إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج السياسية والاقتصادية لحرب تحرير الكويت





إجمالي الإنفاق والإيرادات في البحرين
إجمالي الإنفاق في الكويت
إجمالي الإنفاق في سلطنة عُمان
إجمالي الناتج المحلي لقطر
مخطط الموازنة السنوية للسعودية
الإنفاق مقارنة بالناتج في الإمارات
الناتج المحلي والإنفاق في السعودية




الفصل الحادي والثلاثون

المبحث الثالث

تأثير الحرب في بعض دول الجوار الجغرافي

أولاً: إيران ونتائج حرب تحرير الكويت

    بعد انتهاء حرب الخليج، وكذلك الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وموت الخميني، وظهور القيادة المزدوجة لخامينئي ورفسنجاني، استبدل بشعار لا شرق ولا غرب، شعار جديد: الشمال والجنوب، أي جمهورية آسيا الوسطى شمالاً، والخليج جنوباً، كمنطقة حيوية لإيران.

    والواقع أن الموقف المحايد، الذي اتخذته إيران من أزمة وحرب الخليج، قد عاد عليها بالنفع، على أكثر من صعيد؛ فحيادها كان ذا قيمة كبيرة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. ومن ثَم، استطاعت إيران أن تحقق مكاسب سياسية كبيرة. كما أصبحت هي القوة العسكرية الأولى في الخليج، وغدت مرشحة لملء فراغ القوة في المنطقة.

    ساعدت حرب تحرير الكويت على تزايد احتمالات نمو النفوذ الإيراني في منطقة الخليج، المكشوفة أمنياً. وكذلك إعادة بندول التوازن في المنطقة في مصلحتها، على الأقل جزئياً. ومن خلال موقفها المحايد، أعطت لنفسها الحق في التحرك بحُرية، وإعادة نسج علاقات من نوع جديد بالعراق الضعيف. واستفادت من المكاسب، التي حققتها لها الحرب، فانطلقت الدبلوماسية الإيرانية، عام 1991، تؤدي دوراً إقليمياً أكبر.

    أسهمت السياسة الجديدة للدول العربية الخليجية الست، واعترافها بدور مهم لطهران في أمن الخليج، في رفع درجات التنسيق السياسي مع إيران. وأعادت دول مجلس التعاون العلاقات الدبلوماسية بها، مما أسهم في فك عزلة طهران، وفتح أمامها آفاقاً للتحرك الدولي. وتبدل النهج الإيراني المعروف من قبل، ليوافق اتجاهات دول الخليج، في الحديث عن الاستقرار وتحقيق السلام والأمن في المنطقة الخليجية.

    كما حرصت إيران على استقطاب الاهتمام العالمي، والانفتاح على الدول العربية الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية، التي أعادت العلاقات بها، في 26 مارس 1991. أما دول مجلس التعاون، ممثلة في اجتماع وزراء خارجية دول المجلس، فأعربت، في 2 يونيه 1991، عن ضرورة التوصل إلى إعلان مبادئ مشتركة، بين الجانبَين، الخليجي والإيراني، لوضع أساس التنسيق والتعاون بينهما، لبدء مرحلة تخدم المصالح المشتركة، وإيجاد سُبُل تعزيز الرخاء والاستقرار في المنطقة.

    وعلى الرغم من تصريحات القادة الإيرانيين، في صدد الاهتمام بأمن جميع دول المنطقة، إلى أنه لم يصدر عنهم ما يفيد تخليهم عن الهيمنة على مضيق هرمز، وخليج عُمان بصفة خاصة؛ بل أكدت طهران استمرار احتلالها للجُزُر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

    كما أعلنت إيران رغبتها في نظام أمن إقليمي جديد، في الخليج يستند إلى إجراءات، تعيد بناء الثقة بين دوله، مما يغنيها عن الحاجة إلى قوات أجنبية.

    ومع فشل هذه السياسة في تحقيق أهدافها، بدأت إيران تُحبذ فكرة إنشاء علاقات متميزة بدول مجلس التعاون الخليجي، تعتمد على التعاون المشترك، في العديد من المجالات، خاصة الاقتصادية منها. وترى دول مجلس التعاون، أن العلاقات بإيران، هي رهينة نقاط محددة، تتمثل في:

1.   المسائل المتعلقة بالبحر ومياه الخليج.

