إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / مؤتمر صفوان (3 مارس 1991)









مقدمة

سادساً: الاستيلاء على صفوان، بعد توقف القتال

    وقع الاختيار الثاني على القاعدة الجوية، في جليبة، مكاناً للمباحثات، وهي قاعدة عسكرية عراقية، كبيرة الحجم، على بعد ثلاثين ميلاً، جنوب نهر الفرات، استولى عليها الفيلق 18، في اليوم الثالث من الحرب البرية. وكانت القاعدة مناسبة، لأنها داخل الأراضي العراقية، بمسافة خمسة وتسعين ميلاً، وهذا يُعدّ دليلاً واضحاً على الهزيمة العراقية. ومن السهل وصول الوفد العراقي إليها، لأنه يستطيع التحرك ثمانين ميلاً، إلى الغرب من البصرة. ولكن، أبلغ الجنرال جون يوساك (John Yeosack)[1]، من مقر قيادة شوارتزكوف، أن هناك خطراً، يحدق بعقد الاجتماع في جليبة، لوجود ذخائر كثيرة غير متفجرة. لذا، وقع الاختيار على صفوان، وهو مهبط عسكري، شمال الحدود الكويتية ـ العراقية، ولا يبعد سوى ميلَين عن مفترق الطرُق، الذي استولى عليه الفيلق السابع، صباح 2 مارس.

    كان شوارتزكوف يظن، أن تلك المنطقة، تقع تحت سيطرة الفِرقة الأولى المشاة، من الفيلق السابع. ولكن، تبين له أن مهبط الطائرات، في صفوان، ما برح تحت سيطرة إحدى الوحدات العراقية. وهكذا أصبح موقفه حرِجاً، بعد أن أبلغ كولين باول، أن مفترق الطرُق، ومهبط صفوان، هما تحت السيطرة الأمريكية، والذي أبلغ ذلك، بدوره، إلى البيت الأبيض. كذلك، أبلغ شوارتزكوف الصحافة عن مكان الاجتماع في صفوان، وأمسى لا يستطيع التراجع. ومن ناحية أخرى، فإن الفشل في الاستيلاء على تقاطع الطرُق، كان رسالة واضحة، ومنظورة، أن قوات التحالف، فشلت في تحقيق أحد أهدافها.

    ونظر شوارتزكوف إلى خريطة العمليات، فوجد أن المعلومات المدونة عليها، تشير إلى أن الفِرقة الأولى المشاة، تحتل مفترق الطرُق ومهبط صفوان. وهو ما يعني أن التقرير، الذي وصله من قائد الفيلق السابع، اللواء فْرِيدْ فرانكس (Fred Franks)، هو مغاير لحقيقة الوضع على الأرض.

    ومع وقف إطلاق النار، وتوقف العمليات العسكرية، أصبح الاستيلاء على هذا الموقع، أمراً صعباً؛ فخلال الحرب، لم يكن الاستيلاء عليه مشكلة. أما الآن، فالموقف أصبح جدّ معقد.

   لقد اعتقد فرانكس، أن الفِرقة الأولى، بقيادة توم رام (Tom Rhame)، استولت على هذا الهدف. وبعدما أوقفه شوارتزكوف على الحقيقة، اتصل، من الفور، بقائد الفِرقة الأولى المشاة، طالباً منه، بعد نقاش، توضيح أسباب عدم الاستيلاء على صفوان، على الرغم من أنه سبق أن أبلغه الاستيلاء عليه.

    ويقول نورمان شوارتزكوف، في مذكراته عن هذا الموقف: "اتصل بي الجنرال جون يوساك، قبْل طلوع الفجر بقليل. وأكد لي أسوأ ما كنت أخشاه: "ليس لدينا أحد في صفوان، لا في المطار، ولا في التل القريب منه، ولا في مفترق الطرُق، الذي سبق أن أصدرت أمراً واضحاً، وصريحاً، بالاستيلاء عليه". وسألت، مستفسراً: لماذا بعثوا لنا تقارير، تقول إنهم احتلوا التقاطع، وإن المهمة نفذت؛ وهي لم تنفذ؟".

