إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي، بعد حرب تحرير الكويت









الفصل الثلاثون

المبحث السابع

القوى الغربية الكبرى، وترتيبات الأمن في الخليج، بعد الحرب

    المقصود بالقوى الغربية الكبرى، أساساً، هي الولايات المتحدة الأمريكية، قطب النظام العالمي الأوحد، في مرحلته الانتقالية الراهنة، وزعيمه الائتلاف الدولي المنتصر في حرب الخليج. ثم بريطانيا وفرنسا.

   والمصالح الأساسية، التي تسعى هذه القوى إلى حمايتها، في منطقة الخليج، مرتبطة بالنفط. وتتمثل في حماية آباره، وطرق تجارته الدولية، وضمان وصول إمداداته إلى الدول الصناعية المتقدمة، من دون انقطاع. ومن ثَم، فإن الترتيبات الأمنية، التي تنشط القوى الكبرى لإنشائها، ستكون موجهة إلى مصادر التهديد المحتملة، التي قد تضر بالمصالح الغربية الرئيسية في الخليج.

   ولقد جهدت هذه القوى، وفي مقدمتها بريطانيا، خلال الخمسينيات، في محاولاتها من أجل وضع ترتيبات أمنية، توائم مصالحها، في منطقة الشرق الأوسط، اتخذت شكل منظمات للدفاع عن المنطقة، أو أحلاف عسكرية. غير أنها اصطدمت برفض شعبي كاسح، قادته زعامات الاستقلال الوطني، آنذاك، بفاعلية ونجاح، وهو ما أدى إلى تقلص النفوذ، السياسي والعسكري، لتلك القوى، ومنها بريطانيا وفرنسا.

   وفي أواخر الخمسينيات، وخلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، استأثر بالمنطقة كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، من خلال علاقاتهما، العسكرية والاقتصادية والسياسية، بدولها. واستخدمت الدولتان العديد من أدوات السياسة الخارجية، كالمساعدات وصفقات السلاح والمعاهدات السياسية، للتأثير في دول المنطقة، واستقطابها في مصلحة ترتيب أوضاع أمنية معيّنة، تماشي مصالح كلٍّ منهما وأهدافها الإستراتيجية. بل شهد بعض دول المنطقة تدخلات عسكرية خارجية مباشرة، من أجل تحقيق هذه الأهداف؛ كما حدث في لبنان والأردن، عام 1958.

    وفي أثناء أزمة الخليج، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، في 4 سبتمبر 1990 في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ـ أفكاره الأولية، المتعلقة بترتيبات أمن منطقة الخليج، بعد الأزمة. فتحدث عن التفكير في إنشاء حلف دفاعي، يردع قوى التهديد والعدوان. وذكّر بالدور المهم، الذي اضطلع به حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لمدة 45 عاماً، بعد الحرب العالمية الثانية، في ردع التهديد السوفيتي، وضمان أمن غربي أوروبا. ولكن هذه الأفكار، التي قد تكون "بالون" اختبار، صدمت مشاعر الحساسية الفائقة، المضادّة للانتماء إلى أحلاف عسكرية، تقودها القوى الكبرى. ولذلك، فإن بيكر نفسه، تخلّى عنها، في اليوم التالي مباشرة.

