إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي، بعد حرب تحرير الكويت









الفصل الثلاثون

المبحث الأول

التهديدات الموجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي

    في ضوء التأثيرات، التي أحدثها الغزو العراقي للكويت، ومجمل المتغيرات، التي شهدتها المنطقة، أثناء الأزمة وبعدها، اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي إلى تغيير أولوية الأخطار، التي تهدد أمنها، البدء بتحديدها تحديداً دقيقاً. وبدلاً من أن تركز في أولوية الأخطار الداخلية فقط، بدأت الأخطار والتهديدات الخارجية، تحظى بكل الأولوية. وهو تغيّر، يدفع بالمفهوم الأمني إلى التطابق مع مفهوم الأمن الإقليمي، الذي يعطي الأولوية للنواحي العسكرية، أكثر من تطابقه مع مفهوم الأمن الوطني، الذي يركز في التعامل مع القضية الأمنية، بمفهوم شمولي، مدني وعسكري، وليس عسكرياً فقط.

   وعند البدء بتحليل نوعية التهديدات وتأثيرها ومفهومها، كونه هو الخطوة الأولى، والرئيسية، في إطار تحديد الأمن الإقليمي لهذه المنطقة، كان من المهم تعرّف مفهوم هذا التهديد ونوعيته وتأثيره واحتمالاته، ليسهل علينا تطبيقه تطبيقاً، يتفق مع واقع وطبيعة التهديدات وطبيعتها، في منطقة الخليج.

المفهوم الإستراتيجي للتهديد

    "هو وصول تعارض المصالح والغايات الوطنية، إلى مرحلة يتعذر معها إيجاد حل سلمي، يوفر للدولة الحدّ الأدنى من أمنها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، مع عدم قدرة الدولة على موازنة الضغوط الخارجية، مما قد يضطر الأطراف المتصارعة، أو أحدها، إلى اللجوء إلى استخدام أداة القوة المسلحة، مُعَرضة الأمن الوطني لأطراف أخرى، للخطر".

    وقد يكون التهديد دائماً أو مؤقتاً. كما قد يكون مباشراً أو غير مباشر

·   التهديد الدائم: يستند إلى استمرار تعارض المصالح والغايات القومية.

·   أما التهديد المؤقت: فهو الذي ينشأ عن أسباب مؤقتة تضع دولتَين أو أكثر، في وضع تضارب المصالح والغايات القومية، في حدثٍ دولي معين، وخلال فترة زمنية محددة. وبزوال تلك الأسباب، يزول ذاك التهديد.

·   والتهديد المباشر: يعني تعرّض أراضي الدولة ومياهها وأجوائها، للعدوان المباشر. ومن ثَم، تعرّض أمنها ومصالحها القومية للخطر. وقد يتجاوز التهديد المباشر المجال العسكري، إلى مصالح الدولة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

·   أما التهديد غير المباشر: فيعني إحداث تغييرات غير مباشرة، قد تكون خارج الدولة أو داخلها، تؤدي، في المدى، المتوسط والبعيد، إلى أضرار مباشرة بالأمن الوطني، من كافة جوانبه.

    والتهديدات إما أن تكون "واقعة"، أو "محتملة".

·   التهديدات "الواقعة": تعني تعرّض الدولة الفعلي لخطر داهم، إما نتيجة لهجوم عسكري علني، على أراضيها، أو نتيجة للتهديد بهجوم وشيك الوقوع، إذارفضت الإذعان لمطالب خصمها. والمقياس الحقيقي لتبّين ذلك، هو درجة وجود "تهديد" فوري، ذي مصداقية، بـ "ضرر" مادي شامل بوساطة دولة ما، هي خصم للدولة صاحبة الشأن.

·   والتهديدات "المحتملة": تنبْثق من وجود الأسباب الحقيقية، لتعرّض الدولة للتهديد، من دون وصوله إلى حدّ الفعل؛ أو من استخدام القوة المسلحة، في النزاعات السياسية، وهي لمّا تزل في مرحلة حلها بالسبُل الدبلوماسية، واستخدام الوساطات، الدولية والإقليمية.

