إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي، بعد حرب تحرير الكويت









الفصل الثلاثون

مقدمة

    لا شك أن حرب الخليج، خلقت أوضاعاً جديدة في المنطقة، وأظهرت تحالفات جديدة، انتهى بعضها بنهاية الحرب، ولا يزال بعضها مستمراً. ولقد مثلت حرب الخليج تهديداً خطيراً، بدرجات متفاوتة، للمصالح الوطنية العليا، والقِيم الرئيسية للسياسات الخارجية لدول المنطقة، ولكثير من الفاعلين خارجها، وبخاصة القوى الكبرى. ولذلك، فإن الأطراف، الذين خرجوا من هذه الحرب منتصرين، انبروا يفكرون في كيفية تجنيب المنطقة أزمة مماثلة لتلك التي أفرزتها حرب الخليج. أي أن الأطراف الفاعلين، شرعوا يسعَون إلى بناء نظام أمني، أو على الأقل ترتيبات أمنية، تكفل لهذه المنطقة الحساسة والحيوية، من العالم، استقرارها، وتحفظها من مصادر التهديد الخطيرة، التي سببت حربيَن مُدمرتَين، في فترة زمنية وجيزة.

    كان الأمن الإقليمي، في منطقة الخليج، بل في منطقة الشرق الأوسط، يعاني اختلالات هيكلية، وتعدداً في المفاهيم، وتضارباً في التصورات، وضعفاً في الآليات، وتناقضاً في السياسات، وتصارعاً في أدوار الفاعلين. ولذلك، كانت حرب الخليج الثانية، بعد مرور عامين فقط على انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية.

1. الاختلالات الهيكلية

    تتمثل في اختلال هيكل البناء الأمني. إذ اعتمد هيكل البناء الأمني في دول الخليج، مثلاً، على القدرات الذاتية، وبناء قدرات عسكرية، والاتفاق على بناء قدرة عسكرية مشتركة، هي قوة "درع الجزيرة"، مع الاعتماد على الدعم العربي، من بعض الدول العربية. ولكن الأزمة أثبتت، مع بدايتها، حدوث خلل في هذا البناء الهيكلي، في 2 أغسطس 1990.

2. تعدد المفاهيم

    اختلفت المفاهيم لبناء الأمن في منطقة الخليج، قبل الحرب. فكان هناك الاتجاه الفطري، باعتماد كل دولة على قدراتها، في تأمين حدودها. وثمة من رأى أن الأمن الجماعي، يجب أن يبنى في إطار قدرات عسكرية مشتركة وقيادة موحدة. فضلاً عمّن أولى الأمن الداخلي اهتمامه، بل اقتصر مفهوم الأمن لديه، على تحقيق "الأمن الداخلي للدولة". ولكن الأزمة أثبتت أهمية الأمن الخارجي. ومن ثَم تغيّر مفهوم الأمن، ليتركز في الأمن الخارجي بصفة أساسية، وضرورة تحقيقه، بدعم القدرات العسكرية للدولة.

3. تضارب التصورات

    طالما رُهن تحقيق الأمن الإقليمي، بتحقيق الأمن القومي العربي. ولكن دول الخليج، كان لها رأي آخر، فرأت تحقيق أمن شبه إقليمي، من خلال دول مجلس التعاون الخليجي، مثلاً، أو من خلال التجمع المغاربي، نظراً إلى اختلاف مفهوم الأمن، باختلاف ظروف كل منطقة وما يتهددها. بل تعدى هذا المفهوم الأمني الإقليمية إلى القطْرية، لتحقق كل دولة أمنها الذاتي. بل إن بعض الدول، جاهرت، خاصة عند تهديد إيران السفن التجارية الخليجية، واضطرار بعضها إلى رفع أعلام قوى دولية، بضرورة ارتباط الأمن بالتعاون مع قوى إقليمية أخرى، أو قوى دولية.

4. ضعف الآليات

    يتمثل في قصور الوسائل المتاحة، داخل النظام الإقليمي، عن تحقيق أمن دوله، سواء باستخدام القوة العسكرية، كنوع من الردع أو التهديد، واستخدام القوة الاقتصادية، كوسيلة ضغط، واستخدام القوة الدبلوماسية، من أجْل الحوار وإيجاد الحلول التوفيقية. وقد ثبت ضعف هذه الآليات، في النظام العربي، خاصة استخدام القدرة العسكرية؛ فعلى الرغم من وجود معاهدة دفاع مشترك، بين دوله، منذ عام 1950، إلا أنها فشلت في استخدام هذه الآلية، في العديد من الأزمات، ومنها أزمة الخليج، عام 1990.

