إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث الأول

النتائج والدروس المستفادة، على المستوى السياسي والعسكري الإستراتيجي

أولاً: النتائج والدروس، على المستويَين، السياسي والعسكري

1. النجاح في الفصل بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات العسكرية

    لم يشهد التاريخ العسكري، قبْل حرب تحرير الكويت، فصلاً تاماً بين المسؤوليات، السياسية والعسكرية، التي طالما تعارضت وتداخلت في الحروب السابقة.

    ففي حرب فيتنام، مثلاً، كان تدخّل السياسيين الأمريكيين في الأمور العسكرية التفصيلية، أحد أسباب عدم نجاح كثير من العمليات العسكرية. والنتيجة النهائية لهذه الحرب، كانت انعكاساً واضحاً لهذا التدخل. وأصبحت "عقدة فيتنام" كابوساً مؤرقاً، للسياسيين والعسكريين على السواء.

    كذلك، في حرب أكتوبر 1973، فعلى الرغم من رفض قائدَي الجيشَين الميدانيَّين، الثاني والثالث، مبدأ تطوير الهجوم، على أساس أن الموقف العسكري، لا يسمح بذلك، فضلاً عن أن سحب جزء كبير من الأنساق الثانية المدرعة، المتمركزة غرب القناة، للعبور إلى شرق القناة، سيخل بالتوازن العسكري للجبهة برمّتها ـ فإن القيادة السياسية تدخلت، في إطار تخفيف الضغط على الجبهة السورية، فارضة قرارها تطوير الهجوم شرقاً، في 14 أكتوبر 1973. فانتهزت إسرائيل  فرصة سحب جزء كبير من القوات المصرية، المتمركزة غرب القناة، إلى شرقها؛ وشنت هجوماً مضاداً، عَبرت فيه إلى غرب قناة السويس، مُحْدِثة خللاً في الجبهة المصرية.

    أما في حرب الخليج، فوِّضت القرارات العسكرية إلى القادة العسكريين. وشُكلت قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، التي أصبحت مسؤولة عن التخطيط والتنفيذ والإدارة، بتفويض من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

    واستفاد العسكريون الأمريكيون ممّا سمّي قانون "جولدووتر ـ نيكولاس"[1]، وتوخّى هذا القانون تجنّب الأخطاء المرتكبة في حرب فيتنام، حيث لم يكن الجنرال وستمورلاند (Westmoreland)، القائد العام الميداني، وقتئذٍ، يسيطر على القوات الجوية، التي كانت توجِّه الضربات ضد خطوط الإمداد، وتضطلع بالقصف الإستراتيجي ضد فيتنام الشمالية. ولم يكن له، كذلك، أدنى سيطرة على العمليات البحرية، خارج المياه الإقليمية.

    وسعى هذا القانون، كذلك، إلى تلافي أخطاء عسكرية قاتلة، نجمت عن تدخّل السياسيين في سير العمليات العسكرية؛ وإصدار الأوامر من رؤساء أركان الجيش والقوات، الجوية والبحرية، إلى القائد العام الميداني مباشرة، وعدم وجود أي تنسيق بين الأفرع الرئيسية؛ إضافة إلى تقييد صلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة، بل تجاهله، ضمن سلسلة القيادة من الرئيس الأمريكي إلى القائد العام الميداني.

    وقد حدد القانون، فضلاً عن إعادة تنظيم وزارة الدفاع الأمريكية، صلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة، وصلاحيات رؤساء أركان الأفرع الرئيسية، وصلاحيات القادة الميدانيين في مسرح العمليات[2].

الدروس المستفادة من حرب فيتنام

أ. ضرورة جعْل القائد الميداني، هو المسؤول الوحيد عن تخطيط المهام القتالية وتنفيذها؛ والمسيطر على كافة وحدات وتشكيلات القوات، البرية والجوية والبحرية، ومشاة البحرية، في مسرح العمليات.

ب. أهمية منْح رئيس هيئة الأركان المشتركة (مستوى الولايات المتحدة الأمريكية) أو رئيس الأركان العامة (الدول الأخرى) صلاحيات، تمكّنه من:

(1)  التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة.

(2)  التقدير المستمر لقدرات العدائيات المحتملة، في مواجهة قدرات الدولة.

(3)  المحافظة على الاستعداد القتالي للأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات، وبناء نظام للتقييم المستمر لهذا الاستعداد.

