إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل، الدولية والإقليمية والعربية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"









أولاً: مواقف وردود فعل المملكة العربية السعودية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

ثانياً: مواقف وردود الفعل المصرية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

    يتركز الموقف المصري في متابعة مواقف القوى السياسية الرئيسية، على الساحة المصرية، من القضايا الأربع الآتية:

·   اندلاع الحرب.

·   الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية.

·   تجاوز تحرير الكويت إلى تدمير العراق.

·   العلاقات بين مصر وبعض الدول المؤيدة للعراق.

1. موقف مصر والقوى السياسية الداخلية من اندلاع الحرب

    مع اندلاع العمليات العسكرية لـ "عاصفة الصحراء"، أثارت القوى السياسية، على الساحة المصرية، باستثناء حزب الوفد، فضلاً عن القيادة السياسية الحاكمة، أن محاولات التسوية السلمية لأزمة الخليج، التي فجرها الغزو العراقي للكويت واحتلالها، ومحاولة ضمها إلى العراق بالقوة المسلحة، لم تأخذ الفرصة الكاملة والملائمة، قبَيل بدء العمليات العسكرية ضد العراق، من قِبل الائتلاف الدولي المناوئ له. وهي تعزو ذلك إلى محاولة الولايات المتحدة الأمريكية العمل على استعجال الحرب، وبدء علميات عسكرية واسعة النطاق ضده، بغية تدمير قوّته العسكرية والقضاء عليها.

    واستنكر البيان الصادر عن جماعة الإخوان المسلمين، الحرب ضد العراق، بعد ثلاثة أيام من اندلاعها، وطالب بوقفها الفوري. وحذا حذوه البيان الثاني لتجمّع النقابات المهنية، الصادر في 20 يناير 1991، وهو المعروف باسم "ذو اللاءات الثلاث": لا لاحتلال الكويت، لا للحرب في الخليج، لا لتدمير قدرات العراق. كذلك هاجم الحرب كلٌّ من حزبَي العمل والتجمّع، كطريق لحل مشكلة الخليج، وطالبا بضرورة الوقف الفوري للعمليات العسكرية. ففي مؤتمر صحفي، عقدته جماعة الإخوان المسلمين وحزب العمل الاشتراكي وحزب التجمّع، إضافة إلى مجموعة من الأحزاب الصغيرة الأخرى، طالبت فيه بالوقف الفوري لإطلاق النار، بعد اندلاع العمليات العسكرية، بغية إعطاء محاولات التسوية السلمية للصراع الدائر في الخليج، مزيداً من الفرص، وإنهاء الأزمة بين العراق والكويت من غير طريق الحرب[1].

    ومن هذا المنطلق، توجّه وفد شعبي، يمثل الأحزاب والقوى، إضافة إلى ممثلي بعض النقابات المهنية، إلى قصر رئاسة الجمهورية، في عابدين، للمطالبة بوقف ما أسموه العدوان الأمريكي ـ الصهيوني على العراق، وإعطاء الجهود السلمية فرصاً أكثر ووقتاً أرحب.

    وبعد مرور عدة أيام على اندلاع حرب الخليج، بدأ كثير من المصريين يتساءلون عن نهايتها. وفي شوارع القاهرة الرئيسية، شهدت المقاهي والأندية اجتماعات شبه يومية، للرواد الذين يتابعون أخبار الحرب، ويتداولون أسئلة كثيرة، في مقدمتها "معنى صمود العراق، حتى الآن؟". والشيء الثابت، هو أن شعور رجل الشارع المصري، لم يتغير عمّا كان عليه في بداية الأزمة.

