إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج السياسية والاقتصادية لحرب تحرير الكويت





إجمالي الإنفاق والإيرادات في البحرين
إجمالي الإنفاق في الكويت
إجمالي الإنفاق في سلطنة عُمان
إجمالي الناتج المحلي لقطر
مخطط الموازنة السنوية للسعودية
الإنفاق مقارنة بالناتج في الإمارات
الناتج المحلي والإنفاق في السعودية




الفصل الحادي والثلاثون

1. دعوة تركيا إلى التعاون، في مجال المياه، بعد الحرب

    شهدت الفترة، التي تلت حرب تحرير الكويت، تزايد دعوة تركيا إلى تنفيذ مشروع مياه السلام، الذي يوفر قدراً كافياً من المياه، لعدد يراوح بين 15 و20 مليون نسمة من سكان المنطقة، خاصة في بلدان الخليج، حيث كان يثور، وقتئذ، خطر استمرار تلوث مياه الخليج فترة طويلة، بسبب الحرب.

    ومن بين العناصر والتطورات الجديدة، التي برزت في دعوة تركيا إلى مشروع مياه السلام، والتعاون الإقليمي في مجال المياه بوجه عام، ما يلي:

أ. اقتراح إنشاء مصرف (صندوق) للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، بعد الحرب، يموّل بنسب معينة من الإيرادات النفطية العربية، وبإسهام الدول الصناعية الكبرى. ويوفر التمويل اللازم للمشروعات الإقليمية الحيوية، ولا سيما مشروع مياه السلام، بنفقته الكبيرة، المقدرة بنحو 21 مليار دولار.

ب. اقتراح الرئيس التركي السابق، تورجوت أوزال، في 11 فبراير 1991، عقد مؤتمر دولي للمياه في الشرق الأوسط، في إستانبول، خلال الفترة من 3 إلى 9 نوفمبر 1991. تتولى إعداده "قمة المياه الدولية"، المرتبطة بمؤسسة أمريكية، تُعنى بمثل هذه القضايا. وتجري في إطاره مناقشة الموارد المائية في الشرق الأوسط، وسُبُل استخدامها وإدارتها. وقد رفضت الدول العربية المشاركة في المؤتمر، نتيجة لمشاركة إسرائيل فيه، التي أصرت عليها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثَم، تأجل المؤتمر إلى مارس ـ أبريل 1992[3].

ج. محاولة تركيا إشراك إسرائيل في مشروع مياه السلام، والتعاون الإقليمي في مجال المياه. ووضح ذلك من تصريحات شيمون بيريز، بعد لقائه تورجوت أوزال، في أمستردام، في 8 أبريل 1991 إذ أكد: "أن الرئيس التركي مستعد لتنفيذ هذا المشروع. وهو، بحق، مشروع سلام؛ لأن الحرب في الشرق الأوسط، قد تنشب بسبب المياه، وليس الأرض. وتركيا هي الدولة الوحيدة المتمتعة بفائض مياه في المنطقة. وإلى جانب المفاوضات السياسية، في خصوص السلام في المنطقة، ينبغي، كذلك، تبني خطة اقتصادية إقليمية للتنمية يمكنها أن تبدأ بتنمية الموارد المائية. ويمكن مشروع مياه السلام، الأنبوب الغربي، أن يمتد حتى الضفة الغربية لنهر الأردن".

    وهكذا، يُلاحظ تزايد حديث القيادة التركية، في مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت، عن أهمية مشروع مياه السلام في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وضرورة توسيع نطاقه، ليشمل إسرائيل، في حالة السلام[4].

2. أطماع تركيا

    ما إن بدأت أزمة الخليج (1990 ـ 1991)، حتى بدأت وسائل الإعلام التركية حملة واسعة، أبرزت فيها "تركية" منطقة الموصل ـ كركوك، مستعيرة الأدلة، ومستعيدة الوثائق من العهد العثماني. واستندت إلى الوعد، الذي قطعه مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال (أتاتورك) للمجلس الوطني التركي الكبير، الذي اعترض بعض نوابه على المعاهدة الثلاثية، بين بريطانيا وتركيا والعراق (5 يونيه 1926)، في شأن تسوية الحدود ورسمها، بين العراق وتركيا. فقد وعد أتاتورك النواب بالعمل على استعادة الموصل، في الوقت الملائم، وريثما يأتي وقت، تكون فيه تركيا قادرة على وضع يدها عليها.

    ويدخل المطمع التركي المتجدد، في شأن الموصل وشمالي العراق، ضمن إطار ما يطلق عليه "العثمانية الجديدة". فقد وجدت تركيا نفسها، بعد حرب تحرير الكويت، راغبة في الاضطلاع بدور حيوي في محيطها، الذي كان في وقت مضى جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وفي الجمهوريات الإسلامية، في آسيا الوسطى. وقد ولّد هذا الوضع توجهات تركية، مبنية على التواصل الجغرافي، بين تركيا والعالم العربي. وفي إطار هذه التطلعات الجديدة، اندرجت قضية الموصل ـ كركوك. وبنَت تركيا مطالبتها بضمهما على دعامتَين، هما:

أ. وجود أقلية تركمانية في المنطقة.