(4)  تطوير عقائد العمليات المشتركة.

(5)  اقتراح احتياجات الموازنة، التي توافق التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة.

(6)  رفع التقارير إلى وزير الدفاع، في شأن موقف القوات المسلحة وأوضاعها وحالتها؛ ومقترحاته لرفع مستوى استعدادها القتالي.

ج. ضرورة التحديد الواضح للمسؤولية، السياسية والعسكرية؛ فتكون القيادة السياسية مسؤولة عن اتخاذ القرارات الإستراتيجية. وتتولى القيادة العسكرية مسؤولية التخطيط والإعداد والتنفيذ للقوات المسلحة، في إطار التوجيهات المحددة للدولة. على أن يُحدد من خلال هذه المسؤوليات ما ينبثق عنها من إجراءات وقواعد لازمين للتنسيق والتعاون، ومسارات الأوامر والتوجيهات والتعليمات، والتقارير والتبليغات.

2. العلاقة الوُثْقَى بين السياسة والحرب

    عندما كتب المفكر الإستراتيجي كارل فون كلوزفيتز (Carl Van Clausewitz)، في أوائل القرن التاسع عشر، أن الحرب امتداد للسياسة، كان يقصد، أن الدول تلجأ إلى الأعمال العسكرية النظامية، لتحقيق أهدافها السياسية.

    وقد أضيف إلى هذا الرأي إضافة جديدة، وهي أن النصر أو الهزيمة في الحرب، إنما يعتمد على النجاح أو الفشل في السياسة. وطبقاً لذلك، فإن ممارسات الرئيس العراقي، صدام حسين، لم تكن سديدة. وعلى الرغم من كثرة أخطائه العسكرية، إلا أن أخطاءه القاتلة، كانت كلها سياسية؛ إذ أخفق في إدراك الأهمية، التي يُوليها المجتمع الدولي للكويت، بل للاستقرار السياسي في منطقة الخليج. ولو أنه عكف على دراسة أزمة عام 1961، واستخلص منها العظات والعِبر، لما أقدم على عدوانه ذاك، بعد ثلاثين عاماً[3].

    وسابقة أخرى، غفل عنها صدام حسين، هي نشر الولايات المتحدة الأمريكية قِطعها البحرية، لحماية ناقلات النفط الكويتية، التي كانت ترفع العلم الأمريكي، في المراحل الأخيرة للحرب العراقية ـ الإيرانية، ردّاً على مبادرة سوفيتية، لحماية تلك الناقلات؛ وهو ما يؤكد أن واشنطن لن تتردد في استخدام القوة، لضمان تدفّق النفط وتأمين حرية الملاحة البحرية، وتحقيق استقرار الأنظمة السياسية في الخليج.

    هكذا، يصعب فصْل العمليات العسكرية عن الممارسات السياسية. إذ لا بدّ أن يحاط العسكريون علماً بأبعاد الموقف السياسي. وفي الوقت نفسه، لا بدّ من وقوف القيادة السياسية على القدرات العسكرية لقواتها المسلحة.

    وعكْس ذلك، ما حدث قُبيل حرب يونيه 1967، حين كان الرئيس المصري، جمال عبدالناصر، يتلقى تقارير غير دقيقة، من المشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، في شأن الاستعداد القتالي للقوات المسلحة المصرية، وقدرتها على تلقي الضربة الأولى الإسرائيلية. ومن الواضح، أن المشير، لم يكن مُلمّاً بالمواقف السياسية، على الصعيدَين، الإقليمي والدولي؛ إذ لم يدرك أن إسرائيل، لن تتوانى، لحظة، إذا ما سنحت لها الفرصة، في كسْر شوكة القوة العربية الوحيدة، التي يمكن أن تُشكل تحدياً لها؛ وأن ذلك العمل، سيوافق رغبة الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا، بناءً على معلومات غير كافية، ونصيحة غير شافية، راهن عبدالناصر في سيناء، وخسر الرهان.

    وكذلك، لم يعِ الرئيس العراقي، عام 1990، طبيعة التفاعلات والعلاقات داخل النظام الدولي. كما لم يدرك قدرات جيشه وفاعليته والمصير الذي سيؤول إليه، عند مواجهته قوات دولة عظمى. كانت حساباته السياسية خاطئة، إذ اعتقد أن في إمكانه تجنُّب الحرب. وكانت حساباته العسكرية خاطئة، كذلك، إذ اعتقد أن في إمكانه تجنُّب الهزيمة.