    أما الموقف الرسمي للحكومة، فتمسك بالمقولة السائدة بين أعضاء الائتلاف المعادي للعراق، إنه لا يمكن وقف القتال، إلا بإعلان العراق، رسمياً، نيته في الانسحاب، وبدئه من الفور. إلا أن حزب العمل، أثار ما يفيد أن ضمان وقف إطلاق النار في الحروب السابقة، كحرب عام 1967، وحرب عام 1973، لم يكن أبداً معلقاً على وعد بالانسحاب من الدولة المعتدية. ومن ثَم، فليس هناك أي مبرر، من وجهة نظر حزب العمل، لفرض شرط الانسحاب على العراق.

    جاء رد الحكومة على ما أثاره بعض القوى والجماعات المعارضة، أنها ـ أي الحكومة ـ لم تقصر في السعي مع الأطراف الأخرى، إلى إيجاد حل سلمي عربي للأزمة، من خلال العديد من الأساليب. منها سفر الرئيس حسني مبارك إلى العراق، إضافة إلى كلٍّ من المملكة العربية السعودية والكويت، مع البدايات الأولى لنشوب الأزمة، وقبْل تفجرها وتفاقمها، في محاولة منه لاحتواء الأزمة، داخل البيت العربي.

    وبعد أقل من أسبوع من الغزو، دعت القيادة السياسية المصرية إلى عقد مؤتمر قِمة عربية طارئة، في القاهرة، في محاولة لاحتواء مزيد من التداعيات. إضافة إلى النداءات العديدة التي وجّهها النظام المصري إلى القيادة العراقية، منذ وقوع الغزو، حتى اندلاع العمليات العسكرية، والتي بلغت في مجملها 26 نِداءً.

    السلام، إذاً، لا يمكن أن ينبني، من وجهة نظر الحكومة المصرية، ومعها بعض الأحزاب السياسية، التي أيدت اللجوء إلى الحرب، لتحقيق الشرعية الدولية ـ إلا على الانسحاب العراقي من الكويت؛ وإن استنفاد الطرق السلمية، يرجع، من وجهة نظرهما، إلى تشدد العراق، وعدم امتثاله الشرعية الدولية وقرارات المنظمة الدولية.

    وفي 24 يناير 1991، حدد الرئيس المصري، حسني مبارك، في خطاب له، أمام اجتماع مشترك لمجلسَي الشعب والشورى، عدّه "شهادة أمام التاريخ" ـ ما يمكن تسميته سيناريو لوقف حرب الخليج، وإنهاء الأزمة برمّتها، إذ قال: "لا مفر، أولاً، من الانسحاب العراقي من الكويت، وفقاً لقرارات قِمة القاهرة، ومجلس الأمن رقم (660)، وتوفير الغطاء العربي للانسحاب العراقي. ثم تبدأ مرحلة التشاور، بالتنسيق مع الأطراف المعنية، للتوصل إلى صيغة، تحفظ للعراق كرامته، وتضمن عيشه في أمان". وقال: "إن الرؤية المصرية لإنهاء الأزمة، تقوم على أساس الحفاظ على العراق والكويت، على حد سواء. والوقت لا يزال متاحاً للرئيس العراقي، لأن يوقف هذه الكارثة. إلاّ أن حاكم العراق، يؤْثِر التضحية بشعبه وجيشه، على التراجع، من أجْل زعامة زائفة" (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس محمد حسني مبارك في اجتماع مشترك لمجلسَي الشعب والشورى يوم الخميس، 24 يناير 1991 تناول فيه أحداث الخليج منذ بداية الأزمة وحتى الغزو العراقي للكويت).

    باختصار، يمكن القول، إن هناك انقساماً، في صدد ما إذا كانت قد استنفدت كافة الطرق السلمية الممكنة لحل الأزمة، قبْل اللجوء إلى الحرب، كبديل لا غنى عنه؛ إذ رأى فريق أن التذرع بتعنت العراق وتشدده، يغفل جانباً مهماً في عنصر الزمن. وأن الحصار الاقتصادي، الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت، كان في إمكانه أن يضيق الخناق عليه تضييقاً، لا يمكنه معه الإفلات منه بأي عمل عسكري؛ إذ إن ذلك لا يعدو أن يكون، في رأي هذا الفريق، ضرباً من إقدام العراق على عملية انتحارية. ومن ثَم، فإن الحصار الاقتصادي، كان يمكن أن يخفف من حدّة تشدد بغداد، ويحملها على إبداء بعض المرونة، وتقديم التنازلات.