ب. ثراء المنطقة بالنفط.

    كما وضح الفكر التركي تجاه العراق، بعد الحرب، من خلال الخريطة، التي رسمها أوزال "لعراق ما بعد الحرب"، والتي تدعو إلى تقسيمه ثلاث دويلات: عربية وكردية وتركمانية. كان أوزال يهدف من وراء ذلك، إلى تسهيل ضم شمالي العراق، الكردي والتركماني، إلى تركيا، سعياً إلى جعل تركيا دولة عظمى في المنطقة، غنية بالنفط والطاقة البشرية والنهضة.

    ومن أجل تحقيق الأطماع التركية في شمالي العراق، استغلت تركيا موضوع نشاط حزب العمال الكردستاني، لتخترق الحدود العراقية الشمالية. ففي 5 أغسطس 1991، أي بعد انتهاء الحرب بنحو خمسة أشهر، شنت القوات التركية غارات جوية شاملة على قواعد الأكراد، في شمالي العراق، استمرت عدة أيام، واستهدفت، بحسب البيان التركي، ضرب قواعد تابعة لحزب العمال الكردستاني. كذلك، اخترقت القوات البرية التركية الأراضي العراقية، وتوغلت فيها مسافة 5 كم، مستغلة انشغال العالم الغربي بجولات جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، في منطقة الشرق الأوسط، للبحث في مؤتمر السلام.

    وتجددت الهجمات التركية، في 13 أكتوبر 1991، على مناطق العراق الحدودية، فبادر العراق إلى الاحتجاج لدى تركيا على عملياتها العسكرية المستمرة، عبر الحدود، وحذرها عواقبها الوخيمة، وطالبها بتوقف هذه الانتهاكات، حفاظاً على علاقات حُسن الجوار.

    غير أن تركيا، واصلت غزواتها، شمالي العراق، في نوفمبر 1992، متذرعة بالذريعة نفسها، تدمير قواعد حزب العمال الكردستاني. وأصبحت اعتداءاتها تتكرر، على مدار الأعوام التالية.

    وأهم العمليات التركية التي تمت لاختراق شمال العراق هي:

من 31/3 ـ 1/5/1995 : عملية عسكرية ضخمة وعميقة في الأراضي العراقية سميت فولاذ 95.

15 يونيه 1996 : عملية عسكرية توغل أفرادها 7 كيلومترات.

27 يونيه 1996 : عملية عسكرية توغل الجنود الأتراك لعمق 27 كيلومتراً.

8 نوفمبر 1996 : توغل نحو 8 آلاف جندي تركي، تدعمهم الطائرات العمودية المقاتلة، لعمق 20 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية.

14/ 5 ـ 30/6/1997 : توغل نحو 30 ألف جندي تركي، مزودون بالدبابات والمدفعية، داخل الأراضي العراقية، حتى خط العرض 36 ْ.

14/7 ـ 26 /8/ 1997 : عملية عسكرية ضخمة وعميقة، أُطلق عليها عملية فولاذ 97.

20/9 ـ 14/10/1997 : توغل نحو 20 ألف جندي تركي، مزودين بـ 100 دبابة، داخل الأراضي العراقية، إلى مسافة 20كم.

5 ـ 17/12/1997 : توغل نحو 20 أف جندي تركي، واختراق الأراضي العراقية، بعمق 40 كيلومتراً.

26 ـ 29/12/1997 : توغل نحو 15 ألأف جندي تركي، واختراق الأراضي العراقية، بعمق 10 كيلومتراً.

12 ـ 13/4/1998 : عملية برية وصفت بأنها من أكبر العمليات في شمال العراق، إذ وصلت إلى عمق 50 كيلومتراً وبحجم قوات وصل إلى 30 ألف جندي تدعمها الدبابات والطائرات.

    وكانت الهجمات التركية المتواصلة لشمالي العراق، تمهيداً لإعلان الحكومة التركية، في 4 سبتمبر 1996، إنشاء منطقة أمنية عازلة فيه، يراوح عمقها بين 5 و20 كم، على امتداد الحدود بين البلدَين، لمنع متمرديها الأكراد من شن هجماتهم انطلاقاً من المنطقة. وعلى الرغم من أن تركيا، كانت قد اقترحت خطة مماثلة، إبّان عمليتها العسكرية الضخمة (فولاذ 1995)، في ربيع 1995، ورفضتها، آنذاك، الولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ أن واشنطن، ساندت الخطة الجديدة، بعد ذلك، رامية إلى صرف أنقرة عن احتمال التعاون مع بغداد على تأمين الحدود، وتقليص نفوذ بغداد في شمالي العراق. وقد عبر متحدث باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب جلال طالباني)، في 11 فبراير 1998، عن أطماع تركيا في شمالي العراق، بالقول: "إن الأتراك يخططون، حالياً، لإقامة جمهورية تركمانية، في الموصل وكركوك. وإنهم يدربون نحو 4 آلاف فرد من التركمان، في مدينة أربيل، الخاضعة لسيطرة بارزاني، للقيام بهذا الهدف".