    الدروس المستفاد من العلاقة الوُثْقَى بين السياسة والحرب

أ. أهمية الربط الوثيق بين السياسة والحرب، من خلال منهج واضح، يُحدد أسلوب التعاون بين القيادات، السياسية والعسكرية.

ب. ضرورة إلمام القادة العسكريين بالموقف السياسي، الإقليمي والدولي، حتى يتسنَّى لهم تحديد الأفكار والتهديدات المحتملة وتقييمها، وتقديم المشورة الدقيقة الصادقة إلى القيادة السياسية.

3. تهيئة المسرح السياسي الدولي

    حرصت القيادة الأمريكية على تهيئة المسرح السياسي الدولي، لقبول الحل العسكري. فاعتمدت المواقف التالية:

أ. دعوة " الجماعة الدولية برمَتها "، منذ بداية الأزمة، إلى التصدي للعراق؛ في الوقت الذي استعرضت فيه الحكومة الأمريكية كافة الخيارات الممكنة، في ردها على ذلك العدوان.

ب. إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، في 3 أغسطس 1990، في بيانها المشترك مع الاتحاد السوفيتي ، تفاصيل الحل السلمي للأزمة، بعد امتثال العراق قرارات مجلس الأمن. أما إذا عجزت تلك القرارات عن تحقيق الحل، فإن واشنطن ستتخذ خطوات إضافية، تلائم ميثاق الأمم المتحدة. وبذلك، تؤثِر الحل السياسي للأزمة؛ ولكنها تصرّ، كذلك، على عودة الوضع إلى ما كان عليه قبْل 2 أغسطس 1990.

ج. تأكيد الرئيس الأمريكي، بوش، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأول من أكتوبر 1990، " أن الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم استخدام العقوبات، لدفع حكام العراق إلى الانسحاب الفوري من الكويت، ومن دون شروط .. أريد أن أركز، كذلك، في أننا نأمل، في الأمم المتحدة، ألاّ نستعمل القوة العسكرية أبداً. وإننا نسعى إلى حل سلمي، ودبلوماسي. وأعتقد أنه بعد الانسحاب العراقي، غير المشروط من الكويت، قد تظهر فرص، لكي يحل العراق والكويت خلافاتهما حلاًّ دائماً ".

د. وأكد ذلك وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بقوله: " إن العمل الفعال الوحيد، الذي يمكننا اتخاذه، الآن، هو الاستمرار في زيادة عزل العراق، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ".

هـ. إعلان الرئيس بوش، في 30 أغسطس 1990، " أن التوصل، إلى تسوية أزمة الخليج، من طريق التفاوض، هو أمر صعب، بسبب رفض الرئيس العراقي مطالب الأمم المتحدة بالانسحاب من الكويت ".

و. تأكيد جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، في 29 سبتمبر 1990، تزايد الاهتمام الدولي بعمل عسكري، يجبر العراق على الانسحاب من الكويت، في حالة فشل الجهود الدبلوماسية. وتأكيده، كذلك، في 3 أكتوبر، أن المجتمع الدولي يتزايد تأييده إجراءً عسكرياً، تبيحه الأمم المتحدة، لإرغام العراق على الانسحاب من الكويت. ولكنه أضاف أن بلاده، ما زالت تفضّل الحل السياسي للأزمة.

ز.     حرْص الرئيس بوش، في تقريره إلى الكونجرس، في 16 يناير 1991، على القول إنه "لن تكون هناك فيتنام أخرى. وإن القوات الأمريكية، ستحظى بأكبر دعم، من العالم كله، وإنها لن تكون مقيدة".

        وحدد، في تقريره، في اليوم نفسه، أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية أزمة الخليج، كما يلي:

(1)  الانسحاب العراقي الفوري، غير المشروط، من الكويت.

(2)  عودة حكومة الكويت الشرعية.

(3)  حماية المواطنين الأمريكيين، في الخارج.

(4)  تحقيق أمن منطقة الخليج واستقرارها، نظراً إلى حيويتها، بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي.

ح. وأوضح، في التقرير عينه، دواعي اللجوء إلى القوة ضد العراق وهي:

(1)  قصور العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق، على إخراج صدام حسين من الكويت.

(2)  عجز كافة الوسائل الدبلوماسية، وسائر الوسائل السلمية، عن إرغام العراق على امتثال قرارات مجلس الأمن.

