إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج السياسية والاقتصادية لحرب تحرير الكويت





إجمالي الإنفاق والإيرادات في البحرين
إجمالي الإنفاق في الكويت
إجمالي الإنفاق في سلطنة عُمان
إجمالي الناتج المحلي لقطر
مخطط الموازنة السنوية للسعودية
الإنفاق مقارنة بالناتج في الإمارات
الناتج المحلي والإنفاق في السعودية




الفصل الحادي والثلاثون

المبحث السادس

النتائج الاقتصادية لحرب تحرير الكويت على العراق والكويت، وعلى الصعيد الإقليمي

أولاً: النتائج الاقتصادية لحرب تحرير الكويت على الصعيدَين، العراقي والكويتي

1. العراق

    لئن أمكن الحكومة العراقية، طوال الحرب أن تخفف العبء، المالي والاقتصادي، عن العراقيين، فإن ذلك لم يمكنها، بعد نهايتها، عندما بدأت الحكومة بدفع أعباء خدمة الديون المتراكمة، التي قاربت 8 مليارات دولار، من أصل 80 ملياراً، كانت قد استحقت؛ وهو ما يتجاوز دخل الصادرات النفطية العراقية.

العوامل المؤثرة في الاقتصاد العراقي

أ. المقاطعة الاقتصادية

    أدت المقاطعة الدولية للعراق، إلى تردي إنتاجه النفطي بنسبة 86%؛ فانخفض الإنتاج اليومي من 3.3 ملايين برميل، قبْل غزو الكويت، إلى أقل من نصف مليون برميل، تكفي لسد متطلبات الاستهلاك المحلي. ويمكن القول إنها مزقت الاقتصاد العراقي؛ إذ أسفرت عن تقليص الاستيراد بنسبة 90% والصادرات 97%، وفق الشهادة المقدمة إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في 5 ديسمبر 1990.

    أما الحكومة العراقية، فقدرت الخسائر الناجمة عن المقاطعة، خلال الستة الأشهر الأولى، قبل بدء العمليات، بزهاء 17 مليار دولار. منها 10 مليارات دولار خسائر تصدير النفط، و5.1 مليارات دولار خسائر توقف الإنتاج المحلي، ومليار واحد من الدولارات زيادة نفقات الإنتاج، و700 مليون دولار خسائر تأخير مشروعات التنمية، إضافة إلى مليار واحد و300 مليون دولار خسائر أخرى.

ب. الخسائر العراقية

    لم تقتصر الحرب على تدمير المرافق العسكرية، بل تخطتها إلى بِنية العراق التحتية وقطاعاته الاقتصادية. واللافت أن تدمير بعض المرافق العراقية، لم تكن الغاية منها التأثير في مسار النزاع؛ وإنما الضغط على العراق، بعد انتهاء الحرب؛ إذ لن يمكنه إصلاحها، من دون المساعدات الغربية.

    وأشارت دراسة للأمم المتحدة، أن إجمالي نفقات ما دمرته الحرب، يتجاوز 232 مليار دولار. وبلغت خسائر الإيرادات النفطية، طبقاً لتقديرات العراق، 22 مليار دولار سنوياً

ج. تردي الدخل الفردي

    بلغ معدل التضخم في العراق 2000%، في حين استمرت مستويات الأجور لنحو 85% من العراقيين على حالها، لعدة سنوات بعد الحرب؛ فبئست حياتهم، ولم يستطع نظام حصص الإعاشة الحكومية أن يوفر لهم سوى 55% من حاجاتهم الغذائية. واطَّرد انخفاض معدل الدخل الفردي، فتراجع من 4083 دولاراً، عام 1980، إلى 1756 دولاراً، عام 1988. وإذا به ينخفض، عام 1991، إلى ما كان عليه في الأربعينيات، فيصِل إلى 627 دولاراً. ثم أمعن في انخفاضه، عام 1993، ليصبح 485 دولاراً.

د. تعويضات الحرب

    كان على العراق، أن يعوّض إيران عمّا أنزله بها من خسائر اقتصادية، خلال احترابهما (1980 ـ 1988)؛ والتي قدَّرها أحد تقارير مجلس الأمن، عام 1991، بزهاء 97 مليار دولار. كذلك، فرض على العراق، أن يعوّض الكويت عمّا كبّدها من أضرار، وقدِّرها بنحو 100 مليار دولار. وأنشئ، لذلك، صندوق للتعويضات، يحوّل إليه 30% من إيرادات العراق النفطية.