    إن مواصلة تركيا عملياتها العسكرية، ضد شمالي العراق تعني أن الأمر أصبح تقليداً عسكرياً تركياً. ويشجعها على هذا المسلك قصور العراق عن صد هذه الاعتداءات، بسبب حالة الحصار المفروضة عليه. كما أن الوضع العراقي القاصر، والموقف العربي المحدود، جعلا تركيا تصور غزواتها تلك "حقاً، تمارسه ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني، وتدبيراً وقائياً، ضد المتمردين الأكراد".

3. التحالف التركي ـ الإسرائيلي

    تحاول الإستراتيجية الأمريكية، منذ نهاية حرب تحرير الكويت، إنشاء منظومة أمنية في الشرق الأوسط، ووضعها في أيدي دول حليفة (تركيا ـ إسرائيل)، يمكن الوثوق بها، للحفاظ على المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة؛ وذلك في مواجهة ما تطلق عليه دول الأزمات (إيران ـ العراق ـ السودان ـ ليبيا).

    وثمة تفسيرات كثيرة لأسباب التلاقي بين تركيا وإسرائيل، ولكن غرضهما الرئيسي والأكبر، هو "قهر العرب". وتحت هذا الغرض العام الشمولي، اندرجت جميع الأعمال، التي عمدت إليها تركيا، بعد الحرب، ضد سورية والعراق، سواء ما يتعلق بالحدود، وما يتعلق بمياه نهرَي دجلة والفرات.

    كما ترى تركيا في إسرائيل، ثقلاً مضادّاً لإيران والعراق، على السواء؛ ولسورية كذلك، في حالة الضرورة. وذلك لعدة أسباب منها:

أ. لتركيا مشاكلها مع إيران، فضلاً عن عدائهما المذهبي، وتنافسهما في النفوذ والسيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى.

ب. بين تركيا وإسرائيل مصالح ومنافع متبادلة كثيرة، وقديمة، وخير دليل عليها تصريحات أحد المسؤولين في وزارة الدفاع التركية، ومفادها أن التحالف، ينطلق من كون إسرائيل دولة معادية لدولة معادية لنا.

ج. رغبة تركيا في الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي، في تطوير نُظُم تسليحها ومعداتها، والتعاون مع إسرائيل، في مجالَي الصناعة والزراعة، فضلاً عن كسبها إلى جانبها في معركتها لدخول الاتحاد الأوروبي؛ إذ إن إسرائيل سند قوي للتقارب مع الغرب.

د. الضغط على سورية والعراق، في قضية مياه نهرَي دجلة والفرات. ذلك أن تركيا، ليست راغبة، في الوقت الحالي، في استجابة الطلب العربي، الذي أقره مجلس جامعة الدول العربية، في 31 مارس 1997، وهو دعوة الدول الثلاث (سورية والعراق وتركيا) إلى التفاوض في الأمر، للوصول إلى قسمة عادلة، تضمن حقوق جميع الأطراف، على أساس أحكام القانون الدولي.

هـ. العدَاء السوري ـ التركي، واتهام تركيا سورية بتشجيع الإرهاب ضدها ومساندتها حزب العمال الكردستاني. أما سورية، فلم تعترف قَط بسلخ لواء الإسكندرونة منها، في عهد الانتداب الفرنسي، وضمه إلى تركيا[5].

    وتقيّم تركيا نفسها، كما يقول الرئيس التركي السابق، تورجوت أوزال، على أنها "أقوى دولة في الشرق الأوسط، في الوقت الراهن. وهي قوية بما فيه الكفاية للنهوض بدورها الخاص، وليس كشرطي للغرب في المنطقة"، ومن ثَم، بدأت تركيا، بعد حرب تحرير الكويت، تصعد من خطابها السياسي مع سورية والعراق، بل اتهمتهما بمحاولة تدويل النزاع في مياه نهر الفرات، وتصويره كأنه مشكلة بين تركيا، من جهة، والعالم العربي، من جهة أخرى. وحذرت من أن جهود الذين يحاولون تشويه طبيعة النزاع، قد تسفر عن نتائج سلبية. وقد جاء هذا التصعيد، بعد تصريحات، أدلى بها الرئيس التركي، سليمان ديميريل، في واشنطن، في أواخر مارس 1996، اتهم فيها دمشق بأنها "تدعم الإرهاب في لبنان وإسرائيل". وتأكيداً لهذا التصعيد، قال رئيس وزراء تركيا: "إن تركيا لا يمكنها أن تقبل تقاسم المياه أبداً".