(3)  إخفاق جميع المحاولات الأخرى لإجبار العراق على الانسحاب.

ط. تبرير الرئيس الأمريكي، في 30 يناير 1991، استخدام القوة بقوله: "لقد عملنا جاهدين لتفادي الحرب. ولأكثر من خمسة أشهر، جرّبنا، بالاشتراك مع الجامعة العربية، والمجموعة الأوروبية، والأمم المتحدة، كلَّ سبيل دبلوماسي. وقد عمل من أجْل التوصل إلى حل للأزمة، كلُّ من الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دى كويلار؛ والرؤساء جورباتشوف، وميتران، وأوزال، ومبارك، وبن جديد؛ والملكَين فهد، والحسن؛ ورئيسَي الوزراء ميجور، وأندريوتي، وسواهم. وفي كل مرة، كان صدام حسين يرفض، صراحة، الدبلوماسية والسلام ".

ي. تأكيد شرعية جميع الإجراءات الدولية ضد العراق، من خلال قرارات مجلس الأمن الاثني عشر، ولا سيما منها القرار الرقم 678، الذي اتخذ، بتأييد دولي، ذريعة من أجْل إخراج العراق من الكويت، باستخدام القوة.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  نجاح قوات التحالف في حشد التأييد الدولي، لتنفيذ العمل العسكري. وارتكاب القيادة العراقية العديد من الأخطاء، التي أدت إلى عزلها، عالمياً وإقليمياً، بل إلى تصعيد موقف معادٍ لها.

(2)  تجاهل التأييد المتصاعد، الدولي والمحلي، لسياسة الرئيس بوش في معالجة الأزمة، إذ راهن صدام حسين على عدم إقدام التحالف على المواجهة العسكرية، مرتكباً واحداً من أهم أخطائه.

(3)  ج. نجاح التحالف الدولي في تطبيق سياسة ذات محورَين متوازيَين:

(أ) السعي إلى حل دبلوماسي، لإبراز أن العراق غير جادّ في انسحابه.

(ب) الإعداد لعمل عسكري.

ب. الدروس المستفادة من تهيئة المسرح السياسي، نجملها في الآتي:

(1)  أهمية تأمين القرار الإستراتيجي، قبْل اتخاذه، بضمان حدٍّ أدنى من التأييد، الدولي والإقليمي. وهو ما افتقده قرار العراق غزو الكويت.

(2)  ضرورة تهيئة الرأي العام الداخلي، وإعداده لتقبّل نتائج القرار السياسي / العسكري ومساندته. وهو ما حققه الرئيس بوش، على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.

(3)  ضرورة إعداد المسرح السياسي، قبْل الإقدام على قرار إستراتيجي، قد يؤدي إلى الحرب؛ وهو جزء من إدارة الأزمة.

(4)  أهمية إدارة الأزمة، في أربعة محاور متوازية ومتناسقة:

·    المحور السياسي: يضمن تأييداً دولياً، ويفرض قرارات دولية، تجبر الخصم على تنفيذها، تحت ضغوط اقتصادية، أو تلويحاً بردع عسكري.

·    المحور العسكري: يعتمد على حشد القوات، القادرة على تنفيذ القرار السياسي، حالة فشل التحرك الدبلوماسي.

·    المحور الاقتصادي: يرمي إلى فرض عقوبات ضد الخصم، ترغمه على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

·    المحور الإعلامي: يتوخّى حشْد التأييد، الدولي والشعبي، لمساندة العمل العسكري، حالة فشل المحوران الآخران في تحقيق أهدافهما[4].

(5)  أهمية عدم اللجوء إلى تصعيد الموقف، السياسي والعسكري، منذ اللحظة الأولى، مع اللجوء إلى الوسائل الأخرى، إلى حين اكتمال الاستعداد للعمل العسكري.

4. الإعداد للدفاع، خدمة للإستراتيجية

    لعل من أهم النتائج، التي حققتها الحرب، هي ضرورة إعداد الدولة للدفاع، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، خلال مرحلة الإعداد للصراع المسلح، على أن يخدم ذلك الإعداد تحقيق أهدافها الإستراتيجية.

    وتتصدر القوات المسلحة أولويات الإعداد للدفاع، كونها الأداة الرئيسية للدفاع عن الدولة؛ فتحظى بالتنظيم والتسليح وتحديد حجمها والتدريب والتخطيط الإستراتيجي لاستخدامها، في ضوء السياسة العسكرية للدولة، النابعة من سياستها العامة.