هـ. الديون الخارجية

    قدرت ديون العراق الخارجية،  عام 1990، بنحو 86 مليار دولار. إلا أنه يؤكد أنها 42.1 مليار دولار فقط، وهي مع فوائدها تقدر بحوالي 75.1 مليار دولار[1].

    واستطراداً، فإن على العراق أن يدفع 582 مليار دولار

·   نفقة ما دمرته الحرب    232 مليار دولار.

·   تصليح الأصول، المدمرة خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية  67 مليار دولار.

·   تعويضات خسائر إيران    97 مليار دولار.

·   تعويضات أضرار الكويت    100 مليار دولار.

·   الديون الخارجية  86 مليار دولار.

        كما أن هذه الأرقام أهملت تبديد الموارد النادرة في البلاد، واستنزاف الاحتياطيات الأجنبية، وخسائر إيرادات النفط، ونضوب المخزون السلعي، والتجهيزات العسكرية، وفقدان الناتج، وخسارة النمو، وهجرة المتعلمين والمهنيين.  

2. دولة الكويت

    قدرت الأمم المتحدة أضرار الغزو العراقي للكويت، بما يفوق 23 مليار دولار أمريكي. وأرسلت إليها وفداً، برئاسة عبدالرحمن فرح، عاين دمارها خلال الفترة من 16 مارس إلى 4 أبريل 1991. ورفع تقريراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يذكر فيه أن مرافق الكهرباء، والاتصالات الهاتفية، والنقل العام، قد خُربت. كما أن مباني الحكومة والمؤسسات العامة، قد دُمرت إلى حدٍّ كبير. والسجلات الرسمية، والأجهزة، قد نُهبت.

    واستخلص التقرير عدة نتائج، في مقدمتها، أن البنية التحتية، قد أصبحت غير صالحة. أما في قطاع النفط، فإن المؤسسات وحقول الإنتاج، قد دُمرت إلى حدٍّ لا يوصف. وغني عن البيان، أن الدمار كان مقصوداً، ولم يكن نتاج المعارك الحربية. إذ دُمرت خمس محطات لإنتاج الكهرباء، وأُعطبت اثنتان أخريان. كما أن ثلاثاً من كل أربع مقطرات للمياه، أصابها التدمير والتخريب. وأمست الطرق غير صالحة، بسبب تحركات الآليات المدرعة والدبابات عليها. كذلك، نُهب أو دُمر 50% من مركبات ومعدات النقل والخدمات.

أ‌.    الخسائر الكويتية من جراء الحرب

(1) خسائر قطاع النفط

    بادرت القوات العراقية، قبَيل تحرير دولة الكويت، إلى إحراق أكثر من 700 بئر. وقد تأكد تخريب 749 بئراً. وراوحت كمية النفط المحترقة في تلك الآبار، في المراحل المختلفة. حتى إطفاء آخر بئر، بين مليونَين و6 ملايين برميل، يومياً، تفاوتت قِيمتها بين 30 و90 مليون دولار، على افتراض أن سعر برميل النفط هو 15 دولاراً.

    فضلاً عن الأضرار البيئية، الناجمة عن تلوث الهواء، وحجب أشعة الشمس، وتكوين بحيرات نفطية، تفسد التربة، وإفساد البيئة البحرية، بتسرب كميات كبيرة من النفط في مياه البحر. وكذلك، تدمير الجزيرة الصناعية برّمتها، والرصيفين، الشمالي والجنوبي، لميناء الأحمدي، والرصيف الجنوبي لميناء عبدالله. كما دُمرت خطوط الأنابيب، التي تربط رؤوس الآبار بمحطات التجميع والخزانات وموانئ التصدير ومحطات التكرير. إضافة إلى إصابة المصافي ومحطات التكرير وتعطيلها.

(2) خسائر قطاع الصناعات التحويلية

    تعرضت الصناعات التحويلية لأكثر من 50% من عمليات التخريب والنهب. وتجاوزت خسائرها عدة مليارات من الدولارات الأمريكية. وهو ما أدى إلى فقدان أصحابها دخولهم المباشرة، إضافة إلى فقدانها أسواقها، داخل الكويت وخارجها.

