ممن هالهم هذا الحقد الدفين من أُناس أكلوا وشربوا مكرمين بين ظهراني العراق وأعطوا من الاهتمام مالا يستحقونه. نقول غير نادمين على كرم الخلق وصدق المقصد مما قمنا به أو قام به شعب العراق تجاه أُناس أردنا في حينه أن يكونوا أُخوة للعراقيين عندما يكونوا في صف مؤمن صاحب طوية نبيلة وقصد شريف، أما وأنهم خانوا فلا أسف عليهم ولعنة الله عليهم إلى يوم الدين. نقول أن هذا النفر الضال قد أستمد الحقد عليكم أيها العراقيون وعلى قيادتكم من الخواص التي امتلكتموها وميزت قيادتكم. إن هذا النفر الضال قد وجد على ما يبدو في كل دعوة إلى الشرف ونزاهة المقصد، وفي كل دعوة ليكون الحاكم أو القائد جزءاً من شعبه بأنها شتيمة موجهة إليه بصورة شخصية من قبل شعب العراق والقيادة فيه. إن كل شعار رفعتموه وأنتم تستقبلونهم يرفض المخطط الصهيوني والإمبريالية الأمريكية ويندد بعملائهما نظروا إليه بأنه شعار موجه ضدهم. وكل كلام قيل عن أهمية نزاهة الحاكم أو القائد وأن تكون ذنوبه خفيفة عندما يكون حمله من المال خفيفاً اعتبروه شتيمة شخصية ضدهم، وكل تنديد بالضعف والاستخذاء وقبول المهانة هو شتيمة لهم.

   نعم أيها الأخوة ويا أبناؤنا الطيبون المجاهدون في العراق، لقد وجد أُولئك النفر من الأعراب وربما غيرهم من بعض الحكام حتى بعض الأجانب أن كل صفة إيجابية فيكم وفي بنائكم تفضح بمرايا مستديمة نقصهم بل وعورتهم أمام الشعب والأمة، وكل دعوة إلى القوة والحصانة والإيمان والاقتدار والعزة والكرامة والمهابة وعدم الخفة والتحرر من الأجنبي، والعفة وتحرر النفس من السحت الحرام، وأي إبراز لصفات المسؤول الصحيحة في قياسات العروبة والإسلام هو تحريض عليهم ودعوة وتوعية لشعوبهم لتتجاوزهم. ويبدو أن هذا هو الذي أوغر صدور بعض الحكام العرب عليكم وهذا، مع الأطماع، هو الذي قد يوغر صدور بعض الأجانب عليكم، ولكن ما عسانا أيها الأخوة والأبناء وأيها الرجال الشرفاء والصناديد النشامى وأيتها الماجدات ما عسانا أن نفعل غير هذا؟ وهل في فعل مناقض لهذا ما يبقي على أية ذرة شرف وإيمان وعز ومجد وحاضر نعتز به ومستقبل نحث الخطى إلى أبوابه ومعانيه المشرقة، وهل في أي فعل مناقض لهذا، لنتعقب خطوات الأجنبي بالاتجاه الذي يريده، ما يبقي على أية ذرة شرف للرجال والحرائر؟ وهل من شأنه أن يبقي للإيمان وشعائره غير العظام النخرة والهباء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟ بل وهل من تاريخ يعتز من يعتز به لشعبنا العراقي العظيم ولأمتنا المجيدة، غير هذا الطريق بالصفات التي نحن جميعاً عليها مع طلب المزيد مما يزيد ويعمق الإيمان ويجلي ويطهر النفوس ليرضى عنها بارئها والأمة؟

   لا طريق غير هذا الطريق الذي اخترناه إلا طريق المهانة والظلام، الذي لن تكون بعده فجوة صحو في السماء أو إشراقة ضوء على الأرض، وقد اخترنا هذا الطريق.

   اختار العراقيون هذا الطريق عبر زمن تراكمت فيه الخصال وتجلت على أفضل قياساتها وصفاتها وما زالوا يطلبون ويعملون على المزيد مما يزيدها تألقاً وإيماناً ورفعة، ولا طريق غير هذا وسنحميه بالأنفس والأموال والمهج. وسنسير عليه مهما كانت نتيجة الجهود السياسية المبذولة من قبلنا والتي حمل طارق عزيز صيغها واتجاهاتها إلى موسكو التي إذا رفضت تسقط كل الأغطية فلا تبقى إلا نوايا العدوان المبيتة ضدنا من غير غطاء ومن غير شعارات تعود إلى التدخل. وبعد أن انطلقت مبادرة الخامس عشر من (شباط) فبراير عام 1991 عن أُختها مبادرة الثاني عشر من (آب) أغسطس عام 1990، ماذا قال بوش وماذا قال خادمه فهد. لقد رفضها بوش واعتبرها خدعة قاسية، قبل أن يتمعن، وتحول فهد الذي يلوك الكلمات مثلما تلوك الإبل حشائش المراح، تحول فهد إلى خطيب مفوه ليقول أن الحرب ستستمر ضد العراق حتى يعمل العراق كذا وكيت، لاحظوا أيها المراقبون لاحظوا أيها الناس الذين أشغلتكم أحداث الثاني من (آب) أغسطس عام 1990 عن النوايا الحقيقية للعدوان، لاحظوا وتمعنوا مما كنتم غافلين عنه وقد تنبه له العراقيون والخيرون منذ وقت مبكر، لاحظوا كيف يطمع بوش وفهد بما لم يكن من شعاراتهم لا قبل الثاني من (آب) أغسطس ولا بعد الثاني من (آب) أغسطس وإلى وقت ليس ببعيد من الآن، لاحظوا كيف أصبحوا يطمعون بالمزيد ويردف لهم في الطريق حسني الخفيف هذا ليعبروا عن نواياهم الحقيقية ولا يقبلوا بمبادرة الخامس عشر من (شباط) فبراير وتذكروا كيف كانوا في الزمن الذي سبق إطلاق المبادرة كانوا هم وآخرون في الغرب يقولون (بمجرد ذكر كلمة الانسحاب، فإن كل شيء ممكن بعد ذلك)، لاحظوا كيف أصبحوا أكثر إظهاراً لطمعهم من اللحظة التي تسبق لحظة إعلان المبادرة، ولاحظوا إعلامهم عن أي شيء يتحدث الآن، إنه يتحدث عن تجريد العراق من القوة والاقتدار ومعاني النهضة والشرف والقدوة بتجريد العراق. من أي صفة من صفات المؤمنين الصادقين والأبناء البررة لشعبهم ولوطنهم ولأمتهم. خسئوا وخسئ فعلهم الجبان، وما يطمعون.