    وتتمثل التهديدات، الموجَّهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، على المستوى الإقليمي، في ما يلي:

1. التهديد العراقي

    هو تهديد "مؤقت"، يرتبط باستمرار وجود النظام السياسي في بغداد، بتوجهاته نفسها. وهو "مباشر"، لارتباطه باحتمالات قوية لإعادة استخدام القوة المسلحة استخداماً مباشراً. كما أنه تهديد "واقع"، بالفعل، ومستمر باستمرار ذاك النظام بتوجهه العَلماني، وسعيه الدائم إلى نشر الأيديولوجية البعثية، ومحاولاته، الصريحة والضمنية، لإطاحة الأنظمة الخليجية، وتنفيذ أعمال تخريبية ضدها، تُعد مصدراً آخر من مصادر التهديد. فالنيات العراقية، منذ غزو الكويت، أصبحت موضع شك. وما دام صدام في الحكم، فالتهديد قائم؛ وما الفترة الحالية إلا هدنة لأطماعه.

    لقد عبّر النظام العراقي عن تهديداته المستمرة لأمن الكويت. وسيظل يمثل تهديداً رئيسياً، ومباشراً لها ولسائر دول مجلس التعاون، على الرغم من ظروف الحرب، التي أثرت في قواته العسكرية، والحظر المفروض عليه؛ وإنْ كانت الأمم المتحدة، قد بدأت تسمح له بتصدير جزء من نفطه، لدواعٍ إنسانية، تتيح تغطية مطالب شعبه، من الغذاء والدواء، والذي يعاني الأحوال المتردية، الناجمة عن اقتصاد منهار.

    كما استمرت سياساته بعد الحرب، لخلق نوع من التوتر على الحدود، مما أدى إلى فرض حظر جوي في شمالي العراق وجنوبيه؛ وأسفر عن النعرات الطائفية، التي بدأت تشكل له تهديداً داخلياً، فضلاً عن معارضة خارجية، تتولى الولايات المتحدة الأمريكية تمويلها، وتشجيعها على أن تكون عاملاً مؤثراً في تغيير النظام العراقي. بيد أن فاعلية هذه المعارضة وأثرها، كانا دون المتوقع منها، كمعارضة داخلية.

    وعلى الرغم من وضع العراق الحالي، وما يعانيه، من ظروف اقتصادية صعبة، وتحطيم أكثر من 50% من آلته الحربية، فإن التصريحات السياسية، في وسائل الإعلام العراقية، تنمّ على أنه لا يزال مصدر تهديد. ومما لا شك فيه، أنه سيحاول أن ينمي قواته العسكرية، التي تحقق له أطماعه التوسعية، على حساب جيرانه، الذين طالما أمدوه بالدعم المادي وساندوه، خلال حربه ضد إيران. وكان المستفيد من كل حساباته الخاطئة، أطراف أخرى تهدد أمن دول الخليج العربية.

    إن المشكلة الحقيقية للعراق، الآن، هي استمرار وجود نظامه الحالي، الذي لا يمكن التعاون معه، على المستويَين، الدولي والإقليمي. ومن الواضح، أن العراق، بوضعه العسكري الحالي، لن يتمكن، في المدى القريب، من تهديد دول مجلس التعاون، نظراً إلى ظروفه الاقتصادية، وموقفه العسكري، بعد الحرب، وعجزه عن أي استعاضة من أسلحته المدمرة، وافتقاره إلى قطع الغيار لمعداته العسكرية.

2. التهديد الإيراني

    هو تهديد "دائم"، بطبيعة الخلافات الجذرية، التاريخية، بين العرب والفرس. فإيران بنزعتها الفارسية، وتوجهاتها النووية، وتشجيعها التطرف الديني، وتأليبها الجماعات الشيعية ضد حكوماتها ـ تمثل تهديداً دائماً لأمن المنطقة. وهو تهديد "مباشر"، كذلك، نظراً إلى الوضع، الجغرافي والجيوبوليتيكي، لإيران في المنطقة، وبِنيتها العسكرية الضخمة، واستعدادها التام لاستخدامها، إذا دعت الظروف إلى ذلك. كما أنه تهديد "واقع"، تجسده تحركات إيران في منطقة الخليج، واستمرار سيطرتها على الجزُر الإماراتية الثلاث.

