إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

ثانياً: النتائج والدروس المستفادة من خلال الإعداد والتخطيط

1. الفتح الإستراتيجي للقوات

    واجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها العديد من المشاكل الإستراتيجية الرئيسية، في بناء القوات العسكرية، للدفاع عن المملكة العربية السعودية. وكان عامل الوقت، ومستويات القدرات القتالية في مقدمة تلك المشاكل. إذ مثل العراق تهديداً برياً عالي الكثافة، ربما لا يمكن مواجهته بحجم محدود من القوات الجوية، أو بقوة نيران خفيفة، نسبياً، كقوات مشاة البحرية والقوات المحمولة جواً، أو بفِرق اقتحام جوي.

    في اليوم نفسه، الذي غزا فيه العراق الكويت، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات فتح قواتها، لتوفير قدرات الدفاع الضرورية، وآخذة في حسبانها خطتَين:

أ. ضربات ردعية، ضد أهداف في العراق.

ب. فتح قوات، برية وجوية، طبقاً للخطة (1002 ـ 90)، التي طورتها القيادة المركزية لهذا الطارئ.

    ولكن هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، خشيت أن تحمل الضربة الجوية العراق على غزو المملكة العربية السعودية، فقررت فتح قوات، جوية وبرية، تقوى على ردع أي تمادٍ جديد للعدوان العراقي، باندفاعه نحو المملكة العربية السعودية؛ وبناء تحالف عسكري مع المملكة، ودول صديقة أخرى؛ وفرض عقوبات اقتصادية، تبيحها قرارات مجلس الأمن الدولي.

    كان قوام التهديد العراقي مدرعات ثقيلة. والقوات الخفيفة للتحالف، لا تمتلك الوسائل الكافية لهزيمة أحسن الدبابات السوفيتية، لو انتهز صدام حسين الفرصة، وهاجم، في أواخر أغسطس 1990، في اتجاه الدمام. وكان يمكن الفِرقة 82  المحمولة جواً إيقاف دباباته، باستخدام صواريخ (TOW) و(Dragon)؛ ولكن الخسائر ستكون مرتفعة ارتفاعاً غير مقبول.

    إزاء ذلك، عمدت القيادة المركزية الأمريكية إلى تغيير خططها للطوارئ تغييراً، يجعل الأسبقية لفتح الطائرات المقاتلة المضادّة للدروع من نوع (A-10)، والفوج الأول الفرسان المدرع. ومن أجْل الإسراع في نقْل كمٍّ كبير من المدرعات والآليات، قلّلت الولايات المتحدة الأمريكية من أسبقية نقل وحدات الإمداد، وعناصر الدعم الأخرى، على أساس الاعتماد على الدعم المباشر من المملكة العربية السعودية. وبادرت إلى إرسال الفِرقة 82 المحمولة جواً، والفِرقة 24 المشاة الآلية إلى المملكة، من دون قدرات دعمهما العادية، الذي لم تتلقياه، إلا في منتصف نوفمبر 1990.

    وكان من المهم، أن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية بالفتح الرئيسي للقوات، على مسافات بعيدة (Power Projection)، والذي يسمح لها بالإسراع في توفير قوات جوية كاملة داخل المسرح، ودفع قوات برية ثقيلة.

    وفي الوقت نفسه، كان التعاون الأمريكي ـ السعودي ضرورة، لتحقيق أقصى درجة من الردع، في إطار الإمكانات المتيسرة، قبْل أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من فتح قوة قتالية ملموسة. وتطلب الأمر عشرة أيام، على الأقل، ليمكن الولايات المتحدة الأمريكية، أن تبدأ بفتح رئيسي لقوة جوية مقاتلة ملائمة، والإسراع في دفع قوات مشاة خفيفة مقاتلة، تؤمن فتح القوات البرية الثقيلة.

    لقد كان حشد قوات من 37 دولة، لتأمين الدفاع عن المملكة العربية السعودية، إنجازاً مدهشاً؛ على أساس قِصَر الوقت، وطول المسافات. وكان للنقل، الجوي والبحري، دَور مهم في إنجاح ذاك الحشد وذلك الفتح؛ إذ اضطلع النقل الجوي بدور جديد في دعم فتح القوات، وبلغ حجمه اليومي، خلال فترات الذروة، 17 مليون طن/ ميل، أو أربعة أضعاف أقصى أداء أمريكي سابق[6].