    استطرد شوارتزكوف قائلاً: "آمرك (جون يوساك) أن تبعث الفيلق السابع، للاستيلاء على مفترق الطرق. وأريد أن أعرف، كتابةً، لماذا لم تُنفذ أوامري؟ ولماذا أفادني تقرير أن المهمة نفذت؛ وهي لم تنفذ؟ كنت أدرك احتمال وجود أسباب، حالت دون الاستيلاء على هذا القطاع. ولكن من غير المقبول، قطعاً، أن تُرْسَل تقارير إنجاز خاطئة، إلى مركز قيادتي. والأسوأ من ذلك، أنه قد مرّ يومان، من دون تصحيح هذا الوضع. لقد شعرت كمن خُدع بالكذب. وتجمع إحباطي، وغضبي المتراكم على الفيلق السابع، وانفجرا دفعة واحدة. وأصدرت الأوامر باحتلال تلّ صفوان ومطاره، وتمشيطهما بدقة. وقلت ليوساك، إن على الفيلق السابع الاستيلاء على مفترق الطرق والمطار، وإجبار أي وحدات عراقية على الانسحاب منهما. وضع الحرب، لم ينتهِ، بالنسبة إلى رام (Rhame). سأعتمد عليك في إنشاء موقع آمن للاجتماع. ولا تدخل في اشتباكات مع العدو". وهدد يوساك بإرسال فِرقة مشاة بحْرية، لتنفيذ المهمة، إذا لم يستطع الفيلق السابع تنفيذها.

    من الواضح أن شوارتزكوف، كان يطالب بما هو أكثر من تفسير، أو تبرير مكتوب لهذه الحادثة. إذ كان مصمماً على إجراء المباحثات النهائية في صفوان، ولو أدى ذلك إلى استئناف القتال مرة أخرى.

    وظُهر الأول من مارس، اتصل يوساك بالجنرال شوارتزكوف، وأبلغه أن قائد الفِرقة الأولى، وصل إلى مفترق الطرُق، حيث وجد أن وحدة عراقية، ومعها 15 دبابة من دبابات الحرس الجمهوري، تحتل هذا المفترق؛ وأن قائد الفرقة، أصدر إنذاراً نهائياً، بأن يغادر العراقيون المنطقة، اليوم، قبل الساعة 1600. وبادره شوارتزكوف بالقول: "يجب أن تستولي على مفترق الطرُق، ومطار صفوان. وإذا لم ينسحب العراقيون، أو فتحوا النيران، يهاجَمون، من الفور".

    وفي الوقت نفسه، اتصل شوارتزكوف بالجنرال كولين باول، وأبلغه الموقف في صفوان؛ وأن هناك شكاً في عقد الاجتماع، في 2 مارس. فردّ عليه باول، بأن هناك احتمالات كبيرة، أن يؤجَّل المؤتمر، يوماً واحداً. ووافق على الإجراءات، التي يتخذها شوارتزكوف، من أجل الاستيلاء على صفوان.

    وفي الساعة 0615، من يوم 2 مارس، تحركت سَرِيتا فرسان، من قوات رام، يتقدمهما فصيلان، وطائرات الاستطلاع العمودية، لتأمين مكان المباحثات في مطار صفوان. ولكن، للأسف، وجدت القوات الأمريكية، أن المطار، تدافع عنه خمس كتائب عراقية، مسلحة بدبابات، من نوعَي (T-55 و T-72) ومدافع مضادّة للطائرات، من نوع (ZSU-24)، وليس لديها نية الانسحاب.

   وفي الساعة 0900، اتصل قائد الفصيل أ (Troop A)، النقيب كين بوب (Ken Pop)، بقائد القوة العراقية، وسلّمه إنذاراً أن على قواته أن تنسحب. ولكن القائد العراقي تعجّب من الطلب، وأوضح للنقيب الأمريكي، أن قواته موجودة على أرض عراقية. وافق النقيب على كلامه، ولكنه استطرد قائلاً، إن عليه تأمين مكان لإجراء مباحثات وقف إطلاق النار؛ وإنه لا يسمح بوجود أي قوات عراقية، قريباً من المطار.

   رفض القائد العراقي الإنذار، وقال إنه كان يظن أن مكان المباحثات في مدينة الكويت. لذا، فإن العراقيين لن يغادروا المنطقة، من دون أوامر من قيادتهم العليا.

   أعاد يوساك الاتصال، مرة ثانية، وأبلغ شوارتزكوف، أن القائد العراقي يرفض الانسحاب. ومن ثَم، أكد شوارتزكوف ضرورة تجميع قوة متفوقة، وحصار القوات العراقية، وتهديد قائدها، إما بالانسحاب أو الأسْر، أو التدمير، في حالة بدء القتال. كما أمره أن يتأكد من صحة فهْم فرانكس للمهمة؛ وأن على يوساك الاتصال مباشرة بقائد الفِرقة الأولى، وإبلاغه أن الفيلق برمّته تحت تصرفه، وأن عليه استخدام الطائرات العمودية المهاجمة.