    وتشير التصريحات المُعلنة للقيادة الإيرانية وممارستها الفعلية، في مناسبات مختلفة، إلى أن هناك خمسة أهداف رئيسية للأمن الوطني الإيراني، في الوقت الحالي، هي: 

أ. ملء الفراغ الإستراتيجي في الخليج الفارسي، كما تدّعي، وفي آسيا الوسطى والقوقاز.

ب. تحديث قواتها المسلحة وتطويرها، بما يحقق لها فرض قوّتها، الإستراتيجية والعسكرية، على المنطقة.

ج. الاستعداد لاحتمالات المواجهة العسكرية مع القوى، الدولية أو الإقليمية.

د.  بعث الانتعاش الاقتصادي في البلاد.

هـ. الحفاظ على مبادئ الثورة الإسلامية وقِيمها، في الداخل، ونشرها في الخارج.

    أما السياسة العسكرية الإيرانية، الحالية، فقوامها السعي إلى امتلاك قوة جوية رادعة، وقدرات صاروخية متفوقة، وزيادة القدرة القتالية البرية، بالحصول على دبابات قتال رئيسية حديثة، وإكساب القوات البحرية قُدرة أكبر على العمل في المياه العميقة، من خلال تطوير قوة غواصاتها، وتزويدها وحدات بحرية روسية متقدمة[1]. إضافة إلى الاهتمام بعناصر الاستطلاع والإنذار المُبكر والحرب الإلكترونية. ناهيك أن إيران طورت قاعدة الصناعة الحربية المحلية، وسعت إلى الحصول على معدات، صناعية وتكنولوجية، متطورة، لتحديث قاعدة الإنتاج الحربي، مع تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبناء قوة من أسلحة الدمار الشامل، في المجالات، النووية والكيماوية والبيولوجية، لتكون قوة ردع، في مواجهة القوة العربية الخليجية، أو أي قوات خارجية، معادية لإيران.

    أمّا عقيدتها العسكرية، فهي "عقيدة الردع"، وذلك من طريق تحقيق تفوّق تسليحي ساحق، على الدول المجاورة كافة، ولا سيما في المجالَين، النووي والكيماوي. لذا، فالقيادة الإيرانية، تعمل، منذ فترة طويلة، على تنفيذ برنامج شامل، لإعادة بناء قواتها المسلحة وتحديثها، على نطاق واسع، من خلال التركيز في عدد من المجالات. أبرزها حيازة أنواع متقدمة من الأسلحة والمعدات، بكميات وافرة، خاصة في مجالات القوة الجوية المتطورة، والقوة الصاروخية الفاعلة، والقوة البحرية المؤثرة مع الاعتماد اعتماداً خاصاً، على روسيا والصين وكوريا الشمالية، في تحديث القوى الآنفة وتطويرها.

3. التهديد الإسرائيلي

    تُعَدّ إسرائيل أحد مصادر التهديدات الرئيسية، "المباشرة"، و"الدائمة"، للأمن الوطني لدول الخليج العربية، لارتباطها بقضية احتلال الأراضي العربية. وتحاول إسرائيل أن تجعل من نفسها الراعي الأول للمصالح الأمريكية في المنطقة. وتمتلك من أسلحة الردع (صواريخ أرض/ أرض بعيدة المدى ـ قوات جوية متطورة)، ما يجعلها قادرة على توجيه ضربات، جوية وصاروخية، إلى عمق الدول الخليجية. كما تمتلك إسرائيل إمكانات الردع، النووي وفوق التقليدي، فيُمكنها أن تهدد جميع العواصم العربية، والأهداف الإستراتيجية المهمة.

    وما تريده إسرائيل، هو الوصول إلى منطقة الخليج، حيث مطامعها في نفطه. كما ترفض إخضاع برامجها النووية للرقابة الدولية.