    رغبت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب، في فصل أمن منطقة الخليج عن ترتيبات الأمن في منطقة الشرق الأوسط. فاتجهت نحو أداء الدور الرئيسي، في عملية بناء الترتيبات الأمنية لمنطقة الخليج. كما قصرت اتصالها وتعاملها، في هذا الشأن، على دول مجلس التعاون الخليجي الست. وفصلت ما يترتب على مداولتها مع هذه الدول، من ترتيبات أمنية، عن أي جهود أو اتفاقيات أخرى، في شأن ترتيبات لأمن الخليج. ولذلك، لم تتحمس لإعلان دمشق، بل لم تشرك حتى حليفتيها الأوروبيتَين، بريطانيا وفرنسا، في عملية بناء ترتيباتها الأمنية مع دول الخليج العربية. وهو ما نمّ بحرص واشنطن على الانفراد بتقرير مصير الترتيبات الأمنية في هذه المنطقة، نظراً إلى أهميتها الخاصة، وحيوية المصالح الأمريكية فيها؛ إذ تختزن أكبر احتياطي عالمي من النفط. وازدادت أهميتها الإستراتيجية، في التسعينيات، بانخفاض إنتاج النفط في المناطق الأخرى. في الوقت نفسه، فإن حالة الركود الاقتصادي، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، واطّراد صعود القوى الاقتصادية العملاقة، في ألمانيا واليابان والجماعة الأوروبية، يمكن أن ينقلا النظام العالمي إلى هيكل متعدد الأقطاب، يتناقص فيه النفوذ الأمريكي، بينما يتزايد النفوذ النسبي للقوى الأخرى (أوروبا واليابان). وعندئذ، يصبح تأثير واشنطن وسيطرتها الإستراتيجية على منطقة إنتاج النفط في الخليج، إحدى أهم أوراق المساومة الدولية للقطب الأمريكي، في تعامله وتفاعله مع الأقطاب الآخرين.

   ففي 6 فبراير 1991، ومع تصاعد العمليات العسكرية ضد العراق، حدد بيكر رؤية الإدارة الأمريكية وتصوُّرها للوضع في الخليج، والشرق الأوسط، بعد انتهاء حرب تحرير الكويت، وضرورة مشاركة كل دول الخليج، بما فيها العراق وإيران، في الترتيبات الأمنية المطلوبة لمرحلة ما بعد الحرب. وطرح بيكر خمسة تحديات، رأى أن الولايات المتحدة الأمريكية، ومنطقة الشرق الأوسط (بما فيها الخليج)، سوف تواجهانها، بعد الحرب، أربعة منها تخص المنطقة العربية، والخامس يخص الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وهي:

1. الأمن في الخليج.

2. الحد من انتشار الأسلحة المتطورة.

3. إعادة البناء الاقتصادي للكويت، وإعمار ما هدمه الغزو والحرب.

4. متابعة السعي إلى إيجاد حل للنزاع العربي ـ الإسرائيلي.

5. الرغبة الأمريكية في خفض الاعتماد على الطاقة المستوردة.

    كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى، أن منطقة الخليج العربي في حاجة إلى ترتيبات أمنية جديدة، ومختلفة عمّا كان عليه الوضع في السابق؛ وأن المطلوب هو حل مشاكل، تتعلق بثلاثة أسئلة جوهرية، وهي:

·  ما هي مبادئ الترتيبات الأمنية وأهدافها؟

·      ما دور الدول المحلية، والمنظمات الإقليمية، والجماعة الأوروبية؟

·      ما هي المتطلبات العسكرية، بعد انتهاء الحرب، لضمان الاستقرار المحلي؟

    وبشكل عام، كان هناك تفاهم على الخطوط العريضة للمبادئ، التي تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج على وجه التحديد. وكانت تشمل ضرورة (ردع أي عدوان) أياً كان مصدره، والمحافظة على سلامة أراضي كل الدول واحترامها، وحل النزاعات بالوسائل السلمية، بما في ذلك مشاكل الحدود. في مقابل أن تسرع دول المنطقة في وضع هذه المبادئ موضع التنفيذ، لتفادي النزاعات، وردع العدوان. وقال بيكر، صراحة، في 7 فبراير 1991: "نتوقع من دول الخليج، ومن المنظمات الإقليمية، كمجلس التعاون الخليجي، أخذ المبادرة إلى العمل من أجل بناء شبكة جديدة من العلاقات الأمنية وتدعيمها. ويجب عدم استثناء أي دولة إقليمية من هذه الترتيبات؛ إذ في استطاعة إيران، أن تؤدي دوراً، كقوة رئيسية في الخليج". وتنمّ هذه المقولة بأن الاهتمام الأمريكي، كان منصباً على منطقة الخليج دون سواها. إذ تصور بيكر، أن الدور الخارجي، لن يتعدى الجماعة الأوروبية والأمم المتحدة، من أجل تشجيع وضع الترتيبات الأمنية ودعمها معنوياً وسياسياً.

