إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي، بعد حرب تحرير الكويت









الفصل الثلاثون

المبحث السادس

أمن الخليج وإعلان دمشق

    كان دور مصر وسورية، السياسي والإستراتيجي، مهماً في إدارة أزمة الخليج، التي سبقت اندلاع الحرب الجوية، في 17 يناير 1991، والحرب البرية، في 24 فبراير من العام نفسه.

   وشاركت مصر في إدارة أزمة الخليج، بسعيها لإيجاد حل، يحقق انسحاباً عراقيأً من الكويت، من دون اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، مستخدمة أساليب المساومة، الضاغطة ضد العراق، بتوضيح النتائج، التي يمكن أن تنجم عن الحرب، واستعداد قوات التحالف لاستخدام القوة العسكرية، لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وإخراج القوات العراقية من الكويت.

   وفي هذا الإطار، كان لقرار مصر، إرسال قوات مسلحة إلى المملكة العربية السعودية ـ مغزاه الخاص. كذلك أرسلت سورية بعض وحداتها إلى المملكة. وقد وفر الوجود العسكري، المصري والسوري، الفرصة لتجانس السلوك العربي والسلوك الدولي، في إدارة الأزمة؛ فالتقت الشرعية العربية الشرعية الدولية، في مواجهة العراق، باستثناء عدد محدد من الدول العربية، التي خرجت عن تلاقي الإرادتَين، العربية والدولية، وتجانسهما، في شأن كيفية قمع العدوان العراقي. ثم كان دور القوات المصرية، وكذلك السورية، أساسياً، ومهماً، في الحرب البرية، ومعركة تحرير الكويت. ومن ثَم، أصبح طبيعياً، أن يكون للقاهرة ودمشق صوت ورأي، في مسألة الترتيبات الأمنية لمنطقة الخليج، عند انتهاء الحرب.

   ونتج من التحالف الثُّماني العربي (دول مجلس التعاون الخليجي الست، ومصر وسورية)، الذي أفرزته أزمة الخليج، وثيقة مهمة، وقّعها، بعد انتهاء الحرب البرية بعدة أيام، وبالتحديد في 6 مارس 1991، وزراء خارجية الدول الثماني، وعرفت باسم "إعلان دمشق".

    وقد عكست تصوراً أولياً مشتركاً للدول الثماني، في خصوص كيفية تجاوز المحنة، التي ولدتها الحرب، والعمل على بناء نظام عربي جديد، من أجل تعزيز العمل العربي المشترك، والاتفاق على ترتيبات، يمكن البقاء عليها من أجل تحقيق ذلك؛ مع ترك المجال مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى، للمشاركة في هذا الإعلان، على ضوء اتفاق المصالح والأهداف.

    وأشار "إعلان دمشق" إلى العمل بموجب المواثيق، العربية والدولية، والمبادئ المستقرة في العمل الدولي، في شأن بناء السلام والأمن. وألمح إلى خصوصية النظام العربي، المتعلقة بمبادئ التضامن والأخوّة. ثم حدد أهداف التنسيق والتعاون، في مجالات ثلاثة، هي المجال السياسي والأمني، والمجال الاقتصادي والاجتماعي، ومجال مؤسسات العمل العربي المشتركة. ولا تخرج تفاصيل الإعلان، في هذا الشأن، عن التراث التقليدي للخطاب السياسي القومي، الداعي إلى العمل المشترك، من أجل مواجهة التحديات والتهديدات، التي تتعرض لها المنطقة، وبخاصة تلك الناجمة عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ والمؤكد الالتزام بمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950؛ والراغب في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلاد العربية، وتبنِّي سياسات تنمية اقتصادية واجتماعية، متوازنة، ودعم مراكز البحث العلمي، وتعزيز التبادل، الثقافي والإعلامي، ودعم جامعة الدول العربية وتطويرها، والتصدي لكافة محاولات إضعافها أو تفتيتها.

    كما تضمن "إعلان دمشق" هدفاً جديداً، في المجال السياسي والأمني، والمجال الاقتصادي والثقافي. إذ تحدث عن "احترام مبدأ سيادة كل دولة عربية على مواردها، الطبيعية والاقتصادية"، رداً على الجدل الذي واكب أزمة الخليج، في شان إعادة توزيع الثروة العربية. وهي مسألة، تندرج في باب الترتيبات الاقتصادية، بعد الحرب.