    ويندرج التقارب التركي مع إسرائيل في إطار السياسة التركية، الباحثة عن دور إقليمي مؤثر، يستمد مقوماته من المنطقة نفسها، وليس من خارجها، خاصة بعد أن فشلت، عقوداً طويلة، في أن تستبدل بهويتها الشرق أوسطية، أخرى أوروبية. وفي هذا الإطار، كذلك، أدركت تركيا أن أهميتها المرتجاة، بالنسبة إلى الغرب، سوف تنبع من دورها الإقليمي الجديد، الذي يجب أن تسعى لبنائه بنفسها. ناهيك أن التقارب الإسرائيلي ـ التركي، سوف يحقق رغبة تركيا في ممارسة الضغوط على سورية، التي تنازعها في قضيتَي المياه والحدود؛ ورغبة إسرائيل في تطويق سورية وإحاطتها بسياج من التحالفات، لدفعها إلى مزيد من المرونة، وتقديم التنازلات، في إطار عملية السلام في المنطقة.

ثالثاً: إسرائيل ونتائج حرب تحرير الكويت

    خلّصت هزيمة العراق، الحكومة الإسرائيلية من عدو خطير. وعجّلت سياسة جورباتشوف وأحداث الاتحاد السوفيتي في هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل، ودعمها سياستها الاستيطانية، وإسهامهم في انتصارها في المعركة السكانية.

    كما أصبح لإسرائيل علاقات قوية، على كافة المستويات، بجميع دول العالم، تقريباً، بما فيها الاتحاد السوفيتي (روسيا، فيما بعد) والصين. وبذلك، أدت حرب تحرير الكويت إلى كسر عزلة إسرائيل، التي لم تكن طرفاً (معلناً) في التحالف المناهض للعراق، ولم تشترك في الحرب، التي أسفرت عن هزيمته. وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت إسرائيل هي صاحبة المصلحة الرئيسية والأكثر استفادة من الهزيمة العراقية.

    كما استطاعت الإفادة من الصمت، بأكثر مما كان يمكن أن تحققه، لو أنها لم تلتزم به؛ إذ إن الخروج عنه، كان يمكن أن يعرضها لأخطار مباشرة، بل يهدد العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، لو أدى إلى نسف التحالف العربي ـ الأمريكي، الذي تشكل في حرب تحرير الكويت، وهو ما كان يهدف إليه العراق. وعاد على إسرائيل صمتها بتعاطف الرأي العام الغربي، الذي كانت قد فقدته، نتيجة القمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية؛ فضلاً عن وعد الولايات المتحدة الأمريكية بالنظر في طلب تسهيلات القروض، اللازمة لتوطين اليهود خلال السنوات المقبلة.

    كذلك، انتهزت إسرائيل فرصة انشغال العالم بالأزمة، والإعداد للحرب، للتعجيل في نقل أكبر عدد ممكن من اليهود السوفيت، فتدفقوا إليها، خلال الأزمة، في حركة نقل وتوطين، فاقت كافة معدلات الهجرة، التي سبقتها.

    أما الولايات المتحدة الأمريكية، فاستمرت في تأييدها إسرائيل، بل استأنفت رفع معوناتها العسكرية لها وبدأت باتخاذ إجراءات لضبط التسلح العربي، بعد تدمير الجيش العراقي. وأكدت تعهداتها السابقة بالمحافظة على التفوق الإسرائيلي على العرب؛ ويوضح ذلك اتفاق تخزين معدات أمريكية في إسرائيل، والسماح لها باستخدامها.

    لقد حدث الغزو العراقي للكويت، في الوقت الذي كانت أنظار العالم تتجه نحو واشنطن، حيث اللقاء المرتقب بين وزيرَي الخارجية، الأمريكي والإسرائيلي، في 9 أغسطس1990. وكان متوقعاً أن يسفر عن نتيجة مهمة، هي موافقة إسرائيل على عقد الحِوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، المقترح في القاهرة، أو إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، صراحة، عدم موافقتها على سياسة التعنت الإسرائيلية، وتحميل إسرائيل مسؤولية تعثر جهود عملية السلام. ولكن الغزو أتاح لها الإفلات من ذلك الموقف الصعب.

    كما وقع الغزو في الوقت، الذي كانت تتعرض فيه حكومة شامير لضغوط شديدة، من الحكومة الأمريكية، والرأي العام الأمريكي، والزعماء اليهود والأمريكيين، بل من أنصار السلام داخل إسرائيل نفسها، من أجْل اتِّباع أساليب أكثر مرونة، تؤدي إلى دفع عملية السلام. وكان من أبرز تلك الضغوط، انتقاد جيمس بيكر حكومة شامير، وقوله، ساخراً: "هذا رقم هاتف البيت الأبيض، اتصلوا بنا، عندما تريدون السلام".