    وطالما أكدت واشنطن أنها لا تنوي الإبقاء على قوات برية في الخليج، بعد إخراج العراق من الكويت، وتراجع التهديد، إلا أنها أعلنت، أنها تنوي الحفاظ على علاقاتها الثنائية بدول الخليج وتقويتها. كما أن التطورات، حملتها، فيما بعد، على إبقاء جزء من قواتها البرية في الكويت، وصل في بعض الأحيان إلى خمسة آلاف جندي.

   كانت عملية الغزو العراقي للكويت، دافعاً للولايات المتحدة الأمريكية، نحو إعادة ترتيب النظام الأمني في الخليج؛ إذ إن النظام الأمني، الذي كان سائداً في منطقة الخليج، "لم يكن ناجحاً تماماً"، طبقاً لِمَا ذكره وزير الدفاع، تشيني، في 29 أبريل 1991. ولذلك، تركز المساعي الأمريكية في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة ترتيباً، لا يتكرر معه ما حدث، بشكل أو بآخر، ولا تتعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للتهديد.

    إن تطورات الموقف، وما تلا الاحتلال العراقي للكويت، وما أدّيا إليه من تهديد للمصالح الأمريكية، فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تتحرك في إطار، يخدم أهدافها، وبما يماشي المتغيرات العالمية، بعد الحرب الباردة.

   وقد تبلورت نظرة واشنطن إلى التطورات الدولية، من خلال حديث جيمس بيكر، في معهد بروكنجز (Prockings)، في 3 مايو 1991. فتمثلت في ما يلي:

·      إن الحرب الباردة وضعت أوزارها، وصارت الولايات المتحدة الأمريكية، على الساحة الدولية، بلا منافس.

·      إن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت غير قلقة، في شأن احتمالات توسع النفوذ السوفيتي في المنطقة العربية.

·      إن إدارة أزمة الخليج، تُعَدّ مثالاً واضحاً لأسلوب إدارة أزمات مماثلة، فيما بعد.

·      إن أطرافاً أخرى، تمثل خطراً شديداً، في المدَيين، المتوسط والبعيد، على المصالح الاقتصادية الأمريكية، وعلى دول أوروبا الغربية واليابان؛ وإنه ينبغي السيطرة على نفط الخليج، لصون هذه المصالح.

    وحتم تحقيق المصالح الأمريكية، بالإسراع في وضع الترتيبات الأمنية حفاظاً على:

·      تحقيق الالتزام الأمريكي بصون أمن إسرائيل، وأن تكون مشمولة بنظام أمني ذي امتدادات إقليمية، يكفل لها الحماية والبقاء.

·      حماية كيان دول منطقة الشرق الأوسط وسلامة أراضيها. وإنشاء علاقات وثيقة بالحكومات، "التي تعرف، في المفهوم الأمريكي، باسم الحكومات المعتدلة"، والتي تدعم النظام الأمني المتطور، وتعمل ضمن إطاره.

·      حماية حركة التجارة في المنطقة، من خلال:

·      اعتماد إجراءات، تحافظ على أسعار رخيصة، وثابتة، لمبيعات النفط.

·      السعي لإدخال الشركات الأمريكية، ضمن نسيج الحياة اليومي لدول هذه المنطقة.

·      الاحتفاظ بفاعلية الدور والنفوذ الأمريكيين، في المجال الاقتصادي.

·      العمل على إنشاء أنظمة حكم ديموقراطية، في الشرق الأوسط.

·      فرض قيود إقليمية على التسلح.