   ونصت أهداف التنسيق والتعاون، في المجال السياسي والأمني على ".. أن وجود القوات، المصرية والسورية، على أرض المملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى في منطقة الخليج، تلبية لرغبة حكوماتها، بهدف الدفاع عن أراضيها ـ يمثل نواة لقوة سلام عربية، تعد لضمان أمن وسلامة الدول العربية في منطقة الخليج، ونموذجاً يحقق ضمان فعالية النظام الأمني العربي الدفاعي الشامل ..".

    واللافت أنها المرة الأولى، التي تتحدث فيها وثيقة عربية عن بناء قوة سلام عربية، لردع التهديدات، وضمان أمن دول عربية وسلامتها، ثم البناء على تلك القوة لاحقاً، بما يضمن قيام نظام أمني دفاعي عربي شامل. إذ لم يقتصر "إعلان دمشق" على الحديث عن التزام عام بمبدأ الدفاع الجماعي العربي، التنسيق في أمور الأمن، بل تجاوزها إلى الآلية التنفيذية، والعمل على بناء "نظام أمني دفاعي شامل"، أي نظام أمن حقيقي، يستند إلى ترتيبات دفاعية عسكرية.

    وعززت "إعلان دمشق"، تصريحات، مصرية وسورية، أكدت أن النظام الأمني العربي، لا بدّ أن يكون عربياً، وأن القوات العربية، هي أساسه؛ وأن لمصر دوراً أساسياً فعالاً؛ وأن ترتيبات الأمن، تنبع من الدول، الخليجية والعربية.

    ولكن، بعد مرور شهرَين على توقيع "إعلان دمشق"، أعلن الرئيس حسني مبارك قراره، سحب كل القوات المصرية، من المملكة العربية السعودية والكويت. وهو القرار، الذي قال إنه كان قد اتخذه قبْل شهر من إعلانه ، أي بعد شهر واحد من توقيع "إعلان دمشق". ثم أعقب ذلك انسحاب القوات السورية. وقد اتسم الخطاب السياسي المصري، الرسمي، بالهدوء ومحاولة استيعاب الخلافات في وجهات النظر. ويتضح ذلك من تصريحات الرئيس حسني مبارك، في مصر، في هذا الشأن. وكذلك تصريحات وزير الخارجية المصري، عمرو موسى. والشيء نفسه أمكن ملاحظته في الخطاب السياسي الخليجي، في صدد هذه المسألة. إذ أكّد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، عدم وجود أي خلافات بين مصر والمملكة، في خصوص ترتيبات الأمن في الخليج. والموقف نفسه، أكده، غير مرة، وزير الدفاع الكويتي.

    ومن الواضح، أنه كان هناك اختلافات في وجهات النظر، بين دول "إعلان دمشق"، حول دور القوات الأجنبية، ومداها ومحتواها. ولكن أسلوب التعامل معها لم يتعدَّ الخطاب السياسي الهادئ، في محاولة لاستيعاب الأزمة واحتوائها.

   بيد أنها أدت إلى تباين مواقف تلك الدول تجاه أسلوب بناء النظام الأمني العربي، وانقسامها اتجاهَين رئيسيَّين، لم يخلُ أيٌّ منهما من تفاوت رؤى أطرافه، كذلك.

الاتجاه الأول

    يتمسك بالمفهوم الشامل للأمن العربي، وتمثله مصر وسورية. غير أنهما تختلفان في أسلوب التعامل مع إيران، في هذا المجال؛ ترفض القاهرة أي دور قوي أو مؤثر لإيران، بينما ترى دمشق أن يكون لإيران دور ما.

الاتجاه الثاني

    يركز في أمن الخليج، وتتجاذبه ثلاثة مواقف:

1.   الأول، تمثله دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، التي ترى ضرورة زيادة كفاءة قوات "درع الجزيرة". كما ترحب بالتعاون مع إيران، والارتباط بها بعلاقات حسن الجوار.

2.   الثاني تمثله الكويت، التي تولي اهتمامها، في هذه المرحلة، الأمن الوطني الكويتي، بمفهومه القُطري.