2.   الموضوعات المتعلقة بالممرات الدولية وحرية الملاحة، وتحقيق أمن الملاحة في الخليج.

3.   الاعتراف بالسيادة ووحدة الأراضي، وحرمة الحدود المعترف بها دولياً.

4.   عدم اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها، في العلاقات بين دول الخليج.

5.   عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وتطوير لغة الحوار والتفاهم المشترك بين دول المجلس وإيران .

    وظلت إيران، خلال سنوات ما بعد الحرب، تبحث عن دعم لرؤيتها وسياستها الخارجية، من خلال محورَين رئيسيَّين:

المحور الأول: وهو إقليمي، يعتمد على علاقات بدول الخليج، تعزز وحدة الرؤية، وتجعل الدور الإيراني مقبولاً لديها. وفي سياقه، عقدت إيران عدة اتفاقيات، مع كلٍّ من المملكة العربية السعودية ودولتَي الإمارات والكويت، حققت انفراجاً في نظرة الخليجيين إليها.

                ولقد أرادت دول مجلس التعاون، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت، حصر التفاعلات مع إيران، في مجالات غير أمنية. وأكد ذلك تصريح عبدالله بشارة، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في الرياض، عقب اجتماع للمجلس، في 26 مايو 1991، ذكر فيه أن لدول المجلس علاقات مصلحة بإيران، ولا بدّ من تأمين الحِوار معها وإنجاحه وتحقيق منافع مشتركة.

المحور الثاني: وهو خارجي، تبتغي به مساندة غربية لدورها، بعد انتهاء أزمة الخليج. وبالفعل، أسفرت الأحداث عن ضغوط غربية، لقبول إيران كطرف إقليمي، وعدم استبعاده. فقد أكد وزير الخارجية البريطاني، أن إيران تمتلك أكبر إطلالة على شاطئ الخليج؛ وعليه فإن نواياها، تجاه ما يجري في المنطقة، لا بدّ أن تكون محل اهتمام لدى جيرانها، الذين يودّون معرفة تلك النوايا وتحليلها. وأكد وزير الخارجية الفرنسي، كذلك، أن موقع إيران الجغرافي ومصالحها تجاهه، يعدان نقطتَين أساسيتَين في أي تسوية لضمان الأمن والتوازن في الخليج.

    كانت بعض نتائج حرب تحرير الكويت صارخة، وشديدة الوضوح، بالنسبة إلى إيران؛ إذ أوضحت أهمية تطوير قدراتها العسكرية، بعد وضوح تأثير الضربات الجوية الدقيقة، ضد البِنى التحتية الباهظة النفقات.

    وأدى إمعان القوات العسكرية الأمريكية في إبراز قدراتها واستعراضها في الخليج، من وجهة النظر الإيرانية، إلى تشويه النظام الطبيعي للعلاقات الإقليمية. ولذلك وجدت إيران نفسها معنية بالرد على هذه التطورات. وعّبرت عن ذلك، من خلال:

1. الحرص على النهوض بدور القوة الإقليمية الكبرى، في تفاعلات النظام الإقليمي الخليجي.

2. تأكيد وحدة التراب الوطني العراقي؛ إذ يُعَدّ العراق عمقاً إستراتيجياً لإيران. وتجسد مشكلة الأقلية الكردية الإيرانية، الخلفية، التي ينبع منها ذلك التصور الإيراني.

3. رفض الوجود الأجنبي في الخليج؛ إذ جددت إيران تأكيدها، فور انتهاء حرب تحرير الكويت، وجوب خروج القوات الأجنبية من المنطقة. وتقدمت بعرض لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء، ثنائية أو جماعية، مع دول مجلس التعاون الخليجي.