    والمشكلة، التي واجهت دول مجلس التعاون الخليجي، عام 1990، أن حجم قواتها، وتخطيطها الإستراتيجي للدفاع[5]، لم يكونا قادَرين على مواجهة عدوان صدام. كما لم تكن قوة "درع الجزيرة"، الجناح العسكري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، قوية إلى الحدّ، الذي يمكّنها، وحدها، من ردع العراق أو التصدي له. ومن ثَم، كانت الصعوبات، التي واجهت دول المجلس، في البداية، هي مواجهة هذا التهديد، وحدها، من أجْل تحقيق أمنها الوطني.

    وتحديد حجم القوات المسلحة، القادرة على ردع التهديد، يتوقف على ذلك التهديد المحتمل. إذ إن حليف الأمس، قد ينقلب إلى عدو اليوم؛ كالعراق، الذي أغدقت عليه كافة دول مجلس التعاون دعمها، مادياً واقتصادياً وإعلامياً، أثناء حربه مع إيران، إذا به، بعد انتهاء الحرب، يتنكرها، وأمسى يهدد أمنها.

    كذلك، أكدت الأزمة سداد السياسة، التي تبنّتها المملكة العربية السعودية، في إعداد مسرح العمليات، من خلال إنشاء بنية أساسية عملاقة؛ وتشييد المدن العسكرية، في المناطق الحيوية حول المملكة؛ وإنشاء القواعد الجوية والمطارات والموانئ. وهو ما يمكنّها من مواجهة احتمالات الموقف العسكري، في شتى الاتجاهات الإستراتيجية. ولولا تلك الاستعدادات الطموح، الضخمة، والباهظة النفقة، إضافة إلى العمق الإستراتيجي للمملكة، وهو عنصر مهم وحيوي ـ لأضحى صعباً، بل مستحيلاً على القوات، العربية والإسلامية والغربية، أن تهبّ إلى مساندة المملكة؛ ولأمست هي وجيرانها الخليجيون، ضحية عدوان صدام. ولا شك أن الحشود الضخمة، من الجنود والأسلحة والمعدات والطائرات والسفن والتجهيزات، هي أعظم حشود، شهدها العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما لم يكن ليتأتى، لولا إعداد مسرح على مستوى عالٍ، داخل المملكة.

    ناهيك أن نشاط السياسة الخارجية للمملكة، إلى إعداد الرأي العام العالمي، في مصلحة الحرب، ومن أجْل إضعاف قدرات العراق، السياسية والاقتصادية والعسكرية ـ بدأ منذ اللحظة الأولى لغزو العراق الكويت، واستمر حتى تحريرها.

    كما أن حشد الطاقات الاقتصادية الوطنية، لدول مجلس التعاون، كانت الدعامة الأساسية لمواجهة العدوان، وتوفير مطالب 37 دولة، قدِّر تعداد أفرادها بنحو 750 ألف فرد، وبما معهم من المعدات والأسلحة والطائرات والسفن. وهي المطالب، التي شملت كافة الجوانب، من إيواء وغذاء ومياه ووقود ونقل وغيرها، والتي ما كان لها أن تتحقق، لولا الإعداد الجيد، خلال مرحلة إعداد الدولة للدفاع.

    وعلى الرغم مما أبرزته الحروب السابقة، من أهمية إعداد الدولة للدفاع (الحرب)، فإن حرب الخليج، تميزت بإبراز العديد من الدروس المستفادة من إعداد الدولة للدفاع.

أ. الدروس المستفادة من إعداد الدولة للدفاع

(1)  إيلاء القوات المسلحة العناية الملائمة، التي تتيح لها إمكانات، تجعلها قادرة على مواجهة مطالب الدولة، السياسية والعسكرية، وتأمين ترابها الوطني.

(2)  تطور النظرة إلى القوات المسلحة، بالاعتماد على النوع، قبْل الكم. والتخطيط لتحقق التطوير المنشود تخطيطاً عملياً، يستند إلى الدراسة والتحليل.

(3)  دراسة العدائيات المحتملة، في شتى الاتجاهات، دراسة، توفر التفوق النوعي والعددي، وتهتم بالخيارات البديلة، التي تعوض عن النقص في قوة ما، بالزيادة في قوة الأخرى، فتعوّض بزيادة القدرة النيرانية، مثلاً، عن النقص في القوة البشرية؛ أو تعوّض بالأسلحة الطويلة المدى، الدقيقة التوجيه، عن النقص في القاذفات أو حجم القوة.