    بدأ اللواء فرانكس، قائد الفيلق السابع، ومساعدوه، بوضع الخطة التفصيلية؛ فالحرب لم تنتهِ بعد، بالنسبة إلى قائد الفِرقة الأولى، توم رام، الذي دُعم بفوج الفرسان المدرع، وعدد كبير من الطائرات العمودية الهجومية، من نوع أباتشي (Apache)، وعاونه عدد من الطائرات، من نوعَي (F-16) و (A-10).

    وبدأت مرحلة التنفيذ، فحوصِرت القوة العراقية، عند مفترق الطرُق، بوساطة لواء مشاة من الفِرقة الأولى، ومعه 50 دبابة، وثلاث سرايا، في مركبات برادلي (Bradley). بينما طائرات أباتشي (Apache)، تحلق في السماء. وأصبحت القوة مستعدة للاشتباك، حالة رفض العراقيين الانسحاب. وبادر النقيب كين بوب إلى إبلاغ القائد العراقي العزم على مهاجمة الموقع، إذا لم يتركه العراقيون.

    لقد أصبح الموقف واضحاً أمام القائد العراقي، وأن من الأفضل له الانسحاب، بمعداته وأفراده، من منطقة مفترق الطرُق، ومطار صفوان. وبعد ظُهر هذا اليوم، استسلم للأمر الواقع، وبدأ التحرك بقواته تجاه البصرة. وهكذا، دخلت عناصر الفِرقة الأولى إلى المدرج الجوي، وإلى التل المحيط بصفوان.

    وبعد ذلك، كتب اللواء فرانكس، إلى شوارتزكوف، يبلغه أنه لم يكن في نيته عدم إطاعة أوامره أو خداعه؛ ولكنه يعترف، أن الفيلق السابع، سلّمه، من دون قصد، تقريراً خاطئاً، وأنه يتحمل مسؤولية ذلك.

    وفور الاستيلاء على موقع صفوان، أصدر شوارتزكوف أوامره إلى اللواء باجونيس، رئيس الشؤون الإدارية في القيادة، بأن يهيئ المكان للاجتماع. كما اتصل بقائد الفِرقة الأولى المشاة، وهنّأه باحتلال صفوان، من دون إراقة قطرة من الدماء. ثم كلفه بتأمين مكان الاجتماع، واستقبال الوفد العراقي، عند مفترق الطرُق، واصطحابه إلى مهبط صفوان، حيث مكان الاجتماع؛ وأن ينشر على الطريق بين المكانَين أفضل معدات القتال (دبابات ـ مركبات مدرعة أمريكية جديدة، وسليمة)، في وضع قتالي.

تجدُّد الاشتباكات

    دأبت الوحدات العراقية منذ وقف إطلاق النار، على محاولة الانسحاب تجاه الشمال. وبعد يومَين منه، أي يوم السبت، 2 مارس 1991، اشتبكت مع القوات الأمريكية، في وادي نهر الفرات، حيث حاولت كتيبتان من الحرس الجمهوري الانسحاب، غرباً، على الطريق الرقم 8، فواجهتهما وحدة استطلاع أمريكية صغيرة، مسلحة بمركبات برادلي، من الفِرقة 24 المشاة الآلية، ففتحتا عليها النيران. وعند الفجر، اصطدمت الكتيبتان بموقع دفاعي أمريكي متقدم، ففتحتا النار عليه من جديد.

    ومن ثَم، قرر اللواء ماكفري (McCaffrey)، قائد الفِرقة 24 المشاة الآلية، شن هجوم مضادّ شامل، بالدبابات والطائرات العمودية المسلحة. فدمّر الكتيبتَين، وأَسَر ثلاثة آلاف عراقي؛ من دون حدوث إصابة واحدة في قواته.

    كانت تعليمات وقف إطلاق النار، التي صدرت عن الرئيس الأمريكي، تسمح بحق الرد، إذا ما هوجمت القوات الأمريكية. وقد أبرز هذا الحادث ضرورة التعجيل في وضع شروط وقف إطلاق النار، التي من شأنها أن تفصل فصلاً واضحاً بين القوات.



[1] الجنرال جون يوساك، شغل منصب قائد القوات البرية في القيادة المركزية، أثناء حرب الخليج.