إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / مؤتمر صفوان (3 مارس 1991)









مقدمة

ثالثاً: تساؤلات عن أسباب عدم إقصاء صدام حسين

   للتخلص من الرئيس العراقي، لا بدّ من توسيع الحرب البرية، والزحف لاحتلال العراق. وهو ما سيُعَدّ انتهاكاً للخط الأمريكي العام، الذي يرفض تغيير الأهداف في منتصف الطريق. فضلاً عن تكلفة، سياسية وإنسانية، غير محسوبة.

    حتى لو زُحف إلى بغداد، فإن اعتقال صدام حسين، مهمة شائكة. بل إن الرئيس بوش، قال: "إن القبض على صدام حسين، يُعدّ أمراً شبه مستحيل؛ إذ إننا لم نستطع القبض على نورييجا، في بنما، وهي التي كنّا نعرفها خير معرفة!".

    ويقول الرئيس الأمريكي، في كتابه " التحول العالمي" (A World Transformed): "وفي هذه الحالة (أي محاولة القبض على صدام)، قد نضطر إلى احتلال بغداد، ومن ثَمّ حُكْم العراق كله، والسيطرة عليه. ويخشى، آنئذٍ، أن ينهار التحالف، من الفور، بانسحاب العرب منه، غاضبين، إيذاناً بانسحاب حلفاء آخرين.

    وفي مثل هذه الظروف، لن يكون هناك "إستراتيجية خروج"، قابلة للتطبيق. فنكون قد انتهكنا قيماً أخرى، طالما حرصنا على إرسائها. إضافة إلى ذلك، سنكون كمنْ يحاول إرساء قاعدة لكيفية التعامل مع العدوان، في عالم ما بعد الحرب الباردة. إن التوغل في العراق واحتلاله، متجاوزين، من طرف واحد، التفويض الصادر عن الأمم المتحدة، قد يدمر سابقة الاستجابة الدولية، للوقوف في وجه العدوان، والتي كنّا نأمل إرساء قواعدها. وإذا ما مضينا في الغزو، فسيُنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على أنها لا تزال قوة احتلال، في أرض معادية لنا مملوءة بكراهيتنا. ومن المؤكد، أن النهاية ستكون مأسوية".

    ويضيف الرئيس بوش، في كتابه، قائلاً: "لقد ناقشنا، بإسهاب، فكرة إجبار صدام نفسه، على قبول الشروط المترتبة على هزيمة العراق، في صفوان، إلى الشمال مباشرة من الحدود الكويتية ـ العراقية. ولفتنا عن ذلك مسؤولية هذا الإجراء، وتبعاته السياسية؛ ولا سيما منها تلك الناجمة عن الإذلال، نتيجة الهزيمة النكراء. وأخيراً، سألنا أنفسنا: ماذا سنفعل، إذا رفض؟ وخلصنا إلى أن هناك خيارَين: الاستمرار في الصراع، حتى يذعن؛ أو التراجع عن مطالبنا. والخيار الثاني، سيساء فهْمه؛ لأنه يُعد إشارة إلى إمكان تخلينا عمّا نطلب، مما ينذر بعاقبة وخيمة. والخيار الأول، سيؤدي، حتماً، إلى تخلِّي شركائنا العرب عن التحالف؛ لأننا، في الواقع، أجبرنا على تغيير أهدافنا. وبدراسة هذَين الخيارَين البغيضَين، سمحنا لصدام أن يتجنب الاستسلام الشخصي. وسمحنا له بإرسال واحد من قادته العسكريين. ربما كان هناك خيار ثالث أمامنا، بإنزال عقوبة منتقاة، مثل ضربات جوية ضد وحدات عسكرية مختلفة. ولكن، لقد أنجزنا مهمتنا المحددة خير إنجاز؛ وصفوان كانت تنتظر".

    وطبقاً للقواعد التي أرسيناها، فإننا أوقفنا القتال، بعد تحقيق أهدافنا الإستراتيجية (طرْد القوات العراقية من الكويت، وتقليص قدرة صدام حسين على تهديد المنطقة). ولكن المعايير الضرورية، التي رهنا بها أهدافنا، وغموض ضباب الحرب، وعدم الاستسلام بطريقة "السفينة ميسوري" ـ تركت مشاكل كثيرة من دون حل، بل أدت إلى ظهور أخرى جديدة.

   وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بوش، في الأول من مارس 1991، بعد خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأمريكي، وفي ردهّ على سؤال حول إقصاء صدام حسين وملاحقته وتقديمه إلى المحاكمة كمجرم حرب ـ قال: "لا، لا أنوي قول ذلك. لا ملاحقة له. ولكن، لا يمكن تبرئة أحدٍ من تبعاته، وفقاً للقانون الدولي، في ما يتعلق بجرائم الحرب الواردة في ذلك".

    كما سئل الرئيس بوش عمّن يكون مسؤولاً، غير صدام حسين، عن الفظاعات، التي ارتُكبت ضد الكويتيين، فقال: "إن الأشخاص، الذين ارتكبوا، فعلاً، التعذيب والجرائم الغادرة ـ هم أنفسهم الذين يتحملون المسؤولية". واستطرد قائلاً: "إن عملية، تستهدف محاكمتهم والعثور عليهم، ستكون معقدة".

    وثمة بعض التساؤلات، التي يمكن طرحها، في شأن عدم إقصاء صدام حسين، حتى بعد مرور عدة سنوات على الحرب:

·   ألمْ يكن في مقدور الولايات المتحدة الأمريكية، أن تنشط، وقوّتها العسكرية، لمّا تزل داخل الأراضي العراقية، إلى إقصاء صدام حسين، وخروجه من العراق؟

·   ألمْ يكن في وُسْعها، من خلال الأمم المتحدة، توجيه العديد من التهم إلى صدام حسين، والتي تجعل من السهل الضغط عليه، للتنازل عن السلطة؟

·   ألمْ يكن في الإمكان إشراك قوات التحالف في اجتماع مشترك، من أجْل مناقشة مصير العراق ونظامه، بعد الحرب؟ وهل من سبب يحُول دون هذا الاجتماع؛ إذ إن من سيشارك في الحرب، يمكنه المشاركة في قرار ما بعد الحرب.

·   ألمْ يكن في وُسْع الولايات المتحدة الأمريكية، أن تؤجل عقد مؤتمر صفوان، ريثما تُعِدّ مع دول التحالف، وثيقة استسلام، يوقّعها مسؤول عراقي كبير، وتكون إيذاناً بنهاية حكم صدام حسين؟

    أما جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، فيذكر، في كتابه "سياسة الدبلوماسية" (The Politics Diplomacy)، الأسباب التي حالت دون قرار زحف القوات الأمريكية إلى بغداد قائلاً:

    "إلى يومنا هذا، لا يزال الجدل دائراً، في أسباب عدم مواصلة هجوم قوات التحالف نحو بغداد، لإطاحة نظام صدام حسين. أعتقد أن هذه الفكرة مملوءة بالهراء، كما كانت من قبل. ولم تكن بسبب التفسير القانوني الضيق، أن قرارات الأمم المتحدة، لن تفوّض إلى القوات المتحالفة ما يتجاوز تحرير الكويت. ولكن الحقيقة الكاملة، كانت تجسد أبعاداً أخرى، إستراتيجية، وواقعية ـ سياسية، ودبلوماسية، ونفسية، منعت الرئيس الأمريكي، بوش، من اتخاذ قرار الزحف إلى بغداد".

1. البُعد الإستراتيجي

    كان الهدف الحقيقي لقوات التحالف، هو إخراج العراق من الكويت، بطريقة تكفل تدمير القدرات العسكرية الهجومية لصدام حسين، وتجعل سقوطه من السلطة أكثر احتمالاً. وعند إعلان وقف إطلاق النار، في 28 فبراير 1991، كان الجزء الأكبر من الآلة العسكرية العراقية، قد دُمّر، بما في ذلك معظم برامج أسلحتها النووية والكيماوية والبيولوجية. وبإنجاز الأهداف، السياسية والعسكرية، لم يكن هناك سبب لتُدفع القوات نحو الشمال.