    ترى إسرائيل، أن دول مجلس التعاون الخليجي، هي الممول لدول المواجهة. ومن ثَم، فـإن ما تريده، هو محاولة إجهاض القدرات العسكرية لدول الخليج العربية. كما ترى أهمية فرض القيود على تسليح دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي تحظى بتسليح متطور من واشنطن. ومن أجْل ذلك، تستخدم إسرائيل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، للحدّ من مبيعات الأسلحة لدول الخليج العربية، بل تنتهج النهج نفسه مع باقي الدول الغربية، ومع كلٍّ من روسيا والصين؛ إذ ترى أن أي تزايد في القدرات العسكرية لدول الخليج العربية، هو دعم للأمن الوطني العربي، في مواجهتها.

    ويشكل التهديد الإسرائيلي خطراً كبيراً، في مجال التوازن العسكري التقليدي، على دول مجلس التعاون، على أساس أنها من دول المواجهة[2]. لذلك، يجب عليها العمل، بسرعة، لتضييق هذه الفجوة.

    إن امتلاك إسرائيل وانفرادها بالتسلح النووي بين دول المنطقة، يهددان الدول العربية عامة، ودول مجلس التعاون خاصة[3] مما يتطلب اتفاق دول المجلس على إستراتيجية موحدة، في إطار، خليجي وعربي، من أجْل مواجهة التهديد الإسرائيلي.

    بيد أن حرب أكتوبر 1973، أثبتت صعوبة اشتراك دول مجلس التعاون الخليجي في الصراع ضد إسرائيل؛ إذ تصل قواتها في توقيت متأخر، ويصبح اشتراكها أمراً صعباً. ويستلزم ذلك، استطراداً، إعادة النظر، على المستوى العربي، في أسلوب[4] الفتح الإستراتيجي لقوات عربية، خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، لدعم قدرات دول الطوق العربية.

4. المخاطر التركية

    لتركيا أهداف غير معلنة، تتوخّى بها مضاعفة قدراتها الإستراتيجية، سواء أمام دول أوروبا الغربية، التي اعتذرت عن قبولها في الجماعة الأوروبية، "الاتحاد الأوروبي"؛ أو لإيجاد مركز لها بين دول الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج العربي، التي تُعَدّ دائرة من دوائر التنافس بينها وبين إيران. وتحاول تركيا استمالة دول الخليج، بمزيد من التعاون، حتى يتسع الدور التركي، في مواجهة النشاط الإيراني في المنطقة. وترى أهمية اضطلاعها بمشروعات مشتركة مع دول الخليج، وإلغاء القيود التجارية، وتدعيم فرص التكامل الاقتصادي. كما ترى أهمية أن تسود الديموقراطية دول المنطقة جميعها.

    وقد تحركت تركيا، سياسياً، بإعلان مبادرتها المتعلقة بالمياه، لتكون من وسائل التسويات السلمية في الشرق الأوسط، بل طرحت أن تبادل بمياهها النفط والغاز، من دول الخليج العربية. ويشكل المتغير الاقتصادي عاملاً مهماً، في تحديد أهداف الإستراتيجية التركية. ويمثل نفط الخليج العربي عاملاً آخر، من عوامل اهتمام تركيا بالمنطقة، بل إن مصالحها فيه، تجاوزت الجوانب الاقتصادية، إلى الرغبة في أداء دور في الترتيبات الأمنية الإقليمية الجديدة في المنطقة. لذا، تربط القيادة السياسية التركية، بين تعاون دول الشرق الأوسط، وتحقيق الأمن والاستقرار؛ وترى في ذلك التعاون ركيزة مهمة لنجاح تلك الترتيبات، ولا سيما في منطقة الخليج العربي.

