إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / مؤتمر صفوان (3 مارس 1991)









مقدمة

خامساً: الإعداد لمؤتمر صفوان

    يقول الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان، عن الترتيب لعقد مؤتمر صفوان:

   "أصدر الرئيس بوش أوامره بوقف العمليات العسكرية كافة، صباح ذلك اليوم، وبالتحديد، في الثامنة من صباح يوم 28 فبراير، بتوقيت الرياض (منتصف ليل 27 فبراير، بتوقيت شرقي الولايات المتحدة). وكان ذلك إيذاناً بنهاية رسمية للعمليات العسكرية في حرب الخليج. وتوقعت أن الرئيس الأمريكي، كان يريد ترتيب لقاء، يعلن فيه العراقيون استسلامهم الرسمي لقوات التحالف. وتصورْت مشهداً مَهيباً، كالذي حدث في "خليج طوكيو"، في سبتمبر 1945، حينما قَبِلَ الجنرال ماك آرثر استسلام اليابانيين"[1].

    ويؤيد ذلك الرئيس بوش، في كتابه "التحول العالمي"، بقوله: "ولكن القيود الضرورية، المفروضة على أهدافنا؛ والغموض الناتج من ضباب الحرب؛ وعدم تنفيذ الاستسلام مثل ما تم على السفينة ميسوري، عام 1945 ـ تركت العديد من المشاكل من دون حل، بل أسفرت عن مشاكل جديدة، لم تكن معلومة من قبْل".

    وأكد الفريق الأول الركن، خالد بن سلطان، أهمية استسلام العراق، من خلال وثيقة رسمية، بقوله: "كان عدم وجود وثيقة رسمية للاستسلام، أمراً مخيباً للآمال. فقد كان من شأن تلك الوثيقة أن تساعد على الإطاحة بصدام.

    وفي شأن تعاون سموّه مع شوارتزكوف، على عقد مؤتمر صفوان، يقول قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، إنه عندما صدرت إليه التعليمات بالتعاون مع شوارتزكوف، في شأن الاجتماع المقترح مع العراقيين، في 2 مارس 1991، "اجتمعت وشوارتزكوف، في الحادية عشرة ليلاً، في غرفة العمليات الرئيسية. وبادرته قائلاً: "... لدي سؤالان مبدئيان: إلى من سنجتمع؟ وأين سيكون الاجتماع؟".

    رد شوارتزكوف: "فلْنتحدث عن المكان، أولاً. ما رأيك في حاملة طائرات أمريكية؟ هل تقبل ذلك؟".

   ردَدَت، بكل حزم: "لا. هذا أمر غير وارد على الإطلاق". كنت أرى أن عقد اجتماع إلى العراقيين، على متن حاملة طائرات أمريكية، سيجعله مشهداً أمريكياً صرفاً.

    قال شوارتزكوف" :إن كان هذا رأيك، فلْنجتمع في الرياض، إن شئت، أو في أيّ مكان آخر".

    أجبته: "لا مانع مطلقاً من أن نجتمع في الرياض، أو في جنيف، مثلاً".

    فعاد يسأل: "ما رأيك في مكان داخل الكويت، أو العراق نفسها؟".

    قلت له: "لا مانع من ذلك أيضاً".

   عندئذٍ، طرح شوارتزكوف عليّ فكرة عقد المباحثات في صفوان، مشيراً إلى أن هذا المكان، يتمتع بميزات عدة؛ فهو قريب من الكويت، إذ يقع شمال الكويت مباشرة، وفيه مهبط للطائرات، ويمكن جميع قادة التحالف الوصول إليه بسهولة كاملة وأمان تام. والأهم من ذلك، أنها أرض عراقية، مما يؤكد للعالم أجمع، وللشعب العراقي، هزيمة صدام وانتصار قوات التحالف.

   وعندما انتقلنا إلى الحديث عن أعضاء الوفد العراقي، قال شوارتزكوف، إنه لا يعرف أسماءهم، حتى ذلك الحين. فاعترضت قائلاً: "كيف نُعد لاجتماع، دون أن نعرف إلى من سنجتمع؟".

   أجاب شوارتزكوف: "يبدو أنه حتى حكومتي، لا تعرف مَن الذين سيرسلهم صدام".

   ولم يكن ذلك الوضع يرضيني أبداً. أبلغت شوارتزكوف ضرورة إصرارنا على أن يرسل العراقيون إلى المباحثات، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، ليكون رمزاً سياسياً، يؤكد حقيقة هزيمة صدام. لقد كسبنا الحرب، ومن حقنا الاجتماع إلى مسؤولين عراقيين أعلى منا مرتبة، لا أدنى، لكي نكسر شوكة صدام، ونرغم أنفه، ونساعد على إسقاطه".

   وبعد اتصال "شوارتزكوف بالفريق الأول كولين باول، في البنتاجون... قال لي: كلنا متفق معك في الرأي". وعندما سألته من يقصد، قال: "باول وتشيني وأنا". "وقد أسعدني أن تكون وجهة نظري، قد لاقت تفهماً وقبولاً، وأنني نجحت في تأخير عقد المباحثات، مما يعطينا المزيد من الوقت لاتخاذ الترتيبات اللازمة".