4. تطوير القوة العسكرية الإيرانية، لكونها ركيزة أساسية لتحقيق أمن إيران، خاصة في مواجهة السياسة الأمريكية، الرامية إلى عزلها، من خلال سياسة الاحتواء المزدوج، الأمريكية[1]. ووفقاً لهذه السياسة، دعت الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها لعزل إيران اقتصادياً، ومقاطعتها عسكرياً. إلا أن الدعوة الأمريكية لم تلقَ استجابة من الحلفاء الغربيين. كما أعلنت روسيا والصين رفضهما.

    وحمل إيران إدراكها الأخطار المحدقة بها، من الجانب الأمريكي، وما يواجهه الأمن الإيراني، بعد الحرب، من أخطار أمريكية، ناجمة عن سياسة انتقائية في شأن قضية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ـ على السعي لامتلاك أسلحة نووية، كسبيل إلى تصحيح هذا الوضع، ومواجهة خطر التهديد النووي.

1. المصالح القومية الإيرانية

    مع انتهاء الحرب، نشطت إيران لدعم أمنها القومي، فأولت اهتمامها دعم اقتصادها وسياستها الخارجية، مع إدراكها خطر التطورات السياسية، في شمالها وشرقها وغربها. فهي تواجه، على حدودها الشمالية، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، جمهوريات تركمانستان وأذربيجان وأرمينيا، وهي الجمهوريات، التي يتنافس فيها تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن جهة الشرق، تواجه المشاكل المترتبة على الحرب الأهلية في أفغانستان؛ إضافة إلى جمهورية باكستان، الساعية إلى دور، سياسي وعسكري، في هذه المنطقة، وهو دور تنافسها فيه الهند. أما في الغرب، فهي تواجه تركيا والعراق. وفي صدد العراق، لا تخفي إيران ترحيبها بتدمير آلته الحربية، الذي سوف يقلص الخطر العراقي، لسنوات عديدة مقبلة. وفي خصوص علاقتها بتركيا، فهي تعاني الاختلاف في المشكلة الكردية، والتحالف الإستراتيجي التركي ـ الإسرائيلي. وتتأثر، أحياناً، بتوتر العلاقة بين تركيا وسورية، الحليفة الرئيسية لإيران. زد التنافس الإيراني ـ التركي، في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية.

    فقد حملت إيران التطورات السياسية، في شرقها وشمالها وغربها، بعد الحرب، على التشبث بنفوذها في الخليج، نظراً إلى خلافاتها مع أفغانستان، وتوتر علاقاتها بباكستان، الناجم عن اتهام إسلام آباد بدعم الفصائل الأفغانية المناهضة لها. إضافة إلى أن استبعاد إيران من استثمارات خطوط الأنابيب لحقول النفط والغاز في بحر قزوين، أجج الخلافات بين إيران وباكستان؛ إذ نافست باكستان إيران في الاستثمار في أحد خطَّي هذه الأنابيب، ليمر بتركمانستان وأذربيجان إلى ميناء كراتشي الباكستاني، عبر أفغانستان، بدلاً من مروره بإيران ومنها إلى الخليج.

    كما تعمقت الخلافات الإيرانية ـ التركية، بسبب التنافس في العلاقات بجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، التي تعدها أنقرة امتداداً للقومية التركية، وجزءاً من تركيا الكبرى. وزاد الخلافات الإيرانية ـ التركية عمقاً، الاتهامات المتبادلة، في شأن المشكلة الكردية، والتحالف الإستراتيجي التركي ـ الإسرائيلي، الذي يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الإيراني.

    وفي ظل تنامي الأطماع الإسرائيلية في الخليج، والسعي إلى الربط بين أمن الخليج وأمن الشرق الأوسط[2]، من خلال إشراك دول الخليج في عملية التسوية، من ناحية، وفق ما تنص عليه سياسة الاحتواء المزدوج، ومن خلال وجود أمني إسرائيلي مباشر في الخليج، وفق دعوة التطبيع وتأسيس النظام الإقليمي الشرق أوسطي، من ناحية أخرى ـ تفاقمت خشية إيران على أمنها القومي، فأمعنت في تشبثها بثوابتها الأمنية.