(4)  تحديد حجم القوات المسلحة للدولة ومطالبها، من القوة البشرية والأسلحة والمعدات والمنشآت، واستخدامها في ضوء:

·    السياسة العسكرية للدولة، النابعة من سياستها العامة.

·    الإستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة، المنبثقة من الإستراتيجية الشاملة للدولة.

·    الأهداف العسكرية للقوات المسلحة.

(5)  تسخير الاقتصاد الوطني لخدمة إعداد الدولة للدفاع، بدءاً من شق الطرُق، وبناء الجسور، وحفر الأنفاق، وانتهاءً إلى إنشاء الصناعات العملاقة، التي تدعم المجهود الحربي، في حالة الحرب، وتوفير الموارد اللازمة لبناء القوات المسلحة وتطويرها.

(6)  توفير القوة لحماية الثروة، والقوة لا تقتصر على تكديس السلاح فقط، وإنما تتجاوزه إلى المقومات الخمسة للدولة: العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والجغرافية.

(7)  أفكار ليدل هارت، لا تزال صالحة، حتى اليوم، ولا سيما قوله بأهمية بناء جيش محترف، خفيف الحركة، وعالي التدريب، وهو ما تفتقده دول العالم الثالث، في الوقت الحاضر. إن التحدي الذي تواجهه هذه الدول هو بناء جيش، يستند التعيين والنقل والترقية فيه، إلى الاستحقاق؛ ويتركز على الثقة والمهارة، إضافة إلى التقاليد والأخلاق العسكرية، كالانضباط والطاعة والولاء.


 



[1] جولدووتر : "باري موريس جولدووتر"، سيناتور عن ولاية أريزونا، وكان ضابطاً بالقوات الجوية الأمريكية. وصل إلى رتبة  اللواء، وعمل رئيساً للجنة الاستخبارات بالكونجرس، ورئيساً للجنة القوات المسلحة بالكونجرس. نيكولاس: "وليم فلاينت نيكولاس" عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية ألباما. اشترك في الحرب العالمية الثانية، حيث خدم خمس سنوات بالمسرح الأوروبي. تولى عدة مناصب إدارية، ومثل ولاية ألباما عن الحزب الديموقراطي منذ عام 1959.

[2] حدد القانون العديد من صلاحيات كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة، ورؤساء أركان الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والقادة الميدانيين وكان أبرزها:

· أصبح رئيس هيئة الأركان المشتركة، المستشار العسكري لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع.

· منح رئيس هيئة الأركان المشتركة صلاحية التشاور والتنسيق مع رؤساء الأركان الآخرين، والقادة الميدانيين، وفرض توجيهاته وتعليماته للتنفيذ.

· أصبح لرؤساء أركان الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وقائد مشاة البحرية عملان في وقت واحد: أولهما، أنهم مستشارون لرئيس هيئة الأركان المشتركة ومن خلاله لوزير الدفاع. وثانيهما، مسؤوليتهم الكاملة عن تدريب قواتهم وإمداداتها لضمان جاهزيتها للقتال.

  كما حدد القانون مسؤوليات رئيس هيئة الأركان المشتركة، والتي تتلخص في الآتي:

· التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة الأمريكية ـ التقدير المستمر لقدرات العدائيات المحتملة في مواجهة قدرات القوات المسلحة الأمريكية.

· رفع التقارير إلى وزير الدفاع مبيناً نقاط القوة والضعف في الأفرع الرئيسية المختلفة، وكيفية استخدام الموارد المتاحة أفضل استخدام.

· بناء نظام للتقييم المستمر للاستعداد القتالي في الأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات.

· اقتراح احتياجات الموازنة التي تتفق مع التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة.

· تطوير عقائد العمليات المشتركة

· وضع وكالات الدفاع المختلفة والأنشطة الميدانية تحت سيطرة رئيس هيئة الأركان المشتركة أو سيطرة وزير الدفاع.

· حدد القانون أسلوب تدريب الضباط على تنفيذ مهامهم في العمليات المشتركة، وأسلوب الترقية إلى الرتب العليا.