    وكان العرب، قبْل الغزو، قد تمكنوا من تجاوز خلافاتهم، وحققوا مستوى جيداً من التضامن، من شأنه أن يؤثر في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غربي أوروبا، وإسرائيل، لدفعها إلى إيجاد حل لقضية فلسطين، بل أخذ الدفع الدولي، في هذا الاتجاه، قوة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. كما أن ذلك التضامن العربي، كان يعطي الفلسطينيين مزيداً من الدعم، المادي والمعنوي، لمواصلة نضالهم؛ وهو ما لا تريده إسرائيل. ولكن الغزو العراقي، بدد كل ذلك.

    كذلك، كان المناخ العام مهيئاً، أكثر من أي وقت مضى، للتحرك الدولي نحو تسوية مشكلة الشرق الأوسط، في ضوء التقارب الأمريكي ـ السوفيتي، الذي ساعد على حل مشاكل إقليمية كثيرة. وفي وقت، كانت إسرائيل في مأزق سياسي، ناجم عن تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، مما أدى إلى انكشاف وجهها، وانقسام مجتمعها حول خيارات الحل السلمي؛ بينما هي تخطط لحشد كل قواها، من أجْل تهجير يهود الاتحاد السوفيتي، وتنفيذ مخططاتها لسرقة المياه العربية. أما العالم العربي، فكان يبدو موحداً في مواجهة هذا الخطر الداهم، والدبلوماسية العربية ناشطة للضغط في اتجاه عدم السماح للمهاجرين السوفيت باستيطان الضفة الغربية وقطاع غزة، المُحتلَّين.

    زد أن الغزو العراقي للكويت، منح إسرائيل ذريعة جديدة لعدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ورفْض نشوء دولة فلسطينية عليها، خوفاً من أن يحوّلها الفلسطينيون، الذين أيدوا صدام حسين، إلى رأس جسر لهجوم عراقي على إسرائيل، في المستقبل.

    لقد تغيرت كل المعادلات السياسية في المنطقة، بعد الحرب، في مصلحة إسرائيل، في المستقبل المنظور. وتمثل أبرزها في:

1. انزواء الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وتراجع الجهود الدولية في تسوية المشكلة الفلسطينية. وتقليص الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها على إسرائيل، وإباحتها ترسانتها، لتتزود منها ما يلزمها من سلاح، لمواجهة أي عدوان عراقي محتمل.

2. تَنَحِّي القضية الفلسطينية، وقضية الهجرة اليهودية معاً، عن الاهتمامات الدولية. وإجهاض ثورة الحجارة الفلسطينية.

3. تخلّص إسرائيل من أكبر عدوَّين لها، العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية. وانتهز الإعلام الإسرائيلي ذلك الواقع للقضاء على أي أثر من آثار تعاطف الرأي العالم العالمي مع الانتفاضة الفلسطينية.

4. انفتاح أبواب التقارب بين إسرائيل والاتحاد السوفيتي، فانفتاح أبواب الهجرة اليهودية منه إليها، ثم إنشاء علاقات كاملة، بعد الحرب، بين البلدَين، وبين دول شرقي أوروبا وإسرائيل.

    ولم تكتفِ إسرائيل بمكاسبها الوافرة تلك، فطمعت بمغانم، اقتصادية أو عسكرية، تركزت في:

1.  السعي إلى حيازة السلاح والمعدات من الولايات المتحدة الأمريكية، تحت دعوى التوازن العسكري مع الدول العربية، ولا سيما مصر والمملكة العربية السعودية ـ ومن ثَم، إبرامها صفقة كبيرة، اشتملت على أحدث الأسلحة الأمريكية، بخاصة في مجال الطيران، والصواريخ الباليستية المضادّة لصواريخ أرض/أرض.

2.  الاستئثار بميزات اقتصادية، استأثر بها بعض الدول المتضررة، بالفعل، من الغزو العراقي للكويت، ومطالبتها واشنطن بإسقاط ديونها العسكرية (4.5 مليارات دولار).

3.  المطالبة بمبلغ 10 مليارات دولار، كضمان لقروض أمريكية، على مدى السنوات الخمس التالية للحرب، للمساعدة على استيعاب المهاجرين السوفيت الجدد.

1. تزايد الاستيطان الإسرائيلي

    انتهزت إسرائيل انشغال العالم بالحرب، وبدأت بتنفيذ الخطة الاستيطانية، التي خطط لها شارون، من قبْل، والرامية إلى تدعيم المستوطنات، بإضافة آلاف الوحدات السكنية إليها، وتحويلها إلى مراكز سكنية ضخمة؛ فضلاً عن بناء مستوطنات جديدة. وكان شارون، قد شرع يبني 13 مستوطنة جديدة، ويحوّل 12 نقطة استيطان عسكري (ناحال) إلى مراكز استيطانية جديدة، تنفيذاً لوثيقة تشكيل حكومة شامير اليمينية، في يونيه 1990.