3.   الثالث، هو الموقف السعودي، الذي يحاول إيجاد صيغة وسط، تربط بين الأمن الخليجي والأمن الوطني العربي.

    وفي ظل هذه الرؤى المتباينة، برز بعض التناقضات بين دول "إعلان دمشق". فالكويت فضلت أسلوب التعامل الثنائي، على المستويَين، الدولي والعربي. وتمثل ذلك في اتجاهها إلى توقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإعلانها الاتجاه إلى توقيع اتفاقيات ثنائية أخرى، مع كلٍّ من بريطانيا وفرنسا. وعلى الصعيد العربي، فضلت أسلوب التعامل الثنائي، كذلك، مع كل من مصر وسورية. ولعل الزيارات المتبادلة، بين الرئيس مبارك وأمير الكويت، والمسؤولين المصريين والكويتيين، تؤكد هذا الاتجاه.

    أمّا المملكة العربية السعودية، فتجعل العراق محور رؤيتها، كونه مصدر التهديد الأساسي. إذ أكد الأمير سعود الفيصل، في خطابه أمام المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، في نوفمبر 1993، أن العراق، لا يزال مستمراً في تهديد أمن منطقة الخليج وسلامتها، ولا يزال يرفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن. كما أشار جلالة الملك فهد إلى "التحديات المحيطة بمنطقتنا"؛ إذ "إن النظام العراقي، لا يزال يراوغ في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ويواصل تهديداته وادعاءاته الباطلة عن الكويت".

    وأكد المسؤولون في المملكة العربية السعودية، أهمية وضع الضوابط، التي تكفل عدم تكرار الحرب. إذ قال الأمير سعود الفيصل، في خطابه أمام الجمعية العامة، عام 1991: "لقد اهتم قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالترتيبات الأمنية المستقبلية، منطلقين من نظرة، ترتكز على الاعتماد على الذات، والتعاون مع الدول، الشقيقة والصديقة، في كل ما يخدم أهداف الأمن والاستقرار في المنطقة"[1].

    بيد أن المملكة، لا توافق، في شأن الترتيبات الأمنية، المفهوم الكويتي، القائل بعقد سلسلة من التحالفات مع القوى الكبرى، تبيح الوجود الأجنبي المباشر في المنطقة. ومن ثَم، رفضت وجود قوات أجنبية، بأعداد كبيرة، وتخزين كميات من الأسلحة الغربية (الأمريكية أساساً) على أراضيها، يمكن أن تستخدمها القوات الأجنبية، في حالة وجود تهديد خارجي. وتستعيض المملكة عن ذلك التخزين، بتكثيف التعاون، الأمني والعسكري، مع الولايات المتحدة الأمريكية، المتمثل في تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، ومنح واشنطن بعض التسهيلات، في عدد محدود من المطارات الحربية السعودية. وهكذا، أتاح للملكة منهاجها الاستفادة من المظلة الأمريكية فائدة غير مباشرة؛ إذ تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بأمن الخليج، من دون أن توجد، رسمياً، على أراضي المملكة. كذلك، لم تعترض المملكة على سلسلة الاتفاقيات الأمنية، التي يعقدها بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مع بعض الدول الغربية وروسيا، على أساس أن تلك الاتفاقيات تسهم في حماية أمن الدول الخليجية، من دون أن تكون المملكة طرفاً مباشراً فيها.

    أمّا مصر، التي تتمسك بالصيغة العربية الشاملة للأمن الوطني العربي، وللترتيبات الأمنية في المنطقة، فإنها لا ترفض أي أسلوب للتعاون العربي، ثنائياً كان أم جماعياً. كذلك، فهي ترى حق كل دولة عربية في اتِّباع الأسلوب، الذي تراه ملائماً للحفاظ على أمنها وسلامتها.

   أمّا سورية، فإن موقفها أشد تعقيداً من الموقف المصري؛ إذ إن الأراضي السورية في الجـولان، لا تزال محتلة، وهي ترغب في توظيف كافة المعطيات، التي أفرزتها حرب الخليج الأخيرة، من أجل تقوية موقفها في المفاوضات المستقبلية مع إسرائيل. ومن ثَم، تحاول الدبلوماسية السورية حل أي خلافات في المواقف، بين دول "إعلان دمشق".