· جعل هذا القانون القائد العام الميداني هو المسؤول وحده عن تنفيذ المهام القتالية، وله السيطرة على جميع وحدات وتشكيلات القوات البرية والجوية والبحرية في مسرح العمليات.

[3] في عام 1961: عندما هدَّد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم باحتلال الكويت، دفعت بريطانيا ـ وكانت القوة المسيطرة في الخليج آنذاك ـ بقواتها إلى المنطقة لإحباط محاولته. كان التدخل من جانب بريطانيا، ثم من جانب جامعة الدول العربية في أزمة الكويت، في ذلك الوقت، يعني أن كلاَّ من بريطانيا والدول العربية مصمَّمة على منْع العراق من بسط هيمنته على منطقة الخليج بأسْرها.

[4] في ضوء التقدم التكنولوجي الكبير في نظام الاتصالات والمواصلات، أصبح الإعلام أحد القوى المؤثرة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، ومن ثم يستطيع الإعلام من خلال الوسائل المختلفة " المسموعة ـ المقروءة ـ المرئية " من حشد قوى الرأي العام لتأييد القرار السياسي أو العسكري.

[5] يعتبر التخطيط الإستراتيجي بمثابة العمود الفقري لإعداد القوات المسلحة، حيث يعني أساساً باستخدامها في الحرب وتأمينها إستراتيجياً وعملياتياً. ويشمل هذ التخطيط على خطة استخدام القوات المسلحة ككل، والأفرع الرئيسية تفصيلاً، وخطة التعبئة والفتح الإستراتيجي وبناء التجميعات الإستراتيجية والعملياتية وخطة الاستطلاع الإستراتيجي إضافة إلى خطة الخداع.

[6] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على توصيل 0.9 مليون طن ميل في اليوم بكوريا "خلال الحرب الكورية"، 1.7 مليون طن ميل في النقل الجوي إلى برلين، 4.4 مليون طن ميل خلال ذروة النقل الجوي إلى إسرائيل في حرب أكتوبر1973.

[7] وصل حجم القوات الأمريكية في 15 سبتمبر 1990 إلى نحو 157 ألف جندي، ومعهم 385 دبابة، 276 قطعة مدفعية، 38 قاذف صواريخ متعددة الأدلة ، 389 تاو، 1043 طائرة ذات اجنحة، 117 طائرة عمودية هجومية. وفي منتصف أكتوبر زاد حجمها ليصل إلى 589 دبابة، 456 قطعة مدفعية، 48 قاذف متعدد الأدلة، 261 طائرة عمودية هجومية، 668 طائرة عمودية انواع أخرى. أما القوات الجوية فقد وصلت إلى إجمالي 830 طائرة قتال، و1150 طائرة أنواع أخرى، كما تم فتح حاملة الطائرات جون كينيدي لتحل محل الحاملة أيزنهاور في البحر الأحمر، وحاملة الطائرات ساراتوجا لتحل محل الحاملة أندبندانس في بحر العرب.

[8] قد يضم مسرح الحرب على مستوى الدولة عدد من مسارح العمليات، ويمكن أن يمتد هذا المسرح خارج حدود الدولة في ضوء سياستها العسكرية وأهدافها الإستراتيجية.

[9] الفيلق السابع يضم 1200 دبابة، 1046 عربة قتال مدرعة برادلي (م ـ 2/3). أما الفيلق 18 وهو الفيلق الذي تم فتحه مع بداية الأزمة، فكان يتكون من 738 دبابة، 647 عربة قتال مدرعة (م ـ3) كما تم مضاعفة حجم قوة المشاة البحرية. كما زيدت حجم القوات البرية البريطانية والفرنسية والمصرية، حيث تم فتح القوات الإضافية قبل بدء الحملة الجوية أي قبل 17 يناير 1991 (الفرقة الأولى المدرعة البريطانية والفرقة السادسة الخفيفة الفرنسية والفرقة الرابعة المدرعة المصرية).

[10] كان مقرراً أن يتم شن الهجمات بالفيلق السابع في اليوم الثاني للقتال، متزامناً مع هجوم القوات المصرية والسعودية والكويتية بالمنطقة الشمالية، وإزاء سرعة التقدم كان لا بد من ضغط الجدول الزمني الأساسي. لهذا السبب ثم تغيير توقيت الهجوم الرئيسي من الرابعة من صباح يوم 25 فبراير  1991 إلى الرابعة من عصر يوم 24 فبراير 1991، أي أن الموعد تم تقديمه أثنتى عشرة ساعة.