·      استمرار فرض الحظر على تزويد العراق المعدات العسكرية والأسلحة، مع تدمير قدراته، من أسلحة الدمار الشامل.

·      تطوير التعاون العسكري الثنائي، بين الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها من الدول العربية في الشرق الأوسط. ويتمثل ذلك في إجراء مناورات عسكرية مشتركة، ومزيد من التدريب للقوات الأمريكية، وقوات دول مجلس التعاون الخليجي.

·      تعزيز التعاون العسكري بين دول الخليج وبعضها مع بعض، من جانب، وبينها وبين الدول الصديقة، والشركاء الأمنيين الخارجيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، من جانب آخر.

    وفي إطار السعي نحو تحقيق هذه المصالح، بات واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية، تدرك بعمق، أن الشرق الأوسط مكان شديد الخطر؛ ولكن، لا يمكن التخلي عنه، كما أن ما يحدث فيه، سيكون شغلها الشاغل. ولهذا، فإن إيجاد توازن سليم، بين تأمين حاجات الدفاع لحلفائها في الخليج، وتحفيز أنشطة الحدّ من التسلح في الشرق الأوسط، هما الأساس، من وجهة النظر الأمريكية، لأي ترتيبات أمنية في المنطقة.

   وبدأ المسعى الأمريكي، في شأن مسألة الترتيبات الأمنية في الخليج، منذ بداية مايو 1991، مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي، تشيني، إلى الدول الخليجية العربية الست، حيث طرح على قادتها خطة الرئيس بوش، لتكثيف الوجود الأمريكي وتوسيعه في المنطقة، كأساس لترتيبات أمنية، تجمع الولايات المتحدة الأمريكية وتلك الدول الست معاً. وناقش تشيني الزعماء الخليجيين، في الخطوط العامة لهذه الخطة، التي تغطي السنوات العشر التالية. وكان هدفه طمأنتهم إلى أن واشنطن ستكون قادرة، من خلال الترتيبات المطروحة، على استجابة حاجاتهم الأمنية، بسرعة، إذا تعرضوا لتهديدات مستقبلية؛ وذلك من دون حاجة إلى وجود كبير لقوات برية أمريكية دائمة، على أراضي دولهم.

    بيد أن ما طرح على دول الخليج، باستثناء الكويت، نتيجة لظروفها الخاصة، الناتجة من العدوان العراقي عليها[1] ـ قد تركز في تكثيف وجود عسكري دائم في منطقة الخليج، في إطار وجود، بحري وجوي؛ إضافة إلى تنفيذ مشروعات تدريبية، وإجراء مناورات مشتركة، وتخزين أسلحة[2]. إذ تحدث وزير الدفاع الأمريكي، خلال جولته في دول الخليج العربية الست، والتي انتهت في 9 مايو 1991 عن مناقشة الخطوط العامة عدداً من الموضوعات الخاصة بالترتيبات الأمنية. وأشار إلى أن من بين الترتيبات المطروحة، إنشاء مركز قيادة متقدم للقيادة المركزية الأمريكية، في البحرين، يضم 500 فرد، من ضباط الأركان وضباط الصف؛ وتنظيم زيارات دورية، ومنظمة، لحاملات الطائرات إلى دول الخليج، فضلاً عن وجودها في الخليج نفسه. وكشف تشيني، أن بعض الترتيبات سيكون علنياً، إلى حدّ ما، وبعضها الآخر سرياً، بل إن التدريبات المشتركة، التي ستكون علنية، على الأرجح، ستكون سرية، في حالات أخرى.