2. البُعد العملي ـ السياسي

    إن الزحف إلى بغداد، سيحوّل صدام حسين إلى بطل قومي. وإذا بحرب تحرير الكويت من غزو، ندد به العالم، تتحول إلى غزو أمريكي للعراق. كذلك، فإن احتمالات العثور على صدام حسين، كانت مستبعدة؛ إذ في بنما، البلد المعروف جيداً للولايات المتحدة الأمريكية، والذي تمركزت فيه قواتها، لسنوات عدة، استغرق العثور على الجنرال مانويل نورييجا، عام 1989، خمسة عشر يوماً. فضلاً عن أنه كان لبنما حكومة ديموقراطية، ومنتخبة، يمكنها السيطرة على الأمور؛ في حين ليس للمعارضة المنظمة ضد صدام أي وجود. إضافة إلى ذلك، فقد كان من المتوقع أن يقاوم الجنود، والمدنيون، العراقيون قوات العدو، الذي يريد احتلال أراضٍ من بلدهم، مقاومة، تختلف عن مقاومتهم في معركة الكويت. حتى لو قُبض على صدام، وانهار نظامه، فإن على القوات الأمريكية مواجهة الأمر الواقع، كقوة احتلال، عليها أن تستمر حتى تستقيم الأمور، وتجد حكومة، يمكنها إدارة دفة الحكم. ناهيك أن حرب المدن، ستسفر عن خسائر جسيمة، في القوات الأمريكية، تفوق خسائرها في الحرب نفسها، مما يفتح عاصفة نيرانية سياسية ضدنا، داخل الولايات المتحدة؛ فضلاً عن نقد حلفائنا الحاد، وتفكك التحالف الدولي.

3. البُعد الدبلوماسي

    الإلحاح في الزحف إلى بغداد، لن يقتصر على هدم التحالف فحسب، بل سيحدث زلزالاً. فضلاً أنه لن يسمح للولايات المتحدة الأمريكية ببدء عملية سلام ذات معنى، بعد أن يفقد التحالف كل أعضائه العرب. ناهيك أن إضعاف العراق، واختفاء صدام، قد يتيحان لإيران فرصة جيدة، لنشر الأصولية الإسلامية، بمساعدة شيعة العراق. وسرعان ما يتحولون إلى قوة هيمنة إقليمية، طالما هجست في إدارة الرئيس بوش، ودول التحالف.

4. البُعد النفسي

    رفع معنويات الأمريكيين انتصارهم في الحرب، فبددت "عاصفة الصحراء"، في ستة أسابيع، الميراث المرير لحرب فيتنام. واجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية حمى النصر اجتياحاً، لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية. فلا عجب أن يطغى على الشارع الأمريكي، ضرورة إعادة الأبناء إلى الوطن.

    ولم يكن هناك أي رغبة، على المستويات العليا للحكومة الأمريكية، في احتلال أي جزء من العراق. ناهيك أن الجيش، كان يرفض ذلك، بقوة. بل إن المملكة العربية السعودية، أبلغت وزير الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر، في 27 فبراير 1991 (توقيت واشنطن)، من طريق سفيرها إلى واشنطن، صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان ـ أن العالم العربي، يهمه أن يحدث الانسحاب، بسرعة، وبشكل ملحوظ. وفي نهاية الحرب، سيطرت قوات التحالف على مساحة كبيرة من جنوبي العراق، أي كل ما يقع جنوب السماوة وشرقها، أسفل نهر الفرات، حتى البصرة، حيث بُثّت الألغام، وكثرت الذخيرة الحية، غير المتفجرة؛ ما أثار قلق شوارتزكوف من حدوث خسائر بشرية، لا مبرر لها. وعبّر عن ذلك لوزير الخارجية، بيكر، عند زيارته الرياض، في مارس 1991، بالقول: "إن احتلال أي أرض، لا يحقق هدفاً عسكرياً. وأكد أن رجاله يعيشون في الحفر، من دون أي هدف؛ فليس هناك خصم، بعد انهزام العدو شر هزيمة. وأن المنطقة، التي يوجد فيها الجنود، شديدة الخطر؛ فهي مملوءة بالألغام والقنابل الانشطارية. وبالفعل، أبلغه بيكر أن الرئيس بوش يريد عودة القوات بأسرع ما يمكن".

    وعن التقدم إلى بغداد، يقول الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان: "كنت أعلم أن التقدم إلى بغداد، لم يكن أمراً وارداً على الإطلاق. ولم يطرح مثل هذا الموضوع للنقاش البتة. وغني عن البيان، أن هذا الأمر، كان مرفوضاً من كل الدول العربية في التحالف. وهو، بالتأكيد، أمر غير قابل للنقاش من جانب المملكة، ويلقى المعارضة كل المعارضة.

    كنّا حريصين على تهيئة المناخ الملائم أمام الشعب العراقي، دون أن نتدخل بشكل مباشر، ليتخلص بنفسه من صدام، الذي ألحق به العار والهزيمة؛ فالعراق ، قبل كل شيء، جار عربي، قاتلناه مكرهين. وعلينا، الآن ومستقبلاً، أن نتعايش معه في وئام".