    وإذ بإيران الشيعية تجد نفسها محاطة بالدول السُّنية، في الشرق والشمال الشرقي والشمال الغربي؛ والوجود العسكري الأمريكي المكثف، في الجنوب، حيث الخليج منفذها الإستراتيجي إلى العالم ـ كان حتماً عليها أن تبقى في حالة استنفار عسكري، وأن تسعى إلى موازنة القوى المعادية المحيطة بها، وأن تتشبث بدعم وجودها ونفوذها في الخليج، وأن تسعى إلى امتلاك أسلحة غير تقليدية، من أجْل مواجهة التهديدات المحتملة، بعد الحرب. وهذه السياسات تجعلها أكثر تردداً في قبول سياسات، تفرض عليها الاسترخاء العسكري، أو قبول الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.

    هكذا، كان الخليج منفذ إيران الوحيد إلى العالم الخارجي، ولولاه لكانت بلداً مغلقاً، من دون منافذ بحرية. فضلاً عن ذلك، فإن الثروة النفطية الإيرانية، التي تمثل أهم موارد الدخل الوطني الإجمالي، تتركز في مناطقها الغربية الجنوبية، المحاذية للساحل الخليجي، وفي الجرف القاري الإيراني، والجُزُر الخليجية؛ الإيرانية. لذلك، تحترس إيران من أي أخطار، تهدد مصالحها في الخليج. وتحرص على امتلاك قوة عسكرية متميزة، والسيطرة على منافذه، واحتلال الجُزُر الإماراتية الثلاث. كما كانت جادّة في رفضها لأي وجود عسكري، أو نفوذ سياسي أجنبي، في الخليج، نظراً إلى ارتباط هذا الوجود، تاريخياً، بتهديد أمن إيران ومصالحها القومية.

2. تأثر إيران بالمتغيرات، بعد الحرب

    بعد انتهاء الحرب، وفي ضوء العديد من المتغيرات، التي طرأت على الساحتَين، الإقليمية والعالمية، عمدت إيران إلى تطوير قدراتها العسكرية وزيادة حجمها، فواجهتها عراقيل شتى، تمثلت في:

أ. ازدياد مدة الآثار السلبية للإنفاق العسكري المتزايد في إيران، في وقت اتجهت فيه أسعار النفط نحو مزيد من الانخفاض. فالإنفاق العسكري المتزايد، الذي استهدف تحديث القوات المسلحة الإيرانية، والسعي لامتلاك وتصنيع نُظُم تسليحية متطورة، تقليدية وغير تقليدية ـ يزيد حدة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها، الاجتماعية والسياسية، داخل إيران، ويمكن أن يؤدي إلى تخفيض إنفاقها العسكري، وهو ما لا يوافق سياستها الأمنية.

ب. تزايد ثقل التيار الإصلاحي، داخل مؤسسة الحكم الإيرانية، والذي انعكس في شكل تراجع حدة تهديد الإيديولوجية الحاكمة في طهران، لشرعية النُظُم الحاكمة في الدول الخليجية واستقرارها.

ج. استمرار العداء الأمريكي تجاه لإيران، على الرغم من فشل سياسة الاحتواء المزدوج، بعد نجاح الدول الأوروبية في تحدي "قانون داماتو" الأمريكي، الذي يفرض حصاراً اقتصادياً أمريكياً على إيران.

د. ضغوط التحالف التركي ـ الإسرائيلي على صانع القرار السياسي الإيراني، للعمل من أجل خلق تحالف إقليمي بديل، ومحاولة تحسين العلاقات مع مصر، من خلال وساطة سورية.

    وإذا كان التحالف الإستراتيجي التركي ـ الإسرائيلي، يدفع إيران إلى مزيد من الاهتمام بقوّتها العسكرية، فإنه يفرض عليها نفي أي نية عدوانية، ضد دول منطقة الخليج، والنهوض بدور رئيسي في محاصرة أخطار ذلك التحالف.

