إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / أزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، من استقلال الكويت حتى انضمامها إلى الأمم المتحدة، ( من 19 يونيه 1961 إلى 14 مايو 1963)









ثانياً: بريطانيا وأزمة الحدود العراقية ـ الكويتية (1961)

المبحث الثاني

بريطانيا وأزمة الحدود العراقية ـ الكويتية (1961)

أولاً: التزام بريطانيا تجاه الكويت

    بعد أن أعلن عبدالكريم قاسم، في مؤتمره الصحفي، في 25 يونيه 1961، نيته في ضم الكويت، كجزء من العراق، سارعت الحكومة البريطانية، بعد أن تلقت تقريراً عاجلاً عن المشاورات، بين حاكم الكويت وممثل بريطانيا، إلى إعلان "أن الكويت، في نظر البريطانيين، دولة مستقلة، ذات سيادة. وأنها اشتركت في عدة منظمات دولية، كدولة مستقلة. ولهذا، اعتُرف بها، دولياً، دولة مستقلة. بل إن العراق نفسه، قد صوت في مصلحة عضوية الكويت في الاتحاد الدولي للاتصالات، السلكية واللاسلكية". كما أكدت وزارة الخارجية البريطانية، رسمياً، "أن الحكومة البريطانية، لديها التزام بمساعدة حكومة الكويت، متى طلبت الأخيرة ذلك، تنفيذاً لمعاهدة 19 يونيه 1961" (معاهدة التشاور أو المساعدة).

    من الفور، بادر السير هيمفري تريفليان (1958 - 1961) Humphrey Trevelyan ، السفير البريطاني لدى بغداد، إلى مقابلة هاشم جواد، وزير الخارجية العراقي، في 26 يونيه 1961، وأخبره بوجهة النظر البريطانية؛ "أن الكويت دولة مستقلة، وأن أي تهديد لسيادتها، سوف يكون موضوعاً عميق الأثر".

    منذ ذلك الوقت، عقدت الحكومة البريطانية العديد من الاجتماعات. وكذلك الحال، بالنسبة إلى البرلمان البريطاني. وأصدرت الحكومة البريطانية العديد من البيانات الرسمية، التي تؤكد موقف الحكومة المؤيد لاستقلال الكويت. كما أخذت على عاتقها عبء الدفاع عن قضية الكويت في الأمم المتحدة.

    انتهزت بريطانيا هذه الفرصة، وأعلنت حالة الطوارئ بين قواتها، داخل إنجلترا، وفي قواعدها في الشرق الأوسط. وقطع وزير الدفاع البريطاني إجازته، واستدعى قادة الأسلحة البريطانية من عطلتهم، واتُّفق، في اجتماع عقده معهم، على جعل التدابير العسكرية البريطانية، في الشرق الأوسط، في المستوى الذي يسمح للقوات البريطانية بمواجهة أي حالة من حالات الطوارئ في المنطقة.

    في 27 يونيه 1961، تلقت القوات البريطانية ووحدات الأسطول، التي كانت تتأهب للرحيل عن الكويت، عقب إلغاء اتفاقية الحماية، أوامر عاجلة، من لندن، بتأجيل رحيلها، والبقاء في الكويت إلى حين صدور تعليمات أخرى.

    في 29 يونيه 1961، أصدرت وزارة البحرية البريطانية تعليماتها إلى وحدات الأسطول البريطاني، بتغيير اتجاهها، والتوجه، من الفور، إلى مياه الخليج. تحركت، بالفعل، حاملة الطائرات "بولواراد"، من مسقط، وعلى متنها 600 من جنود الكوماندوز، وحاملة الطائرات "فيكتورياس"، من سنغافورا، والمدمرة "لوخ روثفين"، والطرادان "يارموث" و"لانداف"، من هونج كونج. وقد بلغ عدد هذه القطع البحرية ثماني قطع، ذهبت إلى البحرين.

    في 30 يونيه 1961، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، هارولد ماكميلان (Maurice Harold Macmillan)، أن الحكومة البريطانية، وبناء على طلب حكومة الكويت، مضطرة إلى اتخاذ بعض التدابير الوقائية الضرورية، بعد أن هدّد العراق بضم الكويت.