    ويدلل هذا الفريق على ذلك، بأن العراق، قد قدَّم تنازلات من قبْل، في قضايا أساسية، وهو الأمر الذي حدث فيما يتعلق بالصراع العراقي ـ الإيراني؛ إذ قدَّم تنازلات كبيرة لإيران، بعد أيام قليلة من اجتياحه الكويت. معنى ذلك، أنه لو تُرك وقت كافٍ للحصار الاقتصادي، الذي فرض بالفعل على العراق، بقرار من الأمم المتحدة، لكان ثمة احتمال كبير، أن يُحدث آثاره في الموقف العراقي. ويرى أصحاب وجهة النظر هذه، أنه لا بأس من إعطاء العراق مؤشرات واضحة، في شأن مطالبه تجاه الكويت، قبْل الغزو، من دون أن يمس ذلك بالسيادة الكويتية. إضافة إلى إعطائه بعض الضمانات المستقبلية، بعدم تعرّض قواته لأي ضربة، من أي نوع، بعد انسحابه. وهو الأمر الذي يتطلب، من وجهة نظرهم، إعمال مبدأ الانسحاب المتزامن للقوات العراقية من الكويت، والقوات الأجنبية من المنطقة.

    إلا أن أصحاب الرأي الآخر، يرون أن النظام العراقي، قد أُعطي، بالفعل، فترة كافية من أجْل تسوية الأزمة، سلماً، بينه وبين الكويت. ومن ثَم، فإن أي حل سلمي، شرطه الأول لديهم (تعقّل) النظام العراقي الحاكم. بعبارة أخرى، لا يعدو الحل، من وجهة نظر هؤلاء، أن يكون تعاملاً مع مشكلة، ذات طرفَين: العراق والكويت. وإزاء اختفاء أحد طرفَي المشكلة، بابتلاع الآخر له، من خلال الغزو، فإن بداية أي محاولة للحل أو التسوية السلمية، بالنسبة إليهم، تشترط، أولاً وقبْل أي شيء، إحياء الطرف الآخر؛ ولا يكون ذلك، إلا بعودة الأمور إلى نصابها، أي عودة الشرعية إلى دولة الكويت، حتى يمكن المسؤولين فيها أن يجروا حواراً سلمياً مع المسؤولين العراقيين. إلا أنهم يشككون في إمكانية تحقيق ذلك بالوسائل السلمية، على أساس أن الحل السلمي، يتطلب وجود تنظيم عربي، له من السلطان والهيبة، ما يمكّنه من أن يفرض على الجميع الرضوخ لما يتفق عليه. ولو كان الأمر كذلك، لما فشلت تلك المساعي المكثفة، التي جرت في الفترة السابقة على وقوع الأزمة؛ ومن ثَم، ما كان للأزمة أن تحدث، أصلاً، ولا للحرب أن تندلع.

2. الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية

    أُثير موضوع الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية، حينما أعلن الرئيس العراقي، صدام حسين، مبادرته، بعد نحو عشرة أيام من غزو قواته دولة الكويت. كان من أهم ما دعا إليه العراق في هذه المبادرة، هي فكرة الانسحاب المتزامن للعراق من الكويت، وإسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة.

    سارع بعض القوى السياسية، على الساحة المصرية، ولا سيما الإخوان المسلمين، منذ اللحظات الأولى، إلى الترحيب بالمبادرة العراقية، وبفكرة الربط بين الصراع في الخليج والمسألة الفلسطينية؛ ورأت هذه القوى أن الشرعية الدولية، التي يُدافَع عنها في الخليج، هي مُتجاهَلة تجاهلاً تاماً، في فلسطين. ومن هذا المنطلق، كان النظر إلى أزمة الخليج وقضية الكويت، على أنها يمكن أن تطرح مقياساً، يجري على أساسه معالجة شتى أزمات المنطقة.