    واتسم النقل الجوي، كذلك، بخفة حركة حيوية في المسرح. وقدِّرت مهامه، من الأرجنتين وبريطانيا وكندا وفرنسا ونيوزيليندا وألمانيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية، بإجمالي 222064 طلعة. وفي الوقت نفسه، وفّرت طائرات تزويد الوقود جسراً لإعادة الإمداد الجوي، لأكثر من 1000 طائرة أمريكية، عبْر المحيطين، الأطلسي والهادي. واقتضى كذلك فتح مقاتلات، لتطير حوالي 6900 ميل، من دون توقف، وتستغرق ما بين 15 و16 ساعة.

    وقد واجهت القوات الجوية الأمريكية عدة مشاكل في توفير الدعم. إذ كانت قادرة على إحضار أسلحتها وأفرادها والمواد الإدارية الحيوية جواً، واعتمدت على المملكة العربية السعودية، بالنسبة إلى باقي الإمدادات؛ ومع ذلك، فقد استغرق فتحها وقتاً طويلاً إلى حدٍّ ما. بيد أنها استطاعت فتح قوة جوية، في أقلّ من شهرَين، تقترب من حجم كل القوة الجوية العراقية، بل تفُوقها، إمكانات وتقنية.

    كما عمدت إلى فتح مجموعتَي حاملة طائرات، يزيد قوامهما على 100 طائرة قتال وعشر سفن قتالية أخرى. أما مجموعة الحاملة إيزنهاور (Eisenhower)، فلم تصل إلا في 24 أغسطس 1990. وكذلك، البارجة ويسكونسن (Wisconsin)، التي وفّرت أول قدرة حقيقية لاستخدام صواريخ توماهوك (كروز) (Tomahawk Cruise) الهجومية، لم تصل إلا في التاريخ نفسه.

    ومن أجْل دعم النقل البحري، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى استدعاء 17 سفينة أسطول نقْل وشحن، بل استأجرت سفناً إضافية. وحملت أول سفينة نقْل بحري، عناصر الفِرقة 24 المشاة الآلية، من ميناء سافانا، في ولاية فلوريدا.

    واستكملت الولايات المتحدة الأمريكية، تدريجاً، فتح الفيلق 18، ومجموعة مشاة البحرية، اللذَين اتخذا أوضاعهما الدفاعية، عند الظهران، وشمال غرب الجبيل، وبعض المناطق الساحلية المجاورة[7]. وأدى هذا الفتح إلى تكوين خط دفاعي، من قوات آلية، عبْر المحورَين الأكثر احتمالاً لتقدم القوات العراقية.

    كما بدأت قوات، مصرية وفرنسية، بالفتح، تدريجاً، في مدينة الملك خالد العسكرية، تلاه فتح قوات سورية.

    لقد أظهرت عملية حشد القوات ونقلها، العديد من الصعوبات، خاصة بالنسبة إلى دول العالم الثالث، مثل مصر وسورية وغيرهما، والتي لا تتأتّى لها إمكانات نقْل إستراتيجي، ومما أدى إلى تأخير فتح جزء كبير من قواتها، خاصة التشكيلات المدرعة.

    وبالنسبة إلى تسهيلات النقل، لفتح القوات، فقد ساعدت المطارات والطرُق المتطورة، في دول مجلس التعاون، خاصة في المملكة العربية السعودية، على سرعة تدفّق قوات التحالف إلى مناطق تمركزها. ففي مجال النقل الجوي، سمحت المطارات بسرعة إنشاء جسر جوي، شارك فيه أكثر من مائة وخمسين طائرة نقل عملاقة، بمعدَّل طائرة واحدة كل عشر دقائق، خلال عمليتَي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء". وأتاحت استقبال ما يزيد على 550 ألف طن، من العتاد والاحتياجات والأفراد، نقلوا عبْر الجسر الجوي الأمريكي، وحده.

    وأسهمت 27 قاعدة جوية ومطاراً، في دول مجلس التعاون، في تسهيل أعمال النقل الجوي داخل المسرح، والتي شاركت فيها طائرات النقل الجوي الأمريكية، وحدها، بما يزيد على 9500 طلعة، نقلت قوات وذخائر، من قواعد الإمداد الجوي الرئيسية، التي تمثل نهايات الجسر الجوي، في المملكة العربية السعودية إلى مطارات الإمداد المتقدمة في المسرح.