    كذلك، اختلفت الرؤى، بين دول "إعلان دمشق"، حول الموقف من العراق، بعد الحرب. ولئن اتفقت على رفض التعامل مع نظام صدام حسن، وطالبت بالحفاظ على العراق ووحدة ترابه الوطني، فإنها اختلفت في الدور العراقي، في المستقبل. فبينما الرؤية السورية غير واضحة، في هذا الصدد، على تمسكها بوحدة العراق والحفاظ على سيادته، اتسمت الرؤية المصرية بضرورة أن يكون للعراق، ما بعد صدام، دور في النظام العربي، استناداً إلى أن الظروف القائمة، هي ظروف متغيرة. ومن ثَم، فإن إغفال الدور العراقي، من شأنه أن يخلق، مستقبلاً، عوامل عدم استمرار؛ إذ إن العراق، كان وسيظل عاملاً من عوامل التوازن في المنطقة العربية. ويؤكد هذه الرؤية المصرية، الخطاب السياسي المصري، الرسمي.

    أمّا الرؤية الخليجية، فترفض أي دور عراقي، في المستقبل، قد يؤدي إلى تهديد استقرارها.

    هكذا، كانت التفاعلات، الناجمة عن اختلاف دول "إعلان دمشق" في الدور الأمريكي في ترتيبات الأمن، ومفهوم الأمن الوطني العربي، والموقف من العراق ـ عاملاً من العوامل، التي أوجدت إشكالية في هذا التجمع الجديد. ولكن، يبدو أن أطراف هذا التجمع، حرصوا على ألاّ تؤدي اختلافاتهم إلى التخلي عن "إعلان دمشق"، فارتأوا إعادة صياغته بأسلوب يستوعب تناقضاتهم، خاصة تلك المتعلقة بالشق، الأمني والعسكري.

تعديل "إعلان دمشق"

    إن المقارنة بين الصياغة الأولى لوثيقة "إعلان دمشق"، الصادرة في 6 مارس 1991، وصياغته المعدلة، الصادرة في 19 يوليه 1991 ـ توضح ما يلي:

1. لا اختلاف في الأُسُس والمبادئ، التي يرسو عليها التنسيق والتعاون، بين الدول الموقعة هذه الوثيقة.

2. اقتصار التعديل على مجالَين. الأول، يدور في نطاق الترتيبات الأمنية. والثاني، في المجال الاقتصادي.

فقد نصت الوثيقة الأولى على ما يلي:

    "إن الأطراف المشاركة، تعتبر وجود القوات، المصرية والسورية، على أرض المملكة العربية السعودية، وبعض الدول العربية الأخرى في الخليج، تلبية لرغبة حكوماتها، بهدف الدفاع عن أراضيها ـ يمثل نواة لقوة سلام عربية، تعد لضمان أمن وسلامة الدول العربية في منطقة الخليج، ونموذجاً يحقق ضمان فعالية النظام الأمني العربي الدفاعي الشامل. كما تؤكد الأطراف المشاركة، أن التنسيق والتعاون بينهما، لن يكون موجهاً ضد أي طرف، بل يمكن أن يكون مقدمة لفتح حوار مع الأطراف، الإسلامية والدولية، التي تحترم المصالح العليا للأمة العربية، وتلتزم بمبادئ الشرعية الدولية المستقرة، خاصة ما يتعلق منها باحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتسوية المنازعات بالطرق السلمية" (اُنظر وثيقة نص "إعلان دمشق" الموقّع في العاصمة السورية دمشق، 20 شعبان 1411هـ / 6 مارس 1991).

    وواضح أن هذا النص، يأخذ بمفهوم الأمن القومي العربي الشامل، ويشير إلى النظام الأمني العربي الدفاعي الشامل، ويوضح أن القوات، المصرية والسورية، في الخليج، هي نواة لقوة سلام عربية لضمان أمن الدول العربية في الخليج وسلامتها؛ مما يعني إقرار هذه الدول بأن ترتيبات الأمن، ستكون في جوهرها عربية.