   وإمعاناً في الإعداد لمؤتمر صفوان، الذي تأجل إلى 3 مارس 1991، عُقد اجتماع، ظُهر 2 مارس، بين الجنرال شوارتزكوف والفريق الركن خالد بن سلطان، نوقِشَت فيه عدة مسائل، أبرزها:

  • موضوع الوفد العراقي.
  • الموضوعات التي ستُناقَش خلال المؤتمر.

    وعن المسألة الأولى، يقول قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات: "على الرغم من أن المباحثات، كانت ستبدأ صبيحة اليوم التالي، إلا أن شوارتزكوف لم يكن يعرف، حتى تلك اللحظة، أسماء أعضاء الوفد العراقي. ولم أحبِّذ الذهاب، في ظل هذا الوضع الغامض. واقترحت أنه من الأفضل، في ظل تلك الظروف، أن نرسل نائبَينا، لا سيما إذا تبين لنا أن أعضاء الوفد دوننا رتبة.

   وفي تلك اللحظة، جاء ضابط استخبارات من القيادة المركزية الأمريكية، مسرعاً، ومعه اسمان من كبار الضباط العراقيين. أخذتنا الدهشة، ونحن نقرأ اسمَي الضابطَين العراقيَّين. كان الاسم الأول، هو الفريق سلطان هاشم أحمد. والاسم الثاني، هو الفريق صالح عبود محمود. ولكن الاسمَين لم يعنيا شيئاً بالنسبة إلينا...، فتبين لنا أن الفريق سلطان، يشغل منصب نائب رئيس الأركان؛ بينما الفريق صالح، هو قائد الفيلق الثالث... كانت وجهة نظري، ألاّ تكون مباحثاتنا مع ضابطَين عراقيَّين، ليسا في المستوى القيادي المطلوب. ولكني لم أشأ أن أستمر في الاعتراض، خشية أن يُحدِثَ ذلك صَدْعاً في صف التحالف، في أيامه الأخيرة.

   قلت لشوارتزكوف: "إن حضور الاجتماع، أمر لا يروق لي أبداً. وأرى أن حضورنا، سيكون غلطة كبيرة. ولكن، لا بديل أمامي سوى الحضور".

   لكن بات واضحاً، أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تريد أن تمارس المزيد من الضغط، في هذا الاتجاه. كان لديّ شعور قوي، أن الإدارة الأمريكية، مثلما حدَّدتْ توقيت إيقاف العمليات العسكرية، بما يمكِّنها من إطلاق العبارة الطنانة: "حرب المائة ساعة"، فإن هدفها من اجتماع صفوان، كان الدعاية، لا أكثر، ولا أقل. أراد الأمريكيون له أن يكون حدثاً إعلامياً، دون مردود، سياسي أو عسكري".

    ويؤكد هذا الرأي أحد مراسلي البنتاجون، ميشيل جوردون، في كتابه "حرب الجنرالات":

    المجهودات الأولي في ترتيب الاجتماع، تبخرت، عندما قال الأمير خالد، ممتعضاً، إن ممثلي العراق في الاجتماع، حديثو الرتبة، ولا يليق أن يتباحثوا مع كبار قادة قوات التحالف. لقد كان شوارتزكوف راغباً كل الرغبة في عقد هذا الاجتماع، وحريصاً على عقد اتفاقية، بعد نصر الحلفاء الساحق، تسمح له بسحب قواته. ولكن، كان عليه أن يُذعن لنظيره السعودي. وفي النهاية، اقترح العراقيون إرسال فريق على مستًوي عالٍ. فأرسلوا الفريق سلطان هاشم أحمد، نائب رئيس أركان القوات المسلحة العراقية، والفريق صالح عبود محمود، قائد الفيلق الثالث، الذي خطط معركة الخفجي.

   أما المسألة الثانية، فيقول فيها قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات: "بدلاً من مناقشة إجراءات الاستسلام الرسمية، أو الاعتراف العلني بأن صداماً قد خسر الحرب، طُلب منّا أن، "نناقش"، مع الجانب العراقي، بعض القضايا الفنية، كإطلاق الأسرى، وجمْع جثث القتلى، وتحديد مواقع حقول الألغام، والفصل بين القوات. قضايا كان يمكن لضباط أركاننا مناقشتها، على نحو أكثر تفصيلاً.

    تولّد لديّ شعور بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن تسعى إلى الحصول على استسلام عراقي رسمي، أو كانت ترى، أن ذلك أمر غير مناسب. لذا، لا يسعني سوى تخمين أسباب هذا التوجه. فلعل من هذه الأسباب، ترجيح الإدارة الأمريكية، أن صداماً لن يبقى في الحكم، بعد أن تعرض لكل تلك المهانة والعقاب، وأن شعبه سيطيح به، لا محالة. وربما دفع هذا الاعتقاد الرئيس بوش، ومستشاريه، إلى العمل على التئام جراح الحرب، بما يتفق والنظام العالمي الجديد، الذي كانت واشنطن تأمل أن يتمخَّض عنه ذلك الصراع. وربما ارتأت الإدارة الأمريكية، أيضاً، أن تُبقي على العراق، كقوة، يمكنها الدفاع عن نفسها، ويكون لها ثِقَل إقليمي موازن لإيران.