    لا شك أن خطة "بوش"، في شأن الترتيبات الأمنية في الخليج، هدفت إلى تكثيف الوجود العسكري الأمريكي وتوسيعه، في الخليج، حيث كان دائماً ناشطاً ومحسوساً، وآية ذلك الحماية الأمريكية للناقلات الكويتية، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية؛ إضافة إلى وجود جوي أمريكي، في قاعدة "مصيرة" الجوية، في عُمان، وفي قواعد أخرى، في البحرين. وما أرادته الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب، هو أن توسع نطاق هذا الوجود العسكري، البحري والجوي وتكثفه، من خلال منحها تسهيلات في بلاد خليجية أخرى؛ وأن تسانده من طريق مخازن الطوارئ، التي يمكنها اختزان عتاد ومعدات، تكفي فِرقة عسكرية كاملة، ومن طريق المناورات والتدريبات المشتركة، وأخيراً، من طريق إنشاء مركز قيادة متقدم للقيادة المركزية للقوات الأمريكية[3] في البحرين، كنظام للقيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات. و"مخازن الطوارئ والمناورات المشتركة ومركز القيادة المتقدم للقيادة المركزية، هي العوامل الجديدة في الوجود الأمريكي، التي توخّت الترتيبات الأمنية الأمريكية تحقيقها، بعد الحرب.

    لقد اتَّبعت دول الخليج، في اتفاقياتها مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى، منهج الاتفاق الثنائي، الذي وافقت عليه جميعاً. إذ فضّلت التعامل الثنائي، وليس الجماعي. ومردّ ذلك، أساساً إلى تباين رؤاها، حول الوجود البري الأجنبي، وحجم الأسلحة الثقيلة، التي ستخزَّن على أراضيها؛ ومن ثَم، ترك لكل دولة على حدَة، أن تقرر موافقتها على ذاك الوجود وذلك التخزين أو رفضهما. بل آثر بعض الدول توسيع قاعدة تعاونها مع دول معيّنة. فالكويت، مثلاً، آثرت التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم مع باقي الدول. فدعا مجلسها الوطني إلى توسيع اقتراحات وزير خارجيتها، بالدعوة إلى إنشاء قواعد عسكرية أمريكية على أرض الكويت؛ إذ ترى أن تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية، هو أفضل ضمان لمواجهة أي هجوم عراقي، في المستقبل؛ وقد تكون محنة الغزو سبباً لذلك. في حين أن كلاًّ من قطَر ودولة الإمارات العربية المتحدة، ترى أهمية تحقيق التعاون مع فرنسا، لسببَين:

·      إيجاد نوع من توازن الوجود الأمني، في منطقة الخليج.

·      معظم أسلحتهما، هي فرنسية الصنع.

    ولا ترى الكويت أي تعارض بين الاتفاقيات الأمنية الدفاعية الثنائية، مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكيـة وبريطانيـا، من ناحيـة، وبين مبـدأ مسؤوليـة المنطقة عن أمنها، في المدى البعيد؛ ولا بين تلك الاتفاقيات و"إعلان دمشق". بل إن الجرائد الكويتية، رأت أن الكويت، تحتاج إلى وجود قوات مقاتلة، أمريكية وبريطانية، على أرضها، وأن تكون من القوات البرية، وألاّ تكون بأعداد قليلة، تجعل العدو يستهين بها.

    أما عُمان، فهي لا تفضّل وجود أي قوات عربية. بينما لا تعارض وجوداً رمزياً لقوات أمريكية. وتتحمس لإنشاء قوة عسكرية خليجية مشتركة. وبذلك يختلف تصوُّرها عن التصور السعودي.

    ويتميز موقف الإمارات، الذي يتفهم دواعي القلق الكويتي، والدعوة لوجود قوات أمريكية وبريطانية، برفض وجود أي قوات أجنبية، غير عربية، على أرض الإمارات.