    لاحظوا كيف أصبح أُولئك الذي أرادوا من كلمة الانسحاب في مرحلة من مراحل الصراع كمدخل لانهيار التصميم والعزيمة والإرباك في صفوف قواتنا المسلحة، كيف لم يعودوا يهتمون بها الآن أو هكذا يتظاهرون الآن، فراحوا يهملونها ويتحدثون عن ما هو جديد بعد أن أصبح ذلك مكسباً من غير مقابل، كما يتوهمون ونسوا أن شعبنا وقواتنا المسلحة عدا عن تصميمهم الجهادي العظيم، وبرهانهم الذي أصبح واضحاً للجميع كمهر لعرس الجهاد والفداء، فهم واعون بما فيه الكفاية بأن كل خطوة نقدم عليها مطلوب أن تقابلها ما يستحقها من ضمانات وعمل يبقي المستقبل مفتوحاً أمام العراقيين والعرب وكل المؤمنين الرافضين للظلم في العالم، وأن كلمة انسحاب قد وضعها العراقيون والعرب والخيرون في العالم ضمن هذا السياق وفي إطارها المفهوم وهي طبقاً لذلك وفي سياق النظرة الشاملة إلى كل مبادرة الخامس عشر من (شباط) فبراير مدخلاً جديداً ليزيد العراقيين عزماً وتصميماً، إذا رفضت المبادرة، ويزيد قواتهم المسلحة وقفة اقتدار تخلقها حالة إسقاط الذرائع وكشف النوايا المبيتة على حقيقتها فتزيدهم صبراً وجلداً واستعداداً إضافياً للمطاولة التي يباركها الله ويسندها الخيرون والتي لن يكون بعدها إلا الخاتمة المسك حيث يتجلى غبار المنازلة عن شمس ساطعة، وتنجلي غيوم المعارك، عن قمر منير بهي، ذي هالة هي بحجم الشهادة التي تزرعها موجبات وشروط النصر، والصبر الذي يطلبه سبحانه من أهل الجهاد  وبشر الصابرين،    

   لاحظوا. أيها الأخوة وأيها الناس كيف صار الذين خافوا الحرب البرية وتجنبوا المنازلة فيها طيلة أكثر من شهر وراحوا يمعنون في قتل المدنيين وضرب وتدمير الممتلكات بسلاح طيرانهم وبصواريخهم بعيدة المدى في حقد تراجع عنه حقد هولاكو، وكتعبير عن تغطية العجز في الاصطدام بقواتنا البرية في جنوب العراق. لاحظوا كيف أصبحوا هم وبعض الذين لا يعرفون حقيقة إيمان العراقيين واقتدارهم يصورون الأمور وكأن مجرد عدم شن هجوم بري من قبلهم هو مكسب للعراق يقتضي أن يقابله العراقيون بمزيد من التنازلات التي تخل بمبادئهم وكرامتهم وحقوقهم، وحقوق وأمن الأمة العربية.

   لاحظوا كيف أنهم يتوهمون مع أي مبادرة يريد منها العراق إقامة سلام في الخليج يفتح الباب أمام حل شامل ومنصف يحقق السلام الحقيقي والدائم في المنطقة ككل، وفي مقدمة ذلك فلسطين، وليس هدنة مؤقتة أو استسلاماً يريده ويتوهم في إمكانية تحقيقه الخائبون، الخاسئون.

   لاحظوا أيها المنصفون كل هذا مثلما لاحظه وعرفه واستنتجه العراقيون من قبل.

   لاحظوا كل هذا لتعذروا العراقيين تجاه أي فعل لاحق ولتتفهموا عدالة موقف العراق.

   والله أكبر. ولشهدائنا ولشهداء أمتنا الرحمة والخلود.

   والعزة والمجد والظفر لأصحاب هذا الطريق من أبناء أمتنا والإنسانية.

   الله أكبر. الله أكبر. وليخسأ الخاسئون.



[1] أُذيعت هذه الكلمة، قبل ساعات من تسليم طارق عزيز، وزير الخارجية العراق، موافقة العراق على المبادرة السوفيتية.