    وفي مجال النقل البري، أشار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية إلى الكونجرس، في يوليه 1991، إلى أنه كان مطلوباً، في مسرح العمليات، 1200 شاحنة نقْل ثقيلة، خلال عملية "درع الصحراء"، لنقل المعدات الثقيلة، والاضطلاع بأعمال المناورة، في اتجاه الغرب، قبل بدء العملية؛ لم يكن لدى القوات الأمريكية منها أكثر من 500 شاحنة. إلا أنه أمكن التغلب على هذا العجز، بالدعم الذي تلقّته القوات الأمريكية من الدولة المضيفة، وبعض الدول الحليفة الأخرى؛ فسدّت المملكة العربية السعودية ومصر، أكثر من 60% من هذا العجز (330 شاحنة من السعودية، 100 شاحنة من مصر).

    وكان لهذه الشاحنات العملاقة أهمية قصوى في نقْل المعدات، من موانئ المملكة العربية  السعودية إلى مناطق الفتح والانتشار في الجبهة، التي يراوح بعدها عنها بين 450 و500 كم. وطبقاً لما جاء في تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، فإنه من دون هذه الشاحنات، كان من الصعب نقْل القوات والمعدات الثقيلة، هذه المسافات البعيدة، في الوقت الملائم.

    ولم تقتصر تسهيلات النقل، التي قدمت إلى قوات التحالف، على الشاحنات الثقيلة، بل امتدت إلى كافة أنواع الشاحنات، التي احتاجت إليها تلك القوات. فاستأجرت القوات الجوية الأمريكية، التي تدفقت إلى المملكة العربية السعودية، خلال أغسطس 1990، مثلاً، الشاحنات والسيارات التي احتاجت إليها. وخلال عدة أسابيع، كانت القوات الأمريكية، قد استأجرت كل ما يلزمها في مناطق انتشارها.

    كما ساعدت البِنية الأساسية، في القواعد البحرية والموانئ، وبما يتوافر فيها من إمكانات شحن وتفريغ، على سهولة استقبال سفن نقْل القوات والمعدات وتفريغها، بسهولة. وأسفر ذلك عن تحويل بعض الموانئ إلى موانئ عسكرية فقط، من دون التأثير في مطالب الدولة الداخلية.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  وفقاً للمصطلح الجغرافي والمساحة، يُعَدّ نشر القوة الجوية الأمريكية، وانتقالها من الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا وغربي آسيا، أضخم عملية من نوعها في التاريخ. إذ نقلت الولايات المتحدة الأمريكية 46% من إجمالي قواتها الجوية على أرضها. ونهض بها جسر جوي، بينها وبين منطقة الخليج، قوامه 12 سرباً من طائرات الشحن العملاقة من نوع (C-5) و7 أجنحة من طائرات (C-141). كما استُعِين باحتياطي الطيران المدني الأمريكي، الذي يتألف من 95 طائرة ركاب مدنية، و63 طائرة شحن. وتمكنت هذه الأساطيل من نقْل 482 ألف جندي، و513 ألف طن من المعدات، خلال ستة أسابيع.

(2)  ساعدت دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة المملكة العربية السعودية، على توفير قاعدة وطيدة، لتأمين عمليات الحشد والفتح الإستراتيجي للقوات، بما أَوْلته حكومات هذه الدول من اهتمام، لتطوير بِناها الأساسية، خلال السنوات السابقة للغزو العراقي، (موانئ ـ مطارات ـ طُرُق ـ مدن عسكرية ـ مستودعات ـ معامل تكرير النفط ـ مشروعات تحلية المياه..إلخ)، والتي أصبحت تفوق مثيلاتها في كثير من الدول الأوروبية. فقد سهلت تلك البِنى عمليات استقبال القوات والمعدات والاحتياجات وتفريغها ونقلها إلى مناطق الفتح والانتشار، المحددة لها في مسرح العمليات. كما أسهمت، ولا سيما تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية، في تذليل المعوقات، أمام قرارات القادة الميدانيين، أو تلبية احتياجاتهم، سواء خلال فترة التحضير، أو إبّان الحرب.

(3)  إن نسبة كبيرة من رحلات الطيران، التي حملت شحنات ضخمة، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مسرح العمليات في الخليج ـ مرت بقواعد جوية ضخمة، ومجهزة تجهيزاً تقنياً عالياً، في رينماين (Rhein Main)، في ألمانيا؛ وفي تورجن (Torre Jen)، في أسبانيا. ولولا هذه القواعد، لأصبح مجهود النقل الجوي لدعم المسرح، أكثر صعوبة.