    هكذا كانت الكويت، هي الدولة الأسبق إلى توقيع اتفاقية ثنائية، للتعاون الأمني والدفاع، مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم مع كلٍّ من بريطانيا وفرنسا، حرصاً على حماية نفسها من أي اعتداء، من العراق أو من سواه، بعد معاناتها تجربة مريرة، خلفت آثاراً، نفسية سياسية، شديدة الخطر، ليس في حكومتها فقط، بل في شعبها، كذلك. والكويت، من ناحية ثانية، هي أقرب دول الخليج، جغرافياً، إلى العراق. وهي، في الوقت عينه، لا تزال خائفة من المطامع والدعاوى العراقية، وترى أن "الجيوش الخليجية، لن تكون رادعة لأي هجوم عراقي".

    وتجيز للولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقية التعاون الدفاعي، بينها وبين الكويت، استعمال التسهيلات، ومساندة إمدادات التخزين المسبق للمعدات الدفاعية. وتحقق الاتفاقية تقنين وضع القوات الأمريكية في الكويت، بما يعزّز التعاون الدفاعي بين البلدَين، لمواجهة وردع أي عدوان أو تهديد لسيادة الكويت وأمنها ووحدة أراضيها. وتعزّز الاتفاقية، كذلك، القدرات الدفاعية للقوات المسلحة الكويتية، من خلال البرامج والدورات والتدريبات، وتوفير جميع الخدمات والمعدات الدفاعية، اللازمة لهذا الغرض.

    وكانت مصادر عسكرية أمريكية، قد ذكرت أن الحكومة الأمريكية، قد وافقت على بناء قاعدة تسهيلات، في منطقة "الصبية"، على بُعد 40 كم من الحدود العراقية، والتي يصلها جسر بجزيرة بوبيان. وستربط تلك القاعدة بقاعدة أخرى، في إحدى دول الخليج، تتسع لاستيعاب 50 ألف جندي؛ وسيكون ترابطهما بالوسائل التكنولوجية الحديثة، لاعتماد القوات الأمريكية على حاملات الطائرات، التي يتعذر وصولها إلى مياه الخليج.

    كانت الاتفاقية الأمريكية ـ الكويتية، إيذاناً بسلسلة اتفاقيات، حرصت واشنطن على عقدها مع دول أخرى في المنطقة. وتضمنت الاتفاقية جوانب عدة، منها زيادة التعاون، والشروط المرتبطة باستخدام المنشآت المحلية وتخزين العتاد العسكري وكمياته وأماكن التخزين، وأعداد العسكريين الأمريكيين. وقد وقّعها، في واشنطن، وزيرا دفاع البلدَين[4].

    استقبل بعض الدول العربية الاتفاقية الكويتية ـ الأمريكية، بتأكيد حق الكويت وحريتها في عقد أي اتفاقيات، تحمي أراضيها الحماية التي ترتضيها؛ وأن ذلك لا ينبغي أن يثير أي حساسية لدى أي جهة؛ لأنه عقد بين دولتَين تتمتعان بالسيادة الكاملة. وهكذا، فالاتفاقية مبررة قانوناً، فضلاً عن كونها مبررة بحكم النكبة، التي حلت بالكويت من جراء الغزو العراقي.

    وأعلن وزير الدفاع البريطاني، مايكوم ريفكند، على أثر زيادة قصيرة إلى الكويت، أنه وقّع اتفاقاً، مع الشيخ أحمد الحمود الصباح، نظيره الكويتي، يقضي بتزويد الكويت صواريخ "بيرست"، للدفاع الجوي. وذكر أن قيمة الصفقة، تصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني.

    ولقد أعلن بعض دول المنطقة، وعلى رأسها إيران، رفضها تلك الاتفاقيات وإدانتها، على أساس أنها تفرض الوجود الأجنبي في منطقة الخليج بشكل دائم.

    إن تركيز دول الخليج في الارتباطات الدفاعية الثنائية، مع الولايات المتحدة الأمريكية، كوسيلة أساسية لحماية أمنها، يمكن أن يكون مقبولاً، على المدى القصير. وقد تنجح الترتيبات العسكرية لأمن الخليج، في التقليل، بل القضاء على التهديدات العسكرية، التي تُعرض أمن دول الخليج العربية للخطر، في الأجل المنظور. ولكن المتغيرات السريعة في الأوضاع السياسية العالمية، مع احتمال ظهور أقطاب عالميون آخرون، منافسون للولايات المتحدة الأمريكية ـ يمكن أن يؤثرا في فاعلية تلك الترتيبات وهاتيك الاتفاقيات.