    ورأى بعض المحللين أن إعمال مقاييس مختلفة، في ما يتعلق بقضية الكويت والقضية الفلسطينية، يترتب عليه صعوبة عزل صدام حسين، واستطراداً، صعوبة رد العدوان في الخليج. وتساءلوا عن أسباب التمييز، وعدم الربط بين قضيتَين، هما من وجهة نظرهم، غير مختلفتَين؟ وحجتهم في ذلك، اتخاذ مجلس الأمن، في صدد أزمة الخليج الثانية، وحدها، وخلال فترة زمنية، لا تتجاوز أربعة أشهر، تمتد من وقوع الغزو، في 2 أغسطس 1990، حتى صدور قرار مجلس الأمن، الذي صرح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق، في 29 نوفمبر 1990 ـ اثني عشر قراراً؛ وهي أعلى نسبة قرارات، اتخذها المجلس، طوال تاريخه، منذ نشأة المنظمة الدولية، حيال أزمة واحدة. فضلاً عن أنه في غضون هذه الأشهر الأربعة، اجتمع مجلس الأمن مرتَين، على مستوى وزراء الخارجية. وهو ما يوضح مدى الجدية، التي عالج بها المجلس أزمة الخليج، الناجمة عن الغزو العراقي للكويت؛ إذ لم يجتمع، طوال تاريخه، على مستوى وزراء الخارجية، سوى مرتَين فقط، على الرغم من كثرة القضايا والأزمات التي واجهها.

    وهو ما ينمّ على أن القانون الدولي، لا يطبق بكيفية واحدة، على أعضاء الأسْرة الدولية؛ إذ إنه يدين الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، بينما يقف مكتوف اليدين، أمام العديد من القضايا الدولية، المرتبطة بالمبدأ عينه.

    والقائلون بالربط بين الأزمتَين، يرون أن كلتَيهما تتعلق باعتداء على الشرعية الدولية. ويعللون موقفهم بأن القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد سارعت إلى إرسال حشودها العسكرية الضخمة إلى الخليج، تحت شعار الدفاع عن الشرعية الدولية، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة المسلحة؛ وهو ما يثير، من الفور، السؤال عن الشرعية الدولية المنتهكة، من قِبل إسرائيل، في الأراضي العربية المحتلة، منذ يونيه 1967. بل يرى هؤلاء، أن رفع شعار الشرعية الدولية، لربط القضيتَين، هو مهم وضروري، وإن كان غير كافٍ، بمفرده. ويرون أنه إن لم يكن هناك ارتباط، فعلى القوى العربية أن تخلقه، على أساس أنه فرصة لتغيير النمط السائد في علاقات العرب بالقوى الغربية، أو في العلاقات بين الشمال والجنوب، ولكون زمن الأزمة، هو أفضل الأزمنة لإعادة فتح الملفات القديمة، وطرح مختلف قضايا المنطقة، ومعالجتها دفعة واحدة، أي أن أزمة الخليج وحربه الثانية، بالنسبة إليهم، يمكن أن تكونا سبيلاً إلى "تحريك للماء الراكد في الشرق الأوسط". والحقيقة، التي يجب التنويه بها، هو أن هذا الربط، قد أثار الكثير من القلق، في الدوائر الرسمية الإسرائيلية.