(4)  إن سهولة عملية الحشد، لا يمكن أن تُؤخذ مقياساً لعمليات مستقبلية أخرى. إذ لم تتعرض القوات، سواء أثناء تحركها، أو خلال عمليات التفريغ، داخل المطارات أو الموانئ أو المنشآت المساندة لها، لعمليات هجوم جوي أو عمليات تخريب، من جانب العراق ؛ فنجاح قوات التحالف في عمليات الحشد والفتح الإستراتيجي للقوات، حققته، إذاً، سلبيات رد الفعل العراقي تجاه تلك العمليات.

ب. الدروس المستفادة من الفتح الإستراتيجي للقوات

(1)  أهمية الإعداد المسبق لمسرح العمليات. وهو شيء ليس بالجديد. ولكن، مع الحجم الكبير، من الأفراد والمعدات، الذين احتشدوا من 37 دولة، اتضحت أهمية البِنية الأساسية للدولة، من طُرُق وجسور وموانئ ومطارات ومرافق أخرى، في حشد وفتح القوات. لذا، هنا يجب أن تستمر الدولة، طوال فترة الإعداد للصراع، في استكمال بِنيتها الأساسية وتحسينها وإعداد مسرح العمليات، في اتجاهات التهديد المختلفة، من جميع الأوجُه، الهندسية والطبوغرافية والاقتصادية والعسكرية، وعدم الانتظار حتى حدوث العمليات الحقيقية.

(2)  أهمية توافر وسائل نقْل، جوية وبحْرية، على مستوى القوى العظمى، من أجْل تسهيل فتح قواتها، من قواعدها المختلفة إلى مسارح الأزمات أو الصراعات المنتظرة. أما دول العالم الثالث، خاصة تلك التي يمكن أن تشارك في عمليات، خارج مسرح عملياتها، أو التي يمتد مسرح حربها[8] إلى خارج حدودها ـ فمن الضروري أن توفّر، ضمن إمكاناتها، وفي إطار خطة إعداد الدولة للدفاع، الوسائل اللازمة للنقل الإستراتيجي (بحري ـ جوي)، لحجم ملائم من قواتها، البرية والجوية؛ وأن تتعدد تلك الوسائل، لتلائم المعدات والأسلحة المطلوب نقْلها، وتنقل أكبر قدر ممكن من القوات، في أقلّ وقت ممكن؛ وأن تضع خطة تفصيلية لتعبئة إمكانات النقل، المدني الجوي والبحري، لمواجهة المواقف الطارئة.

(3)  أهمية تدريب القوات وعناصر النقل على عمليات نقْل القوات، خلال مرحلة إعداد القوات أو خلال فترات التدريب على مهام العمليات. وكذا إجراء التدريب على تعبئة وسائل النقل المدنية.

2. نجاح التخطيط لمواجهة كافة الاحتمالات

أ. تخطيط الحملة الجوية

    كان على المخططين أن يحددوا حجم المجهود الجوي للقصف الإستراتيجي، الذي يمكنه أن يؤثّر، بسرعة، في القدرات العسكرية العراقية، وأن يدعم المعركة البرية، من خلال استنزاف القدرات العراقية، وإنزال خسائر بها، "تصل إلى نحو 50%". وعليهم، كذلك، أن يحددوا أهدافاً حيوية للقصف الإستراتيجي، سياسية واقتصادية وعسكرية. ثم تحديد وسائل التنفيذ.

    وليس غريباً، أن تلك الجهود المفاجئة في تطوير خطة الحملة الجوية الإستراتيجية، قد حققت نتائج مختلفة، نظراً إلى مرونتها. ولئن كانت الخطة الأساسية لحملة القصف الإستراتيجي في الرعد الوشيك(Instant Thunder)، خلال المرحلة الأولى من الدفاع ـ نظرية وأكاديمية، إلى حدٍّ ما، فإن التعديلات، التي طرأت عليها، نفذت تنفيذاً سريعاً وأكثر تطوراً.

    وعلى سبيل المثال (اُنظر جدول مراحل تدمير الأهداف العراقية في حرب الخليج):

    كانت الأهداف المدنية المخطط تدميرها، في 20 أغسطس 1990، في خطة الرعد الوشيك، تتمثل في 43 هدفاً، (محطات توليد الكهرباء ـ المنشآت الحكومية ـ مصافي البترول ـ السكة الحديدية ـ الجسور …)، ثم ازدادت، في بداية الحملة الجوية، لتصبح 151 هدفاً. وفي الأيام الأخيرة من الحرب، وصلت إلى 336 هدفاً.