    وتُعَدّ الضفة الغربية، والقدس الشرقية، أكثر المناطق استهدافاً للاستيطان، يليها المرتفعات السورية (الجولان)، ثم قطاع غزة. ويعكس هذا الترتيب الأهمية النسبية لتلك المناطق، فما تقديم الضفة الغربية، والقدس الشرقية، إلا لكونهما تمثلان عمقاً إستراتيجياً لإسرائيل، مقابل الجبهة العربية الشرقية.

    وبصرف النظر عن ترتيب المناطق المحتلة، لدى مخططي السياسة الاستيطانية، فإن عام 1991، شهد نشاطاً استيطانياً محموماً، لم يسبق له مثيل، رعاه شامير وشارون معاً.

    وفي إطار المساعي لإقرار تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، تحت الرعاية الأمريكية، حاول وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، التوصل إلى تسوية محددة، في شأن الاستيطان؛ لكنه قوبل، في زيارتَيه إلى إسرائيل، في أبريل 1991، بموقف إسرائيلي رافض لإيقاف الاستيطان. ولم ينتظر أريل شارون مغادرة بيكر، بل صرح، أثناء وجوده، أن إسرائيل ستستمر في تكثيف الاستيطان بالأراضي العربية المحتلة. ولم يملك الوزير الأمريكي سوى وصف تلك التصريحات، بأنها محاولة لنسف السلام في الشرق الأوسط.

    وفي أغسطس 1991، أعلنت إسرائيل خطتها الاستيطانية، المعروفة باسم "خطة النجوم"، والرامية إلى بناء 19 ألف وحدة سكنية، في الأراضي المحتلة، كمرحلة أولى، ثم 31 ألف وحدة سكنية، كمرحلة ثانية. وتتطلب تلك الخطة مساحة 90 ألف دونم، لمضاعفة عدد المستوطنين، والوصول بعدد اليهود، في مدينة القدس، إلى حوالي مليون نسمة. وعمدت إسرائيل، بين مارس وديسمبر 1991، إلى مصادرة نحو 17 ألف هكتار من أراضي الضفة الغربية، تحت دعاوى أمنية. وبدأ نوع من التكثيف الاستيطاني، مع تمويل قطاعات كبيرة من المهاجرين، للاستيطان بالأراضي المحتلة، بوساطة وزارة الإسكان.

2. تزايد حجم الهجرة اليهودية

    عاملان رئيسيان، تظاهرا على تزايد حجم الهجرة اليهودية وتدفقها، خاصة من يهود الاتحاد السوفيتي، منذ منتصف عام 1990 وحتى نهاية عام 1991. أولهما المتغيرات، التي شهدها الاتحاد السوفيتي، خلال تلك الفترة، ثم تفككه، لاحقاً. وثانيهما افتراض إسرائيل انشغال العالم بحرب تحرير الكويت ونتائجها، للإمعان في هجرة يهود الاتحاد السوفيتي، الذين بلغ عددهم 328 ألف مهاجر، طبقاً لبيانات كتاب الإحصاء السنوي الإسرائيلي، لعامَي 1990 و1991.

    وتُعَدّ الهجرة اليهودية ومعدلات الوصول، اليومي والشهري، إلى إسرائيل، مقياساً حساساً لمجمل التغييرات الدولية، فضلاً عن التطورات، التي مرت بها إسرائيل والمنطقة كلها. وتُظهر مؤشرات معدل الوصول الشهري للمهاجرين اليهود، تزايدهم المستمر، خلال مراحلها الأولى. إذ قدر عددهم، في أغسطس 1990، بنحو 18.824 مهاجراً، بمعدل يومي، قدره (627 مهاجراً). وبلغ عددهم في سبتمبر 19.505 مهاجرين بمعدل يومي، قدره (629 مهاجراً). وفي أكتوبر، 21.163 مهاجراً بمعدل يومي، قدره (682 مهاجراً). وفي نوفمبر، 26.562 مهاجراً بمعدل يومي، قدره (885 مهاجراً). وبلغ عددهم ذروته، خلال ديسمبر، إذ قدِّر بنحو 33.003 مهاجرين، بمعدل يومي، قدره (1064 مهاجراً).

    وعلى الرغم من تأثير تصاعد حرب تحرير الكويت، بين 17 يناير، وأواخر فبراير 1991، في معدل الهجرة إلى إسرائيل، فإن سيمحا دينتيس (Dentis)، مدير الوكالة اليهودية، ذكر أن عدد المهاجرين، الذين وصلوا إسرائيل، منذ اندلاع العمليات العسكرية في 17 يناير 1991، وحتى 23 فبراير 1991 قدِّر بنحو 12 ألف مهاجر سوفيتي. وقدِّرت معدلات الهجرة إلى إسرائيل، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1991، بنحو 38.400 مهاجر. ثم بدأ يتزايد معدل حجم الهجرة، مرة أخرى، في النصف الثاني من عام 1991، ليصل عدد المهاجرين، خلال يوليه 1991، فقط، إلى نحو 23 ألف مهاجر. وهكذا، تدفق إلى إسرائيل، خلال الشهور العشرة الأولى من عام 1991، نحو 153.150 مهاجر[6].