(3) خسائر قطاع العِمارة

    بلغ عدد سكان الكويت، في منتصف عام 1990، مليونَين ومائتي ألف نسمة من بينهم 73% غير كويتيين. وتمثل هذه النسبة قوة شرائية كبيرة، وتشكل فئة المستأجرين الأساسية في البلاد. وبعد الغزو، انخفض عدد الوافدين إلى الكويت، وتراجع نشاط القطاع العقاري، وكذلك قطاع الإنشاءات.

(4) خسائر قطاع التجارة

    كان قطاع التجارة مصدر دخل رئيسياً لعدد كبير من العائلات الكويتية. ونتيجة للاحتلال، نُهبت مخازن التجار، من المواد والسلع والبضائع المستوردة، والمخصصة للبيع في دولة الكويت. وانعكس تراجع قطاع التجارة، على قطاعات أخرى، مثل القطاع المصرفي، الذي يعتمد على اعتمادات التجار لتمويل الاستيراد.

ب. الموازنة العامة

    خلال السنة المالية 1991/1992، أي بعد الحرب مباشرة، سجلت الميزانية الكويتية عجزاً، قدره 5.3 مليارات دينار كويتي (17.7 مليار دولار أمريكي). وبعد أن استطاعت الكويت تحسين قدرتها الإنتاجية، في قطاع النفط، تمكنت، في السنة المالية التالية، أن تخفض العجز إلى 1.8 مليار دينار (6 مليارات دولار أمريكي).

    ومما لا شك فيه، أن العجز، في السنة الأولى بعد التحرير، قد نتج من الأعمال غير الاعتيادية، التي خصص لها مبالغ، ضمن الإنفاق العام، والتي تتعلق بنفقات التحرير، فضلاً عن إعادة بناء بعض المنشآت الأساسية[2]، وإعادة بناء القوات المسلحة. أضف إلى ذلك، انخفاض الإيرادات النفطية، والاستثمارات الخارجية. كما اضطرت دولة الكويت إلى الاستدانة من الأسواق المالية العالمية، فاقترضت 5 مليارات دولار، لمدة 5 سنوات. زد التعويضات، التي دفعتها الحكومة إلى المواطنين، الناجمة عن القروض من المصارف التجارية وشركة التسهيلات التجارية وبيت التمويل الكويتي.

    ولا شك أن العوامل الآنفة، شكلت ضغوطاً على الخزينة العامة للكويت، في السنوات الثلاث، التي تلت الحرب. وفي ظل العوامل الاقتصادية الدولية الراهنة، المتسمة بالركود، وانعكاساتها على اقتصاديات النفط، فإن قدرة الكويت على تحقيق إيرادات مالية كبيرة من النفط، ستظل محدودة. ولقد شهدت الأسواق النفطية، في ديسمبر 1993، تراجعاً كبيراً في أسعار النفط، مما أدى إلى التأثير في الإيرادات المالية للخزينة العامة الكويتية.

ج. المؤشرات الاقتصادية لدولة الكويت

    يوضح (جدول مؤشرات في اقتصاد دولة الكويت (1990 ـ 1995))، أن:

(1)  إنتاج النفط توقف منذ أغسطس 1990، حتى نهاية أغسطس 1991؛ إذ بدأ الإنتاج النفطي مرة ثانية، بداية محدودة، في سبتمبر 1991، وبلغ 460 ألف برميل/يوم. ثم تزايد تزايداً تدريجياً، بين عامَي 1992 و1995، ليصبح، على التوالي، 1060، ثم 1690، ثم 1870، ثم 2043 ألف برميل/يوم.

(2)  إجمالي الناتج المحلي، تأثر بازدياد إنتاج النفط وتصديره، فارتفعت عائداته، عام 1992، إلى 18.82 مليار دولار، بدلاً من 10.81 مليارات، عام 1991. وازداد ارتفاعاً، عام 1993، فبلغت 23.65 مليار دولار، فإلى 24.24 مليار دولار، عام 1994.

(3)  عجز الميزانية، استمر، خلال الأزمة، ووصل عام 1991، إلى 18.89 مليار دولار. ثم بدأ يتناقص، فانخفض، عام 1992، إلى 6.2 مليارات دولار، ثم 5.78 مليارات دولار عام 1993، حتى قارب 540 مليون دولار، عام 1995.