    أما الأهداف العسكرية (القواعد الجوية ـ المطارات ـ وسائل الدفاع الجوي الإستراتيجي)، فتمثلت، في التاريخ نفسه، ووفق الخطة عينها، في 17 هدفاً. وارتفعت في بداية الحملة الجوية، إلى 123 هدفاً. وقبَيل نهاية الحرب، وصلت إلى 176 هدفاً.

    إن إجمالي الأهداف، في خطة الرعد الوشيك (20 أغسطس 1990)، وصلت إلى 84 هدفاً. وارتفعت، في بداية الحملة الجوية، إلى 481 هدفاً. ثم اطّرد ازديادها، قُبَيل نهاية الحرب، لتصبح 772 هدفاً.

    ويوضح هذا المثال، أن ازدياد الأهداف ناجم عن التطورات الطارئة على نوعية التخطيط، ومستوى الجهد المبذول في تطوير الخطة الإستراتيجية، والسرعة في تحديد الأهداف، التي استجدت لدى بدء الحرب. وهو موقف صعب، حرج، يقتضي ابتكار وسائل ذات فاعلية عالية للقصف الإستراتيجي، مع حل مشاكل تحديد الأهداف، والتي تتطلب جهداً جاهداً من أجهزة الاستخبارات. ومع تطبيق الإستراتيجية المطوَّرة كان لا بدّ من تطوير قائمة أهداف، يمكن التعامل معها، بفاعلية، في الوقت المتيسر، وفي ضوء معلومات الاستخبارات والاستطلاع.

    وعلى الرغم من تطوير خطة الحملة الجوية السريع، فإنها كانت مرنة إلى حدٍّ، أتاح لها استيعاب جميع التعديلات. وأدركت القيادة الجوية مدى الحاجة إلى ثورة أساسية، في تحديد الأهداف، والوسائل التي تجعل القوة الجوية الإستراتيجية ذات فاعلية كبيرة.

ب. تخطيط الحملة البرية

    أدى تعديل خطة الحملة البرية، بفتح الفيلق السابع الأمريكي[9]، من ألمانيا إلى مسرح الخليج، بعد إعلان الرئيس بوش، في 8 نوفمبر 1990، دعم المسرح بقوات جديدة ـ أدى إلى تعديل المقارنة بين قوات التحالف والعراق. وبحلول وقت الهجوم البري، كانت الخطة قد عدِّلت، بعد ازدياد حجم القوات البرية الأمريكية.

    كان تشكيل قوات التحالف، عندما بدأ الهجوم البري، من أكثر تشكيلات المعركة، المتعددة الجنسيات، تعقيداً، في التاريخ العسكري. كانت قوات الضربة الرئيسية، في أقصى الغرب، تتكون من الفيلقَين السابع والثامن عشر. وكانت قوات الهجوم الأخرى، تتشكل تحت قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، في المنطقة الشمالية، وفي المنطقة الشرقية، تدعمها قوة من مشاة البحرية الأمريكية (IMEF).

    ولقد شُكلِّت القوات ونُظمت، داخل مسرح العمليات، بما يسمح بتحديد المهام، والحدود بين التشكيلات، ومراحل التقدم (خطوط المهام)، تحديداً دقيقاً؛ ويُسهل عملية القيادة والسيطرة في قوة متعددة الجنسيات. وفي الوقت نفسه، عيِّنت مجموعة من ضباط الاتصال، من القوات البرية والقوات الجوية، والتي كانت حيوية بالنسبة إلى الهجوم البري؛ إذ إن وسائل الاتصالات البرية، كانت غير مضمونة. وحققت تلك الإجراءات إنجازاً رائعاً، في التعاون بين القوات الأمريكية والقوات المشتركة، من دون أي احتكاكات.

    كذلك، أتاحت، هذه الإجراءات مرونة عالية، في التخطيط وإمكانية تعديله، خلال مراحل المعركة. وخير مثال لمرونة هذا التخطيط، أن القيادة المركزية الأمريكية، قدّرت أن الهجوم البري، طبقاً لتقدير الدفاعات العراقية وإمكاناتها، سيستغرق أسبوعَين، وسيستلزم تأمين الأوضاع، بعده، أربعة أسابيع. واستدعت هذه المبالغة في قوة الجانب العراقي، نفقة باهظة على التأمين، الإداري والمادي. وكان الدافع إلى التطوير، هو التمادي في مبدأ السلامة. ولكن، ضاعف ذلك من الطلب على النقل، الجوي والبحري. ومع ذلك، عدِّلت الخطة، ونفِّذت خلال الفترة من 24 إلى 28 فبراير 1991، كما طوِّر تخطيط الاحتياجات والتحركات الإدارية.