3. إسرائيل والتسوية السلمية

    عندما انتهت الحرب، بدأ الحديث يدور، في إسرائيل، عن ضرورة تحّفزها لمواجهة مرحلة ما بعد الحرب. وثارت تساؤلات حول مدى استعدادها لمفاوضات سياسية، تسوِّي الصراع العربي ـ الإسرائيلي، خاصة أن الدول العربية، التي قبِلت عدم ربطه بحل أزمة الخليج، شرعت تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة الوفاء بوعدها، والعمل على تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإقرار الشرعية الدولية.

    وأدت التساؤلات الإسرائيلية إلى انقسام الأحزاب السياسية في تناول عناصر التحرك السياسي وآلياته، في مرحلة ما بعد الحرب. وأصبح الخيار الأساسي بين السلام أو الاحتفاظ بالأراضي المحتلة عام 1967. وأكد التيار اليميني أولوية الأراضي، وإرادته الأرض والسلام معاً، بما يعني أنه يفضل الأرض على السلام. أما التيار اليساري بعامة، فقد أكد أنه لا يمكن الاحتفاظ بالأراضي المحتلة وتحقيق السلام؛ وأشارت الأحزاب اليسارية إلى أنها تفضّل تحقيق السلام على الاحتفاظ بالأراضي المحتلة.

    كذلك، انقسمت القوى السياسية الفاعلة في إسرائيل، حول ما يجب أن يكون عليه الموقف من التحرك السياسي، للتفاعل مع قضية التسوية السلمية، التي رفعت الولايات المتحدة الأمريكية لواءها. فعلى صعيد الحكومة، حدث تباين طفيف بين أعضاء رئيسيين فيها؛ فقد حذر شامير أعضاء حزبه، في بدايات عام 1991، من إمكانية حدوث تغيير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل. وأشار إلى أنه عقب الأزمة، سيكون لزاماً على إسرائيل، أن تواجه أخطاراً سياسية. وأوضح أن إسرائيل، يمكن أن تواجه هذه التطورات بعدم المبادرة، والحفاظ على تماسكها الداخلي، موجهاً هجوماً حادّاً إلى حزب العمل، ومقولته في خصوص الأراضي المحتلة، التي تدعم التوجه الأمريكي الضاغط على إسرائيل. وعلى العكس من موقف شامير (الانتظاري)، طالب وزير خارجيته، ديفيد ليفي، بعدم إنتظار تبلور تحركات سياسية من قِبل الأطراف الأخرى، ودعا إلى ضرورة الأخذ بزمام المبادرة، ورأى أن أفضل الحلول، بالنسبة إلى إسرائيل، أن تقود التحرك السياسي بمبادرة منها.

    وعلى الرغم من هذا التباين، على الساحة السياسية الإسرائيلية، إلا أنه كان هناك إجماع على رفض فكرة المؤتمر الدولي، أو أي دور للمنظمة الدولية في مساعي السلام. وعلى الرغم من إعلان شامير أنه يؤثر الانتظار، وعدم المبادرة، فإنه أكد استعداده للتباحث مع الإدارة الأمريكية، في كل القضايا، عدا مبدأ "الأرض مقابل السلام"؛ لأنه لا يؤمن بهذا المبدأ.

    وأجمع المعارضون الإسرائيلون على ضرورة أن تستعد إسرائيل لمرحلة ما بعد الحرب، والتحرك السياسي، من خلال طرح أفكار، تأخذ في الحسبان المستجدات، التي أفرزتها الحرب. وبعكس ما يراه الليكود "حزب العمل الإسرائيلي"، أكد شيمون بيريز ضرورة حل المشكلة الفلسطينية، أولاً، ثم تأتي العلاقات بالدول العربية لاحقاً. واقترح، في خطته، التي طرحت على حزب العمل، في مارس 1991، إقامة كونفيدرالية أردنية ـ فلسطينية، وبدء العملية السياسية، تحت مظلة مؤتمر دولي، في جنيف، تشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (سابقاً)، وتتبعه مفاوضات مباشرة، بين إسرائيل والفلسطينيين والأردن، لتطبيق القرار 242، الذي ينص على "سلام مقابل أرض". كما أكد على ضرورة منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. ووافقه رابين على إمكانية البدء بحوار مع الدول العربية، وتحديداً، تلك التي كانت جزءاً من التحالف الدولي.