    ويوضح (شكل إجمالي الإنفاق في الكويت)، أن:

(1)  معدل الإنفاق العسكري، تزايد تزايداً ملحوظاً، بين عامَي 1990 و1992.

(2)  حجم الواردات، تزايد كذلك، في الفترة عينها.

(3)  حجم الناتج المحلي الإجمالي، تزايد، بعد الحرب، بسبب تزايد نسبة مبيعات النفط.

ثانياً: النتائج الاقتصادية لحرب تحرير الكويت على الصعيد الإقليمي

1. تركيا وتأثير الحرب على اقتصادياتها

    حاولت تركيا، بعد الحرب، الاضطلاع بدور اقتصادي رئيسي، يهيئ لها مكاناً في المعادلات الإستراتيجية للمنطقة، وذلك بتأدية دور رئيسي في أشد مجالاتها حساسية: النفط والماء والغذاء. فنشطت إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية بالعديد من الدول العربية، مثل العراق وليبيا ودول الخليج العربي، عبْر مشروعات طموح، تتعلق بإنتاج الغذاء، النباتي والحيواني؛ والطرق، والاتصالات الهاتفية، والطاقة الكهربائية.

    ويرتبط التوجه الإستراتيجي الجديد لتركيا، بمحاولة تحقيق مكاسب اقتصادية، لمعالجة أوضاعها المتردية، طريق الحصول على بعض الامتيازات في الخليج العربي. وعلى الرغم من نجاحها السياسي، إلا أنها لم تستطع أن تجسده مكاسب اقتصادية ملموسة؛ إذ اصطدمت بعدة صعوبات، منها:

أ. عدم استطاعتها الحصول على حصة ملائمة من مشروعات إعادة الإعمار في الكويت التي استأثر بها الاحتكار الأمريكي؛ مما دفع الرئيس أوزال، عقب الحرب، إلى إعلان ندمه على عدم المشاركة فيها، مشيراً إلى أن تركيا كانت ستحصل، بذلك، على فوائد مادية أكبر، ونسبة أكبر من عقود الإعمار.

ب. لم تتلقَّ مساعدات دول التحالف، التي وعدت بها من قبْل، سوى جزء ضئيل جداً، قياساً بالخسائر المادية، التي لحقت بها، بسبب أزمة الخليج.

ج. شعور تركيا بالإحباط، على أثر تحقيق الدول الخليجية مكاسب كبيرة، في الأشهر الأولى للأزمة، بعد ارتفاع سعر برميل النفط إلى 40 دولاراً؛ ومع ذلك، لم تحصل على القدر الملائم من المساعدات، التي تعوضها عن خسائرها. وأعلنت المصادر التركية، أن الإمارات العربية المتحدة لم تدفع إليها مبلغ 400 مليون دولار، كانت قد وعدتها به. كما طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على كلٍّ من المملكة العربية السعودية والكويت، لتقديم المليار دولار، الذي وعدت به، كذلك.

    إذاً، لم تحقق الطموحات الاقتصادية التركية أهدافها، في منطقة الخليج، بعد الحرب. وفي الوقت عينه، يعترض تعاون تركيا مع المجموعة الأوروبية صعوبات عديدة، بسبب موقف اليونان المعادي لها، والمعارض أي تطوير بعلاقاتها بالسوق المشتركة. وفي هذا الإطار، أعلن الرئيس التركي، أوزال، "أن الموقف الأوروبي، لم يكن في حسباننا؛ فقد قدمت أوروبا 231 مليون دولار فقط، كمساعدات لتركيا. ولا تزال هناك مساعدات بمقدار 732 مليون دولار".

    ولقد انعكست تلك الأوضاع في تزايد حدة الأزمة الاقتصادية التركية، مما أثار استياء الشارع التركي؛ إذ إن الرئيس أوزال، كان قد منّاه فوائد اقتصادية جمة، سيسفر عنها الدور التركي الجديد، بل أكد أن تركيا ستحصل، مقابل كل دولار تخسره، على ثلاثة أمثاله. ولكن، بدلاً من ذلك، خسرت تركيا سبعة مليارات دولار.