    في اليوم نفسه، نزل 750 جندياً بريطانياً في الكويت، إضافة إلى قوات المظلات التي سبقتهم، قادمين من القاعدة البريطانية في البحرين، إضافة إلى تلك التي كانت موجودة فيها من قبْل، وانتشروا على طول الحدود مع العراق. وقد قُدر عدد القوات البريطانية، المرابطة في الكويت، حتى ذلك الوقت، بنحو 5 آلاف جندي،  بقيادة البريجادير "هورسفورد"، في عملية فانتاج ( Vantage) ، وتوغلوا إلى مسافة خمسة أميال من الحدود العراقية، على طول الحدود بين البلدَين.

    في 30 يونيه 1961، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية بياناً، حول نزول القوات، التي بدأت تتدفق إلى الكويت، واستمرت حتى يوم 6 يوليه، قالت فيه: "إن العملية جرت بناءً على طلب رسمي عاجل من حاكم الكويت". وأنها أبلغتها "إلى الأمين العام للأمم المتحدة". وقال البيان، كذلك: "إن القوات نزلت، وستوضع تحت تصرف حاكم الكويت". وقرأ المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية البريطانيـة، نص الخطاب، الذي تلقاه ممثل بريطانيا في الكويت من حاكمها، والذي يقول فيه: "نظراً إلى التحركات العسكرية، التي قام بها الجيش العراقي، على حدود الكويت، مما يهدد أمن البلاد، قررت أن أُقدم طلباً إلى حكومة جلالة الملكة، لإرسال معونة عسكرية، وفقاً للمذكرات، التي تبادلناها مع السير وليم لوس، يوم 19 يونيه 1961. وإني أود أن تبلغوا حكومتكم بهذا، فوراً. وإني على ثقة تامة بأن حكومة جلالتها، ستتخذ كل التدابير اللازمة لردع المعتدين".

    في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية تتدفق إلى الكويت، وفي 2 يوليه 1961، أعلن السير باتريك دين Patrick Dean ، مندوب بريطانيا في مجلس الأمن، "أن الحكومة البريطانية، ستسحب قواتها من الكويت، بمجرد أن يرى حاكم الكويت، أن حالة التهديد، التي تتعرض لها بلاده، قد انتهت". وقال: "إن قوات بلاده، التي أُرسلت إلى الكويت ستستخدم فقط، إذا ما وقع هجوم على الكويت. وإن الحكومة البريطانية تود أن تبقي، بكل إخلاص، على علاقاتها الودية مع حكومة العراق وشعب العراق".

    في الأول من يناير 1991، كشفت وثائق وزارة الدفاع البريطانية، على أثر رفع القيود السرية عنها، بعد مرور 30 عاماً عليها، النقاب عن تفاصيل الخطط، التي وضعتها هيئة الأركان العامة البريطانية، عام 1960، بناء على طلب الحكومة البريطانية، آنذاك، للتدخل في الكويت، في حال غزو القوات العراقية إياها. وقد ورد في إحدى الوثائق، المؤرخة في 22 أغسطس 1960، أن خطط التدخل البريطاني، تهدف إلى تغطية الاحتمالات التالية:

1. تهديد الكويت من الخارج.

2. انتفاضة داخلية بحت.

3. انتفاضة داخلية، بتأييد تخريبي من الخارج، واحتمال التهديد.

    وبينما قصرت الوثيقة إمكانية حدوث الاحتمال الرقم (1)، أي تهديد عسكري علني، على العراق فقط، واستبعدت حدوث الاحتمال الرقم (2 ـ أ)، نظراً إلى مكانة الأسْرة الحاكمة في الكويت. ذكرت أن الاحتمال الرقم (2 ـ ب)، قد يحدث، من قِبَل العراق، أو الجمهورية العربية المتحدة.

    كما كشفت الوثائق البريطانية النقاب عن موقف الأردن. فعلى الرغم من سوء العلاقات الأردنية ـ العراقية،  بسبب مقتل الملك فيصل الثاني، ملك العراق ـ ابن عم الملك حسين ـ في ثورة 14 يوليه 1958، إلاّ أن الملك حسيناً، كان يحرض عبدالكريم قاسم، سراً، بل إنه كان يكنّ تعاطفاً شديداً مع المطالبة العراقية بضم الكويت. فضلاً عن أنه كان هو نفسه، يطمع في ضم الكويت، قبْل ذلك، منذ  فبراير 1958، أيام نوري السعيد، تحت لواء الاتحاد العربي الهاشمي.