    وإحقاقاً للحق، فإن أنصار وجهة النظر السابقة، لم يروا في الضغط على الغرب بديلاً من الضغوط على العراق، من أجْل إنهاء احتلاله الكويت، وانسحابه من أراضيها، بل رفضوا الغزو العراقي، وجرموا احتلال الكويت بالقوة المسلحة. ومن هذا المنطلق، كانت نظرتهم إلى موقف القوى السياسية، الرافضة لعملية الربط بين القضيتَين، وعلى رأسها القيادة السياسية، على أنه يمثل خطأً سياسياً؛ فإذا صحّ لديها، أن العراق كان يناور بفكرة الربط هذه، وأنه لم يكن يقصد بمبادرة الانسحاب من الكويت، فإن الصحيح، كذلك، من وجهة نظرها، أن ثمة ارتباطاً بين القضيتَين.

    أما القيادة السياسية المصرية، فقد رفضت الربط بين احتلال الكويت وحل القضية الفلسطينية. ورأت فيه مراوغة، تضر بالقضية الفلسطينية، وتمييعاً لقضية الكويت. ودعمت وجهة نظرها، في هذا الصدد، بأنه لم يكن للرئيس العراقي، من قبْل، دور في القضية الفلسطينية.

    وعلى سبيل المثال، ذكر الرئيس المصري، حسني مبارك، في خطاب له، أمام مجلسَي الشعب والشورى، في 24 يناير 1991، أن دعوة الرئيس صدام حسين، إلى حل قضية فلسطين، كشرط للحديث عن الانسحاب، هو "خداع مفضوح، لمجرد إثارة المشاعر، وتضليل الرأي العام". وقال: "أين كان العراق، في قضية فلسطين، عام 1948 وحتى اليوم؟ وماذا كان دوره في حرب 1956، 1967، 1973؟ وماذا فعل حين دمرت إسرائيل المفاعل العراقي، عام 1981؟". وأضاف: "صدام لم يذكر فلسطين بحرف واحد، طوال اتصالاتنا، حتى بعد الغزو بعشرة أيام".

    كما علق الدكتور أسامة الباز، مدير مكتب الرئيس حسني مبارك للشؤون السياسية، على عملية الربط، بقوله: "هذه الحرب التعيسة ـ يقصد حرب الخليج ـ جعلتنا لا نعول في حل مشكلة على مشكلة أخرى، أو مشروطة بحل مشكلة أخرى، فذلك سيعقد الأمور، خاصة أمام تعنّت إسرائيل".

    كذلك أكد السفير عمرو موسى، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، آنذاك، أنه: "لا توجد أي صِلة بين القضيتَين".

    أمّا الدكتور بطرس بطرس غالي، وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية، آنذاك، فرأى "أن ربط أزمة الخليج بالقضية الفلسطينية، لا يستند إلى أُسُس قانونية موضوعية".

    ورأى بعض الساسة، أن عملية الربط بين القضايا المختلفة، يشوّه الحقائق، ويجعل من الصعب معالجة أي منها. بل رأوا في فكرة الربط، التي أثارها الرئيس العراقي في مبادرته، أنها لا تعدو أن تكون شبه اعتراف بأن عدوانه على الكويت واحتلالها، يتدنى إلى مستوى الاحتلال الصهيوني لبعض الأراضي العربية، على أثر عدوان 1967. وعليه، فهُم يعتقدون، أن الربط بين القضيتَين، على النحو الذي جاء في المبادرة، هو في مصلحة إسرائيل ومن يساندونها.

3. تجاوز تحرير الكويت إلى تدمير العراق

    مع انتهاء المهلة، التي حددها مجلس الأمن للمساعي السلمية، في 15 يناير 1991، اندلعت العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي ضد العراق، في 17 من الشهر نفسه، بصورة مكثفة، أثار معها العراق، أن التدخل العسكري لقوات التحالف، لا يستهدف تحرير الكويت، بل يرمي إلى تدمير العراق. وأن هذا التدخل قد تجاوز بشكل سافر قرار مجلس الأمن، الرقم 660، المتعلق بالانسحاب العراقي من الكويت، وليس فيه ما يسمح لقوات التحالف الدولي بتدمير العراق. وعليه، فإن اتساع نطاق التدخل العسكري، ينتهك، من وجهة النظر العراقية، قرارات مجلس الأمن، ويُعد تجاوزاً وانتهاكاً صريحَين لمبادئ القانون الدولي، ويتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