    وفي إطار التحرك الاقتصادي التركي، في منطقة الشرق الأوسط، بعد الحرب، حاولت تركيا، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أن تنشئ نظاماً شرق أوسطياً، وسوقاً شرق أوسطية، يمكن أن تكون له محوراً مهماً. ولكن الدول العربية، ترفض إنشاء ذلك النظام، أو إنشاء علاقات اقتصادية، على مستوى شرق أوسطي، لأنه سيضم إسرائيل، الرافضة الانسحاب من الأراضي المحتلة؛ بل إن المؤتمرات الاقتصادية، التي عُقدت، على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في كلٍّ من المغرب ومصر والأردن وقطَر لم تحقق الكثير، بسبب عدم تقدم العلاقات العربية ـ الإسرائيلية. ومع ذلك فإن تركيا تجهد في أن يكون لها موقع، إستراتيجي وسياسي، يتيح لها مكاسب اقتصادية، من خلال إقامة علاقات تركية ـ خليجية، في العديد من المجالات، وبما يحقق لها التوازن الداخلي التركي.

2. إسرائيل، والتوجه الاقتصادي، بعد الحرب

    فعت حرب تحرير الكويت إسرائيل نحو فكر إستراتيجي جديد، يحاول استغلال تحقيق السلام، في مقابل إنشاء علاقات، اقتصادية وتجارية، بدول المنطقة العربية بعامة، والدول الخليجية بخاصة. حيث رأت أن المدخل الطبيعي لترسيخه، وتوفير ضمانات ثباته، هو إنشاء علاقات اقتصادية متوازنة، بين العرب وإسرائيل، تنبثق منها مصالح مشتركة، ومتوازنة، بين الطرفَين، تدفعهما إلى الحرص على زيادة الاستقرار والحفاظ على الأمن، مع تزايد الحاجة إلى السلام الدائم.

    ن المتغيرات، التي حدثت خلال عام 1991، سواء الناجمة عن حرب تحرير الكويت، أو مؤتمر مدريد للسلام، أو تفكك الاتحاد السوفيتي ـ حملت إسرائيل على البحث في ثلاثة مجالات، من أجل دعم اقتصادياتها.

المجال الأول: السعي إلى إنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية

   إن للمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل وجهَين، أحدهما يحرّم أي علاقات اقتصادية مباشرة بها. والآخر، يجهد في منع التعامل معها، من قِبل أي دولة أو مؤسسة أجنبية، وإلا حُظر تعامل تلك الدولة أو المؤسسة مع الدول العربية، حؤولاً دون حصول إسرائيل على أي موارد أو تعاون مع الدول الأجنبية. إلا أن إسرائيل، نجحت في تجاوز قيود المقاطعة العربية، بوسائل عديدة، منها:

أ. السيطرة على اقتصاديات الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد احتلالهما عام 1967. فأوجدت سوقاً تجارية، عملاؤها حوالي مليونَي مستهلك، هم سكان الضفة والقطاع. فضلاً عن تسريب بعض منتجاتها الشعبية، عبْر الجسور المفتوحة بين الضفة الغربية والأردن.

ب. تجاوز إسرائيل القيود، التي فرضتها أجهزة المقاطعة الاقتصادية العربية، من خلال عدة دول مساندة لها، مثل قبرص وتركيا واليونان وأسبانيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، التي تستورد البضائع الإسرائيلية، ثم تستبدل بلصائقها المميزة لصائق جديدة لتأخذ البضائع طريقها إلى الأسواق العربية.

ج. اختراق إسرائيل المقاطعة الاقتصادية العربية، وفّر لها صفقات، عبْر علاقتها الخفية بالدول العربية، قدِّرت بنحو مليار دولار، سنوياً، وهي تمثل حوالي 10% من حجم الصادرات الإسرائيلية، خلال عام 1991. ومن ثَم، فإن إنهاء المقاطعة، هو أمر مظهري، بالنسبة إلى إسرائيل. ولكنها ترى أنه سيتيح لها علاقات اقتصادية طبيعية، تساعدها على دعم اقتصادياتها وتطويرها، من خلال زيادة الاستثمارات الخليجية في إسرائيل، وفتح السوق، العربية والخليجية، أمام منتجاتها، المتقدمة تكنولوجياً خاصة.