5. الإرهاب في المنطقة

    الإرهاب "فعل رمزي، يتم لإحداث تأثير سياسي، باستخدام العنف أو التهديد به". وطالما عانته المنطقة العربية عامة، والدول الخليجية خاصة، في الثمانينيات. وتفاقم خلال النصف الأول من التسعينيات، بسبب مشاركة بعض الدول والحكومات فيه، والتكاثر السرطاني لخلايا التقدم التكنولوجي الكبير وشبكاته؛ إضافة إلى المواقف السلبية لدول كثيرة حيال الإرهاب، وعدم مشاركتها الجدية في مكافحته وتضييق الخناق عليه. وقد أثبتت الوقائع الإرهابية، في بعض دول المنطقة، أن للإرهاب هدفَين:

  • الأول: نشر الذعر والاضطراب وعدم الاستقرار.
  • الثاني: هدف سياسي، في مصلحة إحدى الدول.

    وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة، إلا أن الوحدة الوطنية لدول الخليج، استطاعت أن تواجهها، من خلال إجراءات، اجتماعية واقتصادية وسياسية، فوتت على الإرهاب فرصة التأثير في المجتمع الخليجي.

    كما كانت السياسة الأمنية، التي اتبعها العديد من الدول العربية، ومنها دول الخليج، خط الدفاع الأول ضد الإرهاب، من خلال رسم إستراتيجية شاملة للتعامل الجماعي معه، في إطار سياسة أمنية غير تقليدية، ومواجهة وطنية شاملة، أمكنها كشف وجْهه القبيح.

    بيد أن أثر الإرهاب، كان محدوداً في بعض دول الخليج، مثل دولة البحرين، ولم يستمر طويلاً؛ إذ استطاعت دول الخليج أن تتعامل معه، من خلال سياسة جماعية، حاصرت جذوره، وقوّضت آلياته.

6. تهديدات أخرى لأمن منطقة الخليج عامة، ودول مجلس التعاون خاصة

أ. مشاكل الحدود، البرية والبحرية

    يمثل البناء الجغرافي لأي نظام إقليمي، عادة، عاملاً من أهم عوامل ثباته واستقراره، إلا النظام الإقليمي الخليجي، الذي تحولت معطياته الجغرافية إلى مصدر مهم من مصادر عدم استقراره؛ إذ إن بعض الدول غير راضية بحدودها، وتتحين الفرصة لتغيير خريطتها وتحريك حدودها. والمشكلات الحدودية بين دول الخليج، مُعقدة أشد التعقيد. وهي، في بعض الحالات، ليست سوى ترتيبات مؤقتة، تتعرض، حتى في حالة وجود اتفاقيات دولية، للتعطيل والإلغاء، كما حدث بين العراق وإيران، وبين العراق والكويت.

ب. سباق التسلح

    تؤكد صفقات الأسلحة المتلاحقة، أن سباق التسلح لا يزال قائماً في النظام الإقليمي الخليجي، على الرغم من انحساره عالمياً، على أثر انتهاء الحرب الباردة. ولم يجلب الاتفاق العسكري لدول المنطقة، سوى المزيد من عدم الاستقرار، الداخلي والخارجي؛ إذ أدى ارتفاع ميزانيات الدفاع إلى خلط الأولويات الوطنية، من خلال الاتجاه نحو خفض الإنفاق على البرامج الاجتماعية، وتقليل الاهتمام بمشروعات التنمية، وتأجيل كثير من المشروعات المستقبلية، التي لا تحتمل التأجيل، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار الداخلي، وفرص أعمال الإرهاب والعنف. وكلما تصاعد سباق التسلح، ازداد عدم الاستقرار في المنطقة.

    ويمكن تصنيف ترتيبات الأمن في الخليج، في مجموعات أو أنماط ستة، هي:

(1)  ترتيبات احتراس من العراق، كمصدر تهديد لدول الخليج، بتدمير قدراته، من أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بينه وبين الكويت. حؤولاً دون تكرار أزمة 1990 ـ 1991.

(2)  ترتيبات تهدف تنمية قدرة الردع، لدى دول مجلس التعاون الخليجي.

(3)  ترتيبات تهدف إلى إعادة بناء القوات المسلحة لكلٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي.

(4)  ترتيبات بناء قوة دفاع عسكرية خليجية مشتركة

(5)  ترتيبات تضمّنها إعلان دمشق، الموقع بين دول مجلس التعاون الست ومصر وسورية، في مارس 1991، والمعدل في يوليه 1991.