   وتأتي الإشارة إلى أن التعاون بين هذه الدول، ليس موجهاً ضد أي طرف، لطمأنة إيران، والولايات المتحدة الأمريكية، بإمكانية المشاركة في هذه الترتيبات، من خلال محاورة الأطراف الأعضاء. وقد عُدِّل هذا النص، ليكون على النحو التالي:

   وإذ تشير، على وجه الخصوص، إلى المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية، تعتبر أن ما اضطلعت به القوات، المصرية والسورية، أثناء أزمة الخليج، من مساندة قوات المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الأخرى، على تحرير الكويت والدفاع عن نفسها تجاه العدوان ـ يمثل تطبيقاً نموذجياً لاتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، بين دول الجامعة العربية، وأساساً لتعاون أمني عربي فعال. وفي هذا السياق، يحق لأي دولة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاستعانة بقوات، مصرية وسورية، على أراضيها. وانطلاقاً من هذا، فإن الدول المعنية بهذا الإعلان، ستسعى إلى وضع بروتوكول متكامل، في إطار الالتزامات المتبادلة بين البلدان العربية، وإيداعه الجامعة العربية.

    وتلفت الصياغة المعدَّلة إلى تخلّي الأطراف المشاركة، عن فكرة قوة السلام العربية، كنواة لضمان أمن دول الخليج وسلامتها، واستبدالهم بها صياغة مرنة، تتيح استعانة أطراف الإعلان، إن رغبت في ذلك، بقوات، مصرية وسورية، للحفاظ على الأمن في الخليج.

   إذ يستدعي التطبيق العملي للصياغة الأولى، عملاً جماعياً بين الأطراف الموقعة "إعلان دمشق". أما الصياغة المعدَّلة، فتمهد للعمل الثنائي بين الأطراف الأعضاء.

   أما في المجال الاقتصادي، فقد نصت الصياغة الأولى على تبنّي الدول الأطراف سياسات اقتصادية، من شأنها تحقيق التنمية، الاقتصادية والاجتماعية، المتوازنة، تمهيداً لتجمّع اقتصادي عربي، يواجه التحديات، ويواكب التطورات الاقتصادية، الناجمة عن تكوين تجمعات كبرى في العالم، وهو ما يعني وضع سياسات اقتصادية مشتركة، بين الدول الأعضاء. بيد أن الصياغة المعدَّلة، اطَّرحت هذه الجزئية، ليحل محلها نص أكثر مرونة، يرتكز على التنسيق والتعاون الاقتصادي بين الدول الأطراف، من دون أي إشارة إلى عنصر التوازن في تحقيق التنمية بين تلك الدول.

    وعلى الرغم من أن صياغة "إعلان دمشق" الأولى، لم تكن تحوي التزامات محددة، وواضحة، بالنسبة إلى الدول المشاركة، واقتصرت التزامات شبه ضمنية، فإن صياغته الجديدة، استبدلت بها إطاراً مرناً فضفاضاً، غير محدد، مما يشير إلى قبول أطرافه الحد الأدنى، في العلاقات العربية ـ العربية.

   وعلى الرغم من محاولات بعض المسؤولين الرسميين، في دول "إعلان دمشق"، إنكار أو التقليل من شأن المشكلات، التي اعترضت طريق تحويل نصه، في خصوص تشكيل قوة سلام عربية، أساسها القوات، المصرية والسورية، الموجودة في منطقة الخليج، إلى واقع فعلي، وتنظيم دفاعي جماعي، حقيقي ـ فإن تلك المشكلات، قد أدت إلى إطاحة النص الجوهري الجديد، على ضرورة العمل العربي المشترك، في مجالَي الأمن والدفاع.

   فدول الخليج العربية، تخلّت عن صيغة العمل الأمني الدفاعي الجماعي، مع مصر وسورية، لتتبنّى صيغة العمل والاتفاق الثنائيين، بين كلٍّ منها، من ناحية، والقاهرة ودمشق، من ناحية أخرى. وقد يكون ذلك بسبب الأعباء، المالية والتنظيمية والفنية والسياسية، التي يقتضيها إنشاء قوة سلام أو ردع عربية مشتركة حقيقية، وهي الأعباء، التي ربما لا تراها الدول العربية ملائمة، ولا ممكنة الاحتمال. وقد يكون سبب ذلك التحول، هو تخوف بعض الدول العربية الخليجية، من تداعيات ودور قوات، مصرية أو سورية، على أراضيها.