المجال الثاني: قبول مشاركة إسرائيل في منظومة اقتصادية إقليمية

    بدأ الفكر الإسرائيلي، في هذا المجال، منذ منتصف الستينيات، حين صدر في إسرائيل العديد من الدراسات، التي تتناول مجالات التعاون الممكنة بينها وبين الدول العربية، في ظل سلام شامل في المنطقة. إلا أن معظم تلك الدراسات، كشفت عن أطماع إسرائيل الاقتصادية في المنطقة العربية، وتطلعها إلى السيطرة عليها وتحويلها إلى مجال للاقتصاد الإسرائيلي، من خلال فتح الأسواق العربية للمنتجات الإسرائيلية، والاستفادة من اليد العاملة العربية، الرخيصة، فضلاً عن رؤوس الأموال العربية.

    ولقد شجعت المتغيرات الآنفة، التي حدثت خلال عام 1991، إسرائيل على الاستفادة منها، من أجْل الدعوة إلى التطبيع الاقتصادي العربي ـ الإسرائيلي، وإنشاء سوق مشتركة.

    والواقع أن لإسرائيل مفهومها الخاص، في التطبيق الاقتصادي، والذي يأخذ توجهاً خارجياً، ويركز في التوسع الخارجي والتفاعل مع محيطه. وهو ما يغاير المفهوم العربي، الذي يأخذ توجهاً داخلياً، ويركز على الاستفادة من التطبيع، في إصلاح البناء الاقتصادي الداخلي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. ومن ثَم، فإن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين العرب وإسرائيل، يمثل خطراً على الاقتصاد العربي؛ فهو، أولاً وأخيراً، سيعود بالفائدة على إسرائيل، وليس على العرب، في ظل دعم، أمريكي وغربي، للاقتصاد الإسرائيلي. بينما تكثر المشكلات، على المستوى العربي، وتتركز، أساساً، في عدم التنسيق، وعجز ميزان المدفوعات من الدول العربية، وقِلة حجم التجارة البينية، العربية ـ العربية.

    كما تحاول إسرائيل التغلغل في الاقتصاد العربي، من خلال الدعوة إلى إنشاء سوق مشتركة، شرق أوسطية، تفتح الأسواق العربية لمنتجاتها، وتشجع الاستثمارات العربية فيها، وتسمح بانتقال السلع والخدمات والأفراد ورؤوس الأموال، وكذلك التعاون المشترك، في المجالات المختلفة. ولكن، يحُول دون تنفيذ ذلك النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وعدم الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، في الضفة الغربية والجولان والجنوب اللبناني، في ظل إستراتيجية إسرائيلية، تدعو إلى تحقيق الأمن مقابل السلام، وليس مقابل الأرض.

المجال الثالث: الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية

    تمثل مشكلة المياه في الضفة الغربية، أهم العقبات الرئيسية، دون عملية السلام الشامل في المنطقة. إذ تستولي إسرائيل، حالياً، على كميات كبيرة من مياه الضفة الغربية والجولان، وتسهم بما يراوح بين 50% و55% من استهلاكها. وثلث هذه الكمية، لا يمكن أن تعتاض عنها، إلا بمعالجة مياه البحر، العالية النفقات؛ إذ إن نفقة تحلية متر مكعب واحد من مياه البحر تقدَّر بما يراوح بين دولار ونصف ودولارين ونصف. ولذلك، تعتمد إسرائيل اعتماداً أساسياً على مياه الأراضي المحتلة والأنهار العربية. وهو ما يوضح إصرارها على عدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، خاصة مع عملية الهجرة الواسعة إلى إسرائيل، والتي ازدادت أعدادها، في أعقاب الحرب. وتحاول أن تحصل على البديل، الذي يعوضها عن هذا الحجم من المياه، سواء من خلال تشجيعها المشروع التركي، "المياه من أجل السلام"، أو بالضغط على مصر، عبْر الولايات المتحدة الأمريكية، بِجَرّ مياه النيل إلى النقب وأراضي الضفة الغربية، وهو ما لا توافق عليه مصر.

    ولا شك أن الصراع من أجل المياه، في المنطقة، يمثل إحدى العقبات الرئيسية في مشروعات التسوية السلمية فيها، بل سيكون له الأثر الكبير في الحفاظ على استقرارها وتنميتها وتخفيف حدة التوتر فيها.