أولاً: تأثير الاتفاقيات الثنائية الأمنية في الواقع العربي

    إن صيغة الاتفاقيات الدفاعية الثنائية، بين بعض دول الخليج العربية، ودول غربية متقدمة، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ـ قد أدت إلى تعثر صيغة "إعلان دمشق"، كأساس لترتيبات أمنية عربية ـ عربية، "سياسية واقتصادية وعسكرية".

    وهكذا تحول نظام "الأمن الجماعي" كمسؤولية جماعية رئيسية للتنظيم الإقليمي الفرعي، إلى تحالف إستراتيجي مع الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة. أما البعد العربي لأمن الخليج، فتميل دول الخليج العربية إلى تهميشه، في مصلحة البعد الدولي؛ ولذلك تراجعت حماستها لـ "إعلان دمشق".

ثانياً: طبيعة الترتيبات الأمنية الغربية، مع دول الخليج العربية

1. مع المملكة العربية السعودية

    رفضت المملكة، بعد انتهاء حرب تحرير دولة الكويت، الإبقاء على عدد ضخم من القوات الأمريكية، أو إنشاء مخازن أسلحة ومعدات (مخازن طوارئ) على أراضيها. واضطرت القوات الأمريكية إلى نقل مليون طن، من الأسلحة والمعدات، إلى مناطق أخرى، في أوروبا أو الشرق الأوسط[5].

    واتخذت الترتيبات الأمنية في المملكة شكلاً مغايراً؛ إذ تركزت في مجالات التدريب المشترك، ونقل الخبرة، والمناورات العسكرية المشتركة. إضافة إلى إعادة تسليح الجيش السعودي بأسلحة ومعدات حديثة، وزيادة حجمه إلى 90 ألف جندي، خلال خمس سنوات، وتحديث إمكانات الدفاع الجوي، من خلال بناء نظام الدفاع الجوي، "درع السلام" (Peace Sheild).

2. مع الكويت

    مثلت الاتفاقية العسكرية الثنائية، بين الكويت والولايات المتحدة الأمريكية، المظهر الرئيسي للترتيبات الأمنية. وأعلن نائب رئيس المجلس الوطني الكويتي، راشد الجوسري، في 25 أغسطس 1991، مشروعَي اتفاق، بين الكويت وكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مدتهما عشر سنوات، تضطلع بموجبهما، قوات هاتَين الدولتَين بحماية الكويت من أي اعتداء خارجي.

    وفي 28 أغسطس 1991، أعلن تمديد فترة بقاء القوات البرية الأمريكية في الكويت، لعدة أشهر أخرى. وأكد الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أن قرار التمديد، "جاء أثر نقاش مشترك مع الكويت، وأنه يستند إلى حاجتها إلى المساعدة على الدفاع عن نفسها".

    وفي 4 سبتمبر 1991، أعلن توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية في شأن تمديد فترة القوات الأمريكية في الكويت. إذ أشار بيانُُ، أصدره مجلس الوزراء الكويتي، إلى أهمية هذا الاتفاق، في حماية الأمن الكويتي، في مواجهة التهديدات العراقية.

    ومن جهة أخرى، أعلن بيت وليامز، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أن ريتشارد تشيني، وزير الدفاع الأمريكي، بدأ مشاورات، في شأن التوصل إلى اتفاقيات دفاعية مماثلة، مع كلٍّ من المملكة العربية السعودية والبحرين وعُمان وقطَر والإمارات. وأوضح أن الاتفاقية الأمنية الأمريكية ـ الكويتية، تشتمل على:

أ.  تمركز قوة أمريكية، بحجم لواء، وكتيبة مظلات، قوامها نحو 5 آلاف جندي، في الأراضي الكويتية. تكون قوة ممهدة لتدخّل باقي القوات الأمريكية، في مواجهة أي تهديد.