ثانياً: تركيا ونتائج حرب تحرير الكويت وقضايا المياه والحدود

    من أبرز نتائج حرب تحرير الكويت، وما أفرزته من انقسامات وفراغ، أمني وإستراتيجي، في الوطن العربي ـ بروز دول الجوار، غير العربية، وسعيها إلى أدوار أكبر، في الترتيبات والتوازنات الإقليمية الجديدة. وتعد تركيا من أهم هذه الدول، وذلك بحكم وضعها الجيوبولتيكي؛ وعلاقاتها، الاقتصاديـة والسياسيـة والتاريخية ـ الثقافية، بالبلدان العربية؛ وروابطها الخاصة بالغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. فضلاً عن وفرة مواردها المائية، وتحكمها في أعالي نهرَي الفرات ودجلة.

    إن وفرة المياه لدى تركيا، مقابل ندرتها لدى معظم بلدان المنطقة، ولا سيما في الخليج، إضافة إلى كونها دولة المنبع للفرات ودجلة، بما يمثلانه من أهمية حيوية للعراق وسورية ـ منحتها أهمية بالغة؛ إذ إنها تشكل، من ناحية، عامل قوة، وركيزة مهمة لتحرك تركيا نحو أداء دور مؤثر في النظام الإقليمي، في الشرق الأوسط، في مرحلة ما بعد الحرب. وتشكل، من ناحية أخرى، مجالاً رئيسياً، لذلك التحرك.

    وبعد الحرب، شرعت تركيا تعزز سيادتها على مياه النهرَين، دجلة والفرات، مستغلة خروج العراق من توازن القوى في المنطقة، وانشغال سورية بأحداث لبنان، وباستمرار احتلال إسرائيل هضبة الجولان. واتجهت تركيا نحو الانفراد الكلي باستثمار مياههما، أي ممارسة السيادة المطلقة، كما عبّر عنها رئيس الوزراء التركي، بقوله: "إذا كان هذا المورد الطبيعي (أي المياه) في بلادنا، فلنا كل الحق في استعماله بالطريقة، التي نراها ملائمة .. ليس لسورية أو العراق أي حق في المياه، التي تنبع من تركيا".

    وترى تركيا، أن نهرَي دجلة والفرات، يشكلان ثروة وطنية، خاضعة لسيادة الدولة التركية، أي ليسا نهرَين دوليَّين؛ وأن مياههما مياه عابرة للحدود؛ فلا تنطبق عليهما أحكام القوانين الدولية. كما أن تركيا تحاول التهوين من شأن ما سيلحقه مشروع "جاب"، من آثار سلبية، في كل من سورية والعراق، بل ادَّعت إمكانية استفادتهما من هذا المشروع، الذي لا تقصد به أي أهداف سياسية.

    وقد عبّر الرئيس التركي، سليمان ديميريل، عن قلق سورية والعراق، من جراء الأضرار، التي ستلحق بهما بسبب المشروع التركي، فقال، في 12 ديسمبر 1997: "إن تركيا تواصل العمل في مشروع جاب، الذي يعمل على الاستغلال الأمثل للثروة المائية، وإعادة بناء مناطق جنوبي شرقي تركيا؛ على الرغم من أن هذا المشروع، يثير استياء وقلق الحكومتَين، السورية والعراقية وسيغطي، خلال عشر سنوات، نفقاته المقدرة بـ 36 مليار دولار". وكان ديميريل قد شدد، في 15 سبتمبر 1997، على عدم قبول تركيا إجراء سورية والعراق، لتقسيم مياه الفرات ودجلة إلى ثلاث حصص متساوية؛ وتمسكها بخطة ثلاثية المراحل، كانت قد اقترحتها من قبْل .. وأن تركيا تولي اهتماماً بالغاً مسألة تجنّب أن تؤدي مشروعاتها التنموية إلى الإضرار بهذَين البلدَين؛ فهي تسمح بمرور كميات كافية من المياه إليهما. وليس في نيتها أن توقفها.

    يضاف إلى ذلك أن تركيا ترفض المطالب، السورية والعراقية، المتكررة، باستئناف اجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية، الخاصة بالمياه، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، وعادل، لتحديد حصص الدول الثلاث من مياه الفرات.