ثانياً: الأسباب التي دفعت بريطانيا إلى استجابة طلب الكويت

    لقد كثُرت التفسيرات، التي حاولت توضيح المسلك البريطاني تجاه الأزمة، والعمل على احتوائها:

1. التفسير الأول: إذا ما قبِلنا التفسير القائل أن الذهب الأسود (النفط)، كان يقف خلف الأطماع العراقية في الكويت، فإننا نقبَل، كذلك، التفسير القائل إن النفط هو العامل المهم في تفسير رد الفعل البريطاني السريع، تجاه التهديدات العراقية. فقد قُدِرَتْ احتياطيات الكويت من النفط، في تلك الفترة، بحوالي 62 ألف مليون برميل. وهي أكبر كمية في الشرق الأوسط؛ إذ تمثل حوالي ثلث إجمالي الاحتياطيات النفطية في المنطقة، ورابع أكبر منتج للنفط في العالم، إذ قدر إنتاج الكويت، عام 1961، بحوالي مليون و700 ألف برميل، في اليوم، تبلغ قيمتها 450 مليون دولار، في السنة. هذه الثروة الطائلة، تقبع في دولة، مساحتها 17 ألف كم2، وتعداد سكانها نحو 250 ألف نسمة. وكانت بريطانيا تدرك جيّداً، آنذاك، أن فقدانها ثروة الكويت النفطية، سوف يؤثر تأثيراً كبيراً في اقتصادها.

2. التفسير الثاني: كانت بريطانيا تسعى إلى إبعاد التهديد العراقي للكويت، خوفاً من أن يؤثر ذلك في مركز النقد الكويتي، الذي يُستثمر في كثير من المصارف البريطانية، إضافة إلى أن الكويت، كانت تُعَدّ منطقة رئيسية للجنيه الإسترليني، في الشرق الأوسط.

3. التفسير الثالث: يرى بعض المحللين، أن التحركات البريطانية، كانت نتيجة لنظام جديد لإعلان حالة الطوارئ في القوات المسلحة. وأن ما حدث ليس إلاّ اختباراً لصلاحية هذا النظام، عملياً.

4. التفسير الرابع: ويرى آخرون، أن وزارة الدفاع البريطانية، أرسلت قواتها إلى الشرق الأوسط، كإجراء دفاعي، حملها عليه شكّها في أن عبدالكريم قاسم، يعتزم مهاجمة الكويت مهاجمة خاطفة.

5. التفسير الخامس: ويرى فريق ثالث، أن التحركات البريطانية، ربما كانت تخفي مؤامرة واسعة، للقضاء على حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط، وذلك بضرب العراق، ثم التفرغ لضرب الجمهورية العربية المتحدة.

6. التفسير السادس: يعتقد أصحابه، أن التحركات البريطانية العسكرية، كانت تمهيداً لإحداث انقلاب في العراق، بالاتفاق مع الفريق محمد نجيب الربيعي، رئيس مجلس السيادة العراقي، للتخلص من عبدالكريم قاسم، اتقاءً لخطر مبادرته إلى تأميم نفط العراق، فجأة، أسوة بعبدالناصر، مؤمم قناة السويس، في مصر. فضلاً عن تهديد عبدالكريم قاسم بضم الكويت.

7. التفسير السابع: وهو التفسير الشائع، على الرغم من كثرة معارضيه، يرى أنصاره، أن بريطانيا قد اختلقت أزمة عام 1961، بالاتفاق مع عبدالكريم قاسم، الذي لم يكن لديه أي نية لغزو الكويت، بل لم يكن ينوي تنفيذ تهديده. فهم يرون، أن بريطانيا، اتّبعت سياسة مزدوجة، إزاء هذه الأزمة. فبينما هي توقع إلغاء معاهدة الحماية، وتعترف باستقلال الكويت، إذا بها تحث عبدالكريم قاسم، في الوقت عينه، على افتعال هذه الأزمة. ويستدل هؤلاء، في تفسيرهم، بأن مسارعة بريطانيا إلى إنزال قواتها في الكويت، أثناء الأزمة، تشير إلى أن الأمر كان مدبراً، وأن السلطات العسكرية البريطانية، كانت على علم مسبق بوقت إثارة الأزمة.

    هكذا، تعددت تعليلات السلوك البريطاني تجاه أزمة 1961، ولكن أكثرها دقة وتأكيداً، هو أن النفط الكويتي، والنقد الكويتي، وقفا، بقوة، وراء التحرك العسكري البريطاني. كما أن رغبة بريطانيا في إثبات أنها لا تزال صاحبة الذراع القوية في المنطقة، واختبار مدى قدرتها على ذلك، تأتي في مرتبة تالية، جنباً إلى جنب، مع رغبتها في تقليص مركز قوى التحرر الوطني وزعزعتها، في المنطقة.