   من جهة أخرى، قد يكون هناك تفسير أبسط لذلك المسلك الأمريكي، هو أن الحرب قد وضعت أوزارها، ولم يعد هناك حماسة لمواصلة القتال. إذ بعد هزيمة العراقيين وفرارهم، فإن مواصلة قتالهم، ستثير الرأي العالمي، الذي سيستنكر، دون شك، الاستمرار في إراقة الدماء، في معركة، أصبح من الواضح، أنها غير متكافئة. فضلاً عن أن خسائر التحالف لا تكاد تُذكر. وكأن لسان حال الأمريكيين والبريطانيين يقول: "يكفي ما حدث، ولا ضرورة لخسائر أكثر. فلْنجمع شتات الأمر، ونسرع بالرحيل".

   ويستطرد قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات قائلاً: "ربما كانت تلك بعض الأسباب، التي دعت إلى وضع الترتيبات لمباحثات صفوان، على عَجَل، دون تقدير للآثار والعواقب، التي قد تنجُم عنها في المدى البعيد".

    وعن جدول أعمال المؤتمر قال الفريق الأول الركن خالد بن سلطان:

   "وبينما كنت أناقش مع شوارتزكوف، جدول الأعمال المقتضب لاجتماع صفوان، في وقت متأخر من يوم 2 مارس، حاولت أن أضع خطاً واضحاً، يُحدد مسؤولية كلٍّ منّا. فأبلغته أنني سأتناول الموضوعات، التي تقع في نطاق سلطاتي، مثل موضوع إعادة الأسرى المدنيين الكويتيين، الذين أُخذوا إلى العراق رغماً عنهم. وسأترك له الموضوعات، التي تقع في نطاق سلطاته، بما ذلك موضوع أسرى الحرب، والفصل بين القوات. لم أكن أريد التدخل في موضوع الفصل بين القوات، لأنه لا يعنيني؛ فالقوات الأمريكية، وليس قواتي، هي التي كانت تحتل جزءاً كبيراً من الأراضي العراقية، وهي التي لا تزال تواجه العراقيين وجهاً لوجه، بل تقاتلهم أيضاً. لم يكن بيننا وبين القوات العراقية اتصال مباشر، بعد أن تمركزت القوات الأمريكية بيننا وبينها".



[1] في 2 سبتمبر 1945، وقع ممثلو اليابان على وثيقة الاستسلام على ظهر سفينة القيادة الأمريكية ميسوري "Missouri" ، التي كانت ترابط في خليج طوكيو على مرمى البصر من جبل فوجي ياما، وكانت تحيط بالسفينة ميسوري مجموعة كبيرة من السفن الأمريكية والبريطانية. وكان وفد الاستسلام الياباني يتكون من تسعة أفراد ستة منهم بالزي العسكري وثلاثة بالملابس المدنية. كان يرأس الوفد وزير الخارجية شيجمتسو "Shigemitsu" ، وجلسوا على مائدة وضعت عليها نسختان من وثائق الاستسلام. وألقى الجنرال الأمريكي ماك آرثر كلمة قال فيها أن الخلاف في الأفكار والمثل قد حسم في ميادين القتال، وعبر عن أمله في قيام عالم أفضل، ثم دعا ممثلي اليابان لتوقيع وثيقة الاستسلام، فتقدم وزير الخارجية ووقع بقلمه على النسختين، ثم تبعه الجنرال أوميزو "Omezu" ، ممثل القيادة العليا اليابانية والإمبراطور. ثم تتابع ممثلو الحلفاء للتوقيع ( ويمثلون إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ـ بريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين وأستراليا)، ثم قال ماك آرثر: " فلنصل من أجل السلام، وندعو الله أن يحفظه على الدوام، لقد انتهت الإجراءات". وبعد الحفل، قامت 436 طائرة أمريكية من الطائرات الضخمة، بالتحليق فوق طوكيو في استعراض للقوة الجوية الأمريكية أمام الشعب الياباني، ثم تقدمت 42 سفينة نقل إلى خليج طوكيو، لإنزال ثلاثة عشر ألف من القوات لتنضم إلى العشرين ألف التي كانت هناك من قبل. وفي واشنطن وجه الرئيس ترومان حديثاً في الإذاعة إلى الشعب الأمريكي، وأعلن أن يوم الأحد 2 سبتمبر 1945، هو يوم النصر على اليابان (Victory Japan Day) . وفي 5 سبتمبر رفع علم الولايات المتحدة الأمريكية على طوكيو. وهكذا انتهت الحرب العالمية الثانية رسمياً، بعد ست سنوات ويوم واحد، منذ بدأت عقب هجوم هتلر على بولندا، وبعد أربعة أشهر من استسلام ألمانيا، ولو أن النهاية الحقيقية كانت في 14 أغسطس 1945 عندما أعلن الإمبراطور الاستسلام بالشروط التي وضعها الحلفاء.