    ومثال آخر لهذه المرونة، وهو أن التخطيط السابق للتخطيط النهائي للحملة البرية، تركز في اضطلاع الفيلق 18 بعملية اختراق، وينهض الفيلق السابع بتطويرها في العمق. وفكرة أخرى، وهي شن الفيلق السابع هجوماً، من الغرب، وإلى يمينه (إلى الشرق) الفيلق 18. ومع ذلك، فإن الخطة كانت مرنة إلى حدِّ استيعاب أي تعديل. ومن ثَم، قضت صورتها النهائية بوضع الفيلق 18 في أقصى الغرب، وباضطلاع الفيلق السابع بتنفيذ عملية اختراق إلى يمينه (إلى الشرق)، وتوجيه ضربة مركزة خطافية (Left Hook) من مواقع، في المنتصف (اُنظر خريطة خطة الهجوم البري للتحالف).

    كذلك، أدت سرعة انهيار القوات العراقية وانسحابها، إلى تعديل الخطة، أثناء سير العمليات البرية، أملته النجاحات الابتدائية للتحالف، والذعر الناتج منها. فسارعت القيادة المركزية إلى استباق الجدول الزمني لهجوم الفيلق السابع، بتبكيره 13 ساعة، وسرعة عزل مسرح العمليات الكويتي عن البصرة.

    وعلى أثر انهيار القوات العراقية، في اليوم الأول للقتال، استقدمت توقيتات الهجوم لقوات المنطقة الشمالية، مدة 12 ساعة[10]، من أجْل المحافظة على التوازن الهجومي، داخل مسرح العمليات، بمعنى ألا تكون قوات المنطقة الشمالية، متأخرة عن باقي القوات. وهو أمر أمكن تنفيذه، من دون أن يحدث إرباكاً لتنفيذ العملية بشكل عام.

ج. نقاط القوة

    اتصف تخطيط الحملة، الجوية والبرية، لقوات التحالف، بالمرونة، التي تسمح بتعديلها، من دون حدوث أي خلل في التنفيذ. كما أن شن حملة جوية ناجحة، كان مكملاً لتخطيط الحملة البرية؛ إذ إن الحملة الجوية كانت تهدف إلى القضاء على 50% من الوحدات البرية العراقية، و90% من المدفعية العراقية، في المناطق، التي يُتوقع أن تشهد عمليات اقتحام.

د. الدروس المستفادة من التخطيط للحملة، الجوية والبرية

(1)  أهمية التخطيط لمواجهة كافة الاحتمالات، من دون استبعاد أي تهديد، مهما كان مستحيلاً.

(2)  أهمية تحديد الخطط، طبقاً للمتغيرات، إضافة إلى اتصافها بالمرونة.

(3)  أهمية مهام ضباط الاتصال ودورهم في تحقيق التعاون الكامل بين القوات، خلال مراحل الإدارة الفعلية للحرب، مع ضرورة تطوير هذا الدور، ليسمح بتنسيق أفضل، في المستقبل، خاصة بين الأفرع الرئيسية.

3. القيادة والسيطرة

    للمرة الأولى، تشترك قوات مسلحة من 37 دولة متحالفة، بعقائد ولغات ولهجات وديانات وأسلحة ومعدات وذخائر مختلفة. ومن أجْل قيادة وسيطرة مستمرة، وتعاون وتنسيق مستمر، بين القيادات وتلك الأعداد الهائلة من القوات، ابتُدع نظام حازم وصارم، وصل إلى حدِّ الإعجاز، فخيّب تنبؤات الخبراء العسكريين بحدوث مشاكل عديدة، في هذا المجال. وكان أساس رفع كفاءة هذا النظام، هو وضع إجراءات العمل المستديمة لمراكز القيادة والسيطرة، وتبادل ضباط الاتصال، والتدريب المستمر للقيادات، والتدريب المشترك للوحدات والتشكيلات.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  خلقت حرب الخليج تغايراً حادّاً، في كثير من عناصر بناء القيادة والسيطرة لقوات التحالف، عن تلك التي كانت موجودة قبل الحرب. فأظهرت وحدة القيادة فاعلية كبيرة في استقلال العمليات المشتركة، بواسطة كل الأفرع الرئيسية. وقد تضاعفت هذه الفاعلية، مع تكامل وسائل الاتصالات ونُظُم التخطيط. وأثبتت حرب الخليج، كذلك، أن تفويض السلطة، بواسطة القادة السياسيين إلى القادة العسكريين، وبوساطة القادة العسكريين إلى القادة في أرض المعركة ـ أدى إلى فاعلية السيطرة على القوات، ونجاح التخطيط الإستراتيجي المشترك.