3. إيران، ومكاسبها الاقتصادية، بعد الحرب

    استفادت إيران، اقتصادياً، سواء من موقفها الحيادي تجاه الحرب، أو من ارتفاع أسعار النفط، على مدار أشهر الأزمة؛ علاوة على تأكيد العراق اتفاقية الجزائر عام 1975، وتسوية المشاكل الحدودية بينهما. أضف إلى ذلك عودة العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، وآخرها عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، في ديسمبر 1991. وحاولت إيران استغلال هذه المكاسب، من أجل دعم اقتصادياتها، وفتح أسواق لها في الدول الخليجية، وفي جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، خاصة أن تلك الجمهوريات تربطها بها علاقات تاريخية مع إيران.

    وكانت أولى خطوات إيران نحو دعم علاقاتها الاقتصادية بدول الخليج ـ زيارة عدد من الوفود الإيرانية، العالية المستوى، إلى دول الخليج العربي؛ والدعوة إلى تعاون الطرفَين، في المجالات الاقتصادية.

    وقد أتاحت أزمة الخليج لإيران زيادة إنتاجها، تعويضاً عن توقّف صادرات النفط، العراقية والكويتية. وهو ما حقق لها مكاسب كبيرة.

    وفي معرض تقييم التطور الإنمائي للعلاقات العربية ـ الإيرانية، بعد الحرب، يلاحظ أن منطقة الخليج، بوصفها المجال الحيوي لإيران، مثلت المختبر الأول لهذا التطور. وشددت القمم الخليجية المتعاقبة على أهمية تطوير التعاون معها. فأشارت قمة الدوحة، عام 1990، إلى أهمية التعايش السلمي، المستمد من روابط الدين والتراث، التي تربط بين دول المنطقة. وتبنَّت قمة الكويت، عام 1991، مبدأ النسبية في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية. وتركت لكل دولة حرية إبرام ما تشاء من معاهدات تعاون ثنائي، إيماناً بوجود "تفاوت في العلاقة بين كل من دول المجلس وإيران، بحكم طبيعة المصالح القائمة بينها.

    أما قمة أبو ظبي، عام 1992، وفي ظل أجواء الخلاف العربي ـ الإيراني حول الجُزُر الثلاث، فأكدت أهمية "تطوير العلاقات بين الجانبَين"، و"تعزيز الثقة المتبادلة".

    وانتعشت المعاملات التجارية الخليجية ـ الإيرانية. فازدادات قيمة الواردات الإيرانية إلى دبي، من 427 مليون دولار، عام 1989، إلى 520 مليون دولار، عام 1990. بينما قدِّرت الواردات البحرينية من إيران، في النصف الأول من عام 1991، بنحو 9.2 ملايين دولار، في حين بلغت 6.6 ملايين دولار، على مدار عام 1990. كما وقّعت إيران والكويت اتفاقاً، في 3 فبراير 1992، يقضي بمقايضة النفط الإيراني بمشتقات النفط الكويتية.

    لكن ارتفاع حجم التجارة الخليجية ـ الإيرانية، لم يكن هو الوجه الوحيد لنمو العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين الطرفَين. وما كان النطاق الخليجي، على أهميته، الجانب الوحيد لنمو العلاقات الاقتصادية، بين العرب وإيران. فعلى المستوى الأول، شكلت صيغة المشروعات المشتركة، واحداً من أبرز مظاهر التعاون الإيراني ـ الخليجي. وكان أهمها هو المشروع المسمّى "الأنبوب الأخضر"، والذي تصل؛ بمقتضاه، مياه الشرب، من نهر قارون، جنوبي إيران، إلى قطَر، عبْر خط أنابيب ضخم، يبلغ طوله 800 كم[3].

    ويمثل هذا المشروع بديلاً من نظيره التركي، مشروع "أنابيب السلام"، الذي يُسحب، بموجبه، فائض المياه من نهرَي (سيحان) و(جيهان)، جنوبي تركيا، ليصل إلى دول مجلس التعاون الخليجي، مروراً بإسرائيل والأردن.

     إذاً، يعكس "الأنبوب الأخضر" أحد أبعاد التنافس التركي ـ الإيراني، بعد حرب تحرير الكويت، سواء في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، وفي منطقة جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية.