ب. وضع معدات أمريكية ثقيلة، في قاعدة داخل الكويت، من أجل سرعة فتح القوات الأمريكية، عند أي تهديد.

ج. السماح بحُرية استخدام القوات الأمريكية موانئ وقواعد كويتية.

ج. إجراء تدريبات ومناورات دورية مشتركة، بين القوات، الأمريكية والكويتية.

    وفي 19 سبتمبر 1991، وقّع، في واشنطن، الشيخ علي سالم الصباح، وزير الدفاع الكويتي، ونظيره الأمريكي، الاتفاقية الأمنية بين بلدَيهما. وكان مجلس الأمة الكويتي، قد صادق عليها مصادقة مبدئية، في 18 سبتمبر 1991، ثم أبرمها، في توقيت لاحق.

    وفي 3 ديسمبر 1993، اختتم الشيخ علي سالم الصباح، وزير الدفاع الكويتي، زيارة إلى روسيا، قابل خلالها الرئيس الروسي، بوريس يلتسن، ووقّع اتفاقاً للتعاون العسكري، يمهد للكويت شراء أسلحة روسية.

3. مع البحرين وقطَر

    نهضت البحرين وقطَر بتغطية الاتجاه البحري، في الترتيبات الأمنية، وإيواء مركز القيادة المتقدم للقيادة المركزية الأمريكية. فاستُخدمت الموانئ، البحرينية والقطَرية، كنقط ارتكاز بحْرية لقطع الأسطول الأمريكي، العاملة في الخليج. كما استُخدمت مطارات الدولتَين وقواعدهما الجوية، في مصلحة القوات الجوية، الأمريكية والبريطانية والفرنسية. في حين اتخذت القيادة المركزية، في البحرين مركزاً متقدماً لقيادتها في منطقة الخليج.



[1] وافقت الكويت على تمركز قوات برية أمريكية على أراضيها، طبقاً للاتفاقية الأمنية التي وقعت بين الطرفين في 19 سبتمبر 1991. ` وقد أعلن تشيني أن زعماء الدول الخليجية وافقوا على الإطار العام لمشروع الرئيس بوش في شأن توسيع الوجود العسكري الأمريكي، وأن المحادثات حققت تقدماً في طريق إبرام اتفاقيات مع هذه الدول`.

[2] تحدث تشيني في جولته بدول الخليج الست عن أنه تم مناقشة الخطوط العامة لعدد من الموضوعات، كالتدريبات العسكرية المشتركة وتخزين الأسلحة، والوجود البحري في الخليج، ونشر طائرات حربية دورياً. ولكنه رفض الحديث عن تفاصيل هذه الموضوعات.

[3] تتمركز القيادة المركزية للقوات الأمريكية في فلوريدا، ويوجد مركز قيادة متقدم لها حالياً في البحرين، بموجب الاتفاق الثنائي الأمني الموقّع بين الولايات المتحدة الأمريكية والبحرين.

[4] ينص الاتفاق على تواجد 5000 جندي أمريكي في الكويت (أي نحو حجم لواء)، إضافة إلى كتيبة مظلات يتم نقلها جواً كمقدمة لباقي القوات، عند حدوث تهديد للكويت. فبالاستناد إلى هذا الحجم المسبق يمكن إتاحة الفرصة أمام باقي عناصر القوات الأمريكية للتدخل.

[5] نقل جزء كبير من هذه المعدات، الذي يصل إلى حجم فرقة، إلى مخازن طوارئ داخل إسرائيل، في إطار اتفاق التعاون الإستراتيجي، الموقع بين البلدين، على أن تستفيد إسرائيل من هذه المعدات إذا تعرض أمنها للخطر.