    وقد نظرت الأحزاب والقوى السياسية المعارضة في مصر، وعلى رأسها حزبا التجمّع والعمل، وجماعة الإخوان المسلمين، إلى تلك الغارات الجوية المكثفة، على أنها تهدف إلى تدمير شعب العراق وقواته. واستنكرتها بقدر استنكارها الغزو العراقي للكويت، على أساس أنه يتجاوز تحقيق الهدف من الحرب، وهو تحرير الكويت، وليس تدمير العراق.

    وأوضح رئيس حزب العمل، أن القوى المتحالفة، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى تدمير الجيش العراقي بل العراق نفسه، مستخدمة في ذلك مسألة الكويت، كحجة لتنفيذ مخطط قد رُسِمَ من قبْل. كما دعت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، التابعة لحزب التجمّع الوطني التقدمي، الوحدوي، إلى عقد مؤتمر للمثقفين المصريين، ضد ما أسمته العدوان الأمريكي على العراق. كما أثار حزب التجمّع، وعلى رأسه أمينه العام، خالد محيي الدين، أمام مجلس الشعب، أن العمليات العسكرية، الأمريكية تتجاوز حدود تحرير الكويت، وترمي إلى تدمير القدرات العراقية. ومع استمرار الحرب، على الرغم من إعلان العراق، من مبادرته، الاستعداد للتفاوض على أساس الانسحاب، أعلن حزب التجمّع، أن الولايات المتحدة الأمريكية، كشفت عن نياتها، الرامية إلى تدمير العراق، وإخراجه من معادلة توازن القوى في المنطقة، في مصلحة إسرائيل.

    وعليه، اجتمع رؤساء أحزاب التجمّع والعمل والخضر ومصر الفتاة، وممثلو الناصريين والشيوعيين والإخوان المسلمين، لتحديد مواعيد يلتقي فيها رؤساؤهم سفراء الدول الخمس الكبرى، لتقديم احتجاج على العدوان الأمريكي، والمطالبة بوقف الحرب، من الفور، ضد العراق.

    وأكد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، أن الائتلاف الدولي العسكري، يعمل على تدمير العراق، لجعل إسرائيل القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأضاف: "بغض النظر عن قبح الجريمة، التي ارتكبها حاكم العراق ونظامه، فإننا لا نستطيع أن نجيب بشيء، يجعل الأمور أسوأ. وأن تدمير العراق، يعني أن الدولة الوحيدة، ذات القوة في المنطقة، ستكون إسرائيل". كما رأت القوى السياسية المصرية المعارضة، أن الغارات الجوية المكثفة ضد العراق، تهدف، بالأساس، إلى تدمير المنشآت العراقية، الصناعية والمدنية، وليس العسكرية، بدعوى أنها ضرورة لتحرير الكويت. وأن هذا الإجراء، هو من قبِيل التعسف في استخدام الحق، بدليل أن الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، ذكر في تصريح له، أن العملية العسكرية في الخليج، تنذر بتجاوز الترخيص باستخدام القوة لإخراج العراق من الكويت. ولعل الدليل الأبرز، هو ما أعلنه المتحدث العسكري الأمريكي، أن قوات الائتلاف، هاجمت 42 جسراً من إجمالي 65 جسراً، في العراق.