    أما التعاون بين إيران وسلطنة عُمان، فيجسده إنشاء خط ملاحي بينهما، لتسهيل حركة التجارة، وانتقال الأفراد والسلع التجارية؛ ومساندة السلطنة، في مجلس التعاون، المشروع الإيراني، الخاص بمد خط السكك الحديدية، الذي يربط طهران بدول آسيا الوسطى. وبادرت إيران، خلال النصف الأول من عام 1993، إلى خفض الزيادة على حصتها النفطية، حرصاً على ألاّ يصبح موضوع النفط، الذي يُعَدّ أحد الموضوعات الشائكة في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، خاصة مع زيادة حصتها النفطية المقررة، من 3.6 إلى 3.9 ملايين برميل، لمواجهة أزمتها الاقتصادية ـ سبباً لمواجهة حادّة، داخل منظمة الأوبيك. وارتبط بذلك محاولة جعل النفط مجالاً من مجالات التعاون المشترك مع دول الخليج، بإسهامها في إطفاء الحرائق المشتعلة في آبار النفط الكويتية، فور انتهاء حرب تحرير الكويت؛ واستمرارها في مقايضة نفطها الخام بمشتقات النفط الكويتي.

    أما على المستوى الثاني، الذي يعبّر عن التطور الإيجابي للعلاقات العربية ـ الإيرانية، خارج النطاق الخليجي، فقد جرت مشاورات إيرانية ـ مغربية ـ تونسية، من أجل تطوير التعاون، الزراعي والصناعي بين الدول الثلاث. ووقّعت إيران مع تونس، تحديداً، اتفاقاً، تستورد، بمقتضاه، كميات من الفوسفات، قيمتها 70 مليون دولار. وتعهدت إيران، أثناء زيارة وزير خارجيتها، على أكبر ولايتي، إلى بيروت، في يونيه 1992، بالمشاركة في عمليات البناء والإعمار؛ وفي الوقت عينه، جهدت في إطلاق الرهائن الغربيين؛ وهو الشرط الذي ربط به تقديم المساعدات الخارجية إلى لبنان.

    وكانت العلاقات الإيرانية ـ السودانية، هي الأكثر تطوراً، والأكثر إثارة للجدل. ففي خطوة، هي الأولى في نوعها، زار رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السودان، في ديسمبر 1991. وأُعلن توقيع اتفاق ثنائي، مُتعدد الجوانب، بين البلدَين، نصّ على مقايضة النفط الإيراني باللحوم والمنتجات الزراعية السودانية؛ وإنشاء خطوط ملاحية، لاستيعاب التوسع في تجارة البلدَين؛ والتزام إيران بالمشاركة في بعض المشروعات الاستثمارية، مثل إنشاء خزان لتوليد الكهرباء، ومصنع للسكر، في كنانة. وتردد أن هناك اتفاقاً غير معلن، بين البلدَين، تعهدت، إيران، بموجبه، بدفع 300 مليون دولار إلى الصين، لتزويد السودان أسلحة متطورة، لقمع التمرد في جنوبيه. وزار السودان، عام 1992، 46 مسؤولاً إيرانياً للسودان على مدار العام؛ مما يشير إلى توسع العلاقات بين البلدَين في العديد من المجالات، السياسية والاقتصادية والأمنية.

    كما شهدت السنوات، التي تلت الحرب، انفتاحاً إيرانياً على جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية وإنشاء علاقات اقتصادية بالعديد منها، في كافة المجالات (زراعية ـ تجارية ـ صناعية). وكان دور إيران، هذا، منافساً لدور تركيا، المدعمة من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.



[1] هذا الرقم يعادل 60 مرة الناتج المحلي الإجمالي الفعلي لعام 1993، وبذا يمكن اعتبار أن هذا هو جوهر المشكلة الاقتصادية العراقية.

[2] يذكر بعض المصادر الرسمية، وغير الرسمية، أن الكويت استخدم ما يقرب من 50 مليار دولار؛ لمواجهه تبعات الغزو والاحتلال والتحرير، وهذا المبلغ يفوق أكثر من 50% من قيمة الأموال الكويتية الموظفة في الخارج.

[3] قام ولي عهد قطر بزيارة لإيران في 9 نوفمبر 1991، وأسفرت الزيارة عن توقيع خمس اتفاقيات للتعاون إحداهما تتعلق بنقل المياه لقطر وإنشاء خط أنابيب بطول 800 كم.