   ناهيك أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتحمس لصيغة "إعلان دمشق"، بل رغبت في ترتيبات أمنية ثنائية، بينها وبين دول الخليج، تحقق، طبقاً لوجهة النظر الأمريكية، الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وتتيح إجراء التدريبات المشتركة بين القوات العسكرية للجانبَين؛ مع اتخاذ الترتيبات اللازمة لإبقاء الأسلحة الثقيلة، التي يستغرق شحنها وقتاً طويلاً، داخل بعض أراضي دول الخليج العربية، حتى يمكن استخدامها، وقت الأزمات.

    كذلك، فإن موقف إيران، المعارض لصيغة "إعلان دمشق"، هو عامل مهمّ في تفسير التحول في مواقف دول الخليج العربية[2]. فلقد شددت كافة دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك سورية، على المكانة المهمة لإيران، كدولة خليجية كبيرة، ذات دور حيوي في أي ترتيبات لأمن الخليج.

    وإضافة إلى الاختلاف في دور إيران، فإن دول الخليج الست، قد أثارت ثلاث نقاط اختلاف مهمة، قبَيل اجتماع 19 يوليه 1991، الذي عدل "إعلان دمشق"، وهي:

1.  أن تكون، هي وحدها، صاحبة الحق في تحديد أعداد القوات العربية، التي سيستعان بها، عند الضرورة. وكذلك تحديد نوع الأسلحة، غير الخليجية، فوق أراضيها.

2.  أن تكون هي الوحيدة صاحبة الحق الوحيد في إلغاء أي وجود عسكري فوق أراضيها، وفي الوقت الذي تختاره هي، وبمقتضى قرار، تصدره كل دولة خليجية على حدَة.

3.  أن تكون المبادئ، التي سيُتَّفق عليها، مع كل من مصر وسورية، مرنة، وقابلة للتطوير، في أي وقت.

    وفي سياق المداولات بين دول "إعلان دمشق"، كان رأي مصر، أن النظام الأمني في المنطقة، يجب أن يكون من طريق التفاهم والمواثيق العربية؛ وأنه لا ينبغي أن تفرض دولة رأيها على الأخرى؛ وأن أي محاولة لإخراج مصر من ترتيبات أمن الخليج، لن تنجح؛ وأن "إعلان دمشق" والالتزام به، هو الإطار الصحيح للاتفاق على ترتيبات عربية لأمن الخليج، يبررها الإسهام الكبير، المصري والسوري، في حرب تحرير الكويت. وأن مصر ستدرس الحاجة إلى القوات المصرية، التي تحددها دول الخليج العربية، وسوف تستجيب لها؛ وأنه إذا كانت مصر لا تدعو لإرسال قواتها خارج حدودها، وإنما تلبي الحاجة الأمنية للدول المتعاونة معها في هذا الظرف، فإنه لن يكون ملائماً إرسال قوة رمزية، كتلك التي تريدها الكويت (ما بين 3 و5 آلاف جندي)؛ إذ إنها لن تكون قوة رادعة، وإنما يمكن أن تكون غطاء لوجود آخر.

    وكان انسحاب القوات المصرية هو السبب الموضوعي، الذي أدى إلى تعديل نصوص "إعلان دمشق" تعديلاً جوهرياً، جعلها مختلفة عن تلك الموقعة في دمشق. إذ عكس الإعلان المعدَّل، الموقع في الكويت، وجهة نظر دول الخليج العربية، في شأن مساهمة الدول العربية، غير الخليجية، أعضاء الائتلاف الدولي، وبخاصة مصر وسورية، في ترتيبات أمن الخليج سواء من حيث شكل هذه المساهمة أو محتواها، أو القيود الواردة عليها. وهكذا، تحول الإعلان إلى مجرد إعلان مبادئ، أو إعلان نيات، لا يختلف كثيراً عن غيره، من عشرات الوثائق العربية السابقة، في مجالَي الأمن والدفاع.



[1] نص الخطاب في المحاضر الرسمية للجامعة العامة للأمم المتحدة ( نيويورك، الدورة 46)

[2] المعروف أن إيران انتقدت بشدة إعلان دمشق، ورفضت الوجود العسكري المصري والسوري باعتبار أن الدولتين لا تنتميان إلى منطقة الخليج.