    كذلك أوضح بعض أحزاب المعارضة، أن ثمة أهدافاً أخرى، تكمن وراء التجاوز والتصعيد العسكري. منها أن هناك مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية في تدمير ترسانة الحرب العراقية، وبخاصة الأسلحة المحظورة، ليست لاعتداء العراق على الشرعية الدولية، بغزوه الكويت؛ ولكن لأنه يناصب إسرائيل العداء، أساساً. ومنها، كذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى اختبار بعض الأسلحة الجديدة في ترسانتها العسكرية، كانت قد أعدّت للحرب العالمية الثالثة، ولم تسنح الفرصة لاختبارها، نظراً إلى حلول الوفاق الدولي، بين الشرق والغرب. ومنها، إضافة إلى ذلك، أن ثمة أسلحة مكدسة، ولا بدّ من استهلاكها، وليس اختبارها ميدانياً فقط، وقد سنحت الفرصة لذلك، خلال أزمة الكويت. ومنها، أخيراً، أن هناك مغريات بهذا التجاوز للهدف الأصلي المنشود، وهو تحرير الكويت، إلى تدمير العراق؛ لأنه كلما ازداد الدمار، ازدادت أعمال إعادة البناء رواجاً، في الكويت والعراق معاً.

    ودعا حزب العمل إلى ضرورة تحديد المدى، الذي رسمه قرار مجلس الأمن، المتعلق باستخدام القوة لتحرير الكويت. فالقرار، كما يرى الحزب، يهدف، أساساً، إلى حمْل العراق على الانسحاب من الكويت؛ ومن ثَم، فهو واضح، ومُحدد، ولا يبيح التجاوز إلى تدمير العراق الأمر الذي يمكن أن يُعَدّ خروجاً على الشرعية الدولية.

    وإزاء ذلك، تعالت الأصوات المطالبة بضرورة التمييز بين العمليات العسكرية، الضرورية لتحرير الكويت، وتلك التي قد تتجاوزه، إلى تدمير العراق، بما يعنيه ذلك من الكف تماماً عن تدمير المنشآت المعدَّة، أصلاً، للاستخدام المدني، حتى لو كان لها وظيفة عسكرية ثانوية، أو غير مباشرة.

    بيد أن بعض الأصوات، بررت تلك التجاوزات، على أساس أن العمليات العسكرية مشروعة، وتنفَّذ بناءً على قرار مجلس الأمن، الرقم 678، الذي يستند، بدوره، إلى ميثاق الأمم المتحدة. وبالضرورة، فإن أي قتال، لا يمكن أن يقتصر على قتال القوات المتحاربة فقط، بل لا بدّ أن يمتد إلى الأهداف الإستراتيجية، التي تدعم هذه القوات وتعاونها. كما ارتفع بعض الأصوات، التي تنادي بأن المصلحة العربية العليا، تقتضي أن تبقى القوة العراقية ركيزة أساسية من ركائز القدرة العربية الكلية؛ لأن تدميرها معناه انحسار ما تمثله من ثقل، لا يستهان به، في معادلة التوازن مع إسرائيل. إلا أن بعض المحللين، رأوا أن قيمة القوة تتحدد بوظيفتها، أي أن الوظيفة، هي التي تعطي القوة قيمتها، وأن ذلك يرتبط بالهدف، الذي تسعى هذه القوة إلى تحقيقه، وتعمل من أجله، وتسخّر لخدمته. ومن هذا المنطلق، فهُم يرون، أن القوة إذا عجزت عن أن تحدد هدفاً واضحاً لنفسها، وأن تضطلع بوظيفة قومية، تكون محل إجماع عام، تصبح عبئاً وتبديداً. فما بالك إذا تحولت إلى ضرب جزء من الأمة نفسها، كما فعل العراق بقوّته!

    وفي المقابل، أعلنت مصر، رسمياً، أنها لا تريد تدمير العراق. وأن كل ما تريده، هو تحرير الكويت، وتأمين المملكة العربية السعودية ودول الخليج.