5. تناقض السياسات

    يجسّم تعامل النظام العربي مع مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أبرز وجوه هذا التناقض. إذ يرى بعض العرب، أن الحِوار مع إسرائيل، هو الطريق إلى حل المشكلة. بينما يرى بعض آخر، أن الحل العسكري، هو السبيل الوحيد إلى فتح الأبواب لحلها. في حين يرى آخرون، أن المقاطعة، هي الآلية الملائمة لذلك. ولا شك أن هذا التناقض، حال، لسنوات طويلة، دون حل المشكلة، بل أدى إلى تفاقمها واستعصائها على الحل.

    إن التحدي الحقيقي، الذي يواجه عملية بناء الأمن في الخليج، بعد الحرب، يتمثل في التوصل إلى وسيلة فاعلة، لردع مصادر التهديد، الموجَّهة إلى دوله الأصغر، من دون وجود عسكري أجنبي، بري، طويل الأمد. فمفتاح الأمن، في هذا الصدد، هو امتلاك القدرة على الردع؛ وقد نجح الردع، كأساس لتحقيق أمن غربي أوروبا، لمدة 45 عاماً، بعد الحرب العالمية الثانية، بفضل وجود عسكري أمريكي مكثف في أوروبا، فضلاً على امتلاك دوله حدّاً معقولاً من القدرة على الدفاع. بيد أن حالة الخليج، قد تكون مختلفة. فالعراق لم يرتدع عن غزو الكويت؛ لأنها لم تكن تملك قدرة دفاعية قادرة على الردع، ولا هي ارتبطت بقوة خارجية، قادرة على التدخل لمساندتها، في حالة التهديد.

   إن مشكلة دول الخليج الأمنية، تكمن في أنها تريد أمناً وقدرة على الردع، من دون وجود عسكري لقوى خارجية على أراضيها، فضلاً عن أن هذه الدول نفسها، لا تملك قدرة ردع ذاتية، في مواجهة تهديد جارتَيها، إيران والعراق. كما أنها تعاني قِلة سكانها، مقارنة بهما. وقد واجهت تهديدات إيران، بعد ثورة 1979، ثم تهديدات العراق، بعد نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية. ومن ثَم، سعت، بعد حرب الخليج الثانية، لوضع نظام أمني، يجنّبها هذه الأخطار، في المستقبل؛ ولا سيما أن التهديد، مستقبلاً، لن يقتصر على مصادره الحالية، بل يمكن أن يمتد إلى مصادر أخرى.

    إن أمن الخليج قضية شائكة حساسة؛ فهناك "أمنه"، كممر مائي دولي، يتحتم المرور به، من دون اعتراض أحد، شأنه شأن البحر الأحمر وقناة السويس وقناة بنما. وثمة "أمن دوله"، أي تحقيق الأمن لكل الدول المطلة على الخليج، بما فيها إيران والعراق. إضافة إلى أمن دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يُفترض أن يكون متناسقاً مع الأمن الإقليمي للخليج. فضلاً عن الأمن العربي، وأمن دول منطقة الشرق الأوسط، بما فيها تركيا وإسرائيل؛ وكلها دوائر متداخلة، ومصالح متعارضة.

    ويختلف تعريف "الأمن"، باختلاف وجهات النظر إليه. فهناك من يركّز في القِيم الداخلية، ويرى أن الأمن الوطني؛ هو: "قدرة الدولة على حماية قِيمها الداخلية من التهديدات الخارجية، مما يستلزم أن تكون الدولة أقوى من الدول المنافسة".

   وثمة من يركز في المجال الاقتصادي، ويرى السيادة الاقتصادية، هي "لب الأمن الوطني". إذ تنظر الدولة إلى أي تهديد، يتعلق بالتأثير في قدرتها على بنائها الاقتصادي، على أنه تهديد لأمنها الوطني. ناهيك مَن ركّز في التنمية الشاملة، ورأى "أن الأمن يعني التنمية، التي من دونها، لن يتحقق للدولة أمنها".

    أما النظرة التقليدية إلى "الأمن الوطني"، فتأخذ في حسبانها كلاًّ من وجهَي الأمن، المادي والمعنوي، اللذَين يتعرضان لتهديدات، داخلية وخارجية. وطبقاً لهذه النظرة، فإن الدولة الآمنة، هي التي لا تتعرض للغزو الخارجي أو الاحتلال، والتي تؤمّن شعبها من الفقر والجهل والمرض، وتحقق الرفاهية للمواطنين.

    ويُعرّف الأمن الوطني، كذلك، بأنه "الإجراءات، التي تتخذها الدولة، في حدود طاقتها، للحفاظ على كيانها ومصالحها، في الحاضر والمستقبل، مع مراعاة المتغيرات الدولية". وهذا التعريف، على إيجـازه، يشمـل كافـة الإجراءات، في كل مجالات الدولة؛ فالاقتصاد والدفاع والسياسة والأمن، كلٌّ لا يتجزأ.