(2)  اعتماد قوات التحالف على حاسبات القيادة والسيطرة، والمواصلات والاستطلاع والاستخبارات ونُظُم إدارة المعركة، والقدرة على جعل هذه النُظُم قادرة على العمل بكفاءة، في خضم قتالي عالي الكثافة.

(3)  واجهت الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها، قبْل بدء القتال، مشاكل حرجة في التخطيط والتدريب والمعدات، للقيادة والسيطرة، ووسائل الاتصالات، والاستطلاع والاستخبارات، وإدارة المعركة؛ كان يمكنها أن تعوق العمليات العسكرية للتحالف.

ب. الدروس المستفادة من القيادة والسيطرة

(1)  أهمية نُظُم القيادة والسيطرة والاتصالات، في إدارة المعركة، سواء إدارة العمليات الهجومية الجوية الواسعة، أو خلال العمليات الهجومية البرية، التي تتصف بالسرعة في تنفيذ الأعمال القتالية.

(2)  ضرورة إعادة تنظيم أسلوب القيادة والسيطرة، في ضوء النتائج التي أسفرت عنها حرب تحرير الكويت، من أجْل مواجهة المشاكل الحرجة، في التخطيط وإعداد القوات وقت الحرب.

(3)  أهمية استغلال التطور التكنولوجي، الذي طرأ على استخدام حاسبات القيادة والسيطرة، من أجْل تحقيق الاتصالات والسيطرة على القوات، خلال مراحل إدارة العمليات، خاصة مع تزايد المعدل العالي لهذه العمليات.

(4)  أهمية تكامل أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات، والتدريب المستمر للقيادات، وقت السلم، من خلال مشروعات مراكز قيادة أو مباريات حربية.


 



[1] جولدووتر : "باري موريس جولدووتر"، سيناتور عن ولاية أريزونا، وكان ضابطاً بالقوات الجوية الأمريكية. وصل إلى رتبة  اللواء، وعمل رئيساً للجنة الاستخبارات بالكونجرس، ورئيساً للجنة القوات المسلحة بالكونجرس. نيكولاس: "وليم فلاينت نيكولاس" عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية ألباما. اشترك في الحرب العالمية الثانية، حيث خدم خمس سنوات بالمسرح الأوروبي. تولى عدة مناصب إدارية، ومثل ولاية ألباما عن الحزب الديموقراطي منذ عام 1959.

[2] حدد القانون العديد من صلاحيات كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة، ورؤساء أركان الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والقادة الميدانيين وكان أبرزها:

· أصبح رئيس هيئة الأركان المشتركة، المستشار العسكري لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع.

· منح رئيس هيئة الأركان المشتركة صلاحية التشاور والتنسيق مع رؤساء الأركان الآخرين، والقادة الميدانيين، وفرض توجيهاته وتعليماته للتنفيذ.

· أصبح لرؤساء أركان الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وقائد مشاة البحرية عملان في وقت واحد: أولهما، أنهم مستشارون لرئيس هيئة الأركان المشتركة ومن خلاله لوزير الدفاع. وثانيهما، مسؤوليتهم الكاملة عن تدريب قواتهم وإمداداتها لضمان جاهزيتها للقتال.

  كما حدد القانون مسؤوليات رئيس هيئة الأركان المشتركة، والتي تتلخص في الآتي:

· التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة الأمريكية ـ التقدير المستمر لقدرات العدائيات المحتملة في مواجهة قدرات القوات المسلحة الأمريكية.

· رفع التقارير إلى وزير الدفاع مبيناً نقاط القوة والضعف في الأفرع الرئيسية المختلفة، وكيفية استخدام الموارد المتاحة أفضل استخدام.

· بناء نظام للتقييم المستمر للاستعداد القتالي في الأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات.

· اقتراح احتياجات الموازنة التي تتفق مع التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة.

· تطوير عقائد العمليات المشتركة

· وضع وكالات الدفاع المختلفة والأنشطة الميدانية تحت سيطرة رئيس هيئة الأركان المشتركة أو سيطرة وزير الدفاع.

· حدد القانون أسلوب تدريب الضباط على تنفيذ مهامهم في العمليات المشتركة، وأسلوب الترقية إلى الرتب العليا.