    فمصر تريد العراق القوي؛ ولذلك، استماتت قيادتها في تجنّب الحرب، كوسيلة لتحرير الكويت. كما أن موقفها الرسمي، يُعبر عمّا يظهره الرأي العام المصري، من تعاطف مع مأساة الشعب العراقي، وإجماعه على ضرورة حصر وسائل الحرب وأدواتها، كي يمكن تجنّب خسائر المدنيين، وعدم تعرّض البنْية الأساسية للمجتمع والدولة العراقيَّين، لأخطار جسيمة، يدفع فيها الشعب العراقي ضريبة مغالى فيها، لجرائم نظامه السياسي فيه.

4. العلاقات بين مصر وبعض الدول المؤيدة للعراق

أ. العلاقات المصرية ـ السودانية

    في ضوء الأحداث المعادية لمصر، التي شهدتها العاصمة السودانية، الخرطوم، التي شهدت عدة تظاهرات، ترددت خلالها هتافات معادية لمصر، كما أقدم المتظاهرون على إحراق العلم المصري، واعتدوا على مقر السفارة المصرية، في ضاحية القرن، وعلى عدد من المصريين العاملين في السودان، وكرد فعل إزاء ذلك ـ بادرت مصر إلى إغلاق سفارتها ومكاتبها العاملة في الخرطوم، وقطعت رحلات الطيران إلى العاصمة السودانية، وطلبت من بعض نُشطَاء الجبهة الإسلامية السودانية، الموجودين في مصر، مغادرتها، من الفور. كما لم تسمح سلطات مطار القاهرة للسودانيين بالدخول إلى مصر، إلا لأصحاب الحالات الإنسانية، وأعيد كثير من طائرات الخطوط الجوية السودانية بمن فيها. وانطبق الأمر نفسه على القادمين إلى مصر، من طريق ميناء السد العالي، في جنوبي البلاد. كما أمرت سلطات الأمن المصرية بترحيل 172 سودانياً إلى الخرطوم، وكانوا قد وصلوا إلى ميناء نويبع، قادمين من الأردن، وتنقلوا بالحافلات إلى مطار القاهرة، ومنه إلى الخرطوم، على متن طائرة سودانية.

ب. العلاقات المصرية ـ اليمنية

    قررت مصر تخفيض حجم بعثتها الدبلوماسية إلى صنعاء، في ضوء ما شهدته العاصمة اليمنية من مظاهرات معادية لمصر. وأصدرت وزارة الخارجية اليمنية بياناً، في 21 يناير 1991، أعلنت فيه: "أن اليمن تؤكد، من جديد، على عمق الروابط الأخوية، بين اليمني والمصري، وعلى خصوصية هذه الروابط". ونفت الخارجية اليمنية ما أذيع من أن حكومة الجمهورية اليمنية، نظمت مظاهـرات معاديـة ضد السفارة المصرية في صنعاء، مؤكدة أن تصرفاً من هـذا القبيل، لا تقره ولا تفكر فيه حكومة الجمهورية اليمنية.

    وفي خطاب للرئيس المصري، حسني مبارك، في الاجتماع المشترك لمجلسَي الشعب والشورى، في 24 يناير 1991، أعرب عن أسفه للتصريحات الغريبة، التي أدلى بها الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، وقال فيها إن العراق لا يزال صامداً، حتى الآن، وليس مثل بعض الدول، التي اعتادت الحرب الخاطفة، في حربَي 1967، 1973. وتسأل الرئيس حسني مبارك: "أي صمود هذا، إذا كان العراق لا يزال يتعرض، كل يوم، للضرب، وشعبه يضيع؟". واستطرد قائلاً: "إنه لا بدّ للرئيس اليمني أن يعرف الجغرافيا وتاريخ الشعوب، وفلسفة نظام الحكم في مصر. وأرجو أن يقرأ الأخ علي عبدالله صالح التاريخ، ويدرسه بعمق. فالحاكم المصري يحافظ على دماء شعبه، وعندما يجد أن الموقف سيؤدي إلى قتل الأبرياء، فإنه يوقف القتال".



[1] البيان الصادر عن اجتماع رؤساء ممثلو الأحزاب والقوى السياسية في مصر، في 3 فبراير 1991.