    ويُعرّف أمن الخليج بأنه "تحقيق الاستقرار والطمأنينة، بعدم التعرض للاضطراب أو التغيير، الذي يُهدد الأوضاع القائمة، سواء من الداخل أو من الخارج".

    ويُعرّف أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأنه "الغاية الإستراتيجية لهذه الدول، والتي تتفق مع المبادئ والمصالح الوطنية، التي تقررها القيادة السياسية لمجلس التعاون الخليجي، لحماية كيان دول المنطقة، وحقها في البقاء، وسيادتها، وهيبتها في المجتمع الدولي، ومشاركتها الفاعلة في تحقيق الأمن القومي العربي".

    ولا تزال الكويت تمثل نقطة البدء، في حساب معادلات الدفاع والأمن، في منطقة الخليج العربي. وعلى الرغم من ظهور نقاط بداية أخرى، مثل التطورات، السياسية والعسكرية، في العراق؛ وبدء التحركات الإستراتيجية لإيران في المنطقة، والتي كان آخرها الاستيلاء الكامل على الجُزُر الإماراتية الثلاث ـ فإن الكويت، كنقطة بدء للحساب الإستراتيجي، لا تزال تمثل محور دوائر الاهتمام والأمن.

   والواقع إن الأمن والدفاع كلٌّ لا يتجزأ. وإن المناطق الأمنية، يترابط بعضها ببعض؛ فلا يكفي، أن تراعي دولة ما، أو مجموعة من الدول، يجمعها إقليم واحد، متطلبات أمنها، من دون مراعاة ترتيبات الأمن في مناطق أو أقاليم أخرى. واستطراداً، فإن النظام الأمني في الخليج، يجب أن يضع في حسبانه كافة دول هذا الحوض، بما فيها إيران.

    وفي منطقة الخليج، العديد من الحقائق السياسية، والمتغيرات المهمة، التي يضعها النظام العالمي الجديد في حسبانه، عند النظر في موضوع أمن الخليج، أهمها:

1.  بروز النظامَين، العراقي والإيراني، يطرح بعض التهديدات، ذات الطبيعة العسكرية، التي قد تؤثر في أمن الخليج، ومن ثم، في مصالح الدول الغربية في هذه المنطقة.

2.  بروز إيران، بعد الحرب، كقوة إقليمية مؤثرة، لها أطماعها وأهدافها. وترى أن أمن الخليج، هو من مسؤولية دول الخليج نفسها.

3.  تغيير النظام العراقي الحالي، بعد تدمير معظم قدرات العراق، أصبح ضرورة ملحّة؛ لأنه في هذه الحالة، يمكن أن يصبح، مرة أخرى، جزءاً من الترتيبات الأمنية الخليجية، في ظل التحولات الكبرى، المتوقّعة في منطقة الشرق الأوسط.

4.  اتسام معظم دول الخليج العربية، بصغر المساحة وقلة السكان. ولذا، فإن قدراتها، لا ترقى إلى حدّ إمكانية الدفاع عن أمنها، فلا بدّ أن تستعين بقوة خارجية، تملك قوة الردع والمنع، عندما تحلّ بها النوازل.

5.  أمْن الخليج، والدول المطلة عليه، لا يتحقق بالردع العسكري فقط، ولكنه يتطلب تحقيق وئام داخلي في كل دولة من دول حوضه.

    كما يجب أن يرتكز النظام الأمني على الأسس التالية

1.   أن تكون ترتيبات الأمن نابعة من دول المنطقة، من دون تدخّل خارجي.

2.   أن تبنى على أساس تحديد حجم التهديدات الموجهة إلى المنطقة، حالياً ومستقبلاً.

3.   أن تحدَّد الأهداف المرجوة وأساليب تحقيقها.

4.   أن تُبعَد المصالح الأمنية للدول عن دائرة خلافاتها.

5.   أن يتحقق الأمن بمفهومه الشامل، أي بأبعاده، الداخلية والخارجية، وبكافة مقوماته، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية.

6.   أن يكون العامل الاقتصادي، هو العمود الفقري، الذي يمكن، من خلاله، تحقيق باقي متطلبات الأمن المنشودة.

7.   أن تؤخذ في الحسبان المصالح القومية للدول المختلفة، خاصة الدول الصناعية؛ حتى يكون "نظاماً أمنياً واقعياً"، يواكب المتغيرات، ولا يتجاهل المصالح.

    ولا شك أن التحدي الحقيقي، الذي يواجه عملية بناء الأمن في الخليج، بعد الحرب، يتمثل في التوصل إلى وسيلة فاعلة، لردع مصادر التهديد الموجَّهة إلى المنطقة، ولإعادة الاستقرار السياسي والتوازن الإستراتيجي إليها، بما يلائم مصالح كافة الأطراف، حتى يستمر ذلك لفترة طويلة.