    وما يزيد من قلق سورية والعراق وتخوفهما من السلوك التركي، هو امتداد التعاون التركي ـ الإسرائيلي إلى مشروع جاب، وما يعنيه ذلك من إقحام إسرائيل في علاقات تركيا بسورية والعراق، في شأن مياه الفرات ودجلة، وتحويل هذا المشروع وغيره من المشروعات المائية، إلى جزء من التحالف الإستراتيجي بين البلدَين. ففي ختام زيارته أنقرة، أعلن وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، في 25 مارس 1998، "أن تركيا وإسرائيل، سوف تتعاونان في مشروع، جنوبي شرقي الأناضول. وأن إسرائيل ستبذل خبراتها، في مجالي الزراعة والري، في خدمته؛ إذ هي تمتلك قدرات وتقنية متقدمة، في هذَين المجالَين".

    ويتمثل الخطر الأشد في نية تركيا بيع مياه النهرَين وتسويقها عالمياً. وهو ما أكده وزير الدولة التركي، المسؤول عن مشروع جاب، حينما أعلن رغبة بلاده في مقايضة المياه بالنفط، بقوله: "إن في الشرق الأوسط موارد طبيعية كبيرة؛ وهي هبة من الله، كالنفط والمياه. وإنه إذا رضي العرب بضخ نفطهم، من دون مقابل، فإن تركيا، سترسل إليهم المياه الموجودة لديها في بحيرات السدود. وإن تركيا ستباشر، في بورصة المياه، بيع مياه "جاب" للعرب ودول الشرق الأوسط؛ لأنها ليست مستعدة لإعطاء مياهها من دون مقابل. ولذلك ستعمل على تسويقها، لتتمكن الإدارة الخاصة بمشروع جاب، من طرح سندات بورصته في أسواق البورصة العالمية".

    إن إثارة هذه المسألة، تشكل وسيلة إضافية للضغط التركي على سورية والعراق، لقبول "الوضع القائم"، أو في أفضل الأحوال "التسوية الفنية"، المقترحة من جانب تركيا لمشكلة المياه. وقد انتقد العراق وسورية، بشدة، الدعوة التركية. كما نددت سورية بمشروع "السوق الدولية للمياه"، الذي طرح أمام مؤتمر "مياه العالم"، الذي انعقد في إستانبول، بين 29 و30 سبتمبر 1997. كما دعت الدول العربية إلى مقاطعة هذا المؤتمر، لأخطاره على سورية، ولأنه يسهم في إيجاد رأي عام دولي، في مصلحة تركيا.




[1] هي السياسة التي خططها مساعد وزير الخارجية الأمريكي مارتن أنديك، وقد ثبت فشل هذه السياسة فيما بعد، بعد أن رفض الغرب الأوروبي وروسيا والصين التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في عزل إيران. والمقصود بالاحتواء المزدوج، هو احتواء كل من إيران والعراق.

[2] أبرز من تحدث عن هذه الطموحات الإسرائيلية، في صياغة واضحة، هو دوري جولد المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ويعمل دوري، حالياً، مندوباً لإسرائيل في الأمم المتحدة.

[3] لم يعقد المؤتمر في هذا التاريخ، بسبب المعارضة الشديدة من الدول العربية لهذا المؤتمر.

[4] ذكر الرئيس التركي الأسبق، تورجوت أوزال، في 18 مايو 1991، خلال زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للعاصمة التركية إن هناك مشكلة مياه في فلسطين وإسرائيل والأردن وشبه الجزيرة العربية، وتركيا هي المصدر الوحيد للمياه في الشرق الأوسط، ولهذا نادينا بإقامة مشروع مياه سلام، وسنبيع المياه للدول العربية والخليجية، أما إسرائيل فيمكن أن نبيع لها المياه ولكن مقابل السلام، وبدون السلام لن يعمل هذا المشروع.

[5] يؤكد هذا العداء، تصريح رئيس أركان القوات المسلحة التركية، في الأول من أكتوبر 1998، بأن تركيا في حالة حرب غير معلنة مع سورية

[6] ذكرت جريدة هاتسوفيه الإسرائيلية، الصادرة في 27 ديسمبر 1991. أن حصاد عام 1991 بلغ نحو 170 ألف مهاجر.