· جعل هذا القانون القائد العام الميداني هو المسؤول وحده عن تنفيذ المهام القتالية، وله السيطرة على جميع وحدات وتشكيلات القوات البرية والجوية والبحرية في مسرح العمليات.

[3] في عام 1961: عندما هدَّد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم باحتلال الكويت، دفعت بريطانيا ـ وكانت القوة المسيطرة في الخليج آنذاك ـ بقواتها إلى المنطقة لإحباط محاولته. كان التدخل من جانب بريطانيا، ثم من جانب جامعة الدول العربية في أزمة الكويت، في ذلك الوقت، يعني أن كلاَّ من بريطانيا والدول العربية مصمَّمة على منْع العراق من بسط هيمنته على منطقة الخليج بأسْرها.

[4] في ضوء التقدم التكنولوجي الكبير في نظام الاتصالات والمواصلات، أصبح الإعلام أحد القوى المؤثرة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، ومن ثم يستطيع الإعلام من خلال الوسائل المختلفة " المسموعة ـ المقروءة ـ المرئية " من حشد قوى الرأي العام لتأييد القرار السياسي أو العسكري.

[5] يعتبر التخطيط الإستراتيجي بمثابة العمود الفقري لإعداد القوات المسلحة، حيث يعني أساساً باستخدامها في الحرب وتأمينها إستراتيجياً وعملياتياً. ويشمل هذ التخطيط على خطة استخدام القوات المسلحة ككل، والأفرع الرئيسية تفصيلاً، وخطة التعبئة والفتح الإستراتيجي وبناء التجميعات الإستراتيجية والعملياتية وخطة الاستطلاع الإستراتيجي إضافة إلى خطة الخداع.

[6] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على توصيل 0.9 مليون طن ميل في اليوم بكوريا "خلال الحرب الكورية"، 1.7 مليون طن ميل في النقل الجوي إلى برلين، 4.4 مليون طن ميل خلال ذروة النقل الجوي إلى إسرائيل في حرب أكتوبر1973.

[7] وصل حجم القوات الأمريكية في 15 سبتمبر 1990 إلى نحو 157 ألف جندي، ومعهم 385 دبابة، 276 قطعة مدفعية، 38 قاذف صواريخ متعددة الأدلة ، 389 تاو، 1043 طائرة ذات اجنحة، 117 طائرة عمودية هجومية. وفي منتصف أكتوبر زاد حجمها ليصل إلى 589 دبابة، 456 قطعة مدفعية، 48 قاذف متعدد الأدلة، 261 طائرة عمودية هجومية، 668 طائرة عمودية انواع أخرى. أما القوات الجوية فقد وصلت إلى إجمالي 830 طائرة قتال، و1150 طائرة أنواع أخرى، كما تم فتح حاملة الطائرات جون كينيدي لتحل محل الحاملة أيزنهاور في البحر الأحمر، وحاملة الطائرات ساراتوجا لتحل محل الحاملة أندبندانس في بحر العرب.

[8] قد يضم مسرح الحرب على مستوى الدولة عدد من مسارح العمليات، ويمكن أن يمتد هذا المسرح خارج حدود الدولة في ضوء سياستها العسكرية وأهدافها الإستراتيجية.

[9] الفيلق السابع يضم 1200 دبابة، 1046 عربة قتال مدرعة برادلي (م ـ 2/3). أما الفيلق 18 وهو الفيلق الذي تم فتحه مع بداية الأزمة، فكان يتكون من 738 دبابة، 647 عربة قتال مدرعة (م ـ3) كما تم مضاعفة حجم قوة المشاة البحرية. كما زيدت حجم القوات البرية البريطانية والفرنسية والمصرية، حيث تم فتح القوات الإضافية قبل بدء الحملة الجوية أي قبل 17 يناير 1991 (الفرقة الأولى المدرعة البريطانية والفرقة السادسة الخفيفة الفرنسية والفرقة الرابعة المدرعة المصرية).

[10] كان مقرراً أن يتم شن الهجمات بالفيلق السابع في اليوم الثاني للقتال، متزامناً مع هجوم القوات المصرية والسعودية والكويتية بالمنطقة الشمالية، وإزاء سرعة التقدم كان لا بد من ضغط الجدول الزمني الأساسي. لهذا السبب ثم تغيير توقيت الهجوم الرئيسي من الرابعة من صباح يوم 25 فبراير  1991 إلى الرابعة من عصر يوم 24 فبراير 1991، أي أن الموعد تم تقديمه أثنتى عشرة ساعة.