(6)  ترتيبات أمنية، من وجهة نظر القوى الغربية الكبرى.

(7)  ترتيبات أمنية من وجهة نظر بعض القوى، الإقليمية والعربية والعالمية.

    كما أن هناك ترتيبات تعاون ثنائي دفاعي وأمني، بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي، على حدة. وترتيبات مماثلة، بين كلٍّ من بريطانيا وفرنسا، من ناحية، وكلٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي، من ناحية أخرى.

    وتتكامل تلك الترتيبات، إذ تضع في حسبانها كافة القوى، المحلية والإقليمية والدوليـة. ولا شك أن القضاء على أي قدرة عراقية على معاودة التهديد، بالحجم والخطر، اللذَين يمثلهما غزو الكويت، في أغسطس 1990 ـ هو في مقدمة أولويات الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.

    بيد أن تأمين منطقة الخليج دون أخطار التهديد، العراقي وغير العراقي، في المستقبل، لا يقتصر على تجريد العراق من مصادر قوّته العسكرية، وإنما يتخطاه إلى تعاون، دفاعي وأمني، بين دول الخليج والقوى الغربية الكبرى الثلاث، يوفر وجوداً أمريكياً بحرياً مكثفاً في الخليج، ووجوداً جوياً مؤثراً، ويضمن التعاون في مجالات المناورات والتدريب والتسليح والتسهيلات. وهذان النوعان من التعاون، يكفلان حماية منطقة الخليج، ومصالح الدول العربية الخليجية، والدول الغربية الصناعية المتقدمة، معاً، من أي أخطار أو تهديدات، سواء في الوقت الحالي أو في الأجل المتوسط. أمّا بناء القدرة الدفاعية الذاتية لدول مجلس التعاون، والتعاون الدفاعي لتلك الدول مع مصر وسورية، من خلال إعلان دمشق، فتواجههما مشكلات، تجعل تنفيذهما من الناحية الفنية، وكذلك من الناحية السياسية، أصعب من تنفيذ النوعَين الأولَين.

        ويمكن تفصيل الأنماط الستة للترتيبات الأمنية، كما يلي:



[1] انضمت إلى الأسطول البحري الإيراني عدد من الفرقاطات المتطورة، إضافة إلى 3 غواصات هجومية من نوع (كيلو).

[2] تعتبر إسرائيل أن دول مجلس التعاون هي من دول المواجهة في العمق الإستراتيجي العربي، باعتبارها الحلقة الثانية من دول الطوق العربي، على أساس أن الحلقة الأولى من دول الطوق هي مصر وسورية ولبنان والأردن. وتبرر ذلك بأن بعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية تمتلك صواريخ أرض/ أرض بعيدة المدى تستطيع أن تؤثر وتهدد أمن إسرائيل، كذلك تعتبر إسرائيل أن وجود أسلحة متقدمة لدى هذه الدول مثل الطائرات (F-15) تستطيع أيضاً أن تشترك مع دول الطوق. والأهم من ذلك، من وجهة نظر إسرائيل، أن هذه الدول تستطيع أن تقدم الدعم المادي والاقتصادي لدول الحلقة الأولى من الطوق، والذي يعتبر شق أساسي لصمود هذه الدول في أي صراع مقبل. كذلك فإن إسرائيل لديها من الأسلحة الحديثة مثل الصواريخ أرض/أرض والطائرات التي تستطيع أن تصل إلى عمق دول مجلس التعاون الخليجي.

[3] تستطيع إسرائيل أن تهدد جميع العواصم العربية باستخدام أسلحة الدمار الشامل، حيث لديها من وسائل الحمل المتطورة مثل صواريخ أرض/ أرض (أريحا)، والتي يصل مداها إلى معظم عواصم الدول العربية، وبالتالي تقع هذه العواصم في إطار الردع النووي الإسرائيلي.

[4] تتطلب بطبيعة الحال هذه الدراسة تخطيط جيد مسبق، وتخصيص الوحدات اللازمة لذلك والتدريب المستمر على مهمتها، وتوفير قدرات النقل الإستراتيجي مسبقاً.