    وبذلك، احتل موضوع التحرك السياسي، بعد انتهاء حرب تحرير الكويت، حيزاً بارزاً من الجدل بين القوى السياسية داخل إسرائيل. وقد انعكس تباين القيادات الإسرائيلية على توجهات الرأي العام. إذ أظهر استطلاع، أُجري في مارس 1991، أن 58% من الإسرائيليين، يريدون من حكومتهم طرح خطة جديدة للسلام. كما رأى 71% منهم، أن انتهاء حرب تحرير الكويت، يمهد لفرصة جديدة للسلام في الشرق الأوسط.

4. مؤتمر مدريد للسلام

    يمكن القول، إن مؤتمر مدريد، الذي عقد في 30 أكتوبر 1991، كان نموذجاً للتفاعل بين الموقف الدولي، كما بدا عقب نهاية حرب تحرير الكويت، والموقف الإقليمي، على الصعيدَين، العربي والإسرائيلي. ذلك التفاعل، الذي أفضى إلى بدء العملية التفاوضية، الثنائية والمتعددة الأطراف، بين إسرائيل والدول العربية وممثلي الشعب الفلسطيني، وحظيت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بمكانة القوة العظمى الوحيدة. ولم يكن في مقدور الدول العربية، ولا منظمة التحرير الفلسطينية، ولا إسرائيل، رفع راية العصيان في مواجهة العملاق الأمريكي، ورفض الانخراط في عملية التسوية، التي رسمت معالمها الإدارة الأمريكية، في ظل رئاسة بوش. وكان لكل طرف أسبابه الخاصة، الكامنة وراء استجابته. فسورية فقدت، بضعف الاتحاد السوفيتي، ثم تفككه، وانتهاء دوره كقوة عظمى ثانية ـ حليفاً وسنداً رئيسياً لها. كما أن تدمير القوة العسكرية العراقية، قد أخل بتوازن القوى، بين العرب وإسرائيل. أما منظمة التحرير، فقد وجدت نفسها ضعيفة، غداة الحرب، ورأت في الاستجابة فرصة لتأكيد مرونتها. كذلك إسرائيل، فهي لم تسلم من آثار الحرب وتداعياتها؛ إذ فقدت دورها كبديل من وجود عسكري، أمريكي وغربي، في المنطقة، وكانت في حاجة إلى إعادة تعريف دورها ورسمه، بعد انتهاء الحرب الباردة، وسياسة الاحتواء، ومواجهة الشيوعية؛ وهو ما عنى، لدى قطاع من النخبة الحاكمة، إعادة النظر في مفهوم الأمن، في ضوء تطور أنظمة التسليح، وتخلخل مفهوم الأمن المرتبط بالأرض.

    وعلى صعيد آخر، فإن إسرائيل قد استخلصت الرسالة الضمنية لعملية التفاوض وآليتها، ألا وهي اندماج إسرائيل في نسيج المنطقة، من خلال تسوية قضايا المياه، والتعاون الإقليمي، والتسامح، وتنمية المنطقة. وحملت هذه الظروف العرب وإسرائيل إلى مائدة التفاوض. ولم يكن ذلك يعني تسليم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بل إنها حاولت، في ظل حكومة شامير، والائتلاف اليميني، الذي يقوده، استثمار التفاوض في أهداف أخرى، توافق وجهة نظر اليمين الإسرائيلي.




[1] هي السياسة التي خططها مساعد وزير الخارجية الأمريكي مارتن أنديك، وقد ثبت فشل هذه السياسة فيما بعد، بعد أن رفض الغرب الأوروبي وروسيا والصين التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في عزل إيران. والمقصود بالاحتواء المزدوج، هو احتواء كل من إيران والعراق.

[2] أبرز من تحدث عن هذه الطموحات الإسرائيلية، في صياغة واضحة، هو دوري جولد المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ويعمل دوري، حالياً، مندوباً لإسرائيل في الأمم المتحدة.

[3] لم يعقد المؤتمر في هذا التاريخ، بسبب المعارضة الشديدة من الدول العربية لهذا المؤتمر.

[4] ذكر الرئيس التركي الأسبق، تورجوت أوزال، في 18 مايو 1991، خلال زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للعاصمة التركية إن هناك مشكلة مياه في فلسطين وإسرائيل والأردن وشبه الجزيرة العربية، وتركيا هي المصدر الوحيد للمياه في الشرق الأوسط، ولهذا نادينا بإقامة مشروع مياه سلام، وسنبيع المياه للدول العربية والخليجية، أما إسرائيل فيمكن أن نبيع لها المياه ولكن مقابل السلام، وبدون السلام لن يعمل هذا المشروع.

[5] يؤكد هذا العداء، تصريح رئيس أركان القوات المسلحة التركية، في الأول من أكتوبر 1998، بأن تركيا في حالة حرب غير معلنة مع سورية

[6] ذكرت جريدة هاتسوفيه الإسرائيلية، الصادرة في 27 ديسمبر 1991. أن حصاد عام 1991 بلغ نحو 170 ألف مهاجر.